الجمعة، 22 مايو 2009

"الزمن الباقي": مفاجأة الفيلم الفلسطيني في مسابقة كان


استطاع المخرج الفلسطيني إيليا سليمان أن يقدم مرة أخرى، مفاجأة كبرى في مهرجان كان السينمائي بفيلمه الذي عرض أخيرا في مسابقة المهرجان ويحمل عنوان "الزمن الباقي: سيرة الحاضر الغائب".
وقد استقبل الفيلم من جانب النقاد والصحفيين الذين شاهدوه استقبالا حماسيا، واتفق الكثيرون على اعتباره "تحفة" حقيقية وعملا كبيرا من أعمال الفن السينمائي.
الفيلم يروي قصة حياة مخرجه ومؤلفه (إيليا سليمان) الذي سبق أن قدم مفاجأة بفيلمه السابق "يد إلهية" الذي حصل على جائزة خاصة من لجنة التحكيم في مهرجان كان 2002 كما حصل على جائزة اللجنة الدولية للنقاد.
إلا أن "الزمن الباقي" يتجاوز كثيرا ما حققه إيليا سليمان في فيلمه السابق، وفيه يعلو بلغته وأسلوبه ليقدم عملا سينمائيا حداثيا خالصا، يربط من خلاله بين قصة حياته الخاصة وحياة أسرته، وبين الأحداث التي شهدتها بلاده منذ عام 1948 حتى اليوم.

بناء الفيلم
يتكون الفيلم من عدة أجزاء، يتضمن كل منها مجموعة من الصور والمشاهد التي تلخص فترة زمنية معينة في حياة المخرج- المؤلف، يفصل بينها سليمان باستخدام أسلوب الإظلام التدريجي ثم الشاشة الخالية لبرهة، قبل ان يعود للضوء تدريجيا مع ظهور مشهد يدور في فترة زمنية أخرى تالية.
اللغة السينمائية التي يستخدمها تحمل ملامح أسلوب إيليا سليمان سواء في اعتماده على الصورة اعتمادا اساسيا، وعلى السخرية التي تتفجر من الجدلية الكامنة في العلاقة بين الصور واللقطات، أو من خلال التعليقات الموحية والأداء التمثيلي الذي قد يتخذ أحيانا أبعادا "كاريكاتورية".

الطابع الساخر
المشهد الأول في الفيلم يلخص أسلوب إيليا سليمان الساخر، ففيه يظهر جندي عراقي من المشاركين في الحرب في بلدة فلسطينية في الجليل، يتطلع إليه ثلاثة من الشباب الفلسطيني وهو يبحث عن طريقه، بينما تلقي طائرة إسرائيلية منشورات تحث السكان على الاستسلام والقاء السلاح.
الجندي لا يعرف إلى أين يتجه، وكلما ذكر اسم مدينة أو بلدة ما، يقول له الجالسون على المقهى في استرخاء وهدوء: لقد سقطت.
وفي مشهد هائل تطارد طائرة إسرائيلية سيارة بداخلها رجل يرتدي طربوشا، وشاب يلوح بعلم أبيض من خارج النافذة.
الطائرة تحلق فوق السيارة مباشرة، وتتابعها أثناء سيرها بسرعة شديدة في طريق ريفي إلى أن تصل إلى مبنى قديم لعله مبنى بلدية مدينة الناصرة.
وفي إحدى القاعات في الداخل، مجموعتان من الرجال: العسكريون الإسرائيليون على جانب، والعرب المدنيون على الجانب الآخر.
والرجل القادم ذو الطربوش هو رئيس البلدية، والإسرائيليون أعدوا وثيقة الاستسلام، ويطالبون بتوقيعها، ثم يطلبون التقاط صورة تذكارية للجميع معا في "هذه المناسبة التاريخية العظيمة"!
والد إليا، فؤاد سليمان، شاب في تلك الفترة، متزوج من نادية وهناك أيضا شقيقته أولجا، أما شقيقة نادية ثريا فقد لجأت إلىة الأردن.
ولكن فؤاد لا يريد الاستسلام ولا الفرار، ويخفي سلاحا لديه، ويتعرض للاعتقال والتنكيل به، بل والقائه من فوق ربوة عالية بغرض قتله إلا أنه ينجو.
مقاتلون فلسطينيون يفرون أمام الهجمات الإسرائيلية بالمصفحات والمدافع، يخلعون ملابسهم العسكرية ويلقون بها ويفرون.
الإسرائيليون الذين يراقبون المشهد من بعيد، يتقدمون ويستولون على الملابس الفلسطينية بما فيها الحطة التي يخفون بها وجوههم.
امرأة فلسطينية تراهم قادمين تطلق زغاريد النصر. يطلقون عليها الرصاص ويواصلون تقدمهم.
يتمكنون من خداع باقي المقاتلين ويقبضون عليهم، ونراهم وقد تراصوا بجوار أحد الجدران تمهيدا لإطلاق النار عليهم.
الإسرائيليون يصادرون بعض محتويات منزل سليمان بما في ذلك الجرامافون وحتى صورة كبيرة وساعة الحائط.
فؤاد يراقبهم من مكمنه على أنغام أغنية ليلى مراد (أنا قلبي دليلي) التي سيعود إيليا سليمان لاستخدامها أكثر من مرة في فيلمه.

واقع الاحتلال
القسم الأول من الفيلم يعكس الوضع الذي نشأ فيه المخرج: واقع احتلال، تشتت الأسرة، الرسائل المتبادلة بين فرعي الأسرة في عمان والناصرة.
لقطات التنكيل الذي يتعرض له فؤاد سليمان (والد المخرج) حينما يضربه جنديان إسرائيليان بكعوب البنادق بقسوة، يبدو في تفاصيله (مصور من زاوية بعيدة) وكأنه لقطة حديثة من تلك التي نشاهدها كثيرا في نشرات الأخبار اليوم للوضع في الأراضي المحتلة.
وبين حين وآخر، وعبر أجواء الفيلم، يحاول فلسطيني كبير متقدم العمر أن ينتحر بإشعال عود ثقاب، أحيانا بعد أن يصب الكيروسين على جسده، وحينا آخر بعد أن يضع وعاء مملوء بالكيروسين إلى جواره. لكنه يفشل دائما في إشعال عود الثقاب.
فؤاد يراقبه هو وغيره من الجيران في صمت، ثم يقوده من يده بعيدا، والرجل مستسلم له تماما.

إنها صورة بليغة موجزة تلخص العجز عن تحقيق الخلاص حتى ولو بالانتحار! وفي مدرسة ابتدائية بالناصرة حيث نشأ بطلنا، نشهد كيف تنشد التمليذات الفلسطينيات الأناشيد التي تمجد دولة إسرائيل، بالعبرية تارة وبالعربية تارة أخرى. مسؤول إسرائيلي يثني على "كورس" الأطفال ويمنحهم جائزة خاصة.
المدرس في الفصل يتحدث عن قدرة الديمقراطية الاسرائيلية على استيعاب الأقلية العربية.
إيليا يراقب في صمت، حالة الاغتراب تتصاعد. مدير المدرسة يوقفه في الممر ويعنفه بشدة: من قال لك أن أمريكا دولة إمبريالية؟
هذا المشهد بين المدير وإيليا يتكرر عدة مرات في سياق الفيلم، والمقصود منه تصوير تمرد الصبي مبكرا على الأفكار السائدة حوله. شخصية الجار العبثي شخصية أخرى تضيف إلى النسيج اللامنطقي- اللاواقعي، الذي يغرم به إيليا سليمان ويستخدمه في التلاعب بالموضوع، وروايته بحيث يفجر أكبر شحنة من السخرية، ويقدم تعليقا سياسيا بليغا وموجزا بلغة السينما الخالصة، بعيدا عن الخطابة، وبعيدا عن لغة البيانات والبلاغات السياسية التي سادت السينما الفلسطينية طويلا. الجار يخرج بين أونة وأخرى، يخاطب فؤاد أولا، ثم يتكرر ظهوره بعد أن يكبر إيليا، أو لعله يصبح جارا آخر مستنسخا من الشخصية الأولى.
يقول له ذات مرة على سبل المثال: أفضل حل للخلاص من كل من لبنان وإسرائيل هو أن تتورط لبنان في حرب ضد إسرائيل، فتقضي إِسرائيل على لبنان، ثم تتدخل فرنسا لتقضي تماما على إسرائيل.. ما رأيك؟
يتمهل إيليا قليلا قبل أن يجيب: لم أفكر في هذا من قبل!
أو أن يقول الجار إن مشكلة العرب إنهم لا يشربون الكحول فلو كانوا يشربون لأقدموا بكل شجاعة على مواجهة الإسرائيليين!

في السينما
يصور إيليا سليمان أيضا علاقته بالسينما، ويعود إلى الستينيات ومشاهدته فيلم سبارتاكوس في قاعة السنما المدرسية.
وعندما يصل الفيلم إلى المشهد العاطفي الذي يتبادل فيه سبارتاكوس القبلات مع حبيبته، تقف المعلمة أمام الشاشة لتجحب الرؤية وتقول للتلمذات: إنه يابنات أخوها.. هذا أخوها!
ويستخدم إيليا سليمان شريط صوتيا ممتعا ومفعما بالحيوية، يجعله جزءا أساسيا من نسيج الفيلم، يمتليء بالموسيقى والأغاني، خاصة أغاني فيروز وعبد الوهاب، وخطابات الرئيس عبد الناصر من إذاعة القاهرة، ونشرات الأخبار من صوت العرب.
وفي القسم الثاني من فيلمه الذي يركز على الوضع الراهن، يستخدم الأغاني الحديثة الشائعة وموسيقى الديسكو التي نرى عددا من الشباب العربي يرقص عليها بينما تتوقف مصفحة إسرائيلية في الخارج يبرز من نافذتها ضابط إسرائيلي ينذر الشباب عن طريق مكبر صوت بحلول حظر التجول. ويظل يكرر عدة مرات فرض حظر التجول فيما يستمر الشباب في رقصهم على أنغام الموسقى الصاخبة، لا يلتفتون ولا يسمعون!
ويصور كيف تتدهور الحالة الصحية لوالده إلى أن يودع الحياة، ثم كيف يكبر إيليا ويرث وضعا لا يتقدم بل يبقى في مكانه.
هنا في القسم الثاني من الفيلم، يتحول الأسلوب إلى العبث الساخر القريب من مسرح بيكيت، ومن سينما جاك تاتي الفرنسي: الصمت يغلب أكثر على الفيلم، السخرية النابعة من صدام الصور، هي سخرية نابعة أساسا من عبثية ما يجري على أرض الواقع.

الرمز ودلالاته
ولتكثيف رؤيته بعبقرية بصرية نادرة، يصور إيليا سليمان مثلا كيف يخرج شاب فلسطيني من داره لكي يلقي بالقمامة في حاوية خارج المنزل، فتتحرك دبابة إسرائيلية ضخمة وتسدد مدفعها العملاق في اتجاه الشاب.
الشاب يسير نحو الحاوية وتتابعه ماسورة الدبابة. يعود في اتجاه المنزل، والدبابة تستدير لتتابعه. يتوقف ليرد على الهاتف المحمول غير عابيء بالدبابة بل إنه لا يتطلع إليها طوال المشهد الذي ينتهي بدخول الشاب إلى المنزل بلا مبالاة، وماسورة الدبابة تتجه لكي تصوب نحو حاوية القمامة!
وفي مشهد آخر نرى كيف يقرر إيليا سليمان أن يعبر الجدار الفاصل الذي بناه الإسرائيليون في الضفة الغربية باستخدام رافعة الزانة التي تستخدم في الألعاب الرياضية، وينجح في لقطة فريدة في تجاوز الحاجز بالفعل إلى الجهة الأخرى.
بائع الصحف يردد "جريدة الوطن بشيكل وكل العرب ببلاش" في تعليق غير مباشر ينبض بالسخرية.
الشباب الثلاثة على المقهى (يتكرر ظهورهم عبر الفيلم).. أحدهم يطلب شراء "الوطن". البائع يقول له: ما بقى فيه وطن.. ولكن كل العرب ببلاش!
الصبي بائع الخضروات الذي يعرض على الخادمة الفليبينية التي ترعى الآن والدة إيليا لسيمان بعد تقدمها في العمر واصابتها بمرض السكري، أن تشتري كل ما يحمله من الفاصوليا بعشرة شيكلات لأنه لا يملك مالا يتيح له العودة إلى جنين.
الجار الفلسطيني الذي يعمل في الشرطة الإسرائيلية يسأله كيف تمكن من القدوم إلى هنا: هل لديك تصريح؟ سأبلغ السلطات عنك!يكتفي الصبي في النهاية بأن يطلب سيجارة، يشعلها ثم يمضي لحال سبيله!

لعبة الشد والجذب
في المستشفى حيث ينقلون الجرحى في الاشتباكات العنيفة التي جرت خلال تظاهرات بمناسبة الذكرى الرابعة لـ "يوم الأرض، يحدث مشهد يلخص الوضع العبثي.
أحد الجرحى فوق نقالة. المشهد العبقري الذي يعكس الإحساس الخاص بالمكان وزاوية الكاميرا لدى المخرج، مصور بكاميرا ثابتة. نحن نرى المبنى من الخارج.. نرى الطابق الأرضي المصمت، والطابق الأول منه فوق الأرضي نوافذه كلها زجاجية تكشف ما يدور في ممر المستشفى في الداخل.
في الخارج تتوقف مصفحة إسرائيلية يخرج منها عدد من الجنود، يصعدون وراء المسعفين الذين يحملون جسد فلسطيني مصاب.
نحن نشاهد كل ما يحدث كما لو كنا نتفرج على فيلم داخل الفيلم. والمشهد كله مصور في لقطة واحدة.
الجنود الإسرائيليون يسحبون النقالة من الفلسطينيين ويعودون في الاتجاه المعاكس. الفلسطينيون يجرون إلى ناحيتهم ثم يعودون بالنقالة في الاتجاه الآخر.
يتكرر الكر والفر، والشد والجذب عدة مرات، والحركة من اليمين إلى اليسار وبالعكس، إلى أن يشهر الإسرائيليون السلاح. هنا يحسم الأمر وينتهي الموقف الذي يلخص بلاغة اللغة السينمائية وخصوصيتها.
الإيقاع يصبح أكثر سرعة في الجزء الثاني من الفيلم رغم ازدياد مساحات الصمت، ويغلب على الفيلم أسلوب مشابه لأسلوب إيليا سليمان في فيلمه السابق "يد إلهية" على هذا الجزء. فمع امتداد الزمن يزداد الإحساس بالعبث، مع عدم تقدم الموقف رغم تقدم الزمن. وهذا هو سر وجود أسلوبين في الفيلم.
في الجزء الأول: هناك إحساس أقوى بالزمن، بالأحداث، هناك وضع يوحي بالحركة ولو على صعيد الإذاعات والصحف والأمل والحلم. الشباب على المقهى كانوا كأنهم في انتظار شيء. الشاب الذي كان يعبر أمامهم كان يصفر لحنا متفائلا بين حين وآخر.

تساؤل فلسفي
أما بعد ذلك فلم يعد هناك سوى تعاقب الزمن. ماذا تبقى من الزمن إذن قبل أن يصل الإنسان إلى نهاية الطريق!
هذا هو التساؤل الفلسفي الذي يتوقف أمامه إيليا سليمان في فيلمه الذي يمزج فيه بين الخاص والعام، الشخصي والمجتمعي، السياسي والنفسي، الفلسفي والواقعي.
إنه ينهي فيلمه وهو جالس فوق أريكة خشبية في الشارع، يتأمل دون أي انفعال. لقد فقد القدرة حتى على الانفعال مع ما يجري حوله.
الشباب الثلاثة أنفسهم مازالوا يجلسون على المقهى (ربما منذ ستين عاما!). شاب فلسطيني يسير أمامهم يرفع يده بعلامة النصر.
الثلاثة بملابسهم وهيئتهم والسجائر في أيديهم، يبدون كما لو كانوا شخصيات من عالم أفلام "الويسترن"، جامدون على الأريكة التي يجلسون فوقها، لا يتحركون بينما نستمع إلى إيقاعات عنيفة لأغنية عبرية!
هل كنا نشاهد فيلما من أفلام الويسترن منذ أكثر من ستين عاما.. لعل هذا ما يراه إيليا سليمان في فيلمه الذي سيترك تأثيرا كبيرا على كل عشاق السينما بلا شك.

يوميات مهرجان كان 10

عرض أخيرا فيلم إيليا سليمان "الزمن الباقي: سيرة الحاضر الغائب" (وهذا هو اسم الفيلم كما هو مكتوب عليه باللغة العربية) وهو فيلم فلسطيني تماما بمساعدة مالية فرنسية وصور في رام الله بالضفة الغربية وناطق كله باللغة العربية ويعبر ثقافيا وسياسيا وفنيا عن رؤية مخرج فلسطيني يروي قصة حياته وارتباطها بتاريخ بلاده منذ 1948 حتى اليوم. والفيلم باختصار شديد الآن تحفة حقيقية وعمل فني شديد الرونق والعذوبة ويستحق وقفة مطولة فيما بعد انتهاء الزحام.
إيليا سليمان أكد في المؤتمر الصحفي الذي ناقش فيه فيلمه أن الفيلم لم يحصل على أي دعم أو تسهيلات من إسرائيل، وقال إن اسرائيل تمنع أي دعم عن الفلسطينيين، ونفى أن تكون هناك جهة إنتاجية إسرائيلية وقال إن هذه مجرد اشاعات روجت لها أوساط أمريكية وإسرائيلية.
من وجهة نظري وبعيدا عن أي تكهنات أو توقعات، هنا قائمة لما أعتقد أنها أفضل الأفلام التي تستحق الجوائز الرئيسية في المسابقة الرسمية للمهرجان بدون أي حسابات خاصة أو مواقف مسبقة بل تقديرا للقيمة الفنية فقط. ومرة أخرى، هذه ليست تكهنات ولا توقعات بل اختيارات شخصية حتى لو جاءت النتائج مغايرة تماما:
1- الزمن الباقي- إيليا سليمان (فلسطين)
2- الانتصار- ماركو بيللوكيو (إيطاليا)
3- نبي- جاك أوديار(فرنسا)
4- عناقات مهشمة- بيدرو ألمودوفار (اسبانيا)
5- حوض الأسماك- أندريا أرنولد (بريطانيا)
6- الحشائش البرية- آلان رينيه (فرنسا)

أفضل ممثل:
* ستيف إيفتس (بطل فيلم "البحث عن إريك" البريطاني)
* فرنسوا كلوزيه (بطل فيلم "في الأصل" الفرنسي)
* ماتيو أمالريك (بطل فيلم "الحشائش البرية" لآلان رينيه- فرنسا).

أفضل ممثلة
* جيوفانا ميزوجيورنو (بطلة فيلم "الانتصار" لماركو بيللوكيو الايطالي)
* بنليوب كروز (بطلة "عناقات مهشمة")
* ميلاني لوررون (بطلة فيلم "أوغاد مجهولون" لتارانتينو).

أفضل إخراج:
* "الحشائش البرية"- آلان رينيه (فرنسا)
* "الانتصار"- ماركو بيللوكيو (إيطاليا)

أفضل سيناريو:
* البحث عن إريك- كن لوتش (بريطانيا)
* في الأصل- زافيير جيانوللي (فرنسا)
* "الحشائش البرية"- آلان رينيه (فرنسا)

الساحر يعود ويلقي عباءته مجددا على المهرجان



من أهم ما عرض داخل مسابقة مهرجان كان السينمائي الفيلم الجديد للمخرج بيدرو ألمودوفار، طفل السينما الإسبانية المدلل، وصاحب الأفلام الجريئة والمثيرة للذهن والخيال، التي تحقق التوازن المستحيل بين الفن والرواج، بين الحصول على إعجاب النخبة، واقتناص إعجاب الجمهور في مستوياته العريضة.
هذا العام يعود "الساحر" الإسباني بفيلمه الجديد "عناقات مهشمة" Broken Embraces لكي يتحفنا بعمل يشع أصالة ورونقا وسحرا، ويعيدنا إلى "جوهر" السينما، أي القدرة على رواية قصة آسرة بطريقة بليغة وجذابة معا.
سيناريو الفيلم الذي كتبه كالعادة ألمودوفار، يدخلنا في دروب كثيرة متشعبة، ويتجه بنا إلى أعلى ذروة من ذرى الميلودراما السينمائية، لكن دون أن يجعلنا ننفر مما نشاهده، لأنه ينجح بكل بساطة، في جعلنا نصدقه، نتعاطف مع شخصياته، نفهمها ونقترب منها، ونشعر بأزمتها.
الماضي يتداخل مع الحاضر، الخيال مع الواقع، عالم السينما، مع عالم الفنان، ويشكلان معا نسيج هذا العمل السينمائي الذي يتجول داخل تضاريس الإبداع الفني ويقدم زوايا وشخصيات جديدة غير مألوفة في أفلام المودوفار.
المرأة ليست محور الفيلم هنا رغم أنها محور الأحداث، بمعنى أن الدراما تتفجر في الفيلم من خلال الصراع على قلب المرأة بين رجلين: رجل ثري (ماتيو بلانكو) يرغب في امتلاك قلب وجسد الحسناء "لينا" (التي تقوم بدورها بنيلوبي كروز) وهي ممثلة مبتدئة وعشيقة له اضطرت للعيش معه من أجل المال، ثم سرعان ما تقع في الحب بالفعل مع رجل آخر هو بطلنا ارنستو مارتل المخرج السينمائي.
بلانكو ينتج الفيلم الذي يخرجه مارتل من أجل عيون لينا، لكنه يغضب عليها بعد أن ترفض الانصياع لرغباته وتريد أن تقطع علاقتها به والعيش مع حبيبها الحقيقي، فيقوم بتدمير الفيلم عن طريق اعادة تكليف مونتير سينمائي باختيار أسوأ اللقطات والمشاهد ووضعها في الفيلم وحذف اخيتارات المخرج الأصلية. والنتيجة كارثة فنية وتجارية عند الافتتاح.

عودة إلى الماضي
هذه الأحداث لا يبدأ بها الفيلم بل يبدأ من خبر موت بلانكو وتردد شخص يشك في أنه ابن الثري الراحل، على المخرج السينمائي مارتل الذي أصيب بالعمى الآن وأصبح يكتفي بالعمل ككاتب للسيناريو ويتخذ له اسم "هاري كين"، يريد هذا الشاب أن يخرج فيلما يكتبه له "كين" ينتقم فيه من والده وأفعاله!

وفي "فلاش باك" طويل أو ارتداد إلى الماضي، نعود لنشهد أحداث الصراع الذي وقع في 1992، ونرى كيف حقق بلانكو انتقامه من الحبيبين، بل وكيف أنه قد يكون أيضا وراء حادث السيارة الذي راحت ضحيته "لينا" الجميلة، وفقد مارتل نظره!
لكن الفيلم ينتصر في نهايته للمبدع السينمائي ويجعله يحقق انتقامه الشخصي من الشر ممثلا في بلانكو، بعد أن ينجح في انقاذ فيلمه وإعادة عمل المونتاج له بحيث يخرج كما كان يريده في الأصل!

السرد الخافت

أحداث وشخصيات عديدة أخرى في هذا العمل، الذي يهمس أكثر مما يصرخ، وينتقل من حكاية إلى أخرى، كعادة ألمودوفار في السرد، وبطريقة مشوقة، وأسلوب فيه طعم الكوميديا التي تنتج من المفارقات المضحكة.
الحوارات هنا قد تكون طويلة، ولكن الشخصيات تتكلم كما لو كانت تهمس لنفسها. ولقطات الكلوز أب القريبة تساعد على الإحساس بالشخصية بشكل مباشر، والكشف عن مشاعرها عن قرب.
والاستخدام الرصين الحذر للموسقى يساعد على التأمل دون أن يعيق الاندماج. هذا فيلم يصل إلى عمق المأساة الميلودرامية لكنه يتجاوزها، ليصبح أيضا احتفالا بالحياة.
في أفلام ألمودوفار الميلودرامية يمكنك أن تتوقع في أي لحظة أن يعثر البطل على ابن له مثلا في النهاية، كما يحدث هنا، فنحن نكتشف أن ابن مساعدة مارتل الشاب الذي أصبح متداخلا في الموضوع، والذي يستمع لأحداث الماضي كما يقصها عليه مارتل، ليس سوى ابن مارتل من مساعدته، التي لم تخبر مارتل بالحقيقة، بل ولم تخبر ابنها إلى حين تفجر المفاجأة في النهاية، وينتهي الفيلم بالخاتمة السعيدة.

فيلم واحد
ويمكن القول إن ألمودوفار يصنع فيلما واحد طيلة الوقت، رغم أنه لا يكرر الفيلم نفسه، بمعنى أن له طابعه وأسلوبه ولغته الخاصة بل وعالمه السينمائي المعروف بمفرداته الثابتة، لكنه يصوغ كل هذا من خلال "حبكة" جديدة، وحكاية مختلفة تماما عما سبق أن شاهدناه، دون أن يفقد قدرته على شد الانتباه وإثارة الفكر والخيال.
في "عناقات مهشمة" تبرز قدرة ألمودوفار على تجسد خياله من خلال السيطرة المدهشة على الأدء التمثيلي الذي يصل إلى أرقى مستوياته.
ولن يكون مدهشا إذا ما فازت بنيلوبي كروز بجائزة التمثيل في كان عن دورها في هذا الفيلم.
ويمكن القول أخيرا أن "عناقات مهشمة" تحية كبيرة إلى عمل المخرج السينمائي وإلى عالم السينما عموما.
ويعد الفيلم بأسره احتفالا بقدرة المبدع السينمائي على الابتكار والخيال حتى وهو أعمى.
وفي الفيلم إحالات سينمائية عديدة إلى أفلام من الخمسينيات ومن العصر الذهبي للسينما في هوليوود، وهي الأفلام التي يغرم بها ألمودوفار نفسه.
وفي الوقت نفسه هناك الفيلم داخل الفيلم الذي نتابع أيضا أحداثه، وهو الفيلم الذي يخرجه مارتل وتمثله لينا، وهو بعنوان "فتيات وحقائب"، ولعله يحيل في أكثر من زاوية، إلى نوع من كوميديا الأخطاء التي تتناقض بالتالي مع نسيج "عناقات مهشمة". ألمودوفار أحد الفائزين من قبل بالسعفة الذهبية، لكنه يبقى أيضا أحد المرشحين للفوز مجددا بها هنا في كان.

الخميس، 21 مايو 2009

ماذا حدث للسينما الإفريقية؟


في الدورة الحالية من مهرجان كان السينمائي فيلم وحيد يمثل السينما الإفريقية بأسرها، هو فيلم "قل لي من أنت" أو Min Ye للمخرج الشهير سليمان سيسي من مالي. وقد عرض الفيلم في قسم العروض الخاصة أي خارج المسابقة.
السينما الإفريقية التي اعتادت أن تدهش العالم، في كان تحديدا، بتجاربها المثيرة التي تسبح في الشكل، وخصوصا الأفلام الافريقية التي تلقى دعما فرنسيا، ولعل أشهرها أفلام الراحل عثمان سمبان، تعود إلينا من خلال فيلم واحد كنا ننتظر منه أن يوجز لنا الكثير خاصة وأنه لأحد أبرز المخرجين الأفارقة، لكن أملنا خاب.
سليمان سيسي الذي أدهش العالم قبل أكثر من عشرين عاما بفيلمه الرائع "يلين" Yeleen (أو التألق) يعود بعد توقف دام نحو أربعة عشر عاما عن الإخراج، لكي يفاجأنا بمحاكاة الأفلام التليفزيونية التي تدور عادة في ديكورات محدودة، وتتعامل مع القضية الاجماعية باستخدام الحوارات الطويلة التي لا يبدو أن لها نهاية، وبطريقة الانتقال بين الشخصيات بالقطع المتبادل التقليدي في لقطات كلوز أب أو لقطات متوسطة.
أما الموضوع فهو يبتعد عن البيئة الافريقية التقليدية بدلالاتها الخاصة (التي أجاد استخدامها مثلا المخرج الاثيوبي هيلا جيريما في فيلمه الكبير "تيزا") لكي يرتد إلى دراما المثلث التقليدي العتيق (الزوج- الزوجة العشيق)، ولكن ليس من خلال المفارقات المرحة المثيرة التي يمكن أن تأتي من موضوع كهذا، بل من خلال أسلوب متجهم صارم مليء بالحوارات العقيمة والصراخ والتقلب من النقيض إلى النقيض، دون نعرف لماذا، مع إدخال موضوع الشعوذة ولجوء النساء إليها في المجتمع الإفريقي رغم كون البيئة التي تدور فيها أحداث الفيلم هي بيئة الطبقة الوسطى الميسورة الحال ولكي يقول لنا إن "ميمي" بطلته المرأة المتمردة رغم تجاوزها منتصف العمر، يكنها ان تهزم السحر والشعوذة بقوة شخصيتها.
و"ميمي" طبيبة متزوجة منذ نحو 20 عاما من رجل في مركز اجتماعي مرموق، لكنها تقيم علاقة جنسية مع رجل آخر متزوج، لكنها ترى أنه يمنحها ما لا يستطيع زوجها أن يعطيها اياه، أي الكلام الجميل، والأحلام المشتركة، ولحظات الاسترخاء.
أما الزوج فهو إما مشغول معظم الوقت، أو يبحث أيضا عن فرصة للهرب بعيدا عن الروتين الذي يعيشه بل ويفكر أحيانا في اقامة علاقات خارج الزواج أيضا، وقد سبق له الزواج أكثر من مرة، وهو ربما يكون عاملا إضافيا لقلق زوجته وشعورها بعدم الارتياح.
الزوجة تطرد زوجها وتستولي على المنزل الذي ترى أنه من حقها، رغم أنها لا تشترك من الناحية المالية في أي مسؤوليات على الرغم من الدخل الهائل الذي تجنيه من عملها كطبيبة كما تقول.

الأمر يصل للقضاء بين الزوجين، مع إلحاحها على طلب الطلاق، ورفض الزوج. ومن ناحية أخرى تطاردها زوجة عشيقها، وتهددها وتوجه لها الاهانات حتى تكف عن ملاحقة زوجها.
وتعود الزوجة إلى زوجها ولكن في نيتها أن تدفعه لطلب الطلاق حتى تخرج من العملية رابحة. لكن الزوج يتحين الفرص إلى أن يضبطها متلبسة بخيانته مع العشيق.
وينتهي الفيلم وزوجها يتعهد بألا يراها أبدا مرة أخرى، بينما يفر العشيق عائدا إلى زوجته، متسترا على فضيحته الشخصية التي كادت أن تكلفه حياته.
أسلوب ولغة الفيلم كما أشرت لا تخرج عن نطاق المشاجرات الطويلة الممتدة التي يرتفع فيها صوت الزوجة، في إعلان واضح يؤكد عليه سليمان سيسي، عن أن المرأة الافريقية أصبحت ندا للرجل في التعبير عن مشاعرها ورغباتها الجنسية، ولم تعد تكتفي بقبول دور الزوجة المغلوبة على أمرها.
غير أن المشكلة أن جمهور الفيلم لا يمكنه التعاطف مع تلك الزوجة التي يصورها لأنها ببساطة تضبط متلبسة بالخيانة بعد أن كانت لا تعترف باقترافها بل وتنفي بشة وجود أي علاقة لها بالعشيق، في حين أننا نراها تهاتفه من وراء ظهر زوجها ومن داخل منزل الزوجية، فماذا يتوقع سيسي أن يكون رد فعل أي مشاهد للفيلم في هذه الحالة!
وما هو المغزى الاجتماعي العظيم في جعل الخيانة مرادفا للتحرر من السيطرة الذكورية وما إلى ذلك من أفكار باتت على أي حال، قديمة وبالية ومستهلكة.
ضاع الفيلم وسط مشاهد المشاجرات والاشتباكات المتكررة، وفقد أي حرارة ترتبط بالمكان، وفشل المخرج في الاستفادة من أجواء البيئة فيما عدا المشاهد النهائية التي يخرج فيها بالكاميرا خارج المنزل الذي تدور بداخله معظم الأحداث، فتحرر من سيطرة المكان الواحد، وتمكن من التقاط عدد من التفاصيل الصغيرة مع مزجها بالموسقى الافريقية الشعبية المميزة.
لكن ظل السؤال قائما: أين السينما الإفريقية الأصيلة في كان؟
جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger