الأحد، 22 مايو 2011

انطباعات اليوم الأخير في مهرجان كان


ويأتي اليوم الأخير في المهرجان، وهو اليوم الأحد الذي ينتظر فيه الجميع الإعلان عن الجوائز في المساء، وتسير في المدينة فتجد فقط عشرة في المائة ممن كانوا يجعلون ليلها نهارا. أين ذهب كل هؤلاء؟ الاجابة طبعا معروفة. فقد عاد كل منهم الى بلده يحمل الذكريات ولاأفلام في رأسه اذا كان قد تبقى منها شيء بالطبع.

في اليوم الأخير يعاد عادة عرض كل أفلام المسابقة. وتذهب لكي تلحق بفيلم يكون قد فاتك عرضه أثناء المهرجان خصوصا لو كان من عروض الصباح الباكر أي في الثامنة والنصف صباحا، وهو موعد مؤلم بالنسبة لامثالي من الذين يسهرون يكتبون ليلا، أي من الذين أطلق عليهم (الليليين) الذين لا يتألق ذهنهم سوى في الليل، فتفاجأ بوجود آلاف الأخشاص في طابور طويل يتقاطرون على الدخول. وتضطر للوقوف معهم تحت حرارة الشمس القاسية (فارق كبير بين بداية المهرجان ونهايته من حيث حرارة الطقس). من اين جاء كل هؤلاء؟ معظمهم من حملة البطاقات الزرقاء أي غير الصحفية التي تمنح للعاملين في السوق مع شركات التوزيع.
ولكن هذا هو كان، وهذا أحد عيبوبه الكبيرة، انك تضطر للوقوف طويلا في الطوابير اذا كنت ترغب في الحصول على مقعد. ومن يأتي أولا يضمن أكثر مكانا له في مكان معقول في القاعة، ويتعين عليك أن تأتي قبل نصف ساعة على الاقل. والمسافة تزي\ عاما بعد عام. قالت لي صحفية يابانية انها اعتادت تجد مكانا قبل 20 دقيقة من بداية العرض خصوصا وانها تحمل بطاقة صحفية مميزة، لكنها تجد هذا العام أن المسافة أصثبحت أكثر من نصف ساعة.
هل هناك اي فيلم يستحق الكفاح من أجل مشاهدته؟ ألا يؤدي الزحام والكفاح والانتظار الطويل الى أن يتعب المرء أو يفقد أعصابه مما يؤثر على متعة المشاهدة بعد ذلك؟
الاجابة متروكة لكل منا بالطيع. أنا شخصيا شاهدت مشهدا مؤلما في العام الماضي خارج القاعة التي تعرض أفلام "نصف شهر المخرجين" فقد وقع احتكاك جسدي بين اثنين من الواقفين في الطابور بسبب أن أحدهم كان يحاول تجاوز الآخر بدون حق. وهذه بالنماسبة عادة فرنسية بل ومتوسطية سخيفة جدا أي عدم احترام الطابور، فكل من يعرف احدا واقفا في الأمام ينضم اليه دون ادتى اعتبار للواقفين قبله ربما بساعة كاملة. وأيضا ظاهرة حجز المقاعد للأصدقاء والصديقات داخل القاعة وهو ما يحرم الذين كافحوا ووقفوا ينتظرون الدخول لمدة طويلة، فيفاجأون بأن المقاعد محجوزة للأصدقاء من الذين يأتون على راحتهم في آخر لحظة ليستمتعوا بالمقاعد في الأماكن المفضلة بينما تظل أنت تبحث عن أي مقعد في اي مكان. نظام سخيف لا أعرف لماذا لا يتدخل المشرفون على العروض لوقفه.
مضطر لانهاء هذه الاتطباعات لكي ألحق بطابور أمام القاعة التي ستعرض فيلم "الهافر" Le Havre الذي فاتني عرضه الأساسي. ليتني استطيع الدخول فالفيلم مرشح أساسي للسعفة الذهبية.

"صرخة نملة" على شاطيء كان!
من الأشياء الطريفة أيضا أنني ذهبت لمشاهدة الفيلم المصري "صرخة نملة" للمخرج سامح عبد العزيز بعد ان قال لي صديق اثق في رايه أنه فيلم جيد، وكنت مترددا لأن العرض يقام في سينما البلاج اي السينما المكشوفة على شاطيء كان أي أننا سنشاهد الفيلم في وسط الرمال في سينما مكشوفة قريبة جدا من طريق الكروازيت.
وقد ذهبت بالفعل وكانت المرة الاولى التي أحاول حضور مثل هذه العروض التي تقام في سينما البلاج لان هذا هو العرض الوحيد للفيلم في مهرجان كان ولا أعرف لماذا.
وتحملت تقديم المسامة ماجدة واصف الثقيل للضيوف الحاضرين ومنهم المنتج كامل ابو علي والمخرج وكاتب الفيلم وحشد آخر لا أعرف من الذي دفع لكل هؤلاء للحضور الى كان، منهم ما يبدو ان لا وظيفة أو فائدة منه مثل الممثل محمود عبد العزيز الذي يجرجر نفسه بصعوبة ولا يبدو أن يدري ما يدور حوله، والست الحديدية سهير عبد القادر التي الغي مهرجانها واستقال رئيسه ابو عوف لكنها تتشبث حتى "آخر نفس وآخر نبضة في قلبها" بالمهرجان، ولم يعد هناك في رأيي أي مفر سوى اقامة انقلاب مسلح على المرأة الحديدة، واعتقلها وارسالها الى حبيبة قلبها الست سوزان مبارك. وهذه على فكرة وقاحة ما بعدها وقاحة، أي أن يسمح السيد وزير الثقافة (من الوزر طبعا) بوفد رسمي تشارك فيه الست سهير التي يجب أن تحاكم هي وكل من تعاون معها مثل ماجدة واصف وأمثالها، على تخريب مهرجان القاهرة والاساءة الى سمعة مصر طوال أكثر من ربع قرن.. إلى جانب مخالفات أخرى تستوجب تدخل الأجهزة المعنية!
المهم أنهم وزعوا علين بطاطين صوفية بيضاء للتدثر بها على كراسي الشاطيء التي تدعوك للنوم، ووجدت نفسي غير قادر على متابعة الفيلم بسبب رداءة الصوت والصورة في هذا العرض المصحوب بالبطاطين، فغادرت بعد بداية الفيلم بدقائق خصوصا وانه بدأ ولمدة 7 دقائق بشخص أحمق يصرخ مناديا على أحمق آخر صراخات لم افهم منها شيئا.. لكن هذا لا يعني أنني لا أرغب في مشاهدة الفيلم في عرض يليق للحكم الرصين عليه، واعتذر بالتالي لمخرجه ومنتجه على عدم قدرتي تحمل القرب من سهير عبد القادر وماجدة واصف أفندي كعب الغزال!

السبت، 21 مايو 2011

حول طرد لارس فون ترايير من مهرجان كان



في تاريخ مهرجان كان السينمائي كله، أي عبر 65 سنة، لم يحدث ان صدر بيان عنيف مثلما صدر أخيرا عن ادارة المهرجان ضد المخرج الدنماركي لارس فون ترايير، وهو البيان الذي اعتبره "شخصا غير مرغوب فيه" ونص على أن يعتبر هذا القرار ساريا من لحظة صدوره، وهو ما يعني طرد المخرج الشهير الموهوب، ومنعه من المشاركة في المهرحان مستقبلا.
ما السبب؟ السبب أن فون ترايير خلال مؤتمره الصحفي لمناقشة فيلمه المشارك في المسابقة الرسمية، صدرت عنه بعض الملاحظات التي أعرب فيها عن نوع من التحفظ على ما تقوم به اسرائيل وهو السلوك الذي وصفه حرفيا باللغة الانجليزية وحسب التعبير الشعبي الائع في عذع اللغة بسين أهلها والمتكلمين بها، بأنه pain in the assوالترجمة الحرفية لذلك بالعربية هي "وجع في المؤخرة" وقد ترجمناها تأدبا في الخبر المنشور في هذا الموقع "صداع في الرأس".
وعلىسبيل المغالاة في المزاح على طريقته المعهودة قال أشياء مثل "إنني أستطيع أن أفهم هتلر.. هو لم يكن بالشخص الذي يعتبر جيدا لكني افهمه.. وأنا أتعاطف مع اليهود كثيرا جدا.. لا ليس كثيرا بسبب أن اسرائيل قد اصبحت وجعا في المؤخرة".. وبهذا يكون فون ترايير قد تجرأ، من وجهة نظر القائمين على المهرجان، ولمس "العجل المقدس" الذي يعتبر محصنا ضد اي نقد من أي نوع، وهو ما أفزع الأوساط اليهودية واللوبي القوي في فرنسا الذي سرعان ما أجرى اتصالاه بوزير الثقافة الفرنسي فريدريك ميتران، الذي اتصل برئيس مهرجان كان جيل جيكوب وطالبه باتخاذ موقف صارم ضد المخرج الدنماركي.
وكان فون ترايير قد اعتذر يوم الخميس، عن التصريحات التي بدرت منه في المؤتمرالصحفي يوم الاربعاء، لادارة المهرجان ولكل الذين وصلتهم تصريحاته، ونشر الاعتذار في الموقع الرسمي لمهرجان كان على الانترنت مساء الخميس، ونشر أيضا أن المهرجان قبل الاعتذار وانتهى الأمر. لكن الضغوط استمرت فعقدت ادارة المهرجان اجتماعا استثنائيا طارئا بكامل هيئتها لم يحدث في تاريخها كله، لإدانة فون ترايير وطرده ومنعه من دخول المهرجان.
خلال عشرين عاما تابعنا فيها المهرجان، جاء الكثير من السينمائيين، من الشرق ومن الغرب، هاجموا في المؤتمرات الصحفية كل شيء، وسخروا من كل الأجناس والعقائد والافكار، باستثناء جنس واحد لا يجوز أبدا المساس به، وإلا قامت القيامة واعتبر الأمر (عداء للسامية) بل إننا شاهدنا واستمعنا الى من أنكروا وجود الله سبحانه وتعالى من على منصة المؤتمرات الصحفية في كان، وسخروا منه علانية، دون أن يؤدي سلوكهم هذا إلى اي نوع من الاحتجاج أو الغضب من جانب ادارة كان او غيرها.
والآن، ولان الأمر يتعلق بالدولة الوحيدة في العالم كله التي تعتبر نفسها فوق القانون الدولي، ثارت ثائرة جيل جيكوب ورفاقه في لجنة المهرجان، فليس من الممكن أن تمر هذه السابقة الخطيرة في انتقاد تلك الدولة المارقة التي اصدرت الأمم المتحدة ضدها مئات القرارات الدولية التي لم تلتزم بها. فما معنى هذا؟
لقد ضرب المهرجان عرض الحائط بالمبدأ المعروف الذي يتشدق به الجميع هنا في كان وخارج كان، وهو مبدأ احترام حرية التعبير. ولكن يمكن الدفاع عن حريتك في التعبير حتى فيما يتعلق بالشرك بالله، ولكن غير مسموح لك انتقاد اسرائيل أو السلوك اليهودي فهذه تعتبر كبيرة الكبائر خصوصا في فرنسا التي نجح اللوبي الصهيوني فيها منذ عشرين عاما في اصدار قانون "فابيوس- غايسو" الشهير الذي يقضي بسجن كل من يشكك في المحرقة اليهودية (الهولوكوست). ومن فرنسا "بلد الحريات" انتقل هذا القانون ليصدر في طبعات أخرى في معظم بلدان الاتحاد الاوروبي، باستثناء بريطانيا.
إنني أكتب هذا المقال لكي أدين سلوك مهرجان كان في التفرقة بين المواقف المختلفة، وأطالب باسقاط هذا الحظر ضد سينمائي بارز مشهود له بالموهبة، خصوصا أنه اعتذر وقبل اعتذاره فماذا حدث بعد ذلك، وهل أصبح المهرجان ألعوبة في يدي القوى الصهيونية التي لا تقبل ادانة السلوط السياسية الذي أدانته مئات المرات هيئة الأمم المتحدة. وهل نسقط في هذه الحالة مهرجان كان، أم مطلوب منا الآن اسقاط الأمم المتحدة!

دليل المخرجين المصريين للحصول على السعفة الذهبية



1- ابحث عن موضوع يدور نصفه على الأقل في الصحراء، يتحرك أبطاله ببطء شديد، ويجب أن تصور مشهدا للسراب وانعكاس اشعة الشمس على الرمال، ويستحسن أيضا أن يضل بطل الفيلم طريقه ويدخل داخل مجموعة من الكهوف التي تؤدي الى متاهة كبرى.

2- اجعل في الفيلم شخصية إسرائيلي من يهود مصر كان قد هاجر من مصر الى اسرائيل وشارك في حربي 1967 و1973 ضد مصر وقتل عشرات المصريين، وهو يعود اليوم الى مصر ويزور بيت اسرته القديم في حي السكاكيني ويستقبله الجيران بحفاوة فيقرر الاستقرار في مصر لكي يموت فيها وسط اعجاب الجميع به وبشخصيته.

3- اجعل شخصيات الرجال داخل البيت المصري التقليدي (لابد أن يوجد فيه صحن الدار المفتوح على السماء) يخاطبون النساء من وراء الحجاب ولييس المقصود بالحجاب هنا غطاء الرأس، بل ستار كثيف يقسم الصالة الرئيسية في البيت ويخفي النساء وراءه. فالفكرة هي عدم اظهار المرأة بل فقط الاستماع لصوتها، واحظر عليها الخروج الا بصحبة الرجل وهي تتستر بالسواد الكامل في جنح الليل ونبدو مثل الشبح المخيف.

4- يجب ألا يقل طول اللقطة الواحدة عن 3 دقائق، والا يزيد طول المشهد عن 3 لقطات، بشرط عدم استخدام الكاميرا المتحركة (فهذه الميزة قاصرة فقط على الاوروبيين) بل استخدم الكاميرا الثابتة في الفيلم كله، واستخدم الضوء الخافت الباهت الذي يجعل المتفرج يتعب في الحملقة محاولا رؤية الاشباح التي تتحرك في الظلام، ولابهار نقاد كان بالأصالة الشرقية، حتى في المناظر الخارجية التي تدور في الاسواق الشعبية مثلا.

5- يجب أن يكون الحوار المستمر الذي لا يتوقف هو أساس الفيلم، ليس لكي تتحاور الشخصيات معا في ديالوج بل لكي يقفوا أمام الكاميرا يحدقون في الفراغ وكأنهم على خشبة مسرح، ويتحدثون في المطلق عن أشياء خارج الزمن والتاريخ... وليس مهما أن يحتوي الفيلم على حبكة أو يروي قصة ما بل المهم تصوير عدة شخصيات لا تكف عن الكلام طوال الوقت عن اشياء غير مفهومة. المهم أنها تبدو شخصيات متجهمة تفكر في مأساة ما خارج نطاق الفيلم.

6- الفيلم لا يجب ألا يقل عن 3 ساعات، ويجب ألا تستخدم أي موسيقى على الاطلاق، للإيحاء بثقل الزمن الذي يتسق مع ما يتصوره أعضاء لجان التحكيم عن "الشرق".

7- اجعل احدى شخصيات النساء تتمرد على العائلة بأن تخرج من وراء الحجاب الكبير وهي حامل لكي تبحث عن وسيلة من وسائل الطب الشعبي لاجراء عملية اجهاض، لدى امرأة عجوز تستخدم عود البخور والملوخية لاجهاضها مما يؤدي الى اصابتها بحمى النفاس وتقضي عدة ايام في آلام مبرحة ونزيف ينتهي بموتها في مشهد مفزع... حيث تغرق الدماء أرضية المنزل العتيق والشاشة.

8- يجب أن يبدأ الفيلم في الصحراء وينتهي في الصحراء أيضا، وتجعل بطل الفيلم يسير في اتجاه الأفق في لقطة مصورة بالحركة البطيئة، بينما تتبدى صورة أبو الهول في الخلفية.

9- احذر تماما التطرق الى أي فكرة سياسية تغضب الغرب كأن تجعل أحد الممثلين في الفيلم يأتي بسيرة سوء  عن اليهود او اسرائيل او الحروب، ولابد أن تصور مشاكل مصر كلها وقد نشأت بسبب طرد اليهود أو تهجيرهم، وان في عودتهم عودة الروح للبلاد لأنهم يحملون سر التاريخ.

10- انشر دعاية واسعة تقول ان الاسلاميين السلفيين يدعون الى حرق الفيلم، وان مؤلفه أو بطله اختطف واختفى منذ خمسين يوما ولذلك فلن يمكنه المشاركة في مهرجان كان وطالب السينمائيين في العالم باصدار بيان للدفاع عن الفيلم وبطله المختطف.

ملحوظة: اذا لم تستطع تصوير الفيلم في ثلاث ساعات بسبب عدم توفر الخام بما يكفي أو لضيق ذات اليد، ابتدع طريقة تجعلك تكتفي بساعة ونصف ولكن بحيث لا يقل طول اللقطة عن 5 دقائق، وبذلك يشعر المتفرج بالايقاع السرمدي الممتد وحبذا ايضا لو استخدمت حجم الكلوز أب تحديدا للانتقال في المشاهد الداخلية . فهذه ممن يعشقها نقاد الشانزليزيه تحديداّ الذين يضمنون لك السعفة الذهبية.

أخيرا على كل منكم نقل الرسالة الى زملائه، موفقين جميعا ان شاء واحد أحد.

الجمعة، 20 مايو 2011

هذه المهزلة وتلك الروح الشوفينية في كان!

أعتبر الممثل أحمد حلمي ممثلا موهوبا، خصوصا في أدوار الكوميديا التي تقف على حافة التهريج، أي أنها ليست تهريجا مطلقا كما يفعل مثلا ممثل "اللنبي" محمد سعد، أو كوميديا محترمة كما يجسدها أي ممثل محترم ولا يشترط بالمناسبة أن يقول عن نفسه إنه ممثل كوميدي فقد كان رشدي أباظة مثلا ممثلا يقدم الكوميديا الى جانب كل الأدوار الأخرى، وينجح فيها، تماما كما كان شكري سرحان مثلا أو عمر الشريف وغيرهم.
أما أن يكون أحمد حلمي المتحدث باسم شباب السينمائيين الثوريين أو بمناسبة ثورة يناير وتكريمها في مهرجان كان بعرض فيلم "18 يوم"، فهو آخر ما كان متصورا.

لقد صعد أحمد حلمي ليلقي كلمة باللغة العربية جاءت اهانة للثورة المصرية العظيمة عندما أخذ يستخدم تشبيهات سوقية من الدرجة السفلى كأن يشبه الشعب المصري بأنه كالخيط لا يوحي بأنهه سينقطع ثم ينقطع فجأة، وليس مثل "الأستيك" الذي ... لا اعرف ماذا ولا اريد أن اعرف فقد شعرت بالخجل من هذه اللغة السوقية والتشبيهات التي تأتي انطلاقا من فرط تأثر صاحبها بكلمات الحوار الهابط في معظم الأفلام التي يمثلها والتي كما قلت، تقف على حافة التهريج!

وعندما أخذته الحماسة وكان يسري نصر الله يترجم له كلماته للغة الفرنسية، اخذ يردد أنه يلقي الكلمة بالعربية لأنه أولا لا يعرف أي لغة أخر سواها، وهو اعتراف بالجهل يحمد عليه، لكنه انبرى بلسان شوفيني وأفق ضيق يتصور أنه يلقي كلمته في حانة من حانات باب اللوق امام حشد من الحشاشين والسكارى من المستوى المتدني لعله يدغدغ مشاعرهم المحدودة، قال إنه حتى لو كان يعرف عشر لغات لما تكلم سوى بالعربية لأنها لغة مصر.. وكأن العربية أفضل من كل اللغات، وكأن مصر ولدت في التاريخ وهي تتكلم العربية، وكأن الجهل أخيرا، قد أصبح "قيمة" تدعو للتفاخر!

شعرت بالخجل ليس فقط من اطلاق مثل هذه التعبيرات غير الموفقة بل الغليظة، بل ولأن كلمات أحمد حلمي عادت لتردد التبرة الاستعلائية الممجوجة حول التفوق المصري العنصري، وتحسيس الآخرين، من غير المصريين الجالسين في المقاعد والذين جاءوا احتفالا بمصر في كان، بأنه ينتمون الى شعوب أدنى، لأن "العبقري" اعتبر أن ما تحقق في مصر يجب أن يركع له الجميع، وهذه النغمات الاستعلائية من الموروث الاعلامي لنظام مبارك، وكانت دائما محاولة من جانب النظام لستر الانكسارات والهزائم والتراجعات المتتالية.

والغريب أن أحمد حلمي الذي طرد من ميدان التحرير بسبب مواقفه امؤيدة لنظام مبارك، جاء يركب مثل آخرين، موجة الثورة، تماما كما فعلت الممثلة التي لا تخجل من نفسها المدعوة يسرا. وهنا اللوم يقع على عاتق المخرد الصديق يسري نصر الله الذي اسند اليها دورا في فيلمه الذي يعد أحد الأجزاء العشرة من هذا الفيلم عن ثورة يناير. وإحقاقا للحق أقول إن الفيلم الذي أخرجه يسري من أضعف أجزاء الفيلم وأكثرها برودة وافتعالا بل وفراغا فنيا، فليس هناك موضوع أصلا وأنت لا تفهم عم يحكي بالضبط، ومن هذه الشخصيات الغريبة التي تتحرك مثل الروبوت.. وما هذا الشاب الأشعث الشعر الذي يبدو وقد ولد في جبلاية قرود لكنه يتصرف كأرستقراطي ويتصل بمن يدعوه "عم عبده لكي يحضر ليكوي له ملابسه داخل الشقة لأنه يخشى الخروج للشارع بسبب انتشار البلطجية واللصوص.. وما هذا الفيلم الذي يتوسع في الحديث عن اللصوص فيما الحديث عن الثورة ضئيل جدا في سياقه. وما الذي جاء بمنى زكي في هذا الفيلم لكي يجعل منها بطلة جماهيرية تصر رغم أنف زوجها الأشعث، على النزول للتحرير!
جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger