الأحد، 4 سبتمبر 2011

يوميات مهرجان فينيسيا 3



لاشك أن ديفيد كروننبرج يقدم لنا عملا رصينا متوازنا، في فيلمه "منهج خطير" A Dangerous Method المشارك في مسابقة مهرجان فينيسيا والمأخوذ عن مسرحية الكاتب الانجليزي كريستوفر هامبتون "العلاج المتكلم" The Talking Cure

نحن أمام ثلاثي شهير في عالم الطب النفسي: البروفيسور والعالم الكبير سيجموند فرويد، وتلميذه الباحث والعالم المرموق فيما بعد كارل جوستاف يونج، وسابينا شبيلرين.. اليهودية الروسية الشابة التي تصادف أنها كانت المريضة الأولى التي يتعامل معها تلميذ فرويد، "يونج" ويقع في حبها ويقيم معها علاقة حسية جارفة (رغم كونه متزوجا من زوجة ثرية)، قبل أن يوقف هذه العلاقة بعد أن بدأ يتشكك في أنها قد تكون نتيجة خطة دبرتها سابينا، وما يتركه أثر هذه العلاقة على سابينا نفسيا.
سابينا.. طالبة الطب.. التي جاءت كمريضة تعاني من تشنجات واضطرابات عقلية شديدة، تمكن يونج من علاجها طبقا لمنهج أستاذه فرويد بعد أن توصل الى أن سبب عقدتها يكمن أساسا، في الكبت الجنسي بل الشعور بالقمع والحرمان. هل كانت علاقته الجنسية بها سببا من أسباب اعتدالها وشفائها؟
في الفيلم نقاشات كثير حول منهج فرويد في التحليل النفسي الذي يقوم على ارجاع معظم الاضطرابات النفسية التي يعاني منها البشر الى العامل الجنسي: أي الجنس بكل جوانبه، من لحظة الميلاد الى ما الموت.
هذه النقطة يطرح يونج الكثير من التشكك حولها، ويناقش استاذه فيها ويختلف معه ذلك الخلاف الشهير، كما تجد سابينا نفسها طرفا بين الإثنين، في جدال طويل ومعقد حول العلاقة بين الجنس والتحليل النفسي، وبين الكبت الجنسي، وفكرة الحرية، وهل يمكن تغيير نظرة المريض نفسيا الى نفسه فقط بأن نكشف له عن سبب عقدته، أم أن من الضروري دفعه الى التطلع للقيام بنشاط ما يعيد له توازنه النفسي هل يجب قبول العالم على ما هو عليه، كما يرى فرويد أم يجب أن نطمح الى تغيير، كما يرى يونج؟
الأحداث تتواصل في الفيلم من لحظة وصول سابينا شبيلرين الى المصحة النفسية للدكتور يونج قرب ميونيخ عام 1904 حتى عام 1914 أي بعد فترة من تخرجها واعدادها رسالة عن الشيزوفرينيا، ومقابلتها لفريويد في فيينا.
ويعتمد السيناريو (شأنه في ذلك شأن المسرحية المقتبس عنها) على ما ورد في الرسائل المتبادلة بين يونج وسابينا وفرويد والتي اكتشفت في شقة بزيورخ عام 1977.
الفيلم يقوم بالطبع على تلك المناقشات الذهنية والعلمية التي تصل الى المتفرج من خلال التمثيل البارع للثلاثي المشارك في الفيلم: فيجو مورتنسن (فرويد)، مايكل فاسبندر (يونج)، وكيرا نايتلي (سابينا). والثلاثة تفوقوا في أداء أدوارهم، وبدت حنكة وخبرة كروننبرج واضحة في السيطرة التامة على الأداء، ودفعه في الاتجاه الصحيح بحيث تمكن من خلق كيمياء خاصة بين الممثلين الثلاثة ساهمت في إضفاء الواقعية على الفيلم.
لكن يجب القول إن هذا فيلم تقليدي تماما في حبكته وفي بنائه وتصميم مناظره وأسلوب اخراجه. هنا اهتمام واضح بكل التفاصيل المتعلقة بالفترة: الملابس والاكسسوارات والديكورات والاضاءة التي تضفي طابعا خاصا يوحي بفترة وقوع الأحداث، وحركة الكاميرا المقتصدة والمحسوبة بدقة (في المشاهد التي تجسد الحالة العقلية لسابينا في البداية)، والاعتماد في الانتقال السلس من لقطة إلى أخرى على وسيلة القطع.
ورغم براعة الإخراج والتمثيل ومتانة السيناريو (وضوح الشخصيات ورسمها جيدا) والحوار المتدفق الحيوي الذي لا نلمح فيه أي أثر للافتعال أو للنقل من كتب التاريخ، لا نتوقع أن يكون للفيلم نصيب كبير في سباق الجوائز في فينيسيا على عكس التوقعات الكبيرة المحيطة به، فهو لاشك يختلف تماما عن أفلام كروننبرج المميزة السابقة، كما أنه سيجد صعوبة في منافسة أفلام أخرى أقوى بدأت في الظهور مبكرا.. ليس أقلها بالطبع فيلم بولانسكي (المسرحي أيضا).

* سبق أن شاهدت في مهرجان لوكارنو قبل عشر سنوات (وكنت عضوا في لجنة تحكيم اسبوع النقاد) فيلما تسجيليا طويلا بديعا بعنوان "كان إسمي سابينا شبيلرين" من اخراج المخرجة المجرية اليزابيث مارتون. ولكنه لم يكن فيلما وثائقيا، بل كان يعتمد أساسا على إعادة التمثيل أي باستخدام ممثلين لاعادة مقاطع حياة سابينا ممزوجة بالوثائق والصور الفوتوغرافية واللقطات القديمة من تلك الفترة، وكان أيضا يعتمد على ما كشفت عنه الرسائل المتبادلة بين الثلاثي والتي عثر عليها في شقة بزيورخ عام 1977، وقد جسدت المخرجة التي تقيم في السويد، ببراعة كبيرة العلاقة العاطفية بين سابينا ويونج (وكان في التاسعة والعشرين من عمره).. لكننا لم نمنح الفيلم الجائزة وكان أقرب إليها لأنني تمسكت بضروروة منحها لفيلم أجده كشفا في وقته هو فيلم "إنس بغداد.. يهود عرب: الرابطة العراقية" للمخرج العراقي الأصل (السويدي الاقامة) سمير.

* الممثل (دنماركي- أمريكي) فيجو مورتنسن الذي قام بدور فرويد في الفيلم، دعا خلال المؤتمر الصحفي لمناقشة "منهج خطير" من يمتلك الرسائل المتبادلة بين فرويد ويونج الى ضرورة الكشف عنها من أجل الصالح العام، ولكي يعرف العالم تفاصيل تلك الخلافات العلمية التي كانت قائمة بين الرجلين المرموقين.


* أجمل وأفضل ما عرض من أفلام حتى الآن في المهرجان كله (في رأيي الشخصي) هو الفيلم الفرنسي "دجاج بالخوخ" الذي يوحي لي بدراسة خاصة عن "تأثير الثقافات الأجنبية في السينما الفرنسية"، فوراء هذا الفيلم عبقرية من أصل إيراني هي ماريان ساترابي المخرجة التي تشترك مع رفيقها الفرنسي فنسنت بارونو في الاخراج، وسبق لهما أن أدهشانا بفيلم الرسوم "برسيبوليس"، وهي أيضا ممثلة وكاتبة ومقدمة تليفزيونية. موهبة خارقة لاشك. وسأعود للكتابة عن الفيلم تفصيلا.


الجمعة، 2 سبتمبر 2011

يوميات مهرجان فينيسيا 2



• بعيدا عن أفلام المسابقة استمتعت كثيرا بالفيلم الصيني "الساحر والثعبان الأبيض" اخراج توني تشينج، الذي يروي قصة خيالية بالطبع، استخدم في تجسيدها الحيل السينمائية وطرائق المؤثرات الخاصة المتوفرة في هونج كونج الى أقصى درجة. إنه أحد أجمل الأفلام التي شاهدتها في كل مكان رغم أن أغلبية النقاد والصحفيين الحاضرين هنا انصرفوا عنه مفضلين البحث عن أفلام "أكثر جدية"!

• يبدو أن فيلم المخرج الكندي ديفيد كروننبرج "منهج خطر"، صاحب منهج السينما التي أطلق عليها قبل عقدين من الزمان زميلنا المعتزل مدحت محفوظ "سينما التقزيز"(!) قد أصبح في صدارة الأفلام التي لاقت اعجابا من الجمهور والنقاد في فينيسيا. ولكن كروننبرج هنا يهجر منهجه القديم ويقدم عملا يدور في أجواء عالم النفس البشرية وعلم النفس، مصورا صراع فرويد وتلميذه يونج على قلب مريضة شابة هي كيرا نايتلي في فيينا في عشرينيات القرن الماضي. الطريف أن هذا الفيلم تصدر قائمة الأفلام الأكثر تفضيلا التي يصوت لها الشباب على أحد مواقع الانترنت قبل أن يعرض في المهرجان بل قبل افتتاح المهرجان نفسه. فهو حتى الآن يعتبر العمل الأكثر ترشيحا من جانب هؤلاء لنيل الأسد الذهبي.. ومن يدري!

• من ضمن الأفلام المعروضة هنا على هامش المهرجان في نطاق السوق السينمائية المحدودة فيلم إسرائيلي عنوان "هل يمكن أن تمارسي الجنس مع عربي؟" Would You Have Sex With An Arab? وهو فيلم تسجيلي من اخراج يولاند زوبرمان Zauberman، ويناقش موضوع التفرقة العنصرية داخل إسرائيل بين الفلسطينيين واليهود. والغريب أن هناك إصرارا غريبا على وصف الفلسطينيين داخل إسرائيل بالعرب، وهو تعبير امتد بكل أسف الى الصحافة العربية والأدبيات العربية رغم عدم دقته، والغرض بالطبع هو انكار العوية الفلسطينية. ولذا أرى أن من الأصوب أن نقول "فلسطينيو 48" بدلا من "عرب 48".. حتى لا نساهم دون وعي منا، بتمييع القضية.

• فيلم بولانسكي "مذبحة" (أو مجزرة، أو حمام دم.. كلها تعبيرات لنفس المعنى) من انتاج منتج (فرنسي) يدعى سعيد بن سعيد وقد أطلق على شركته اسم SBS ومقرها باريس، ونن أنه من أصل مغربي.. والله أعلم!

الخميس، 1 سبتمبر 2011

يوميات مهرجان فينيسيا1


الوصول الى فينيسيا هذه المرة كان من القاهرة وهي المرة الأولى منذ أن بدأت أتردد على هذا المهرجان العريق قبل 25 عاما، فقد أعتدت دائما أن أطير من لندن الى المدينة العائمة مباشرة، وهي رحلة تستغرق ساعتين فقط أو أقل قليلا.

أما الرحلة من القاهرة الى فينيسيا فهي رحلة شاقة بكل معنى الكلمة، فهي أولا رحلة غير مباشرة، أي أنك يجب أن تمر أولا بالعاصمة روما وتنتظر في مطارها الدولي ما يرقب من ساعتين ونصف كما حدث معي، في ظل فوضى هائلة في هذا المطار الشاسع لا أرى لها سببا سوى أن اخواننا الايطاليين قريبون منا كثيرا في السلوكيات.

وثانيا: رحلة شركة الطيران الايطالية من القاهرة تقلع في موعد "غير إنساني" على الإطلاق فموعد الإقلاع في الثالثة و50 دقيقة صباحا، ولا أعرف لماذا؟ فهل هذا لمعاقبة المسافرين مثلا!

أما المفارقة الغريبة أنني انتظرت بالقرب من صالة الخروج المحددة بالرقم والاسم والرحلة (وكانت صالة المغادرة رقم 11) في مطار روما لكي أركب الطائرة المتجهة الى فينسيا، لكني كلما سألت الموظفة قالت انه يتعين علي الانتظار. ولما لم يبق سوى 20 دقيقة على موعد اقلاع الطائرة توجهت، أنا وغيري ممن كانوا ينتظرون، للسؤال مجددا فكانت الإجابة بكل بساطة وبلامبالاة تامة وبدون أدنى اعتذار: لقد اغيرت صالة الخروج وعليكم الآن العودة الى الصالة رقم 1!!

عدونا حتى وصلنا الى الصالة البعيدة ووجدنا الطائرة في الانتظار لحسن الحظ، وإن لم نجد أي نتفسير لما حدث على الاطلاق، فلم يتم الاعلان عن تغيير قاعة المغادرة ولا عن ضرورة الاسراع الى بوابة الخروج رقم كذا كما هو المعتاد.. ولولا الخدمات الهائلة المتوفر في المطار لكان يمكن اعتباره أقل مستوى من مطاراتنا التي نئن بالشكوى منها ومن أوضاعها!

المهم أن رحلتك لا تنتهي كما تتصور بالوصول الى مطار فيتعين عليك أن تستقل حافلة مائية الى جزيرة الليدو في رحلة تستغرق نحو خمسين دقيقة. لحسن الحظ الفندق الذي أقيم به يقع على مسافة قريبة من موقف الحافلات البحرية (لا أستطيع أن أصفها بالقوارب فهي أكبر كثير من قارب، كما أنها أصغر كثيرا من سفينة!).
 
مفاجأة سيئة

أجواء فينيسيا هذا العام حارة، شديدة الرطوبة، تقترب من احدى وثلاثين درجة مئوية مرشحة للارتفاع كما علمت.

الجزيرة الشهيرة التي تستضيف المهرجان تعج كعادتها في مثل هذا الوقت سنويا بآلاف الزوار والمصطافين والفضوليين والمتسعكين وبالطبع، ضيوف المهرجان والصحفيين وعددهم بالآلاف.

المفاجأة السيئة التي عرفتها بعد وصولي الى مقر المهرجان أن القصر الجديد للمهرجان بقاعاته الضخمة وامكانياته الحديثة الهائلة (وكان يتوقع أن يفتتح العام الجاري وان كان قد تأجل عامين أو ثلاثة) قد توقف العمل فيه، ومن المقرر أن يتوقف الى الأبد. والسبب أنهم اكتشفوا تصاعد كميات كبيرة ضارة من مادة الاسبوستوس التي تسبب بعض أمراض الجهاز التنفسي. وبالقاء نظرة على موقع البناء، وهو عبارة عن حفرة هائلة في الأرض تبلغ أكثر من ألفي متر مربع، يجد المرء نفسه أمام مجموعة من الأكياس البلاستيكية البيضاء التي تمنع تسرب المواد الضارة وقد تم لفها حول كل حزمة من التربة داخل موقع الحفر نفسه.. وانعكست أشعة الشمس الساطعة على هذه المساحات المصقولة فزادت من وهج الحرارة.. وكأننا أمام مجموعة من المقابر التاريخية تم الكشف عنها ولا أحد يعرف كيف سيردمونها بعد ذلك، وبعد كل ما أنفق من تكاليف في التصميم والحفر والبناء!

المهم أن صاحبنا ماريو باراتا رئيس بينالي فينيسيا للفنون راعي مهرجان السينما من ضمن أنشطة أخرى، صرح بأنهم تراجعوا عن خطتهم الأصلية في افتتاح منشآت جديدة للمهرجان واتجهوا بدلا من ذلك الى تطوير واحياء المنشآت القديمة القائمة بالفعل، بدعوى "الحفاظ على تاريخ المهرجان) وضرب مثالا باستعادة قاعة قصر المهرجان القديمة التي يعود تاريخ إنشاؤها الى عام 1937، الى الحالة التي كانت عليها عند افتتاحها.

المهم أن فيلم الافتتاح الذي يعرض رسميا في المساء عرض للصحفيين عرضا خاصا وحيدا في التاسعة صباح اليوم الأول، وهو يوم وصولي، ولأني وصلت بعد ذلك وكان يجب أن أخصل على قسط من الراحة بعد تلك الرحلة الشاقة، فقد أصبح يتعين مشاهدة الفيلم صبيحة اليوم التالي بعد الاصطفاف مع الجمهور الذي يتمتع بأولوية الدخول الى تلك الحفلة الصباحية العامة (التجارية). وهو ما قمت به بالفعل وشاهدت الفيلم، وإن كان يترتب على ذلك أن أظل أتردد على هذه القاعة المسماة بالا بينالي أي قصر البينالي، طيلة الأيام الأربعة القادمة لكي لا يفوتني شيء من أفلام المسابقة.

القصر الخيمة

الطريف طبعا أن "قصر البينالي" هذا ليس قصرا ولا هم يحزنون، بل أيضا خيمة كبيرة شبيهة بخيام السيرك، أقيمت في حديقة عامة من حدائق الليدو.. ويبدو أن الايطاليين مغرمون بهذا النوع من الخيام القوية عالية الأسقف، التي تبدة رخيصة التكاليف، وعملية جدا، وتتسع لعدد كبير من المشاهدين خاصة وأنها مزودة بمقاعد رخيصة. ولكني كنت دائما أتساءل: لماذا لم تستغل نفس هذه المساحة في بناء قاعة سينما حقيقية كما ينبغي بدلا من الحلم بمحاكاة مهرجان كان واقامة قصر منيف للسينما قرب القصر القديم!

وبمناسبة الخيام: أتذكر أنني كنت ضيفا على مهرجان القاهرة السينمائي عام 1986.. وقت أن كان سعد الدين وهبة رئيسا له، وكان يتصرف مثل شيخ قبيلة، فاذا جلست معه ودردشت قليلا دعاك لحضور المهرجان، واذا عدت فكتبت عن الجوانب السلبية في "مهرجانه" اعتبر أنك أسأت لكرم الضيافة، فحجب عنك الدعوات متصورا أنك سترجوه وتلح عليه وتقدم له فروض الطاعة (كما يفعل مئات الصحفيين الذين أعرف الكثيرين منهم ممن يتسولون الدعوات، ويهينون أنفسهم والمهنة التي يمارسونها بذلك التصرف المتدني، ولكنه هذا الوسط اللعين!).

المهم أن سعد الدين وهبة كان أيضا مغرما باقامة عروض خاصة لضيوف المهرجان في خيمة السيرك القومي الموجودة في حي العجوزة بالقاهرة، وكان من بين ضيوف المهرجان في تلك السنة المخرج الايطالي (الكبير جدا- حجما ومقاما!) سيرجيو ليوني الذي أمتع الجماهير في العالم بأفلامه مثل "الطيب والشرس والقبيح" و"من أجل حفنة دولارات" و"مزيد من الدولارات" وغيرها. وأظن أن نفس هذه الأفلام التي أمتعت أبناء جيلي من "مجانين السينما في عصر السينما" مازالت تمتع الأجيال الجديدة من مدمني الأفلام سواء عبر الاسطوانات الرقمية أو الانترنت، بموسيقاها التي كتبها العبقري الايطالي انيو موريكوني.

 
قلق سيرجيو ليوني


كان ليوني يجلس أمامي لمشاهدة عرض الفرقة القومية للفنون الشعبية في خيمة السيرك القومي التي بداخلها منصة للعرض.

وقد أخذت الخيمة تهتز قليلا. ووجدت ليوني يتكلع الى أعلا في قلق شديد، يتفحص سقف الخيمة بدقة الخبير. وكانت تبدو في السقف علامات توحي بالقدم والتدهور. ورأيت نظرات القلق تتسع عند ليوني ثم فجأة وجدته ينهض ويرحل قبل انتهاء العرض. ولاشك أن الرجل تصاعدت في ذهنه ربما، فكرة أن الخيمة ربما تنهار فجأة فوق رؤوسنا. وعندها لن تنفع اعتذارات منظمي المهرجان بالكلمة الشهيرة التي اشتهرنا بها في العالم ويرددها علي الكثير ممن ألتقي بهم من الأجانب وهي كلمة (معلش)!

لكن للحق صمدت خيمة السيرك القومي دون كوارث تذكر حتى الآن. وأصبحت خيمة قصر البينالي في الليدو أمرا مؤلما كلما هطلت الأمطار فوق سقفها، لأنها تصنع مؤثرات صوتية اضافية تؤثر على استمتاعنا بالأفلام!

التطلع الى الجمهور

الملاحظ هنا أيضا أن مهر جان فينيسيا يتوسع في انفتاحه على الجمهور العام، فهو على العكس من مهرجان كان، يبيع تذاكر العروض بأعداد كبيرة هذا العان كما يخصص الكثير من الحفلات للعروض العامة في كل القاعات الرئيسية التي تعرض بها أفلام المهرجان. وربما يكون زيادة عدد اأفلام وتنوعها الكبير أيضا وراء الرغبة في تحويل المهرجان من مهرجان نخبوي لأفلام المؤلفين ولجمهور معزمه من "أهل الصنعة"، إلى مهرجان جماهيري يرضي كل الأذواق أيضا، كما يساهم في تغطية جانب من النفقات الكبيرة التي تتحملها الجهات المنظمة في ظل الأزمة الملية التي لاتزال تلقي بشبحها على أوروبا!

في إطار الرغبة في جذب الجمهور العريض يشهد المهرجان هذا العام وجود شخصية أخرى من تلك الشخصيات الخارقة المثيرؤة للجدل والجدال هي جميلة الجميلات أو هكذا كانت وكان يجدها البعض، المغنية "مادونا" نجمة الثمانينيات والتسعينيات في غناء الروك. أما الآن فهي قد اصبحت مخرجة سينمائية أيضا، فهل هي أقل من جودي فوستر أو من جورج كلوني مثلا؟ (لكليهما فيلم في دورة العام الجاري) فبعد أن ظهرت ككممثلة في 22 فيلما فشل معظمها (أهمها وأنجحها "إيفيتا"-1997 اخراج آلان باركر- ترى أين هو الآن؟).

مادونا حاضرة بفيلمها الجديد كمخرجة وهو فيلم "دبليو إي" WE وهما الحرفان الأولان من اسم واليس سمبسون، والملك ادوراد الذي أصر على الزواج منها رغم كونها أجنبية (أمريكية) مطلقة تكبره من العمر وتنازل بسبب ذلك عن العرض لشقيقه الملك جورج. وعن جورج الخامس رأينا فيلما عظيما مؤخرا هو "خطبة الملك". أما فيلم مادونا فيطمح الى رواية قصة الحب الشهيرة التي دخلت التاريخ من خلال الربط بينها وبين قصة حب معاصرة تنتهي نهاية مأساوية.. ولكن هل تنجح مادونا- المخرجة هذه المرة بعد أن فشلم في تجربته الوحيدة السابقة في فيلم "قذارة وحكمة" Filth and Wisdom؟

هذا السؤال يمكن الاجابة عليه في رسالة قديمة أو مقال قادم.. عندما نتناول الفيلم نفسه بالتحليل. ولكن يكفي الآن القول إنه فيلم "طموح" أسلوبيا!

الأحد، 28 أغسطس 2011

مرة أخرى: عن السرقة والجهل وأشياء أخرى!


جان لوك جودار


السرقات السينمائية مستمرة على أشدها، بل لعلها زادت في حدتها ووتيرتها بعد أن وقع عدد كبير من السينمائيين والنقاد قبل نحوعامين، بيانا ضد السرقات ووقع معهم بكل أسف، عدد من اشباه النقاد والمدعين والذين ثبت فيما بعد أنهم هم أنفسهم من أكبر اللصوص الذين يسرقون بانتظام وبلا أي نوع من التردد أو الخجل، فهم أناس عديمو الشرف أصلا فكيف يخجل من يسرق ويعرف أنه يسرق أفكار وجهود الآخرين ويضع اسمه عليها!

آخر هذه الحوادث اللصوصية هو ما نبهني إليه قاريء أرسل الي رسالة نشرتها في هذه المدونة، تتعلق بسرقة مقال لي ووضعه في كتاب أصدره هذا السارق عن يوسف شاهين. وفي اليوم التالي اكتشفت أن صحفيا لبنانيا من الذين لا يعرفون اللغة الانجليزية سطا على جانب من موضوع ترجمه محررو موقع "عين على السينما" عن السينمائي الفرنسي الأشهر جان لوك جودار، وكان يحمل عنوان "جودار يعثر على حل "منطقي" للأزمة المالية الأوروبية!" وهو موضوع مترجم ضمن قسم "السينما في الصحافة الأجنبية" عن صحيفة "الجارديان" البريطانية. ولكن لأن الصحفي اللص (وكان بالمناسبة أحد المتحمسين للتوقيع على بيان ادانة السرقات السينمائية قبل نحو عامين!) لا يعرف أيا من الصحف البريطانية ولم يكن هو الذي عثر على الموضوع أو قرأه أو ترجمه بل اكتفى بنقل ما قرأه في الموقع المشار اليه، فقد اختلط عليه الأمر فكتب أن المقال منشور في صحيفة "الاندبندنت".

وبعد ذلك نقل حرفيا جانبا مما ورد في المقال المترجم، وذلك دون أي إشارة الى المصدر الذي نقل عنه، فهذا النوع من اللصوص المنتشرين بشدة حولنا، هم من النوع الذي لا يتحلى أصلا بفضيلة التواضع، أي أنه لا يعرف كيف يقول إنه لا يعرف وإنه ينقل عن مصدر هو كذا أو كذا، ولذلك فقد أصبح كل ما يكتبه هذا الصحفي عن الأفلام التي يشاهدها في المهرجانات السينمائية، محل شك كبير.

وأنا على ثقة من أننا لو بحثنا وراء كتاباته الغزيرة، لوجدنا الكثير منقولا بالحرف من الصحف الفرنسية (فهو يعرف بعض الفرنسية بالتأكيد)، كما أن ما يقوم به من مقابلات مع عدد من السينمائيين، يمكن جدا أن يكون خليطا من أحاديث مباشرة مقتصدة أجراها مع هذه الشخصية أو تلك، وبعض الترجمات "الرشيقة" أي المسروقة من صحف فرنسية دون أي خجل أو رادع.

والمؤسف بالطبع أن ناقدا زميلا أعاد نشر ما كتبه هذا الصحفي "الرشيق جدا" في مدونته دون أن ينتبه لأن نفس المادة (بالحرف الواحد) سبق أن وردت في الموضوع المنشور في "عين على السينما". وقد نشرها هو تحت عنوان "حلّ غودار للأزمة اليونانية: ماذا لو أعطيناهم عشرة أورو كلما استعملنا كلمة "اذاً"!

وكنت قد توقفت بسبب انشغالي عن مطالعة كل أنواع المدونات السينمائية لا لسبب سوى لضيق الوقت، إلى أن نبهني صديق أخيرا الى ذلك "التوارد" الخاص جدا في الخواطر كما علق هو ساخرا بالطبع، ففتحت وقرأت ووجدت وتعجبت.. ولكني على ثقة من أن ما خفي كان أعظم.. ولنا عودة الى الموضوع نفسه!

جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger