الاثنين، 5 أكتوبر 2009

رحيل الفارس الثالث: محمد علي يغادر عالمنا


محمد علي (إلى اليمين) في شبابه مع الشيخ إمام ونجم في صورة نادرة


حزنت حزنا شديدا عندما علمت صدفة خلال الساعات الأخيرة بوفاة محمد علي (1930- 2009)، فنان الإيقاع الذي ظل يضبط الايقاع وراء الشيخ إمام العظيم لأكثر من ثلاثين عاما. عرف الشيخ إمام منذ أن كان طفلا في حي الحسين العريق بالقاهرة. وسكن معه في الشقة الضيقة التي عاش ومات فيها الشيخ إمام في حوش قدم الذي أصبح شهيرا بفضل الشيخ إمام.
الفارس الثالث هو محمد علي، بعد الشيخ امام (رحمه الله)، والشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم متعه الله بالصحة والعافية.
كان محمد علي رجلا نبيلا يشع من عينيه حزن دفين، ورغم أنه لم يتعلم القراءد والكتابة إلا أنه كان أكثر ثقافة ومعرفة بالعالم من كثير من المتعلمين والمثقفين، وكان له احساس خاص بموسيقى وألحان الشيخ إمام. وقد صرح في احدى المقابلات بأنه ترك مهنته الأصلية وكان من الصائغين (العاملين في محلات الذهب) لكي يلتحق بالشيخ إمام بعد انضمام أحمد فؤاد نجم اليه عام 1962، واخذ يردد أغاني الشيخ إمام ويضبط الايقاع أحيانا باستخدام يديه فقط (أي عن طريق التصفيق بيديه بايقاعات الاغنية). وهناك عشرات الأغاني التي يمكننا أن نستمع فيها إلى صوت صفق اليدين وكيف تمكن محمد علي بعبقريته الخاصة من ابتكار هذه الطريقة التي تنتمي للروح الشعبية المصرية البسيطة، لكي يستغني عن الطبل والرق وما شابه من آلات الايقاع الشرقي، وأصبح يستطيع بالتالي أن يتحرك بسهولة ويسر ويتواجد في أي مكان دون أن يحمل آلات خاصة وهو ما كان يتوافق مع الظروف والأوضاع التي كان يغني فيها الشيخ إمام.
وأتذكر أنني خلال مرحلة الجامعة في زمن السادات عندما كان محمد علي يأتي مع امام ونجم ويغني وراء الشيخ إمام في مدرجات الجامعة وسط مئات الطلاب، وكان محمد علي يطرق بيده على المنضدة الخشبية الموجودة فوق المنصة، ولم يكن يستخدم الطبل أو الرق. وكانت لديه القدرة حتى على ضبط الايقاع باستخدام الكرسي.
محمد علي، ضابط الايقاع الذي كان يردد أيضا وراء الشيخ امام وصوته تحفظه عشرات الأغاني الشهيرة، فاجأنا جميعا في السبعينيات حين كشف عن موهبة فطرية في الرسم، عن فنان تشكيلي تلقائي جميل، لوحاته تشبه حقا رسومات الأطفال إلا أنها تعبر أفضل ما يكون عن، رؤيته وتجربته الخاصة في الحياة، وكانت تنبض بالشقاء والألم وألوان وأحلام الفقراء الذين نشأ وتربى محمد علي وسطهم. وكانت أيضا تعكس موقفه السياسي الرافض للسادات وسياساته.
ولم يتخل محمد علي أبدا عن رفيق عمره الشيخ إمام، بل لازمه في كل رحلاته إلى الخارج: إلى فرنسا ولندن وروسيا واليمن ولبنان وسورية وليبيا والجزائر. وقد قابلته عندما جاء مع الشيخ امام إلى لندن عام 1985.
وبعد تفجر الخلاف الشهير الذي انتهى بالقطيعة بين الشيخ إمام ونجم في منتصف الثمانينيات، ظل محمد علي إلى جوار الشيخ إمام حتى النهاية.

عن تجربة الاعتقال في زمن عبد الناصر يقول محمد علي في إحدى المقابلات التي أجريت معه:
"مرت علينا فترات من الصدام مع السلطة منذ أيام عبد الناصر.. فقال له محمد حسنين هيكل: دى صرخة جوع. واقترح عليه أن نعمل فى الإذاعة والتليفزيون. وبالفعل دخلنا الإذاعة والتليفزيون على أساس أننا سنشبع ونخرس كما خطط هيكل. وعملت أيضا ضابطا للإيقاع معهم فى التليفزيون. وكان الأستاذ رجاء النقاش جزاه الله خيرا يقدم لنا برنامج نصف ساعة يوميا فى التليفزيون اسمه "من ألحان الشيخ إمام". وأحضر لنا مطربين مثل لبلبة ومحمد رشدى الذين أخذوا منا أعمالا. وبالفعل كان من أحسن ما غنته لبلبة أغانى مثل: "يا خواجة يا ويكا يا بتاع أمريكا، يا حرامى العامل جوه الفابريكا"، وغنت أغنية: "شعبان البقال عقبال الأنجال اتوظف واتنظف واتعدل له الحال". وغنى محمد رشدى أغنية "دلى الشيكارة"، وأغنية "الغربة". و غنت فايدة كامل أغنية "حى على الكفاح"، وأغنية "شوف الحكاية". يعنى عدة مطربين أخذوا من كلمات نجم ومن ألحان إمام. وظللنا نقدم البرنامج ونقول فيه كل ما نريده بالتليفزيون دون أن يمنعنا أحد. لدرجة أن أغنية "جيفارا مات" لما مات المناضل العظيم جيفارا استأجرت السفارة الكوبية ساعة فى التليفزيون وساعة فى الإذاعة وأذاعوا الأغنية. ولكن بعد شهر. وبعد دخولنا الإذاعة لاحظ عبد الناصر أن مريدينا يزدادون. وأننا لم نتوقف. فقرر الإيقاع بيننا وتعيين الشيخ إمام على الدرجة الثالثة مكرر. فامتنعنا عن الذهاب رفضا لهذا الإقلال من قيمة الشيخ إمام. فصدر أمر سياسى بتلفيق قضية مخدرات لنا. وعلمنا أن عبد الناصر كان يريد اعتقالنا. ولكن هيكل أشار عليه بالقول: "لو اعتقلتهم ستصنع منهم أبطالا. ومن الأحسن أن تلفق لهم قضية مخدرات". وبالفعل، حصل ذلك. حوالى سنة 1966 تقريبا".
أما عن اعتقاله في زمن السادات فيروي محمد علي الحكاية التالية في حوار مع الصحفي أشرف شهاب:
"اعتقلت مرتين بسبب أننى أيام السادات أيام ما كان بيهلفط (يردد تخاريف وكلاما أبله)، ويقول أننا لا نستطيع أن نحارب أمريكا، وكلاما عن الضباب والعلاقات وما شابه. فقمت برسم حمار ماشى فى طريق الضباب.. ورسمت الوجه وجه السادات، والجسم جسم حمار. فقام العيال ولاد الكلب بتوع جامعة القاهرة.. وأخذوا الصورة وطبعوا منها بالآلاف، وعلقوها على الجدران. فجاءنى البوليس إلى المنزل. ولكن الصورة لم تكن موجودة بالمنزل. فقالوا: لا.. إحنا مش جايين نقبض عليك.. إحنا جايين نتفرج على أعمالك الفنية. وتركونى ومشوا. وصدر أمر بالقبض علينا نحن الثلاثى بعدها مباشرة. وتحرجت الحكومة من أن تقول أن تهمتى هى رسم وجه الرئيس السادات على شكل حمار، فقالوا إن تهمتى أننى "عازف إيقاع أغانى لقلب نظام الحكم"!! هذا كان نص التهمة. وكان المحامى المعروف أحمد نبيل الهلالى سليل الباشاوات هو المحامى الذى يدافع عنى. وعندما دعانى القاضى، وقف الهلالى بصفته وكيلا عنى. فقال له القاضى تفضل.. فقام الهلالى وأخذ يدق بيديه على مكتب القاضى على شكل إيقاع أغنية. فسأله القاضى ما الذى تفعله يا سيادة المحامى المحترم؟ فقال له الهلالى: هذه يا سيدى القاضى تهمة موكلى.. تهمة محمد على هى الطبلة.. طبلة محمد على هى التى ستقلب نظام الحكم يا سيدى القاضى.. إذا كانت طبلة محمد على هى التى ستقلب نظام الحكم.. فماذا ينتظر السادات؟ لماذا لا يرحل؟ فانفجر جميع من كانوا فى قاعة المحكمة ضاحكين. فأعطانى القاضى حكما بالبراءة. ولكن السادات عاد مرة أخرى واعترض على حكم القاضى.. واعتقلنى للمرة الثانية".
رحم الله محمد علي ألف رحمة.

الخميس، 1 أكتوبر 2009

فيلم "حراقة" لمرزاق علواش




هذا رابط إلى مقالي عن فيلم "حراقة" للمخرج الجزائري الكبير مرزاق علواش الذي عرض في قسم "أيام فينيسيا" في مهرجان فينيسيا السينمائي الذي اختتم في 12 سبتمبر.




الثلاثاء، 29 سبتمبر 2009

يوميات لندن: ثلاثة مهرجانات في الطريق



أمير العمري


أمامي برامج لثلاثة مهرجانات سينمائية دولية ستقام كلها في شهر أكتوبر (المجيد!).. مهرجان لندن (14- 30 اكتوبر)، ومهرجان أبو ظبي (الشرق الأوسط الدولي من 8 إلى 17 أكتوبر)، ومهرجان الدوحة (تريبيكا) من 29 أكتوبر- 1 نوفمبر.
الأفلام تداخلت وتناسخت وتكررت بطريقة تستعصي على الترتيب. أقدم هذه المهرجانات هو مهرجان لندن السينمائي (هذه الدورة ستكون الثالثة والخمسين)، أتابعه منذ سنوات طويلة، منذ أن كان الكثير من الكاتبين في نقد الأفلام وغير الأفلام لايزالون في مرحلة الطفولة المبكرة جدا، وليست هذه ميزة لي بالضرورة، كما أنها لا يجب أن تكون عيبا، لكنها الحقيقة التي ترعبني أحيانا!
أما مهرجان أبو ظبي فهو يجتاز هذا العام دورته الثالثة بطموح كبير جدا لأن يصبح مهرجانا دوليا كبيرا، مع العلم أنه يقام في بلد ليس فيه صناعة سينمائية ولا حركة سينمائية أصلا، لكنه يسعى إلى اجتذاب العالم كله إلى عاصمة دولة الإمارات، وجعلها بؤرة سينمائية، للصناعة وللفن.. وكان المهرجان قد تعثر في دورتيه السابقتين، وقرأت عنه تقارير سلبية من كتاب أثق في أحكامهم.
هذا العام استورد المهرجان مديرا فنيا له هو بيتر سكارليت (وهو ناقد وخبير مهرجانات بلاشك). ورأيي الشخصي في هذا الأمر، بموضوعية كاملة، أن هذا القرار صائب للغاية، ولم لا؟ لقد سبق أن طالبت باستيراد مبرمجي ومديري المهرجانات العربية لكي يضعونها في السياق الصحيح قبل الادعاء بالقدرة على تنظيم المهرجانات، فمن واقع خبرتي الخاصة في المهرجانات العربية أثبتت التجربة فشلها دائما، فمهما كان المدير العربي منظما وطموحا دائما هناك من يفرضون عليه أشياء لا يقبل بها فقط كونه عربيا مثلهم (يتحدث بلغتهم) أما الأجنبي فله عند العرب رهبة كبيرة (وأنا هنا لا أستثني أحدا من العرب، العاربة منهم والمستعربة).
ولا يخفى على أحد أن "عقدة الخواجة" موجودة فعلا، لسبب بسيط للغاية، أن الخواجة (الأوروبي الأمريكي تحديدا) أثبت خلال أكثر من أربعة قرون أنه الأكثر تفوقا، سواء عن طريق الاستعمار أو غير الاستعمار، ولكن أساسا، وحتى بعد زوال عصر الاستعمار، واصل "الخواجة" تقدمه في مجال العلوم الطبيعية والإنسانية في حين انزوى العربي في خيمته (مجازا) يغط في نومه، ويرضى بفكرة أن "الله معه" دائما لأنه الأكثر إيمانا. ومن جهة أخرى أخذ العربي الموجود في مراكز السلطة والنفوذ يضطهد ويستبعد ويطرد العربي الذي يعرف، لسبب بسيط أيضا، أن الذي يعرف يهدد بضياع نفوذ من لا يعرف ولكنه يحكم ويتحكم في مراكز النفوذ والقوة.. ومهرجانات السينما أيضا!
بيتر سكارليت من خلال البرنامج الذي وصلني، وضع أفضل برنامج لمهرجان "دولي" يقام في المنطقة العربية، وأشدد على كلمة "دولي" هنا بمعنى international أي ليس مهرجانا عربيا أو افريقيا متخصصا بل مهرجان مفتوح لسينما العالم كله.

بيتر سكارلت مدير مهرجان أبو ظبي السينمائي


ولكن بحكم طبيعة البلد والمنطقة التي يقام بها، اهتم سكارليت كثيرا بالسينما العربية، بتسليط الأضواء على تجاربها الجديدة المتميزة حتى لو كانت تتمثل في فيلم أول لمخرج شاب يجرب حظه في الإخراج شأن فيلم "هليوبوليس" المصري لمخرجه أحمد عبد الله مثلا.
هنا جاء جدول المسابقة الرسمية متوازنا بدرجة كبيرة، ما بين الأفلام القادمة من العالم، وتلك القادمة من العالم العربي ومحيطه الطبيعي الذي يعرف بالشرق الأوسط، أي من تركيا وإيران مثلا. سيشهد المهرجان مثلا العرض العالمي الأول لفيلم "بالألوان الطبيعية" للمخرج أسامة فوزي الذي لم يقدم شيئا منذ فيلمه الشهير "بحب السيما" (2004). وفي رأيي الشخصي أن الافتتاح بفيلم أسامة فوزي كان أفضل من الافتتاح بفيلم "المسافر" للمخرج أحمد ماهر الذي احترق بعد عرضه في فينيسيا وردود الفعل السلبية العديدة تجاهه خاصة من جانب بطله الممثل الكبير عمر الشريف!
وتضم مسابقة الأفلام الروائية 18 فيلما منها 6 أفلام عربية، و7 أفلام من بلدانى العالم الثالث (منها تركيا وايران وبنجلاديش)، و5 من روسيا وفرنسا والولايات المتحدة وكندا. والملاحظ وجود فيلم واحد أمريكي في المسابقة على العكس من الدورتين السابقتين.
أما مهرجان الدوحة فهو أقل طموحا، سواء في عدد أيامه (4 ايام فقط)، أو في نوعية برنامجه، أو في الشخصية التي تديره.
فقد وقع الاختيار على مقدمة برنامج السينما في قناة الجزيرة العالمية (الناطقة بالانجليزية).. ولابد أن يكون الشخص أو المسؤول الذي أسند المهمة إلى هذه المذيعة (وهي استرالية شقراء تدعى أماندا بالمر) قد أعجب بطريقتها في تقديم برنامج السينما وبالمقابلات التي تجريها مع نجوم السينما، وتصور أنها يمكنها أن تصنع لهم في الدوحة مهرجانا سينمائيا ناجحا. ولعل هذا يذكرني على نحو ما، بشخصية عربية رحلت الآن، كانت قد قررت عمل مهرجان دولي لأفلام التليفزيون فكلفت شركة سوني بتنظيمه، فقط لأن المسؤول العربي رأى أن "ماركة" جهاز التليفزيون الموجود في مكتبه من نوع "سوني"!
ما علينا.. الأخت بالمر المعجبة بنفسها (وهذا من حقها طبعا، فهي تتمع بالحسن والجمال) وضعت روابط لعشرات الحلقات التليفزيونية التي قدمتها من برنامجها التليفزيوني على موقع مهرجان الدوحة السينمائي لعلها بذلك تقول للمترددين عليه إنها البنت "الشطورة" "اللهلوبة" "بتاعة السيما ونجوم السيما" التي ستأتي لهم بما لم يأت به الأولون، بل وكتبت في مجال التعريف بنفسها على الموقع ذاته (بالانجليزية) إنها اكتسبت الاعتراف الدولي عن طريق دعمها غير المحدود للسينمائين المستقلين في العالم، وإنها من أكبر الخبراء في العالم بالسينما العربية!
وقد وضعت صورتها في كل مكان في الموقع، وكتبت تحتها في الصفحة الرئيسية "بالمر تقدم مهرجان الدوحة تريبيكا السينمائي" وهو رابط إلى شريط فيديو صنعته تتحدث فيه عن المهرجان وعلاقته بمهرجان نيويورك التي لا نفهم شيئا عنها، كما لا نفهم كيف يمكن لبالمر بقدراتها المحدودة كمقدمة برامج تسلية entertainment أن تتحدث عن "تعليم المجتمع القطري وتأهيله سينمائيا"!
ولا تضع بالمر إلى جوارها أي شخصية أخرى من الشخصيات التي تستعين بها في ادارة المهرجان ومنها أسماء مثل ليزا كيرشنر، وتامي روزين وجوناثان روسو وغيرهم.

أماندا بالمر مديرة مهرجان الدوحة

أما مشكلة بالمر الحقيقة، أو لعله هنا "مأزق بالمر"، فينحصر في أن مهرجانها الذي تقيمه هيئة قطر للمتاحف وسيقام في مقر المتحف الاسلامي بالدوحة، يأتي بعد مهرجان أبو ظبي مباشرة، وقبل مهرجانات القاهرة ودمشق ودبي، وهي مهرجانات "عملاقة" قياسا إلى مهرجان الأخت بالمر مهما كان رأينا في هذه المهرجانات أو ملاحظاتنا عليها التي يعرفها قراء هذه المدونة جيدا، بل إن مهرجان الدوحة (الذي لا ندري بالضبط فائدة تعاقده مع مهرجان تريبيكا بنيويورك سوى أنه يحمل اسمه تماما مثل الكوكاكولا التي تنتج في بلدان العالم الثالث أو سجائر مارلبورو التي تشتري الإسم، ثم تصنع توليفتها الخاصة غير الأصلية بالطبع!) يتقاطع مع مهرجان دمشق (الذي يفتتح في 31 اكتوبر) ومهرجان أوسيان للسينما العربية والآسيوية بالهند (الذي يفتتح في 24 أكتوبر ويستمر حتى 30 منه).
والغريب أيضا أن مهرجان الدوحة لا يهتم بالأفلام التسجيلية، على العكس من مهرجان أبو ظبي الذي خصص مسابقة كاملة لهذا النوع من الأفلام تشمل 15 فيلما منها ما يعرض للمرة الأولى في العالم، ومنها أفلام "نعيش هنا" لمحمد زرن من تونس، و"1958" لغسان صلهب من لبنان، و"شيوعيين كنا" لماهر أبي سمرا من لبنان أيضا، و"جيران" لتهاني راشد، و"كاريوكا" لنبيهة لطفي من مصر، و"من مرفأ الذاكرة" لكمال الجعفري من فلسطين، و"مبدأ الصدمة" للمخرج البريطاني الكبير مايكل وينتربوتوم، كما سيعرض خارج المسابقة فيلم جديد هو "ما هتفت لغيرها" للناقد والمخرج اللبناني محمد سويد.
وقد كان بودي أن أذهب إلى الدوحة، ليس لمشاهدة الأفلام التي سيعرضها المهرجان فقد شاهدت معظمها في كان وفينيسيا، بل وفي مهرجان روتردام الذي يقام عادة في بداية العام مثل فيلم "المر والرمان" لنجوى النجار الذي يتردد أن بالمر قررت ضرورة حصوله على جائزة رئيسية من الجوائز المخصصة للأفلام العربية، كما قررت أيضا حصول فيلم "بابل" لمحمد الدراجي على احدى الجوائز، لكني كنت أرغب فقط أن أرى كيف سيتمكن فريق بالمر الذي لا خبرة سابقة له ولها في إدارة المهرجانات، من اقامة هذا المهرجات، وأن أعرف ما الذي يربطه بمهرجان نيويورك الذي حصل على 15 مليون دولار مقابل بيع اسمه، لكن يبدو أن المهرجان لا يرحب بالنقاد المخضرمين من أمثالي ولا يرحب أصلا بالنقاد العرب، بل سيكتفي على الأغلب، بدعوة البعض من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، وغالبا أيضا، بعض مديري المهرجانات الذين يقومون بتسهيل حصول أماندا بالمر على الدعوات التي تبقيها طيلة العام تدور وتلف بالمهرجانات الدولية بحجة الإعداد لبرنامجها السينمائي.. إنها هنا "عقدة الخواجة" بالمعنى السلبي، ليس الخواجة صاحب الخبرة بل الخواجاية صاحبة العيون الزرق والشعر الأشقر!
وقد ترددت أنباء أيضا عن اهتمام خاص لدى بالمر بالسينما الإسرائيلية، وبأنها قد تدعو أفلاما إسرائيلية وسينمائيين من اسرائيل بعد أن كانت قد خصصت حلقة من برنامجها لفيلم "عجمي" الذي اشترك في اخراجه مخرجان: يهودي وفلسطيني. ولكن يبدو أن أحدا في الدوحة لفت نظر بالمر إلى خطورة هذه الخطوة (التي نعلم يقينا أنها كانت شديدة الحماس لها) واكتفت بأن أتت بالمخرج المشارك وهو اسكندر قبطي (من فلسطينيي اسرائيل) وأسندت إليه مهمة تنظيم ورشة عمل للشباب الراغب في تعلم تصوير الأفلام.
جدير بالذكر أنه بعد أن ترك الصديق محمد مخلوف عمله بالمهرجان كمستشار اقليمي، لم يعد هناك أي عربي يعمل في إدارة المهرجان بل كلهم من العجم، وحتى المسؤولة الصحفية (وهي أمريكية من أصل عربي) لا تعرف اللغة العربية. مهرجان الدوحة السينمائي سيعرض 33 فيلما منها 22 فيلما من دولتين فقط هما الولايات المتحدة وبريطانيا. وباقي الأفلام من ايران وكندا ومصر والمجر وتونس وفرنسا والنمسا وفلسطين والصين. والمهرجان لا ينظم مسابقة لكنه سيمنح جائزتين باسم الجمهور لأحسن الأفلام (باستفتاء أو استطلاع رأي عبر أوراق توزع على المشاهدين) تبلغ قيتها المالية 100 ألف دولار. ويتردد حاليا أن محمد مخلوف يعد لعقد مؤتمر صحفي يعلن فيه أسباب الخلافات التي نشبت مع مديرة المهرجان الاسترالية أماندا بالمر، وقد استغنى المهرجان أيضا عن العربي الذي حل محل مخلوف وهو الموزع السينمائي اللبناني طلعت قبطان. وأصبح المهرجان حاليا يعمل ببركة دعاء الوالدين.

الأمر الملفت للنظر بشدة في برامج المهرجانات الثلاثة تكرار أسماء معينة من الأفلام مثل "ابن بابل" للمخرج العراقي المقيم في بريطانيا محمد الدراجي. وقد قيل إن عرضه في أبو ظبي سيكون العرض العالمي الأول، وهي معلومة غير صحيحة فقد ثبت أنه شارك في مهرجان سان سباستيان الدولي في اسبانيا الذي انتهى أخيرا.
وهناك من بين الأفلام المتكررة أيضا "الرأسمالية قصة حب" للأمريكي مايكل مور، و"احكي ياشهرزاد" للمصري يسري نصر الله، و"واحد صفر" للمصرية كاملة أبو ذكري، و"أسرار مدفونة" للتونسية رجاء عماري، و"لا أحد يعرف عن القطط الفارسية" للإيراني بهمن قوبادي، و"عن إيلي" للإيرانية أشجار فرهادي، و"المخبر" للأمريكي سودربرج، و"الزمن الباقي" للفلسطيني إيليا سليمان.
سأحضر مهرجان أبو ظبي للمرة الأولى، وسأحضر مهرجان لندن السينمائي أو الجزء الأعظم منه. وبعد ذلك سأذهب إلى الهند لحضور مهرجان أوسيان للأفلام العربية الآسيوية في نيودلهي، وهو مهرجان جدير بالاكتشاف تماما مثلما الهند "قارة" جديرة بالاكتشاف.

الأحد، 27 سبتمبر 2009

فاروق حسني ضحية الموساد!


"فاروق حسني ضحية مؤامرة شارك فيها 8 من ضباط المخابرات الاسرائيلية (الموساد) ذهبوا إلى باريس وأخذوا يضغطون على الوفود التي ستدلي بأصواتها في انتخابات رئيس اليونسكو الجديد".

"فاروق حسني ضحية إسرائيل التي جندت خبيرين من خبراء العلاقات العامة والدعاية من شركة "ساتشي آند ساتشي" المعروفة لكي يقودا حملة تشويه في الصحافة الفرنسية ضد المرشح المصري فاروق حسني".

هذه الأقوال وغيرها أبرزتها أجهزة الإعلام المصرية خلال اليومين الماضيين استنادا إلى ما ورد في مقال لصحفي فرنسي كان أساس اهتمامه في الحقيقة إبراز ذلك الشرخ في العلاقة القائمة بين رئيس الوزراء الفرنسي كوشنير (وهو على الأغلب يهودي ومتعاطف مع اسرائيل) ورئيس الجمهورية الفرنسية ساركوزي (وهو ايضا يهودي ولكنه متعاطف أكثر مع حسني وربيبه فاروق في هذه القضية بالذات)!

هذا هو موجز بسيط لتلك الحملة المضادة التي بدأها الاعلام المصري بقيادة سدنة فاورق حسني من المثقفين والمتثاقفين، الصحفيين والمتصاحفين، من صحف الحكومة وعشيقتها المعارضة، وخصوصا جريدة الحزب الناصري المسماة (العربي) والمعروف أن توزيعها لا يزيد عن 60 نسخة (توزع غالبا على المشتغلين بالجريدة من قوى الشعب العامل)!

وقد توعد الكاتب محمد سلماوي (الذي كان مرشحا لخلافة فاروق حسني في وزارة الثقافة لأسباب كثيرة يعود بعضها إلى التشابه بينهما في السلوك والتفكير) بأن يكشف لنا "مؤامرة الموساد" ضد وزيره الحبيب، ولكي يثبت للجميع كيف تدخلت الدولة الإسرائيلية لاسقاط فاروق حسني. والهدف الواضح حتى للعميان، محاولة تبرير استمرار فاروق حسني على رأس وزارة الثقافة إلى أن يأتي الله أمرا كان مفعولا. فبعد هزيمته في اليونسكو أشارت كل الاستطلاعات حتى بعض ما أجرته صحف وبرامج تليفزيونية في قنوات مصرية مثل "الحياة" وغيرها إلى رفض شعبي كبير لاستمرار فاروق حسني على رأس وزارة الثقافة، وطالبته بالرحيل، تعبيرا عن رفض الشارع استمرار سياسة الرجل الواحد التي تشل الحياة السياسية والثقافية في مصر منذ 30 عاما.طبيعي أن تستعين إسرائيل لتحقيق هدفها بعدد من العاملين في سلكها الدبلوماسي أو غير الدبلوماسي بما في ذلك المخابرات، وهو نفس ما فعلته الحكومة المصرية بالضبط حين خصصت وفدا هائلا من العاملين بالخارجية والمخابرات والعلاقات العامة، لكي يقيموا لمدة شهرين في باريس للدعاية لفاروق حسني، والحديث إلى الوفود والصحف والمسؤولين الفرنسيين وغير الفرنسيين. وقد ظهرت رئيسة هذا الوفد أكثر من مرة على شاشة التليفزيون لتتفاخر بأن أعضاء الوفد لا ينامون الليل بل يواصلون عملا شاقا على عدة جبهات من أجل إنجاح المرشح المصري.

هذا النوع من النشاط جزء لاشك فيه من "الحملات" التي تدور قبيل أي انتخابات في أي مكان في العالم. فهل الحملة بكل ما يستخدم فيها من أساليب، سواء كانت أخلاقية أم غير أخلاقية، موسادية أم ملوخية، تعتبر نوعا من التآمر.. والمؤامرة.. والعيب، أم أن هذه هي طبيعة الأمور؟

الواضح أن كلمة "الموساد" بكل ما تمثلها في الضمير العربي تستخدم هنا لإشاعة نوع من الإثارة الشديدة التي يترتب عليها أن يصبح كل من يعارض فاروق حسني "خائنا للوطن"، وربما أيضا عميلا للموساد.

ولكن.. أليست إٍسرائيل هذه التي يحملون عليها اليوم صديقة لهم بحكم المعاهدة.. والكويز.. والغاز.. والتنسيق الأمني والاستخباراتي.. والملف الغزاوي.. وأشياء أخرى!أليست أمريكا ربيبة اسرائيل هي الحليف الاستراتيجي لكم، وهي التي قادت الحملة ضد فاروق، بينما أعلنت إسرائيل من البداية أنها ضد ترشيحه ثم تظاهرت بأنها تنازلت عن المعارضة وانضمت إلى الحكومة بعد أن ناشدناها على طريقة (والنبي سيبوا لنا فاروق المرة دي يعدي لليونسكو ياخويا الله يخليك!).

فلما فشل فاروق نتيجة لمحصلة حملات سياسية متبادلة من جانب مؤيديه ومعارضيه، جاء موسم العويل والبكاء وتصويره باعتباره بطلا وضحية للموساد أيضا مما يستوجب بقاءه في السلطة حتى الموت الزؤام.ولذا لزم التنبه والتحذير أيضا من الوقوع في الفخ!
جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger