السبت، 30 مايو 2009

مشكلة الأفلام الفائزة بجوائز مهرجان كان

من فيلم "كيناتاي" الفليبيني

في مقال سابق أبديت اعتراضي على فوز عدد من الأفلام في مهرجان كان بجوائز، وقلت إن نتائج التحكيم، خصوصا في المسابقة الرئيسية للأفلام الروائية الطويلة، جاءت مخيبة للآمال، ويتعين علي أن أفسر لماذا كان موقفي هذا.
لقد سبق أن أبديت رأيي باختصار في فيلم "الشريط الأبيض"The White Robbon الحاصل على "السعفة الذهبية" وقلت إنني وجدته عملا تقليديا ثقيلا على النفس والعين، وإنه لا يحمل أي جديد فيما يتعلق باللغة السينمائية بل ولا يمكن اعتباره من أفلام الرؤية لأنه باختصار، لا يحمل أي طموح في الشكل أو حتى في طريقة السرد السينمائي. وبالمناسبة "الشريط الأبيض" عبارة كانت تشير إلى "النقاء"، وهنا يمكن أن تكون مقصودة في الاشارة للنقاء العرقي.
أما فيلم "كيناتاي" Kinatay الفلبيني (ومعناها "الذبح" أو المذبحة)، فهو قد يكون من أكثر الأفلام التي شاهدناها عنفا بل وإغراقا في العنف. إنه يصور فساد الشرطة في مانيلا وما وصل إليه هذا الفساد من إيغال في الجريمة والعنف، من خلال عيني فتى في بداية حياته العملية في سلك الشرطة السرية، يجد نفسه وسط مجموعة من عتاة الشرطيين أو بالأخرى، المحرمين الذي لا يتورعون عن ابتزاز مروجي المخدرات والعاهرات مثل "مادونا" التي يعتقلونها ويأخذونها بعيدا إلى بيت منعزل في بلدة أخرى، لتعذيبها بشتى الطرق بسبب تقاعسها عن دفع الإتاوة المطلوبة مقابل حمايتها من جانب وحدة الشرطة السرية، ثم ذبحها وتقطيع أوصالها إربا في مشاهد من أبشع ما صورته السينما.
الفيلم مصور باستخدام أسلوب السينما التسجيلية: كاميرا مهتزة متحركة، لقطات خافتة الإضاءة مصورة داخل ديكورات طبيعية، ممثلون يؤدون كما لو كانوا يقومون بأدوارهم في الواقع، ولقطات صادمة.
الفيلم الذي يعكس ملامح الصدمة على ذهن ونفسية الشرطي الشاب المبتديء، لا ينتهي بصاحبنا وقد خرج كما دخل إلى هذا العالم القاسي الغريب الذي يسبب له الدوار، بل بعد أن أصبح عمليا، أكثر صلابة وقدرة على التحمل، مما يشير إلى أنه سيصبح مثل الآخرين، خصوصا بعد أن نال مكافأة مالية من رئيس وحدة الشرطة الذي قدم في الفيلم كما لو كان رئيسا لعصابة من القتلة والمجرمين.
لا يوجد شيء جديد في كل هذا سوى القسوة الشديدة الواضحة في مشاهد التعذيب والتنكيل، أما أسلوب ولغة الإخراج وطابعه التسجيلي فلا جديد فيها.
وحصل فيلم "حمى الربيع" The Spring Fever الصيني للو يي على جائزة أحسن سيناريو، ولا ندري حقا أي سيناريو هذا الذي تشيد به لجنة التحكيم، فهو سيناريو بدائي يدور حول ثلاثي تقليدي: الحبيبان والزوجة، والحبيبان هنا اثنان من المثليين الصينيين الذين يرتبطون معا بعلاقة حسية حميمية ساخنة، ويصورهما الفيلم في مشاهد "جرافيكية" مباشرة شديدة الوضوح وهما يمارسان الجنس بل ولا يتورعان عن المضاجعة حتى في الأماكن العامة، كما يصور غيرة الزوجة على زوجها ورغبتها في إفساد العلاقة بينه وبين ذلك "الآخر".
ويدور الفيلم في أوساط الشواذ الذين يكشف عنهم في مشاهد شبه تسجيلية، تدور في أوكار الشذوذ في بكين. وهو بهذا التصوير "السري" الذي دار بعيدا عن عيون السلطات الصينية، أصبح فيلما سياسيا بدرجة اساسية، لأنه يعكس أجواء التخفي والمطاردة التي يعيشها المثليون في الصين.
وهو في هذا شأنه شأن الفيلم الذي يحمل اسم إيران، وهو في الحقيقة من الانتاج الفرنسي بالكامل، أقصد فيلم "لا أحد يعرف شيئا عن القطط الفارسية" للمخرج بهمن قبادي، الذي صوره مخرجه أيضا سرا في العاصمة الإيرانية وضواحيها.
هذا المخرج تحديدا سبق لي أن كتبت عن فيلمه السابق البديع "نصف القمر" Half moon الذي يدور حول موسيقار كردي طاعن في السن هو "مامو" يرغب في الرحيل من كردستان ايران إلى كردستان العراق لتقديم موسيقاه هناك التي حرم من تقديمها منذ 35 عاما (أي منذ سيطرة البعث وصدام حسين على الحكم) في حفل كبير ينتظر أن يكون بحق احتفالا كبيرا بعودة الحرية.
غير أنه يتعين على "مامو" أولا أن يجمع شمل أبنائه العشرة، وهم في الوقت نفسه أعضاء فرقته الموسيقية، ويجد أيضا وسيلة تنقله إلى أعالي الجبال عبرالحدود، بمن فيهم "هشو" مغنيته الوحيدة التي تعرف ألحانه وتستطيع أداءها. غير أنه ليس مسموحا للمرأة بالغناء في إيران، ويتعين بالتالي أن يقوم مامو بإخفاء المغنية في مكان ما في الحافلة.

من فيلم "القطط الفارسية"

وفي الطريق تقع الكثير من الأحداث: يتعرض البعض للسرقة، وتقبض الشرطة على بعض الأبناء بعدهم إلى داخل البلاد بدعوى عدم حملهم تصريحا بالخروج معهم، ويصادر حراس الحدود الإيرانيين الآلات الموسيقية للفرقة ويحطمونها، ويقبضون على المغنية ويعيدونها من حيث أتت رغم توسل مامو واحتجاجه. ويلقى مامو مصيره قبل أن يحقق هدفه.
كان هذا الفيلم يعبر بصدق عن الثقافة الخاصة للمخرج ويعكس وعيه بقضية شعبه، تماما كما كان فيلمه الأسبق الرائع "زمن الجياد السكرانة" (2000).
أما فيلمه الجديد فقد أخرجه رغم منعه من العمل في إيران، لذا دار تصويره سرا، ولكن أيضا لأنه يصور كيف تسيطر موسيقى "الروك" الغربية على الكثيرين من الشباب الايراني، وتصبح قضية وجود، بل وحلما من أحلام المتشبثين بها، يرغبون بكل الطرق، اقامة حفلاتهم الخاصة في دولة تمنع مثل هذا النوع من الموسيقى والغناء بل وتحظر غناء النساء.
ولا يدعو الموضوع أصلا إلى التعاطف لأن "ابطال" هذا الفيلم الضعيف لا يعبرون عن تمسكهم بهويتهم بل يريدون بالأحرى، التخلي عن هويتهم التي تتأصل في الموسيقى الإيرانية والغناء الفارسي، لحساب التشبث بالموسيقى الغربية وايقاعاتها. وهي ليست في الحقيقة موسيقى أو أغاني "احتجاجية"، بل أحيانا أيضا تتردد كلماتها بالانجليزية وفي سياق عاطفي!
ويعاني الفيلم من الضعف الواضح في السيناريو بسبب فراغه واعتماده على ما وقع لشخصين في الواقع، دون اكسابه مادة درامية صلبة جيدة، ويختلق شخصية اليهودي "ديفيد" الذي كان يساعد البطلين على الهجرة إلى الخارج، إلى بريطانيا تحديدا، من أجل تقديم أغانيهما من نوع "الروك" أمام الجمهور اللندني، إلا أن السلطات الإيرانية تقبض على ديفيد، ثم تهاجم المنزل الذي يقيم فيه عشاق الروك الايراني حفلا موسيقيا مما يؤدي إلى انتحار البطل بعد ان يلقي بنفسه من النافذة.. فيالها من قضية تلك التي يموت من أجلها أولئك المناضلون من أجل الموسيقى الغربية والغريبة على الثقافة الإيرانية!
المشكلة الواضحة هنا لأي مشاهد هي أن قبادي خرج من بيئته الطبيعية في كردستان، ومنطقة الحدود مع العراق، وفقد بالتالي معرفته الوثيقة بجمالياتها: الضوء والتكوين والمحيط الطبيعي أي الفراغ والإيقاع الخاص بالمنطقة وسكانها بل واللغة أيضا، وبدا وكأنه يصنع فيلما دعائيا عن عالم لا يعرفه، وعن موسيقى لا يؤمن بها حقا. هذا الفيلم مصنوع صنعا من أجل إرضاء الدوائر الغربية في حملتها السياسية ضد الدولة الإيرانية، ولذلك فالفيلم يفتقد إلى الصدق الفني، ويبدو اطول كثيرا من موضوعه، بل ويشيع فيه أسلوب الإعلانات التليفزيونية والأغاني المصورة، والخلل في إيقاعه العام، بسبب الاستطرادات والتنويعات التي يقدمها على نفس النغمة طيلة الوقت. والغريب أن يفوز هذا الفيلم في كان بجائزة خاصة من لجنة تحكيم قسم "نظرة خاصة".
أما جائزة لجنة التحكيم فقد حصل عليها فيلم "حوض الأسماك" Fish Tank البريطاني وهو يستحقها دون شك، لكنه تقاسمها مع فيلم آخر هو "عطش" لبارك تشان ووك من كوريا الجنوبية، وهو فيلم اثار استياء الجميع، فهو يروي قصة تحول قس إلى مصاص دماء، ويبدو مثل "نكتة" طويلة سخيفة، واعتبر من أسوا أفلام المسابقة.
لكن "التوازنات" الضرورية داخل لجنة التحكيم التي ضمت خمس ممثلات أدت إلى اقتسامه الجائزة، وهكذا خرجت أفلام مثل "الانتصار" Vincere و"البحث عن إريك" Looking for Eric و"الحشائش البرية" Wild Grasses و"عناقات مهشمة" Broken Embraces من مولد كان بلا جوائز!
وخلاصة القول أن مسابقة مهرجان كان التي شهدت تنافسا ساخنا بين عدد من الأفلام الجيدة، انتهت بنتائج هزيلة بعيدة تماما عما هو متوقع ومنتظر.

الجمعة، 29 مايو 2009

من رسائل الأصدقاء 2

* الصديق "سامي" وهو فلسطيني يعيش في بلده (التي أصبحت اسرائيل بعد 48) الذي كنت قد نشرت رسالة منه من قبل لم يذكر فيها اسمه (موجودة في مكان ما أسفل هذه الصفحة لأن النشر) بعث الرسالة التالية:
"أنا طالب جامعي ممن يطلق عليهم عرب الداخل... أحب السينما الجادة رغم أنني لا أعتبر نفسي ذي ثقافة سينمائية كافية... أحاول مشاهدة الأفلام كلما سنحت لي الفرصة. أنا مهتم بشكل عام بالسينما العربية الجادة (يوسف شاهين، توفيق صالح، ميشيل خليفي وغيره من المخرجون الفلسطينيون الجدد الخ...) أحاول قدر المستطاع أن أشاهد هذه الأفلام ولكن لا تسنح لي الفرصة دوما... مثلا فيلم المخدوعون (لتوفيق صالح وفيلم حيفا (لا أعلم المخرج.. ربما رشيد مشهراوي كان من بطولة محمد بكري) شاهدتهم في صغري في أحد المهرجانات المحلية وأحاول الحصول عليهم لإعادة مشاهدتهم دون جدوى. أفلام علي نصار (مثل درب التبانات) أحاول مشاهدتها -وهي كما سمعت أبسط من الناحية الفنية وتعد من صنف الواقعية الاشتراكية- ورغم كونها "عرضت تجاريا" في إسرائيل (ربما دار سينما واحدة لمدة قصيرة) لكن لا إمكانية للحصول على الدي في دي الخ...
على فكرة هنالك كتاب قيّم عن السينما الفلسطينية كتبه جورج خليفي (وهو أخو ميشيل الأكبر ويعمل في التلفزيون الفلسطيني على ما أظن) لكنه كتب في العبرية لأنه كتب خصيصا من أجل دورة عن السينما الفلسطينية في إحدى الجامعات الإسرائيلية. لنضع جانبا لبرهة قضية التطبيع والمقاطعة فالكتاب بحسب تقييمي ممتاز ومكتوب من وجهة نظر محايدة دون ان يكون متأثرا بالفكر الصهيوني أو اعتذاريا... به استعراض تاريخي وتحليل لتاريخ السينما الفلسطينية. ترجمة عنوان الكتاب مشهد في الضباب. برأيي سيفيد لو ترجم إلى العربية...
الآن بالنسبة لقضية التطبيع فلا شك بأنه أسلوب مشروع لمقاومة إسرائيل لكنني أرى أن تنفيذه يشوبه الأخطاء فتتم أحيانا مقاطعة فنانين من عرب الداخل مثلا بينما تقوم علاقات تبادل تجاري مع شركات إسرائيلية. على معارضة التطبيع التركيز بشكل أساسي على الاقتصاد (إذ أن هذا ما يؤثر على متخذي القرار) أما المقاطعة الثقافية فبرأيي يجب التعامل معها بحذر من ناحية نقاطع المؤسسة والمؤيدين للصهيونية (وأيضا اليسار الصهيوني) ولكن يجب العمل مع الجهات المعادية للصهيونية (على قلتها بين اليهود) ومحاولة إحداث تأثير داخل المجتمع الإسرائيلي. هذا رأيي على كل حال ولك رأيك بطبيعة الحال. يؤسفني أحيانا الجهل العربي بالمجتمع الإسرائيلي بل يؤسفني عدم وجود مثلا دورات عن السينما الفلسطينية في الجامعات العربية (ولذا أعتقد أن ترجمة كتاب جورج خليفي سيكون مفيدا).
أتمنى أن تعتبرني "صديقا للمدونة. وأنتظر المزيد من مقالاتك. تحياتي".
• عزيزي "سامي" أشكرك على هذه الثقة الغالية وأتمنى أن يستمر الحوار بيننا الذي كان قد بدأ بعد نشر مقال قديم لي هنا هن فيلم "عطش". سبق لي أن التقيت بجورج خليفي قبل حوالي 18 سنة في مهرجان قرطاج السينمائي وكان مشاركا فيه كمنتج لأحد الأفلام الوثائقية على ما أتذكر. لا أعرف كيف يمكن ترجمة كتابه الذي تشير إليه عن السينما الفلسطينية إلى العربية وإصداره. أتفق معك في أن هناك خلطا كثيرا يشوب موضوع مقاطعة التطبيع، وقد سبق أن كتبت تفصيلا في هذا الموضوع بصراحة لكن مقالي منع من النشر في أكثر من جهة من قبل الصحف المؤدلجة ثم من عرب الخيار السهل (أي الصراخ والاتهامات الجاهزة). وأعلنها من هنا بشكل مباشر وواضح: العداء يجب أن يكون للصهيونية أولا وأساسا، وضد كل ممارساتها. وهذا أساس كتابي "سينما الهلاك".
أهلا بك صديقا للمدونة وصديقا شخصيا لي أيضا، ولنستمر في الحوار.
=========================== ========================
* رسالة من قارئة تقول فيها إن تيم الحسن سيكون أفضل ممثل في السينما المصرية وإنه سيتفوق على كل نجوم مصر وإنه خليفة محمود مرسي وتبدي رفضها لما أبديته من رأي في أدائه في فيلم "ميكانو" الذي تناولته بالتحليل قبل فترة. أقول للقارئة المتحمسة أتمنى كل التوفبق لتيم الحسن وغيره من الممثلين المبتدئين الذين يشقون طريقهم في عالم النجومية في السينما المصرية، ولكن حماسك الشديد ليس معناه أنني سأقتنع بأن أداءه في "ميكانو" لم يكن باهتا وبلا أي ملامح خاصة.. ورحم الله محمود مرسي ألف رحمة!
========================= =========================
* رسالة من قاريء فلسطيني من داخل الخط الأخضر (لا يريد أن يذكر اسمه) يقول فيها:
"أتساءل هل تلعب الحسابات السياسية والتوازنات هذا الدور الكبير في الجوائز بمختلف المهرجانات الكبيرة؟ أم أن هذه حالة خاصة؟ ذكرت في تعليقك الأفلام الإسرائيلية وما فهمته من الإعلام أن إثنين منهم كانوا عن العرب (فيلم عجمي عن حي عربي في يافا وفيلم عن فلسطينيين في الخليل يحاولان التسلسل أثناء منع التجول).. ما تقييمك لهما فنيا أولا ثم سياسيا هل يقعا في خانة اليسار الصهيوني أم أن المخرجين تجاوزا الخطاب الصهيوني المجمل".
إجابتي على الشق الأول من السؤال أنه التوازنات عامل اساسي في كل لجان التحكيم (من خلال خبرتي الشخصية فيها) وهي في النهاية تعكس محصلة الذوق الخاص بأعضاء لجنة مكونة من سبعة أو تسعة اشخاص ومدى التوافق أو التنافر فيما بينهم، وتتميز الجوائز كلما كان أعضاء تلك اللجنة من السينمائيين المشهود لهم، وتنحدر مع انحدار مستواهم أو قلة خبرتهم السينمائية كأن يأتون لك بممثلة مبتدئة من هونج كونج لتقييم أفلام العمالقة مثلا. ولكن عموما التوازنات موجودة، وأحيانا أيضا التوجهات السياسية السائدة كأن يكون المناخ الشائع مثلا هو انتقاد السياسة الإيرانية (في الماضي كانت أفلام نقد الاتحاد السوفيتي يحتفى بها في مهرجانات الغرب).
أما بالنسبة لسؤالك الخاص بالأفلام الإسرائيلية في المهرجان فسأنشر قريبا جدا مقالا يتناولها بشكل ما فقد شاهدتها كلها.
========================== =========================
* الأستاذ محمود الطويل بعث يسألني عن أحدث كتبي. وهل انتهيت من الكتاب الذي أشرت إلى أنني أعمل فيه؟
أشكرك على اهتمامك بالأمر.. طبعا اضطررت لقطع العمل في الكتاب وهو سيستغرق بعض الوقت حتى يكتمل لكن هناك كتاب قادم في الطريق آمل ان يصدر قريبا وهو يضم الكثير من الذكريات الشخصية في دنيا السينما، وكشاهد على الكثير من الأحداث والأشخاص أيضا.
========================== =======================
* الصديق حسن سليمان يسأل: هل كانت جوائز النقاد في مهرجان كان بالترتيب: أولى وثانية وثالثة، وهل فيلم "أمريكا" حصل على الجائزة الثالثة؟ وهل يتم تقسيم النقاد أعضاء اللجنة حسب الأقسام؟
الإجابة على هذا السؤال هي أن جوائز النقاد ثلاثة جوائز في مهرجان كان لكنها ليست أولى وثانية وثالثة بل متساوية في قيمتها، لكنها تمنح حسب الاقسام المختلفة. وبالنسبة لتقسيم النقاد نعم يتم تشكيل ثلاث لجان داخلية مصغرة لكن من حق أي عضو في أي لجنة أن يتدخل ويقول رأيه في الأفلام التي تناقش في أي لجنة مصغرة أخرى بل ومن حقه أيضا التصويت. وهذا معروف لكل من سبق له الاشتراك في هذه اللجان الدولية للنقاد في المهرجانات الكبيرة التي تشكل فيها لجان مصغرة من داخل اللجنة الرئيسية بغرض تركيز جهد المشاهدة، ولكن لا أحد يمنع الرأي والتصويت على أي فيلم آخر يكون قد شاهده. وكل الأعضاء في النهاية يوقعون على كل شهادات منح الجوائز الثلاث ولا تعد الجائزة معتمدة إلا بتوقيع كل أعضاء اللجنة.
===================================================
*الصديق عمر منجونة بعث يقول: هناك شئ لا أفهمه بالنسبة لجوائز كان وربما المهرجانات بشكل عام: ان كان أحسن مخرج هنا هو (ميندوزا) وأحسن كاتب سيناريو هو (لو يى) فأى فرع بالضبط من فروع الابداع السينمائى هو المسؤول عن فوز مايكل هانيكه بالسعفة؟
بالطبع خالص التحية أستاذ أمير على مجهود حضرتك فى متابعة فعاليات (كان) هذا العام وعلى مقالاتك النقدية المثمرة.
عمر منجونة.
* عزيزيي عمر: سؤالك في محله تماما خصوصا بالنسبة لجائزة الاخراج
التي لا أجد لها أي مبرر في أي مهرجان وليس فقط في كان لأن من الطبيعي أن يكون أحسن اخراج هو أحسن فيلم والعكس صحيح أيضا، لأن الاخراج يفترض أن يسيطر على كل العناصر الفنية للفيلم. لكن منطق تقسيم الجوائز على هذا النحو في كان وغير كان (خصوصا في الأوسكار الأمريكاني الذي يمنح جوائز مضحكة مثل احسن مونتاج صوت ومكساج صوت ومؤثرات بصرية خاصة وما إلى ذلك كما لو كانت العناصر التقنية تقصد في حد ذاتها ولا توظف أساسا لخدمة الفيلم ككل وهو عمل المخرج. لكن عموما هذا التقسيم يعتمد على فكرة أن أحسن فيلم (السعفة الذهبية) يفترض أن يكون كامل المعاني من جميع النواحي الفنية، أما في حالة منح جائزة احسن اخراج فيفترض أن يكون الفيلم متميزا فقط في الاخراج (أو في السيناريو في حالة أحسن سيناريو) ولكنه ربما متوسط في العناصر الأخرى.. أو غير بارز تماما.
أنا شخصيا لا أفهم منح جوائز من هذا النوع وهي على أي حال مستحدثة على مهرجان كان تحديدا وغيره من المهرجانات الكبرى، فقد كانت الجوائز في الماضي تقتصر على أحسن فيلم وتمثيل وجوائز خاصة فقط للأفلام ككل. وعلى أي حال ولكل ما ذكرته من أسباب لا يمنح النقاد عادة جوائز سوى لأحسن الأفلام، ويشترط الاتحاد الدولي للنقاد (فيبريسي) منح جائزة واحدة لأحسن فيلم في المسابقات المحلية التي تقام في الدول أعضاء الاتحاد من خلال جمعيات النقاد، وهو ما تسير عليه مثلا في مصر جمعية نقاد السينما المصريين، وإن كان الاتحاد يمنح ثلاث جوائز في كان بسبب تعدد الأقسام والمسابقات. ولكن هذا أيضا لا يمنع من أن هناك جهات كثيرة (منها جمعية الفيلم في مصر مثلا) تقوم بتقليد الأوسكار وتمنح جوائز متعددة حتى لأفضل الملصقات السينمائية. والجميع يفضل السير على منوال الدعاية وحشد أكبر عدد من الأسماء والنجوم وارضاء اكبر عدد منهم واتخاذ المهرجان أو المسابقة كظاهرة دعائية وليس كتقييم فني حقيقي. وهذا أمر يتعلق بصميم السؤال التالي الذي ورد في الرسالة التالية (أسفل هذا الكلام) حول هل السينما تسلية أم ثقافة. وأنا أنتمي لجيل حاول أن يجر السينما دوما إلى محيط الثقافة وأن يتعامل معها على هذا الأساس، ولكن هل نجحنا؟ لا أعرف!
=================================================
وصلتني الرسالة التالية من الأستاذ ليث الربيعي:
السلام عليكم..
رحلة موفقة الى مهرجان كان .. وعودا احمد.
اثارني كلام احد النقاد المفاجيء لك ولي وهذا تعليقي..
فعلا انها مفاجأة... فالسؤال الاثير الذي دائما ما كانت اجابته خاطئة.. السينما هل هي فن ام ثقافة؟
في الكلية ايامذاك دخلت نزاعات ونقاشات كثيرة وكبيرة حول اجابتي واصراري على ان السينما (ثقافة) بل عوالم ثقافية صارت تمتزج فيها كل اشكال التعبير الانساني وتقدم بصيغ وابداعات مختلفة ومادتها دائما الصورة والصوت (اللقطة والحوار).
السينما فعلا ثقافة.. وعالمنا العربي ينظر لها بعين قاصرة ويصنفها على انها فن حالها كحال الاغاني الهابطة والرقص الماجن ولا ترقى لللوحة التشكيلية او المسرح.
نحن بحاجة الى السعي لتغيير المفاهيم الصدئة التي تلبذ السينما وتعتبرها متعة او لذة وقتية تزول سرعان ما ينتهي الفيلم بل اننا بحاجة الى دعوة الجميع لارشفة انطباعاته عن الافلام.. ونحن مدعوين لتقريب المسافات بين المشاهد العادي والفيلم الغير عادي.
ادعوك استاذ امير لفتح نقاش عام عن (السينما..ثقافة).

تحياتي
ليث عبد الكريم الربيعي
==================================================
تعليقي على رسالة الأخ ليث أولا أن الذي أدلى بالتعليق الطريف ليس "ناقدا" بل من صحفيي المهرجانات الذين انتشروا كثيرا في الفترة الأخيرة لأسباب لا علاقة لها بالاهتمام بالسينما أو قضاياها أو مهرجاناتها، بل بالجري وراء صور النجوم. وقد عرفت صحفيين (اثنين) جاءا ذات مرة إلى مهرجان سينمائي عربي فقط من أجل متابعة أخبار الميلياردير إيهاب طلعت وزوجته المغنية شيرين وجدي وتصويرهما.
ثانيا: عن قضية السينما: هل هي ثقافة أم فن، رأيي أنها الاثنين معا، ثقافة وفن، بل وصناعة وتجارة. لكن دور الناقد السينمائي المشغول بقضايا السينما، والذي يتعامل معها بجدية (ليس فقط باعتبار أنها من وسائل التسلية) يتعين عليه أن يدافع عن دورها الثقافي، وأن يطالب بتغليبه على دورها كأداة للتسلية، فهذه هي وظيفة النقد: أن يكون جزءا من ثقافة المجتمع ويتعامل بالتالي مع السينما في علاقتها بالفنون الأخرى وبالمنتج الثقافي في المجتمع ككل: المسرح والرواية والشعر والموسيقى والفن التشكيلي، ويتعين عليه أيضا الاستفادة من كل هذه الفنون والآداب. ولكن بسبب تدني النظرة السائدة إلى السينما عموما في المجتمع العربي، لاتزال السينما تنحصر فقط في اطار "التسلية" أو "صناعة التسلية" وهناك من يروجون لذلك بقصد الاستفادة من أصحاب "المنتجات" السينمائية وصناعها، فهؤلاء بكل أسف، يتعيشون على تلك المنتجات الفارغة، ويوظفون بالتالي كتاباتهم من أجل تحقيق المكاسب الشخصية (المادية أساسا).
لكني أنتهز هذه الفرصة وأدعو من خلال هذه المدونة المتواضعة، إلى مناقشة قضية السينما: ثقافة أم تسلية باسم الفن؟
في انتظار مداخلات الإخوة والأصدقاء المهتمين، على أن ترسل المداخلات على بريدي الالكتروني amarcord222@gmail.com

الخميس، 28 مايو 2009

"أمريكا" الفيلم الفائز بجائزة النقاد في مهرجان كان

كان فيلم "أمريكا" Amreeka للمخرجة الفلسطينية شيرين دعبس المقيمة في الولايات المتحدة، أحد ثلاثة أفلام حصلت على جوائز لجنة النقاد الدولية في مهرجان كان السينمائي. وقد أستحق الفيلم الجائزة عن جدارة كأحسن فيلم عرض في قسم "نصف شهر المخرجين"، فهو متعة للعين وللأذن، وتجربة تتمتع بالجدية والإتقان الحرفي إلى جانب الوضوح الفكري.
فيلم "أمريكا" يبدأ في مدينة رام الله بالضفة الغربية حين تتلقى "منى" وهي امرأة في منتصف العمر، مطلقة لديها ولد مراهق، البطاقة الخضراء التي تتيح لها الإقامة في الولايات المتحدة.
البطاقة الخضراء تعد فرصة من وجهة نظرها للإفلات من المتاعب اليومية المتكررة، نقاط التفتيش، واقع الاحتلال، التوتر الحاد الذي تشهده البلاد عشية الغزو الأمريكي للعراق عام 2003.
"منى" مع "ابنها" فادي الذي يرفض في البداية السفر إلى الخارج، حتى لا يبتعد عن أصدقائه، يفترض أن يلتحقا بشقيقتها "رغدة" المتزوجة من طبيب فلسطيني يعمل في إلينوي ولديها منه ثلاثة أبناء.
وتدور أحداث الجزء الثاني وهو الأكبر من الفيلم، في الولايات المتحدة، مع وصولهما إلى مطار شيكاغو، ثم فقدان كل مدخرات منى بعد أن تصادر سلطات المطار علبة من المأكولات كان المبلغ (2500 دولار) موضوعا معها في نفس الكيس.

بداية متعثرة
وتصل منى من البداية إلى أمريكا مهزومة بعد فقدان مدخراتها، ثم سرعان ما تشعر بثقل العيش مع أسرة شقيقتها: الزوج يعاني من انحسار زبائن عيادته بسبب تأثير الأوضاع السياسية، وتفشي الاعتداءات العنصرية مما يجعله يتسلح بما يجعله متأهبا لمقاومة أي اعتداء على منزله.
وتفشل منى أيضا في العثور على عمل يتناسب مع وظيفتها الأصلية في بلدها كموظفة في أحد المصارف، فتضطر للعمل في مطعم للمأكولات السريعة. لكنها تخفي الأمر على شقيقتها وابنها وتتظاهر بأنها تعمل في المصرف المجاور.

الطابع السياسي
الجو السياسي واضح تماما في الفيلم: انعكاس الغربة على أسرة فلسطينية تعيش في المهجر، الاعتداءات العنصرية التي يتعرض لها فادي من جانب طلاب في المدرسة، المحيط المختلف الذي يهدد بتمرد "فادي" على والدته وانسحابه بعيدا إلى حيث يتعاطى المخدرات، والمناقشات السياسية الساخنة التي تدور في حجرات الدراسة بين الطلاب.
ورغم ذلك، تنجح شيرين دعبس، وهي نفسها كاتبة السيناريو، في دفع الأحداث بسلاسة، مضفية نوعا من المرح الذي ينبع من المفارقات الكوميدية والتناقض بين الشخصيات في سلوكياتها، مما يخفف كثيرا من ثقل الأحداث وإن كان لا يلغي جدية الموضوع.
الشخصيات واضحة وبسيطة، وخاصة شخصية "منى" التي تقدم كنموذج للمرأة العادية، فهي لا تتمتع بجمال خارق بل إنها أقرب إلى البدانة، وهي تتحدث عن بدانتها وحاجتها لإنقاص وزنها بصراحة، ودون خجل، كما تضفي تلقائيتها البسيطة صدقا خاصا على الشخصية. هي مثلا تتحدث عن زواجها السابق منتقدة سلوكيات زوجها، ردا على سؤال مسؤولة الهجرة في مطار شيكاغو، ثم مع موظفة البنك الذي ترغب في العمل به.

تميز الحوار
ويتميز الحوار بوجه خاص، بالتلقائية والسلاسة وخفة الظل: هناك مثلا حوار يدور بين منى وزميلها الشاب في العمل بالمطعم حول الشطرنج.

عالية ثابت التي قامت بدور ابنة الشقيقة

عندما تعرف منى أن اسم زميلها "مات" تقول له إن معنى اسمه بالعربية "ميت" أي أنه الآن شخص ميت. وعندما تلمح قطعة من قطع الشطرنج معه تقول له إن الشطرنج لعبة عربية في الأصل، وإن الغربيين يستخدمون كلمات عربية مثل "شيخ مات" أي "الشيخ مات" دون أن يعرفوا أنها كلمات عربية.
وخلال مكالمة هاتفية بين منى ووالدتها في رام الله تقول لها الأم إنها لا تريد أن تلحق بها في أمريكا بل إنها لا تحب أمريكا، وتطلب منها إبلاغ رسالة إلى الرئيس بوش، بأن يوقف حربه على العراق ويتوقف عن دعم إسرائيل. هذه الرسالة السياسية الواضحة تقدم بنوع من المرح في الفيلم وبحيث يستوعبها المشاعد الغربي الذي صنع هذا الفيلم أساسا من أجله.
وتبتكر منى أيضا مأكولات خاصة تطور بها ما يقدم من مأكولات سريعة في المطعم الأمريكي فتدخل خلطة خاصة فيها الفلافل العربية، وهي وجبة تلقى قبولا لدى "مات" أولا، ثم لدى مدير المدرسة، المطلق مثلها الذي يبدي إعجابا خاصا بها.
وسرعان ما يتضح أنه يهودي من أصل بولندي لأسرة من المهاجرين، وهو لهذا يتفهم معاناة الأسرة الفلسطينية في المحيط العنصري.
وينتهي الفيلم نهاية مفتوحة متفائلة رغم كل المعوقات، تشير إلى أن منى ستعثر على عمل في البنك، وأن فادي سيواصل تعليمه وسيتكفل الزمن وحده بأن يجعله يتكيف مع زملائه في المدرسة الذين ينعته بعضهم بـ"أسامة" في إشارة إلى أسامة بن لادن.

براعة الأداء
شيرين دعبس في تجربتها السينمائية الأولى تبدو واثقة من أدواتها: إخراج المشاهد بحيث لا يفلت إيقاعها منها، القدرة على التحكم في الحركة الحرة للكاميرا، والإضاءة التي تنبع من مصادر طبيعية تكسب الصورة الطابع الواقعي، والشريط الصوتي الذي يتميز بالأغاني والموسيقى العربية، تأكيدا على الهوية طيلة الوقت.
وتتحكم شيرين جيدا في أداء الممثلين وعلى رأسهم بالطبع نسرين فعور في دور منى، بكل تلقائيتها، وتعثرها في نطق اللغة الإنجليزية، وتناقض صراحتها وتلقائيتها في الحديث مع الطريقة الغربية المتحفظة، وعموما أدائها من ابرز عوامل نجاح الفيلم في توصيل رسالته.
ويتميز أداء هيام عباس كعادتها، في دور الشقيقة "رغدة" بخفة ظلها، وتعليقاتها التلقائية، الساخرة حينا من الصورة المحيطة، أو الداعمة حينا آخر لشقيقتها والمشجعة لها على الاستمرار في الصمود.
وفيلم "أمريكا" أخيرا فيلم لا يدعي ولا يتظاهر، بل يكتفي بتقديم تلك الصورة الإنسانية البسيطة الدافئة لأناس عاديين يريدون العثور على مكان لهم في الحياة، ويترك المشاهد لكي يتوصل إلى استنتاجاته بنفسه.
شيرين دعبس حصلت على عدد من الجوائز والتقديرات عن الأفلام القصيرة التي كتبت لها السيناريو، قبل أن تكتب وتخرج "أمريكا" وهو فيلمها الروائي الطويل الأول.

الثلاثاء، 26 مايو 2009

حول جوائز مهرجان كان: لماذا لم يحصل "الزمن الباقي" على السعفة الذهبية

انتظرت أن تهدأ الضجة، وتنقشع العاصفة التي أثارها إعلان جوائز مهرجان كان الثاني والستين من لجنة التحكيم برئاسة الممثلة الفرنسية إيزابيل أوبير، قبيل أن أكتب رأيي في نتائج المهرجان.
كان رأيي المعلن، ولايزال – في يومياتي التي كتبتها من كان- أن فيلم إيليا سليمان "الزمن الباقي" هو الفيلم الأفضل بكل المقاييس بين كل أفلام المسابقة الرسمية، فهذا عمل أصيل، ممتع، متكامل تكامل اللوحة التشكيلية التي تعبر عن مبدعها، لا توجد فيه لقطة زائدة ولا لقطة ناقصة، أمتع كل ما شاهده بعين محايدة غير متعصبة. هنا نحن أمام "رؤية" بصرية هائلة لفنان، يتوقف أمام التاريخ ليعابثه، وأمام الجغرافيا، لكي يتشكك فيما تفرضه من "حتميات" تبدو وكأنها تكرس للتناقض المزري في منطقة شديدة الخصوصية، تفرض نوعا من "التعايش" بالسلاح، والبقاء للأفضل، ومن دون أي شعارات أو بيانات سياسية.
لقد جعل إيليا سليمان من الاحتلال "مسخرة"، دون أن يغفل نقد الوضع الفلسطيني بقسوة، ولكن بحب.
هذا هو الفيلم المتكامل المتماسك في بنائه، صاحب الصورة البديعة وشريط الصوت المبهر، الذي كان يستحق، بعيدا عن أي حسابات سياسية "السعفة الذهبية" أو في أدنى الأحوال، جائزة الإخراج. غير أن منح الفيلم السعفة الذهبية كان سيفسر على أنه "تأييد" لموقفه السياسي، وكل موقف سياسي في العالم مقبول حاليا: ضد إيران (كما في فيلم "القطط الفارسية التافه الشأن وأنا أعني كلمة"تافه" هنا، وضد الصين، وضد باكستان والعرب وحتى ضد الولايات المتحدة، أما موقف سياسي ينتقد "إسرائيل" فهذا رجز من عمل الشيطان، يستعيذ منه الأوروبيون والآسيويون، بل وأتذكر أيضا أن زميلي في عضوية لجنة تحكيم النقاد هذا العام أحمد جمال (ينطقونه أحمد زامال!) كان عضوا معي أيضا في اللجنة نفسها في 2002. وعندما منحنا (بالعافية) جائزتنا لفيلم ايليا سليمان السابق "يد إلهية"، وأثناء حفل توزيع الجوائز أسر لي أحمد جمال أنه لاحظ غضب الإسرائيليين الموجودين بالحفل، وكان يرتعد فزعا وخوفا، فقلت له إن الأمر لا يعنيني ولا شأن لهم بجوائزنا، وماذا تخشى أنت، وماذا سيفعلون لنا.. إلى هذا الحد بلغ الذعر من إسرائيل والاسرائيليين حتى في أوساط نقاد السينما، وحتى لو كان الناقد من بنجلاديش (المسلمة)!.

دور السياسة
إيزابيل أوبير صرحت قبل المهرجان بأنها لن تخضع الاعتبارات السياسية للجوائز منتقدة أداء سلفها شون بن رئيس لجنة التحكيم العام الماضي.
إلا أنني أستطيع القول إن السياسة طغت على نتائج لجنة ايزابيل أوبير بل والمقاييس الشخصية أيضا لأن فيلم "الشريط الأبيض" أولا فيلم سياسي تماما، بل إن فيه نوعا من الشطط عندما يعود ليدمغ ثقافة شعب كامل هو الشعب الألماني بالعنف والقسوة والميل إلى الصدام. وهو ليس أفضل أفلام مخرجه الكبير مايكل هانيكه، وأنا شخصيا من المعجبين بأفلامه السابقة مثل "مخفي" Hidden و"الشفرة مجهولة" Code Unknown و"ألعاب طريفة" Funny Games وغيرها.

وقد كتبت انطباعي عن فيلمه الجديد "الشريط الأبيض" The White Ribbon في يومياتي من المهرجان وقلت إنه عمل ثقيل الوطأة، تقليدي، يمتليء بالحوار الطويل المرهق. ولكن المفاجأة تمثلت في أن يحصل هذا الفيلم تحديدا، الذي لم يرشحه سوى ناقد واحد على السعفة الذهبية. ويبدو أن ايزابيل أوبير ردت الجميل لأستاذها هانيكه الذي منحها الفرصة في دور البطولة في فيلم "معلمة البيانو" The Piano Teacher الذي حصلت عنه على جائزة أحسن ممثلة في مهرجان كان 2001.
أما أن يحصل فيلم ضعيف ومفتعل وسخيف من كل النواحي هو فيلم "عطش" مناصفة على جائزة لجنة التحكيم مع فيلم متميز مثل البريطاني "حوض الأسماك" Fish Tank فهذا ليس سوى إرضاء أو ترضية لعضو اللجنة الكاتب والمخرج من كوريا الجنوبية لي تشانج جونج.
ويعد حصول فيلم "كيناتاي" Kinatay الفلبيني على جائزة أحسن إخراج ترضية ثانية للآسيويين الموجودين في اللجنة وليس أهمية الفيلم أو تميزه في الإخراج، وأين هذا الفيلم من أفلام آلان رينيه أو ألمودوفار أو كن لوتش!
ويعد ذهاب جائزة أفضل سيناريو لفيلم "حمى الربيع" The Spring Fever الفرنسي (الصيني) قمة المهزلة، فهذا عمل ضعيف مفكك لا يتمتع بأي قيمة خاصة، بل كل ما أثار اهتمام المهرجان به أن مخرجه ممنوع من العمل في الصين، وأنه صور فيلمه سرا على ما يبدو بكاميرا صغيرة، وفي أجواء معتمة قاتمة، ولأنه يخترق المحظور، حين يتناول علاقة عاطفية ملتهبة بين شابين من الشواذ جنسيا (يسمونهم المثليين). ومرة أخرى فهذه جائزة سياسية في المقام الأول.
فيلم "خريطة أصوات طوكيو" The Map of THe Sounds of Tokyo لا يستحق جائزة التميز الفني بل يستحقها عن جدارة فيلم "الانتصار" Vincere لبيللوكيو الذي كان يستحق أيضا أحسن إخراج أو الجائزة الكبرى للجنة التحكيم التي ذهبت إلى فيلم أقل في مستواه من "الانتصار" وإن كان ضمن الأفلام الجيدة هو الفيلم الفرنسي "نبي" A Prophet لجاك أوديار.
التمثيل
وفي رأيي أن أفضل أداء تمثيلي نسائي في كل أفلام المسابقة كان أداء الممثلة الإيطالية جيوفانا ميزوجيورنو في فيلم "الانتصار"، لكن الجائزة ذهبت للفرنسية شارلوت جينسبرج عن دورها في الفيلم الفضائحي "نقيض المسيح" Antichrist ربما لأنها كانت الممثلة التي وافقت على القيام بذلك الدور الذي يتضمن مشاهد جنسية عنيفة مقززة، بعد أن رفضه عدد من الممثلات.
ولعل جائزة أحسن ممثل هي الوحيدة التي أجدها في مكانها تماما هنا، فقد حصل عليها الممثل النمساوي العظيم كريستوف فالتز عن دوره في فيلم "أوغاد مجهولون" Inglorious Baserds لتارانتينو.
أما جائزة الكاميرا الذهبية فحصل عليها فيلم متواضع المستوى تماما هو "شمشون ودليلة" Samson and Dalila في حين أنه كانت هناك أفلام أكثر أهمية وقوة منه مثل الفيلم الكولومبي "رحلات الريح" Voyages of the Wind مثلا.
ومن العار أن يمنح المهرجان جائزة خاصة للإسهام الفني للمخرج آلان رينيه ولا يمنحه السعفة الذهبية عن فيلمه البديع "الحشائش البرية" الذي يتفوق بلا أدنى شك على فيلم "الشريط الأبيض" القاتم السوداوي الذي لا يضيف أي جديد، سواء على صعيد النص السينمائي، أم لغة الإخراج، بل إن كل شيء فيه تقليدي تماما.
توضيح حول جوائز النقاد
بخصوص جوائز النقاد التي كنت طرفا مباشرا فيها أود أو أوضح التالي:
أولا أنني لم أكن من الذين صوتوا لمنح أحسن فيلم من أفلام المسابقة إلى "الشريط الأبيض" بل عارضت ذلك وقلت بوضوح مستنكرا الفيلم "إن مهمة المتابع للفيلم من الذين لا يعرفون الألمانية تنحصر في متابعة الترجمة المصاحبة التي لا تتوقف، وأنه عمل ممل بسبب بطء إيقاعه، وغموض موضوعه، وطوله المفرط، وأساسا لأنه لا يتمتع بنفس اللغة السينمائية العالية والحساسية التي تميزت بها أفلام مخرجه السابقة. غير أن النتائج لا تصدر عن لجنة النقاد بإجماع الأصوات بل بالأغلبية، وبالتالي لم أستطع تغيير الاتجاه، خاصة وأنني كنت من أنصار منح فيلم "الزمن الباقي" الجائزة. وعندما اتفق على حصول الفيلم الفلسطيني (الأمريكي) الآخر "أمريكا" لشرين دعبس، وهو فيلم جيد، على جائزة أحسن فيلم في قسم "نصف شهر المخرجين" اعتبر هذا توازنا مقبولا.
أما فيلم "الشرطة: صفة" Police, Adjective الذي حصل على جائزة النقاد عن أفلام "نظرة خاصة" فهو عمل بديع غير مسبوق في لغته وبنائه وموضوعه أيضا، ولم يكن هناك أي خلاف عليه.
وقد كتبت رأيي فيما عرف بـ"أفلام العمالقة" في دورة كان الـ62، وانتقدت فيلم "الشريط الأبيض" حتى قبل أن نتوصل إلى الجوائز، وأرسلت بمقالي (بالإنجليزية) إلى الناشر المسؤول في اتحاد النقاد الدولي (فيبريسي) تمهيدا لنشره في موقع فيبريسي حسبما هو مطلوب من كل عضو من أعضاء لجنة تحكيم النقاد. ويتضمن مقالي (الذي لم ينشر بعد) انتقادا لأفلام المخرجين الكبار في المسابقة التي أرى أنها، بشكل أو بآخر، لم ترق إلى مستوى أفلامهم السابقة ربما باستثناء فيلم آلان رينيه "الحشائش البرية".
جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger