أمير العمري
أريد ان أتوجه بكل وضوح إلى القراء الأعزاء وإلى كل
الأصدقاء في مصر، بأن من الضروري، استكمالا للثورة المصرية العظيمة، تطهير الحياة
الثقافية من كل الذين باعوا أنفسهم للأجهزة الأمنية وارتضوا طواعية بل سعوا سعيا
إلى الدخول في حظيرة السلطة واللعب في ملعبها وبشروطها، مقابل تولي المناصب
والحصول على فرص للإخراج والإنتاج والكتابة المنتظمة في صحف الدولة ونشر الكتب في
سلاسل ظهرت خصيصا كغطاء لمنح مكافآت مالية ضخمة لكتاب محددين كانت الأجهزة ترضى
عنهم، وكان وزير الحظيرة- ولا وصف آخر له عندي- يرضى عنهم ويستخدمهم في الترويج
لسياساته، ويضمهم للجان المجلس الأعلى للثقافة وينشر لهم كتبهم المتهافتة، رغم أن
معظمهم من المنطفئين ثقافيا، والمنتحرين أيديولوجيا (الذين كانوا من الماركسيين
السابقين ثم ارتضوا الإقلاع عن تلك الايديولوجية (الضارة بالصحة!!) والانضمام
لصفوف السلطة في عصر مبارك، رغم أنه لم يكن يقل بشاعة عن نظام السادات الذي كانوا
يعارضونه في شبابهم!
وقد لعب هؤلاء "المتثاقفون" المنافقون الذين
يغيرون مواقفهم حسب مصالهم الشخصية، دورا رئيسيا في إقصاء واستبعاد المثقفين
الوطنيين الحقيقيين عن الساحة وإخراجهم منها تماما بل وإخراجهم من البلاد أيضا في
مرحلة معينة، أي دفعهم دفعا إلى الصمت في الداخل أو الهجرة إلى الخارج.
واليوم يعود نفس الأشخاص وتعود نفس الوجوه التي احترقت
أمام جموع المثقفين في محاولة لتصدر المشهد الثقافي مرة أخرى، عن طريق تشكيل
حركات، أو بالأحرى، جماعات ضغط، باسم الدفاع عن حرية الإبداع والفكر، في حين أنهم كانوا
أول من ساهم في تمييع قضية الحرية بمشاركتهم في تظاهرات وزير الحظيرة التي كانت
كلها تسعى لتجميل وجه نظام يضطهد المثقفين ويحتقر الثقافة.
لقد كانت جوائز السلطة المسماة بـ"جوائز الدولة"
(واسمها جوائز الدولة القمعية)، تذهب في معظمها إلى هؤلاء ولاتزال، وكانت المناصب
المؤثرة تسند إليهم، وكانت وزارة فاروق حسني توزع عليهم الرشاوى على هيئة منح
للسفر للخارج، وضمهم الى الوفود الرسمية التي تمثل مصر في المؤتمرات الدولية علما
بأن معظمهم من الذين لا يعرفون حرفا واحدا في اللغات الأجنبية، ولا صلة حقيقية لهم
بالعالم، وكثيرون من الذين ذهبوا في بعثات دراسية الى دول معينة في الشرق أو في
الغرب طبقا للاتفاقيات الثقافية بين مصر وهذه الدول، كانوا يخضعون لمراجعة المستشار
التعليمي في سفارات تلك الدول، وكانوا يكتبون التقارير الأمنية عن المثقفين
والطلاب الذين لا يرتبطون بالمنظومة الرسمية للدولة القمعية البوليسية. ولعل أبرز
مثال على ذلك الدور الذي انكشف قبل سنوات، والذي كان يقوم به فاروق حسني نفسه في
السفارة المصرية في باريس في أوائل السبعينيات وقت ان كان ملحقا ثقافيا بالسفارة.
قد فضح الدكتور يحيى الجمل موقفه هذا في كتاب مذكراته المتداول حاليا في الأسواق!
وبفضل هذه "الخدمات" فقط تمكنوا من العودة
وحصلوا بمجرد عودتهم على مناصب في أجهزة ومؤسسات الدولة بمباركة رسمية من أجهزة
الدولة الأمنية في الاساس، وتم تلميع أسمائهم في الصحف ومحطات التليفزيون التي لم
تكن تسمح باستضافة غيرهم من المعارضين أو أصحاب الأصوات المستقلة.
إن لجان وتنظيمات السينما والشعر والمسرح والأدب لايزال
يسيطر عليها الكثير من عناصر المتعاونين مع الأجهزة الأمنية. ويرتبط هؤلاء معا
برباط غير مقدس، تماما كالذي يربط أفراد عصابات المافيا المعروفة، فهم يدافعون عن
بعضهم البعض، وينحازون بشدة لكل من ينتمي الى عصبتهم، ويهاجمون بضراوة كل من يحاول
فضحهم وكشف حقيقتهم المزدوجة، بل ويهددونهم أيضا بصرفهم الى "بيوت خالاتهم"-
ومنعهم من الكتابة ومن الاشتغال بالعمل
العام باستخدام علاقاتهم بأجهزة السلطة التي لاتزال قائمة ومترابطة لم تمسها
التغييرات الجارية في النظام بعد لأنها متغلغلة في التربة المصرية منذ زمن بعيد،
ولن تسقط بل سيعيد الاخوان المتاسلمون انتاجها واستخدامها لحسابهم.
لذلك فإنني أدعو كل من يمتلك أي وثيقة أو معلومة أو
شهادة عن تلك الفرق من المثقفين الانتهازيين الذين وظفوا طاقاتهم في دعم نظام
مبارك ومنظومته الثقافية، وكانوا مقربين من لجنة السياسات التي رأسها جمال مبارك،
وحصلوا على مناصبهم بمباركة جهاز أمن الدولة، وأصبحوا يتحدثون اليوم، بأعلى أصواتهم،
عن الثورة والقيم الثورية، أن يرسلها إلينا بما لديهم، لأننا بصدد إعداد "كتاب
أسود" عن ممارسات هؤلاء الأشخاص، بالأسماء والوقائع، دون أن نخشى من انتقام
أو هجوم قد نتعرض له، فماذا يملك هؤلاء أن يقولوا عنا أو يفعلوا: فليس لدينا ما
نخشى عليه، ولسنا في حاجة إلى مناصب أو ترقيات أو اعترافات رسمية أو جاه ونفوذ
وهمي، فكلها أشياء زائلة لا قيمة لها، والقيمة فقط التي تبقى في الأرض، هي حصيلة الجهد
الإبداعي وقدرة المرء الدائمة على العطاء والتمتع الدائم بالحس النقدي واليقظة
الدائمة لأي شبهة تتعلق بالانحراف عن المباديء مهما كان الثمن، وهذا تحديدا ما
يثير غيرة هؤلاء وغيظهم وحقدهم، ويدفعهم الى شن حملات الهجوم على المثقفين
الوطنيين الشرفاء الذين رفضوا التلوث في مستنقع حظيرة فاروق حسني ورفضوا الخضوع
لأتباعه وزبانيته، في حين أن هؤلاء "المتمركسين المنتحرين السابقين" لم
يخجلوا من الدفاع عن هؤلاء الأتباع الصغار علانية على شاشات التليفزيون، وعلى
صفحات الصحف بل وجد منهم من يصف عهد فاروق حسني بأنه أزهى عصور الثقافة المصرية!
وأخيرا.. فالمعركة التي يجب أن نخوضها اليوم ليست فقط ضد
تيار الظلاميين والتكفيريين بل هي معركة مزدوجة الهدف، أي ينبغي أن تتجه في الوقت
نفسه، لكشف وفضح وعزل تلك الفئة التي تسعى للالتفاف على الثورة والادعاء بأنها
كانت دائما مع التغيير، دفاعا عن مواقعها، فلابد من كشف دورها في إفساد الحياة
الثقافية في مصر.
ونحن في الانتظار.
0 comments:
إرسال تعليق