الثلاثاء، 4 يونيو 2013

عن جريدة القاهرة وصلاح عيسى

 


صلاح عيسى




بقلم: السماح عبد الله





في عام 2003 عندما حصلت على جائزة الدولة التشجيعية في الشعر اتصل بي الدكتور عماد أبوغازي وكان وقتها يشغل منصب رئيس الإدارة المركزية للشعب واللجان بالمجلس الأعلى للثقافة طالبا مني الحضور لمكتبه ليسلمني الشيك الخاص بالجائزة، تحدثنا وقتها عن بعض المشكلات التي تعاني منها الثقافة المصرية واقترحت عليه بعض الحلول لهذه المشكلات، ضحك الدكتور عماد وقتها ضحكة عالية وهو يعلق على كلامي وأعقب ضحكته قائلا :

- " نحن بحاجة لثورة كبرى لكي يتحقق ما تحلم به "

الغريب في الأمر أن الثورة حدثت بالفعل، والغريب أيضا أن الدكتور عماد أبوغازي نفسه أصبح وزيرا للثقافة، لكن الأغرب من هذا وذاك أن مشكلات الثقافة المصرية ظلت كما هي، تغيرت كثير من وجوه القيادات الثقافية لكن المنهج وأسلوب التفكير لم يتغيرا، ويكفي - عزيزي القاريء – أن أذكر لك حالة واحدة من حالات مشكلاتنا الثقافية لتقف معي على حقيقة ما أقول.


في بداية الألفية الثالثة قام السيد فاروق حسني وزير الثقافة الأسبق بالسطو على مجلة " القاهرة " التي كانت تصدرها الهيئة المصرية العامة للكتاب، في واحدة من أغرب حالات السطو العلني في تاريخنا الثقافي، والتي مرت على المجتمع الثقافي كله في صمت تام مرور الكرام وكأن شيئا لم يحدث وبراءة الأطفال في عيون الوزير البراقة، في ذلك الوقت كنا نسمع في المنتديات والمقاهي عن المشاريع الكبرى التي ينتوي السيد الوزير إقامتها، منها إطلاقه لقناة فضائية تعرض لإنجازات الوزارة ومنها إنشاؤه لجريدة أسبوعية تكون لسان حال الوزارة وتدافع عن السيد الوزير ومعاونيه في وقت ارتفعت فيه حدة انتقاد الأداء الثقافي للوزير الذي يعد أشهر وزير نال انتقادا وهجوما، وكان من أبرز منتقدي السيد الوزير وسياساته ومعاونيه الكاتبة نعمات أحمد فؤاد والأديبة سكينة فؤاد والشاعر فاروق جويدة والأديب جمال الغيطاني الذي كان في البداية من مؤيديه ثم انتقل إلى كتيبة معارضيه ثم ارتد مرة أخرى إلى حظيرة المؤيدين، بالإضافة إلى الكاتب صلاح عيسى الذي سيتحول للتأييد السافر بعد أن أدار مؤشر رؤيته بنسبة 180 درجة، مما استدعى ضرورة تدشين آلة إعلامية جهنمية لمواجهة هذه الانتقادات، ولا أعرف تحديدا ما هو حجم العقبات التي حالت دون إطلاق القناة الفضائية لكنني أعرف جيدا حجم التيسيرات التي سهلت له إنشاء جريدة أسبوعية ظهرت منذ أكثر من أحد عشر عاما ومازالت تظهر حتى يومنا هذا بشكل أسبوعي، وذلك لأنني كنت شاهد عيان على هذه المؤامرة الخسيسة بحكم عملي مديرا لتحرير مجلة " القاهرة " .


كنا وقتها – نحن أعضاء هيئة تحرير مجلة " القاهرة " – نقدم واحدة من أهم المجلات الثقافية التي شهدتها الحياة الثقافية ربما منذ الأربعينيات، حيث كنا نفرد ملفات فكرية كبرى تناقش القضايا الملحة على الساحة المحلية والعربية والعالمية ونستكتب كتابا غربيين يكتبون خصيصا لنا ونشتبك مع الواقع الثقافي في عدد من القضايا الملحة وكثير من الأعداد كنا نخصصها بالكامل لمناقشة فكرة أو استعراض الجوانب الإصلاحية عند أحد المفكرين، المدهش أن مجلة " القاهرة " كانت تنفد فور صدورها وكان المثقفون يتوافدون على مقر المجلة للحصول على نسخة منها وكنا نصاب بالحرج البالغ لأن أعداد المجلة بالفعل نفدت، بل إن كثيرا من أعداد المجلة كان يعاد طبعها وتنفد أيضا في طبعتها الجديدة، وقد شهدت مطابع هيئة الكتاب حالة شديدة الغرائبية عندما اكتشفنا أن ثلاثة أعداد هي الأكثر طلبا من قبل القراء والمثقفين فقدمنا لرئيس الهيئة اقتراحا بإصدار الأعداد الثلاثة في مجلد واحد وهي الفكرة التي لم يوافق عليها الدكتور سمير سرحان مما تطلب استصدار قرار من وزير الثقافة بالموافقة على إصدار هذا العدد الاستثنائي الذي صدر أول فبراير عام 1996 في قرابة السبعمائة صفحة من القطع الكبير وضم الأعداد الخاصة عن شادي عبد السلام وطه حسين ونصر حامد أبوزيد، لكن يبدو أن الثقل الثقافي والفكري الذي كانت تمثله مجلة " القاهرة " ذالك الحين كان أكبر من أن يحتمله الواقع السياسي المصري فبدأت المضايقات تظهر شيئا فشيئا للتضييق على صناع المجلة، تارة بتأخير الصدور وتارة بحجب المكافآت وتارة باعتراض عمال المطابع على موضوع يناقش انعكاس التفكيكية على تطور نقد الشعر، وكان غالي شكري وعبده جبير ومهدي مصطفى وفتحي عبد الله وكاتب هذا المقال يحاولون جاهدين التغلب على كل هذه العقبات، غير أن محاولة إقناع السادة المبجلين عمال المطابع بأن نقد الشعر لابد وأن يتأثر بكافة الظواهر الفكرية والفلسفية الجديدة التي تظهر في الساحة العالمية سواء أكانت تفكيكية أو بنيوية، كانت هذه المحاولة وحدها كفيلة بأن تجعلنا نكفر بالشعر والقص والنقد والتفكيكية والبنيوية وجاك دريدا وليفي شتراوس نفسهماخاصة حين تجد عامل المطبعة ينظر إليك بعينيه المتربصتين وهو يشوح بيديه متهما إياك بالبعد عن جادة الصواب مع أن المشكلة في غاية البساطة وحلها أقرب إليك من حبل الوريد، ثم ينفخ دخان سيجارته في وجهك ويتركك ليواجه ماكينة الطباعة ذات الصوت الهادر وهو يعلي صوته كي تسمعه وكي يسمعه كل من حوله وهو يصرخ في وجهك معلنا بأن الإسلام هو الحل .


وهكذا بدأت أعداد المجلة تتأخر عن الصدور بالشهور لدرجة أن أحد أعداد المجلة كتبنا عليه تاريخ ستة أشهر مجتمعة، وزادت حدة المضايقات ومنعت مكافآتنا وطولبنا بالتوقيع في كشوف الحضور والانصراف تزامن كل هذا مع إصابة رئيس التحرير الدكتور غالي شكري بجلطة من العيار الثقيل، فزاد فعل المضايقات وتكاثر، ومع مرور الوقت أصبحنا نعمل في مجلة لا تصدر على الإطلاق وشيئا فشيئا بدأت خيوط المؤامرة تتضح لنا، فالتصريح الأساسي لإصدار " القاهرة " كان أسبوعيا وفي بدايات إصدارها أوائل الثمانينيات كانت تصدر صباح كل ثلاثاء بشكل أسبوعي حين كان يرأس تحريرها الكاتب عبد الرحمن فهمي وكل كتاب مصر الذين تقترب أعمارهم من الخمسين فما فوقها يتذكرون " القاهرة " الأسبوعية وكثير منهم كان ينشر فيها، وهكذا وجد وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني ترخيصا جاهزا لدورية أسبوعية تابعة لوزارته يمكنها أن تحقق حلمه وتتحدث عن إنجازاته وتنشر صوره بالحجم الكبير وتروج للوحاته ومعارضه الدورية بل وتذهب كاميرات مصوريها إلى بيته الخاص لتنقل للقراء ذوقه الخاص في توزيع الأثاث في أركان منزله، ووقع اختياره على الكاتب الكبير رجاء النقاش ليرأس تحرير مجلته المنشودة، حضر إلينا الدكتور سمير سرحان في مقر المجلة المغتصبة وأخبرنا أن المجلة سيتغير اسمها من مجلة " القاهرة " إلى مجلة " الكاتب المصري " وأنه تم الاتفاق مع الكاتب الكبير أنيس منصور ليرأس تحريرها وبأنه يتعين علينا الرجوع لمقر الهيئة لحين حضور السيد أنيس منصور، كان من الواضح لنا أنها ليست أكثر من أكذوبة كبرى الغرض منها مغادرتنا للمكان والتعلق بأمل مجلة جديدة لضمان عدم الاعتراض على سرقة مجلتنا، ولما طال أمد الانتظار ذهبنا للسيد رئيس الهيئة لنواجهه بأن الأستاذ رجاء النقاش يقوم الآن بالإعداد لإصدار مجلتنا لم يستطع أن يراوغ وأخبرنا أنه اتفق مع الأستاذ رجاء النقاش أن يستعين بطاقم تحرير " القاهرة " القديم في إصداره الجديد وأن الأستاذ رجاء النقاش في انتظارنا في أي وقت بمكتبه بدار الهلال، كان الدكتور غالي شكري قد توفي وعبده جبير سافر للكويت ومهدي مصطفى التحق بالأهرام ولم يتبق من طاقم التحرير القديم الذي أشار إليه الدكتور سمير سرحان غير فتحي عبد الله وأنا فتحي عبد الله أزاح الموضوع كله من دماغه بضربة حجر شيشة واحد، وأنا واقع في هوى رجاء النقاش منذ عرفت الوقوع في هوى الكتاب، ومنذ نشر لي قصائدي في مجلة الدوحة قبل أن أبلغ العشرين من عمري، فذهبت إليه في مكتبه بدار الهلال، كان يجهز لعدد تجريبي من " القاهرة " وكان سعيدا جدا بالمجلة، أفرد أمامي ماكيت العدد التجريبي، كانت في حجم مجلة " المصور " أو أكبر قليلا وأطلعني على موادها، وأنا بدوري قدمت اقتراحا بباب خاص بالسيرة الذاتية أسميته " الدق على الذاكرة " نعرض فيه لسير كتابنا وشعرائنا ومفكرينا، رحب جدا بالفكرة وطلب مني تجهيز أربعة أبواب على الأقل، كنا هو وأنا مصدقيْن تماما لأحلامنا غير عارفين أن أحلام السيد الوزير ليست لها علاقة بأحلام المثقفين، وقبل أن أنتهي من إعداد الأبواب الأربعة تناهي إلى سمعنا خبر إزاحة رجاء النقاش من رئاسة تحرير " القاهرة " وإسنادها إلى الكاتب صلاح عيسى وتحويلها من مجلة إلى جريدة، كثير من المثقفين رفضوا تصديق الخبر واعتبروه مجرد شائعة فمن غير المنطقي أن يوافق صلاح عيسى أشهر كتاب اليسار المصري خصومة مع السيد فاروق حسني على رئاسة تحرير جريدته، غير أن العارفين ببواطن الأمور أكدوا لنا أنه من المنطقي تماما أن يحدث هذا بعد أن فتح السيد الوزير حظيرته على اتساعها لاستقطاب كل من يحمل في يمناه قلما وفي قلبه أحلاما لمنصب أو مغنم، وإن هي إلا بضعة أسابيع حتى كانت جريدة " القاهرة " واقعا فعليا وانبرى السيد رئيس تحريرها في الدفاع المستميت عن وزير الثقافة في كافة معاركه، وفي استعراض إنجازات سيادته وفي عرض لوحاته بالألوان الطبيعية وفي نشر صوره بأحجام كبيرة احتلت في بعض الأحايين نصف الصفحة طوليا، فتارة ترى سيادته واضعا ساقا على ساق، وتارة وهو ممسك بفرشاته في حالة استلهام للون الأزرق الشفيف وعيناه مركزتان على شيء ما، وتارة وهو واضع يمناه في جيب بنطاله، وتوالت أعداد الجريدة بشكل أسبوعي وقاربت من الستمائة عدد وهي في حالة رسوخ وثبات غريبتين على حالة جريدة من المفترض أن تتطور وتغير من جلدها وتستكتب كتابا آخرين، كل هذا شيء وما يفعله رئيس تحريرها مع نفسه شيء آخر لا أظن أن رئيس تحرير آخر فعله مع نفسه من قبل، فهو يصر في كل عدد أن يستقطع مساحة ضخمة وثابتة له وحده، وكأن الصفقة المبرمة بينه وبين النظام الذي أسقطه ثوار التحرير أن يدافع عن منجزات وزارة الثقافة وينشر صور الوزير ولوحاته في مقابل أن ينشر هو لنفسه ما يقدر على نشره، تستوي في ذلك كتاباته الجديدة وكتاباته القديمة، وقد بلغ استخفافه بالقاريء أنه يعيد نشر كتابات سبق له نشرها من قبل منذ يوم أو بعض يوم كأن ينشر مثلا زاوية ثابتة له بعنوان " مشاغبات " وتكتشف بعد الانتهاء من قراءتها أنها منشورة بقضها وقضيضها منذ يومين في " المصري اليوم "، ويزداد غيظك حينما يذيل مقاله بهذه العبارة " نقلا عن المصري اليوم " دون أن يبين لك ماهو سبب إعادة نشرها مرة أخرى، هذا عدا كتبه التي يعيد نشر فصولها بحيث يحتل كل فصل صفحة كاملة من الجريدة، هذا غير بابه الثابت " أزمنة وأمكنة " والذي يحتل بدوره نصف صفحة ويوقعه باسم المقريزي، وباب أخر صغير بعنوان " أنصحك أن تقرأ " هذا غير كثير من الموضوعات التي تظهر بدون اسم والمتعارف عليه في الصحافة أن كل ما ينشر بلا توقيع هو لرئيس التحرير، وهو يتعامل مع قراء الجريدة على اعتبار أنهم مثقوبو الذاكرة، فإذا ما خصص ملفا عن مفكر أو شاعر أو حادث وطني يعيد نشر مقالات سبق لنا قراءتها من قبل في دورياتها الأساسية، أما ما لايمكن تقبله من جريدة ثقافية من المفترض جديتها ونظافتها هو اعتمادها الأساسي على الموضوعات الفنية ونشر صور الفنانات الفاتنات بأحجام أكبر من حجم صورة الوزير نفسه، فالجريدة تخصص خمس صفحات كاملة للفنانات اللواتي هن مقدمات على تصوير دورهن الجديد في مسلسل الأمر الذي ساعد في دخول رئيس تحرير الجريدة صلاح عيسى نفسه للحقل الفني بعد تحويل كتاب وثائقي له عن " ريا وسكينة " إلى مسلسل درامي كتب له السيناريو والحوار السيناريست مصطفى محرم الذي سبق وأن نشرت له جريدة " القاهرة " التي يرأس تحريرها صاحب الكتاب، مذكراته المطولة مسلسلة على مدى أكثر من عشرة أعداد متوالية صب فيها جام غضبه على كثير من صناع السينما.


ثم ما علاقتنا نحن المثقفين بصدر الفنانة السورية " رغدة " لكي ينشره لنا السيد صلاح عيسى بضا طريا شهوانيا محتلا نصف صفحة طوليا لكي يكتب لنا خبرا ثقافيا من الطراز الفريد وهو أنها انتهت من تصوير " المركب " ؟ ! ثم ما علاقتنا بجسد المغنية اللبنانية " أليسا " لكي يزغلل به عيوننا ويفرده أمامنا على ارتفاع ثلاين سم وعرض عشرين سم فاتنا مثيرا منسابا كغصن البان لكي بخرج علينا بسبقه الصحفي الذي يؤكد فيه أن خبر منعها من الغناء مجرد شائعة يروجها حاسدوها ؟ !، وهكذا تظل رائحا غاديا بين تصاوير الكاسيات العاريات من الفنانات وذوي الأزرار المفتوحة من الفنانين وعلى امتداد خمس صفحات كاملة، لتعرف أن تامر حسني سيدخل البلاتوه قريبا لإغاظة منافسه الاستراتيجي عمرو دياب من خلال مسلسله الجديد الذي يتكتم على اسمه حتى الآن والذي سيتقاضى فيه أكثر من مليون جنيه في الحلقة الواحدة، أو أن حسين فهي يتورط في جريمة قتل إيمان العاصي وقبل أن يحبس محبو دنجوان السينما المصرية أنفاسهم خوفا على نجمهم المحبوب سيكتشفون أنه سيقتلها من خلال مسلسل سينمائي وليس في الواقع .


هكذا ركزت الجريدة الثقافية جل جهدها وجل صفحاتها للموضوعات الفنية وسخرت لها أقلام النقاد وأفسحت سجال النقاش ساخنا وملتهبا لتطرح على القراء الكرام الرؤى النقدية المتباينة للأفلام التي سطحت عقلية المواطن المصري وساهمت في تغييب عقله وتبسيط وعيه من عينة " حاحا وتفاحة ووش إجرام واللمبي وسيد العاطفي وخالتي فرنسا وصايع بحر " واهتمت اهتماما ملحوظا بالمعارك الناشبة بين هذه الفنانة أو تلك أو ذلك المنتج وهذا المطرب، فيما تعاملت مع الأدب والأدباء والفكر والمفكرين على اعتبار أنه عالة على الجريدة فلا تقترب منه إلا لذر الرماد، وكأن هذه الجريدة التي تصرف عليها وزارة الثقافة وتدعمها مقتطعة حصتها المالية الضخمة من نصيب الأدباء، كأنها أنشئت خصيصا للدفاع عن وزير الثقافة أيا كان اسمه ولنشر تراث المناضل اليساري سابقا صلاح عيسى وتحلية أغلب صفحاتها بأجساد ونهود فاتنات السينما المصرية ومطربات القطر اللبناني الشقيق.


أما ما يتعلق بالجانب الإبداعي فحدث ولا حرج، ليس في الجريدة كلها محرر أدبي يستطيع أن يحكم على قصة أو قصيدة ليقرر صلاحيتها للنشر من عدمه، ينتج عن ذلك نشر كلام مرصوص مليء بأغلاط النحو واللغة بل والإملاء على اعتبار أنه شعر أو قصة، وبين الحين والحين يمارس السيد صلاح عيسى هوايته الصحفية الغرائبية بإعادة نشر قصائد شهيرة لشعراء شهيرين من أمثال حجازي أو أمل أو الأبنودي أو جاهين أو نجم بمساحات كبيرة وبمصاحبة لوحات كبيرة للفنان التشكيلي فاروق حسني، صحيح أن للجريدة مستشارا أدبيا تحرص الجريدة على كتابة اسمه في الترويسة هو الكاتب الكبير علاء الديب، لكن من البين الجلي أنه لا يقرأ ما تنشره الجريدة من إبداعات ولا أعرف كيف يوافق كاتب في حجم علاء الديب على أن يكون مستشارا أدبيا لجريدة تنشر إبداعا بهذه التفاهة .


لقد تغير وزير الثقافة لكن رئيس تحرير جريدة " القاهرة " لم يغير منهجه الذي خطه لنفسه في التعامل مع من يأتي لمنصب الوزير سواء أكان فاروقا أو جابرا أو صاويا أو حواسا أو عمادا، فها هو ينشر في عدد واحد ثلاث صور لعماد أو غازي في عدد واحد، صورة في الصفحة الأولى وهو مبتسم ومرتد نظارتيه يخالط سواد شاربه بياض خفيف وفي الصفحة الثالثة صورة طولية لسيادته تصل لركبتيه وهو واقف وممسك بيسراه كتابا بينما يلوح من جيب بدلته العلوي قلم جاف، وفي الصفحة الثامنة تتكرر نفس الصورة الكبيرة بمصاحبة مقال كبير للشاعر مهدي بندق يدافع فيه عن الوزير الجديد بعنوان " مواسم الهجوم على وزارة الثقافة " .


نعم من حق المناضل اليساري القديم أن يغير نضاله فيصبح مهادنا ومطبطبا ومجاملا كما يحلو له، ويغير يساريته ويجلس في أقصى يمين اليمين، لكن الأمور – كلها – لها حدود، واحترام عقلية المتلقي ينبغي أن يوضع في الحسبان، وما كان يمكن أن نقبله قبل 25 يناير ينبغي أن نرفضه بعد هذا التاريخ، والذي يريد أن يطبل وبزمر للوزير – أي وزير – عليه أن يوقف اللحظة التاريخية بحيث لا تصل إلى 25 يناير أو يريح ويستريح، لكي لا يتكرر ما حدث، لأنه ببساطة شديدة وبعد مرور وقت قليل سيعتاد السيد عماد أبوغازي على هذا المديح الذي يكيله له أمثال الشاعر مهدي بندق وهم كثيرون ويستطيع السيد صلاح عيسى بموروثه النضالي القديم أن يبحث عنهم في أقاليم مصر وربوعها، وسوف يعتاد السيد الوزير على صوره الكثيرة في الجريدة وسوف يأتي اليوم الذي يؤنب فيه رئيس التحرير لأنه لم ينشر له صورته وهو واضع ساقا على ساق، أو وهو ممسك بقلمه في حالة استلهام لفكرة استشرافية وعيناه مركزتان على شيء ما.


وبعد


فنحن – أيها السادة الموقرون - لم نقرفص أرجلنا في مساءات ميدان التحرير يضربنا المطر ويلفحنا البرد ويشرخ الهتاف حناجرنا لكي نعرف من جريدة المناضل اليساري السيد صلاح عيسى إن كان عبد الحليم حافظ قد تزوج سعاد حسني أم ان الأمر مجرد أكذوبة أطلقها في وجوهنا – ذات نهار مشمس – الرفيق المحاور مفيد فوزي ؟ !


أظن أن أكثر من أحد عشر عاما وقت كاف تماما لإنهاء حالة اغتصاب مجلة، ووقت كاف تماما لكي نعرف من خلاله قدرات رئيس تحريرها الصحافية، ووقت كاف تماما لتفعيل أحد أهم مباديء ثورة 25 يناير وهو عودة الحقوق إلى أصحابها .


اللهم قد بلغت


اللهم فاشهد .



الأحد، 26 مايو 2013

أكاذيب تكشفها حقائق: فضائح الصحافة العربية والمستعربة!




تمتليء الصحف والمواقع بأخطاء فادحة تنم عن الجهل والسطحية والاستعجال في نشر الأخبار.. منها على سبيل المثال ما حدث اليوم الاحد 26 مايو عندما نشرت وكالة الأنباء الفرنسية التي تعتز باسمها الفرنسي فرانس برس، وهي وكالة عريقة يعمل فيها طاقم من المحررين والمترجمين الذين يفترض أنهم يتمتعون بقدر من المهنية، أقول عندما نشرت هذه الوكالة التي أفسدها الهواة خبرا عن فوز الفيلم الفرنسي "حياة أديل" (أو"الأزرق أكثر الألوان دفئا") بجائزة السعفة الذهبية في مهرجان كان، وفوز بطلتي الفيلم بجائزة التمثيل وهو خبر خاطيء تماما في النصف الثاني منه، صحيح فقط في قسمه الأول... فجائزة أحسن ممثلة ذهبت الى الفرنسية برنيس بيجو بطلة فيلم "الماضي" اخراج الايراني أصغر فرهادي. والملاحظ عموما أنه ليس لدى الفرنسيين ما يفخرون به أصلا ففيلم "حياة أديل" من اخراج التونسي عبد اللطيف قشيش (وليس كشيش!!) وفيلم "الماضي" اخراج مخرج ايراني كما ذكرنا، والممثلة برنيس بيجو ليست فرنسية الأصل بل أرجنتينية متجنسة.



ومن الأخطاء بل الخطايا التي مشرت أيضا الأحد في أكثر من مجلة وموقع خبر يقول "فوز الفيلم الفلسطيني بالسعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي، وهذا ليس فقط خطأ بل وقاحة تستوجب العقاب أيضا، وانعدام تام للمهنية، ففيلم "عمر" المقصود" لهاني أبو أسعد، لم يكن مشاركا أصلا في مسابقة المهرجان الرسمية بل في قسم نظرة خاصة، وهو لم يفز بالجائزة الأولى بل بجائزة لجنة التحكيم الخاصة أي بالجائزة الثانية. ولاشك أنه فيلم جيد وسنكتب عنه فيما بعد، لكن الحقيقة هي الحقيقة وهي أنه لم يفز بالسعفة الذهبية، ومن العيب أن ينشر هذا الكلام في أي مكان حتى لو كان مجلة الحائط في مدرسة عين الجمل الابتدائية بغزة!!

 وجدير بالذكر أن لجنة تحكيم هذا القسم، أي قسم "نطرة خاصة" لا تمنح أصلا، لا سعفة ذهبية ولا غير ذهبية، لكنها الشوفينية الفلسطينية التي تنتج عن الشعور بالدونية والهزيمة، التي تريد أن تبالغ في الاحتفاء ولو كذبا، بأي إنجاز ولو محدود، يحققه أي فلسطيني، وهذا شأن العرب جميعا، في مصر وفي المغرب، في الجزائر وفي تونس وفي الكويت وغيرها، حيث يعتبر أي نجاح ولو محدود للغاية ولا يذكر، تفوقا ساحقا، يشار إليه بالبنان، ويتم تضخيمه كثيرا جدا تماما كما حدث عند حصول يوسف شاهين على جائزة عن مجمل أفلامه في مهرجان كان عام 1998، فقد أخذ الإعلام المصري يطبل ويزمر الاعلام المصري وقتها طويلا لهذا الفوز الذي أعتبر فوزا بالسعفة الذهبية في المهرجان.. والمشكلة أن البعض لا يريد أن يفهم أن الأفلام السينمائية ومشاركتها في مهرجانات السينما غير مباريات كرة القدم ومنافساتها الدوليى، فالفيلم في النهاية يمثل صاحبه ولا يمثل الدولة فالدول لا تصنع الأفلام!!

ولا أجد في الختام سوى أن أسترجع بيت المتنبي: ياأمة ضحكت من جهلها الأمم...

الثلاثاء، 14 مايو 2013

من فضائح المركز القومي للسينما في عهد المصور كمال عبد العزيز

كتب هذا التحقيق الصحفي محمد شكر ونشره في جريدة "الوفد" المصرية بتاريخ الأثنين  29 أبريل 2013 ويتناول جانبا من الفضائح التي تحدث في المركز القومي للسينما في القاهرة الذي يديره حاليا المصور كمال عبد العزيز..  هنا نص مقال الوفد:





                                               كمال عبد العزيز
ما زالت وزارة الثقافة تدار بأهواء الجالسين على كراسيها بغض النظر عن القوانين الحاكمة التى كان يجب أن تسود بعد ثورة يناير ولكن مع تراجع الثورة تراجعت أحلام التغيير فى مؤسسات وزارة الثقافة التى يتم التعامل معها باعتبارها «عزبة» يتحكمون فى المبدعين ويعملون على تفريغ الوزارة من كوادرها وتجاهل أوامر صاحب العزبة معالى الوزير وهو ما حدث مع المخرج سميح منسى المدير السابق لمركز الثقافة السينمائية، والذى شغل منصب مدير عام الإنتاج بالمركز القومى للسينما فى شهر اكتوبر الماضى


، ولكنه فوجئ بتهديدات من رئيس المركز بإقالته من منصبه وهو ما دعا شباب مخرجى المركز للاعتصام أمام وزارة الثقافة فى شهر مارس الماضى ليطالبوا بإصلاح إدارى ومالى إلى جانب المطالبة ببقاء سميح منسى فى منصبه مع المضايقات العديدة التى تعرض لها ورغم وعد وزير الثقافة ورئيس ديوانه محمد أبو سعدة ببقاء «منسى»، فإن رئيس المركز تجاهل قرارات الوزير وأصدر قراراً بإقالة سميح وتكليف زميل تبقى على انتهاء خدمته ثلاثة أشهر دون إجراء انتخابات أو الإعلان عن شغل المنصب طبقاً للقانون.
ويقول سميح منسى إنه لم يتعجب من قرار إقالته المفاجئة دون إنذاره أو إعلامه بموعد انتهاء علاقته بمنصب مدير عام الإنتاج لمعارضته لسياسات رئيس المركز التي لا تهدف للارتقاء به، ومنع إهدار المال العام الذي يمارس بشكل احترافى، وهو ما لفت نظره منذ بداية توليه لإدارة الإنتاج فتقدم بطلب لتشكيل لجنة لفحص عروض أسعار المعدات السينمائية، لم يتم الالتفات له بعد اكتشاف تباين واضح في أسعار المعدات من فيلم لآخر، يصل في بعض الأحيان إلى ما يزيد على ضعف السعر الأصلى كما في حالة فيلم «شد الحبل» الذي احتاج لإيجار شاريوه بسعر 900 جنيه لليوم، كما هو ثابت في فواتير وميزانية الفيلم وفيلم «أنا إخوان» الذي أجر نفس الشاريوه بإيجار يومي 2000 جنيه وهو ما اعتبره سميح تربح من أموال الشعب، مؤكداً أن مواجهته للفساد قد يكون سبباً في إقالته لأنه بهذا يكون قد دخل عش الدبابير.

وشدد سميح علي أن توقيت إقالته من منصب مدير عام الإنتاج مثير للشكوك، خاصة ونحن علي أعتاب سنة مالية جديدة كما أنه قام بعمل خطة للعام المالى القادم ضمت 25 فيلماً من بينها أفلام للفنانين الشبان بالمركز. وأكد أن هناك ميزانيات أفلام التي قدمها في خطته الإنتاجية تراوحت ميزانياتها بين 15 و38 ألف جنيه، ولكنك تجد فيلماً مثل «مفتش آثار» لمحمد مرزوق ميزانيته تعدت 158 ألف جنيه كما هو ثابت بالمستندات، وبعد مناقشة هذا الفيلم تم تخفيضه لمبلغ 148 ألف جنيه وهناك ميزانيتان للفيلم كل منهما برقم مختلف، وهو ما يعتبر تلاعباً وكأن المركز يتعامل مع فكرة الإنتاج بنفس طريقة «الفصال» في سوق الخضار ليخفض الميزانيات ولم يهتم رئيس المركز بالتحقيق في هذه الوقائع أو يوافق علي سد باب إهدار المال العام باعتماد لجنة لمراجعة إيجار المعدات التي تعتبر الباب الخفى للاستيلاء علي أموال المركز بغير وجه حق.




وأشار سميح منسى إلي ضرورة تشديد الرقابة علي المركز القومي للسينما كجهة إنتاج فيها كثيراً من أموال الدولة، مؤكداً أنه التقى بوزير الثقافة، وقال له إنه لن يترك المركز ينهار وسيجلس علي مقاعد المعارضة بغض النظر عن المنصب، وأن الوزير أكد له أنه لن يسمح بأي تجاوزات، كما أن المهندس محمد أبو سعدة الذي وعده بالاستمرار في منصبه ودفع الضغوط التي يمارسها رئيس المركز عنه، ولكنه اكتفى بمراقبة قرار إقالته، وقال إنه عنفه علي اتخاذ قرار فردي دون الرجوع للوزارة.
أضاف منسي أنه سلم صورة من الخطة التي وضعها للإنتاج لوزير الثقافة وطلب منه الإشراف عليها بنفسه، حتي لا ينكل رئيس المركز وحاشيته بشباب السينمائيين الذين كانوا شغله الشاغل طوال فترة عمله من خلال توقيع اتفاقية تعاون مع المركز الثقافي الفرنسي التي لم تفعل حتى

ا

 لآن وتطوير إدارة الرسوم المتحركة التي رفض رئيس المركز إعطاءها بلاتوه ليستمر نزيف الأموال في إيجار بلاتوهات خارج المركز رغم توفر المكان الذي حصل عليه المخرج مجدى أحمد علي أثناء فترة رئاسته ووضع برنامج «حنين سينمائى» الذي قدم لرئيس هيئة قصور الثقافة لنشر الثقافة السينمائية ومشروع ورش السينما الفنية والإبداعية الذي لم يتم الالتفات إليه، والأسماء الوهمية التي تتقاضى أجوراً كما في فيلم «أبيض وأحمر» والمكافآت التي تصرف للمحاسيب عمال علي بطال بدون وجه حق وأغلبها يكون للإداريين ممن لديهم حظوة لدي رئيس المركز أو الرئيس السابق لقطاع الإنتاج الثقافى.


السبت، 27 أبريل 2013

الثورة والفيلم والسيجار




بقلم: أمير العمري


قبل أن نشاهد أفلاما من السينما الكوبية، كانت فكرتنا عن كوبا عموما، أنها بلد فقير، محاصر، خاضع لنفوذ السوفيت، ليس لديه سوى السكر والسيجار الهافاني الشهير الذي ارتبط به الزعيم الكوبي الأشهر، فيدل كاسترو.
وكان هناك بلاشك، تناقض ما، بين المزارعين الكوبيين الفقراء في مزارع قصب السكر، وبين السيجار الهافاني الذي لا يدخنه سوى أثرياء "البورجوازيين". لكن الغريب أن كوبا- الثورية جعلت من السيجار الهافاني رمزا للثورة، بعد أن اصبح العلامة المميزة ليس فقط لفيدل كاسترو،، بل للزعيم "الأسطوري" تشي جيفارا الذي كان أيضا رمزا لفكرة "الأممية" الاشتراكية، فهو أرجنتيني ومع ذلك، فقد حمل السلاح وشارك في الثورة الكوبية، وبعد انتصار الثورة، لم يشأ أن يستمتع بكرسي الوزارة، بل فضل الرحيل إلى بوليفيا لاستئناف النضال ضد الامبريالية او الاستعمار الجديد، حيث لقي مصيره التراجيدي المعروف. وكان هذا الموت العبثي، الذي قيل إنه جاء نتيجة وشاية من قبل "رفيق" كان معه في غابات بوليفيا، مثار حزن كبير حقا، خلده الشيخ إمام في ملحمته الغنائية الشهيرة "جيفارا مات" من كلمات الشاعر أحمد فؤاد نجم، كما كتب عنه محمود دياب مسرحية الشهيرة "ليلة مصرع جيفارا". وكان مصرع جيفارا بمثابة مؤشر أولي على انحسار المد الثوري في العالم الثالث بعد أن ظل هذا المد يؤرق مضاجع الاستعمار الجديد طوال الخمسينيات والستينيات. لم تكن فكرة "الثورة الدائمة" التي كان يعتنقها ويبشر بها جيفارا واضحة تماما، فقد كانت تتنافى مع الفكرة السوفيتية التي كانت قد استقرت حول "إمكانية تحقيق الاشتراكية في دولة واحدة" أي أنه لا يشترط لضمان نجاح الاشتراكية في دولة ما، أن تطبق في جميع الدول المحيطة بها كما كان متصورا من قبل، وإن كان الأمل أن تعم الاشتراكية العالم باعتبارها الفكرة الأكثر إنسانية.
كنا ونحن شباب صغار، في مقتبل العمر، نتطلع إلى الاشتراكية والفكر الاشتراكي، من الزاوية الإنسانية، من زاوية تحقيق العدالة الاجتماعية، والمساواة بين البشر، وإقامة مجتمع يسوده التعاون بين البشر، والحب، وروح تنشد التحقق وتحقيق الرخاء للمجتمع وللفرد أيضا. ولم تكن أبدا، الأفكار الاشتراكية واليسارية عموما تلاقي هوى لدينا نتيجة ولع بـ"الأيديولوجي" في حد  ذاته، بل كان التوجه يتلاقى مع الوجه الإنساني للاشتراكية. وكان هذا حلم جيلنا. وأظن أنه كان حلما ينشد تحديث المجتمع بالعلم، دون أن يهمل القيم الأخلاقية والإنسانية عموما، فهي جزء من التراث الديني والوطني. ولكننا لم نكن نتخيل، في أسوأ السيناريوهات الممكنة، أنه سيأتي علينا يوم نجد أن السعي إلى تحقيق التقدم الاجتماعي والإنساني واللحاق بالعصر، قد تحول إلى نوع من الهستيريا الماضوية، الشبيهة باللوثة التي أخذت تطبق بتلابيبها على كل شيء. لكن ما حدث كانت أسبابه كامنة في فشل الكثير من المشاريع، أهمها دون أي شك، مشروع احتكار العمل السياسي باسم الجماهير، سواء من خلال أجهزة أمنية، أو من خلال حزب هو عبارة عن وعاء مترهل لجهاز الدولة، تحميه أجهزة الأمن أيضا!
وجدت من الضروري أن أسوق هذا المدخل لأن الاشتغال بالنقد والكتابة والتعبير هو عمل له علاقة وثيقة بالفكر الاجتماعي والسياسي في عصره، وليس مجرد سباحة تجريدية في "عالم الفن"، أي ليس مجرد "صرعة" كما قد يتخيل البعض. كنا نود أن نصبح جزءا من العالم، نتفاعل مع ما يحدث فيه، ونؤثر فيه ونتأثر به أيضا. وكانت السينما، بهذا المعنى، نافذة كبيرة على الدنيا وعلى العالم. 
والآن إلى كوبا، التي لديها تجربة خاصة في الاشتراكية أظن أنها تجربة ناجحة كثيرا، فقد نجحت في إقامة نظام يحقق التوازن الاجتماعي في بلد كان يعاني من العبودية والاستغلال البشع من جانب الاحتكارات الأمريكية التي كانت تستولي على كل ثرواته المحدودة، ولم تكن تترك له سوى الفتات، وكانت نخبة قليلة العدد من وكلاء رأس المال الأجنبي من العاملين في خدمة الشركات الاجنبية، من الكوبيين، هي التي تحكم، يمثلها في الحكم ديكتاتور يحمي المصالح الأجنبية (الأمريكية بوجه خاص)، ويقمع شعبه بكل قوة ووحشية.
جاء النظام الاشتراكي إلى كوبا عن طريق نضال طويل وصل إلى ذروته في إعلان الثورة المسلحة، إلى أن وصل للحكم، بفضل تأييد القوى الشعبية العريصة من الفلاحين أساسا، والمزارعين البؤساء، والعاملين بالسخرة.  
وكنت أقرأ منذ عام 1972 عن السينما الكوبية، بل وقمت أيضا بترجمة دراسة طويلة عن هذه السينما وبعض أفلامها، كتبها الناقد البريطاني ديفيد ثومبسون، كما قرأت كثيرا عن السينما الثالثة، والسينما غير المكتملة، ودور مؤسسة السينما الكوبية "الايكايك" ICAIC (أو حرفيا "المؤسسة الكوبية للفنون والصناعة السينمائية")، وتأثير مدرسة الواقعية الجديدة الإيطالية على سينمائيين كوبيين مثل جارثيا اسبينوزا وجوتييريز آليا اللذين درسا في معهد السينما في روما. ولكني لم أكن أتخيل أن كوبا يمكنها أن تنتج أفلاما فيها من الطموح الفني ما نجده، على سبيل المثال، في السينما الأوروبية المتقدمة بما فيها السينما السوفيتية بالطبع. إلى ان جاء "أسبوع الأفلام الكوبية" في القاهرة عام 1975 في سينما أوديون، بالتعاون بين العلاقات الخارجية الثقافية، والسفارة الكوبية في مصر. كان هذا حدثا جللا، فقد اكتشفنا من خلال متابعة أفلام هذا الأسبوع، التي عرض بعضها أيضا في "نادي السينما" أننا أمام تجربة متقدمة كثيرا في التعبير من خلال السينما، وليست تلك السينما البدائية التي كنا نتخيلها.
كانت هناك أفلام مبهرة مثل و"لوسيا"، و"أيام الماء"، وغيرها. وكان يكفي في الحقيقة مشاهدة فيلم واحد مثل "ذكريات التخلف" لكي تتغير رؤية المرء تماما لهذه السينما بل لاتلك الدولة الصغيرة التي كانت تكافح من أجل البقاء أمام حصار أمريكي مفروض عليها منذ 1959.
انتصرت الثورة الكوبية المسلحة في يناير 1959 ونجحت في الإطاحة بنظام الديكتاتور باتيستا الذي فر إلى أمريكا. وفي مارس من العام نفسه، أنشئت مؤسسة الفنون والصناعة السينمائية (إيكايك، كما تأسست بعد ذلك مدرسة السينما التي تخرج منها عدد من ألمع السينمائيين في أمريكا اللاتينية.
كان "ذكريات التخلف" Memories of Underdevelopment عملا ملهما، لا مثيل له من قبل. كان فيلما "حداثيا" بمعنى الكلمة، أوروبيا في ظاهره، ولكنه "لاتيني" تماما في خصوصية التجربة التي يصورها، وأجوائها، والتساؤلات التي يطرحها.
صحيح أن الكثير من هذه التساؤلات تأتي على صعيد يبدو وجوديا، ربما تأثرا بأفلام الموجة الجديدة الفرنسية، وأفلام أنطونيوني أيضا في الستينيات التي كانت تدور حول عزلة "البورجوازي"، وفشله في إقامة علاقات ناجحة مع المرأة، وتدهوره النفسي بسبب عدم تحققه مما يفعله، وغير ذلك من الأفكار التي يلعب عليها الفيلم كثيرا في تصوري الشخصي، ولكنه يصوغها ويصبها، في سياق سياسي اجتماعي نقدي، يتعلق بخصوصية التجربة الكوبية: تاريخ كوبا الخاص، وتطور الصراع فيها، كما يخرج ويدخل من وإلى أسلوب التداعيات المميز للسينما الأوروبية في الستينيات، لكنه يستخدم أسلوبا سينمائيا يعتمد اعتمادا أساسيا على المونتاج، يمزج بين التسجيلي والوثائقي والخيالي، بين الوثيقة الصوتية او المصورة، وبين التعليق الصوتي المباشر من خارج الصورة، بين الطابع التعليمي الذي يتوقف أمام بعض المعلومات ذات الدلالة الخاصة في سياق الفيلم، وبين الصور الثابتة والرسومات. ويستخدم أيضا لقطات من الجريدة السينمائية ومن الأرشيف، ويعتمد كثيرا على الكاميرا الحرة المحمولة على الكتف التي تجعل المنظور مهتزا تماما بغرض إكساب المشهد الطابع التسجيلي على نحو يذكرنا بالأفلام السوفيتية التي صنعت في عشرينيات القرن الماضي، ويستوحي من أيزنشتاين، كما يستلهم من جودار. ويمتليء الفيلم بالكثير من الإشارات إلى الماضي، إلى التاريخ، في بناء جدلي مركب ومثير، ولكن دون أن يفقد الفيلم في أي لحظة، طابعه الحداثي الأخاذ، وقدرته على جذب المتفرج، دون أن ينحرف أبدا عن هدفه في الكشف عن تناقضات الشخصية الرئيسية التي يدور حولها موضوع الفيلم. 


مخرج الفيلم توماس جوتييريز آليا، وكان ألمع السينمائيين الكوبيين على الإطلاق (توفي عام 1996)، كان ينتمي إلى الطبقة الوسطى (البورجوازية) ولكن إلى أسرة "تقدمية"، وقد أيد الثورة الكوبية ووقف معها بقوة من البداية، وإن لم يحول إيمانه بالثورة، دون توجيه النقد لبعض الممارسات السياسية والاجتماعية، في بعض أفلامه، وخاصة في "ذكريات التخلف".
ويلعب عنوان الفيلم على كلمة ستصبح فيما بعد من الكلمات أو الأوصاف الشائعة كثيرا في عالمنا، في وصف البلدان التي تعاني من مشاكل "التخلف"، خصوصا فيما يسمى بـ" العالم الثالث". والمقصود هنا "التخلف" من وجهة نظر بطل الفيلم، وهو رجل في نهاية الثلاثينيات، ينتمي إلى الطبقة الوسطى، ورث مجموعة من الشقق السكنية يعيش على الدخل الذي يأتيه من تأجيرها. وقد أممتها الحكومة الجديدة لكنه يستطيع الاستفادة من دخلها لمدة 12 عاما.  هو إذن، "عاطل بالوراثة"، أي يعتبر "عالة اجتماعية" في مجتمع الثورة والعمل والبناء، في كوبا الجديدة.  
يبدا الفيلم في عام 1961، أي مباشرة بعد الغزو الأمريكي الفاشل بمساعدة اللاجئين الكوبيين في الولايات المتحدة الذين يطلق عليهم "المنفيين الكوبيين"، وهي العملية العسكرية الشهيرة التي عرفت باسم عملية "خليج الخنازير"، وينتهي في أكتوبر عام 1962 وقت بلوغ أزمة الصواريخ الروسية التي نشرها السوفيت على الأراضي الكوبية، ذروتها، فقد كادت أن تتسبب في مواجهة نووية بين القوتين العظميين وقتها لولا أن بادر السوفيت وقاموا بسحبها.
الإطار الزماني إذن، يتحدد في فترة ساخنة سياسيا، شهدت أيضا نزوح الآلاف من البورجوازيين الكوبيين الذين رفضوا الاندماج في المجتمع الجديد، فهاجروا إلى الولايات المتحدة. ومن بين هؤلاء أصدقاء وأقارب بطلنا "سيرجيو"، بل وزوجته. وفي المشاهد الأولى من الفيلم  نرى طوابير المهاجرين الكوبيين في مطار هافانا، وبينهم "لاورا" زوجة سيرجيو، وهو معها يودعها، غولكن دون أن يبدو على وجهه أي شعور بالفقدان، أو بالحزن، بل إننا نلمح نوعا من الشعور بالارتياح.
 لقد ذهبت لاورا ولكن بقيت أشياؤها في بيته، تذكره بنموذجها الذي يرفضه لكنه لا يعرف غيره، ويشعر بنوع من الحنين لاستعادته على نحو ما.
سيرجيو يرفض مغادرة كوبا، لكنه يرفض أيضا الانتماء إلى الوضع الثوري الجديد في البلاد، أن يكون جزءا من المجموع من حوله، فهو يعتبر الكوبيين "متخلفين"، ويصف نفسه بأنه "أوروبي" أكثر منهم جميعا، وهو كاتب ومثقف، يسجل يومياته وذكرياته باستخدام الآلة الكاتبة، لكي يطرح الكثير من التشكك والقلق الوجودي المرتبط بشعوره بانعدام الوزن: إنه يرفض طبقته، لكنه يرفض البديل الآخر، يسخر من الشعارات الجديدة، ويتشكك بوضوح في قدرة هؤلاء الشباب الذين يضيعون الكثير من الوقت في المناقشات والجدال، ويتطلع إلى الماضي، إلى علاقته التي لم تكتمل مع الفتاة الوحيدة التي أحبها وكانت "أجمل شيء في حياته".. يتجول في الشوارع، يتطلع إلى الناس من شرفة مسكنه المرتفع عبر المنظار: إلى الشاطئ، إلى الحركة الكثيفة في الشارع، إلى تمثال برونزي يتوسط ميدانا قريبا، وتتداعى الأفكار المتشككة عبر "المونولوج" الذي يأتينا عبر شريط الصوت من خارج الصورة، وكأن سيرجيو يعبر عن أفكاره التي يدونها ولو بصوت مرتفع.
ما الذي حدث؟ سيرجيو يجيب بتشكك: "لقد تحررت كوبا.. من كان يصدق". يلمح قمة نصب تذكاري خال من أعلى، ويعلق "أين ذهبت حمامة بيكاسو.. من السهل أن تكون شيوعيا في باريس.. لقد دبت الحياة ولن يتوقفوا حتى يصلوا إلى ميامي.. ولكن كل شيء يبدو مختلفا اليوم.. ما الذي تغير؟ اين أصبحت المدينة"؟
لا يروي الفيلم قصة، ولا يعتمد على بناء درامي تتصاعد فيه الأحداث في سياق رأسي، بل على بناء أفقي، يعرض، ويقدم، ويحلل من خلال تجسيد التناقض والتعارض بين الصور واللقطات، وهو بناء ثري، لا يهدف للوصول إلى ذروة ما، بل إلى تفكيك الشخصية، وتعريتها، والتوقف أمام أزمتها.. إنه لا يدين، ولا يبرر، بل يعري، ويكشف، ويفضح ذلك العجز، ويجسده. وهذا هو المدهش في هذا العمل الكبير في وقته.. أي كيف كان ممكنا ألا يأتي الفيلم الأول المهم من كوبا، لأهم مخرج سينمائي كوبي، عملا من أعمال "الواقعية الاشتراكية" مثلا، التي تجسد عادة "البطل الإيجابي"، وتوجه انتقادات مباشرة إلى الماضي، إلى حقبة باتيستا، لكي تبرر كل ما جاء بعدها، وتتغاضى عن أي نواقص أو سلبيات. على العكس من ذلك تماما، هنا يصبح مدخلنا إلى "الحالة الكوبية" مدخل فلسفي وذهني، ولكن من وجهة نظر مثقف من الطبقة الوسطى، عاجز عن حسم أي شيء في حياته.


زوجته رحلت، وهو يعود إلى مسكنه، يتطلع إلى أشيائها التي ظلت تذكره بها: يدير شريط تسجيل لكي يستمع إلى معابثته لها التي تصل حد الشجار. وفي لقطة تعكس البناء المركب للفيلم نراه أمام المرآة، يأتينا صوته عبر شريط التسجيل، وصورته من الماضي الذي يتذكره، وهو يعبث مع زوجته ويثير ضيقها، يرسم على المرآة بقلم التجميل الأحمر، ويقول لها كما يأتي إلينا عبر الشريط المسجل: إنني أفضل النساء اللاتي على شاكلتك.. المصطنعات، أكثر من النساء الطبيعيات.. أفضل الملابس الأنيقة والطعام الجيد، والماكياج والتدليك.. إنك اصبحت أكثر جاذبية الآن.. لم تعودي تلك الفتاة الكوبية المتخلفة..". هنا يكون هو قد ارتدى جوربها النسائي في رأسه وأخذ يتأمل صورته المشوهة أمام المرآة.. ثم ينزع الجورب من رأسه ويجلس في استرخاء وإرهاق على أحد المقاعد.. هذا يحدث في الزمن الحاضر.. الآن بعد أن ودعها في المطار وعاد لكي يكتشف موت أحد العصافير التي يحتفظ بها في قفص في شرفة مسكنه، يلتقطه ببساطة ويلقي به من الشرفة المرتفعة إلى أسفل، إلى الشارع، بينما يردد: إنها لحظة الفراق!
لكن البناء لا يعتمد فقط على التداخل بين الماضي والحاضر، من خلال سريط الصوت أو شريط الصورة، بل على المزج مع مشاهد ولقطات تسجيلية تتداعى في الذاكرة الفردية للبطل- اللابطل حينا، أو تستخدم من زاوية موضوعية وفي سياق نقدي أو "تعليمي" من وجهة نظر الفيلم، كما سنرى.
عمليا لا يفعل "سيرجيو" شيئا في حياته سوى التأمل والتجوال في الشوارع، ينظر إلى النساء بوجه خاص، يعلق عن طريق الصوت الذي ياتي من خارج الصورة، يتساءل بتشكك وهو يتطلع إلى عشرات الوجوه للرجال والنساء، وإلى صور ورسومات لكاسترو على الجدران، لقطات قريبة "كلوز أب" للكوبيات في العصر الجديد: قلق في العينين، نظرات توتر وعدم ارتياح. ما هذا القلق؟ هو بالقطع ليس من نوع القلق الذي يعاني منه سيرجيو. إنه يتساءل: ماذا تعني الحياة بالنسبة لهم؟ بل ماذا تعني الحياة بالنسبة لي؟ ويستدرك: "ولكني لست مثلهم...".
فيلمنا هذا يمكن القول إنه من نوع "دراسة الشخصية". ولكي يعمق هذه الدراسة ويسلط مزيدا من الأضواء عليها، يقوم السيناريو على تقديم بعض الشخصيات التي ارتبط بها بطلنا بشكل او بآخر ولعبت دورا في حياته. وهو يقدم هذه الشخصيات بادئا بكتابة الأسماء على الشاشة. هناك أولا "بابلو".. صديق سيرجيو الرافض بوضوح للثورة.. المتشكك في كل شيء يجري حوله، الذي حسم أمره بالفعل على ضرورة الهجرة الى أمريكا. وهو يعبر عن أفكاره هذه خلال جولاته بالسيارة مع سيرجيو قائلا إن ما يجري مجرد "لعبة بين الأمريكيين والروس، لكننا سندفع الثمن.. لا أريد أن أكون موجودا هنا عندما يأتي ذلك الوقت.. سأرحل".
يتوجه بابلو بالسيارة في صحبة سيرجيو إلى محطة للوقود. هناك بنزين ولكن لا يوجد هناك زيت للمحرك. وبعد هذا المشهد مباشرة يستخدم المخرج لقطات تسجيلية وصورا ثابتة فوتوغرافية ورسومات تظهر حالة الفقر والتخلف والمعاناة التي كان الكوبيون يعيشون فيها في الماضي: هناك لوحة تصور بعض العبيد يقيدون حركة واحد منهم على الأرض، بينما يقف السيد يمسك بالعصا وينهال عليه ضربا. (يأتينا صوت بابلو من خارج الصورة، يقول لسيرجيو: يقال إن الكوبي يمكنه أن يتحمل اي شيء سوى الجوع).
نرى لقطات أخرى لرجال جوعى، وأطفال يتضورون ارتموا على الأرض في ضعف واستكانة شديدتين، امرأة تحمل على صدرها طفلا رضيعا يحتضر من الجوع. ويأتي التعليق الصوتي "الموضوعي" وكأننا نشاهد فيلما تسجيليا في التليفزيون: في أمريكا اللاتينية يموت أربعة أطفال بسبب سوء التغذية كل دقيقة. بعد عشر سنوات سيكون قد مات عشرون مليون طفل، أي ما يوازي عدد القتلى في الحرب العالمية الثانية".
الحوار بين سيرجيو وبابلو حول المسلحين الكوبيين الذين شاركوا في غزو بلادهم مع الأمريكيين في "خليج الخنازير" وتم اعتقال بعضهم، يؤدي إلى مشهد آخر، تسجيلي، يبدأ بالإشارة إلى مسؤولية الفرد في إطار الجماعة.. حسب المفهوم الماركسي.. ولكن في سياق استعراض السجناء من الكوبيين المسلحين، والتعليق الصوتي يأتينا قائلا إنه تم اكتشاف تنظيم اجتماعي داخل المنظمة العسكرية للغزاة أي المسلحين المناهضين للثورة وهذا التنظيم يعكس التكوين الاجتماعي و"اخلاقيات البورجوازية".

 إنه البطل العاجز المتردد في حسم أمره، الذي يكتفي بالتطلع عبر التليسكوب من نافذة مسكنه على الناس في الخارج، يبحث بوجه خاص، عن تجربة عاطفية يستر بها إحساسه بالعجز. وعندما يعثر أخيرا على فتاة تلهب خياله (إلينا)، تنتمي للطبقة صاحبة المصلحة في الثورة، نراه يحاول أن يحولها ربما دون أن يدري، إلى نموذج مشابه لنموذج زوجته التي يرفضها. يريدها أن ترتدي ملابسها، وأن تتصرف مثلها. إنه ذلك "الفكر" المتأصل داخله، الذي يرفض التعامل إلا مع نموذج المرأة من طبقته بسلوكياتها ومفاهيمها رغم احتجاجه المعلن على هذا النموذج أيضا وهنا سر أزمته: أي أنه لا يعرف ماذا يريد.. ولذا يظل على الهامش طيلة الوقت، عاجز عن اختراق المجتمع أو الاتصال مع الآخرين. غنهم جميعا في نظره يجسدون "التخلف".
هذه الفتاة "إلينا" هي نموذج يلخص تلك الحالة الجديدة المستعصية على فهمه.. "ابنة الشعب"، ولكن بدلا من محاولة النفاذ إليها وفهمها، يحاول سيرجيو تغييرها وشدها إلى عالمه، وفي زيارة إلى المنزل الذي كان يقيم فيه الكاتب الأمريكي إرنست هيمنجواي في هافانا، وتحول إلى متحف، تتجسد الهوة بين الشخصيتين. وتفشل علاقة الاحتواء المفترضة مع فتاة في السابعة عشرة من عمرها.
وتكاد مغامرته النزقة مع "إلينا" أن تؤدي إلى هلاكه، فأهلها يتهمونه باغتصابها، ويقولون إنها كانت عذراء عندما أغواها ودفعها إلىممارة الجنس دفعا، ويصل الأمر إلى القضاء، لكن القضية تنتهي بترئة سيرجيو الذي يعود لكي يستعيد لحظات علاقته الساخنة مع إلينا، وحيدا كما كان دائما، في حين تستعد كوبا لمواجهة تداعيات أزمة الصواريخ، وعلى شريط الصوت يأتينا صوت الرئيس الأمريكي كنيدي وهو يحذر ويهدد بضربة استباقية نووية، ثم كاسترو بالصوت والصورة، وهو يلقي كلمة يرفض فيها بشدة الخضوع للتهديدز في هافانا، في ليلة عاصفة، يتأهب الجميع، ويحسبون أنفاسهم.. تحسبا للخطة التالية.. وينتهي واحد من أعظم الأفلام في تاريخ السينما.

فصل من كتاب "شخصيات وأفلام من عصر السينما"

جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger