الأربعاء، 11 نوفمبر 2009

أسماء في "حياة في السينما"


ذكرت الكثيرمن الأسماء، أو توقفت أمامها، في كتاب "حياة في السينما" (الصادر حديثا) من مصر والعالم العربي وهي تشمل عددا كبيرا من المثقفين والسينمائيين والنقاد والشخصيات العامة التي وردت وقائع بشأنها في الكتاب الذي يحوي الكثير من الفصول غير المنشورة من قبل، كما يروي بالتفصيل، قصة بداية مهرجان القاهرة السينمائي عام 1976 ويبين الهدف الذي كان قائما من وراءه، ولماذا وقف النقاد ضده من البداية وكيف غير البعض مواقفهم، كما يستعرض الكتاب صعود وسقوط عدد من المثقفين الذين غيروا مواقفهم وآثروا الارتماء في أحضان السلطة، في حين أن آخرين لم يجدوا امامهم، بعد تدهور الأوضاع الثقافية والسياسية في مصر، من ملجأ سوى الهروب إلى الخارج، للعيش في نوع من المنفى الاختياري بدلا من الموت البطيء في الداخل، ومنهم الناقد الكبير الفاروق عبد العزيز الذي لايزال يعيش في الكويت منذ 1978، وكاتب هذه السطور الذي يعيش في لندن، في حين أن الذين كانوا يبشرون بتقديم الكثير عادوا، وكان لزاما عليهم الاندماج في "اللعبة"، أي لعبة السلطة والمراكز والمناصب والنفوذ والسيطرة.. أي الضلوع بشكل ما في منظومة الفساد الكبرى القائمة حتى الآن، وهذا لا يمنع من وجود الكثير من الأسماء التي لاتزال تقاوم في الداخل، وتحاول التماسك والعمل، دافعها ايمانها بأن الخير لابد أن ينتصر في النهاية على الشر. إنها شهادتي التي يهمني أن تصل إلى جميع الأصدقاء والمهتمين بمعرفة الحقائق: كيف كنا وكيف أصبحنا، وما نحن مقبلون عليه إذا كان في العمر لاتزال بقية بعد. وهذه بعض الأسماء التي توقفت أمامها في كتابي هذا، أنشرها هنا بدون ترتيب معين:
صلاح أبو سيف، يوسف شاهين، محمد خان، داود عبد السيد، أسامة فوزي، رضوان الكاشف، محمد ملص، نوري بوزيد، فريد بوغدير، محمد حلمي هلال، سامي السيوي، عبده جبير، فاروق عبد القادر، عادل السيوي، جلال الجميعي، فتحي فرج، مصطفى درويش، سامي السلاموني، أحمد الحضري، سمير فريد، علي أبو شادي، مجدي أحمد علي، الدكتور محمد حسن خليل، هاني المنياوي، عبد الرحمن المنياوي، حسين بيومي، حسن بيومي، أحمد قاسم، محمد كامل القليوبي، شحاتة هارون، عطيات الأبنودي، صلاح هاشم، عزت العلايلي، خميس الخياطي، الطيب لوحيشي، سمير نصري، يوسف شريف رزق الله، أحمد رأفت بهجت، محسن محمد، عبد المنعم الصاوي، يوسف السباعي، صلاح عيسى، السيد سعيد، محمد رضا، أمجد ناصر، جان شمعون، جاد الحاج، أحمد الحسني، ليلى علوي، قصي درويش، سعد الدين وهبة، أسامة خليل، أمير سالم، فوزي سليمان، فايز غالي، الفاروق عبد العزيز، انور خورشيد، صبحي شفيق، نديم ميشيل، ثروت عكاشة، أنور السادات، محمد عبد السلام الزيات، توفيق حنا، ماجدة واصف، الدكتور خليل فاضل، بهيجة حسين، يحيي الفخراني، جميلة اسماعيل، محمد الدرديري، ماريان خوري، خيري بشارة، الممثلة سيمون، عزة كامل، عبد الفتاح الجمل، رشيد مشهراوي، سعد هنداوي، نجيب الرفايف، بوسي، يسري نصر الله، عاطف الطيب، ابراهيم البطوط، رمضان سليم، رضا الباهي، زهير الدواليبي، سمير نصري، محمود سامي عطا الله، خالد شوكات، محمد بكري، قاسم عبد، محمد توفيق، محسن ويفي، شريف عرفة، وحيد حامد، كمال رمزي، عادل حسني، محمود حميدة، سهيل حداد، رءوف توفيق، أحمد صالح، د. لويس عوض، أنيس البرغوثي، محيي اسماعيل، أحمد عبد الحليم، هايني سرور، نبيهة لطفي، ماجدة موريس، يحيى حقي، أحمد راشد، هاشم النحاس، ياسر هويدي.

زواج رأس المال بمهرجان القاهرة السينمائي

في مصر زواج " كاثوليكي" معلن، بين رجال المال (الذين يطلق عليهم البعض رجال الأعمال في حين أنه لا هم لهم سوى جمع المال بكل الطرق، المشروعة وغير المشروعة)، وبين رجال السياسة أي حكامنا الأفاضل الذين لا يغادرون مقاعدهم إلا بمعرفة عزرائيل شخصيا. يحصل رجال الطرف الأول على العقود والتسهيلات والتوكيلات والترخيصات من رجال الطرف الثاني، في حين يحصل رجال الطرف الثاني على الرشاوى والهدايا والأراضي والشقق والفيلات والدعم المالي المطلق من رجال الطرف الأول.بعد هذا الزواج "غير الشرعي" بين شيطان المال وشيطان السياسة، يبدو أن هناك من يريدون أن يستحضروا لنا شيطانا من نوع آخر، الشيطان المعدل.. بين المال ومهرجان القاهرة السينمائي.

فقد سرت أخيرا دعوة إلى ضرورة تبرع رجال المال بمليون دولار تخصص لجوائز مهرجان القاهرة السينمائي، من أجل "إغراء" السينمائيين المصريين بالمشاركة بأفلامهم في المهرجان الذي يعاني من إحجام هؤلاء عن المشاركة فيه، ليس لأنه لا يغريهم بجوائز مالية ضخمة كما يردد البعض، بل إحساسا منهم بأنه أصبح مهرجانا "غير محترم"، فهو مهرجان ترأسه امرأة لو تقدمت في اختبار مفتوح للحصول على وظيفة سكرتيرة في المهرجان لرسبت لعدم إلمامها باللغات الأجنبية إلماما كافيا على الأقل، إلى جانب نواقص أخرى عديدة. وهو أيضا مهرجان فضائحه متكررة منذ 33 عاما، لا يمكنه أن يتعلم لأنه مثل كل المؤسسات القائمة، مهرجان هرم، عجوز، يفتقر للحيوية وللثقافة وللمعرفة وللعلم وللشباب أيضا، وتتكالب عليه حفنة من أعضاء جمعية المنتفعين والانتهازيين الذين يتميزون بالجهل المطبق فيما يتعلق بالسينما: تياراتها واتجاهاتها، باستثناء اسم واحد أو اسم ونصف. وعندما يقترح عليهم ذلك "الإسم" الذي يعرف، شخصية لتكريمها مثل المخرج الإيطالي العظيم ماركو بيللوكيو (صاحب الفيلم- التحفة "الانتصار" الذي عرض في مهرجان كان الأخير، وهو من جيل السينمائيين الايطاليين المخضرمين) يقدم المخرج في حفل الافتتاح الاخير على خشبة المسرح، ويعرضون لقطات يفترض أنها من أحد أفلامه، لكي يفاجأ الجمهور بالمخرج يتناول الميكروفون ويقول إن المقطع الذي عرض ليس من فيلمه بل من فيلم مخرج ايطالي آخر هو ايليو بتري.. أي أن بتري مثل بيللوكيو في عرف الست سهير عبد القادر ورفاقها الطيبين. وقديما، قبل 23 سنة، كان هناك مخرج عظيم، لو وجد في أي مهرجان لأصبح الحدث الأكثر أهمية، هو الراحل الكبير سيرجيو ليوني صاحب البصمة المميزة لأفلام بـ"الويسترن ساباجيتي". لكن أحدا في المهرجان لم يلتفت إليه، ولم يتم تقديمه بالشكل اللائق، وقد رأيته يجلس وحيدا متبرما ملولا في ردهة الفندق أكثر من مرة ثم آثر أن يغادر المهرجان قبل نهايته. وعندما جاء المخرج الأمريكي أوليفر ستون قبل 14 عاما إلى المهرجان، أجرى معه صديقنا يوسف شريف رزق الله مقابلة تليفزيونية (على الهواء) وعندما سأله عن رأيه في المهرجان والقاهرة، انبرى ستون يعرب عن استيائه من المهرجان ومن الفوضى القائمة والاهمال، واشتكى من أن لا أحد هنا يريد أن يحدثه عن أفلامه، بل يبدون جميعا أكثر اهتماما بالفقاقيع الموجودة حوله، وقال إن القاهرة مدينة مزعجة، مزدحمة لا تصلح لتنظيم مهرجان.. وكانت مفاجأة مذهلة لصديقنا يوسف الذي اضطر إلى ترجمة معان مخالفة تماما لما قاله ستون، مثل: إنه يقول إن المهرجان جميل والقاهرة بلد دافئ.. وما إلى ذلك بافتراض أن معظم المشاهدين ليسوا من خريجي الجامعة الأمريكية بالطبع!

أما موضوع الزواج المطلوب الآن بين رجال المال ومهرجان القاهرة، فليس مفهوما على الإطلاق بأي حق يمكن أن يطلب المهرجان من رجال المال أن ينفقوا مليون دولار على جوائز المهرجان، فما الفائدة التي ستعم عليهم؟ هل سيقدمون ذلك من "أجل عيون مصر"، أو إرضاء للسيد فاروق حسني الوزير، أم أنهم سيطالبون في هذه الحالة بفائدة ما محددة تجود بها الوزارة عليهم، مثل الحصول على عطاءات محددة لترميم المساجد والأماكن الأثرية التي تتكفل بها وزارة الثقافة وتنفق عليها مئات الملايين مثلا.. وهو ما تردد أيضا أنه يحدث بانتظام مكافأة على شراء هؤلاء الكثير من لوحات الوزير الرسام بإيعاز من مديري مكتبه على طريقة "معرض السيد الوزير يوم الاثنين القادم.. ولا تنس معاليك أن تحضر.. الوزير شخصيا مهتم بحضورك وقد كلفني بدعوة سيادتك.. وربما يعجبك لوحة أو إثنتين من لوحات الوزير.. هه.. هه؟". واللوحة في هذه الحالة لا تباع بآلاف الجنيهات بل بمئات الآلاف طبعا.. أليست "لوحة الوزير".. على وزن "حذاء اللجنة" في رواية صنع الله العظيمة!

ولذا فالسيد الوزير الفنان يردد دائما بثقة أن كل ما حققه من ثروة جاءت من دخل معارضه وبيع لوحاته.. نعم.. وهذا صحيح تماما، وهذه هي تحديدا طبيعة زواج المال بالثقافة، أي مزيد من الفساد.. والعياذ بالله!

الأحد، 8 نوفمبر 2009

حياة في السينما .. شهادة جيل

بقلم: خالد السرجاني

منذ أيام صدر عن مكتبة مدبولي كتاب للزميل والصديق الناقد السينمائي والثقافي الكبير «أمير العمري» بعنوان «حياة في السينما» وهو نفس عنوان مدونته علي الإنترنت التي تعتبر من أكثر المدونات انتشارا لدي شباب السينمائيين ومن أفضل المدونات أيضا . والكتاب ليس في النقد السينمائي ولا سيرة ذاتية حسبما قد يعتقد من يطلع علي العنوان، ولكنه شهادة من جيل السبعينيات علي ما جري في مصر خلال هذا العقد، وكيف تحول الحراك السياسي الذي شهدته إلي موات ثقافي بفضل أجهزة الدولة من جهة وبعض المنتمين اسما إلي المثقفين من جهة أخري، وبعض أخطاء أبناء الجيل نفسه من جهة ثالثة.
والكتاب يمثل أيضا شهادة علي تحولات بعض المثقفين والكتاب الذين أظهروا لنا في فترة من الزمن أنهم ينتمون لنا نحن عامة الشعب ثم انتقلوا فجأة وبلا مقدمات إلي المعسكر الآخر: السلطة.
و«أمير العمري» عاشق حقيقي للسينما، وناقد كبير، لكنه في الوقت نفسه لا يتعامل مع السينما باعتبارها «عملاً تقنياً» إنما هي فن مرتبط بالمجتمع، والناقد السينمائي من هذا المنطلق يجب أن يكون كأمير العمري موسوعي الثقافة مطلعاً علي التاريخ وعلم الجمال والموسيقي وغيرها من العلوم الاجتماعية والفنون وهو ما التزم به الناقد الكبير مؤلف الكتاب الذي يحكي فيه عن محاولات تأسيس سينما مستقلة في مصر من خلال جماعة السينما الجديدة، أو تأسيس جمعيات سينمائية متعددة مثل جمعية سينما الغد لتضاف لما هو موجود من جمعيات مثل نادي السينما وجمعية الفيلم، ويحكي أيضا عن كيف تدخلت الدولة لوأد بعض هذه الجمعيات، وكيف تآمر البعض علي الجمعيات الأخري من أجل أن تظل المؤسسات الثقافية تابعة للدولة وحتي لا يصبح للمثقفين مؤسساتهم المستقلة.
والكتاب ضم وثيقة تنشر لأول مرة في مصر، وهو محضر اجتماع مهم عقدته جماعة نقاد السينما لمناقشة مهرجان القاهرة السينمائي في دورته الأولى، والذي كان يعرف لدي الأوساط السينمائية في ذلك الحين باسم «مهرجان شيراتون»، وقد حضر الاجتماع نقاد ومثقفون عرب، ومن يتابع المناقشات التي جرت في عام 1976 سيجد أننا لم نتقدم خطوة واحدة إلي الأمام، كذلك فإن أكثر النقاد انتقادا للمهرجان لأسباب مبدئية كانوا هم الأكثر تعاونا معه فيما بعد.
ومؤلف الكتاب لا يقدم أحكاما قيمية وإنما يقدم شهادة حول ما جري من أحداث، وعلي القارئ الفطن أن يصدر أحكاما أو تصورات حول الواقع الثقافي المصري انطلاقا من الشهادة التي يوجد لها شهود أحياء. وهو كتب شهاداته بلغة جميلة سيالة، خاصة الشهادات الخاصة بعلاقات إنسانية حميمية مع أفراد نحبهم مثل ما كتبه تحت عنوان «ذكريات عن شلة المنيل ورضوان الكاشف».
كذلك أوضح «أمير» الأفلام التي أثرت في الحركة السينمائية المستقلة في مصر وفيه شخصيا، مثل الأفلام الإيطالية أو فيلم «الترتيب» المعروف أيضا باسم «قلوب في دوامة» أو المدرعة بوتميكن وغيرها من تلك الأفلام المنتشرة أفقيا في الكتاب والتي يوضح كلما ذكر اسماً واحدا منها كيف تأثر به وكيف كان يعبر عن نقلة نوعية في فنيات السينما.
والشهادة التي يقدمها العمري في كتابه المهم ليست عن السينما، ولا عن السينمائيين، وإنما هي شهادة مثقف من جيل السبعينيات عن الحركة الثقافية في هذة الفترة بشخوصها ومؤسساتها وإبداعاتها، وكيف كان يسعي الجيل الذي ينتمي إليه من أجل تأسيس ثقافة مستقلة ومن أجل تغيير الواقع لآخر أكثر إنسانية وجمالا. فيه نطالع عن محاولات تأسيس نادٍ للسينما في كلية طب عين شمس حيث كان يدرس المؤلف، وذكريات المؤلف مع المخرج المصري العالمي يوسف شاهين، وعن عبد الفتاح الجمل ذلك المثقف الذي فتح صفحات ملحق الثقافة في جريدة المساء للكتابة الجديدة والكتاب الجدد وأثر في الثقافة المصرية بل غيرها من خلال احتوائه لجيل الستينيات وبعض رموز جيل السبعينيات، وعن السينمائي الإسرائيلي الذي قاد طائرة الرئيس السادات وهو ذاهب إلي القدس عام 1979، ومحاولات المخرجة عطيات الأبنودي لتصوير أفلام تخرج علي السائد .
ومن المهم أيضا في كتاب «أمير العمري »ما كتبه حول تجاربه في لجان تحكيم المهرجانات السينمائية الكبري، حيث يوضح للقارئ كيف تمنح الجوائز وكيف تحدث المفاوضات بل المساومات والضغوط داخل لجان التحكيم من أجل منح فيلم ما جائزة وحجبها عن آخر، وهو أمر لا أعتقد أن أحدا غيره كتبها بالعربية من قبل.
والكتاب شيق، ومهم، سواء للمتخصص في السينما أو الذي يريد أن يطلع علي جزء من التاريخ الثقافي لمصر في الفترة منذ منتصف السبعينيات حتي اليوم وهو يفتح المجال لشهادات أخري مكملة له أو مناقضة له بما ينير الرأي العام حول الثقافة المصرية غير الرسمية، أو لنقل الثقافة المضادة التي تم وأدها في مهدها من خلال أجهزة الدولة حيث تدخلت أجهزة الأمن في بعض المواضع لتمنع بعض المبادرات المستقلة، وكان سيف الاتهام بالشيوعية والعمالة لدول الكتلة الشرقية مسلطا علي رقبة كل مثقف مستقل يسعي لأن يكون صوته من دماغه وليس قادما من جهة ما سواء رسمية أو حزبية ضيقة الأفق . فالكتاب شهادة لا غني عنها لمن يريد أن يعرف تاريخ سبعينيات القرن الماضي لأن الكاتب يربط بين التجربة الشخصية التي يسردها وبين تحولات السياسة والمجتمع في مصر في الفترة التي جرت فيها الأحداث الشخصية التي يتعرض لها.
هناك شخصيات وردت أسماؤها في الكتاب كشهود علي عصر مثل حسين وحسن بيومي، وأحمد قاسم، ومصطفي درويش ، ومحمد حسن خليل، وشحاتة هارون، وعطيات الأبنودي، ومحمد خان، ويسري نصر الله، ورضوان الكاشف، ومحمد حلمي هلال، ومحمد كامل القليوبي، وسيد سعيد، وغيرهم من كبار المثقفين الذين ساهموا بجهودهم في كتابة تاريخ مصر في مرحلة تحول مهمة في تاريخها. فضلا عن عرب آخرين مثل محمد رضا ونوري أبوزيد ورشيد مشهراوي وغيرهم أيضا. ولا أريد أن أطيل حتي لا أحرق علي القراء ما ورد في الكتاب من تفاصيل مهمة، خاصة أن الكتاب الذي صاغه مؤلفه بسهولة يضم تفاصيل مكثفة لا يمكن تلخيصها في مقال صحفي.

الست سهير ومهرجانها وقوانين الطبيعة

ظهرت "الست" سهير عبد القادر التي تطلق على نفسها لقب "نائبة رئيس مهرجان القاهرة السينمائي" على شاشة التليفزيون المصري الحكومي في حلقة سخيفة من برنامج "البيت بيتك" وهو برنامج يمتليء عادة بالدعاية للدولة، ولرموزه، ويدافع بشكل ممجوج عن "انجازات" حكومة "الخراب الوطني" خاصة عندما يكون مقدمه هو المذيع ثقيل الظل تامر أمين بسيوني (الذي حل على أدمغة المشاهدين بالعافية بنفوذ والده الإذاعجي السابق في إطار توريث النخبة المصرية مناصبها لأبنائها).
ظهرت "الست" سهير عبد القادر لكي تدافع عن نفسها، وعن "مهرجانها" الذي لا يمكن أن تفرط فيه أبدا بل ستبقى كابسة على أنفاسه وأنفاسنا (حتى آخر نفس). ولكي تثير الشفقة بعد أن ارتدت مسوح الملائكة، ووضعت من المساحيق والرموش الصناعية والعدسات البلاستيكية ما لم ينجح في مداراة الفشل الذريع للزمن والطبيعة، أخذت تحدثنا عن مهرجانها الكبير وكيف أنه سيعرض فيلم "المومياء" تحت سفح الإهرامات.. أي في عرض سياحي لابتزاز السياح السذج المنبهرين بفكرة المقارنة بين الفيلم والطبيعة، وهي مهزلة حقيقية، فهل هذا عرض سينمائي رصين يليق بأي مهرجان؟ وكيف يمكن أن يركز اي جمهور وهو يشاهد فيلما بينما حوله هذه المناظر للآثار القديمة، ولعل هذا كان وراء انسحاب المخرج الكبير مارتن سكورسيزي (الذي تحملت مؤسسته انقاذ وترميم نسخة الفيلم وليست وزارة الثقافة المصرية كما يزعم البعض) فقد أعلن سكورسيزي أنه لن يحضر إلى المهرجان بسبب عدم توفر شروط ملائمة لعرض الفيلم. لكن "سهير" تبدو فخورة جدا بأنصاف وأرباع نجوم على شاكلة ممثل أمريكي مغمور يدعى بيرجر أو بيرنجر، وممثلة تليفزيونجية تدعى لوسي لو!
تكلمت الست كثيرا عن مهرجانها على طريقة الرئيس السادات الذي كان يعتبر الجيش المصري "جيشي"، والشعب "شعبي" والجنود "أولادي"، ولو أن السادات كان يتميز على كل الكائنات الموجودة حاليا حولنا، بأنه كان يلهمنا بتأليف النكات، في حين أن إخوانا الكابسين على أنفاس شعبنا حاليا يتميزون بثقل ظل من النوع النادر، ولذلك فهم يختارون للمناصب العليا والاعلامية خصوصا، كل اصحاب الظل الثقيل، وفاقدي روح المرح مهما حاولوا "الاستظراف"، وأخص بالذكر بالطبع، المدعو تامر أمين وأمثاله داخل "الصندوق السحري" أي التليفزيون.. ويمكن لتامر أمين، إذا أراد بالطبع، أن يقاضيني، فسأكون تحت طرف القانون الأسبوع القادم حين أحل ضيفا "أجنبيا" على بلدي.. باعتباري من "السكان الأصليين حملة جوازات السفر الأجنبية"، أي أنني في عرف تامر أمين وأمثاله المتنطعين، من "الخونة والعملاء".. علما بأنه سبق أن وجه له صحفي في صحيفة معارضة تصدر في مصر، من خلال مقال منشور، تهمة العمل النظامي المدفوع كضابط في جهاز مباحث أمن الدولة، وذكر رتبته والعمل الذي يقوم به تحديدا والمرتب الذي يقبضه، دون أن يتجرأ تامر أمين على أن يرد عليه أو ينفي التهمة أو يقاضيه.. فأمثاله يعتبرون العمالة للمباحث، وكتابة التقارير ضد زملائهم "مهمة قومية" تستحق التقدير!
وعموما يمكنني في المحكمة ان أطلب أكثر من 500 شاهد اختاروه على شبكة فيسبوك "أسوا مذيع".. وطبعا، أثقلهم ظلا، مثله في ذلك مثل كل "أحذية النظام" من الصحفجيين والإذاعجيين الذين يوظفون سماجتهم لخدمة أسيادهم!
المهم أن "الست" سهير أخذت تصول وتجول، وتسبل عينيها، وتدافع عن نفسها وعن مهرجانها الذي أتم ثلاثة وثلاثين سنة لكنه لايزال يتعلم.. فعندما انتقد الناقد طارق الشناوي (وكان معها على الهواء) عدم التزام دور العرض ببرنامج عروض المهرجان، أقرت بصحة الأمر، وتعهدت بحل المشكلة، كما لو كانت المشكلة قد ظهرت اليوم فقط وليست مستمرة منذ أن ظهرت المرأة الحديدية في الصورة في مكتب المغفور له سعد الدين وهبه قبل نحو ربع قرن!
طارق الشناوي كان لطيفا ومهذبا، ربما أكثر مما ينبغي، مما دفع الست إلى استثنائه من لسانها، اكتفاء بـ"التلسين" على من حاولت وصفهم ففشلت، فما كان إلا أن أسعفها طارق الشناوي فسماهم لها- على سبيل السخرية بالطبع- "الأشرار" الذين يهاجمون المهرجان (ونسيت أن تضيف... ومصر).
لكن طارق الشناوي كان ينبغي أن يلفت نظرها إلى حقيقة أن وجودها على قمة المهرجان لربع قرن أمر يتعارض مع قوانين الطبيعة نفسها حسب هيجل، وحسب هيكل أيضا، أي انه ضد طبيعة الأشياء، بل وضد علم الفسيولوجي نفسه!
ونسى الشناوي، أو تجاهل تأدبا، أن يقول لها إنها استولت على هذا الموقع الذي تشدقت بالقول إن الوزير (من الوزر) أصدر لها قرارا يكفل حقها فيه وإنه لم يكن هناك مدير للمهرجان سواها من البداية، ولا نظن أن أي وزير يملك اصدار قرار أبدي للست سهير وأمثالها يكفل لها أن تجثم على أنفاس المهرجان للأبد.
لقد تجاهل طارق الشناوي حقيقة أنها مثلها مثل وزيرها الرسام القابع على صدر الثقافة المصرية منذ نحو ربع قرن هو الآخر، وأن هذا هو منطق الأمور في مصر منذ أن رحل عنا "الرئيس المؤمن".. ولاشك أن هذا الوضع سيظل كذلك، طالما ظلت النخبة مستنزفة يوميا، إما في توريث ابنائهم وضمان مستقبلهم في حوض الفساد، وهو أعظم من حوض المتوسط، أو الدفاع عن حرية النقاب والمتنقبات "شرا".. والعياذ بالله!
جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger