شجاعة حقيقية أعظم من مائة فيلم
كتابات نقدية حرة عن السينما في الحياة، والحياة في السينما............. يحررها أمير العمري
الأربعاء، 26 يناير 2011
الهجوم على هند صبري
*بقلم: منى صفوان
موقف "هند" السياسي، و الهجوم عليها، و النيل من وطنيتها، ليس دليلا على غيرة الاعلام المصري على ثورة تونس، بقدر ما هو أمر مربك بشأن هذا التعرض الشخصي لفنانه تونسية تعمل في مصر.
ربما كان على الاعلام المصري، عدم التعرض لموقف "هند" بهذه الحدة، خاصة أن موقفها السياسي كتونسية ، ليس كما يظهر في الاعلام المصري، ولكن يبدو أن هناك متربصين، كانوا بانتظار سبب لإطلاق النار.
فبالنسبة لموقفها السياسي، فهو ليس حجة قوية للاعلام المصري. فهند صبري كانت بالجرأة التي دفعتها لإعلان أسفها، لعدم قدرتها على رفض وضع اسمها ضمن قائمه المثقفين التوانسه المطالبين بتمديد ولاية بن علي، وأكدت أنها كانت جبانة، ولكنها قبل سقوط النظام كانت قد كتبت مقالا بعنوان "أوقفوا إطلاق النار" أعلنت فيه موقفا جريئاٌ مقارنة بغيرها من الفنانين والمثقفين التوانسه.
وان كانت هند مدانة فلطفي بو شناق و غيره من المثقفين التوانسه مدانون أيضا، لان أسماءهم في القائمة. و إن كانت هند جبانة، فمحمد كريشان، وبرغم انه يعمل في الجزيرة، إلا انه أثناء أحداث تونس، كتب مقالا في القدس العربي يتحدث فيه عما يدور في ساحل العاج، فوجه له اللوم، بأنه كان أولى به أن يكتب عما يحدث في بلده، فكتب بعدها مقالا بعنوان " لا تكتب عن تونس" قبل خلع بن علي، أوضح فيه أنه في غنى عن مواجهة النظام والاعلام التونسي، الذي لن ينجو منه وسيتعرض بسبب رأيه لمضايقات.
لهذا تبدو محاكمة هند غير عادلة، والاستفراد بها مقصود. ومن حقها القول: إن كنتم ستحاكمونني فحاكموا 11 مليون تونسي لأننا كلنا كنا خائفين.
وفي مصر، لا يهاجم الاعلام المصري نجوم ونجمات السينما، الذين يجاملون حسني مبارك، ومصر أكثر انفتاحا مما كانت عليه تونس.
وهند لم تعلن موقفا سياسيا مع النظام إلا أن خوفها هو النقطة، التي امسكها الاعلام . وسجلها الشخصي والمهني نظيف، بلا نقاط يمكن أن تؤخذ عليها، برغم أنها دخلت السينما، من بوابة الاداور الجريئة، كونها قادمة من ثقافة مختلفة عن الثقافة المصرية، وأكثر انفتاحا منها، لكن تجاوزت دور ممثلة الإغراء، لتكون ممثلة حقيقية، و ليست فقط مجرد مؤدية لأداور جرئيه.
ولم تتقن اللهجة المصرية فقط، بل أيضا أتقنت تجسيد دور فتاه البلد المصرية، الذي تخفق في أدائه كثير من فنانات مصر، و ينسى الذي يتابعها أنها تونسية ، فهي تفوقت على المصريات أنفسهن.
ولم تظهر في ادوار باهته، وعملت مع كبار المخرجين، ولأنها تحترم موهبتها ، فلم نراها يوما سنيده لتامر حسني أو تشترك في بطوله باهته مع احمد حلمي.
فهي بطلة منذ بدء مسيرتها في الفيلم التونسي "صمت القصور" وعمرها 14 عاما، وحصولها وقتها على جائزة أحسن ممثلة من مهرجان برلين.
هذه التونسية، الحاصلة على شهادة الماجستير في القانون، ترفد الوسط الفني بممثلة شابة واعية مثقفة، متعلمة وموهوبة .
ولكنك قد تجد الكثير مما لا يحبون هند في الوسط الفني، ويتهمونها بالغرور. و يجدون في اعتزازها بموهبتها تعاليا عليهم. وربما هذا أثار حفيظة الوسط الصحفي و الفني في مصر، التي يرفض مثقفوها أي تعال عليهم.
فتهمتها الأصلية، هي الغرور، ليس موقفها السياسي. ولكن كان في ثورة تونس فرصة للنيل منها. هند
ظلمت بقدر حجم موهبتها، ونيل الاعلام منها بهذه الطريقة الفجة، وكأنه حامي الشعب التونسي وثورته، دليل وجود سبب شخصي مستفز، كان يتحين الفرصة للظهور، وأيضا دليل تفوق هند، تفوق لم يحتمله هذا الوسط .
برغم أن "هند" هي التي جاءت لمصر، ووقعت في غرام مصر، وتحدثت بلهجة مصر، ومثلت مصر وباسم مصر، فأنستنا أنها تونسية.
* كاتبة يمنية مقيمة في مصر
* كاتبة يمنية مقيمة في مصر
Labels:
آراء وتعليقات
السبت، 22 يناير 2011
فيلم " الجامع ".. فانتازيا ساخرة لواقع أليم
![]() |
المخرج داود أولاد السيد |
أستضيف هنا الناقدة المصرية الشابة مروة سلامة في مقال حول الفيلم المغربي "الجامع".. لعلنا بذلك نفتح نافذة أمام ابداعات الشباب ونتواصل معهم من خلال هذه المدونة. نرحب بكل مساهمات يبعث بها الاخوة الأصدقاء، وكذلك الملاحظات والرسائل وسننشرها ونقوم بالتعليق عليها أولا بأول.
بقلم: مروة سلامة
في فيلم " الجامع " يصحبنا المخرج المغربي داود أولاد السيد إلي الجنوب المغربي وبالتحديد مدينة زاكورة قرية ورزازات، لينقل الواقع الذي يعيشه أهالي هذه المنطقة، التي شهدت إقبالا شديدا في الفترة الأخيرة من قبل شركات الإنتاج الأجنبي والمغربي أيضا لتصوير أعمالهم السينمائية بها، حيث يقوم أهالي القرية بإيجار أراضيهم لهذه الشركات. و رغم أن هذا الأمر قد أتاح العديد من فرص العمل مما ساهم في زيادة الدخل المادي لأهالي هذه المنطقة، إلا أنه أثر بالسلب علي البعض الآخر لإعتمادهم الكلي علي هذا العمل مع الزوار السينمائيين الوافدين عليهم وبالتالي لم يصبح لأحد منهم عمل آخر سوي الظهور كممثليين ثانويين في السينما بعد أن أصبح هذا العمل مصدر الدخل الوحيد لهم.
فيلم الجامع" يعد أمتدادا لفيلم في إنتظار بازوليني" للمخرج نفسه، الذي تم تصويره في القرية نفسها وبالإستعانة ببعض أفراد العمل .
تدور أحداث الفيلم حول أسرة بسيطة تعمل في مجال الفلاحة وزراعة التمور التي تشتهر بها هذه القرية، وفي أحد الأيام يقررمحمد أن يؤجر أرضه لإحدي الشركات السينمائية وللمخرج داود أولاد السيد ليظهر المخرج بشخصيته الحقيقية، و بالفعل تبني الشركة علي أرضه ديكور فيلم "في إنتظار بازوليني" ومن بين هذا الديكور يقومون ببناء الجامع، ومن هنا تبدأ المشكلة وتتولد الاحداث.
يصل داود أولاد السيد إلي منطقة زاكورة لحضور مهرجان السينما بها، ويتجول بسيارته في شوارع ورزازات باحثا عن محمد، وهو يستعرض حياة الناس بالقرية ويقف عند أرض محمد المقام عليها ديكور الجامع، يوقفه أحد الأشخاص كان قد ظهر معه ككومبارس في أحد الافلام ويطلب منه ألا ينساه في فيلمه القادم ، ويقابله شخص آخر ويطلب منه الطلب نفسه، تأكيدا من أولاد السيد علي الواقع الذي يعيشه أهالي المنطقة واعتمادهم علي العمل السينمائي.
وعندما يصل داوود الى منزل "محمد" يجده فى حالة من الحزن والضيق فيخبره بأنه لم يعد يرغب فى العمل بالسينما وحسبه ما لقى من مشاكل بسببها فيذكره بأنه وافق على تأجير أرضه له بعد أن وعده بأن تهدم كل الديكورات بعد إنتهاء التصوير، ثم ينهض "محمد" من مكانه ويقوم بعرض شريط فيديو يستعرض لحظة هدم كافة الديكورات بحضور فقيه القرية والمقدم وأهالى القرية وأنهم قد هدموا كل شئ ما عدا الجامع أو ديكور الجامع بمعنى أدق، وهو الأمر الذى سبب له الكثير من المشاكل فقد أصبح أهالى القرية يترددون عليه واعتبروه جامع القرية ولم يعد أحد يعترف بأنه قطعة ديكور.
ويلقى محمد اللوم على أولاد السيد الذي كان يحذره من ذلك الأمر أثناء التصوير، إلا أنه سخر منه ولم يصدق ان الأمور سوف تتعقد لهذه الدرجة التى يرفض فيها الناس هدم ديكور الجامع ورد الأرض لمالكها الحقيقى والتى تمثل مورد الرزق الوحيد بالنسبة له.
لم يجعل داوود حضوره فى الفيلم حضوراً مثالياً، ولم يكتب لنفسه فى هذا السيناريو دوراً حاسماً فى حل قضية البطل، بل اكتفى بأن يجعل نفسه بالنيابة عن السينمائين سبباً فى إحدي المشكلات التى يتعرض لها سكان هذه القرية بإعتبارهم يعتمدون عليهم كدخل مادى أساسى، فكأن داود ضلعاً أساسياً فى المشكلة التى ألمت بالبطل بعد أن إنتهى التصوير وأنه لم ينفذ وعده له.
لم يجعل داوود حضوره فى الفيلم حضوراً مثالياً، ولم يكتب لنفسه فى هذا السيناريو دوراً حاسماً فى حل قضية البطل، بل اكتفى بأن يجعل نفسه بالنيابة عن السينمائين سبباً فى إحدي المشكلات التى يتعرض لها سكان هذه القرية بإعتبارهم يعتمدون عليهم كدخل مادى أساسى، فكأن داود ضلعاً أساسياً فى المشكلة التى ألمت بالبطل بعد أن إنتهى التصوير وأنه لم ينفذ وعده له.
فقد تركه يواجهه مصيره مع سكان القرية دون تدخل منه فى حل مشكلته مما جعل محمد يحذر إبنته الكبرى عائشة من تكرار تجربة أبيها والعمل معهم فى السينما لأن أصحاب المهن السينمائية ليس لهم أمان بما فيهم داود .
يحاول محمد أن يجد حلاً لإسترداد أرضه، بعد أن فشلت مفاوضاته مع إمام الجامع، الذى كان يغيظه بإستمرار بحجة أنه لن يتمكن من هدمه، بعد أن صار جامعا حقيقاً تقام فيه الصلاة ويتردد عليه أهالى القرية، مما يدفع محمد لأن يذهب لمسجد آخر بالقرية ويسأل فقيه المسجد عن الحكم الشرعى لحالته وهل من الممكن هدم ديكور الجامع الذى اتخذه الناس مسجداً دون أن يحمل مواصفات شرعية أم لا؟ وبإستخدام اللقطة القربية"Close Shoot" على وجه محمد وهو فاتحاً فمه لتعجبه من جواب الفقيه، فيزل عليه كلامه كالصاعقة، يأتى المشهد بشكل ساخر لا يخلو من خفة الظل، فيفاجاً بالفقيه يتحدث معه عن فضل المساجد والثواب الذى يعود على الفرد من بناء مسجد وأنه بمثابة صدقة جارية فهذا كله كلام لا غبار عليه ومفروغ منه ولكنه ليس جامعا حقيقيا. كان هذا هو رده علي الشيخ الذي لم يجد له حلا سوي اعتبار أن الله قد ساق له هؤلاء السينمائيين ليأخذ ثواب بناء الجامع، وعندما يحاول أن يشرح له الأمر بصورة أخرى يتركه الفقيه بعد أن يحذره من هدمه، فيأتى فقيه آخر قد حضر النقاش ويطلب منه أن يرى الجامع بعينه ليعطيه الجواب الصحيح وعندما يذهب يفاجأ محمد بأن كلامه لم يختلف كثيراً عن الفقيه السابق وهذا ما جعل إمام الجامع يشعر بالزهو أمام محمد .
أجاد داوود الإسقاطات السينمائية فى الفيلم ففى هذا المشهد يترك كلاً من الإمام والفقيه الحكم فى القضية لحمد ويدخلان لقضاء الصلاة فى الجامع الوهمى من الباب الخلفى الخاص بالأجانب والذى يتضح فيه معالم الديكور الخشبى.
يعود محمد للتفكير فى شئ آخر وما أن يرى الجرافة حتى يتبادر إلى ذهنه أن يستغلها فى هدم هذا الجامع فيوقفها ويحاول أن يقنع صاحبه بأن يعاونه، فى البداية يغضب الرجل لأنه يريد هدم المسجد الذى يصلى فيه الناس، ولكن ما أن يعرض عليه مبلغا من المال الا ويوافق بأن يؤجرها له، ويقترح عليه بأن يبحث عن شخص آخر يقوم بعملية الهدم، فيأتى الحديث عن الشيخ "سلام" أحد رجال الدين فى هذه القرية وهو نموذج لرجل الدين المتسامح، فشخصيته علي النقيض تماما من إمام الجامع الوهمى، فما أن يذهب إليه محمد ويعرض عليه الامر يوافق على الفور ودون أى تردد، وعندما يصلان إلى الجامع يجدان جنازة يتقدمها الإمام، وقد حمل النعش ومن وراءه الناس وينظر إليهم فى تحد، ولا يستطع أحد الإقتراب من الجامع وهنا يصل المقدم ويأمر الشيخ سلام أن يعود من حيث أتى وإلا سيحدث مالا يحمد عقباه، ولكن الشيخ سلام يثور فى وجهه ويعترض على هذا الكلام ويقول له " ان للمساجد شروط شرعية وأنها لا تنطبق على هذا المسجد فهذا المسجد بنى من أجل السينما لذا فهو باطل، ولا يعتبر مسجداً حقيقاً لعدم توجيه الصومعة نحو القبلة " فيثير هذا الكلام غضب المقدم ويستغل سلطته القانونية ويقف امامه بإسم القانون ويأخذ من محمد هويته الشخصية ويأمره بالذهاب للتحقيق معه فى مكتبه .
البيروقراطية وضياع الحقوق
يحاول محمد أن يجد مخرجاً قانونياً لمشكلته فيذهب للمقدم ويخبره أن قضيته ليست سهلة وأنه يعرف أخبار الجميع فى هذه القرية ولا يخفى عليه شئ ، فيخرج أوراقا من مكتبه تتضمن إذن التصوير من قبل مركز السينما فى الرباط ، فيخبره بأن هذه الرخصة تعطي لفريق العمل الحق في بناء الديكورات اللازمة لتصوير الفيلم بما فيها ديكور الجامع، وهنا يستبشر محمد وكأنه وجد الحل، لكن المقدم يفاجئه بأن هذه الرخصة للبناء وليست للهدم ولذا فعليه أن يحضر رخصة للهدم فهذه المفارقة هى ما تدعوه للضحك والسخرية فى الوقت نفسه، ويتعجب محمد لماذا لا يعطى له هذه الرخصة ؟ فيجيب المقدم أنها ليست من إختصاصه وأن عليه الذهاب بنفسه الى مركز السينما فى الرباط ، فيقدم داوود هذا المشهد بالشكل الساخر من تلك الاوضاع الروتنية التى سئمنا منها فى أوطاننا العربية بل الأكثر من ذلك أن المقدم ينصحه بجدية ببيع الموتوسكيل الخاص به ليتمكن من السفر لإحضار تلك الورقة، وإلا فلن يعود له حق فى إستراد أرضه. يعود محمد مرة أخرى إلى الشيخ "سلام" يطلب منه أن يكتب له شكوى لتقديمها إلى مركز السينما ليشرح فيها ما لحق به من ضرر حيث أصبح هذا المسجد مزاراً سياحياً للأجانب من كل مكان.
وفى أحد المشاهد الساخرة فى الفيلم يصور داود الإمام وهو ينظر فى دهاء إلى جماعة من الأجانب ويملئ عينيه الطمع فما أن يراهم يجري ليدخل إلى المسجد ليرتدى زى الجنرال الرومانى الذى ظهر به فى فيلم "فى إنتظار بازولينى" ويتسابق الأجانب للوقوف إلي جواره وإلتقاط صور تذكارية معه.
لم تكن شخصية إمام الجامع الشخصية الوحيدة التى تتمتع بالإنتهازية فى الفيلم فتظهر أيضا شخصية السياسى مرشح المجلس الذى يستغل إمام هذا الجامع فى الوصول إلى أكبر عدد من الناخبين. وقد صور "داوود " هذه الشخصية تصويراً حقيقيا تماما ًكما نراها فى أرض الواقع.
نجد أن المشاكل في الفيلم إنحصرت في مشكلتين: مشكلة البطل و الجامع، ومشكلة الزوجة "سعدية" (بشري أهريش) وختان إبنها "عمر"، فنجد أن الزوجة أنهت مشكلتها بنفسها بذهابها بمفردها لإجراء العملية لإبنها دون علم الزوج المشغول دائما بمشكلته الخاصة، بينما ظل هو عاجزا عن حل مشكلته. لم يستطع أحد التفرقة بين النجمة المغربية (بشري) و بين سكان القرية الحقيقيين الذين شاركوا في الفيلم، سواء في الملابس، الماكياج ،الإكسسوارات مما أضفي مصداقية علي العمل الفني. كما كان أداء الفنان مصطفي تاه تاه لدور إمام الجامع المستغل ،أداءا متميزا، فقد طوع ملامح شخصيته بشكل موفق لأداء شخصية الشرير بطريقة لا تخلو من خفة الظل. من ناحية أخري فإن حضور داود في الفيلم أوضح مدي بساطته وروحه الجميلة مع فريق العمل، مما يؤثر علي نجاحه فيما بعد.
نجد أن المشاكل في الفيلم إنحصرت في مشكلتين: مشكلة البطل و الجامع، ومشكلة الزوجة "سعدية" (بشري أهريش) وختان إبنها "عمر"، فنجد أن الزوجة أنهت مشكلتها بنفسها بذهابها بمفردها لإجراء العملية لإبنها دون علم الزوج المشغول دائما بمشكلته الخاصة، بينما ظل هو عاجزا عن حل مشكلته. لم يستطع أحد التفرقة بين النجمة المغربية (بشري) و بين سكان القرية الحقيقيين الذين شاركوا في الفيلم، سواء في الملابس، الماكياج ،الإكسسوارات مما أضفي مصداقية علي العمل الفني. كما كان أداء الفنان مصطفي تاه تاه لدور إمام الجامع المستغل ،أداءا متميزا، فقد طوع ملامح شخصيته بشكل موفق لأداء شخصية الشرير بطريقة لا تخلو من خفة الظل. من ناحية أخري فإن حضور داود في الفيلم أوضح مدي بساطته وروحه الجميلة مع فريق العمل، مما يؤثر علي نجاحه فيما بعد.
كان لعشق أولاد السيد للتصوير الفوتوغرافي أثره في أفلامه فكل لقطة عنده لتعد صورة فوتوغرافية تلتقط الأوضاع المحيطة بحلوها ومرها ، لأن الصورة نابعة من الواقع فهي لا تكذب ولا تتجمل، ل تصور حياة البسطاء وديارهم وتجمع النساء لغسيل ملابسهم عند النهر، وحفلات الختان، الرقصات الشعبية، كل ذلك يعرضه بعدسته دون إسترسال في الحوار، ليترك المشاهد يري ويحكم بنفسه علي ما يراه، إلي جانب تقديمه لأفكاره برؤية كوميدية ساخرة.
فيلم الجامع" يحمل فكرة بسيطة يعرضها أولاد السيد دون تحذلق، ويدعو من خلالها لإعمال العقل.
Labels:
نقد أفلام
الأربعاء، 19 يناير 2011
حول فيلم "أشباح جويا"
ضياع الموهبة: حالة ميلوش فورمان
شعرت بنوع من الحسرة وأنا أشاهد فيلم "أشباح جويا" Goya’s Ghosts للمخرج التشيكي الأصل، الأمريكي الجنسية، ميلوش فورمان. فهذا المخرج الكبير (مواليد 1932) من أولئك السينمائيين الذي فتحنا أعيننا على موهبتهم الكبيرة الشاهقة، منذ أن كان الراحل الكبير فتحي فرج يأتينا بروائع السينما التشيكية الجديدة في السبعينيات من خلال عروض شبكة نوادي السينما المصرية التي لم يعد لها وجود حاليا في ظل تدهور الوضع الثقافي العام وانكفائه على فكرة "الاحتفالية" الدعائية الدائمة.
كانت أفلام فورمان الأولى التي أخرجها في تشيكوسلوفاكيا مثل "بيتر وبافلا" و"غراميات شقراء"، ثم فيلمه الأشهر "حفل رجال الإطفاء" الذي رشح للأوسكار عام 1968، أعمالا ملهمة، سواء في حداثة الأسلوب وطزاجته، أو جرأتها في التعامل مع المادة السينمائية رغم أنف الرقابة المشددة التي كانت قائمة، واستخدام المستويات المتعددة، من أجل تقديم رؤية ساخرة شديدة الهجائية للسيطرة الحزبية البيروقراطية على مصائر الأفراد، والتعريض بها وتحويلها الى عرض ساخر satire يمتليء بالابتكار وبالخيال الخصب المجنون الذي قد يصل الى حدود السيريالية.
هاجر فورمان بعد وقوع الغزو السوفيتي للأراضي التشيكية عام 1968 الى الولايات المتحدة حيث لايزال يعيش ويعمل حتى اليوم. وهناك أخرج عددا من الأفلام التي استقبلت استقبالا حافلا وتوجت بالعديد من الجوائز، كان أولها "طار فوق عش الوقواق" One Flew Over the Cuckoos’s nest عام 1975 (أول الأفلام "الكبيرة" التي وضعت الممثل جاك نيكلسون في دائرة الضوء)، ثم "الشعر" Hair عن المسرحية الانجليزية الشهيرة التي اعتبرت بداية حركة التمرد الجديدة في المسرح (1979)، ثم "أماديوس" (1984).
أخرج فورمان بعد ذلك ثلاثة افلام أخرى تراوحت في مستوياتها، وإن لم تخفق تماما، منها فيلمه الشهير "الشعب ضد لاري فلينت" The People vs. Lary Flynt الذي حقق نجاحا في السوق الأمريكية، وفيه يتناول قصة حياة ناشر مجلات العري "البرونوجرافيا" الشهير لاري فلينت الذي أطلق عليه مجهول الرصاص عام 1978 فأصيب بشلل نصفي وظل حتى يومنا هذا مقعدا.
وكان آخر ما أخرجه ميلوش فورمان من أفلام هذا الفيلم "أشباح جويا" عام 2006، عن سيناريو اشترك في كتابته مع جان كلود كارييه الذي تعاون مع السيريالي العظيم لوي بونويل في كتابة عدد من أهم أفلامه، كما كتب أيضا السيناريو لبعض الأفلام التي تعد من "العلامات" في تاريخ السينما الفنية مثل "الخفة غير المحتملة للوجود" The Unbearable Lightness of Being الذي أخرجه الأمريكي فيليب كوفمان، و"الطبلة الصفيح" The Tin Drum لشلوندورف الألماني، وقد كتب أيضا سيناريو فيلم "فالمونت"Valmont لميلوش فورمان نفسه، وهو فيلمه الذي سقط سقوطا كبيرا (1989) وكان مقتبسا عن المسرحية نفسها التي أعد عنها الفيلم البريطاني الشهير "علاقات خطرة" Dangerous Liasions الذي أخرجه ستيفن فريرز عام 1988 وتفوقت جلن كلوز Glen Close في أداء الدور الرئيسي فيه (أين أصبحت الآن بالمناسبة؟).
أما "أشباح جويا" الذي شاهدته أخيرا فقط ولم أكن قد لحقت به وقت ظهوره قبل نحو 4 سنوات، فممن الممكن القول انه يجسد "انتحار موهبة"، والمدهش تماما أن أهم عيوب الفيلم تتركز في السيناريو الذي اشترك فيه كارييه العظيم. كيف كان هذا؟ بل وكيف "تورط" فورمان في وصفة انتحارية على هذا النحو؟
أحداث السيناريو تدور خلال سنوات الثورة والغزو والحروب ومحاكم التفتيش الثانية في اسبانيا، زمن الثورة الفرنسية، ثم غزو جيش نابليون بونابرت لاسبانيا، ثم الغزو البريطاني الذي يطرد الفرنسيين بعد سلسلة من الحروب الشهيرة في شبه جزيرة أيبيريا، وما بين هذه الأحداث، تقع الكثير من التجاوزات، تولد مصائر، وتختفي شخصيات، لتعود مجددا، ونشهد ثلاثة أجيال من نسل امراة واحدة هي "إنيس" التي تقوم بدورها ناتالي بورتمان، كما تقوم بدور ابنتها "أليثيا"، في حين يقوم بدور القس الذي يتحول الى ثائر على الكنيسة الكاثوليكية حتى النهاية، الممثل الاسباني خافيير بارديم، ويقوم الممثل السويدي ستيلان سكارجارد بدور جويا.
ولعل من أكثر الأشياء مدعاة للشعور بالإحباط بعد مشاهدة هذا الفيلم، أنه يضيع ببساطة، فرصة ثمينة للتعامل الجاد مع شخصية الرسام الشهير فرنشيسكو جويا، فهو يتراجع هنا كشخصية درامية ثرية كان يمكن أن تحرك الاحداث، ليصبح مجرد ديكور خلفي يظهر أحيانا وسط الاحداث، يشهد عليها دون أن يتدخل فيها. ولذلك يمكن القول إن هذا أقل الأعمال السينمائية التي تعرضت لمشاهيرالرسامين.
إن جويا نفسه بهذا المعنى، يصبح "شبحا" في الفيلم، بل وحتى لوحاته الشهيرة لا نجد لها وجودا حقيقيا في حين يطرح كارييه- فورمان في الفيلم قضية أخلاقية تدور حول استخدام الفكر الديني كمبرر للقمع، لممارسة الاضطهاد السياسي والفكري، وكيف تتحول المؤسسة الكاثوليكية (كمؤسسة تقوم على اليقين الأيديولوجي المطلق) إلى مؤسسة قمعية، تكذب، وتلفق، وتسفك الدماء، بل ويمارس رموزها أبشع أنواع الاغتصاب والتستر والقتل.
ولعل الشخصية التي تجسد هذا المعنى أكثر من غيرها في الفيلم هي شخصية فرنانديز، القس الذي يرسم له جويا لوحة "بوتريه" خاصة في بداية الفيلم. وعلى حين يستنكر الأسقف وأتباعه هذا التصرف بدعوى أن جويا يسخر في رسومه من رجال اللاهوت، يدافع عنه فرنانديز لكنه سرعان ما يطرح نفسه مدافعا متشددا عن القيم الكاثوليكية، ويطالب بإعادة الوسائل والأساليب التي كانت سائدة في عهد محاكم التفتيش الأولى، أي التعذيب والتنكيل بكل من تتشكك الكنيسة في ولائه لمبادئها، حتى لو كانت تعلم ببرائته، بغرض التخويف والإرهاب، لإبقاء الحال كما هو.
فكرة استخدام التاريخ كخلفية لأحداث درامية مصنوعة سرعان ما تكشف عن تورط في نوع من الميلودراما التقليدية التي تمتليء بالمبالغات والتكرار والإطالة والمصادفات العديدة، مما يجعل متابعة الفيلم عملا ثقيلا.
فرنانديز يطمع في جسد الفتاة الحسناء "إنييس" رمز البراءة التي يرى لوحة لها في مرسم جويا في البداية، فيأمر رجاله بمتابعتها فيقبضون عليها ويجري التحقيق معها باستخدام أقسى وسائل التعذيب، لكي تعترف بأن رفضها تناول لحم الخنزير يعني أنها يهودية متخفية (دون أن تكون كذلك)، ويلقون بها بالتالي في السجن. ولكن أسرتها الثرية تستدرج فرنانديز عن طريق صديق الأسرة "جويا" الى حفل عشاء في منزل الأسرة حيث يتم ترويعه وإرغامه على التوقيع على وثيقة يعترف فيها بأنه تسلل إلى الكنيسة لتخريبها، وتهديده بأنهم سيسلمون الوثيقة الموقعة بخط يده الى الأسقف، ما لم يساعد على اطلاق سراح ابنتهم. غير أن الرجل يقوم باغتصاب الفتاة عدة مرات في السجن، ويهرب الى فرنسا، ثم يعود مع الجيوش الفرنسية وقد تبرأ من عمله الكنسي وأصبح من الداعين إلى مباديء الثورة الفرنسية، مناهضا للكنيسة، مستنكرا ماضيه دون ان يجرؤ على مواجهة نفسه بما ارتكبه في حق أنييس.
وتكون اينييس قد أنجبت منه طفلة في السجن، ومع اطلاق سراحها بعد دخول الفرنسيين، تذهب للبحث عن ابنتها التي أنتزعت منها قبل 15 عاما، ولكنها لا تعثر عليها بل يعثر عليها جويا ويكتشف انها تعمل "عاهرة"، وينبه الفاريز الذي يريد ارغامها على الذهاب ضمن العبيد الى أمريكا، الا أنها تفلت، ومع دخول القوات البريطانية وانسحاب الفرنسيين، تعود الكنيسة الى قوتها، ويسترد الأسقف مكانته، ويتم القبض على الفاريز والحكم عليه بالاعدام دون أن تبدو عليه اي علامة من علامات "الندم"، ويموت بينما يرى أمامه ابنته في صحبة ضابط بريطاني، في حين يسجل جويا بريشته الحدث.
الخطاب الأخلاقي وحده لا يصنع هنا فيلما عظيما، بل إن فورمان يبدو وقد فقد كل تألقه السابق، كما فقد قدرته حتى على إدارة طاقم تمثيل دولي في فيلم اسباني ناطق بالانجليزية. ورغم ما بذله الممثل السويدي في دور جويا الا انه بدا شاحبا مرتبكا، كما بدا خافيير بارديم نمطيا جامدا، وتلعثمت ناتالي بورتمان واتسم أداؤها بالمبالغة في دوري انييس واليثيا. معا.
لقد أراد فورمان أن يتعامل مع لقطات ومشاهد فيلمه كما لو كانت تنتمي الى تلك المرحلة "الرومانسية" الشهيرة في حياة جويا الفنية، لكن الفيلم جاء رغم الاهتمام الكبير بمصادر الضوء، وبالتكوين في اللقطات، باردا يفتقد الى الحرارة والحيوية بل والحبكة الدقيقة التي لا تمتليء بالشخصيات التي تخرج هنا كما دخلت، تظهر ثم تموت، أو تصبح منسية، أو تبدو في الخلفية عاجزة عن الفعل.
ولا تقول لنا نهاية فيلم "أشباح جويا" سوى أن جويا يكتفي بالرصد والتسجيل، كما لو كان الفيلم يريد أن يقول لنا أن الفنان عموما لا دور فاعلا له في الواقع سوى المتابعة والرصد، بل ان السيناريو الذي يتبناه بالكامل فورمان، يجعل الفاريز (الشخصية السلبية تماما في الفيلم) يوجه له في احد المشاهد انتقادات حادة عندما يتهمه بأنه يرسم لمن يدفع، اليوم للملوك الاسبان ثم للفرنسيين، وبعد ذلك يتوقع أن يوظف موهبته في خدمة الانجليز. أي أن جويا لا موقف له، ولا دور، ولا فائدة أصلا في مسار الأحداث، فهل هذا الموقف العبثي من الفنان ودوره خلاصة ما توصل إليه الفنان الكبير ميلوش فورمان بعد أن بلغ ذروة اليأس من تغيير العالم!
Labels:
نقد أفلام
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)
جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com