الأحد، 16 أغسطس 2009

المعالجات الفيلمية تلتهم بعضها البعض شاء السيناريست أو لم يشأ


توسيع دائرة التشابك بين مريم ومحمود

بقلم: علي عوض الله كرار
((هذا أحد مقالات الكاتب علي عوض الله كرار التي منع صلاح عيسى رئيس تحرير جريدة "القاهرة" نشرها لديه، وأرسلها لي كاتبها ننشرها كما كتبها احتراما لرأيه ومدخله الخاص للموضوع)).

" أنا شخصيا"ً أكتشفت أن فيلم "واحد صفر" مسروق من ألف فيلم ".. هذا ما قالته كاتبة السيناريو مريم نعوم عن فيلمها فى معرض ردّها على مقال الناقد محمود قاسم الذى أتهمها بالسرقة من فيلم واحد ذكره أسماً وجنسية . وهو معذور، ذلك أن الفساد ومنه السرقة قد شاع أمره فى كافة المجالات ، وعلى كل الاصعدة ، حيث أنه تطور من سرقة الغسيل المنشور على حبال البلكونات ، إلى سرقة ما فى جوف الإنسان من أعضاء حيوية ، ومن سرقة مقال أو قصة أو قصيدة أو رسمة إلى سرقة رسالة دكتوراه ، وهكذا.
على السيناريست مريم أن تعذر الناقد محمود . ألم تسمعى عن التعبير الشائع
فى مصر، منذ سنوات طويلة : ( أصبح الواحد يشك فى نفسه ، مش فى غيره وبس) فما بالنا اليوم ؟ وأيضاً ألم تسمع يا محمود المثل الشعبى المصرى القائل "يخلق من الشبه أربعين" .
ومن ناحية أخرى كنت أتمنى أن يكون خطاب مريم موجهاً للقارئ من خلال ردّها على الناقد محمود ، حتى لأ يُساء فهم هذا التعبير الذى قالته ضمن كلامها ، فالقارئ مشغول بمشاغله ، متعجل ، ليس لديه وقت ليفكر فيما يقرأه ، مُقلباً إياه على كافة وجوهه ، خاصة وأنه مقال فى فيلم أو عنه أو حوله ، وقد درج القراء على أن هذا النوع من الكتابة صدره كظهره كأجنابه ، وبالتالى رأيت أن توضيح عبارتها سالفة الذكر هو الأهم فى الموضوع، والمكسب الذى سأخرج به كقارئ مهتم بالثقافة الشعبية للوجدان ( = السينما ) ، وأيضاً حتى لا تصبح مريم مثل الواثقة من براءتها التى ترد على ضابط المباحث الذى يتهمها بسرقة بنك ، فتجيبه : لا ياسعادة الباشا أنا سرقت ألف بنك ( المبالغة هنا تعنى عدم حدوث سرقة حقيقية أصلاً ) لكن فى حالة الفيلم فهو حقيقة مجازية ، فكل ما يلتهمه المرء ويشربه ويتنفسه ويتعلمه هو وراء كل فتفوتة عمل يقترفها بشكل حسن أو سئ . كما أن هذا الرد فيه استفزاز حتى ولو قيل بشكل ( شيك) ودبلوماسى . إنه مثل رد نبيلة عبيد على ضابط البحث الجنائى فى فيلم ( التخشيبة ) للمخرج عاظف الطيب، فما كان من الضابط سوى أن عاملها كأى متهمة عادية ، وأكمل إجراءاته، ولم يشفع لها كونها طبيبة ذات سمعة مهنية وأخلاقية جيدة .
والآن أدخل إلى ما أراه مهما فى هذا الموضوع :
هناك فيض من أفلام أنتجت خلال 114 سنة تقريباً ، يوازيه فيض آخر من القنوات الفضائية ، وبالتالى أصبح المرء ينام إلى جوار أفلام ، ويصحو على أفلام ، ويفطر مع أفلام ، ويتناول غداءه فيما عيناه تلتهم فاتنات الفيلم وأحداثه المسبوكة.
وبالتالى أصبحت العين مشحونة لآخرها بمكتبة فيلمية متعددة الجنسيات والتوجهات والمستويات الفنية . وفيما العين تجرى مع سيل الأفلام التى لاتتوقف يكتشف المتفرج أنها تشبه البطاطس التى تعُدها له زوجته . مرة : تقدمها له على هيئة أصابع محمرة، ومرة : على هيئة حلقات فى صينية بالفرن ، ومرة : مسلوقة ومهروسة بالزبد والبيض ، ومرة : تسلقها وتهرسها وتفرد نصفها فى الصينية ثم تضع فوقها عصاج اللحم ثم تغطيه بالنصف الآخر ، ومرة تقشرها وتحدث فى وسطها حفرة تملأها بعصاج من اللحم ثم ترصها فى صينية توضع بالفرن ، ولاننسى سلاطة البطاطس والشيبسى وعشرات الأكلات الأخرى التى أبتكرتها كل أمة من الأمم ، ولاننسى أن البطاطس ذاتها عدة انواع ،وهكذا مع المواد الغذائية الأخرى . وإذا كنا نقول أن الطبيخ نََفَس ، فإن العمل الإبداعى رو ح،وليس جسداً ، وهذه الروح تطل علينا من خلال عدة أفلام للمخرج الواحد مثل أفلام عاطف وخيرى وخان وداوود . إن وضعت أفلام كل واحد منهم إلى جوار بعضها تستطيع أن تحس بروح واحدة تجمع تلك الأفلام التى قد تتشابه من الظاهر أو تختلف ، وحتى فيلم ( مستر كاراتيه) لمحمد خان ، رغم ما يبدو أنه الخروج الكبير على مسيرة أفلامه ، إلا أنه بالتعمق فيه لا أرى ذلك . وكذلك ( أيس كريم فى جليم ) لخيرى ، و( مواطن ومخبر وحرامى ) لداوود .
ومن شاهد فيلم (عطر امرأة ) بطولة آل باتشينو، وشاهد فيلم ( الكيت كات ) لداوود، يرى مشهداً متشابهاً : محمود عبد العزيز الضرير يقود موتوسيكلاً ، وآل باتشينو الضرير هو أيضاُ يقود سيارة . فمن سرق الآخر ؟. سؤال ساذج طبعاً . ما المانع فى أن تنتاب أى أعمى ، فى أى مكان، الرغبة فى أن يظهر لآخرين أنه يبصر الدنيا والناس وما يفعلون بأوضح ممن يمتلكون عيون صقر ( 6 على 6 ) ، إنها مثل الرغبة التى تنتاب جائعاً فيرى البصلة خروفاً ، والفول لحماً ، وفيما هو نائم يحلم بسوق العيش ، مثل الرغبة التى تنتاب محروماً فيرى المخدة ليلى علوى ، أو ماشاء من النجمات . إنه إحساس إنسانى ، سوىّ أو مضطرب ، موجود فى كل مكان .
ومرة أخرى هو سؤال ساذج فى هذا المقام الجامع بين فنانين كبار.
ومن ناحية أخرى :
الأفلام تشبه لعبة الميكانو التى تستطيع أن تفكها وتعيد بناءها لتصبح شيئاً مختلفاً ، ثم تعيد الفك والتركيب لخلق أشياء شديدة التباين ، رغم تماثل وتشابه الوحدات المستخدمة . بل أننى أتطرف وأقول أنه يمكن لمخرج مجنون بالسينما ، مخه طاقق بالإبداع ، أن يستولى على فيلم أعجبه ، ويفكه إلى لقطات ، ويُبعد عنه مؤثراته وموسيقاه التصويرية ، بل وديكوراته ، ثم يعيد بنيانه من جديد . فى هذه الحالة هو مخرج عبقرى إذا كان وراء ما فعل فلسفة معينة ، وبالتالى يحُسب له الفيلم ، بالضبط مثلما يذهب الفنان التشكيلى إلى سوق الجمعه بالإسكندرية ، ويشترى أشياء قديمة ( قد يكون بينها رابط أو لايكون ) ومنها يخلق لوحة جديدة ( قد تكون عبقرية ، وقد لا تكون ) .
ومع هذا فإن التشابه هو إشكالية السينما منذ وقت ليس ببعيد ، وقد نجت منها أمريكا لا من خلال نفيها ، بل من خلال تجديد طرائق التعامل معها مستعينة بــ :
* التقدم التكنولوجى فى أدوات السينما ( تصنيع وعرض )
* التعامل مع الأحداث الآنية أولاً بأول ، وقبل أن تصبح تاريخاً ماضياً
* الجرأة التى تزداد عاماً بعد عام فى تناول الموضوعات خاصة فى السياسة والمعتقدات الدينية والجنس بكل أنواعه السويّة وغير السويّة .
وطبعاً لست محامياً للشيطان ، فهناك لصوص ربما يحتمون بكلام مثل الذى قلته ، ولكن سلسلة أفلامهم هى التى ستكشف زيفهم ، حال فقدها للروح الجامعة لها .

الخميس، 13 أغسطس 2009

الكاتبون للآخرين والأخريات: بين بطش الحكام وإغراء السلطة الناعمة

لا يكتب كبار القادة والحكام والمسؤولين خطاباتهم أو كلماتهم الموجهة لعموم الناس، بل دائما هناك كتاب متخصصون في هذا النوع من الكتابة، توكل إليهم مهمة متابعة الشخصية الكبيرة أينما ذهبت، والاستعداد للحدث الذي ستحضره بتدبيج الكلمات والخطابات التي سيلقيها المسؤول أو الحاكم بل والرسائل التي يبعث بها إلى رؤساء الدول الأخرى في مختلف المناسبات.
هذه هي طبيعة الأمور، فالكتابة ليست مهنة الحكام ولا المسؤولين، خاصة اذا كانوا مثل معظم الحكام العرب أي: إما شبه أميين، ورثوا الحكم في غفوة من التاريخ، أو مجموعة من "الأومباشية" – على حد تعبير الشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم- يقصد مجموعة من العسكر غير المؤهلين للاشتغال بالفكر أو بالسياسة ناهيك بالطبع عن فن الكتابة!
وحتى جمال عبد الناصر الذي كان عسكريا متميزا عن أقرانه دون شك بما كان يبذله من جهد منذ شبابه لتثيقف نفسه عن طريق البحث والقراءة ومقابلة شخصيات لها وزنها السياسي وتدوين الملاحظات، كان يعرف حدود قدراته، وأنها لم تكن تشمل القدرة على الكتابة فكان يعهد بكتابة رسائله وبياناته وخطاباته إلى الكاتب والصحفي المعروف محمد حسنين هيكل.
أما خليفته أنور السادات فقد لجأ إلى صحفي من نوعية أدنى هو موسى صبري بعد خلافه مع هيكل. وعندما كان السادات "يخرج عن النص" أي يرتجل في الخطابة، كان يقول أشياء يموت الناس ضحكا عليها وسخرية منها، بل سرعان ما كان الكثير منها يتحول في اليوم التالي إلى نكات يرددها العامة!
مفهوم طبعا أن الحاكم يملك أن "يكلف" كاتبا بكتابة خطاباته، سواء بأمر تكليف مباشر، تحت تهديد الدبابات، أو تحت سطوة "الإغراء" بحكم ما يمكن أن يعود من فوائد على الصحفي أو الكاتب المكلف بكتابة خطابات "الريس" مثلا. ولكن الطريف أيضا أن الحاكم يحب دائما أن يتظاهر أمام الجميع بأنه هو الذي يكتب خطاباته بنفسه، وأن الكلمات الواردة فيها هي كلماته، رغم أنه يبدو أحيانا وكأنه لا يفهم الكثير مما يرد في سياق تلك الخطابات. ومن تلك مثلا أن السادات أخذ يردد في أحد خطاباته التي كتبها له هيكل في بدايات عهده قبل أن يفترق الرجلان، كلمة انجليزية هي catalyst وأخذ يعيد ويزيد فيها كثيرا.. وكلما حاول أن يشرحها ارتج عليه الأمر، وقال كلاما لا يبدو أنه يفهمه تماما فكان يقول إن الكلمة معناها "العامل المساعد واحنا ما في عندنا عامل مساعد ولا catalyst".. وكانت الكلمة قد وردت على لسان مسؤول أمريكي هو وليم سكرانتون مساعد وزير الخارجية روجرز، عندما كان يعرض استعداد بلاده للتوسط أو القيام بدور الـ catalyst في حل أزمة الشرق الأوسط عام 1971!
والطريف أيضا أن خطاب عبد الناصر الشهير الذي أعلن فيه تنحيه عن الحكم بعد هزيمة 1967 أصبح مقررا في العام التالي 1968 على طلاب الثانوية العامة، يدرسونه كلمة كلمة، كمثال على البلاغة اللغوية، باعتبار أن عبد الناصر هو كاتبه، أي صاحب أسلوبه البليغ.. فهل كان أحد يملك الاعتراض!
في المجال السينمائي هناك الكثير من "الناقدات السينمائيات" اللاتي ظهرن فجأة خلال السنوات الأخيرة وأصبحن يرغبن بشدة في الظهور، دون أن تكون "الموهبة" ناهيك عن القدرات، موجودة أصلا لديهن. أليست السينما كتابة عن النجوم والممثلين والمخرجين المشاهير، وتتيح الفرصة لمجالسة هؤلاء والحديث معهم؟
المشكلة أن القدرات أقل كثيرا من الطموحات.. وهنا ظهر من هو على استعداد لأن يكتب لهذه أو لتلك وينشر لها ويساهم في تلميع صورتها خضوعا لتلك "السلطة الناعمة" التي يمكن اعتبارها أحيانا أقوى من بطش كل السلطات!
ولكن لأن الكتابة اليومية والأسبوعية إلى جانب الكثير من الأعباء الأخرى قد تستغرق الكثير من الجهد والوقت، فقد أصبح أولئك الذين يكتبون لبعض الكاتبات في الصحافة المصرية، حكومية كانت أم معارضة، يلجأون أحيانا، بغرض اختصار الوقت، إلى سرقة ما ينشر من مقالات الآخرين أو اقتباس عبارات مما نشر في مقابلات صحفية مرتبة ومنظمة مع كاتب أو ناقد يعرف عادة ما يقول ويحسبه بالكلمة والمسطرة!
وعندما تواجه الكاتبة المسكينة وهي متلبسة بهذا الفعل الفاضح الفادح، تبكي وتنوح، وربما تقسم لك أيضا، أنها لا تعرف كيف وقع ما وقع، وإنها لم تكن تقصد سرقة أي شيء.. وهذا كله مفهوم وواضح، فقد فوجئت المسكينة على ما يبدو بانفضاح الأمر، في حين أنها لم تكتب شيئا بالفعل، بل وأغلب الظن أنها أيضا، لم تقرأ ما كتب باسمها، فيكفي ظهور الإسم لكي تزداد هي نفوذا وحضورا في الساحة ويرتفع سعرها!
زميلنا الكاتب اللامع الساخر سليم عزوز له قول بديع أعجبني كثيرا في هذا المقام. فهو يقول: "عهدي بمن يكتبون للآخرين، أنهم لا يكتبون بجودة عالية، حتي وان كانوا كتابا كبارا يكتبون لكتاب كبار، فضلا عن أن من يكتب للغير سرعان ما يصاب بالملل، لاسيما اذا كانت "المكتوب لها" ليست لها سلطة، ربما سلطة واحدة، إن وجدت، ونحن قوم نتميز بالملل".
صدق سليم عزوز وصدق.. وسنراهن على حدوث هذا الملل فربما توقفوا عن سرقة ما نكتبه لحساب "السلطة الناعمة" على الأقل لحين العثور على غيرها!

الثلاثاء، 11 أغسطس 2009

"جرائم الشرف" وغياب العقل: جماعة قتل الزوجات



بقلم: أمير العمري

في الأدب العربي الكثير من النماذج البارزة المحفورة في الذاكرة عن الهوس بالمرأة كهدف للجنس فقط، عن اعتبارها نوعا من الملكية الخاصة للرجل، يفعل بها ما يشاء، يبقيها دائما تحت رحمته، يختار لها كيف ومن تتزوج، ويحدد لها الطريق الذي يجب أن تسلكه، بل ويلقي على عاتقها أيضا بضرورة تحمل ما لا تطيق من أجل إنقاذ العائلة، والحفاظ على "شرف العائلة"، فهذا "الشرف" يرتبط أساسا بتصرفات المرأة، وتقييد هذه التصرفات هو الضمان للحفاظ على هذا الشرف، أما الرجل فله مطلق الحرية بالطبع.
وعندما يبلغ شك الرجل في المرأة مبلغه، يكون قتلها عقابا عادلا لا يحاسب عليه الرجل ولا يجب أن يحاسب، فهو "غسل للعار"، واسترداد للكرامة وشرف العائلة.
هل هو "ميكانيزم" دفاعي موروث، عن نظام القبيلة، أو مداراة ضعف أصيل في هذا النظام الذي انتقل إلى الأسرة في المجتمعات الشرقية، حتى أصبح ذلك العدوان على النساء يتم أيضا بمبادرة وأوامر عليا من المرأة- الأم أحيانا، وليس فقط من الأب- البطريرك.

في الثقافة الأخرى
أعمال أدبية مثل رواية "البوسطجي" ليحيى حقي، و"حادثة شرف" ليوسف إدريس، و"دعاء الكروان" لطه حسين وغيرها، تناولت جوانب من هذا الموروث وصورته.
غير أن الأمر لا يقتصر على ثقافة ذات ملامح محددة هي الثقافة العربية أو الإسلامية كما يشاع، بل تمتد أيضا إلى الثقافة الأخرى، المسيحية، فمن المعروف أن الروائي الكولومبي الشهير جابرييل جارثيا ماركيث، استمد روايته ذائعة الصيت "وقائع موت معلن" من حادثة حقيقية وقعت لصديق له هو جايتيانو جنتيلي في بوليفيا عام 1951. وكان هذا الرجل قد أقام علاقة مع فتاة تدعى مرجريتا شيكا سالاس ثم هجرها. وفي يوم زفافها إلى رجل آخر علم الأخير أن الفتاة التي يوشك على الزواج منها فقدت "عذريتها"، فأعادها إلى أسرتها حيث قام أشقاؤها بتدبير قتل جنتيلي وتمزيق جسده. وقد أرجع ماركيث الجريمة البشعة إلى تسلط الكنيسة الكاثوليكية بمفاهيمها الأخلاقية المتزمتة على مقدرات الناس في تلك البلدان.
سلسلة الجرائم التي تقع وتعرف بـ "جرائم الشرف" لا تعرف حدودا، لا في الزمان ولا في المكان. ففي بريطانيا العظمى، في منطقة ساري القريبة من لندن، وقعت قبل بضع سنوات، جريمة قتل بشعة راحت ضحيتها فتاة كردية شابة تدعى بناز محمد، بعد أن رفضت قبول الزوج الذي أرادت أسرتها فرضه عليها، وأرادت أن ترتبط برجل آخر (كردي، مسلم ايضا) في حين رأت أسرتها ان هذا الرجل "ليس مناسبا". وكان أن أصدر الأب (البطريرك) أوامره بالتخلص منها فقتلها ثلاثة من شباب العائلة.
أما يشو يونس، وهي فتاة باكستانية (16 سنة) كانت تقطن في غرب العاصمة لندن، فقد لقيت مصيرها على يدي والدها بعد ان أقامت علاقة عاطفية بشاب من خارج المجتمع الكردي في بريطانيا، وكان عليها أن تدفع الثمن: حياتها، فقد طعنها والدها 11 طعنة ثم أراد أن ينتحر.
وقضت نوزيات خان، وهي امرأة متزوجة في جنوب لندن، مصرعها على يدي زوجها بعد أن خنقها، لا لسبب إلا لأنها طلبت منه الطلاق بعد أن أصبحت حياتها معه مستحيلة. وقد فر الزوج بعد ارتكابه الجريمة إلى باكستان ولايزال مطلوبا.
وتقدر السلطات البريطانية عدد النساء اللاتي يقتلن في إطار ما يعرف بـ "جرائم الشرف" بأكثر من 5 آلاف امرأة سنويا، أو بمعدل 13 امرأة في اليوم الواحد. هنا يجب أن نعرف أن مجرد أن ترغب المرأة في الحصول على الطلاق لدى معظم الأسر الباكستانية، يعتبر من الأمور الماسة بالشرف.
أما الشك في حمل الفتاة نتيجة علاقة عاطفية خارج نطاق الزواج فهو بالطبع كبرى الخطايا، هنا ربما تكون الأم هي التي تصدر الأمر بالخلاص من العار، أو تشترك بنفسها في الجريمة.
وتقضي شاكيلا ناز حاليا عقوبة السجن المؤبد في باكستان بعد أن اشتركت مع ابنها في قتل ابنتها المراهقة الصغيرة شازاد بعد الشك في أنها أصبحت حامل من علاقة جنسية.
أفكار طارق علي
المفكر اليساري الشهير طارق علي، وهو بريطاني من أصل باكستاني، والذي كان زعيما للحركة الطلابية في بريطانيا في اواخر الستينيات وأوائل السبعينيات والمنتمي لعائلة "أرستقراطية" باكستانية مسلمة، كتب مؤخرا يروي كيف أن حفيدة عمه "زينب" (18 سنة) قتلت بطريقة وحشية في أكتوبر الماضي على أيدي أشقائها بسبب ارتباطها بشاب أرادت أن تتزوجه، رغم معارضة أهلها ولما استمرت في علاقتها به، أطلقوا عليها سبع رصاصات.
يقول طارق علي إن هناك 1262 جريمة من جرائم "الشرف" ارتكبت في باكستان عام 2006 فقط، إلا أن العدد الحقيقي يتجاوز ذلك لأن الكثير من الجرائم لا يتم رصدها أصلا.
ويضيف طارق علي في عرضه للموضوع بالتفصيل على صفحات "لندن ريفيو أوف بوكس": "تخيل المشهد التالي: يحلم رجل بأن زوجته تخونه، ثم يستيقظ من النوم فيجدها نائمة إلى جواره. وفي فورة غضبه يقوم بقتلها. لقد وقع هذا فعلا في باكستان ولم ينل الزوج القاتل أي عقاب".
ويتساءل: "إذا كان الحلم يمكن أن يصبح مبررا لجرائم الشرف فمن من النساء بمنأى عن الاتهام؟ وطالما أن الشرطة والنظام القضائي يعتبران الجرائم التي تقع داخل الأسرة شأنا خاصا فمعظم حالات القتل لا تنظر أمام القضاء حتى بعد أن يتم التحقيق فيها وتسجيلها".
تقرير مركز الأرض الذي نشر في مارس الماضي عن العنف ضد المرأة المصرية تلفت الفقرة التالية فيه النظر:"كشف التقرير عن مقتل 384 امرأة خلال العام الماضي الذي شهد 478 حادث عنف ضد المرأة، ورصد التقرير تنامي ظاهرة جرائم الاختطاف والاغتصاب. وقال التقرير الذي صدر بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، إن 145 سيدة لقين مصرعهن نتيجة العنف، و48 تعرضن لحوادث اختطاف واغتصاب، وإن 34 سيدة توفين بسبب العنف داخل الأسرة، فيما توفيت 11 سيدة بسبب الإهمال الطبي، وأضاف أن العام الماضي شهد 23 محاولة انتحار أسفرت عن وفاة 16 سيدة، وأن 23 امرأة لقين مصرعهن في حوادث طرق، ولفت إلي أن 56 حالة وفاة نتجت عن جرائم قتل عمد بينها 33 حالة داخل محيط الأسرة".
كذلك يجب التوقف أمام الفقرة التالية من التقرير: "وتصدرت ربات المنازل قائمة الضحايا بعدد 38 سيدة ثم الموظفات والخادمات والطالبات والعاملات، وكان الجناة في غالبية الجرائم من الأزواج، أو المطلقين أو ممن تم تحريضهم من جانب الزوج، وهذه الجرائم شهدت استخدام وسائل الذبح أو التشويه بمواد حارقة أو الماء المغلي أو الحرق بالكيروسين حتي داخل الأسرة، وشهدت الجرائم كذلك الضرب المبرح أو تهشيم الرأس أو الخنق".

في الغرب
ولا يجب ان يعتقد البعض أن "جرائم الشرف" قاصرة على الشرق فقط، بل إنها منتشرة أيضا بكثرة في الغرب رغم كل ما يقال عن الحريات واللامبالاة الاجتماعية وانعدام فكرة "الغيرة" أصلا في عقل الرجل الغربي.
القانون البريطاني مثلا لايزال يتسامح كثيرا في حالة ما يسمى بـ"جرائم الشرف". وفي 2003 مثلا صدر حكم بالسجن لسبع سنوات على رجل قتل زوجته بعد أن اعترفت بأنها على علاقة بمدرب الكاراتيه الخاص بها، وقد وقعت الجريمة أمام ابنتيهما الصبية عندما أخذ الزوج بوجه لزوجته طعنات متكررة. وقال الرجل في المحكمة إنه أصيب بنوع من العمى من شدة شعوره بالغضب.
ويعتبر القانون البريطاني جريمة الشرف قتلا على سبيل الخطأ، ولا ينال مرتبكها أحكاما مشددة مثل السجن المؤبد مثلا، كما يمكن أن يبرؤه القاضي تماما ويلتمس له العذر.

جرائم العار


في الأدب الغربي الكثير من الأعمال عن "جرائم الشرف" أو العاطفة، والتي يرى المستنيرون أنها تجلب "العار" لا الشرف، وأن الحل الأمثل لما يمكن أن يعتبر مساسا بالشرف في هذه الحالة هو الطلاق.
أما فيلسوف الوجودية الفرنسي الراحل جان بول سارتر فلم يكن يعترف بشيء يدعى "جرائم العاطفة". وفي مسرحية له بهذا العنوان يحول الموضوع من قضية تتعلق بالغيرة الشخصية بسبب الخيانة الزوجية مثلا، إلى الغيرة " السياسية، إذا جاز التعبير، بسبب الانحراف عن الهدف الأيديولوجي. فهو يصور كيف يٌكلف شاب باغتيال زعيم الحزب الشيوعي بعد أن انحرف عن الخط السياسي للحزب. لكن الشاب يصادق الزعيم، ويقترب منه، ويتفهم طبيعة أفكاره، ويتردد يالتالي في تنفيذ ما كلف به، ويصبح مثل "هاملت" حائر بين الواجب والمشاعر. ولكنه يحسم أمره عندما يدخل ذات يوم على الزعيم في مكتبه فيجد زوجته في أحضان الزعيم، فيجذب المسدس ويقتله. ويقضي القاتل فترة في السجن ثم يخرج ويختبيء في منزل عشيقته، ويرسل الرفاق رجلا لتصفيته، وتطلب منه الفتاة أن يفصل بين الشخصي والسياسي، أي أن يعترف بأنه قتل الزعيم انتقاما لشرفه المهدور، لكنه يرفض ويصر على اعتبار ما قام به عملا سياسيا ويخرج لملاقاة القاتل الذي يتربص به وينال منه بالفعل فيموت معتقدا أنه بطل من أبطال الحزب، في حين أن رؤساءه في الحزب يقومون باعتماد الرواية التي يريدون ترويجها والتي تتلاءم مع التوجه الجديد الذي يقضي بتبني الخط السياسي للزعيم الراحل أي يتبنون قصة أنه قتل انتقاما لشرفه.
سارتر يرى أن المغتال لا يحقق شيئا من وراء بطولته الزائفة الانتحارية، وأنه كان مسؤولا عن اختياره وقد دفع ثمن هذا الاختيار، فهو يرى عموما، أن الإنسان مسؤول بالكامل عما يفعل، وليس هناك مجال لتبرير ما يفعله بأنه كان واقعا تحت تأثير الانفعال أو الغضب، كما لا يعترف بتأثير الأحلام على الإنسان لأن الأحلام من خارج الواقع. وكان سارتر يستخدم المسرحية لتجسيد ذلك المأزق الوجودي.
وقد أصر سارتر على أن القصد من المسرحية، التي أغضبت في البداية الحزب الشيوعي الفرنسي، لم يكن إدانة الحزب، بل وحظر سارتر عرضها في أعقاب ما وجه إليه في صحف الحزب من انتقادات، على ألا تعرض إلا بعد موافقة الحزب.
جرائم الشرف كارثة اجتماعية بلاشك، لأنها تلغي الدولة والقانون، وتحكم شريعة القبيلة، وتكتفي عادة بمعاقبة طرف واحد. إنها جريمة لا تخضع أساسا لأي منطق أو عقل. وكما قال ألبير كامي فهناك "جرائم الشرف، وجرائم المنطق".

الجمعة، 7 أغسطس 2009

من ذاكرة السينما: فيلم "زائر الفجر" لممدوح شكري

عرض فيلم "زائر الفجر" للمخرج الراحل ممدوح شكري في عرض أول قبل العرض التجاري العام في يناير 1973 في جمعية الفيلم ثم عرض في نادي القاهرة للسينما.
في ذلك الزمان، كانت الدنيا غير الدنيا، والناس غير الناس، والسينما غير السينما أيضا.
في الخارج، أي خارج جمعية الفيلم ونادي السينما، وكانا من أكثر المنابر السينمائية احتراما، وكانا يقدمان التحف السينمائية وفيهما تعلم هواة السينما التفكير والتأمل في السينما وفهم آلياتها ولغتها، كانت الحركة الطلابية في قمة المواجهة مع نظام السادات الذي يتراخى ويتعلل بشتى العلل للتهرب من المواجهة المحتومة مع الإسرائيليين لتحرير سيناء المحتلة. وكانت الحركة الوطنية وقتها، تسعى في الوقت نفسه، إلى الضغط على النظام من أجل تحقيق التحول الديمقراطي المنشود بعد أن ثبت أن سنوات الكبت والحرمان السياسي لم تجلب سوى الهزيمة والتراجع.
وقد ظهر فيلم "زائر الفجر" في تلك الأجواء، وكان يعبر أفضل ما يمكن، عنها، وفيه يصور ممدوح شكري ببراعة وحساسية خاصة، مجتمع الهزيمة من خلال دراما معقدة مدخلها هو التحقيق في مقتل صحفية شابة متمردة – ماجدة الخطيب- كانت تحاول أن تفهم لماذا حدث ما حدث ومن المسؤول عما وصلت إليه البلاد من تدهور على مستوى البنية التحتية، وأصبحت أجهزة الأمن تلقي بوطأتها الثقيلة على حياة الناس، تتجسس عليهم، وتصفي حساباتها وصولا إلى القتل، مع كل من لا يعجبها سلوكه، أو بالأحرى مع كل من يغرد خارج السرب، ويسعى لمعرفة الحقيقة.
وكان المحقق الشريف- عزت العلايلي- يسعى بكل ما يمكنه من جهد، للوصول إلى الحقيقة وراء مقتل الصحفية، رافضا الاتصياع للضغوط التي تمارس عليه من أعلى الجهات.
كان يفترض أن الفيلم يدور في مجتمع ما بعد الهزيمة مباشرة أي في العهد الناصري، وكان يدعو بوضوح إلى التغيير، ويتساءل عن المسؤولين عما جرى، بل ويبدي تعاطفا واضحا مع القوى الثائرة التي تحمل الهم الوطني على عاتقها. وفي الفيلم يقوم شكري سرحان بدور لا يمكن نسيانه أبدا، هو دور المناضل الوطني الذي يعيد إحياء خلية نضالية مع رفاق الماضي من أجل استئناف النضال بعد أن أدرك أن منطق "تفويض الزعيم" نيابة عن الشعب قد فشل ولم يؤد سوى إلى الكارثة التي وقعت.
ولاشك أن الفيلم في بنائه الذي يعتمد على اعادة رواية ما وقع (أي ما وقع للبطلة القتيلة) من وجهات نظر متعددة، كان متأثرا على نحو كبير، ببناء فيلم "زد" Z الذي كان قد ظهر قبل ذلك بفترة قصيرة وحقق أًصداء هائلة ومنعته الرقابة من العرض في مصر تخوفا من تأثيره الكبير على طلاب الجامعة الثائرين.
ولاشك أيضا أن الأصل في هذه البناء المركب، الذي اقتبسه كاتب سيناريو الفيلم رفيق الصبان، واستعادة الرواية من وجهات نظر عدة، هو فيلم "راشومون" Rashmon العظيم للمخرج الياباني الراحل أكيرا كيروساوا.
وقد منع عرض "زائر الفجر" من العرض العام بعد أيام من عرضه بسبب قوة تأثيره وحساسية الفترة واهتزاز الوضع السياسي.
ولم تسمح الرقابة بعرضه إلا عام 1975 أي بعد أكثر من ثلاث سنوات وبعد ان استبعدت منه عشرات اللقطات التي لم يتم أبدا استعادتها بعد ذلك، بل إن الفيلم لايزال ممنوعا من العرض بالتليفزيون المصري حتى يومنا هذا.
ولاشك أن منع عرضه ثم تشويهه، كان ضربة شديدة الوطأة لمنتجته ماجدة الخطيب. وقد تعرض ممثلوه أيضا لنوع من "التحذير" من جانب الأجهزة الأمنية، لأن الفيلم في مضمونه كان "ساخنا" بالفعل، وكانت تتردد فيه عبارات تقول على سبيل المثال: البلد دي ريحتها فاحت.. عفنت.. بقت عاملة زي صفيحة الزبالة.. لازم تتحرق"!
وكان الفيلم ينتهي على طريقة الأفلام السياسية الايطالية التي كانت في قمتها في تلك الفترة، خاصة فيلم "انتهى التحقيق.. إنس الموضوع" للمخرج داميانو دامياني، الذي كان قد عرض في القاهرة ضمن اسبوع الفيلم الايطالي، وأثار اهتماما نقديا كبيرا. وكان ينتهي بصدور أوامر عليا من أعلى مستوى، بنقل ضابط التحقيق وإغلاق الملف، والافراج عن المشتبه فيهم، دلالة على أن النظام أقوى من الأفراد مهما كانوا، وأن محاولة الإصلاح من داخل النظام نفسه لا تجدي.
وكان "زائرالفجر" هو الفيلم الثاني لمخرجه ممدوح شكري بعد فيلمه الأول "أوهام الحب" (1970)، وبعد اشتراكه في اخراج فيلم مكون من ثلاث قصص أخرج منها واحدة أي "ثلث" فيلم. وكان "زائرالفجر" قفزة نوعية كبيرة في الأسلوب واللغة والبراعة الحرفية في تنفيذ المشاهد والسيطرة على أداء مجموعة كبيرة من الممثلين شاركت في الفيلم منهم سعيد صالح ورجاء الجدواي وتحية كاريوكا ويوسف شعبان وعايدة رياض ومديحة كامل وزيزي مصطفى وجلال عيسى بالاضافة بالطبع إلى شكري سرحان وماجدة الخطيب وعزت العلايلي.
كان فيلم "زائر الفجر" أحد الأفلام "الثورية" السياسية النادرة في تاريخ السينما المصرية، وكان منطقه من القوة بحيث خشت السلطات من تأثيره الكبير على الجماهير، بل ولاتزال تخشاه حتى اليوم.
وقد أصاب الاكتئاب ممدوح شكري لفترة جعلته يهمل في صحته مما أدى إلى إصابته بمرض حاد نقل على اثره إلى مستشفى الحميات حيث صعدت روحه إلى بارئها هناك قبل أن يشهد التصريح بعرض فيلمه ولو مبتورا.
وهكذا.. ورغم أن النظام كان يرفع شعارات الحرية والديمقراطية ويدين مجتمع القهر السابق (في عهد عبد الناصر) إلا أن الفيلم كان أقوى كثيرا من أن يمكن استخدامه لدعم مثل هذه الشعارات البراقة التافهة التي لاتزال تتردد.. ويصدقها البعض أيضا!
جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger