
عندما كتبت عن وزير الثقافة المصري فاروق حسني وقلت إنني أعارض ترشيحه أو وصوله لرئاسة اليونسكو، ونشرت مبرراتي في هذه المعارضة، قال لي بعض الأصدقاء: لماذا تبالغ ياأخي في معارضتك للوزير وهو "راجل كويس"، وهل أنت واثق أنه قال فعلا ما نسب إليه مثل ادخال المثقفين إلى الحظيرة وما شابه، وما دليلك على أنه يستخدم سياسة العصا والجزرة، ويمارس شراء المثقفين.
وعندي بالطبع عشرات الأسانيد والحجج الموجودة في أرض الواقع التي يمكن لأي كاتب لم يقرر بيع قلمه أو توظيفه في خدمة الوزير أو أتباع الوزير، أن يراه ويتحقق منه، ولكن هناك أيضا وثائق من كلمات الوزير نفسه ومن إخراجه وتلحينه.
الصحفي المعروف بانتهازيته التي تزكم الأنوف المدعو عبد الله كمال، وقد كان نكرة في الماضي القريب، كان قد أجرى حوارا مع الوزير "الفنان" كشف فيه الفنان عن رقته ورهافة حسه باستخدام أبشع الألفاظ بل والحديث بالأسماء عن المثقفين وكأنه اشتراهم ودفع لهم ثمن التزامهم بخط الدولة والعدول عن المعارضة بعد أن أصبحت "الفلوس أكثر" حسب تعبيرات الوزير الذي يصح أن يقال عنه الوزير "الحشاش" بدلا من الفنان بسبب طريقته الفظة في الكلام خصوصا عندما يظهر على شاشة التليفزيون، ويعوج رأسه ويغمض نصف عينيه ثم يأخذ في ترديد كلمات يرددها عادة بائعو الحشيش في حي الأنفوشي بالاسكندرية حيث نشأ وتربى السيد فاروق حسني، بل إنه يعرف أيضا كيف يهدد ويتوعد، ويلوح بقدرته على سجن من لا يعجبه من الكتاب المعارضين، ويصف الكاتب الكبير صنع الله ابراهيم بأنه مريض نفسيا وهو وصف يمكن أن يعرضه لطائلة القانون، هذا إذا كان قد ظل في "المحروسة" قانون غير قانون الفوضى والتهريج.
إليكم هنا نص حديث الوزير مع الصحفي الوصولي الذي تولى بعد ذلك منصب رئيس تحرير مجلة "روز اليوسف" إحدى أعرق المجلات الأسبوعية والتي عرفت بطابعها اليساري المعارض فحولها إلى بوق للنظام. وقد نشر الحديث بتاريخ 23 نوفمبر 2003).
======================================================
لست متأكداً هل سيغضب فاروق حسني، الإنسان والفنان، من نشر هذا الحديث المتفجر أم لا. ما أعرفه ـ سواء رضي فاروق حسني أو غضب، وحتى لو تراجع الوزير الفنان، ورأى أنه تسرع في الإدلاء بهذا الحديث ـ فإن رأيي فيه لن يتغير . أنا أعتبره، ومعي أغلب المثقفين غير المتشنجين، ولا الضالين، أفضل وزير ثقافة في تاريخ مصر. وهذا إقرار مني بذلك أمام الله والتاريخ وشرف الكلمة.
* ليس في استطاعتنا أن نبحر معاً ـ يا معالي الوزير ـ وسط هذه الأمواج الهادرة دون التوقف أولاً عند قضية الساعة.
هكذا بدأت أنا الكلام. وفوجئت بالوزير يقاطعني : أظن أنك ستسألني عن صنع الله إبراهيم. أليس كذلك؟ هناك في الحياة أشياء كثيرة أهم. صدقني. والغريب أن البعض لا يرونها.
* سألته : ما صحة هذه المقولة الشهيرة المنسوبة لك؟ هل قلت حقاً أنك أدخلت المثقفين في حظيرة وزارة الثقافة؟؟؟ هل قلت هذا حقاً يا معالي الوزير؟
* بالطبع قلت. ولمعلوماتك، قلت أشياء أخرى أجمل بكثير، فلماذا الإصرار على استحلاب جزئية كهذه بالذات؟ أنا أقول لك : لأن البعض يريدون إخافتي، وأنا أقول لهم لست هذا الشخص. أنا لست الوزير الذي يمكن أن تخيفه مجموعة من عشاق الجلوس على المقاهي. وماذا أقصد بهذه المقولة التي يبدو أنها غاظتهم كثيراً؟ المعنى واضح. قمت بإدخال المثقفين في حظيرة وزارة الثقافة. ومالها حظيرة الوزارة؟ عيبها أيه هذه الحظيرة السخية معهم؟ أليست هي التي تدفع لهم الأموال وتفتح بيوتهم؟ أليست هي التي تعطيهم النقود التي يشترون بها أقلاماً يستخدمونها في الهجوم علينا؟ كيف كانوا سيحصلون على ثمن الورق الذي يملؤونه بالنقد الهدام للوزير وكل الأنشطة التي لم يسبق أن قام بها أحد والحظيرة التي يأكلون منها؟ وقل لي أنت : من يدفع نفقات التفرغ؟ الحظيرة. ومن يتحمل تكاليف سفرهم ومؤتمراتهم ومعارضهم ونشر كتبهم وشراء مسرحياتهم وموسيقاهم
واستعراضاتهم؟ من؟ الحظيرة. ولو قمنا بإغلاق هذه الحظيرة، لكانوا أول من يطالبون بإعادة فتحها. لأن فتحها يعني فتح بيوتهم، والعكس معناه أن يعودوا لأيام زمان، ولا أريد أن أذكرهم بأيام زمان، وأنا أعرف أكثر مما يتصورون عن أيام زمان قبل هذه الحظيرة. كانت جائزة الدولة التشجيعية أيام زمان خمسمائة جنيه لا غير. فكيف أصبحت؟ خمسة آلاف جنيه. جائزة الدولة التقديرية أيام زمان كانت 2500 جنيه. والآن يرفض واحد مبلغ مائة ألف جنيه هي قيمة جائزة الرواية. إذن، فلقد ارتفع مستوى المعيشة بالنسبة للمثقفين. وبدلاً من أن يشكروا ربنا، ها أنت ترى.
* لأول مرة، أراه بهذا التوتر. ومع ذلك، أسأله : ما الذي تعنيه حين قلت أنك ستقوم بتوعية وتقويم صنع الله إبراهيم؟ البعض فسر الأمر باعتباره نوعاً من تحويل الحظيرة إلى سجن : إصلاح وتهذيب؟
* سأقول لك : صنع الله إبراهيم عاش حياته كلها في الظل. لا يتحدث عنه أحد. لا يذكره أحد. فجأة، صار موضوع الحديث المفضل على المقاهي. هذا بفضل المؤتمرات التي يشتمها. وبفضل الديمقراطية التي سمحت له بأن يقول كل هذا الكلام. ونحن نعرف أن صنع الله عاش في الظل خائفاً من اعتقاله مرة أخرى. وهذا واضح منذ روايته ( تلك الرائحة ) ومن أعماله وسلوكه عموماً. ولولا ثقته في أننا لن نعتقله، وأننا نعيش أزهى عصور الديمقراطية، لما صعد على المنصة، ليهاجم النظام والبلد والأمة العربية بأسرها. وأنا أعني أننا حين نقول له : لا تخف، فلن يعتقلك أحد، إنما نحن نعالجه من مرض الخوف، ونلعب في حياته دور التوعية والتقويم. وما نشره د. جابر عصفور ومفيد فوزي ومثقفون كبار، كسليمان فياض، هذا أيضاً نوع من التوعية والتقويم. وما يقدمه صلاح عيسى في جريدة القاهرة كل أسبوع، أنا أسميه توعية وتقويماً. وانظر كم واحد أصبحوا الآن أفضل. خذ عندك : أحمد بهجت، كامل زهيري، ومحمد السيد سعيد، وخيري شلبي، ووحيد عبد المجيد، ومحمد عمارة ومحمود السعدني، والسيد ياسين، وغيرهم وغيرهم، ما تعدش. كلنا نصبح أفضل حين ينشر لنا ونأخذ نقوداً خيالية، بالقياس لأيام زمان، مقابل ما نكتبه.
* وماذا عن المستقبل؟
* زي الفل. بكرة تشوف .
* ولم يكن في إمكاني أن أنهي الحوار دون أن ألقي عليه سؤال يردده الكثيرون : هل صحيح أنك مرشح لمغادرة الوزارة في أول تعديل؟
* قال ضاحكاً، وقد هدأت قسمات وجهه التي اضطربت خلال الفترة الأولى : أنا لا يستطيع أحد أن يغيرني. أنا واجهة النظام في الغرب. الشيء المشرف. الأمل في أن تصبح مصر عصرية. والاحتمال الوحيد لتغييري حين تتخلى القيادة عن هذا كله.
* عدت أسأل : معنى ذلك أنك باق في الوزارة إلى الأبد؟
* إجابته أذهلتني : لا. طبعاً لا. سأغادر الوزارة فقط عندما ينزل المتربعون فوق قمة الهرم من مكانهم هناك. وهذا شيء غير وارد حالياً. نحن في مركب واحد. لماذا لا تخبر أنت الحاقدين بذلك ليريحوا أنفسهم؟ أنا على قلبهم لطولون.
* وبقي سؤال : هل يقول ذلك لأن هذه هي الحقيقة أم لأنه يائس من الاستمرار هذه المرة
في موقعه؟ هذا ما سوف تثبته الأيام أو الأسابيع القليلة القادمة.