الاثنين، 17 أكتوبر 2011

هذه المدن الصغيرة ومهرجاناتها الدولية!






مناقشات كثيرة تدور على هامش مهرجان أبو ظبي السينمائي بين السينمائيين والنقاد، وبين النقاد بعضهم بعضا إذا خلص الود طبعا وتراجع "التنمر" والنهم الى الاغتياب والتشويه وأحيانا أيضا، نفخ الذات باستخدام ما لا ينفع من الادعاءات والتشبث بالصغائر، وهو كثير!
 الناقد المغربي الصديق عبد الإله الجوهري استغرق معي في مناقشة طويلة حول المهرجانات التي تقام في أرجاء كثيرة من العالم العربي وخصوصا في المغرب.

هذه المهرجانات كان رأيي، ولايزال، أنها تتوالد وتتكاثر بشكل عشوائي أي غير منظم، وتظهر إلى النور طبقا لرغبة البعض الذين ربما كانوا يحبون السينما حقا لكنهم مغرمون أيضا بالظهور وحب الاستعراض، ولذلك فهم يسعون وراء عدد من النجوم، يريدونهم أن يأتوا الى تلك المهرجانات الصغيرة، يغرونهم بالتكريم والجوائز وما الى ذلك مما أصبح في الحقيقة بمثابة طقوس شبه اسبوعية.

أبديت تحفظي على تلك المهرجانات الصغيرة التي تقام في بلدات أو حتى مدن صغيرة غير مؤهلة بحكم غياب البنية التحتية الصالحة، لإقامة مهرجانات سينمائية "دولية" وضع مائة خط تحت كلمة "دولية"، تنظم مسابقة، وتستضيف لجان تحكيم وتمنح الجوائز.

وكان رأي صديقي الجوهري أنه من حق سكان تلك المدن الصغيرة مشاهدة الأفلام الحديثة، فالسينما حق لكل المواطنين أو هكذا يجب أن تكون، وأنه ليس من حقي أن أصادر على حقهم في المشاهدة والاستمتاع.

قلت إنني أتفق تماما أن من حق الجميع مشاهدة الأفلام، وإن من الممكن لتحقيق هذا الغرض تنظيم تظاهرات للعروض السينمائية، ولكن أن نخدع الناس بأننا نقيم مهرجانا "دوليا" في حين أننا نجمع فقط عددا من اسطوانات الدي في دي (أي الاسطوانات الرقمية المدمجة) وعددا محدودا من الممثلين والمخرجين والصحفيين، ونوهم الجميع بأنه قد أصبح لدينا مهرجان دولي، فهو نوع من الاحتيال والكذب لأن للمهرجانات شروطها وقواعدها.

وتساءل الجوهري: أي شروط تلك التي تريد فرضها على الراغبين في اقامة مهرجانات صغيرة؟ فقلت إنه كما أن للعرض السينمائي شروطا علمية وموضوعية لا يجب التفريط فيها بدعوى أن شيئا خير من لاشيء، تماما هي المهرجانات السينمائية الدولية التي لها مقاييس ومعايير وشروط محددة ليس من الصواب الالتفاف حولها وتدمير الفكرة نفسها بدعوى أننا بهذا نخدم الجمهور.
ولماذا لا يكتفي الجمهور بمشاهدة الأفلام ومناقشتها من خلال نوادي السينما مثلا، ولماذا نريد تحويل كل تظاهرة محدودة للعرض الى مناسبة لتوزيع الجوائز وتكريم الممثلات والمخرجين (تحديدا) وعمل قشرة "ثقافية" أو غطاء من الثقافة من خلال ندوة لا يحضرها أحد في النهاية لأن الجميع يكونون مشغولون في الحفلات أو في التسوق!

إذا كانت السينما فن ديمقراطي فلا أعتقد أن هذا المبدأ يعني الركون الى العشوائية والارتجال.

من ناحية أخرى لا أعتقد أن وظيفة المهرجانات تتلخص في "التثقيف" السينمائي للجمهور، ومرة أخرى، فإن هذا التثقيف السينمائي كان يتم عادة من خلال العروض المنظمة والمناقشات التي تدور حول الأفلام، والمطبوعات التي تصدر بشكل دوري، من خلال نوادي السينما، وليس من خلال الشكل الاحتفالي الدعائي المظهري الذي يكتفي عادة باللامع من على السطح، بدلا من تعميق ثقافة سينمائية أخرى، خصوصا إذا غاب الاهتمام بدعم السينما المحلية (الوطنية) من خلال برنامج طموح عملي يكفل تطورها والحفاظ عليها.
المهرجان السينمائي لا يجب أن يكون مجرد سلة لعرض الأفلام، بل منظومة كاملة تكفل تطوير الفن السينمائي نفسه في البلد الذي يقام فيه المهرجان، من خلال العروض فقط والبرنامج الثقافي والسوق السينمائية أيضا.

لكن البعض سيظل يغامر باقامة مهرجانات يصر على منها صفة "الدولية" دون أن يكون لديها أصلا شاشات تصلح للعرض السينمائي. وهي مأساة أكثر منها مغامرة.. أليس كذلك!

الخميس، 13 أكتوبر 2011

قراءة في أفلام مسابقة مهرجان أبو ظبي السينمائي

لقطة من فيلم الافتتاح "مسيو لازهر"


تفتتح مساء اليوم الدورة الخامسة من مهرجان أبو ظبي السينمائي الدولي. ويعرض المهرجان من خلال برنامج حافل متعدد الأقسام على مدى تسعة أيام، عددا كبيرا من الأفلام الطويلة والقصيرة، الروائية والوثائقية، وأفلام الديجيتال.

ولعل ما شجع المهرجان على ذلك الانفتاح الكبير هذا العام وضم كل هذا العدد من الأفلام، هو الإقبال الكبير الذي شهدته الدورتان السابقتان من جانب جمهور أبوظبي، سواء من الوافدين أو المقيمين، من شتى الجنسيات والأعمار.

هذا المقال سيركز أساسا، على أفلام المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة التي تتنافس على الجوائز الرئيسية للمهر جان المعروفة بقيمتها المادية الكبيرة التي لا تضاهيها أي جوائز أخرى في أي مهرجان في العالم.

تضم المسابقة 15 فيلما، بينها أربعة أفلام عربية أو من إخراج مخرجين ينتمون للثقافة العربية، حتى لو كانت تلك الأفلام من الإنتاج الأجنبي، الفرنسي تحديدا.

الملاحظ أن هناك فيلمين منها حصلا على دعم مالي من مؤسسة "سند" التابعة لبرنامج مؤسسة أبوظبي للتراث والثقافة (التي تنظم المهرجان) وهو دور أرى أنه من أهم الأدوار التي يقوم بها مهرجانا أبو ظبي ودبي في دعم الانتاج الجديد من الأفلام العربية التي تتناول القضايا العربية، بدلا من الجري وراء المشاركة في انتاج أفلام أمريكية وكأننا نحل أزمة الانتاج السينمائي الأمريكي، خاصة عندما يتعلق الأمر بالمشاركة في تمويل أفلام تجارية الطابع، من أفلام التسلية الأمريكية الشائعة، إلا لو كان الهدف من التمويل العربي (الخليجي) هو المشاركة في الأرباح المتوقعة، أي بغرض الاستثمار التجاري في صناعة السينما، وهذا موضوع آخر لا علاقة له بالهدف الثقافي ولا يفيد المحيط العربي في شيء

باقي المقال عبر الرابط التالي:

الثلاثاء، 11 أكتوبر 2011

نماذج من المحظورات الفنية للقنوات "الوهابية" للشيخ صالح كامل




 
عدم وضع الممثلين سلاسل ذهبية أو غيرها في رقابهم وأيديهم،

منع التدخين بكافة أشكاله،

الحرص على الإحتشام في ملابس النساء،

عدم القسم بغير الله،

عدم إحتضان الممثل للممثلة،

تلافي لقاء ممثل وممثلة على السرير،

منع الرقص بكافة أنواعه،

تلافي تصوير مشاهد البلاج ومنع ظهور ملابس البحر،

تلافي ظهور الخمر وشربها،

التقيد بالملاحظات الواردة على النص،

عدم التعرض للأديان،

عدم التهكم على علماء ورجال الدين،

عدم التعرض للأنظمة السياسية بمختلف أنواعها،

عدم التهكم على العاهات الخلقية،

عدم عرض الجريمة وأساليب التحايل على الجريمة بطريقة تغري على محاكاتها والإعجاب بها،

عدم استخدام الألفاظ النابية والعبارات السوقية والكلمات المبتذلة من ناحية اختيار الألفاظ التي تجرح الشعور أو تخدش الحياء أو ينفر منها الذوق،

عدم التعرض للسحر والشعوذة،

عدم التعرض للأبراج والطوالع والبخوت والتنبؤات،

المحافظة على تماسك الاسرة والروابط الاسرية والإحترام المتبادل بين الزوج وزوجته، بين الآباء والأبناء،

عدم الإساءة إلى رجال السلطة والأمن،

منع غناء السيدات،

عدم إستخدام الأغاني كخلفية والأفضل إستخدام موسيقى الأغاني،



محظور تصوير صوان العزاء ويقتصر الحداد على زوجة المتوفي فقط،

ممنوع استخدام كلمتي "بابي" و"مامي"،

ممنوع ظهور مشاهد الدماء سواء في جرائم القتل أو الحوادث،

عدم إستخدام كلمتي "المرحوم" و"المرحومة"،

يضاف كلمة بإذن الله أو إنشاء الله قبل أي عمل مستقبلي،

الإتكال على الله وحده دون سواه، فيجب عدم استخدام جملة "إتكل على اللع وعليا"، أي من الضروري حذف كلمة "وعليا".

المرض والموت ليس بعيدا عن أي مخلوق فيجب عدم استخدام كلمتي "بعيد عنك" عند ذكر المرض والموت،

عدم استخدام كلمة "ربنا افتكره"، فذلك يعني أن الله كان نسيه والإقتصاد على كلمة "توفي"،

عند تلاقي شاب وشابة أو رجل وإمراة غير متزوجين في أي مكان، فلا بد من وجود شخص ثالث يشترك في الديالوج،

يصرح بتصوير المتزوجين فقط في غرفة النوم، ولكن بدون أن يتجاورا في الفراش". (إلخ...)

من كتاب "تسريب الرمل"، الخطاب السلفي في الفضائيات العربية. نأليف خميس الخياطي. نشر دار سحر. 2006 نوتس


الأربعاء، 5 أكتوبر 2011

أحوال المهرجانات السينمائية في العالم العربي





بقلم: أمير العمري


يبدو أن هناك هذه الأيام حالة "إسهال" مهرجاناتي سينمائي، فنحن نشهد توالد الكثير من التظاهرات التي يطلق عليها أصحابها "مهرجانات سينمائية"، فقد أصبح كل مغامر يمكنه جمع سلة من الأفلام ودعوة خمسة أو ستة من الصحفيين المعروفين بأنهم ممن يأكلون ويشربون على كل الموائد، مقابل كتابة تقارير وتحقيقات وأخبار، معظمها له رائحة رديئة، هذا المغامر الفرد أصبح من السهل جدا أن يفاجئنا بالاعلان يوما بعد يوم، عن مولد مهرجان سينمائي، سواء في أقاصي الشمال أو أقصي الجنوب.

أصبح الهدف الأساسي من هذا الاسهال (وهو حالة مرضية خطيرة تقتضي العلاج الناجع السريع) أي التلهف المرضي على اقامة مهرجانات سينمائية بأي طريقة بل وبكل الطرق فيماعدا الطرق العلمية الصحيحة، ينحصر في تحقيق بعض الربح الذي يذهب الى جيب ذلك المغامر الذي يتولى رئاسة أو إدارة أو نظارة هذا المهرجان الصغير أو ذاك، وأصبح الأمر يقتضي بالضرورة بعض التدقيق، والفرز والتشخيص حتى لا ينتشر المرض أكثر مما انتشر، أو يصيب المهرجانات التي نجحت في ترسيخ أقدامها في العالم العربي بتقاليد الجيدة.

ولعل من الغريب، الذي لم أفهمه بل لم أكن أتصوره، هو تهافت الكثير من المخرجين والممثلات والممثلين، على الذهاب الى أي مهرجان يقدم لهم دعوة، أو يقول لهم إنه سيجري تكريمهم أومنحهم شهادة ورقية حتى لو كانت من الأخ "أبو الليل" أو "أبو الدهب" (من شخصيات المجرمين المحترفين في الأفلام المصرية القديمة!) بل وحتى لو كان المهرجان يقام في بلدة بدائية (أو مدينة مكتظة بالسكان) تعاني من قلة مياه الشرب النقية مثلا، أو من الانتشار المخيف للبعوض، وانعدام الأمن كما تعاني من البؤس الواضح بين السكان، دون أدنى اعتبار للحساسيات بل والاحتكاكات التي قد تنشأ جراء ذلك التلاحم غير الصحي بين نجوم لامعة، وبؤساء يتضورون، وهو ما يمكن أن ينتج عنه وقوع الكثير من السرقات والاعتداءات مما شاهدته وتعرضت له شخصيا أكثر من مرة، في أكثر من مكان!

يروي بعض الأصدقاء الذين ارتبكوا فيما مضى خطيئة الذهاب الى مهرجان سيء السمعة يدعى مهرجان وهران، أنهم كانوا يجدون صعوبة شديدة في التجول في المدينة أو حتى مجرد مغادرة بوابة الفندق، بسبب انتشار عدد كبير من اللصوص وخاطفي حقائب اليد وأجهزة التليفون المحمول وغيرهم من المتشردين وأرباب السوابق. وكان التجول ليلا في المدينة يتطلب وجود كتيبة مسلحة من الامن لحماية الضيوف بسبب استهداف المهرجان نفسه من قبل جماعات الارهاب باسم الدين. وقد انتهى مهرجان وهران، الذي اعتبر من المهرجانات سيئة السمعة الى مصيره المعروف، بأن قاطعه معظم السينمائيين والنقاد المحترمين.

غير أن هذا التهافت من جانب ما يسمى بـ"الفنانين" هو الذي يغري عاما بعد عام، الكثير من المغامرين الذين يمكنهم عن طريق تدبير بعض المال بالاعلان عن تنظيم مهرجانات لا قيمة لها ولا تاريخ وسرعان ما تذهب طي النسيان مهما حاول القائمون عليها من لفت الانظار.
هذه المهرجانات- تجاوزا- يقيمها أشخاص لا تربطهم بالسينما أدنى علاقة، اكتشفوا لتوهم أن هذه "البدعة" يمكن أن توفر لهم مبلغا لا بأس به من المال الى جانب ما تجلبه من دعاية وشهرة اعلامية بفضل أكلة الطيور واللحوم وأشياء أخرى من صحفيي الدرجة الثالثة في الصفحات الفنية، وهم على أي حال، حفنة لا تتجاوز عادة أصابع اليد الواحدة، ينتقلون من مهرجان الى ملتقى، ومن تظاهرة الى جنازة والعياذ بالله.
ليست كل المهرجانات او التظاهرات الصغيرة التي تقام هنا وهناك، في الغرب أو في الشرق، من هذا النوع الذي وصفناه، بل هناك بكل تأكيد تظاهرات محترمة فيها الكثير من الجهد والجد والاخلاص. وهي تعتمد أساسيا على جهود مجموعات من الشباب الذي يحب السينما بالفعل ويرغب في التعلم والاستفادة والتقريب بين الثقافات.
 
محاولة يائسة

مهرجان الاسكندرية السينمائي الذي سيقام لمدة 5 أيام فقط، ليس سوى محاولة يائسة محكوم عليها بالفشل، لإنقاذ سمعة هذا المهرجان التي وصلت الى الحضيض بفضل ممارسات ممدوح الليثي، رئيسه وربيبه، حتى لو لم يكن رئيسه هذا العام بعد أن أوكل مهمة تنظيمه الى الصحفي نادر عدلي الذي يبدو متحمسا لاقامته بأي ثمن، ممدوح الليثي، المتشبث بمعقله الأخير يستحق أيضا أن تصله رياح الثورة والتغيير وتخلعه ويتولى شباب جمعية كتاب ونقاد السينما تطهير هذه الجميعة من أذناب النظام السابق، ويجعلون منها جمعية ثقافية حقيقية وليست ديكورا لكل الممارسات السيئة، وستارا يدير من ورائه الليثي وغيره، مصالحهم في الدروب الخانقة السوداء للبيروقراطية المصرية. وليتهم يتمكنون أيضا من فتح ملفات العلاقة بين تلك الجمعية (أو الذين كانوا قائمين عليها من الحرس القديم) وبين أجهزة الأمن في مصر.

ممدوح الليثي

 
كان مهرجان الاسكندرية قد جرب أكبر عدد من الذين تولوا ادارة مهرجان في تاريخ مصر، من أحمد الحضري الى خيرية البشلاوي الى مصطفى محرم الى ايريس نظمي الى رءوف توفيق، إلى ممدوح الليثي نفسه، بل وأيضا محمد القليوبي الذي قبل تعيينه رئيسا للمهرجان بفرمان من فاروق حسني (وزير الحظيرة) الذي كان قد أعفاه من منصبه قبلها بسنتين فقط بطريقة فظة. والجدير بالذكر أن القليوبي كان من أقطاب جمعية نقاد السينما المصريين التي ناوأت طويلا في السبعينيات جمعية كتاب ونقاد السينما التي أسسها كمال الملاخ بتعليمات من وزير الثقافة وقتذاك في زمن السادات، يوسف السباعي، وكان القليوبي من أشد المنتقدين لمهرجان القاهرة السينمائي وقت تأسيسه كما يتضح من تفاصيل الندوة التي أقامتها جمعية النقاد بعد أول دورة لمهرجان القاهرة، ونشرتها في كتابي "حياة في السينما" وتعتبر شهادة على الكثير من المواقف التي كانت ثم تغيرت اليوم.
مهرجان السينما المصرية المسمى المهرجان القومي الذي كان يقام سنويا في مصر، كان يدار بطريقة العمل من الباطن إلى أن أصبح أخيرا عاجزا عن العثور على من يرضى للمشاركة في فعالياته من السينمائيين المصريين ومن يسمونهم "النجوم". وبقى امر المهرجان حاليا غامضا، فهل تتولاه الدولة أم شلة من المغامرين، أم يتولاه اتحاد السينمائيين؟ الواضح أن لا أحد يشغل نفسه بهذا المهرجان لأنه لا يتمتع بما تتمتع به المهرجانات الدولية من شهرة وأضواء وداعية وبريق إعلامي، والأهم بالطبع، أموال تضخ ويصعب إحصاء أين تذهب تحديدا!

 

من بيروت الى الدوحة

سنعبر في هذا العرض مهرجان بيروت، فهو على ما يبدو، تظاهرة أقرب للمحلية، بل هي تتخذ صفة محددة داخل التركيبة اللبنانية الطائفية، ويبدو أن القائمين أو القائمات عليه، من الفرانكفونيين أساسا، وهي تظاهرة تقام سنويا منذ مدة، دون أن تلفت أنظار أحد خارج المحيط الضيق للشق الذي تقام فيه، وتقدم للجمهور البيروتي سلة من الأفلام العالمية الجيدة جدا بالمناسبة.. حسب البرنامج المنشور، دون أن تهتم كثيرا بالانفتاح على العالم العربي ثقافيا ونقديا وصحفيا واعلاميا، لأن إخواننا في بيروت يكتفون عادة بأنفسهم، لأنهم يعتبرون أنفسهم أصل الاعلام والصحافة والشطارة.. وأشياء أخرى كثيرة!
أما مهرجان الدوحة الذي اشترى له اسم مهرجان "تريبكا" مقابل 15 مليون دولار دفعت نقدا لروبرت دي نيرو شخصيا، وعشرات الملايين الأخرى لصندوق المهرجان الأمريكي، فهو مهرجان صغير في حجمه وعدد أفلامه وضيوفه رغم أنه المهرجان الأكبر على الساحة العربية كلها من حيث الميزانية التي تقدرها بعض الأوساط بـ50 مليون دولار، ينفق معظمها بسخاء على استقدام ضيوف من النجوم من العرب، ومن العجم، لحفل الافتتاح، علما بأن المهرجان يستغرق أربعة أيام فقط!
شراء اسم تريبكا يذكرنا بالمطاعم التي تشتري اسم مطاعم ماكدونالدز الأمريكية في بعض العواصم العربية والتي يديرها هنود، وهي قد اشترت "الماركة" دون النكهة، فالمهرجان القطري يعتبر نفسه جزءا من العالم الأمريكي وليس العربي، وإن كان يتظاهر أمام الأمريكان بأنه يخدم السينما العربية فيتفق مع مخرج معين سنويا على منحه جائزة أحسن فيلم عربي (أو شرق أوسطي حسب التسمية التي باتت معتمدة حاليا) على أن يعرض فيلمه هناك عرضا عالميا أول، ولا يشترط بالطبع أن يكون الفيلم نفسه جيدا فمن الذي يهتم بالجودة، في حين أن معظم المسؤولين في القوة الضاربة للمهرجان وعلى رأسهم مديرته المسؤولة، من الغربيين الذين لا يعرفون كلمة واحدة من اللغة العربية، ولا يحترمون الثقافة العربية بل لا يعدو أمر المهرجان بالنسبة لهم سوى "هبرة" كبيرة، يخشون أن يراهم أحد وهم يقومون بـ"تقسيمها" فيما بينهم، ويكنون كل الاحتقار للعرب وللسينما العربية!

الغريب أيضا أنه رغم الميزانية الضخمة للمهرجان الا ان طريقة العمل تبدو وكأنا تدار على طريقة الهواة، وتسند المناصب الادارية في الى بعض الأفراد بطرق تدعو للتساؤل.

دمشق والقاهرة

لحسن الحظ أعلن القائمون على مهرجان دمشق السينمائي تعليقه هذا العام (حتى لا يقولون وقفه) بسبب ما تشهده سورية من أحداث دموية يروح ضحيتها يوميا عشرات الأشخاص، وذلك لكي تتجنب السلطات- على ما يبدو- الاضطرار الى حماية ضيوفه بالدبابات.. أو يخصص الجيش السوري "الباسل" الذي يقصف المتظاهرين المسالمين بالأسلحة الثقيلة، دبابة لحراسة كل ضيف. وكنت فقط أود أن أتخيل كيف يمكن أن يسير الضيف في شوارع دمشق تلاحقه دبابة كبيرة تستدير معه وتتابعه داخل الحواري والأزقة في حي باب توما، تتجه ماسورتها الطويلة تدريجيا الى جدران المنازل وقد تفلت منها عدة قذائف فتزيل صفوفا من المنازل من على وجه الأرض.. حتى يمر الضيف من غير مشكلة، على طريقة الكرم الشامي المعهود. وكنت أتخيل كيف يمكن أن يتعامل مخرج مثل إيليا سليمان، مع هذا المشهد الذي سيبدو بكل تأكيد أكثر سيريالية من تعامل دبابات الاحتلال الإسرائيلي مع الفلسطينيين في القدس مثلا!
مهرجان القاهرة السينمائي أيضا توقف بسبب الصخب الدائر في الشارع المصري وبسبب افلاس الدولة وفشلها فشلا تاما في ادارة مهرجان أثبت فساده بجدارة عبر 35 سنة، والآن أصبحوا يبحثون له عن "محلل".. ويقال ان العطاء رسا على مجموعة منبثقة من داخل الادارة القديمة بعد أن نجحت في التخلص من المرأة الحديدية بعد ان سقط الغطاء الذي كان يحميها والذيكان يتمثل في زوجة الرئيس المخلوع حسني مبارك!

مراكش والصايل

نصل الى مهرجان مراكش الدولي، أي مهرجان الرفيق نور الدين الصايل الذي كان شيوعيا ثم تحول الى انتهازي في خدمة السلطة التي كان يعارضها. وقد صنع الصايل لنفسه أرضية في المغرب عن طريق هيمنته على شبكة نوادي السينما وقت أن كانت هذه النوادي نشيطة في المغرب قبل أن يستدير ليبحث لنفسه عن فرصة هنا وفرصة هناك، يستثمر بها علاقاته، تماما كما فعل بعض فرسان نوادي السينما في مصر الذين اكتشف بعضهم (مؤخرا أو متأخرا) أنهم في حاج شرسة إلى أكبر كم من المال بأي طريقة وبكل طريقة، واعتبروا أن المال وحده هو أهم ما في الحياة حتى لو جاء على حساب كل القيم والمباديء التي كانوا يبشروننا بها في الماضي.
التكوين الثقافي الأساسي لنور الدين الصايل فرنسي، وقد ظل دائما متفرنسا، وكان في الستينيات متمركسا (عندما كانت الرطانة الماركسية في تلك الفترة "موضة" تلفت الأنظار في مقاهي وصالونات الشانزليزيه)، وكان يقدم في منتصف الثمانينيات، برنامجا سينمائيا في التليفزيون قبل أن يرحل للعمل في أحضان "ماما فرنسا"، وقد عاد منذ سنوات طويلة الى المغرب وتولى رئاسة القناة الثانية المغربية في التليفزيون، ولكنه خرج منها بعد سلسلة فضائح نشرت تفاصيلها الصحف المغربية. لكن الصايل نجح في الانتقال من التليفزيون الى رئاسة المركز السينمائي المغربي، ونجح في زيادة عدد الأفلام المغربية التي تنتج سنويا بسبب حماس الملك محمد السادس وحبه للسينما وتشجيعه لها، لكن نوعية ما ينتجه المركز من أفلام (ومعظمها من التمويل الفرنسي أو الانتاج المشترك مع فرنسا)، تتعرض للهجوم الشديد من جانب كثير من النقاد المغاربة بالاضافة الى فشل المركز في خلق أي كيانات حقيقية داخل المغرب في التصوير والمونتاج والصوت والعمليات الاستكمالية السينمائية عموما، ومازال المغرب يعتمد في كل تلك العمليات على التقنيين الفرنسيين والمعامل الفرنسية.
نور الدين الصايل
 نور الدين الصايل يسير على درب كل المثقفين العرب الانتهازيين الذين عرفناهم ومروا علينا منذ السبعينيات، أي منذ أن دخلنا الوسط الثقافي ثم احتككنا بهذه الأوساط في العالم العربي في الثمانينيات. وهو يجيد الاغداق على من يدينون له بالولاء الشخصي، ويحارب بكل ضراوة من يمتنعون عن الركوع والسجود لشخصه المغرق في نرجسيته. وقد نجح في استغلال منصبه كمدير للمركز السينمائي المغربي، في الهيمنة على كل المهرجانات السينمائية في المغرب باستثناء مهرجان تطوان ومهرجان آخر أو ملتقى يحاولان بشق الأنفس التواجد وسط حرب ضروس يخوضها ضدهم الصايل وأتباعه. وكانت المجموعة المنظمة لمهرجان تطوان قد تمردت عليه من البداية ورفضت تدخله وهيمنته. علما بأنه أيضا الذي يتدخل في تعيين مديري المهرجانات المحلية الأخرى مثل الرباط وخريبكة وطنجة وغيرها، كما يتدخل في تحديد كل صغيرة وكبيرة في مسار معظم المهرجانات التي تقام في المغرب، ويلوح بالعصا والجزرة للمخرجين المغاربة بعد أن سيطر على الدعم المالي لأفلامهم، فأصبح بوسع أن يمنح ويمنع.
والصايل لا يكتب النقد السينمائي كما يتصور البعض أو يشيع، فليست له سوى حفنة ضئيلة من المقالات المنشورة باللغة الوطنية، أي لغة بلاده، ولكن هناك بعض الكتابات القديمة جدا منشورة باللغة الفرنسية. وهو أساسا ناقد "شفوي" أكثر منه كاتب حقيقي يملك القدرة على الكتابة والتحليل باللغة العربية، رغم أنه يتحدث بها بطلاقة أي ثرثار يلوك الكلمات ويتلاعب بها حسب الطلب، وحسب المقام!
مهرجان "الرفيق" نور الدين الصايل مهرجان أورو- أمريكي، ينظر باستعلاء وتعال الى العالم العربي والسينما العربية، لكن لابد له من واجهة "عربية" محدودة حتى لا يحظى باحتقار الأوساط السينمائية الأوروبية التي تحتقر وتزدري كثيرا بالمناسبة، كل الذين ينكرون أو يتنكرون لثقافتهم، أو يسعون بحماس إلى الاندماج في الثقافة الأوروبية بعد ان يخلعوا جلودهم وأصولهم وأرديتهم القديمة ويتخلون طواعية عن جذورهم الثقافية، ويتخذون لغة المستعمر السابق لغة لهم، يحتقرون كل من لا يجيدها أو يتحدثها.
هنا يمكن للصايل أن يستعين ببعض الأفلام من مصر أو سورية، ويمكنه أيضا أن يعرض الأفلام التي أنتجها هو في المغرب عن طريق المركز السينمائي المغربي الذي يجثم الصايل على أنفاسه منذ سنوات!
وتبلغ ميزانية المهرجان المعلنة 16 مليون دولار، بالاضافة الى ملايين أخرى عديدة مخصصة للحفلات وليالي ألف ليلة وليلة التي تقام في قصور خاصة، لا يحضرها سوى نخبة النخبة، من كبار النجوم، حيث تتم استضافتهم على حفلات العشاء، أو يتم تقديم الهدايا القيمة لهم.


مهرجانان في الإمارات


يبقى أمامنا مهرجان أبو ظبي ومهرجان دبي. وهما مهرجانان يقامان في دولة واحدة هي الامارات، لكنهما يتميزان أيضا بالتنافس الشديد فيما بينهما، ليس فقط للحصول على أفضل الأفلام وأهمها وخصوصا الأفلام العربية الجديدة، بل والأهم كثيرا في رأيي، يتنافسان على تقديم دعم متميز للأفلام الجديدة التي تنتج بشكل مستقل، في العالم العربي. وهو ما يجعل المهرجان مؤسسة قائمة، تتفاعل بشكل حقيقي مع محيطها العربي، وتخلق ساحة جيدة وجادة لاستثمار الأموال في بناء سينما المستقبل.
ولكن من الضروري أن يدقق المسؤولون عن هذه المؤسسات الداعمة، مثل "سند" التابعة لمهرجان أبو ظبي، و"إنجاز" التابعة لمهرجان دبي، في تعيين أعضاء لجان الاختيار والترشيح بحيث تكتسب مصداقية حقيقية وتضمن أن تكون بعيدة كل البعد عن التحيز والمجاملات، وبشرط ضمان جودة العمل الذي يحصل على الدعم وليس مجرد تنويع الجنسيات.
حديثنا هنا انحصر في المهرجانات الأساسية في العالم العربي، أما تلك التظاهرات الهامشية التي يقيمها المغامرون في الشمال الأوروبي أو في هوامش العالم العربي، بغرض لفت الأنظار وتحقيق بعض المكاسب المادية المحدودة، فهي لا تستحق أصلا، إنفاق الوقت والجهد، ونظن أنها ستذهب سريعا أدراج الرياح.
تذكرت الآن فقط أنني لم أنتبه لوجود مهرجان يعد والأقدم والأعرق في العالم العربي وهو مهرجان قرطاج، والسبب أن مهرجان قرطاج نفس نسى نفسه، أو عجز عن الخروج من شكل المهرجان الفرانكفوني الخاضع تماما للسطة البيروقراطية للدولة، تماما مثلما كان مهرجان القاهرة، وقد هبط في تنظيمه وبرنامجه وطريقة العمل به الى الحضيض.. ولذا فقدت شخصيا أي اهتمام به وأصبح في رأيي، يحتاج الآن الى ثورة ترفع شعار من نوع "الشعب يريد اسقاط البيروقراطية في مهرجان قرطاج" مرة واحدة، وإلى الأبد!
مهرجان قرطاج في حاجة الى مراجعة جذرية، واعادة نظر في تكوينه وأهدافه وأول من ينبغي عمله أو البدء فيه جديا، هو تحويل الى حدث سنوي وليس كل سنتين فهذا النوع من المهرجانات السينمائية يكاد يكون قد انقرض من العالم حاليا.
جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger