بقلم: أميرالعمري
أخطأ المركز القومي للسينما - لا أدري هل كان هذا تحت رئاسة الدكتور خالد عبد الجليل أم مجدي أحمد علي- في الموافقة على إسناد مهرجان القاهرة السينمائي إلى جمعية تشكلت باسم جمعية مهرجان القاهرة السينمائيبرئاسة الصديق الناقد يوسف شريف رزق الله قبل فتح الباب، بوضوح وشفافية، امام كل الجمعيات الراغبة في التقدم لتنظيم المهرجان.
وكانت الجمعية التي سبق أن اشرنا إليها في مقال نشر العام الماضي، قد ضمت مجموعة من "الحرس" القديم ممن كانوا قريبين من المهرجان العجوز أو من الضالعين الأساسيين فيه مثل السيدة ماجدة واصف والسيدة خيرية البشلاوي وآخرين وأخريات، مع إضافة بعض الأسماء الجديدة لعدد من منتجي الأفلام يتردد إن بينهم من ينتج بأموال خليجية.
لكن ليس هذا هو الموضوع، فالموضوع أن جمعية كتاب ونقاد السينما برئاسة ممدوح الليثي التي كانت تقيم المهرجان في الماضي (حتى دورة 1985) احتجت على هذا الاسناد وتقدمت بدعوى قضائية ضد قرار المركز القومي للسينما وجاء حكم المحكمة يقضي بضرورة اعادة طرح الموضوع مجددا للتنافس بشفافية وطبقا لشروط واضحة محددة بين الجمعيات والمؤسسات السينمائية.
وقد اعادت وزارة الثقافة، ممثلة في المركز القومي للسينما، الإعلان عن فتح باب التقدم في حين لم يكن قد بقى سوى أربعة اشهر على إقامة المهرجان (وقت نشر الاعلان بالطبع أي قبل نحو شهر).. ولكن الغريب أن فترة التقدم حددها الاعلان بخمسة عشر يوما من تاريخ نشر الاعلان وهو وقت لا يكفي أبدا لإعداد مشروع متكامل لتنظيم مهرجان دولي كبير.
ولعل من المثير للدهشة أيضا أن السيدة ماجدة واصف التي تتمتع بمنصب المدير الفني لمهرجان القاهرة السينمائي والتي تعتقد ان لها حقا طبيعيا في وراثة المهرجان من سهير عبد القادر وعصبتها، هي في الوقت نفسه رئيسة مهرجان يسمى مهرجان الأقصر السينمائي للأفلام المصرية والأوروبية، وهو مهرجان جديد قادم من ابتكارات المخرج محمد كامل القليوبي، الذي سبق أن ترأس مهرجان الاسكندرية السينمائي بقرار من وزير الثقافة الأسبق المعروف بـ"وزير الحظيرة" فاروق حسني، وتحت اشراف ممدوح الليثي، واعتبرت تلك الدورة التي تراسها القليوبي "فضيحة كبرى" بشهادة القليوبي نفسه فيما بعد!
خالد عبد الجليل
وروي بعض الذين حضروا تلك الدورة، أن الليثي كان يتدخل في كل كبيرة وصغيرة، شأنه دائما، تتعلق بعمل المهرجان، ومن وراء ظهر رئيسه المفترض، مما أدى إلى تذمر الجميع فقرر الليثي عقد مؤتمر صحفي مع القليوبي، وجلس القليوبي معه على المنصة، ونفى الليثي أمام الجميع إنه يتدخل في عمل المهرجان، وأكد أن القليوبي يتحمل المسؤولية بالكامل.. وسأل القليوبي أمام الجميع: أليس كذلك يادكتور.. فأقر القليوبي أمام الجميع أن الليثي لا يتدخل!
وموافقة المركز القومي للسينما في عهد الدكتور خالد عبد الجليل على اقامة هذا المهرجان، أي مهرجان الأقصر الأوروبي (وهو غير مهرجان الأقصر الافريقي!) تجعلنا نطالب أيضا بفتح ملف هذا المهرجان الذي يحصل على منحة مالية ضخمة من المركز ومن غير المركز من مؤسسات في الوزارة وغير الوزارة، لكي نعرف ما إذا كانت جمعية "نون" التي تقيم المهرجان وهي الجمعية التي أسسها القليوبي، قد التزمت بالشروط التي وضعها المركز القومي للسينما، كما نود أن نطلع ايضا على تفاصيل توزيع الميزانية التقديرية لهذا المهرجان حتى لا تتكرر مهزلة تخصيص مبلغ فلكي لريئس المهرجان وزوجته التي أسند إليها مهمة العمل كمدير للمهرجان علما بأنه لا هو ولا هي لهما أدنى علاقة بالسينما أو بالثقافة السينمائية والمهرجانات الدولية أو حتى المحلية والمقصود بالطبع ما حدث في مهرجان الأقصر للسينما الافريقية، وتحت أيدينا تفاصيل الميزانية وطريقة تخصيصها ويمكننا نشرها.
والنصيحة التي أوجهها للصديق مجدي أحمد علي هنا أن ابتعد نفسك من فضلك عن الدخول في الصراع بين جمعية الليثي وجمعية ماجدة واصف، فأنت طرف يفترض أن تكون ممثلا للدولة وليس منحازا لجمعية معينة.. ونحن في انتظار من سيرسو عليه الحق في تنظيم المهرجان وإن كنا على ثقة ويقين من النتيجة.
المهرجان عموما لم تبق على موعد اقامته سوى ثلاثة أشهر تقريبا، ويفترض أن يكون قد أنفقت أموال ضخمة على اقامته سواء من أموال وزارة الثقافة أم غيرها، فهل سيسند المهرجان لجميعة أخرى مع تمويل جديد!
ماجدة واصف
ولعل من الطريف أيضا ان ماجدة واصف "رئيسة" مهرجان الأقصر "الأوروبي"، ضمت يوسف شريف رزق الله "رئيس" مهرجان القاهرة السينمائي التي هي مديره الفني، لكي يعمل كمدير فني لمهرجان الأقصر. وهو ما يجعلني أطالب خالد عبد الجليل أيضا ببيان موقف وزارة الثقافة من هذه اللعبة الشبيهة بلعبة "الكراسي الموسيقية" وما إذا كان هذا التصرف ينطبق على شروط اقامة المهرجانات كما وضعتها الوزارة!
من جهة أخرى ينتظر مهرجان الاسكندرية الذي يرأسه الصديق الناقد د. وليد سيف، إقرار المنحة المالية التي يحصل عليها من المركز القومي للسينما للدورة القادمة التي اعلن عن انعقادها في الثاني عشر من سبتمبر أي بعد أقل من شهر واحد (دون ان تكتمل ميزانيتها بعد). ورغم أن وليد سيف يجهز للدورة بأسلوب راق جديد ويبذل أقصى جهده من أجل إقامة دورة أخرى مختلفة، إلا أننا نشفق عليه من طغيان ممدوح الليثي الذي فشلت جهود الكثيرين في التخلص من رئاسته من تلك الجمعية التي آن لها أن تجدد دمائها وتبتعد عن الحرس القديم بالكامل، وتقلل بعض الشيء من طموحها الجامح لإقامة مهرجانات سينمائية (دولية) متعددة خصوصا مع النقص الفادح القائم اصلا في الكوادر المؤهلة والمدربة والتي تمتلك الوعي والمعرفة بأسس إقامة المهرجانات الدولية مما يؤدي إلى الاستعانة ببعض الصحفيين الفنيين محدودي الموهبة والخبرة والمعرفة والذين لا يعرفون أصلا حرفا في اللغات الأجنبية، للعمل في إدارة المهرجانات. والأفضل كثيرا أن تركز هذه الجمعية على مهرجان واحد هو مهرجان الاسكندرية لكي تجعل منه مهرجانا ناجحا.
ولعل من الضروري هنا أن أتساءل أيضا عن جدوى تلك الفكرة التي ظهرت في مصر خلال السنوات القليلة الأخيرة، والتي تتعلق بتخلي الدولة عن تنظيم المهرجانات السينمائية وترك المهمة للجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني تحت تصور أن المجتمع المدني لديه مثل هذه الكفاءات التي تملك القدرة والخبرة في تنظيم مهرجانات دولية ناجحة.
هذه الفكرة التي روج لها كثيرا الزميل سمير فريد، تتعارض تماما مع هو قائم بالفعل على أرض الواقع، فما حدث هو أن الجمعيات ومنظمات العمل الأهلي والمدني لا تستطيع حتى الآن الاعتماد على نفسها، بل تلجأ في التمويل الى مؤسسات الدولة (وزارة الثقافة، المخافظة، مصر للسياحة، مصر للطيران...الخ) اي أنها تستقل "من الناحية الشكلية" عن الدولة ولكنها تظل مترممة عليها من الناحية المالية، أي أن الدولة في هذه الحالةـ تمول مهرجانات (من الباطن) لحساب آخرين ومن أجل أمجادهم الشخصية.
ووجهة النظر المعلنة التي كررها سمير فريد وسمعتها بعد ذلك من مجدي أحمد علي، هي أنه لا تتوفر لدى وزارة الثقافة كفاءات أو خبرات في مجال تنظيم المهرجانات السينمائية الدولية، وهو قول قد يكون صحيحا بشكل ما، ولكن من ناحية أخرى فإن هذه الخبرات تغيب أيضا عن تلك الجمعيات والجماعات خارج وزارة الثقافة بدليل أن المنتج شريف مندور وهو قطب أساسي في ادارة مهرجان القاهرة السينمائي (أو ربما كان كذلك!) صرح على شاشة التليفزيون قائلا إنهم في ادارة المهرجان اعترفوا بأنهم لا يعرفون شيئا عن تنظيم المهرجانات، وأضاف أنهم كتبوا بهذه الصيغة إلى الاتحاد الدولي للمنتجين الذي يشرف على المهرجانات السينمائية الدولية المعترف بها، وطلبوا معاونتهم في التعلم والفهم، وهو من أغرب ما سمعت من آراء، فإذا لم تكن تعرف أو تفهم، فلماذا وضعت نفسك في هذا الموضع، ولم لا تترك مكانك لمن لديه المعرفة والخبرة.. ولعله قد فعل أخيرا كما علمت!
ملحوظة: هذا المقال يعبر عن رأي أمير العمري ككاتب وناقد مستقل لا يلتزم فيما يكتبه سوى بالإخلاص للقاريء أولا وأساسا، ولا يعبر عن رأيه كمدير لمهرجان الاسماعيلية السينمائي الدولي ولا عن رأي المهرجان وإدارته ولي سالمقصود منه الاساءة لأحد بل تناول القضية الرئيسية التي يتعرض لها بالأسماء وبوضوح في إطار نقد الظواهرالثقافية.. ولذا لزم التنويه.