الأحد، 2 أكتوبر 2011

تعليق من المخرج أحمد عبد الله على ملف المهرجانات.. وتعقيب


أحمد عبد الله



وصلتني رسالة من المخرج الأستاذ أحمد عبد الله (مخرج هلوبوليس وميكروفون) تعليقا على المقال الأول المنشور هنا من ملف المهرجانات السينمائية الذي آثرت نشره في مدونتي الخاصة، وليس في أي صحيفة مصرية رغم وجود من يرحب بنشره، ولا في الموقع الذي أتولى رئاسة تحريره "عين على السينما"، لأن المقال مكتوب بطريقة صريحة مباشرة دون أي صياغة متحفظة أو ديباجة رسمية تراعي دائما "التجهيل" أي عدم ذكر الأسماء في المجلات والصحف السيارة، بل بلغة متحررة هي أنسب ما تصلح للمدونات الشخصية.

هنا ما كتبه في رسالته:

العزيز الأستاذ أمير العمري.

اسمح لي أن أعلق لديك هنا للمرة الأولي ليس بصفتي مخرجا طالما استفدت ولازت استفيد من مساحة الرأي بهذه المدونة، و لكن هذه المرة بصفتي كعضو في مجلس إدارة المركز القومي للسينما.. ذلك المجلس الذي أحزنني وصفك إيانا بـ "الكهنة".. و ارتأيت إحقاقا للحق أن أطرح رؤية "من الداخل" ، ليس دفاعا، بقدر ما هو عرض للوضع ورغبة في طرح الأمورعلي الثقات لمناقشتها أملا في منتهى أفضل اعرف إخلاص نيتك في الصيرورة إليه.

ولأختصر اسمح لي توضيح بضع نقاط:

1- هذا المجلس مكون من يسري نصر الله، و مجدي أحمد علي، كاملة أبو ذكري، وممثل من غرفة صناعة السينما وممثل من النقابة وممثل للشؤون القانونية ورئيس المجلس بصفته وأنا، فضلا عن عضوين استقالا مؤخرا لاسباب شخصية وعملية بحتة لا ترتبط بالمركز لا من قريب و لا من بعيد هما أ. سمير فريد، و الصديقة ماريان خوري.

2- المجلس مكون من ٩ أفراد، د. خالد عبد الجليل هو صوت واحد فقط ، ولا يجوز له بأي حال من الأحول تمرير أي قرار أو مقترح بدون موافقة الاصوات، لم و لن يحدث ذلك .. بل وأضع شرفي المهني والاخلاقي على هذا المحك في هذا الصدد. والحق أن دور د. خالد لا يتجاوز مهامه التنفيذية الإدارية، وإنما سائر القرارات السياسات وإعادة الهيكلة هي قرارات تصويتية تناقش عليها الجميع و تم التصويت الأغلبية عليها، وبالتالي فلا يمكن إحالة المشكلات الي قد تطرأ لوجود فرد واحد أيا كان.

3- جميعنا آثرنا العمل تطوعا بلا أي أجر أو مقابل، على حساب مشاريعنا الخاصة وأملا في أن نساهم ولو بجزء بسيط في تطوير الوضع الذي ذكرت أنت صادقا لأي مدي بلغ فساده، والحق أقول لك أن كوننا أعضاءا في المجلس حرمنا من مميزات كالتقدم لمنحة الدعم - التي يتمناها أي مخرج مستقل في سني يربأ بنفسه عن الدوران في فلك الممولين الأجانب و العرب و هم أسوأ! - و حرمتنا من التقدم بأية مشاريع فنية وسينمائية مع الدولة أو لاي من أقربائنا. وأن نصبح في عضوية أي من الجمعيات الناشئة... لا أقول ذلك من باب المن على الوزارة أو الصناعة، و لكن هذا هو حال الوضع الراهن، وستتعجب ان احصيت لك كم الشباب الذين أتونا بمشاريع تثقيفية آية في الابداع ولا يطلبون أجرا أو مالا إلا ابتغاء تطوير الحال السينمائي المتردي و اثرنا أن نكون جزءا من هذه الروح.

4- بصدد المهرجانات حدث أن وافقنا بالإجماع على رفع يد الدولة عن أدلجة الثقافة والإبداع والتحكم الكلي بهم، وأن يكون دورها تنويري داعم فقط، بعيدة عن رسم منهجيات و ايدولوجيات شكل السينما العام كما عانينا في عصور فائتة - وإن كانت الوزارة ستحتفظ بدورها في مراقبة الجودة ووضع ضوابط لمن أراد اقامة مهرجان سينمائي تحت دعم الوزارة - فقررنا إطلاق يد الجمعيات الأهلية ومؤسسات المجتمع المدني لإقامة مهرجانات و فعاليات سينمائية، ووضعنا ضوابط لادارة المهرجانات واحتفظنا بحق الدولة في مراقبة الجودة.. فضلا عن أن الدولة لن تتولي دعم أي مهرجان بأكثر من نصف ميزانيته مهما كان.

5- من شروط التقدم لدعم الدولة لاي مهرجان من أية مؤسسة تقليص ميزانيات حفلات الافتتاح و الختام، العمل مع المجتمع المدني والجمعيات في المدينة المزمع اقامة المهرجان فيها والتوجه للجمهور العام، اقامة عروض مفتوحة مجانية للجمهور، عمل بروتوكولات تعاون مع الجامعات والمعاهد الفنية بالمدن المقام بها المهرجان لتحقيق الاستفادة للطلبة والشباب، التأكيد على إقامة الورش مع الجمهور المهتمين، خلق منافذ جديدة تقليدية او غير تقليدية في المدن لعرض الافلام استقطابا لكافة انواع الجمهورو إنهاء ثقافة مهرجانات الفنادق إلي غير رجعة، تقليص عدد المدعوين و التركيز على سينمائيين جادين في شتى مجالات الصناعة و الاستفادة العملية من وجودهم في البلاد بدلا من حصر الأمر النجوم و النجمات و البساط الاحمر و غيرها…

6- طبعا الشروط السابقة هي لمن أراد إقامة مهرجان و الحصول على دعم مالي من المركز بإمكانياتنا المحدودة، لكن من أراد إقامة أي مهرجان على حسابه الخاص أو برعاة من أي مكان أراد فله مطلق الحرية، وغني عن الذكر أن اقامة مهرجان كان أمرا مستحيلا في ظل هيمنة ما عرفت بـ “اللجنة العليا للمهرجانات” التي قمنا بحلها من اول جلسة لنا، قد لمست بنفسي كم الارهاب الذي مارسته هذه اللجنة على سينمائيين شبان أرادوا اقامة مهرجانات صغيرة على حسابهم الخاص واوقفتهم اللجنة تماما إذ أنها كانت تصدر قرارات بمن “يجوز” له إقامة مهرجان من عدمه. كل ذلك انتهى و من حق الجميع العمل الآن.
٧- اي عاقل يتفهم اعتراضك على أشخاص بعينها يتقدمون ضمن جمعية لإقامة مهرجان ما.. و لكننا كمجلس لا سلطة لنا إلا مقارنة المشاريع المقدمة، و المشروعات كجاءتنا من كل حدب و صوب ، و قد آثرنا دراسة كل مشروع على حدة بالتفصيل، بل و اجتمعنا بالمتقدمين مرار سائلين عن كل صغيرة، حتى قررنا بالتصويت اختيار الجمعية الانسب لتولي كل مشروع بناء على مدى كمال وخصوصية مشروع مهرجانها .

 و بالطبع لم يكم من سلطتنا مطالبتهم بحذف اسم او تغيير عضو في جمعيتهم، اللهم إلا السيد ممدوح الليثي الذي رأى أغلبنا (كل بشكل شخصي) ألا نتعاطى معه مطلقا، و لكنه لم يكن اسمه مدرجا كرئيس للمهرجان.. بل رئيس للجمعية التي تقدم الطلب باسمها ليس أكثر.. و الحقيقة فإن جمعيته التي تقيم مهرجان الاسكندرية هذا العام كانت الجهة الوحيدة المتقدمة، و المهرجان ليس تحت إدارته بل بإدارة الناقد أ. عدلي ، و بالتالي لم نرد وقف اجراءات هذا المهرجان الذي كانوا قد بدؤا في العمل منذ شهور فعلا، و الحق على جمعيتهم ان تثور على رئيسها إن أرادوا التغيير، و لكنها ليست قضيتنا كمجلس، خاصة أن الاستاذ عدلي لا غبار على مصداقيته و رغبته في التحسين.

٨- لا زالت هناك جمعيات تتقدم بافكار أخري طموحة كمهرجان للسينما الافريقية، و ماراثون الفيديو، و مدارس السينما في المحافظات، و إعادة الروح لنوادي السينما على يد شباب سينمائيين ناشطين، نحاول بإمكانياتنا المحدودة دعمهم قدر ما نستطيع.

٩- على مستوى شخصي بحت، لا احب تحويل المعركة لمعركة أشخاص، ديناصورات الماضي هم إلى زوال ، و لم يعد في مقدور أحد إيقاف السيل الجارف من الشباب المخلص الراغب في رؤية سينما مصرية افضل، و أؤمن في قرارة قلبي أن ٢٠ تنينا لن يوقفوا شابا واحدا كابراهيم البطوط او آيتن أمين أو هالة لطفي. و لن أبذل جهدا في محاربة التنانين، المعركة هي تمكين الاصوات الجديدة من نيل ما تتمنى و أظننا في الطريق بدعم منكم نتمناه و من الآخرين.

أعتذر عن الإطالة، و لكن حقا اختصرت عشرات التفاصيل و النقاط، اتمنى إن أردتم التعمق قليلا أن نتحادث هاتفيا و لتنشر رأيك الفاصل الذي أظنه سيفيد جميع الأطراف.

تعقيب على الرسالة:

الأخ الصديق أحمد عبد الله. أنت تعلم علم اليقين أنني عندما أكتب فإنني أنسى تماما كل ما يتعلق بالصداقات والعلاقات والمصالح، ولو أنني أدخلت هذه العوامل في اعتباري لما كتبت شيئا، ولكن عندما يتعلق الأمر بالعمل العام فإنني أكتب وأنسى تماما كل هذه العوامل، وهو ما يفقدني الكثير من العلاقات (التي يمكن أن تكون بالمناسبة مفيدة جدا!) والصداقات (لأناس يتمتعون بالنفوذ هنا وهناك) ناهيك عما تجلبه كتابة الحقائق من وجع للدماغ، ومن وشايات وتقولات تافهة وردود من عينة ذلك الرد الذي جاء من طرف (خفي، معروف) يتهمني بالهرب من تحمل المسؤولية، في حين أنني تحملت لأكثر من عقد مسؤولية الناقد الذي لا يسعى للحصول على أي مكسب شخصي بل إنني تركت لهم البلاد وآثرت أن أحتفظ بمسافة للتأمل والتفكير لكي أكتب متخلصا تماما من أي ضغوط مباشرة. ولم أطلب لنفسي دورا سوى دور الناقد الذي أصبح شبه غائب في مصر حاليا بعد أن استحكمت شبكات الفساد والمصالح والتداخل بين الكلمة والرأي، وبين البيزنس، اتساقا مع عصر لم ينقضي بعد، ساد فيه هذا النوع من الفساد. وقد عدت الى مصر للاقامة الدائمة بعد غربة طويلة في بريطانيا، بعد ثورة 25 يناير مستبشرا خيرا بالتغيير القادم لكني صدمت بعد أن وجدت نظاما يدافع، مع ميليشياته، عن بقائه بكل الأسلحة فقررت مقاومة هذا النظام العفن بكل ما أملك الأسلحة أيضا ومهما كلفني الأمر.

أنت تعرف كم أشعر تجاهك بالتقدير والاحترام والود. وأقدر كثيرا مبادرتك.

لكن اسمح لي بعد هذا ان أعقب على رسالتك في هذه النقاط السريعة:

1- جميل جدا أن تنتبه الدولة أو الوزارة أو الوزير أخيرا الى ما كنت أول من نادى به وطالب به لسنوات، أي ترك أمر المهرجانات للمجتمع المدني. ومنذ أن كنت رئيسا لجمعية نقاد السينما المصريين (وهي غير جمعية كتاب ونقاد السينما ورئيسها ممدوح الليثي). وكنت من أكثر من لنتقدوا ما يمكن أن نكلق عليه "فساد المهرجانات في مصر" وكتبت في هذا سلسلة من المقالات نشرتها وكررت ما فيها من أفكار في مناسبات مختلفة، في مواقع عديدة وصحف داخل مصر، كما تحدثت عنها في الاذاعة والتليفزيون، داخل وخارج مصر. ومعروف أن أي سياسات تنشأ عن أفراد، ويتولى تنفيذها أيضا أفراد، ولذا فليس من الممكن أصلا تجنب الحديث عن أشخاص بعينهم بل وبأسمائهم كما فعلت أكثر من مرة، مما أثار علي حنق بعض الأصدقاء الذين تحولوا إلى أعداء لأن ما أكتبه يهدد "مصالحهم" حتى لو اتفق مع قناعاتهم الداخلية كمثقفين (سابقين!).

2- أن تتجه النية الى فتح المجال أمام المجتمع المدني للتعامل مع مهرجانات السينما في مصر، ليس معناه بكل تأكيد، أن يصبح المنطلق العملي لها من داخل المركز القومي للسينما، نفس الجهاز البيروقراطي سيء السمعة (بسبب ارتباطه الطويل بجهات أمنية معروفة والملفات موجودة).. ولا يهم إذا كان السيد خالد عبد الجليل يتحكم في صوت واحد فقط، فخالد عبد الجليل نفسه (وليس هناك أي منطلق شخصي فيما أكتبه فعلاقتي به جيدة) كان يجب أن يذهب مع التغييرات التي أعقبت الثورة المصرية في 25 يناير. فلماذا بقى خالد عبد الجليل في منصبه وهو الذي جاء أصلا عن طريق علاقته بلجنة السياسات سيئة السمعة.

3- النقطة الثانية، مع كل احترامي وتقديري، من الذي اختار هؤلاء الأعضاء الذين تضمهم اللجنة المشرفة المسؤولة، وعلى أي أساس، ومن الذي يقول إن مخرجة مثل كاملة أبو ذكري مثلا (مع كل الاحترام والتبجيل لها كمخرجة متميزة جدا)، يمكنها الحكم على أي شيء يتعلق بالعمل الثقافي العريض في مجال السينما. ومن الذي يقول إن لجنة من هذا النوع يجب أن تقتصر عضويتها فقط على العاملين بالسينما بشكل مباشر، وأين دور المثقفين من شعراء وتشكيليين وأدباء ونقاد وغيرهم؟ ولماذا يحرم مخرج مثلك أو مثل الأخ مجدي أحمد علي، من فرص التقدم للحصول على دعم من الدولة "كعقوبة" على الاشتراك في هذه اللجنة، بينما كان يمكن الاستعانة بعدد من المثقفين الذين يتمتعون بالمصداقية والاحترام من الذين لا يخرجون الأفلام وليسوا مشغولين بالبحث عن التمويل ولا مراجعة السيناريو واعادة كتابته، وأنا في الحقيقة في غاية الدهشة من قبول الصديق الصديق يسري نصر الله، هذا الدور البيروقراطي والذي يتخذ كستار لتمرير بعض الأمور، بحجة أنه سينمائي، وسينمائي كبير. فهذا موضوع، وذلك موضوع آخر مختلف تماما.

4- أليس من الطبيعي أن يبدي المرء اندهاشه عندما يجد أن هناك نية مبيتة لارساء عطاء مهرجان القاهرة السينمائي على نفس المجموعة التي كانت تديره في الماضي (بعد استبدال اسم واحد) والتي كانت تعمل في اطار الدولة الفاشية، والتي فشلت بامكانيات الدولة طوال 35 عاما في اقامة مهرجان يتمع بالمصداقية والاحترام؟ وبغض النظر عن شخص الرئيس الجديد المقترح للمهرجان وهو يوسف شريف رزق الله (وهو أيضا من الأصدقاء القدامي وليس بيني وبينه سوى كل ود وتقدير).. ما الذي يعرفه هؤلاء الذين بادروا في الظلام، دون أي إعلان علني مسبق ودعوة عامة) الى تأسيس جميعة لاقامة المهرجان، أقول ما الذي يعرفونه عن العمل في اطار مؤسسات المجتمع المدني ومعظمهم من العاملين الذين ظلوا طوال عمرهم يعملون في ظل الدولة وبسند من الدولة، ويلمعون في إطار الدولة الرسمية بمن فيهم تلك التي ذهبت الى باريس وقضت عشرات السنين فهي لم تستطع في أي وزقت أن تستغني عن علاقاتها بالأجهزة والمؤسسات الرسمية الفاسدة في مصر!

5- من الذي اختار هؤلاء الأعضاء المحترمين وأسند لهم تلك المهمة، ولماذا لم يتم الأمر مثلا، طبقا لترشيحات من الجمعيات السينمائية كما هو الحال بالنسبة لما يجري حاليا في تشكيل لجنة السينما بالمجلس الأعلى للثقافة. نعلم بطبيعة الحال أن من اختارهم هو الوزير الحالي (وهو أيضا صديق قديم من زمن النضال!!) الذي قلنا وأكدنا أكثر من مرة أنه من بقايا نظام فاروق حسني أو من موظفيه أو من المنتمين للدولة القديمة التي يجب هدمها تماما واقامة الدولة الجديدة بعد الثورة التي دفع المئات أرواحهم ثمنا لأن تبني مصر دولة جديدة متحررة من القبضة الحديدية الفاشية للأمن ومن يختارهم الأمن ويزكيهم ويأمر بتصعيدهم.. إنني أحيي اسقاطكم للجنة المهرجانات التي كان يتحكم فيها "مثقف" من أكثر المثقفين ارتباطا بالجهات الأمنية في تاريخ مصر الحديث. ولكن ألم يكن من المجدي أيضا أن تعملوا على تحرير المركز القومي للسينما من القابضين عليه طبقا لسياسات قديمة، والدعوة الى تطويره وجعله بالفعل مركزا سينمائي يليق بتاريخ مصر السينمائي بدلا من أن يظل "مقصدا" لكل الباحثين عن "السبوبة"!

6- أليس مما يثير التساؤل والعجب بل والاسترابة أيضا، أن يكون كل القائمين على المهرجانات التي يتم التخطيط لها في الظلام الآن، من الحرس القديم، أي من أولئك الذين تولوا المناصب القيادية في مهرجانات السينما الرسمية في مصر طوال الثلاثين عاما الماضية، ومن الطامعين في امتداد نفوذهم ووجودهم الى الأبد، ألست معي في أنه قد آن الأوان لأن يذهب هؤلاء للراحة في منازلهم، ويتركون المجال لغيرهم للابتكار والتجديد والاستعانة بجيل جديد أيضا. لقد كان كل هؤلاء "في السلطة" في ظل النظام القديم فهل أصبحوا اليوم فجأة أيضا من "المعارضة" التي أسقطت النظام لكي يتولوا مواقع قيادية فيما يتم خلقه الآن من كيانات، سواء مهرجانات للسينما أم غيرها. هل المطلوب بعد الثورة التي قامت في مصر، أن يظل من كانوا في المعارضة، جالسين يعارضون من على المقاهي، في حين يتصدر المشهد إلى يوم الدين: علي أبو شادي ومحمد القليوبي وسمير فريد وممدوح الليثي وخيرية البشلاوي ويوسف شريف .. ويمكنني أن أقدم لك هنا قائمة كاملة تفصيلية بكل ما تولاه كل منهم من مناصب، ومواقع ثقافية وسينمائية، في ظل النظام (القديم- الجديد) في مصر خلال السنوات الثلاثين السابقة!

اعذرني إذا كنت قد أطلت.. دمت لي..

أمير العمري

الخميس، 29 سبتمبر 2011

صراعات ضارية حول مهرجانات السينما في مصر


مجموعة من "الفنانات" في مهرجان القاهرة السينمائي




جماعات تخريب السينما تتشبث بقوة بمقاعدها



بقلم: أمير العمري



عشرات الجماعات والشلل بدأت تعد العدة للاستيلاء على مهرجانات السينما التي كانت تقيمها الحكومة المصرية ممثلة في وزارة الثقافة وأجهزتها المعروفة بفسادها الذي يزكم الأنوف، وذلك بعد أن أعلنت الوزارة تخليها عن تنظيم المهرجانات وطلبت من "المجتمع المدني" أخذ زمام المبادرة والتقدم بخطط بديلة لإقامة تلك المهرجانات.
جمعيات أهلية تتكون خصيصا الآن من أجل أن ترث مهرجانات وزارة الثقافة، ولكي تستولي على المهرجانات لحساب مجموعة من أصحاب شلل المصالح والمنافع، ويتم هذا كله تحت اشراف خالد عبد الجليل الذي يدير المركز السينمائي الحكومي في مصر، والذي يلعب دور العراب حاليا، بعد أن أصبح له غطاء يتمثل في لجنة من الكهنة وأشباه النقاد، تشرف على عملية "نقل الملكية" كله أيضا حسب المصالح. فلم يتغير شيء في مصر الثورة بعد أن اختطفت الثورة، ووقعت في براثن أزلام النظام السابق من المثقفاتية وخدم السلطة. 

المهرجانات المقصودة هي القاهرة الدولي، والاسماعيلية للأفلام التسجيلية والقصيرة، والمهرجان السنوي للأفلام المصرية الذي يطلقون عليه ولعا بالألفاظ الضخمة "العسكرية": المهرجان القومي للسينما المصرية، في حين أنه مسابقة محلية لا تشمل حتى كل ما يعرض من الانتاج المصري بل ما يتقدم به المنتجون من أفلام في مسابقة شابتها الكثير من الشكوك خصوصا خلال السنوات الأخيرة!

مهرجان القاهرة السينمائي كانت إدارته دائما تسند الى من لا يستحق ومن لا يقدر لأنه لا يملك (المعرفة والعلم والخبرة) وذلك منذ أن عهد وزير الثقافة الكاتب يوسف السباعي عام 1976 الى الصحفي كمال الملاخ برئاسته من خلال مايسمى بـ"جمعية كتاب ونقاد السينما" التي أسسها الملاخ وأسند رئاستها الفخرية وقتذاك الى السباعي نفسه حتى وفاته عندما اغتيل عام 1978 في قبرص من جانب تنظيم فلسطيني، وقيل أن الاغتيال تم بسبب تأييده السادات في رحلته للقدس ولعقد اتفاق صلح منفرد مع اسرائيل.

سعد الدين وهبة حصل عام 1985 على الضوء الأخضر من الدولة أيضا، بالسيطرة بوضع اليد على المهرجان بعد أن ساءت سمعته وتدهورت سمعة الجمعية التي كانت تديره، حينما انشغلت في حروب داخلية بين أعضائها حول تقسيم المكاسب والمنافع والأموال التي كانت تأتي بسخاء من كثير من الجهات، تحت ستار المهرجان الدولي، وانكشف وقتها أن مهر جان القاهرة ليس سوى ستار لتحقيق مكاسب مادية لأفراد شلة جمعية تبادل المنافع. ولذلك يجب التأكيد على أن ما نقوله هنا نوقش في عشرات الصفحات من صحف الفترة لمن لم يكن قد شب بعد عن الطوق آنذاك، لكي يعود فيبحث قبل أن يتهمنا باطلاق الحديث بشكل مرسل. وقد وصلت الأمور المالية لمهرجان القاهرة في وقت ما، إلى جهات التحقيق في الدولة. لذا عندما أعلن سعد الدين وهبة ضمه الى مظلة كيان وهمي كان قد أسسه، هو ما يسمى بـ"اتحاد الفنانين العرب" (عندما أسمع كلمة فنان أو فنانة في العالم العربي ينتابني إحساس بأننا نتكلم عن راقصات الكباريهات وعلب الليل!!) قوبل الأمر بالترحاب والقبول لأن المعروف عن سعد وهبة أيضا أنه "ابن عمدة" أي أقرب الى شيخ القبيلة الذي يغدق على أبتاعه ورعاياه، لذلك فقد رعى وتبنى عددا من المثقفاتية والصحفيين الذين مازالوا يسبحون بحمده حتى الآن، بل وأشاع حول نفسه أنه مثقف وطني معادي للصهيونية، بسبب رفضه اشتراك اسرائيل في المهرجان (وهو بالمناسبة ليس قراره ولم يكن قراره بل قرار من أجهزة المخابرات، ولو كانت تلك الأجهزة قد أرادت اشتراك اسرائيل لفرضت على سعد وهبة وغيره ارادتها، لكن البعض يستمر في تصديق الأكائيب لأننا أمة من هواة خداع الذات)..

كان مهرجان القاهرة السينمائي يرغب في تحسين سمعته تحت ادارة السيد سعد الدين وهبة الذي كانت كل علاقته بالسينما أنه كتب أربعة سيناريوهات. وكان في الأساس، كاتب مسرحي لاشك في موهبته في الستينيات. ولكن لأنه كان أحد رجال الدولة الناصرية (التي لاتزال قائمة حتى كتابة هذه السطور حاليا، ونقصد تلك الدولة المستبدة التي يهيمن عليها العسكر وأجهزة الأمن، وتوضع فيها الدبابة مباشرة أمام القلم، وتتميز تلك الدولة بازدراء الفكر عموما، والفكر التقدمي بوجه خاص)، أقول لأن سعد وهبة كان أحد رجال تلك الدولة الموثوق بهم (كان قد عمل ضابطا للشرطة ولشرطة السجون أساسا قبل أن يستقيل ويتفرغ للكتابة والصحافة وأشياء أخرى) فقد أسندت إليه أيضا في أواخر الستينيات رئاسة تحرير قسم السينما في مجلة المسرح والسينما التي انفصلت فيما بعد الى مجلتين رأس سعد مجلة السينما. وكان يتعاون معه في خيئة تحريرها صبحي شفيق وأحمد الحضري وأحمد كامل مرسي وسمير فريد ويوسف شريف رزق الله.

سهير عبد القادر


المهم أن المهرجان تحت رئاسة سعد وهبة نجح في الحصول على اعتراف دولي به، وكان قد أصبح أيضا يلقى رواجا في الثمانينيات والتسعينيات مع اقبال الجمهور على مشاهدة بعض أفلامه التي كان يراعى فيها أن تحتوي على أكبر عدد من المناظر المثيرة (أتذكر أن فيلم حدث ذات مرة في أمريكا لسيرجيو ليوني ظل يعرض (بسبب مشاهده الجريئة وليس نتيجة مستواه الفني الممتاز وهو كذلك) أكثر من عشر مرات في دورة 1986 لكي يأتي بأموال وفيرة، وكان ذلك بالطبع قبل انتشار الأفلام عن طريق الانترنت حيث يمكن لأي هاو تنزيلها على جهاز الكومبيوتر المنزلي حاليا أي يقرصنها، ولعل هذا من أسباب الركود الاقتصادي لمهرجان القاهرة تحديدا خلال سنواته الأخيرة، بعد أن صنع شهرته لدى المتفرج العادي الذي يشتري التذاكر، على أساس أنه يغرض أفلام "المناظر" المثيرة وليس كمؤسسة ثقافية سينمائية لديها أهداف تليق بمؤسسة من هذا النوع!
مهرجان القاهرة بعد سعد وهبة تدهور، ولكن ليس بسبب غياب سعد وهبة بل بسبب انصراف الجمهور عنه نتيجة السبب الذي ذكرناه، ونتيجة ما مورس من تخريب ونتيجة الانفراد الإداري التسلطي المطلق للمرأة الحديدية (سهير عبد القادر) التي كان تعمل سكرتيرة لسعد الدين وهبة (تطبع على الآلة الكاتبة) ثم ترقت الى أن أسند اليها في أواخر عهده، منصب نائب رئيس المهرجان، وهو منصب لا وجود له في أي مهرجان سينمائي محترم. في حين ظل منصب المدير الفني غامضا معظم الوقت، مع وجود لجنة عليا للمهرجان يرأسها عادة الوزير تضم عشرات من أسماء المومياوات وعجائز الفرح وأعضاء جمعية المنتفعين بخراب السينما والثقافة السينمائية في مصر.
وعندما نقول خراب الثقافة السينمائية، فنحن لا نلق كلاما مرسلا، بل نتحدث تحديدا عن تخريب نادي سينما القاهرة (ثم جمعية الفيلم وغيرها) الذي كان قد رسخ كمؤسسة ثقافية كبرى قدمت خدمة ثقافية هائلة لأجيال من الشباب عبر أكثر من عشرين عاما، وجاءت جحافل التتار الثقافي لتقضي عليها وسط لامبالاة أولئكط الذين نصبوا من أنفسهم، ومازالوا، أئمة النقد السينمائي والثقافة السينمائية في مصر منذ الخمسينيات حتى الآن!
وفي وقت ما أصبح مهرجان القاهرة السينمائي هدفا أمنيا أيضا، تشرف عليه – من بعيد- أجهزة المخابرات وأمن الدولة- وتستخدمه وسيلة للتجسس على بعض المسؤولين العرب، وتسجيل الصور والأفلام لبعض ضيوفه جريا على عادة تلك الأجهزة منذ أن أطلق خالد الذكر جمال عبد الناصر يدها في كل صغيرة وكبيرة في بر مصر الى أن كادت تنقلب عليه عام 1968 في مؤامرة رفيق دربه المشير عبد الحكيم عامر (الذي كان بالمناسبة أيضا مشغولا بشدة بالفن وأهل الفن، وتزوج سرا من ممثلة تخصصت في أدوار الإغراء وقتذاك كما تزوج مدير مكتبه علي شفيق من المغنية (صاحبة الصوت المتواضع والجسد المثير) مها صبري، وزيجات العسكر من رفاق المشير المنتحر، متعددة لمن يريد أن يبحث عن مغزى تلك العلاقة السرية بين الفن، والسلطة عندما تكون جهولة جاهلة لا تملك مشروعا ثقافيا حقيقيا!
عودة الى الوضع الحالي لمهرجان القاهرة الذي أوقفه الوزير الحالي عماد الدين أبو غازي بدعوى أننا في سنة انتخابات، تمهيدا لاسناده الى مجموعة من المتآمرين من الحرس القديم للمهرجان مع شخص أو اثنين من الذين وفدوا الى حقل الكتابة عن السينما مؤخرا ومن خلال مهرجان واحد كبير هو مهرجان كان السينمائي، يغشونه بحكم صلاتهم الفرانكفونية.
وتضم جماعة التأسيس للاستيلاء على المهرجان سيدة معروفة بإفشالها كل المشاريع التي تتولى إدارتها، سواء في معهد العالم العربي (الذي خرجت منه بفضيحة) أو مشروعها الشخصي في العمل كمندوبة مقاولات لمهرجان كان ترسل إليه فيلما أو فيلمين وتتولى تسفير بعض (الفنانين!!) ثم ينتهي الأمر بفضيحة تشمل أشياء مخجلة أربا بنفسي أن أخوض فيها مثل التحكم في أشياء متدنية مثل توزيع دعوات حفلات العشاء في مهرجان كان، وما إلى ذلك.
وسوف لن أتوقف هنا طويلا أمام خطة هذه المجموعة (وهي لدينا بالتفصيل من الداخل) التي التحقت بها أيضا ناقدة كانت دائما تترجم، وتنسب لنفسها ما تترجمه على أنه من تأليفها وتلحينها، وقد تكلست عبر السنين وأصبحت مليئة بالشر والأحقاد بسبب السعي المباشر للتواجد في بؤرة العمل الثقافي الرسمي داخل حظيرة الوزير الغابر فاروق حسني.

وزير الثقافة الجديد عماد أبو غازي

ويبقى صديقنا الذي تأخر كثيرا دوره كرئيس للمهرجان، عندما اضطر للعمل لعشرين سنة أو أكثر، تحت سطوة المرأة الحديدية، لكن مشكلة هذا الرجل الذي نحترم دوره القديم في حقل الثقافة السينمائية، أن سياسته قد اختبرت بالفعل سواء في اختياراته الفنية للمهرجان أو في استخدام علاقاته الواسعة أو حتى قدرته التنظيمية رغم اعترافنا بالتدخل الشائن من قبل المرأة الحديدة، وقد قدم تصوره على أرض الواقع بالفعل، وآن الأوان حاليا أن يتخلى عن هذه المسؤولية لغيره من جيل آخر، كما أنه ارتبط بمجموعة معينة يبدو لنا حاليا، أنه لا يمكنه الخروج من تحت معطفها، فقد أعلنت هذه المجموعة تأييدها له في رئاسة المهرجان، مقابل الحصول على منافع متعددة، بل انهم ابتكروا أيضا منصبا غامضا هو منصب الأمين العام للمهرجان أسندوه الى صاحبنا الذي نقول عنه أنه وفد مؤخرا الى حقل الكتابة (بالفرنسية) عن السينما، ولا خبرة له من أي نوع بالمهرجانات وتنظيمها وفنونها. هو باختصار، رجل طيب، وكما يقال باللبناني (هذا رجل طيب.. نزوجه ابنتنا ولكن لا نعطيه مصارينا (أي أموالنا)!!
نحن في ثورة ولكن البعض لا يريد أن يعترف بهذه الحقيقة بل يريد الابقاء على كل ما كان، مع تغيير في المقاعد فقط، أي نحن نشاهد في الحقيقة لعبة كراسي موسيقية يتسابق فيها نفس الأشخاص الذين حفظنا طريقتهم، والذين عملوا في الماضي ضمن مؤسسة الدولة ولا يعرفون غيرها، يرغبون اليوم في العمل ضمن مؤسسات المجتمع المدني دون أن يعرفوا آلياتها بل غالبا سيفسدونها كما أفسدوا الدولة!
أما رئيس جمعية نقاد وكتاب السينما ممدوح الليثي الذي لا يريد أن يعتزل العمل السينمائي بعد أن أصبح عالة على أجهزة الإعلام بسبب عدم قدرته على الحديث بشكل صحيح، نتيجة اضطراب واضح في التفكير ربما بسبب تقدمه في السن أو بعض الأمراض التي أصيب بها وقد تكون أثرت على شرايين المخ، وأصابته بتصلب في الشرايين، فهو يصر على استعادة مهرجان القاهرة الى جمعية نقاد وكتاب السينما التي يرأسها دون أن يبدو في الأفق أن أيا من شبابها المثقف مثل الدكتور وليد سيف، سينجح في استعادتها من قبضته الأمنية (كان مثل سعد وهبة ضابط شرطة وله علاقات أمنية جيدة منذ حقبة عبد الناصر).
وبالمناسبة من أعراض هذ المرض أي مرض تصلب الشرايين، التشبث بالفكرة الواحدة أي داء الفكرة الثابتة، وتكرارها بطريقة من يعرف طريقه الى الجحيم ولا يرغب في التراجع أبدا مهما نبهه الآخرون. وقد ظهر مؤخرا على شاشة التليفزيون لكي يؤكد بشكل قاطع أن فيلم "لعبة عادلة" Fair Game هو فيلم صهيوني اسرائيلي معادي للعرب في حين أن أي مشاهد مبتديء يمكنه أن يعرف أن هذا فيلم ليبرالي ينتقد السياسة الأمريكية في العراق.. لكن الحاذق المكير ممدوح الليثي، يعرف ما لا نعرفه رغم اعترافه في البرنامج الذي عرض على شاشة قناة "نايل سينما"، بأنه لم يشاهد الفيلم!!


عزت أبو عوف آخر رئيس لمهرجان القاهرة قبل توقفه


من جهة أخرى هناك أيضا مجموعة ثانية مندمجة في مولد المهرجانات التي يعد لها في مصر تخطط بقيادة علي أبو شادي، الذي نشفق عليه من طموحه ورغبته في التشبث بأهداب السلطة رغم أنها فارقته بعد اختفاء وزيره المعروف بوزير الحظيرة فاروق حسني مع ربيبه حسني مبارك وامرأته، وبعد أن ظل أبو شادي في خدمته لسنوات طويلة، أهداه خلالها الوزير مسؤولية رئاسة كل مهرجانات السينما في مصر فيما عدا مهرجان القاهرة السينمائي، الذي أسنده الوزير الى شخصيات بريئة كل البراءة من ثقافة المهرجانات مثل حسين فهمي (الولد التقيل جدا) والصحفي شريف الشوباشي الذي توقف عن مشاهدة السينما منذ الثمانينيات (غالبا بسبب عدم توفر الوقت لديه لأنه مشغول دائما في الحديث على التليفون مع الفنانات!)، والممثل نصف المعروف عزت أبو عوف المشغول بالخروج من مسلسل تافه للدخول في مسلسل آخر تافه، وكان يكتفي بحضور حفل الافتتاح لإلقاء خطبة عصماء أمام وزير الحظيرة، والختام لالتقاط صور مع النجوم (والفنانات!).
المهم أن علي أبو شادي (المحسوب على فئة الموظفين المجتهدين في وزارة الثقافة) كان فاروق حسني يعتمد عليه بحكم أنه يمتلك أجندة تليفونات دسمة لأرقام الكثير من الفنانين والفنانات في الوسط السينمائي الذين يغرمون بتدليله بـ"ياعلوة" حتى يحصلوا على بعض سكر الوزارة أيام أن كانت الوزارة توزع السكر.. وربما أيضا بعض الزيت!
سقطت وزارة الحظيرة، وجاء وزير جديد من داخل الحظيرة أيضا لا يمكنه أن يتجاوز النظرة الضيقة داخل الحظيرة القديمة قط، فهو مازال يبقي على معظم إن لم يكن كل، من عملوا في حظيرة الوزير الفنان جدا، وخصوصا رئيس المركز (القومي) للسينما.. لاحظ ايضا التفخيم في المنصب والاسم، والأصح بالطبع أن يسمى المركز المصري للسينما. وتحت مكتب الأخ مسؤول القومي للسينما، يجلس علي أبو شادي مستشارا أو بالأحرى، مراقبا عاما لنشاط رئيس المركز القومي، ولكن بعقد "عرفي" مع وزارة الثقافة لأن الأجهزة لا يمكنها أن تتخلى أبدا عمن قدموا لها الخدمات لسنوات وسنوات، مهما قيل من أحاديث تافهة عن انهيار أمن الدولة وأمن الملوخية، فخدم أمن الدولة هم "أهل الثقة" وسيبقون مهما تغير الاسم، وتغيرت العصور.. إنها مصر ياحبيبي!
أبو شادي لا يريد الاعتراف بتأثير الزمن، وهذا جيد بالتأكيد فهو يثبت لنا أن المرء يمكنه تحدي الزمن، ولكن لماذا لا يستثمر أمواله التي كسبها (بعرق جبينه) في تجارة مفيدة، ولماذا يصر على التمسك برئاسة مهرجان الاسماعيلية علما بأنه يهوى الجلوس في القاعة المكيفة بالقرية الاوليمبية بالاسماعيلية، يدلي بالمقابلات الصحفية للصحفيات الفاتنات، ضاربا عرض الحائط بالعروض والمناقشات، فقد أصبح يمل من مشاهدة الأفلام، ولماذا لا يترك المهرجان لرئيس جديد من جيل أكثر شبابا وتطلعا، بل من جيل الثورة تحديدا!
ولكن كيف وعلي أبو شادي لم يتقدم بالاعتذار عن عدم تولي رئاسة مهرجان أفلام الكام، أول مهرجان يقام بعد الثورة المصرية لأفلام شباب الثورة المصورة بكاميرات الديجيتال الرقمية، بل أقبل على رئاسته بجرأة نادرة في حين ان الموقف الصحيح كان يقتضي أن يتولاه شاب من جيل المخرجين الشباب، أي جيل الثورة نفسه خصوصا أنه كان مخصصا لعرض أفلام صورت أثناء الثورة.. لكن لاشك أن الوزير الجديد أبو غازي، يتحمل أيضا المسؤولية، أي مسؤولية اختيار أبو شادي (الذي لا يمكنه أن يقول لا أبدا) وكأنك يابو غازي.. ما غزيت!
في الطريق أيضا استعدادات ومؤامرات صغيرة، تحاك في الظلام، استعدادا للقفز على مهرجانات أخرى، أو تأسيس مهرجانات جديدة سنتولاها بالرعاية في مقالنا القادم.

الأربعاء، 21 سبتمبر 2011

عودة فيلم "المسافر" وفي انتظار "الرأي الآخر"




بقلم: أمير العمري

 

أخيرا بدأت العروض العامة في دور العرض المصرية لفيلم "المسافر" للمخرج أحمد ماهر، بطولة عمر الشريف وخالد النبوي وسيرين عبد النور.

هذا الفيلم الذي كان قد عرض للمرة الأولى قبل عامين في مهرجان فينيسيا السينمائي داخل المسابقة، وكان رد الفعل ازاءه سلبيا بدرجة كبيرة رغم أن وزير الثقافة المصري وقتها، المعروف بـ"وزير الحظيرة"- كان قد دفع من حسابات حظيرته أو وزارته- لا فرق- تكاليف سفر واقامة عدد من الصحفيين المصريين من صحف الحكومة ومن صحف يقال لها مستقلة أو معارضة، لكي يشاركوا في حملة الطبل والزمر للفيلم الذي أنفقت عليه وزارة الثقافة ما يقرب من 25 مليون جنيه من أموال دافعي الضرائب المساكين، تم نهب جزء كبير منها خلال سلسلة العمليات البيروقراطية الانتاجية وما بعد الانتاجية، يتحمل مسؤوليتها دون شك، مجموعة من "الديناصورات" المعروفين الذين تغلغلوا داخل أروقة الوزارة والدولة خلال عصر "سرطان نظام حسني مبارك" وتابعيه من اللصوص الكبار. وبالمناسبة عندما كنا نكتب مثل هذه المعاني والألفاظ قبل عام واحد فقط، كنا نتهم من جانب شلة خدم الوزير وماسحي أحذيته بالتطرف والجنون والحقد عليهم!

وبالمناسبة أيضا كنا أول من أطلق لقب "وزير الحظيرة" على فاروق حسني الذي ظل كبار المتثاقفين من أحذية الوزير بل وكل المشتغلين بالعمل الثقافي في مصر ينادونه بـ"الوزير الفنان" بتعليمات علوية من مكتبه ومن الادارات الملحقة بوزارته كما لمست بنفسي عند عملي مديرا لمهرجان الاسماعيلية عام 2002، بل ودارت وقتها مناقشة حادة بيني وبين المسؤول عن المركز القومي للسينما في ذلك الوقت حول هذه التسمية التي تحمل سمة النفاق فأثار كلامي غضبه، وطلب أن نكتبها هكذا بالعربية في كتالوج المهرجان ولا نترجمها للانجليزية في القسم الانجليزي، وذلك بعد أن سخرت من التسمية وقلت إننا لو ترجمناها مثلا لأي ضيف أجنبي من ضيوف المهرجان فسيضحك علينا لأنه لا يوجد وزير فنان ووزير آخر مهندس مثلا أو محترف سياسة أو وزير عجلاتي، بل وزير فقط (ربما أيضا من الوزر- كما كان يقول نجيب سرور). أطلقت هذا اللقب على فاروق حسني في السلطة، حاكما بأمره، يأمر وينهى ويمنح ويمنع، وليس بأثر رجعي، أي بعد خروجه من السلطة بعد سقوط نظام راعيته السيدة حرم حسني مبارك، كما فعل كثيرون ممن يتشدقون حاليا باسم حرية التعبير والحرية السياسية وينافقون الثورة والثوار، في حين أن كل ملفاتهم القذرة تحت أيدينا يمكننا نشرها إذا أرادوا لكي يعرفوا ماذا كانوا يكتبون ويقولون طيلة عشرين سنة، وماذا أصبحوا يكتبون اليوم!

أعود الى "المسافر" لأقول إن مقالنا عن الفيلم (في 2500 كلمة) الذي نشر في موقع "الجزيرة الوثائقية" ثم في هذه المدونة في سبتمبر 2009، كان المقال النقدي الأول الشامل عن الفيلم في العالم بأي لغة من اللغات، بعيدا عن الانطباعات الصحفية المباشرة. والموضوع بالطبع ليس موضوع سبق صحفي ولا نقدي ولا شيء من هذا كله، بل أقول ذلك لأنني حتى هذه اللحظة لم أقرأ أي مقال نقدي تحليلي عن الفيلم في الصحافة العربية حتى من جانب أولئك الصحفيين والناقدين الذين استأجرهم الوزير للذهاب الى فينيسيا ومنهم من اكتفى فط بكتابة سطرين أو ثلاثة يقول ان الفيلم "جيد ولكن... أو تجربة جيدة من ناحية الشكل أما المضمون فغامض..." الى آخر مثل هذه التعبيرات التي تصلح لدردشة الصالونات المغلقة!

واليوم ومع عرض الفيلم عروضا عامة، وبعد أن تعرض لإعادة عمل المونتاج له بأوامر من فاروق حسني بعد انتقادات شديدة وجهت له حتى من جانب بطله عمر الشريف الذي استخدم ألفاظا قاسية في وصف الفيلم ومخرجه والممثل خالد النبوي، نحن في انتظار كتابات توازي ما كتبناه عن الفيلم، تتعمق في الفيلم، وتحلله، وتتوقف أمام مشاهده الرئيسية لكي تقول لنا لماذا فشل هذا الفيلم أو لماذا يعتبره عدد من كبار "النقاد السابقين" الذين عملوا في الفيلم (منذ مرحلة السيناريو) تحفة عصره وزمانه وعملا من أعمال الفن الرفيع.

ونحن في الانتظار.. إذا كتبوا!

السبت، 17 سبتمبر 2011

2011 هوامش مهرجان فينيسيا




الفيلم الـ23 في المسابقة
مرة أخرى يقرر ماركو موللر اضافة (الفيلم المفاجأة) الذي عرض قبل يومين دون الاعلان عن اسمه، وهو الفيلم الصيني "الناس تصعد.. الناس ترى" الى مسابقة مهرجان فينيسيا وبذلك يصل عدد الأفلام المتسابقة الى 23 فيلما. ورغم الضعف الشديد للفيلم الذي شاهدت منه 45 دقيقة لم أر فيها ما يلفت النظر لأي براعة في الأسلوب أو حديد في الموضوع، إلا أن البعض هنا، ومنهم ناقد صحيفة لوموند يمنحه 5 نجوم أي أن الفيلم في رأيه يستحق الاسد الذهبي. وتشيد به الصحافة الايطالية مثل لاستامبا التي منحه ناقدها 4 نجوم، ومنحه زميلنا سمير فريد (المصري اليوم) 4 نجوم (1) بينما منحه ناقد سكرين انترناشيونال مثلا نجمتين، ومنحه ناقد الجيونالي الايطالية نجمة واحدة.. كما منحه ناقد الهيرالد تريبيون أيضا نجمة واحدة.. رأيي الشخصي أنه لم يكن يستحق أصلا المشاركة في المسابقة، ولو أخرج شريف عرفة فيلما مثله لرفضته كل مهرجانات العالم.. ربما لأن الصين هي حاليا الموضة السائدة في المهرجانات وخصوصا مهرجان فينيسيا.


ربما يقول قائل: ولكنك لم تشاهد الفيلم بأكمله لكي تحكم عليه؟ والاجابة أن الفيلم الذي لا يقدم أي شيء مثير للاهتمام على مستوى الشكل أو المضمون، لا يستحق أن يؤخذ على محمل الجد، وأنا فقط أقول إنه لا يستحق المشاركة في المسابقة لكني لم أقدم تحليلا نقديا له بالطبع لأنه أمر مستحيل الا بعد مشاهدته.. إنه الانطباع الأولي الذي يحكم بالمناسبة عمل كل لجان اختيار الأفلام في العالم، فلا توجد لجنة تشاهد كل الأفلام بكاملها، خصوصا الأفلام التي ترفض بعد مشاهدة 30 أو 40 دقيقة منها، أما ما يصمد فلابد بالطبع من استكماله حتى النهاية.
أفضل الأفلام
قاربت مسابقة مهرجان فينيسيا على نهايتها، بعد عرض 18 فيلما من 22 فيلما. وأستطيع القول ان افضل الأفلام في رأيي هي التالي:


1- دجاج بالخوخ (فرنسا) 
2- عار Shame (بريطاني) 3- البر الأخير Terrafirma 4- الألب (اليونان) Alps
أفضل ممثلة: اليونانية أجيليكي بوبوليا بطلة الفيلم اليوناني الألب
أفضل ممثل: مايكل فاسبندر عن دوره في فيلم "عار" البريطانيملحوظة: الغالب أن الفيلم الذي سيحصل على الأسد الذهبي لن يكون هو الفيلم الأفضل بل غالبا سيكون فيلم "مذبحة" المسرحي، تعاطفا مع مخرجه بولانسكي الذي لم يتمكن من حضور المهرجان. وكان فيلم بولانسكي السابق "الكاتب الشبح" قد فاز لنفس الأسباب بجائزة أحسن فيلم أروبي التي لم يكن يستحقها بكل تأكيد. والمؤكد أيضا أن أداء الممثلين الأربعة في فيلم مذبحة أداء ممتاز لكن يقلل من شأنه الطابع المسرحي للفيلم وهو ما فرض التمثيل في الصدارة وجعل الحوار الذي يردده الممثلون هو أساس فهم الشخصيات والفيلم، وجعل من كل الجوانب السينمائية (زوايا التصوير، الديكورات، حجم اللقطات..الخ) جوانب تكميلية أو إضافية. وهنا في فينيسيا حالة من الانبهار بالفيلم بسبب براعته في توصيل الفكرة أي فكرة نفاق الطبقة الوسطى وزيف مؤسسة الزواج، وللتعاطف المسبق مع بولانسكي في أزمته الشخصية. ولذا لن ندهش اذا ما فاز بجائزة أحسن فيلم. أما أسوأ أفلام المسابقة فهو دون أدنى شك الفيلم الفرنسي "صيف حارق" لفيليب جارديل.
هوامش جديدة
* أسفر فيلم المفاجأة عن عرض فيلم صيني كما كان متوقعا بسبب ولع ماركو موللر، مدير مهرجات فينيسيا الشخصي، بالسينما الآسيوية عموماـ والسينما الصينية خصوصا. الفيلم اسمه "الناس تصعد.. الناس تشاهد" وهو فيلم رديء على كل المستويات، موضوعا واخراجا وتمثيلا.. مرت 45 دقيقة لم نر فيها سوى شخصا يقتل آخر في منطقة جبلية وشقيق القتيل يبدأ رحلة بحث مملة عن القاتل.. ولا أعرف ماذا تم بعد ذلك بل لا اهتم لأننا بدأنا فجأة نشم رائحة حريق داخل القاعة فغادر مئات الأشخاص وبينهم سيادتي طبعا.. فهذا الفيلم تحديدا لا يستحق أن يموت المرء من أجله!


* فيلم الايطالي العظيم ارمانو أولمي "قرية من الكرتون" فيلم ديني يتسق مع رؤية المخرج الكاثوليكي في ضرورة التساند بين البشر، وهو يطرق أيضا مثل الفيلم الايطالي في المسابقة "البر الأخير" موضوع المهاجرين غير الشرعيين من الأفارقة، والقانون الايطالي الذي يعاقب كل من يأويهم عقوبات مشددة. وواضح أن القضية تشغل الرأي العام الايطالي. وعلى حين يتناول "البر الأخير" الموضوع من زاوية ليبرالية يسارية عموما، مناهضة لسياسة بيرلسكوني، يتناول فيلم ارمانو أولمي الموضوع من الزاوية المسيحية الانسانية. الفيلم أقل من أفلام أولمي السابقة المدهشة مستوي بسبب سطحية السيناريو.
خراب الرأس وخراب السينما
* الفيلم الفلسطيني أو المعتبر كذلك والذي يعرض في مهرجان فينيسيا في قسم "أيام فينيسيا" كارثة فنية بل وسياسية على كل المستويات.. كارثة في الاخراج وفي التمثيل وفي السيناريو بل وفي أبسط ادوات السينما وهو التتابع، فالمخرجة سوزان يوسف (لا اعرف من أين ظهرت ومن الذي علمها صنعة الاخراج السينمائي!) لا تتذكر ما سبق تصويره في مشهد سابق، وهي تستحق المنع من الوقوف وراء الكاميرا (أي كاميرا) لمدة عشر سنوات الى أن تتعلم إذا تعلمت، فخبرتي تقول ان فاقد الشيء لا يمكن أن يعطيه، ولكن بعض الذين يصنعون الأفلام بالصدفة في العالم العربي، حظهم ينطبق عليه كما يقال بالمصرية الدارجة "حظ عوالم"، أي أنهم يعملون ويحصدون ما يحصدونه، فقط بسبب خلو المجال أو تعفف من يقدرون على دخول ساحة المنافسة، أو الحاجة الى فيلم يرضى النزعة الليبرالية التقدمية في الغرب. فهذا الفيلم الذي يحمل عنوان"حبيبي راسك خربان" لا يستحق العرض في أي مهرجان على وجه الأرض. ومن الجدير بنا أن نقول لمخرجته "حبيبتي سوزان يوسف: راسك أنت هو الخربان"!


وقد وقع أمر طريف للغاية عند تقديمه، فقد وقف رجل من منظمي قسم أيام فينيسيا يقدم الفيلم لكنه اعتذر عدة مرات بأنه ليس الشخص المناسب الذي يمكنه تقديم هذا الفيلم لأن الشخص أو الزميل الذي وقع في غرامه وكان أول من شاهده، غير موجود اليوم لتقديم اكتشافه. وقد شعرت بأن الرجل بأنه يكاد يعتذر عن تقديم عمل لا يروق، وكانما شعر هو ايضا بذلك فعاد وأكد أن الجميع بالطبع أعجدبهم الفيلم لكن الرجل الغائب كان هو صاحب الاكتشاف، ولاشك أنه شعر بفداحة ما ارتكبه من جرم فاختفى ليلة تقديم هذا الفيلم التعيس. سنعود للكتابة عنه تفصيلا بالطريقة التي يفضلها البعض أي الطريقة المنهجية الأكاديمية.. واعذرونا إن سخرنا وضحكنا بدون السخرية يمكن للمرء أن يموت أو ينفجر بسبب بعض ما يشاهده من أفلام رديئة.


هوامش مهرجان فينيسيا
* من أجمل ما شاهدته من أفلام خارج المسابقة الفيلم التسجيلي الطويل أو غير الخيالي "سالومي كما يراها وايلد" أو ببساطة "سالومي وايلد"Wilde Salome الذي أخرجه الممثل العملاق آل باتشينو بروح الهاوي العظيم الباحث عن معنى الفن وجوهره بعيدا عن الأضواء الزائفة.. إنه درس سينمائي لكل من يرغب في التعلم.. تعلم كيف يعبر عن بحثه الشاق عن المنعرفة بكل تلك البلاغة وذلك السحر.


* حتى الآن ومع مضي نصف المهرجان تقريبا يمكن القول ان افضل الأفلام في المسابقة من وجهة نظر كاتب هذه السطور هي بالترتيب: 1- الفيلم الفرنسي "دجاج بالخوخ" 2- الفيلم الايطالي "البر الأخير"Laterraferma 3- الفيلم اليوناني "الآلب" Alpis

جاء الفيلم الايطالي مفاجأة مدهشة لعشاق السينما واتقبل استقبالا يليق بعمل بيلغ يروي بشكل انساني مؤثر كيف تواجه ارملة شابة وابنها المراهق الحياة بعد وفاة الأب- الزوج، ثم كيف ينعكس مسار مياتها بعد أن تصبح الجزيرة السياحية الصغيرة في جنوب ايطاليا التي تعيش على السياح، مقصدا لقوارب المهاجرين غير الشرعيين. تصوري مؤثر ورقيق للعلاقة بين الثقافات، في سياق سينمائي مصنوع بدقة، وسيناريو يكشف عن المشاعر بطريقة شاعرية.

وجاء الفيلم اليوناني رغم كل ما يحتويه من صدمات بصرية، أيضا مدهشا في بنائه الما بعد حداثي، وقدرته على السخرية من عبث الواقع بلغة سينمائية رفيعة، وأسلوب لا يقلد ولا يفتعل، بل يملك من الأصالة ما يثير الاعجاب..أما "دجاج بالخوخ" فهو درس في الابداع السينمائي لكل من يريد أن يتعلم كيف يروي قصة بطريقة فنية مبتكرة وممتعة.  فيلم بولانسكي جيد جدا من حيث الصنعة لكنه يظل أقل من هذه الأفلام بسبب مسرحيته الشديدة وكأننا نشاهد مسرحية يخرجها مخرج متمرس للتليفزيون. ويظل التمثيل أهم العناصر فيه رغم جودة الاخراج وحرفيته العالية. لكنه بولانسكي فماذا تتوقع!

والأمر نفسه يمكن أن يقال دون تزيد عن فيلم "منهج خطر" لكروننبرج. * الفيلم الإسرائيلي "شهادة" من اخراج المخرج شلومي القباص عرض في اليوم الأول للمهرجان وقوبل بانسخاب أعداد غفيرة من النقاد والصحفيين بمن فيهم المعروفين بجديتهم، ليس بسبب موضوعه الذي يفضخ- دون شك- الكثير من الممارسات الصهيونية ضد الفلسطينيين من خلال حكايات يستعيدها عدد من الفلسطنيين والاسرائيليين (يؤدي أدوارهم ممثلون)، ولكن أساسا، بسبب أسلوبه البعيد الذي يحصر الشخصية في الكادر لعدة دقائق ويجعلها تقص علينا في مونوج طويل قصة وقعت لها. إنه أحد أفلام ما يمكن أن نطلق عليه "تعذيب الضمير" التي تنتاب بعض الاسرائيليين، ويصبح صنع فيلم بالتالي وسيلة علاجية لهم أيضا إلى جانب أنها وسيلة قد تجلب لهم وجودا على الساحة السينمائية العالمية كما حدث بالفعل مع كثيرين منهم.
الطريف أن الكتيب الدعائي الذي وزع مع الفيلم كتب فيه اسم الفيلم واسم مخرجه باللغات الثلاث العربية والعبرية والانجليزية. وقد كتب المخرج اسمه هكذا شلومي "القباص" وهو يكتب بالانجليزية الكابيتز Elkabetz وهو يهودي من أصل مغربي شأنه في هذا شأن شقيقته الممثلة الإسرائيلية المعروفة رونيت التي تفوقت في أدء دور المرأة الإسرائيلية صاحبة المطعم، التي تغوي أعضاء الفرقة الموسيقية من المصريين في فيلم "زيارة الفرقة الموسيقية"، ورونيت تظهر أيضا في فيلم "شهادة". 

* من النجوم الحاضرين في فينيسيا الممثل الكبير آل باتشينو الذي سيمنحه المهرجان جائزة الجدارة الثقافية له أيضا فيلم من اخراجه هو "سالومي وايلد" أي سالومي كما كتبها أوسكار وايلد (منعت من التدوال والنشر في بريطانيا في العصر الفيكتوري وظلت لمدة ثلاثين عاما ممنوعة، حتى عام 1923. وهنا يوجد أيضا المخرج الأمريكي ستيفن سودربرج، والمخرج دارين أرونوفسكي (رئيس لجنة تحكيم افلام المسابقة)، والمخرج الفرنسي أندريه تشينيه، والنجمة مادونا (مخرجة فيلم دبليو إي)، والمخرج الايراني أمير ناديري، والنجمة الايطالية الحسناء مونيكا بيلوتشي (زادت في الوزن بدرجة ملحوظة مما قلل كثيرا من جمالها الكامل المعروف، لكنها لاتزال تتمتع بالجاذبية الطاغية وهي في السابعة والأربعين من عمرها).
وهنا أيضا الممثل الألماني كريستوف فالتز (نجم فيلم تارانتينو "أوغاد مجهولون")، وزميلته في نفس الفيلم الألمانية ديان كروجر، والممثلة الأمريكية ماريزا تومي، والنجمة الممثلة المخرجة جودي فوستر، والممثلة الانجليزية كيت ونسليت، والممثل الأمريكي فنسنت كاسل والممثل الأمريكي فيليب سيمور هوفمان، وطبعا عدد كبير من مشاهير اسينما الايطالية تمثيلا واخراجا على رأسهم المخرج كارلو ليزاني (89 سنة) والمخرج إيرمانو أولمي (80 سنة).
جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger