السبت، 18 أغسطس 2012

دعوة إلى كشف وعزل مثقفي "الحظيرة"




أمير العمري


أريد ان أتوجه بكل وضوح إلى القراء الأعزاء وإلى كل الأصدقاء في مصر، بأن من الضروري، استكمالا للثورة المصرية العظيمة، تطهير الحياة الثقافية من كل الذين باعوا أنفسهم للأجهزة الأمنية وارتضوا طواعية بل سعوا سعيا إلى الدخول في حظيرة السلطة واللعب في ملعبها وبشروطها، مقابل تولي المناصب والحصول على فرص للإخراج والإنتاج والكتابة المنتظمة في صحف الدولة ونشر الكتب في سلاسل ظهرت خصيصا كغطاء لمنح مكافآت مالية ضخمة لكتاب محددين كانت الأجهزة ترضى عنهم، وكان وزير الحظيرة- ولا وصف آخر له عندي- يرضى عنهم ويستخدمهم في الترويج لسياساته، ويضمهم للجان المجلس الأعلى للثقافة وينشر لهم كتبهم المتهافتة، رغم أن معظمهم من المنطفئين ثقافيا، والمنتحرين أيديولوجيا (الذين كانوا من الماركسيين السابقين ثم ارتضوا الإقلاع عن تلك الايديولوجية (الضارة بالصحة!!) والانضمام لصفوف السلطة في عصر مبارك، رغم أنه لم يكن يقل بشاعة عن نظام السادات الذي كانوا يعارضونه في شبابهم!
وقد لعب هؤلاء "المتثاقفون" المنافقون الذين يغيرون مواقفهم حسب مصالهم الشخصية، دورا رئيسيا في إقصاء واستبعاد المثقفين الوطنيين الحقيقيين عن الساحة وإخراجهم منها تماما بل وإخراجهم من البلاد أيضا في مرحلة معينة، أي دفعهم دفعا إلى الصمت في الداخل أو الهجرة إلى الخارج.
واليوم يعود نفس الأشخاص وتعود نفس الوجوه التي احترقت أمام جموع المثقفين في محاولة لتصدر المشهد الثقافي مرة أخرى، عن طريق تشكيل حركات، أو بالأحرى، جماعات ضغط، باسم الدفاع عن حرية الإبداع والفكر، في حين أنهم كانوا أول من ساهم في تمييع قضية الحرية بمشاركتهم في تظاهرات وزير الحظيرة التي كانت كلها تسعى لتجميل وجه نظام يضطهد المثقفين ويحتقر الثقافة.
لقد كانت جوائز السلطة المسماة بـ"جوائز الدولة" (واسمها جوائز الدولة القمعية)، تذهب في معظمها إلى هؤلاء ولاتزال، وكانت المناصب المؤثرة تسند إليهم، وكانت وزارة فاروق حسني توزع عليهم الرشاوى على هيئة منح للسفر للخارج، وضمهم الى الوفود الرسمية التي تمثل مصر في المؤتمرات الدولية علما بأن معظمهم من الذين لا يعرفون حرفا واحدا في اللغات الأجنبية، ولا صلة حقيقية لهم بالعالم، وكثيرون من الذين ذهبوا في بعثات دراسية الى دول معينة في الشرق أو في الغرب طبقا للاتفاقيات الثقافية بين مصر وهذه الدول، كانوا يخضعون لمراجعة المستشار التعليمي في سفارات تلك الدول، وكانوا يكتبون التقارير الأمنية عن المثقفين والطلاب الذين لا يرتبطون بالمنظومة الرسمية للدولة القمعية البوليسية. ولعل أبرز مثال على ذلك الدور الذي انكشف قبل سنوات، والذي كان يقوم به فاروق حسني نفسه في السفارة المصرية في باريس في أوائل السبعينيات وقت ان كان ملحقا  ثقافيا بالسفارة. قد فضح الدكتور يحيى الجمل موقفه هذا في كتاب مذكراته المتداول حاليا في الأسواق!
وبفضل هذه "الخدمات" فقط تمكنوا من العودة وحصلوا بمجرد عودتهم على مناصب في أجهزة ومؤسسات الدولة بمباركة رسمية من أجهزة الدولة الأمنية في الاساس، وتم تلميع أسمائهم في الصحف ومحطات التليفزيون التي لم تكن تسمح باستضافة غيرهم من المعارضين أو أصحاب الأصوات المستقلة.


إن لجان وتنظيمات السينما والشعر والمسرح والأدب لايزال يسيطر عليها الكثير من عناصر المتعاونين مع الأجهزة الأمنية. ويرتبط هؤلاء معا برباط غير مقدس، تماما كالذي يربط أفراد عصابات المافيا المعروفة، فهم يدافعون عن بعضهم البعض، وينحازون بشدة لكل من ينتمي الى عصبتهم، ويهاجمون بضراوة كل من يحاول فضحهم وكشف حقيقتهم المزدوجة، بل ويهددونهم أيضا بصرفهم الى "بيوت خالاتهم"-  ومنعهم من الكتابة ومن الاشتغال بالعمل العام باستخدام علاقاتهم بأجهزة السلطة التي لاتزال قائمة ومترابطة لم تمسها التغييرات الجارية في النظام بعد لأنها متغلغلة في التربة المصرية منذ زمن بعيد، ولن تسقط بل سيعيد الاخوان المتاسلمون انتاجها واستخدامها لحسابهم.
لذلك فإنني أدعو كل من يمتلك أي وثيقة أو معلومة أو شهادة عن تلك الفرق من المثقفين الانتهازيين الذين وظفوا طاقاتهم في دعم نظام مبارك ومنظومته الثقافية، وكانوا مقربين من لجنة السياسات التي رأسها جمال مبارك، وحصلوا على مناصبهم بمباركة جهاز أمن الدولة، وأصبحوا يتحدثون اليوم، بأعلى أصواتهم، عن الثورة والقيم الثورية، أن يرسلها إلينا بما لديهم، لأننا بصدد إعداد "كتاب أسود" عن ممارسات هؤلاء الأشخاص، بالأسماء والوقائع، دون أن نخشى من انتقام أو هجوم قد نتعرض له، فماذا يملك هؤلاء أن يقولوا عنا أو يفعلوا: فليس لدينا ما نخشى عليه، ولسنا في حاجة إلى مناصب أو ترقيات أو اعترافات رسمية أو جاه ونفوذ وهمي، فكلها أشياء زائلة لا قيمة لها، والقيمة فقط التي تبقى في الأرض، هي حصيلة الجهد الإبداعي وقدرة المرء الدائمة على العطاء والتمتع الدائم بالحس النقدي واليقظة الدائمة لأي شبهة تتعلق بالانحراف عن المباديء مهما كان الثمن، وهذا تحديدا ما يثير غيرة هؤلاء وغيظهم وحقدهم، ويدفعهم الى شن حملات الهجوم على المثقفين الوطنيين الشرفاء الذين رفضوا التلوث في مستنقع حظيرة فاروق حسني ورفضوا الخضوع لأتباعه وزبانيته، في حين أن هؤلاء "المتمركسين المنتحرين السابقين" لم يخجلوا من الدفاع عن هؤلاء الأتباع الصغار علانية على شاشات التليفزيون، وعلى صفحات الصحف بل وجد منهم من يصف عهد فاروق حسني بأنه أزهى عصور الثقافة المصرية!
وأخيرا.. فالمعركة التي يجب أن نخوضها اليوم ليست فقط ضد تيار الظلاميين والتكفيريين بل هي معركة مزدوجة الهدف، أي ينبغي أن تتجه في الوقت نفسه، لكشف وفضح وعزل تلك الفئة التي تسعى للالتفاف على الثورة والادعاء بأنها كانت دائما مع التغيير، دفاعا عن مواقعها، فلابد من كشف دورها في إفساد الحياة الثقافية في مصر.
ونحن في الانتظار.

الاثنين، 13 أغسطس 2012

مهرجانات السينما في مصر ولعبة الكراسي الموسيقية!


  

بقلم: أميرالعمري



أخطأ المركز القومي للسينما - لا أدري هل كان هذا تحت رئاسة الدكتور خالد عبد الجليل أم مجدي أحمد علي- في الموافقة على إسناد مهرجان القاهرة السينمائي إلى جمعية تشكلت باسم جمعية مهرجان القاهرة السينمائيبرئاسة الصديق الناقد يوسف شريف رزق الله قبل فتح الباب، بوضوح وشفافية، امام كل الجمعيات الراغبة في التقدم لتنظيم المهرجان.

وكانت الجمعية التي سبق أن اشرنا إليها في مقال نشر العام الماضي، قد ضمت مجموعة من "الحرس" القديم ممن كانوا قريبين من المهرجان العجوز أو من الضالعين الأساسيين فيه مثل السيدة ماجدة واصف والسيدة خيرية البشلاوي وآخرين وأخريات، مع إضافة بعض الأسماء الجديدة لعدد من منتجي الأفلام يتردد إن بينهم من ينتج بأموال خليجية.

لكن ليس هذا هو الموضوع، فالموضوع أن جمعية كتاب ونقاد السينما برئاسة ممدوح الليثي التي كانت تقيم المهرجان في الماضي (حتى دورة 1985) احتجت على هذا الاسناد وتقدمت بدعوى قضائية ضد قرار المركز القومي للسينما وجاء حكم المحكمة يقضي بضرورة اعادة طرح الموضوع مجددا للتنافس بشفافية وطبقا لشروط واضحة محددة بين الجمعيات والمؤسسات السينمائية.

وقد اعادت وزارة الثقافة، ممثلة في المركز القومي للسينما، الإعلان عن فتح باب التقدم في حين لم يكن قد بقى سوى أربعة اشهر على إقامة المهرجان (وقت نشر الاعلان بالطبع أي قبل نحو شهر).. ولكن الغريب أن فترة التقدم حددها الاعلان بخمسة عشر يوما من تاريخ نشر الاعلان وهو وقت لا يكفي أبدا لإعداد مشروع متكامل لتنظيم مهرجان دولي كبير.

ولعل من المثير للدهشة أيضا أن السيدة ماجدة واصف التي تتمتع بمنصب المدير الفني لمهرجان القاهرة السينمائي والتي تعتقد ان لها حقا طبيعيا في وراثة المهرجان من سهير عبد القادر وعصبتها، هي في الوقت نفسه رئيسة مهرجان يسمى مهرجان الأقصر السينمائي للأفلام المصرية والأوروبية، وهو مهرجان جديد قادم من ابتكارات المخرج محمد كامل القليوبي، الذي سبق أن ترأس مهرجان الاسكندرية السينمائي بقرار من وزير الثقافة الأسبق المعروف بـ"وزير الحظيرة" فاروق حسني، وتحت اشراف ممدوح الليثي، واعتبرت تلك الدورة التي تراسها القليوبي "فضيحة كبرى" بشهادة القليوبي نفسه فيما بعد!

خالد عبد الجليل


وروي بعض الذين حضروا تلك الدورة، أن الليثي كان يتدخل في كل كبيرة وصغيرة، شأنه دائما، تتعلق بعمل المهرجان، ومن وراء ظهر رئيسه المفترض، مما أدى إلى تذمر الجميع فقرر الليثي عقد مؤتمر صحفي مع القليوبي، وجلس القليوبي معه على المنصة، ونفى الليثي أمام الجميع إنه يتدخل في عمل المهرجان، وأكد أن القليوبي يتحمل المسؤولية بالكامل.. وسأل القليوبي أمام الجميع: أليس كذلك يادكتور.. فأقر القليوبي أمام الجميع أن الليثي لا يتدخل!

وموافقة المركز القومي للسينما في عهد الدكتور خالد عبد الجليل على اقامة هذا المهرجان، أي مهرجان الأقصر الأوروبي (وهو غير مهرجان الأقصر الافريقي!) تجعلنا نطالب أيضا بفتح ملف هذا المهرجان الذي يحصل على منحة مالية ضخمة من المركز ومن غير المركز من مؤسسات في الوزارة وغير الوزارة، لكي نعرف ما إذا كانت جمعية "نون" التي تقيم المهرجان وهي الجمعية التي أسسها القليوبي، قد التزمت بالشروط التي وضعها المركز القومي للسينما، كما نود أن نطلع ايضا على تفاصيل توزيع الميزانية التقديرية لهذا المهرجان حتى لا تتكرر مهزلة تخصيص مبلغ فلكي لريئس المهرجان وزوجته التي أسند إليها مهمة العمل كمدير للمهرجان علما بأنه لا هو ولا هي لهما أدنى علاقة بالسينما أو بالثقافة السينمائية والمهرجانات الدولية أو حتى المحلية والمقصود بالطبع ما حدث في مهرجان الأقصر للسينما الافريقية، وتحت أيدينا تفاصيل الميزانية وطريقة تخصيصها ويمكننا نشرها.

والنصيحة التي أوجهها للصديق مجدي أحمد علي هنا أن ابتعد نفسك من فضلك عن الدخول في الصراع بين جمعية الليثي وجمعية ماجدة واصف، فأنت طرف يفترض أن تكون ممثلا للدولة وليس منحازا لجمعية معينة.. ونحن في انتظار من سيرسو عليه الحق في تنظيم المهرجان وإن كنا على ثقة ويقين من النتيجة.

المهرجان عموما لم تبق على موعد اقامته سوى ثلاثة أشهر تقريبا، ويفترض أن يكون قد أنفقت أموال ضخمة على اقامته سواء من أموال وزارة الثقافة أم غيرها، فهل سيسند المهرجان لجميعة أخرى مع تمويل جديد!



ماجدة واصف


ولعل من الطريف أيضا ان ماجدة واصف "رئيسة" مهرجان الأقصر "الأوروبي"، ضمت يوسف شريف رزق الله "رئيس" مهرجان القاهرة السينمائي التي هي مديره الفني، لكي يعمل كمدير فني لمهرجان الأقصر. وهو ما يجعلني أطالب خالد عبد الجليل أيضا ببيان موقف وزارة الثقافة من هذه اللعبة الشبيهة بلعبة "الكراسي الموسيقية" وما إذا كان هذا التصرف ينطبق على شروط اقامة المهرجانات كما وضعتها الوزارة!

من جهة أخرى ينتظر مهرجان الاسكندرية الذي يرأسه الصديق الناقد د. وليد سيف، إقرار المنحة المالية التي يحصل عليها من المركز القومي للسينما للدورة القادمة التي اعلن عن انعقادها في الثاني عشر من سبتمبر أي بعد أقل من شهر واحد (دون ان تكتمل ميزانيتها بعد). ورغم أن وليد سيف يجهز للدورة بأسلوب راق جديد ويبذل أقصى جهده من أجل إقامة دورة أخرى مختلفة، إلا أننا نشفق عليه من طغيان ممدوح الليثي الذي فشلت جهود الكثيرين في التخلص من رئاسته من تلك الجمعية التي آن لها أن تجدد دمائها وتبتعد عن الحرس القديم بالكامل، وتقلل بعض الشيء من طموحها الجامح لإقامة مهرجانات سينمائية (دولية) متعددة خصوصا مع النقص الفادح القائم اصلا في الكوادر المؤهلة والمدربة والتي تمتلك الوعي والمعرفة بأسس إقامة المهرجانات الدولية مما يؤدي إلى الاستعانة ببعض الصحفيين الفنيين محدودي الموهبة والخبرة والمعرفة والذين لا يعرفون أصلا حرفا في اللغات الأجنبية، للعمل في إدارة المهرجانات. والأفضل كثيرا أن تركز هذه الجمعية على مهرجان واحد هو مهرجان الاسكندرية لكي تجعل منه مهرجانا ناجحا.

ولعل من الضروري هنا أن أتساءل أيضا عن جدوى تلك الفكرة التي ظهرت في مصر خلال السنوات القليلة الأخيرة، والتي تتعلق بتخلي الدولة عن تنظيم المهرجانات السينمائية وترك المهمة للجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني تحت تصور أن المجتمع المدني لديه مثل هذه الكفاءات التي تملك القدرة والخبرة في تنظيم مهرجانات دولية ناجحة.

هذه الفكرة التي روج لها كثيرا الزميل سمير فريد، تتعارض تماما مع هو قائم بالفعل على أرض الواقع، فما حدث هو أن الجمعيات ومنظمات العمل الأهلي والمدني لا تستطيع حتى الآن الاعتماد على نفسها، بل تلجأ في التمويل الى مؤسسات الدولة (وزارة الثقافة، المخافظة، مصر للسياحة، مصر للطيران...الخ)  اي أنها تستقل "من الناحية الشكلية" عن الدولة ولكنها تظل مترممة عليها من الناحية المالية، أي أن الدولة في هذه الحالةـ تمول مهرجانات (من الباطن) لحساب آخرين ومن أجل أمجادهم الشخصية.

ووجهة النظر المعلنة التي كررها سمير فريد وسمعتها بعد ذلك من مجدي أحمد علي، هي أنه لا تتوفر لدى وزارة الثقافة كفاءات أو خبرات في مجال تنظيم المهرجانات السينمائية الدولية، وهو قول قد يكون صحيحا بشكل ما، ولكن من ناحية أخرى فإن هذه الخبرات تغيب أيضا عن تلك الجمعيات والجماعات خارج وزارة الثقافة بدليل أن المنتج شريف مندور وهو قطب أساسي في ادارة مهرجان القاهرة السينمائي (أو ربما كان كذلك!) صرح على شاشة التليفزيون قائلا إنهم في ادارة المهرجان اعترفوا بأنهم لا يعرفون شيئا عن تنظيم المهرجانات، وأضاف أنهم كتبوا بهذه الصيغة إلى الاتحاد الدولي للمنتجين الذي يشرف على المهرجانات السينمائية الدولية المعترف بها، وطلبوا معاونتهم في التعلم والفهم، وهو من أغرب ما سمعت من آراء، فإذا لم تكن تعرف أو تفهم، فلماذا وضعت نفسك في هذا الموضع، ولم لا تترك مكانك لمن لديه المعرفة والخبرة.. ولعله قد فعل أخيرا كما علمت!

ملحوظة: هذا المقال يعبر عن رأي أمير العمري ككاتب وناقد مستقل لا يلتزم فيما يكتبه سوى بالإخلاص للقاريء أولا وأساسا، ولا يعبر عن رأيه كمدير لمهرجان الاسماعيلية السينمائي الدولي ولا عن رأي المهرجان وإدارته ولي سالمقصود منه الاساءة لأحد بل تناول القضية الرئيسية التي يتعرض لها بالأسماء وبوضوح في إطار نقد الظواهرالثقافية.. ولذا لزم التنويه.

الأحد، 12 أغسطس 2012

كلمات لها معنى





* بعض ما ينشر وينسب ظلما وعدوانا في باب النقد السينمائي، لا يستحق، ليس فقط التجاهل بل الردم عليه لأنه يدخل في باب الترهات خصوصا إذا غابت معرفة اللغة، ومعرفة السينما أيضا.

* كتابة آلاف الكلمات يوميا لا تؤدي سوى إلى الإصابة بمرض "الإسهال" الحاد، وهو ما يجعل الكتابة تمتليء بالأخطاء والأحكام المتسرعة القاصرة والادعاءات، كما يمكنها للأسف الشديد، أن تؤدي أيضا إلى الإحباط الذي يؤدي بدوره إلى حالة من الاكتئاب والسخط على العالم، لأن الكاتب يشعر أنه يخاطب أناسا مشغولين عما يكتبه يوميا بقضايا أخرى، ولم يعودوا يلقون بالا إلى السينما وقضاياها، بعد أن أصبحت برامج التووك شو والمسلسلات هي شغلهم الشاغل.. لكن البكاء على الأطلال لا يفيد!

* من الظواهر الغريبة في عالم الكتابة عن السينما أن أول من يشكون بأعلى الصوت منذ سنوات وسنوات، من الانتحال والمنتحلين، ودخول من يعتبرونهم "غير المتخصصين" و"غير الدارسين"، هم عادة أكثر الجميع ادعاء وضحالة، سواء في فهم السينما، أو في التعبير عما يفهمونه منها، لذلك ينتهي هؤلاء إلى البحث عن أي شخصية فاعلة في مجالها، يستزلمون لها، ويكتسبون الأهمية المزعومة أمام الآخرين، من زاوية قيامهم بـ"تلميع أحذية" هؤلاء السادة. والمشكلة أنهم يحظون بكل الاحتقار والازدراء من جانب السادة الذين "يستزلمون" لهم ويسيرون في ركابهم ويعملون في خدمتهم مثل الكلب المخلص لسيده.

* عرفت الصحفي الذي يمدح مقابل "وجبة"، وذلك الذي يمدح مقابل دعوة إلى مهرجان، وذلك الذي يهاجمك لأنه لم يحصل على وجبة ولا دعوة، ولكني لم أكن أتخيل أنه يوجد من يمكنه أن يهاجمك فقط لأنك لا تشير إلى وجوده.. ولو حتى بالسلب.. وعموما كلاب الصحافة كثيرون، وقد تربى معظمهم في مدارس الانحطاط العربية السائدة التي أفرزتها أساسا، صحافة النفط وشيوخ القبائل الذين يبحثون عادة عن قوادين لهم علاقة بـ"الفنانات"!

* مشكلة "ولد" معين، انه لا يستطيع أن يعيش إلا إذا هاجم وتهجم على كل من يعرف أنهم افضل منه وأكثر رسوخا، حتى أولئك الذين يساعدونه. ومنهم شخص ما مريض بمرض نفسي خطير لكنه لا يريد بالطبع الاعتراف بكونه مريضا لكي نبحث له عن علاج نفسي، هذا الشخص كان قد وصل به فشله الى مستوى العمل في أحد المطاعم بسبب انعدام موهبته، فأخذ يطرق الأبواب، يطارد المشرفين على الصحف والمواقع السينمائية حتى يسمحوا له بالكتابة، ويتصل تليفونيا بهم يحرجهم ويقول لهم (لماذا لست أنا بينما أنا خريج معهد السينما والآخرين لم يتخرجوا منه مثلما تخرجت، وأنا أعرف الفرنسية وهم لا يعرفون، وهل تتجاهلوني لأني أقيم في عاصمة فيها أفلام لا استطيع مشاهدتها إلا متسولا؟)... وغير ذلك. فكان أن توسط له أحد الزملاء من باب العطف عليه، لكي يقبلوا نشر ما يكتبه من تفاهات ومقالات مترجمة ترجمة رديئة مضاف عليها بعض البهارات التي تشع بالحقد والضغينة وتنضح بالادعاءات الكبيرة وتقلل من شأن الآخرين باستمرار بدعوى انه "أبو المعرفة". لكنه بسبب رداءة معدنه ووضاعة أصله، سرعان ما انقلب على الرجل الذي أحسن إليه، وأخذ يهاجمه ويتهجم عليه في كل مجالسه، وهذا شأنه دائما!


** ملحوظة: هذا الفضاء الذي تتيحه هذه المدونة وجد أساسا لكي ننشر فيه ما لا يمكننا نشره في اي مجال آخر.. وللعلم فقط، أن قراء هذه المدونة أكثر كثيرا من قراء زاوية اسبوعية تنشر في صحيفة من الصحف المعروفة!

الثلاثاء، 7 أغسطس 2012

ذكريات حول تجربة نادي السينما



لقطة من فيلم "لا تلمس المرأة البيضاء"


 

بقلم: أمير العمري



بعض من يكتبون عن السينما لا يحترمون الترجمة، بل إن "المجتمع الثقافي" في مصر أصبح، بشكل عام، لا يحترم الترجمة، فقد صارت الترجمة مهنة على المشاع، أي أصبحت مهنة يمارسها كل من يعرف، ومن لا يعرف. والمقصود بالمعرفة ليس فقط معرفة اللغة الأجنبية التي يترجم عنها، أو أصول اللغة العربية التي تترجم إليها، بل معرفة وإلمام كاف بالمادة موضوع الترجمة، فترجمة كتاب في جانب من جوانب الفن السينمائي مثلا، ليس مثل ترجمة كتاب سياسي يقوم على التحقيق، أو المذكرات، وليس كترجمة كتاب في العلوم الطبيعية. فلكل مادة المتخصصون فيها. ولكن بكل أسف، لم يعد هذا قائما، بل أصبحنا نرى الكثير من الكتب التي تظهر في الغرب تصدر في ترجمات سريعة رديئة استهلاكية، فيها قدر كبير من الضحك على ذقون القراء. ومن هذه الكتب أتذكر على سبيل المثال، كتاب روجيه جارودي "الأساطير المؤسسة لدولة إسرائيل" الذي صدرت منه ترجمة رديئة للغاية، معظمها كلام خاطيء أوغير دقيق، إلى أن صدرت ترجمة جيدة منه عن إحدى دور النشر المحترمة في مصر. وهناك أحيانا مترجمون من الكبار، أي من أساتذة الأدب الانجليزي، قد لا يعرفون كنه المادة التي يترجمونها أو يقتبسون منها في كتبهم، رغم معرفتهم باللغة الإنجليزية وآدابها.
ولعل من أجمل ما قرأت في معرض التعبير عن فوضى الترجمة والكتابة، ما كتبه الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل ذات مرة من أننا: "نؤلف في حين أننا نترجم، ونترجم بينما نحن في الحقيقة نؤلف"!
فيما يتعلق بترجمة النقد السينمائي وجوانب الثقافة السينمائية لعل من الغريب جدا أن أقرر هنا أن من أفضل من ترجموا في هذا المجال، ناقد وكاتب، لم يصدر له كتاب واحد، بينما كان يمكن أن يملأ ما ترجمه في السينما، مجلدات. والحديث هنا عن الناقد السينمائي يوسف شريف رزق الله.
كان يوسف يترجم أسبوعيا تقريبا لنشرة نادي السينما بالقاهرة في عصره الذهبي، أي لمدة عشرين عاما، من 1969 إلى 1989. وكانت ترجمات يوسف من مقالات ومقابلات وتقارير ومقالات نقدية ومعلومات وتحقيقات عميقة، متخصصة، عن الظواهر السينمائية في فرنسا والعالم، تثرينا وتغذي ثقافتنا. ويكفي أن يراجع المرء مجلدت نشرة نادي السينما في السنوات المشار إليها، لكي يقف على كنوز من المعلومات والتحليلات التي لم يوجد لها مثيل من بعد، بهذا الشكل الأسبوعي المنتظم والشامل.

كانت ثقافة يوسف السينمائية الموسوعية، وإجادته التامة للغتين، الفرنسية والإنجليزية، إلى جانب معرفته الممتازة باللغة العربية، تساعده على تقديم هذه الترجمات الجميلة، السلسة، الواضحة، الثرية. فضلا عن هذا كله، كان يوسف ولايزال أساسا، من هواة السينما الكبار بلا أدنى شك، ولولا حبه وإخلاصه لما يحب، لما أنتج كل ما أنتجه، بزهد واضح، ودون أي رغبة في الادعاء أو البحث عن الشهرة، فقد كان يكتفي بالنشر في نشرة نادي السينما التي كان يكتب لها أيضا الدراسات التفصيلية عن الأفلام أحيانا مع غيره من كبار النقاد، أو في مجلة "المسرح والسينما" ثم "السينما" إلى أن توقفت. وأظن أنه كتب أيضا لمجلة "الإذاعة والتليفزيون" لفترة، وكان بالطبع قطبا أساسيا في جريدة "السينما والفنون" الأسبوعية التي صدر منها 33 عددا عام 1977 ثم أغلقت بضغوط مباشرة من السلطة. ولم يحدث قط أن وضع يوسف اسمه على أي مادة مترجمة، باعتباره مؤلفها أو كاتبها، كما يفعل كثيرون حاليا، بل كانت المادة المنشورة دائما مشفوعة في النهاية بعبارة "ترجمة: يوسف شريف رزق الله".

السينما الأخرى
كان يوسف من أوائل الذين تولوا تعريفنا، من خلال ما نقله إلى العربية، بعدد من أبرز وأهم السينمائيين في فرنسا وأوروبا عموما، ليس فقط من الأجيال صاحبة التراث المؤثر، بل من التيارات الجديدة التي كانت تظهر من وقت إلى آخر. وقد كنا سعداء الحظ أن نشأنا ونشأ اهتمامنا بالسينما في تلك الفترة من أواخر الستينيات، عندما كانت حركة التجديد في السينما الأوروبية وسينما القارات الثلاث، في أوج مجدها وانتفاضتها على السينما التقليدية القادمة من هوليوود. وكانت فرنسا تحديدا، "كعبة" الحركات الجديدة في السينما، من الموجة الجديدة إلى سينما الحقيقة، إلى السينما النضالية، وغيرها. وكان المخرج الفرنسي الشهير جان لوك جودار قد أعلن وقتذاك، تمرده على السينما القديمة التي كان يصنعها واصفا إياها بـ"السينما البورجوازية"، وأقدم على إخراج تجارب جديدة "ثورية" في الشكل والمضمون. وكانت حركة الاحتجاج العالمية التي تصدرتها جماعات الشباب في العالم ضد حرب فيتنام والوحشية التي كانت تمارسها القوات الأمريكية هناك، قد أضافت رافدا فكريا مثيرا إلى حركات التجديد في السينما، التي بدا ميلها بوضوح في تلك الفترة، بل وربما منذ تلك الفترة أيضا، إلى اتباع أسلوب الفيلم التسجيلي في الأفلام الروائية الطويلة. وعلى سبيل المثال، لم يكن غريبا أن يظهر في تلك الفترة، فيلم مثل "معركة الجزائر" (1969) للمخرج الإيطالي الكبير جيلو بوتيكورفو، لايزال يعد نموذجا على تلك السينما المتمردة العظيمة.
كان يوسف أيضا جريئا جدا فيما ينقل لنا عن الفرنسية، عن مخرجين لم نكن نعرف عنهم كثيرا، مثل جورج كلوزو وجان بيير ميلفيل وأندريه ديلفو (البلجيكي) وماركو فيراري (الإيطالي) وبرتران تافرينييه وكوستا جافراس وبرتران بلييه وفرنسوا تريفو وكلود شابرول وكلود ليلوش، وغيرهم. ولعل من أهم ما نقله لنا يوسف أيضا، الكثير من أدبيات سينما التمرد والغضب التي ارتبطت بحركة التمرد المشهودة في مايو 1968 في فرنسا، بل كان يوسف من أوائل من كتبوا عن تأثير هذه الحركة على السينما، وقدم لنا سردا تفصيليا دقيقا لتطور الأحداث في باريس منذ إعفاء مدير السينماتيك الفرنسية هنري لانجلوا، من منصبه، إلى اندلاع غضب المثقفين والسينمائيين الذين تزعمهم جودار وتريفو، ثم انتفاضة الطلاب، وانضمام العمال إلى الطلاب وإقامة المتاريس في باريس وتحويلها إلى ثكنة عسكرية. وقد نشر هذا في مجلة "المسرح والسينما" وكان عضوا في هيئة تحريرها ولم يكن قد بلغ الثلاثين من عمره بعد.



صورة من الأرشيف الشخصي للكاتب من عام 1973 ليوسف شريف رزق الله (اليمين) مع فتحي فرج (الوسط) واحمد رأفت بهجت (على اليسار)



وكان ما عرضه يوسف يأسرنا، أبناء جيلي وأنا، فقد كنا مفتونين بقدرة السينمائيين الشباب على إشعال شرارة حركة ثورية في بلد من أعرق الديمقراطيات في العالم. وكانت ثورة الشباب وقتها في قمة مدها في أوروبا، وكانت مظاهرات الشباب في العواصم الأوروبية ترفع صور ماوتسي تونج (الذي كان قد بدأ الثورة الثقافية في الصين)، وصور ماركس ولينين وكاسترو وجيفارا. وقد امتدت الحركة الثورية أيضا إلى مصر في أول مظاهرات تندلع منذ استيلاء الجيش على السلطة في 1952، احتجاجا على "مجتمع القهر" و"زوار الفجر"، وتطالب بالديمقراطية، وتحمل المسؤولين فيما عرف بـ"الاتحاد الاشتراكي"، والدولة عموما، مسؤولية الهزيمة، بعد أن انكشف حجم ما يكمن من فساد تحت السطح البراق للشعارات السائدة في 1967.
كان يوسف شريف وراء اختيار عدد من أهم الافلام التي عرضت في "نادي السينما"، وهي في معظمها فرنسية، وكانت بالنسبة لأبناء جيلي، الذي جاء بعد جيل يوسف ورفاقه، اكتشافات حقيقية.

 

لا تلمس المرأة البيضاء
من هذه الافلام، التي لازلت أتذكرها وأتذكر ما كتبه وترجمه يوسف حولها، فيلم بديع بعنوان "لا تلمس المرأة البيضاء" Touche pas à la femme blanche لماركو فيراري، وهو من الإنتاج الفرنسي- الإيطالي المشترك.
لم أكن، في ذلك الوقت من عام 1974، قد ذهبت إلى باريس، أو قمت بزيارة أي بلد خارج مصر، فقد كنت في مرحلة الدراسة الجامعية. وكان الفيلم يدور في منطقة عرفت أنها شهيرة جدا في قلب باريس هي منطقة سوق الهال Les Halles وكان الفيلم مزيجا من الخيال المبني على التاريخ القديم والتاريخ الحديث، ففي هذا السوق القديم كان العمال والطلاب قد أقاموا المتاريس، وأخذوا يشنون الهجمات على قوات الأمن الفرنسية. وإذن فقد استخدم السوق كمكان محصن للاحتماء والهجوم المضاد. ولذلك كان من أول القرارات التي اتخذتها السلطات الفرنسية بعد مايو 1968، إزالة السوق من الوجود وفتح المنطقة وتحويلها إلى منطقة سياحية تمتليء بالبوتيكات الحديثة على نحو ما نرى الآن، وهو ما رأيته بعد أن قمت بأول زيارة لي إلى باريس عام 1981.
وفي الفيلم، وهو نوع من "البارودي" parody أي التصوير الساخر، والكثير من الإحالات الفكرية والتاريخية التي تربط بطريقة مضحكة، بين ما يحدث من هدم وتحطيم واقتحام بشع من جانب قوات الشرطة الفرنسية لسوق الهال وتدميره، وما حدث من إبادة للهنود الحمر في أمريكا على يدي الجنرال جورج أرمسترونج كاستر، الذي عرف بلقب "جزار الهنود الحمر". ولكننا نرى هنا "كاستر" معاصرا تماما (يقوم بدوره ميشيل بيكولي) وهو يقود قواته التي تركب الخيول في وسط باريس أثناء هجومها على المكان الذي تحصن فيه عدد من صغار النشطاء والتجار لحماية سوقهم الذي اشتهر تاريخيا، وأظنه كان يستخدم أيضا كمنطقة تحصن في زمن "كوميونة" باريس الشهيرة.
معركة تصفية سوق الهال تحال سينمائيا، إلى نموذج مضحك لما عرف تاريخيا باسم "معركة القرون الصغيرة"، آخر المعارك التي خاضها كاستر ضد الهنود الحمر والتي انتهت بهزيمة قواته ومقتله. وكانت هناك إحالات "بصرية" إلى حرب فيتنام. وفي أحد المشاهد الساخرة، تظهر صورة الرئيس الأمريكي نيسكون.
ومن الجدير بالذكر أن موجة الأفلام التي تعيد للهنود الحمر اعتبارهم، وتنتقد الوحشية التي تعامل بها الأمريكيون البيض مع السكان الأصليين في القارة الجديدة، كانت قد دشنت رسميا عام 1970 بفيلم آخر شهير هو "العسكري الأرزق" Solider Blue اهتم به يوسف شريف كثيرا هو وأبناء جيله من النقاد، بل وأتذكر أيضا أنه دارت حول هذا الفيلم في أوائل السبعينيات معركة نقدية في مصر، فهناك من كان يعتبره فيلما ثوريا جريئا يفضح الإمبريالية الأمريكية، وهناك من جهة أخرى، من اعتبره محاولة لتبرير بل وتجميل الطغيان الأمريكي، بدعوى أن هوليوود لا يمكنها أن تتناقض أصلا مع "المؤسسة" الحاكمة في واشنطن. وسيثبت الزمن وحده فيما بعد، خطأ تلك النظرية الأخيرة، وأن بداية السبعينيات كانت أيضا بداية ظهور "تيارات" متباينة داخل هوليوود، وإنه ليس من الممكن اعتبارها كيانا واحدا مصمتا خاليا من التناقضات.
وأذكر أنه كان هناك في ذلك الوقت، تقليد جميل اقتبسته "سينما مترو" تحديدا، يحاكي التقليد الذي نراه في دور العرض الأوروبية، والفرنسية بوجه خاص، هو أن تضع دور العرض إلى جانب الصور الموجودة للدعاية للفيلم المعروض في مدخلها، اقتباسات من مقالات النقاد البارزين وآرائهم عن الفيلم. وكان هذا على نحو ما، احتفاء بالنقد، وإعلاء من قيمة الكلمة المكتوبة وتأثيرها على مشاهدي السينما.
وكانت مقتطفات من مقالات وكتابات سمير فريد وسامي السلاموني ويوسف شريف وخيرية البشلاوي ومصطفى درويش توضع في مداخل سينما مترو، وكنا نتوقف ونقرأ، ولم تكن السينما تحرص فقط على وضع مقالات الإشادة بالفيلم، بل وأيضا ما يتعارض معه. وقد نال "العسكري الأزرق" نصيبه في هذا المجال.
ي نشرة نادي السينما، التي كانت مجلة سينمائية حقيقية، أسبوعية، عميقة، ومتخصصة، كانت مقالات ودراسات سمير فريد عن تاركوفسكي وجودار وبرتولوتشي وغيرهم، ومقالات فتحي فرج عن جوزيف لوزي وأعلام السينما البريطانية الجديدة مثل كاريل رايز وتوني ريتشاردسون وليندساي أندرسون وبيتر واتكنز وسيناريوهات العبقري الراحل هارولد بنتر، والتغطيات الدورية الحافلة لسمير فريد ورفيق الصبان ويوسف شريف وأحمد الحضري ثم سامي السلاموني في مرحلة لاحقة، لمهرجان كان، مرجعا رئيسيا لنا، نستمد منه معارفنا حول أبرز الاتجاهات في السينما العالمية. وكان الناقد الكبير رءوف توفيق ينشر مقالاته الممتعة عن أفلام مهرجان كان في مجلة "صباح الخير" ثم تصدر فيما بعد، في كتب بديعة.
ما الذي حدث بعد مرور السنين، أين ذهب حماس هؤلاء النقاد للكتابة الجادة عن الأفلام، وإعطاء الفيلم حقه من النقد والتحليل التفصيلي الذي كان يعد من أرقى أنواع النقد وأكثرها فائدة، ولماذا أصبح من ظلوا على قيد الحياة منهم، الذين تتوفر أمامهم فرصة للنشر بدون معوقات، يحجمون عن كتابة النقد السينمائي بهذا المفهوم، إكتفاء بكتابة الخواطر والانطباعات والتعليقات السريعة؟



ماذا حدث؟
أظن أنه تغير المناخ العام، وغياب الأطر التي كانت تجمع النقاد على أهداف واحدة، بغض النظر عن تحقيق المنفعة المادية، بل وغياب الهدف الثقافي الأكبر والأشمل، أي القيام بدور فاعل في الواقع، ونقل المعرفة إلى شرائح أوسع من الشباب، والهرولة بدلا من ذلك، إلى الدخول في "الحظيرة"، والحصول على نصيب من "الكعكة" الرسمية بأقل جهد ممكن، ومن خلال استخدام واستثمار الأسماء التي صنعها أصحابها في ظروف عمل جاد في الماضي، لخدمة المؤسسات الثقافية، الجديدة، الشكلية، التي تأسست دون فعالية، ودون مشروع، بل وفي غياب أصحاب المصلحة الحقيقية، أي الجمهور نفسه.
ولكن هل الذنب هو ذنب ذلك "الزمن" الجديد فقط؟ لاشك أيضا، أن الحياة اختيارات، وأن موقف المثقف يعكس اختياره، وكل مثقف مسؤول في النهاية، عن اختياراته. ولكن المجتمع كله هو الذي يدفع الثمن في النهاية.

صفحات من كتاب "شخصيات وأفلام من عصر السينما"
جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger