الخميس، 21 مايو 2009

ماذا حدث للسينما الإفريقية؟


في الدورة الحالية من مهرجان كان السينمائي فيلم وحيد يمثل السينما الإفريقية بأسرها، هو فيلم "قل لي من أنت" أو Min Ye للمخرج الشهير سليمان سيسي من مالي. وقد عرض الفيلم في قسم العروض الخاصة أي خارج المسابقة.
السينما الإفريقية التي اعتادت أن تدهش العالم، في كان تحديدا، بتجاربها المثيرة التي تسبح في الشكل، وخصوصا الأفلام الافريقية التي تلقى دعما فرنسيا، ولعل أشهرها أفلام الراحل عثمان سمبان، تعود إلينا من خلال فيلم واحد كنا ننتظر منه أن يوجز لنا الكثير خاصة وأنه لأحد أبرز المخرجين الأفارقة، لكن أملنا خاب.
سليمان سيسي الذي أدهش العالم قبل أكثر من عشرين عاما بفيلمه الرائع "يلين" Yeleen (أو التألق) يعود بعد توقف دام نحو أربعة عشر عاما عن الإخراج، لكي يفاجأنا بمحاكاة الأفلام التليفزيونية التي تدور عادة في ديكورات محدودة، وتتعامل مع القضية الاجماعية باستخدام الحوارات الطويلة التي لا يبدو أن لها نهاية، وبطريقة الانتقال بين الشخصيات بالقطع المتبادل التقليدي في لقطات كلوز أب أو لقطات متوسطة.
أما الموضوع فهو يبتعد عن البيئة الافريقية التقليدية بدلالاتها الخاصة (التي أجاد استخدامها مثلا المخرج الاثيوبي هيلا جيريما في فيلمه الكبير "تيزا") لكي يرتد إلى دراما المثلث التقليدي العتيق (الزوج- الزوجة العشيق)، ولكن ليس من خلال المفارقات المرحة المثيرة التي يمكن أن تأتي من موضوع كهذا، بل من خلال أسلوب متجهم صارم مليء بالحوارات العقيمة والصراخ والتقلب من النقيض إلى النقيض، دون نعرف لماذا، مع إدخال موضوع الشعوذة ولجوء النساء إليها في المجتمع الإفريقي رغم كون البيئة التي تدور فيها أحداث الفيلم هي بيئة الطبقة الوسطى الميسورة الحال ولكي يقول لنا إن "ميمي" بطلته المرأة المتمردة رغم تجاوزها منتصف العمر، يكنها ان تهزم السحر والشعوذة بقوة شخصيتها.
و"ميمي" طبيبة متزوجة منذ نحو 20 عاما من رجل في مركز اجتماعي مرموق، لكنها تقيم علاقة جنسية مع رجل آخر متزوج، لكنها ترى أنه يمنحها ما لا يستطيع زوجها أن يعطيها اياه، أي الكلام الجميل، والأحلام المشتركة، ولحظات الاسترخاء.
أما الزوج فهو إما مشغول معظم الوقت، أو يبحث أيضا عن فرصة للهرب بعيدا عن الروتين الذي يعيشه بل ويفكر أحيانا في اقامة علاقات خارج الزواج أيضا، وقد سبق له الزواج أكثر من مرة، وهو ربما يكون عاملا إضافيا لقلق زوجته وشعورها بعدم الارتياح.
الزوجة تطرد زوجها وتستولي على المنزل الذي ترى أنه من حقها، رغم أنها لا تشترك من الناحية المالية في أي مسؤوليات على الرغم من الدخل الهائل الذي تجنيه من عملها كطبيبة كما تقول.

الأمر يصل للقضاء بين الزوجين، مع إلحاحها على طلب الطلاق، ورفض الزوج. ومن ناحية أخرى تطاردها زوجة عشيقها، وتهددها وتوجه لها الاهانات حتى تكف عن ملاحقة زوجها.
وتعود الزوجة إلى زوجها ولكن في نيتها أن تدفعه لطلب الطلاق حتى تخرج من العملية رابحة. لكن الزوج يتحين الفرص إلى أن يضبطها متلبسة بخيانته مع العشيق.
وينتهي الفيلم وزوجها يتعهد بألا يراها أبدا مرة أخرى، بينما يفر العشيق عائدا إلى زوجته، متسترا على فضيحته الشخصية التي كادت أن تكلفه حياته.
أسلوب ولغة الفيلم كما أشرت لا تخرج عن نطاق المشاجرات الطويلة الممتدة التي يرتفع فيها صوت الزوجة، في إعلان واضح يؤكد عليه سليمان سيسي، عن أن المرأة الافريقية أصبحت ندا للرجل في التعبير عن مشاعرها ورغباتها الجنسية، ولم تعد تكتفي بقبول دور الزوجة المغلوبة على أمرها.
غير أن المشكلة أن جمهور الفيلم لا يمكنه التعاطف مع تلك الزوجة التي يصورها لأنها ببساطة تضبط متلبسة بالخيانة بعد أن كانت لا تعترف باقترافها بل وتنفي بشة وجود أي علاقة لها بالعشيق، في حين أننا نراها تهاتفه من وراء ظهر زوجها ومن داخل منزل الزوجية، فماذا يتوقع سيسي أن يكون رد فعل أي مشاهد للفيلم في هذه الحالة!
وما هو المغزى الاجتماعي العظيم في جعل الخيانة مرادفا للتحرر من السيطرة الذكورية وما إلى ذلك من أفكار باتت على أي حال، قديمة وبالية ومستهلكة.
ضاع الفيلم وسط مشاهد المشاجرات والاشتباكات المتكررة، وفقد أي حرارة ترتبط بالمكان، وفشل المخرج في الاستفادة من أجواء البيئة فيما عدا المشاهد النهائية التي يخرج فيها بالكاميرا خارج المنزل الذي تدور بداخله معظم الأحداث، فتحرر من سيطرة المكان الواحد، وتمكن من التقاط عدد من التفاصيل الصغيرة مع مزجها بالموسقى الافريقية الشعبية المميزة.
لكن ظل السؤال قائما: أين السينما الإفريقية الأصيلة في كان؟

يوميات مهرجان كان 9

لقطة من فيلم "في الأصل" الفرنسي

* مساء اليوم العرض الصحفي قبل يوم من العرض الرسمي، للفيلم الفلسطيني "الزمن المتبقي" للمخرج إيليا سليمان. بالمناسبة الكتيب الصحفي للفيلم يذكر أن الفيلم من إنتاج: فرنسا- فلسطين ولا يوجد أي ذكر لإسرائيل أو ايطاليا أو بلجيكا!
* فيلم "في الأصل" الفرنسي في المسابقة عرض صباح اليوم وسط استحسان الحشد الكبير من النقاد والصحفيين، والفيلم شأنه في ذلك شأن معظم الأفلام الفرنسية الحديثة، من النوع البوليسي.
* فيلم المخرج النمساوي الشهير مايكل هانيكه يضيف احباطا آخر إلى إحباطاتنا من أفلام "العمالقة" أي كبار المخرجين في هذه الدورة الذين جاءت معظم أفلامهم أقل من التوقعات بل وأقل مما سبق أن قدموه. فيلم هانيكه "الشريط الأبيض" يصعب أصلا إكمال مشاهدته، فهو يقع في حوالي ساعتين ونصف الساعة، بالأبيض والأسود، ويمتلئ بأكبر حوار عرفته في أي فيلم خلال السنوات العشر الأخيرة بحيث تنحصر مهمة الناقد المتابع له في شيء واحد فقط: نسيان الصورة تماما لأنه لن يستطيع أن يراها، والتفرغ التام لملاحقة الترجمة المطبوعة أسفل الشاشة ومتابعتها أو التسابق مع زملائك لكي ترى من منكم سيتمكن من اللحاق بها أولا، ولن ينجح أحد!

الأربعاء، 20 مايو 2009

يوميات مهرجان كان 8


السينما لم تمت بعد بل لاتزال حية بل وتحيا بشكل جيد. العروض السينمائية التي نشاهدها هنا في كان تؤكد ذلك. فيلم مثل "رحلات الريح" لسيرو جيرا من كولومبيا، بروعته وجمال منظره وسحر قصته التي تجمع بين صبي ورجل: الرجل صامت حزين فقد لتوه زوجته، والصبي يريد أن يساعد الرجل في بلوغ غايته، تشده إليه آلة الأكورديون التي يجيد الرجل العزف عليها لكنه لا يريد أن يعزف بل أن يعود إلى البلدة البعيدة عبر الجبال لكي يعيد الأكورديون إلى معلمه الأصلي كما وعده.
فيلم جميل من أفلام الطريق، يخوض خلالها الرجل والطفل بعض المغامرات: يشارك الرجل في مسابقة للعزف على آلة الأكورديون التي لها خصوصيتها، ولكنه يفشل، فلم يكن لديه عازف ايقاع ويتطوع الصبي للقيام بالدور لكن لا يستطيع، تستولي عصابة من الأشقياء على الاكورديون بعد أن يرفض الرجل العزف أمام كبيرها. وهو رجل يضع نظارات سوداء على عينيه. حزين على زوجته التي فقدها أخيرا، يبدو عازفا عن الحياة بينما يشده الصبي إليها.
الصبي يسعى بشتى الطرق لاستعادة الآلة الجميلة الأثرية، ويتعرض للموت من أجل ذلك، وعندما يدرك زعيم تلك الجماعة مدى اخلاصه لصديقه واستعداده للتضحية بحياته، يمنحه الأكورديون.
الإثنان يختلفان ويتشاجران، وينفصلان خلال الرحلة التي تمر في أرض وعرة وعندما يصلان إلى مبتغاهما يجدان أن "المعلم" قد مات، وأنه ترك وصيته بألا يدفن حتى يعود صديقه لأنه كان يعلم أنه حتما سيعود.
هذه سينما تتنفس شعرا ورقة وجمالا، تحتفي بالموسيقى، كما تحتفي بالصورة في شتى تجلياتها.
* المؤتمرات الصحفية التي تقام هنا في كان يوميا للمخرجين الذين يعرضون أفلامهم في المسابقة وفي قسم "نظرة خاصة" أصبحت القاعة التي تستضيفها تضيق بها. لم يتمكن الكثيرون من حضور مؤتمر المخرج الشهير كوينتين تارانتيو، الذي جاء ومعه كل أعضاء فريقه من الممثلين والممثلات، وأخذ تارانتينو يطلق ضحكات عصبية صاخبة بسبب وبدون سبب في معظم الأحوال. وكانت تجلس بجواره الممثلة الألمانية ديان كوجر الي قامت بدور بريدجيت دير هامرسمارك، الأستقراطية التي تتعاون مع الحلفاء ضد النازية. وأثناء المؤتمر نهض فجأة الممثل النمساوي الفذ كريستوف فالتز وطبع قبلة على خد تارانتينو!
أما براد بيت فقال كلاما مستهلكا مكررا كله مجاملات عن التجربة التي جمعت بين عدد من الممثلين من بلدان مختلفة معتبرا أن هذا شيء يحسب لتارانتينو، وأيضا احتفاظه باللغات الأصلية في الفيلم. الفيلم بالمناسبة معظمه ناطق بلغات غير الانجليزية ويمكن للجمهور الأمريكي متابعته عن طريق الترجمة المطبوعة وهو ما سيقلل كثيرا في رأيي من الاقبال التجاري عليه في السوق الامريكية.

يوميات مهرجان كان 7

لقطة من فيلم "هليوبوليس"


الفيلم الذي يستقطب الكثير من الاهتمام هنا حاليا هو فيلم "أوغاد مجهولون" لكوينتين تارانتينو. ومصدر الاهتمام ليس عظمة الفيلم أو الإعجاب به بل ربما العكس، صدمة الخروج منه بدون الإحساس المنتظر، بالمتعة، والاثارة، واكتشاف الجديد. هناك إحساس عام بأنه تارانتينو خذل جمهوره، وقدم لهم بضاعة قديمة مسلوقة في إناء جديد مليء بالثقوب. ساعتان ونصف ساعة أمام كوميديا بدون خفة روح، وإبحار في التاريخ دون حتى تجاوزه من البداية، فهو حائر بين الدراما الحربية والفيلم التاريخي، وبين الكوميدي والفانتازي. ولابد من العودة إليه فيما بعد.
* الفيلم الاسرائيلي الثاني في المهرجان عرض اليوم في قسم "نظرة خاصة" وهو بعنوان كبير أكبر من الفيلم وموضوعه التعيس الذي يصور علاقة شذوذ جنسي بين شابين من اليهود الأرثوذوكس أحدهما متزوج!
* الفيلم المصري الجديد "هليوبوليس" لمخرج الشاب أحمد عبد الله (مونتير سبق أن قام بالمونتاج لفيلم "عين شمس" لابراهيم البطوط) عرض اليوم في السوق الدولية للأفلام. وكنت قد شاهدت نسخة خاصة منه قبل حوالي شهرين، وهو تجربة جديدة وجريئة تبتعد عن القوالب النمطية السائدة فس السينما المصرية، أنتج بجهود شخصية، وباستخدام كاميرا الديجيتال في تجربة شبيهة بفيلم "عين شمس" ومن انتاج شريف مندور أيضا. وربما يعرض الفيلم في مهرجان فينيسيا السينمائي في دورته القادمة التي أتوقع أن تمسح خزي الدورة الماضية!
* في استطلاع مجلة "سكرين انترناشيونال" اليومي منح ناقد واحد أربعة نجوم لفيلم Antichrist للارس فون ترايير بينما منحه 7 نقاد نجمة واحدة، ومنحه ناقد نجمتين، وآخر ثلاث نجوم. إذن يكون نصيبه في المتوسط 16 نقطة من أربعين. وعموما هناك إحساس عام بين الحاضرين هنا إما بالتحفظ على الفيلم أو رفضه رفضا مطلقا، أو عدم المبالاة به، أو الإعجاب به على نطاق محدود. ولكن لم يرشحه أحد لنيل السعفة الذهبية.
* في رأيي أن جائزة أفضل ممثلة يجب أن تذهب إلى الممثلة الإيطالية جيوفانا ميزوجيورنو بطلة الفيلم العظيم "الانتصار" لماركو بيللوكيو، التي لعبت دور الزوجة المجهولة لموسوليني. وبالمناسبة الفيلم عمل إبداعي كبير أقرب إلى الأوبرا.
جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger