الجمعة، 22 مايو 2009

يوميات مهرجان كان 10

عرض أخيرا فيلم إيليا سليمان "الزمن الباقي: سيرة الحاضر الغائب" (وهذا هو اسم الفيلم كما هو مكتوب عليه باللغة العربية) وهو فيلم فلسطيني تماما بمساعدة مالية فرنسية وصور في رام الله بالضفة الغربية وناطق كله باللغة العربية ويعبر ثقافيا وسياسيا وفنيا عن رؤية مخرج فلسطيني يروي قصة حياته وارتباطها بتاريخ بلاده منذ 1948 حتى اليوم. والفيلم باختصار شديد الآن تحفة حقيقية وعمل فني شديد الرونق والعذوبة ويستحق وقفة مطولة فيما بعد انتهاء الزحام.
إيليا سليمان أكد في المؤتمر الصحفي الذي ناقش فيه فيلمه أن الفيلم لم يحصل على أي دعم أو تسهيلات من إسرائيل، وقال إن اسرائيل تمنع أي دعم عن الفلسطينيين، ونفى أن تكون هناك جهة إنتاجية إسرائيلية وقال إن هذه مجرد اشاعات روجت لها أوساط أمريكية وإسرائيلية.
من وجهة نظري وبعيدا عن أي تكهنات أو توقعات، هنا قائمة لما أعتقد أنها أفضل الأفلام التي تستحق الجوائز الرئيسية في المسابقة الرسمية للمهرجان بدون أي حسابات خاصة أو مواقف مسبقة بل تقديرا للقيمة الفنية فقط. ومرة أخرى، هذه ليست تكهنات ولا توقعات بل اختيارات شخصية حتى لو جاءت النتائج مغايرة تماما:
1- الزمن الباقي- إيليا سليمان (فلسطين)
2- الانتصار- ماركو بيللوكيو (إيطاليا)
3- نبي- جاك أوديار(فرنسا)
4- عناقات مهشمة- بيدرو ألمودوفار (اسبانيا)
5- حوض الأسماك- أندريا أرنولد (بريطانيا)
6- الحشائش البرية- آلان رينيه (فرنسا)

أفضل ممثل:
* ستيف إيفتس (بطل فيلم "البحث عن إريك" البريطاني)
* فرنسوا كلوزيه (بطل فيلم "في الأصل" الفرنسي)
* ماتيو أمالريك (بطل فيلم "الحشائش البرية" لآلان رينيه- فرنسا).

أفضل ممثلة
* جيوفانا ميزوجيورنو (بطلة فيلم "الانتصار" لماركو بيللوكيو الايطالي)
* بنليوب كروز (بطلة "عناقات مهشمة")
* ميلاني لوررون (بطلة فيلم "أوغاد مجهولون" لتارانتينو).

أفضل إخراج:
* "الحشائش البرية"- آلان رينيه (فرنسا)
* "الانتصار"- ماركو بيللوكيو (إيطاليا)

أفضل سيناريو:
* البحث عن إريك- كن لوتش (بريطانيا)
* في الأصل- زافيير جيانوللي (فرنسا)
* "الحشائش البرية"- آلان رينيه (فرنسا)

الساحر يعود ويلقي عباءته مجددا على المهرجان



من أهم ما عرض داخل مسابقة مهرجان كان السينمائي الفيلم الجديد للمخرج بيدرو ألمودوفار، طفل السينما الإسبانية المدلل، وصاحب الأفلام الجريئة والمثيرة للذهن والخيال، التي تحقق التوازن المستحيل بين الفن والرواج، بين الحصول على إعجاب النخبة، واقتناص إعجاب الجمهور في مستوياته العريضة.
هذا العام يعود "الساحر" الإسباني بفيلمه الجديد "عناقات مهشمة" Broken Embraces لكي يتحفنا بعمل يشع أصالة ورونقا وسحرا، ويعيدنا إلى "جوهر" السينما، أي القدرة على رواية قصة آسرة بطريقة بليغة وجذابة معا.
سيناريو الفيلم الذي كتبه كالعادة ألمودوفار، يدخلنا في دروب كثيرة متشعبة، ويتجه بنا إلى أعلى ذروة من ذرى الميلودراما السينمائية، لكن دون أن يجعلنا ننفر مما نشاهده، لأنه ينجح بكل بساطة، في جعلنا نصدقه، نتعاطف مع شخصياته، نفهمها ونقترب منها، ونشعر بأزمتها.
الماضي يتداخل مع الحاضر، الخيال مع الواقع، عالم السينما، مع عالم الفنان، ويشكلان معا نسيج هذا العمل السينمائي الذي يتجول داخل تضاريس الإبداع الفني ويقدم زوايا وشخصيات جديدة غير مألوفة في أفلام المودوفار.
المرأة ليست محور الفيلم هنا رغم أنها محور الأحداث، بمعنى أن الدراما تتفجر في الفيلم من خلال الصراع على قلب المرأة بين رجلين: رجل ثري (ماتيو بلانكو) يرغب في امتلاك قلب وجسد الحسناء "لينا" (التي تقوم بدورها بنيلوبي كروز) وهي ممثلة مبتدئة وعشيقة له اضطرت للعيش معه من أجل المال، ثم سرعان ما تقع في الحب بالفعل مع رجل آخر هو بطلنا ارنستو مارتل المخرج السينمائي.
بلانكو ينتج الفيلم الذي يخرجه مارتل من أجل عيون لينا، لكنه يغضب عليها بعد أن ترفض الانصياع لرغباته وتريد أن تقطع علاقتها به والعيش مع حبيبها الحقيقي، فيقوم بتدمير الفيلم عن طريق اعادة تكليف مونتير سينمائي باختيار أسوأ اللقطات والمشاهد ووضعها في الفيلم وحذف اخيتارات المخرج الأصلية. والنتيجة كارثة فنية وتجارية عند الافتتاح.

عودة إلى الماضي
هذه الأحداث لا يبدأ بها الفيلم بل يبدأ من خبر موت بلانكو وتردد شخص يشك في أنه ابن الثري الراحل، على المخرج السينمائي مارتل الذي أصيب بالعمى الآن وأصبح يكتفي بالعمل ككاتب للسيناريو ويتخذ له اسم "هاري كين"، يريد هذا الشاب أن يخرج فيلما يكتبه له "كين" ينتقم فيه من والده وأفعاله!

وفي "فلاش باك" طويل أو ارتداد إلى الماضي، نعود لنشهد أحداث الصراع الذي وقع في 1992، ونرى كيف حقق بلانكو انتقامه من الحبيبين، بل وكيف أنه قد يكون أيضا وراء حادث السيارة الذي راحت ضحيته "لينا" الجميلة، وفقد مارتل نظره!
لكن الفيلم ينتصر في نهايته للمبدع السينمائي ويجعله يحقق انتقامه الشخصي من الشر ممثلا في بلانكو، بعد أن ينجح في انقاذ فيلمه وإعادة عمل المونتاج له بحيث يخرج كما كان يريده في الأصل!

السرد الخافت

أحداث وشخصيات عديدة أخرى في هذا العمل، الذي يهمس أكثر مما يصرخ، وينتقل من حكاية إلى أخرى، كعادة ألمودوفار في السرد، وبطريقة مشوقة، وأسلوب فيه طعم الكوميديا التي تنتج من المفارقات المضحكة.
الحوارات هنا قد تكون طويلة، ولكن الشخصيات تتكلم كما لو كانت تهمس لنفسها. ولقطات الكلوز أب القريبة تساعد على الإحساس بالشخصية بشكل مباشر، والكشف عن مشاعرها عن قرب.
والاستخدام الرصين الحذر للموسقى يساعد على التأمل دون أن يعيق الاندماج. هذا فيلم يصل إلى عمق المأساة الميلودرامية لكنه يتجاوزها، ليصبح أيضا احتفالا بالحياة.
في أفلام ألمودوفار الميلودرامية يمكنك أن تتوقع في أي لحظة أن يعثر البطل على ابن له مثلا في النهاية، كما يحدث هنا، فنحن نكتشف أن ابن مساعدة مارتل الشاب الذي أصبح متداخلا في الموضوع، والذي يستمع لأحداث الماضي كما يقصها عليه مارتل، ليس سوى ابن مارتل من مساعدته، التي لم تخبر مارتل بالحقيقة، بل ولم تخبر ابنها إلى حين تفجر المفاجأة في النهاية، وينتهي الفيلم بالخاتمة السعيدة.

فيلم واحد
ويمكن القول إن ألمودوفار يصنع فيلما واحد طيلة الوقت، رغم أنه لا يكرر الفيلم نفسه، بمعنى أن له طابعه وأسلوبه ولغته الخاصة بل وعالمه السينمائي المعروف بمفرداته الثابتة، لكنه يصوغ كل هذا من خلال "حبكة" جديدة، وحكاية مختلفة تماما عما سبق أن شاهدناه، دون أن يفقد قدرته على شد الانتباه وإثارة الفكر والخيال.
في "عناقات مهشمة" تبرز قدرة ألمودوفار على تجسد خياله من خلال السيطرة المدهشة على الأدء التمثيلي الذي يصل إلى أرقى مستوياته.
ولن يكون مدهشا إذا ما فازت بنيلوبي كروز بجائزة التمثيل في كان عن دورها في هذا الفيلم.
ويمكن القول أخيرا أن "عناقات مهشمة" تحية كبيرة إلى عمل المخرج السينمائي وإلى عالم السينما عموما.
ويعد الفيلم بأسره احتفالا بقدرة المبدع السينمائي على الابتكار والخيال حتى وهو أعمى.
وفي الفيلم إحالات سينمائية عديدة إلى أفلام من الخمسينيات ومن العصر الذهبي للسينما في هوليوود، وهي الأفلام التي يغرم بها ألمودوفار نفسه.
وفي الوقت نفسه هناك الفيلم داخل الفيلم الذي نتابع أيضا أحداثه، وهو الفيلم الذي يخرجه مارتل وتمثله لينا، وهو بعنوان "فتيات وحقائب"، ولعله يحيل في أكثر من زاوية، إلى نوع من كوميديا الأخطاء التي تتناقض بالتالي مع نسيج "عناقات مهشمة". ألمودوفار أحد الفائزين من قبل بالسعفة الذهبية، لكنه يبقى أيضا أحد المرشحين للفوز مجددا بها هنا في كان.

الخميس، 21 مايو 2009

ماذا حدث للسينما الإفريقية؟


في الدورة الحالية من مهرجان كان السينمائي فيلم وحيد يمثل السينما الإفريقية بأسرها، هو فيلم "قل لي من أنت" أو Min Ye للمخرج الشهير سليمان سيسي من مالي. وقد عرض الفيلم في قسم العروض الخاصة أي خارج المسابقة.
السينما الإفريقية التي اعتادت أن تدهش العالم، في كان تحديدا، بتجاربها المثيرة التي تسبح في الشكل، وخصوصا الأفلام الافريقية التي تلقى دعما فرنسيا، ولعل أشهرها أفلام الراحل عثمان سمبان، تعود إلينا من خلال فيلم واحد كنا ننتظر منه أن يوجز لنا الكثير خاصة وأنه لأحد أبرز المخرجين الأفارقة، لكن أملنا خاب.
سليمان سيسي الذي أدهش العالم قبل أكثر من عشرين عاما بفيلمه الرائع "يلين" Yeleen (أو التألق) يعود بعد توقف دام نحو أربعة عشر عاما عن الإخراج، لكي يفاجأنا بمحاكاة الأفلام التليفزيونية التي تدور عادة في ديكورات محدودة، وتتعامل مع القضية الاجماعية باستخدام الحوارات الطويلة التي لا يبدو أن لها نهاية، وبطريقة الانتقال بين الشخصيات بالقطع المتبادل التقليدي في لقطات كلوز أب أو لقطات متوسطة.
أما الموضوع فهو يبتعد عن البيئة الافريقية التقليدية بدلالاتها الخاصة (التي أجاد استخدامها مثلا المخرج الاثيوبي هيلا جيريما في فيلمه الكبير "تيزا") لكي يرتد إلى دراما المثلث التقليدي العتيق (الزوج- الزوجة العشيق)، ولكن ليس من خلال المفارقات المرحة المثيرة التي يمكن أن تأتي من موضوع كهذا، بل من خلال أسلوب متجهم صارم مليء بالحوارات العقيمة والصراخ والتقلب من النقيض إلى النقيض، دون نعرف لماذا، مع إدخال موضوع الشعوذة ولجوء النساء إليها في المجتمع الإفريقي رغم كون البيئة التي تدور فيها أحداث الفيلم هي بيئة الطبقة الوسطى الميسورة الحال ولكي يقول لنا إن "ميمي" بطلته المرأة المتمردة رغم تجاوزها منتصف العمر، يكنها ان تهزم السحر والشعوذة بقوة شخصيتها.
و"ميمي" طبيبة متزوجة منذ نحو 20 عاما من رجل في مركز اجتماعي مرموق، لكنها تقيم علاقة جنسية مع رجل آخر متزوج، لكنها ترى أنه يمنحها ما لا يستطيع زوجها أن يعطيها اياه، أي الكلام الجميل، والأحلام المشتركة، ولحظات الاسترخاء.
أما الزوج فهو إما مشغول معظم الوقت، أو يبحث أيضا عن فرصة للهرب بعيدا عن الروتين الذي يعيشه بل ويفكر أحيانا في اقامة علاقات خارج الزواج أيضا، وقد سبق له الزواج أكثر من مرة، وهو ربما يكون عاملا إضافيا لقلق زوجته وشعورها بعدم الارتياح.
الزوجة تطرد زوجها وتستولي على المنزل الذي ترى أنه من حقها، رغم أنها لا تشترك من الناحية المالية في أي مسؤوليات على الرغم من الدخل الهائل الذي تجنيه من عملها كطبيبة كما تقول.

الأمر يصل للقضاء بين الزوجين، مع إلحاحها على طلب الطلاق، ورفض الزوج. ومن ناحية أخرى تطاردها زوجة عشيقها، وتهددها وتوجه لها الاهانات حتى تكف عن ملاحقة زوجها.
وتعود الزوجة إلى زوجها ولكن في نيتها أن تدفعه لطلب الطلاق حتى تخرج من العملية رابحة. لكن الزوج يتحين الفرص إلى أن يضبطها متلبسة بخيانته مع العشيق.
وينتهي الفيلم وزوجها يتعهد بألا يراها أبدا مرة أخرى، بينما يفر العشيق عائدا إلى زوجته، متسترا على فضيحته الشخصية التي كادت أن تكلفه حياته.
أسلوب ولغة الفيلم كما أشرت لا تخرج عن نطاق المشاجرات الطويلة الممتدة التي يرتفع فيها صوت الزوجة، في إعلان واضح يؤكد عليه سليمان سيسي، عن أن المرأة الافريقية أصبحت ندا للرجل في التعبير عن مشاعرها ورغباتها الجنسية، ولم تعد تكتفي بقبول دور الزوجة المغلوبة على أمرها.
غير أن المشكلة أن جمهور الفيلم لا يمكنه التعاطف مع تلك الزوجة التي يصورها لأنها ببساطة تضبط متلبسة بالخيانة بعد أن كانت لا تعترف باقترافها بل وتنفي بشة وجود أي علاقة لها بالعشيق، في حين أننا نراها تهاتفه من وراء ظهر زوجها ومن داخل منزل الزوجية، فماذا يتوقع سيسي أن يكون رد فعل أي مشاهد للفيلم في هذه الحالة!
وما هو المغزى الاجتماعي العظيم في جعل الخيانة مرادفا للتحرر من السيطرة الذكورية وما إلى ذلك من أفكار باتت على أي حال، قديمة وبالية ومستهلكة.
ضاع الفيلم وسط مشاهد المشاجرات والاشتباكات المتكررة، وفقد أي حرارة ترتبط بالمكان، وفشل المخرج في الاستفادة من أجواء البيئة فيما عدا المشاهد النهائية التي يخرج فيها بالكاميرا خارج المنزل الذي تدور بداخله معظم الأحداث، فتحرر من سيطرة المكان الواحد، وتمكن من التقاط عدد من التفاصيل الصغيرة مع مزجها بالموسقى الافريقية الشعبية المميزة.
لكن ظل السؤال قائما: أين السينما الإفريقية الأصيلة في كان؟

يوميات مهرجان كان 9

لقطة من فيلم "في الأصل" الفرنسي

* مساء اليوم العرض الصحفي قبل يوم من العرض الرسمي، للفيلم الفلسطيني "الزمن المتبقي" للمخرج إيليا سليمان. بالمناسبة الكتيب الصحفي للفيلم يذكر أن الفيلم من إنتاج: فرنسا- فلسطين ولا يوجد أي ذكر لإسرائيل أو ايطاليا أو بلجيكا!
* فيلم "في الأصل" الفرنسي في المسابقة عرض صباح اليوم وسط استحسان الحشد الكبير من النقاد والصحفيين، والفيلم شأنه في ذلك شأن معظم الأفلام الفرنسية الحديثة، من النوع البوليسي.
* فيلم المخرج النمساوي الشهير مايكل هانيكه يضيف احباطا آخر إلى إحباطاتنا من أفلام "العمالقة" أي كبار المخرجين في هذه الدورة الذين جاءت معظم أفلامهم أقل من التوقعات بل وأقل مما سبق أن قدموه. فيلم هانيكه "الشريط الأبيض" يصعب أصلا إكمال مشاهدته، فهو يقع في حوالي ساعتين ونصف الساعة، بالأبيض والأسود، ويمتلئ بأكبر حوار عرفته في أي فيلم خلال السنوات العشر الأخيرة بحيث تنحصر مهمة الناقد المتابع له في شيء واحد فقط: نسيان الصورة تماما لأنه لن يستطيع أن يراها، والتفرغ التام لملاحقة الترجمة المطبوعة أسفل الشاشة ومتابعتها أو التسابق مع زملائك لكي ترى من منكم سيتمكن من اللحاق بها أولا، ولن ينجح أحد!
جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger