الأحد، 5 سبتمبر 2010

يوميات فينيسيا 4: بين السياسي والنفسي والفلسفي

من فيلم "سيرك كولومبيا"

شاهدنا حتى كتابة هذه السطور 11 فيلما من أفلام المسابقة الـ24، ولاشك أن معظم هذه الأفلام مثيرة للكثير من الاهتمام، كما أنها تتنوع في اهتماماتها ما بين البحث في أغوار النفس البشرية، ومحاولة البحث عن جسر للتواصل بين البشر، وفهم الإنسان لنفسه، لماضيه وللبشر من حوله، وأيضا البحث في القضايا السياسية مثل القضية الفلسطينية كما في فيلم "ميرال"، وموضوع الديكتاتورية العسكرية في علاقتها بالفرد، بالإنسان، كما في فيلم "تشريح الجثث" Postmortum من شيلي الذي أعتبره إحدى التحف السينمائية التي كشف عنها مهرجان فينيسيا هذا العام مع التحفة الأخرى من روسيا "أرواح ساكنة"، و"الغابة النرويجية" من الإنتاج الفرنسي للمخرج الفيتنامي تران أن هونج الذي صوره في اليابان.
ولاشك أن هذه الأفلام البارزة تستحق نقدا تفصيليا للكشف عن كنوزها وأسباب سحرها وتفردها الفني.
أما خارج المسابقة فقد لفت الانتباه بقوة الفيلم البوسني (من الاإنتاج المشترك مع بلجيكا وفرنسا وبريطانيا) أي فيلم "سيرك كولومبيا" Cirkus Columbia للمخرج دانيس تانوفيتش صاحب الفيلم الشهير "أرض محايدة" No Man’s Land الحاصل على الأوسكار لأحسن فيلم أجنبي من عام 2001.
والفيلم الجديد تعليق درامي- كوميدي ساخر أيضا عن التمزق السياسي الذي يؤدي إلى النزاع المسلح في يوغسلافيا والبوسنه، وهو ينتقل من العلاقات العائلية إلى العلاقات بين أبناء الوطن الذي كان واحدا ثم بدأ يتمزق في أوائل التسعينيات، وهي الفترة التي يغطيها الفيلم البديع.
استمتعت أيضا كثيرا بفيلم "أرواح ساكنة" الذي أخرجه الروسي ألكسي فيدورشينكو، بحساسية خاصة، ومن خلال شكل في السرد يقتحم منطقة جديدة في لغة السينما، ويجرب، ويفتح المجال للمزج بين التسجيلي والخيالي، وبين العالم الداخلي، عالم الروحانيات، والتقاليد الشعبية الخاصة التي تعود لمئات السنين من التراكمات، وبين الوفاء للزوجة بعد الوفاة، وكيف يدفع هذا الوفاء المرء لبذل كل ما يمكنه من أجل أن يحقق للروح التي صعدت لتوها، الراحة والسكون من خلال تلك التقاليد المتعارف عليها. ولاشك أن الفيلم يستحق وقفة خاصة قريبا على هذه الصفحة لما فيه من لحظات خاصة بالتأمل في علاقة الموت بالحياة.

طاقم فيلم "امرأة" الإيطالي

خارج المسابقة أيضا وفي إطار برنامج "السينما الإيطالية المعاصرة" شاهدت فيلم "امرأة" A Woman لمخرجة إيطالية شابة (30 عاما) هي جيادا كولاجراندي، وبطولة وليم دافو وجيس ويكسلر. وهو فيلم ناطق بالانجليزية وتدور أحداثه بين أمريكا وايطاليا، وموضوعه من نوع الدراما النفسية المعقدة، ويبحث في خصوصية أو بالأحرى، ازدواجية عالم المرأة، رغبتها في الحب، اندفاعها من أجل ارضاء الحبيب، وفي الوقت نفسه، الخوف من المستقبل، والقلق من الحاضر، ومحاولة التأمل في الموت، ومغزى الروح، وعلاقة الروح بالماء، تماما كما يتردد في فيلم "أرواح ساكنة".
وجدير بالذكر أن برنامج "السينما الإيطالية المعاصرة" يشمل عرض 30 فيلما من الأفلام الإيطالية الروائية الطويلة.
ولعل ما يميز هذه الأفلام التي ذكرتها جميعا، الرقة البالغة التي يتعامل بها مخرجوها مع الموضوع، والبحث عن أشكال جديدة في السرد، والجرأة الشديدة في التعبير، بالجسد، عن عذابات الروح أحيانا، وبالبحث في أعماق الصورة ومحاولة النفاذ من خلال الصور إلى عالم النفس البشرية من الداخل، وعدم الاكتفاء بالوقوف على السطح.

السبت، 4 سبتمبر 2010

يوميات فينيسيا 3: في مكان ما.. معروف لكن غير محدد


مازال الوقت مبكرا كثيرا للحكم على أفلام مسابقة المهرجان. وتقييم المسابقة جزء أساسي من عمل أي ناقد، ومطلوب، وليس فقط الكتابة المتفرقة عن الأفلام خارج السياق الذي تعرض فيه، وحكمنا على قيمة أي مسابقة لا ينبع من الجري وراء الصرعات الصحفية، أو التنبؤات الإعلامية السطحية، أو حتى مجرد التعامل الخارجي المظهري مع الحدث، ولكن الرغبة في التعلم والاستفادة من التجربة، واطلاع القاريء المهتم، على الأسس التي نحكم من خلالها على نجاح المسابقات بين الأفلام في هذا المهرجان أو ذاك. وإلا فما فائدة مشاهدة الأفلام في سياق مسابقات محددة، تحكمها اختيارات محددة، وتحصل في النهاية الأفلام الفائزة طبقا للجنة تحكيم محددة ومعروفة سلفا، على جوائز محددة!
هناك حتى الآن، تنوع واضح في الأفلام والاتجاهات الفكرية، رغم غلبة تيمة البحث عن معنى في عالم فقد فيه الكثير من الأشياء المعنى والهدف.
هذا المفهوم العام المشترك، تشترك فيه أفلام من روسيا، ومن فرنسا، ومن أمريكا، ومن اليابان.
هذا "الضياع" أو ضياع المعنى، إذا جاز التعبير، أو الإحساس بالاغتراب عن الواقع يتجسد تماما في فيلم المخرجة صوفيا كوبولا الجديد "في مكان ما"، وهو عنوان مجرد لموضوع فيه أيضا الكثير من عناصر التجريد رغم أنه يعرض لجوانب انسانية في سياق أقرب إلى السيرة الذاتية.
علاقة فتاة صغيرة في العاشرة من عمرها، بوالدها النجم السينمائي الشهير، الذي يتحول إلى كيان فاقد للإحساس بما يجري حوله فقد أصبح عبدا في آلة جهنمية تجعله يجاهد لكي ينتزع فرصة للاختلاء بابنته وقضاء بعض الوقت في نزهة بريئة معها، ويلجأ من أجل ذلك إلى الفرار من ملاحقيه: من الإعلام إلى الفتيات طالبي الشهرة، إلى الإغواء المتمثل في الجنس، إلى حياة القلق والتوتر التي تجعله يستأجر فتاتين متشابهتين في كل شيء لتأدية عرض جنسي مثير كل ليلة، فقط من أجل أن يستطيع الاسترخاء ثم النوم.
الأرق هي السمة المميزة لهذه الشخصية التي تتأملها الابنة في نضج وفهم كبيرين، ودون أن تفقد أبدا حبها له. وفي لحظة تألق ما تلمع في ذهنه، يقرر الأب أن يعيش مع هذه الابنة الرائعة أجما أوقات حياته قبل أن يودعها.

فيلم شخصي حميمي يطرق بابا جديدا في العلاقة بين الأب والابنة، وبين الفنان الذي يحتاج إلى الهدوء والاسترخاء لكنه يجد نفسه أيضا مستلبا بالإغواء الجنسي تارة، وأضواء الإعلام ونمط حياة المشاهير تارة أخرى.
وهناك سخرية من الإعلام السائد في إيطاليا التي يتنقل لها البطل حيث يحتفى به، ومن الطابع الذي خلقته ورسخته تحديدا الشبكات الاعلامية التي يمتلكها سلفيو بيرلسكوني، رغم حصول الفيلم على تمويل من شركته "ميديا ست".
معالجة صوفيا كوبولا للموضوع تأتي في إطار خفيف، يغلب عليه الطابع الكوميدي والمبالغات، سواء في رسم المواقف، أو في أداء الشخصية الرئيسية ومن حولها، لكن تحت جلد الكوميديا في الفيلم، تنبع الكثير من المواقف الانسانية العذبة. وهذا هو ما يبقى من الفيلم في النهاية.

الخميس، 2 سبتمبر 2010

يوميات فينيسيا 2: "البجعة السوداء" تشوش المعالجة أضاع الفكرة



فيلم الافتتاح في دورة مهرجان فينيسيا هذا العام هو الفيلم الأمريكي المنتظر "البجعة السوداء" للمخرج المتميز دارين أرونوفسكي، صاحب فيلم "المصارع" الذي شاهدناه هنا قبل عامين، واستطاع أن ينتزع الأسد الذهبي.
لكن شتان ما بين الفيلمين، فعلى حين كان "المصارع" فيلما محدد المعالم، يستند عظم الدراما فيه إلى بناء قوي، شخصياته محدودة ومحكمة وواضحة المعالم والدوافع، تشترك معا في ذلك الإحساس بعدم التحقق، وبالافتقاد إلى الآخر، يعاني فيلم "البجعة" من سيناريو متعدد الشخصيات، محير ومربك في بنائه، ملييء بالعثرات الدرامية، والسقطات في أسلوب الإخراج، فأنت لا تعرف ما إذا كانت تشاهد فيلما من نوع الدراما النفسية، أو من أفلام الرعب، أم الثريلر (أو فيلم الاثارة والترقب)، أو الفيلم الاستعراضي الراقص!
صحيح أن تعدد المستويات يكسب أي فيلم ثراء، لكن ما هو موجود هنا ليس تعدد مستويات في السرد أو في التكثيف الدرامي للشخصيات، وخصوصا الشخصية الرئيسية وهي (نينا- ناتالي بورتمان)، بل هو اضطراب في المعالجة، في السيناريو وفي الإخراج.
المرء يحتار في تفسير سبب اختيار أرونوفسكي هذا الموضوع المربك في الأساس؟ ربما تكون جاذبية عالم الباليه، وما يوحي به من غموض ممزوج بالسحر، بالصراع الداخلي، أي داخل النفس.

والموضوع هو باختصار وبساطة، يدور حول الراقصة الشابة الطموح (نينا) التي تتطلع للحصول على لقب نجمة الفرقة، وأن تضطلع ببطولة العرض القادم للمخرج الطموح توماس الذي سيقدم فيه معالجة جديدة للباليه الروسي الشهير "بحيرة البجع" الذي وضع موسيقاه الموسيقار العبقري تشايكوفسكي (1875-1876). ولكن توماس رجل سمعته تسبقه، فمعروف عنه أنه يقيم علاقات جنسية مع بطلاته. وهو يحاول إقامة مثل هذه العلاقة معها، لكنها ترفض، ليس من زاوية الكرامة، بل لأنها لا تشعر بالجنس كما تشعر به أي فتاة عادية بسبب عقدها الشخصية. ويدفعها توماس إلى التعرف على جسدها، فتمارس الاستمناء، لكن حتى هذه العادة لا تكتمل بسبب عقدة الاحساس بالقهر والخوف من الأم، ويتضح أن الأم كانت ضحية علاقة لم تكتمل مع رجل هجرها، قبل أن تنجب ابنتها التي تخاف عليها كثيرا، وتحاصرها، تريد أن تعرف كل خطوة من خطواتها وتمارس عليها القمع الشديد أحيانا بدافع خوفها هذا، فهي لا تريدها أن تلقى المصير نفسه الذي لقيته.
بعد ذلك، أو انطلاقا من هذه العقدة، تتقاطع الكثير من مشاهد الخيال، مع مشاهد الواقع، فنينا تتخيل أن هناك فتاة منافسة في الفرقة تريد الحصول على الدور الرئيسي وحرمانها منه، ولذلك لا تتردد في اقامة علاقة جنسية كاملة مع توماس، كما تنجح في إغواء نينا نفسها، وتمارس معها السحاق تحت تأثير المخدر، ثم تحصل على الدور، لكن نينا تقتلها وتخفي جثتها، وعندئذ تتحرر وتؤدي العرض الأول لها في دور البجعة السوداء، التي تختلف تماما في عنفوانها عن باقي البجع (الأبيض)، وتنتج وينجح العرض وتعود نينا إلى نفسها وتوازنها بعد أن قتلت في داخلها تلك النرجسية، وذلك القمع الذي تفرضه على نفسها وعلى رغباتها.
في خضم هذا الموضوع هناك عشرات الاستطرادات، والتفاصيل، كما أن هناك تكرارا، وثرثرة بصرية، وميلا إلى النقلات السريعة بين مشاهد لا يمكن للمتفرج أن يعرف مبكرا في الفيلم، ما اذا كانت تدور في الواقع أم في الخيال، بل والأهم، أننا لا نستطيع أن نتعاطف مع الشخصية الرئيسية، ولا أن نفهم سر أزمتها تماما، ولا نفهم لماذا يصدمنا المخرج بين حين وآخر، بما حل عليها من تطور بيولوجي (مثير لتقزز المتفرج)، يجعل جلدها ينتزع بسهولة أو يتقشر، ويجعلها تنزف من أماكن متعددة في جسدها، بل ونراها في أحد المشاهد وقد انكسرت ساقاها، وعندما تغلق الباب على يد أمها، نرى الأم في المشهد التالي وهي سليمة تماما. وهكذا، يساهم هذا المزج المتكرر بين الواقع والخيال، في تشتيت التركيز لأنه مصنوع بطريقة رديئة، أي أنه غير مركب معا ببراعة وفي إيقاع مناسب، يتيح لنا الفرصة للتأمل ولو قليلا، في أزمة تلك الفتاة.
نينا تنزع أيضا بعض الريشات السوداء التي تنبت داخل جلدها، دلالة على أنها بدأت تصاب بهلوسات، تتخيل فيها نفسها وقد أصبحت بجعة، ونكتشف أن النزيف الجلدي الذي قد يكون سببه حك الجلد بالأظافر، قد يكون خيالا أو تجسيدا جسمانيا للاضطراب النفساني، كما لو أن جلد نينا قد أصبح جلدا رقيقا مثل جلد البجعة. بل إننا نراها في المشاهد النهائي وهي ترقص وقد نبت لها جناحان من الريش الأسود تماما مثل جناحي البجعة!
صحيح أن ناتالي بورتمان نجحت كثيرا في التعبير عن تمزق الشخصية، كما نجحت باربره هيرشي في دور الأم، وفنسنت كاسل في دور توماس، وصحيح أن هناك الكثير من المشاهد الجيدة التنفيذ في الفيلم، وصحيح أن المشاهد الأخيرة للاستعراضات تسحر الألباب، لكن المشكلة أن كل هذه العناصر، لم توضع وتولف وتوظف معا في إطار يتمتع بالوحدة الفنية، والسبب، يعود في رأيي إلى ضعف السيناريو وخلوه من الأبعاد التي يمكن أن تساعد على تكثيف الدراما أكثر، كما كان الحال في "المصارع"، فأفلام من هذا النوع تحمل عادة رؤية ما أو فلسفة إنسانية معينة، من وراء تصوير تلك الشخصيات، لكنها لا توجد هكذا من فراغ، وتذهب بالتالي، إلى الفراغ!

الأربعاء، 1 سبتمبر 2010

يوميات فينيسيا 1: "الأكورديون" يعرض في غياب جعفر بناهي


  • افتتاح "أيام فينيسيا" يتحول إلى مظاهرة سياسية ضد إيران

    على العكس من كل التقارير الاخبارية التي بثت ونشرت خلال الأيام الأخيرة، والتي تؤكد على حضور المخرج الإيراني جعفر بناهي (50 سنة) الدورة 67 من مهرجان فينيسيا السينمائي (المعروف باسم الموسترا ديلا تشينما، أي معرض السينما) لم يتمكن بناهي من مغادرة إيران بعد أن رفضت السلطات السماح له بالسفر لحضور العرض العالمي الأول لفيلمه القصير "الأكورديون" الذي عرض الأربعاء الأول من سبتمبر في افتتاح القسم الذي يعرف باسم "أيام فينيسيا" (أو أيام المؤلفين) مع الفيلم الفرنسي الروائي الطويل "ضجيج الثلج" للمخرج الشهير برتران بلييه الغائب عن السينما منذ خمس سنوات.
    قام بتقديم الفيلم الإيراني القصير أحد زملاء وأصدقاء بناهي وهو يعيش في أمريكا، وأخذ يلقي كلمة طويلة أطول من الفيلم نفسه، وجه خلالها انتقادات للنظام الإيراني، وطالب بحرية التعبير وقال إن السلطة الإيرانية تعتبر مشاهدة الأفلام في دار العرض جريمة (يقصدد اجتماع الرجال والنساء في ظلام القاعة!)، كما طالبها باطلاق حرية بناهي في السفر، وأخذ يصول ويجول والجمهور يصفق، ثم بدأ يقرأ كلمة أو رسالة أرسلها بناهي من ايران إلى جمهور المهرجان، ثم يتناول مدير التظاهرة الميكروفون ويلقي هو الآخر كلمة حماسية. وأخذت أتطلع حولي وربما ظننت في لحظة أنني قد اكون الوحيد الذي لا يشارك "القطيع" التصفيق والتهليل، ليس لأنني من أعوان أو أنصار أو مؤيدي نظام الملالي الفاشي في إيران، فلاشك عندي في قمعيته ودمويته واحتكاره الحديث باسم الحقيقة المطلقة، واليقين المطلق، ويكفي أنهم يطلقون على شيوخهم الكبار "آيات الله" و"روح الله" وما إلى ذلك من هذه التخاريف والخزعبلات!
    لكني في الواقع أرفض أن تستخدم إيران، كما كان يستخدم الاتحاد السوفيتي في الماضي (مع الفارق بينهما بكل تأكيد) ككبش فداء من أجل البقرة المقدسة أي إسرائيل، التي جعلت من إيران في المحيط الدولي شيطانا رجيما فقط لأن إيران ترغب في الحصول على تكنولوجيا نووية!
    وهذا هو المغزى الخطير في التهليل والتصفيق الذي يجري في فينيسيا باسم الحق والعدل والديمقراطية والسلام، بينما تترك إسرائيل تعربد منذ سنة 1948 دون أي تظاهرة مشابهة في فينيسيا أو غيرها، بل وقد تجرأ اللوبي الموالي لإسرائيل، تلك الدويلة اللعينة التي تجسد كل ما هو شرير في التاريخ البشري، التي ابتلي بها الشرق الأوسط، ووضع صورة فوتوغرافية كبيرة للجندي جلعاد شاليط، فوق تمثال الحياة الشهير الموجود في أهم ساحة تاريخية في روما، وهي الساحة التي صممها مايكل أنجلو، مع ما في الصورة الحديثة لهذا الجندي التافه من إهانة لكل التاريخ الروماني وتاريخ عصر النهضة، الألأمر الذي دفعني عندما كنت في زيارة إلى روما أن أدخل إلى المتحف الموجود في تلك الساحة وأتحدث مع المدير قائلا له إنني لاحظت وجود صورة لشخص مجهول تشوه الساحة، فهل الذين علقوها استأذنوا منكم فما كان منه الا أن قال لي إن البلدية هي التي سمحت بتعليق هذه الصورة. فعدت أقول له: وهل هذا بطل قومي روماني، وهل يحق لكل انسان (عملا بالديمقراطية) أن يعلق صورة بطله، وهل يسمح لي في هذه الحالة بتعليق صورة هتلر مثلا اذا افترضنا أنني أعتبره بطلا لي!!
    عودة إلى تلك الأمسية التي أفسدها حديث السياسة، والتظاهرة المدفوعة التي تتناقض بالكامل، مع ما يحدث الآن، بعد أن أصبح رئيس الحكومة الإيطالية بيرلسكوني ينام في سرير واحد مع أجهل وأبشع الحكام العرب في التاريخ الحديث، والفضيحة العربية الدائمة المتكررة منذ 40 عاما، أي المدعو معمر القذافي، المعروف بأنه "يحشش" لكي يستوحي أفكارا جذابة على شاكلة أن "الجماهير لا يجب أن تتفرج على 11 لاعبا للكرة في الملعب بل يجب أن تنزل الجماهير لكي تمارس اللعبة بنفسها لا تتفرج عليها فالرياضة ممارسة وليست فرجة)، أو ما سبق أن "أفتى" جنابه به قبل سنوات حين قال إن الكتاب الأخضر (الذي جادت به قريحته) تنبأ بسقوط الاتحاد السوفيتي وجدار برلين، وقال إن سقوط الجدار يؤكد أننا نعيش عصر الجماهير، وان الهامبورجر اختراع امريكي وهو عبارة عن خليط من الصراصير والحشرات من أجل تدمير الاتحاد السوفيتي!!!
    كان العالم كله على يقين من أن القذافي يحتاج إلى رعاية صحية خاصة داخل مصحات الأمراض العقلية المتخصصة على مستوى رفيع، أما الآن فقد أصبحت ايطاليا لا تمانع من وضع صورة بيرلسكوني (وهو كاذب، ومحتال، ومستغل للسلطة، وزير عاهرات محترفات) مع صورة الحاكم النكتة، الذي يحكم ليبيا بالحديد والنار هو وعائلته، تماما كما لا تمانع إيطاليا ولا يمانع الغرب الديمقراطي جدا، من تأييد ودعم حسني مبارك وعائلته التي أصبحت تمتلك مصر إلى أن يأتي الله أمرا كان مفعولا، وتغض الطرف عن سورية التي تحكمها عائلة الأسد، وقبيلة آل سعود ماصة دماء البشر التي تتحكم في ثراوات الجزيرة العربية!
    أما "الأكورديون" فهو فيلم بسيط ولاشك في جماله، رغم الرسالة الصريحة المباشرة التي يرغب في توصيلها.
    الفيلم الذي يبلغ زمنه 9 دقائق، يصور طفلا في العاشرة وشقيقته في الخامسة أو السادسة من عمرها. الولد يعزف على الأكورديون، والفتاة تضرب الطبلة والاثنان يشحذان عن طريق الموسيقى والغناء في شوارع طهران. وفجأة تكتشف الفتاة أنهما يطبلان ويعزفان أمام مسجد في المدينة، هنا يهجم عليهما رجل يصادر الأكورديون من الفتى بدعوى أن العزف أمام المسجد حرام، بل ومحظور وأنه كان يمكنه ابلاغ الشرطة. ويقاوم الطفل بشدة انتزاع آلته المحببة التي يتعيش منها، من بين يده لكن الرجل يجذب الأكورديون ويمضي. شقيقة الفتى (خديجة) تتوسل إليه أن ينسى الموضوع، لكن الفتى يقبض على حجر ضخم ويعتزم أمرا. والفتاة تقول له وتعيد وتكرر أن الرجل أكثر بؤسا منهما، وعليه أن يتركه وشأنه. وفجأة يتناهى إليهما صوت يتعرف فيه الفتى على صوت الأكورديون المحبب الذي طار من يده قبل قليل. يتجه الاثنان صوب الصوت، فنرى الرجل الذي ادعى التقوى وتحدث باسم الحرام والحلال وصادر الآلة، جالسا يجاهد لكي يخرج نغمة صحيحة من الأكورديون لكنه عاجز عن الأداء، الفتاة تلحق به وتبدأ في متابعة العزف بالطبل، ثم يقترب الفتى وينتزع الأكورديون من يد الرجل، ويبدأ في العزف في ثقة وقوة، ثم يناول الرجل الوعاء الذي يترك فيه عابروا الطريق ما يجودون به. يقف الرجل إذن يحصل على الصدقات من المارة، بينما صاحب الأكورديون الأصلي (الفنان) يواصل العزف بقوة بعد أن انتصر!
    ولا أظن أن الفيلم في حاجة إلى تفسير، فهو يشرح نفسه بنفسه. ولا أظن أيضا أن الفيلم سينتهي هكذا على هذا النحو، فالمفاجأة التي تأتي من خلال ما يظهر من كلمات على الشاشة أن هذا العمل القصير هو جزء من فيلم روائي طويل يخرجه بناهي من تمويل شركة فرنسية!
    لن اكتب عن فيلم "ضجيج الثلج" فما شاهدته منه كان كافيا (قاومت النوم من شدة التعب والإرهاق بسبب الاستيقاظ في الرابعة صباحا للتوجه إلى المطار، قبل أن أنسحب بعد أن فشلت في القبض على أي مغزى لأي شيء في هذا الفيلم السطحي).. وهو بالقطع، أسخف ما شاهدت من أفلام كوميدية منذ سنوات بعيدة: كوميديا هزلية مليئة بالمبالغات عن مرض السرطان، تجسد المرض الخطير في صورة رجل (يستظرف).. بدون خفة ظل، ولا معنى إنساني، بل عبارة عن تخاريف لا قيمة لها.. شفى الله برتران بلييه، إذا كان قد "ارتكب" هذا الفيلم تحت تأثير المرض (لست واثقا من ذلك)، وأعاده سليما معافا يصنع أفلاما لها معنى!
  • أود فقط ان اضيف أن حب الغرب لأنظمة التخلف والقهر العربي التي ذكرتها يعود الى أن هذه الأنظمة تلتزم بحب اسرائيل ربيبة الغرب والأمريكان، في حين تدعو ايران إلى ازالتها من الوجود!
جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger