الخميس، 29 يناير 2009

أحاديث وأفلام في روتردام

مع خليل جورجي
جوانا حاجي توماس

* استمتعت بفيلم "المر والرمان" أول أفلام المخرجة الفلسطينية نجوى نجار. موهبة جديدة مختلفة ومتمبزة بلا أدنى شك. واستمتعت أيضا بالحوار مع نجوى، وهي إنسانة وفنانة تتمتع بالدفء والرقة والحساسية والثقافة، ولهذا فأنا على ثقة من أنها ستتطور كثيرا في المستقبل على الصعيد السينمائي وتفاجئنا.
سيكون لنا وقفة تفصيلية عن الفيلم في وقت لاحق، لكن الحوار مع نجوى (الذي سينشر أيضا قريبا) كان ممتدا وعفويا واكتشفت أنها تستطيع التعبير عن نفسها جيدا جدا، وتعرف تماما حدود ما يقال وما لا يقال، كما تعرف حدود ما ينشر وما لا يجب نشره. لكن الحوار بيننا الذي بث في إذاعة بي بي سي ذكرني بالأيام الخوالي، أيام الاكتشافات، لا أقول إنني اكتشفت الفيلم فقد عرض في مهرجانات أخرى قبل روتردام، لكني اكتشفت صاحبة الفيلم.
* على العشاء جلست مع الصديق انتشال التميمي الناشط السينمائي الذي لا يهدأ، والمدير الفني لمهرجان الفيلم العربي الذي يقام في روترام أيضا ولكن في الصيف، وهو في الوقت نفسه مستشار لمهرجان روتردام السينمائي الدولي للأفلام العربية ويقوم بتقديمها للجمهور مه مخرجيها. وكان انتشال قد تعاون معي عندما أدرت دورة مهرجان الاسماعيلية 2001 وكانت تلك بداية علاقته بالمهرجانات السينمائية، ومنها انطلق فيما بعد لكي يطور هذه العلاقة ويعمقها ويمنحها أبعادا أكبر، بهدوء شديد وعمل دءوب.
انضم لنا بعد قليل المخرجان اللبنانيان أو الثنائي جوانا حاجي توماس وخليل جريج على غرار الثنائي السينمائي جان شمعون ومي مصري. وللثنائي الأول الحاضر هنا فيلمان في المهرجان هما وثائقي هو "خيام 2000- 2007"، وروائي هو "أريد أن أرى" أو "بدي شوف".
تبادلنا حديثا طويلا حقيقيا من القلب حول السينما العربية.. هل لايزال هناك حقا ما يمكن أن نطلق عليه سينما عربية بعد أن أصبح كل ما نراه معروضا هنا هناك أفلام من الإنتاج أو التمويل الفرنسي وغيره؟
كان هذا التساؤل الذي طرحته بصراحة دون أن يعنى أكثر من مجرد تساؤل بالفعل، وليس سؤالا وجوابا معا.
خليل رأيه أن الإنتاج لا يحدد هوية الفيلم بالضرورة، وأنا أوافقه فربما يكون موضوع الفيلم ورؤية مخرجه وهويته الثقافية هي الأهم. ولكن ماذا سنقول عن أفلام تصور في فرنسا بالكامل وفي وسط العرب المهاجرين وتنطق بالفرنسية وبعض العربية مثل فيلم "كسكسي بالسمك" لعبد اللطيف قشيش؟ وماذا سنقول عن فيلم "فرنسية" للمخرجة المغربية سعاد البوحاطي (معروض في روتردام ولنا وقفة معه قادمة أيضا) وهو مصور بين فرنسا والمغرب وكل العناصر الفنية فيه فرنسية، باستثناء المخرجة!
انتشال التميمي

ليست هناك بالتأكيد إجابة سهلة واضحة. وخصوصا إذا كان الهم الأساسي في الفيلم هم عربي يرتبط بقضايا الواقع اليومي. ولكن مرة أخرى ماذا سنفعل في مشكلة ثنائية اللغة؟
خليل يقول إن الفرنسيين يشترطون بالنسبة لأي فيلم يمولونه أو ينتجونه أن يكون فيه جزء مهم من أحداثه ناطق بالفرنسية، ويصر على أن هذا هو شرطهم الوحيد.
وترى جوانا أن العمل مع منتج فرنسي أفضل كثيرا لأنه يمنح المخرج الحرية ولا يتدخل في عمله ولا يفرض عليه شروطا فنية معينة أو يغير في السيناريو. الموافقة الأولية على الموضوع أو السيناريو ينتهي الأمر. ويضيف خليل إن المخرج يمكنه حتى أن يغير في السيناريو بعد ذلك كما يشاء دون أن تحدث أي مشكلة بعد ذلك.
قلت لهما إن هناك من يرون أن السينما العربية تفقد استقلاليتها تماما إذا جاء تمويلها من الغرب، وأن المنتج الأجنبي لابد أن يكون له "أجندة خاصة".
جوانا قالت إن الحالة المثالية أن تتفق الأجندتان معا: العربية مع الأجنبية. واستبعدت تقديم تنازلات مسبقة قبل التصوير، ربما في أفلام تصور في المغرب العربي- كما أشارت- يحدث هذا خاصة بالنسبة لتصوير المرأة مثلا.
خليل انتقل إلى مشكلة أخطر عندما قال إن لديهم، في لبنان، مشكلة تتعلق بالهوية، وتنعكس هذه المشكلة على السينما بصورة قوية عندما يتطرق الأمر إلى "صورة البطل" في السينما: فمن يكون البطل اللبناني في أي فيلم؟ هل يمكن أن يوجد بطل يتفق عليه بين جميع أبناء الطوائف المختلفة؟ أم سيظل ينظر إليه باستمرار بنوع من التشكك والحذر. لذلك هو يرى أن السينما اللبنانية تتحاشى تقديم البطل بشكل واضح.
خليل يرى أيضا أن الواقع اللبناني الحالي المتغير مع تغير الحالة السياسية وخصوصا منذ الحرب الإسرائيلية على لبنان في صيف 2006، أصبح يعرف نوعا من التشنج أو المراهقة السياسية، فمن لا يدخل ادانة اسرائيل في أي عمل مهما كان، لا يكون مقبولا!
ناقشنا أيضا أهمية الصورة كوثيقة، وحدثنا انتشال بخبرته العميقة كدارس للتصوير الفوتوغرافي في موسكو، عن مشاريعه التي يحلم بها في مجال التصوير، وقال إنه يملك مجموعة من الصور النادرة لعشرات الشخصيات العراقية يريد أن يضيف إليها ويصدرها بالحكايات امرتبطة بها في كتاب.
وكان سبب الحديث في أهمية الصورة ما أشرت إليه عندما التقطت صورا للمجموعة أثناء العشاء بغرض إدخالها إلى "مخزن الذاكرة".. فمن يدري!

الثلاثاء، 27 يناير 2009

تداعيات في روتردام: أفلام وكراسي


بعد أن شاهدت الفيلم البريطاني العظيم "عن الزمن والمدينة" Of Time and the City للمخرج العبقري تيرنس دافيز أخذت أتساءل عن تعريف الفيلم السينمائي، وما إذا لم يكن هذا الفيلم فيلما سينمائيا كاملا بكل معنى الكلمة رغم أن البعض يصنفه في بند الأفلام التسجيلية (و الوثائقية) وهو ما أرفضه تماما، فهذه هي السينما بحق في كل تفاصيلها وسماتها المميزة.
غير أن المشكلة الأخرى التي تداعت عقب الانتهاء من مشاهدة هذا العمل الكبير، نتجت عن التفكير فيما فعلته كاميرا الديجيتال: فقد أنتجت خيرا وشرا في وقت واحد.
فإذا كانت كاميرا الفيديو الرقمية قد حررت السينمائي من ضغط الميزانية، وأتاحت أمامه فرصة لابتكار ما لم يكن ممكنا ابتكاره بسبب صعوبة حمل ونقل الكاميرا السينمائية واقتحام الكثير من المواقع بها، فقد أدى انتشار هذا النوع من الكاميرات أيضا إلى أن سقط الشرط الأساسي الذي يجب توفره في السينمائي، أي سينمائي، قبل أن يصبح سينمائيا معترفا به، هذا الشرط يتلخص في كلمة واحدة هي "الموهبة" التي ترتبط بالتأكيد بمساحة الخيال، والقدرة على استخدام لغة السينما، وطبعا لكي يعرف أي إمرء استخدام أي لغة عليه أولا أن يتعلم كيف يقرأها.
لكن المشكلة أنه بعد توفر كاميرا الديجيتال الرخيصة أصبح كل من هب ودب يعتبر نفسه مخرجا سينمائيا، وانتشرت بشدة ما يمكن أن نطلق عليه "أفلام الكراسي".
ما المقصود بأفلام الكراسي؟ الحقيقة أنني أقصد تحديدا كل ما يصور على شرائط من مقابلات مع شخصيات من هنا ومن هناك، أجراها مصور أو حتى مخرج (افتراضا) بالطريقة السهلة البسيطة أي أتى بكرسي وأجلس فوقه الضيف وأخذ يمطره بالأسئلة والضيف يجيب والمصور يصور.
وفي عملية المونتاج التي تعتمد تماما على "الفهلوة" يمكن ادخال بعض الصور واللقطات، من الحقول والشوارع والطبيعة الصامتة أو الناطقة، ثم يطلق صاحب هذا العمل عليه فيلما سينمائيا، ويقدم نفسه باعتباره مخرجا، ويظل يلف ويدور لمدة سنة كاملة على الأقل، على كل  المهرجانات السينمائية الدولية التي أصبحت تقبل كل هذا العبث متغاضية عن تهافته الفني وجرعة الملل التي تصيب المشاهد وهو يجلس أمام الكرسي، عفوا أقصد أمام الشريط الذي يحوي صورا متحركة، ويستمع إلى المحاضرة السخيفة عن أي شيء، من مشاكل البيئة إلى معنى الوجود، وسبب تريب المهرجانات يعود إلى ارتباط معظم هذه الأفلام بالحدث السياسي الساخن وهو لا يكفي بالضرورة لصنع فيلم جيد.
ولعل التليفزيون الذي يرحب بهذا النوع من المقابلات المصورة هو المسؤول عن انتشار ظاهرة أفلام ومخرجي الكراسي خصوصا في العالم العربي الذي انكسر فيه القيد عن الفن، فساح الفن وأصبح كل من هب ودب فنانا، وإذا تزوج شعبان البقال أيضا من "فنانة" يتم تعيينه على الفور "فنانا".. مع الاعتذار لعمنا الكبير الشاعر الصعلوك الأعظم أحمد فؤاد نجم صاحب قصيدة "شعبان البقال"!
مشكلة أفلام الكراسي أنها ليست أفلاما بل مقابلات مصورة، وأن مصوريها هم صناعها الحقيقيون كوثيقة للأرشيف أساسا، أي كمادة خام يمكن استخدام أجزاء منها في أعمال أخرى تماما مثل محفوظات دار الكتب، لكنها ليست أعمالا فنية، ولا تستحق أن تعرض في مسابقات بالمهرجانات السينمائية، فعلى أي شيء ستتنافس وكلها متشابهة. وكل من يزعمون أنهم مخرجون لهذا النوع من القطع المصورة يحتالون ويتحايلون على جوهر الفن السينمائي، أي ذلك السحر الخاص الذي يمنحه صاحب الرؤية للصور واللقطات التي يقوم بتركيبها معا وكأنه يولف مقطوعة موسيقية لها أول، ولها آخر، أما أفلام الكراسي فقد يكون لها أرجل تماما مثل الكراسي، لكن ليس لها أي دماغ.. فارحمونا من فضلكم أو خصصوا لهذا النوع من التحف الفريدة مهرجاناتها الخاصة واجعلوا شعارها الكرسي، الذي يجب أن يصطف صناع هذا النوع من الشرائط أمامه يوميا ليقدموا له الشكر الجزيل على استمرار وجودهم على قيد الحياة!

الاثنين، 26 يناير 2009

"المسبحة الخطأ" في المهرجان الخطأ



خواطر من روتردام


أحيانا بل في كثير من الأحيان، أتساءل: ما الذي يجعل منتجا سينمائيا يغامر بأمواله أو بأموال الممولين لإنتاج فيلم ليس له أول ولا آخر، بل ومختل تماما في بنائه وشكله وشخصياته، حتى أنك تجلس لتشاهد فتجد عجبا.
أبواب تفتح وأناس يخرجون وأناس آخرون يدخلون، وحوارات عن أشياء لا يعلمها إلا الله وحده، وتنتظر بعد أكثر من 45 دقيقة أي نصف الفيلم بالضبط، أن تتضح الحكاية أو الموضوع أو أي شئ على وجه الأرض له علاقة بما نحياه أو بما يعيشه أي إنس أو جن في هذا الكوكب، إذا كان للجن مكان فيه طبعا، ولكنك لا تصل أبدا إلى السؤال الذي يشغلك.
هذا تحديدا ما حدث اليوم مع الفيلم التركي "المسبحة الخطأ" The Wrong Rosary المعروض داخل مسابقة المهرجان. وقد شاهدت الفيلم في عرضه الصحفي بين نخبة من النقاد، أخذت تتضاءل في عددها بين لحظة وأخرى حتى بقى 7 اشخاص فقط أكملوا العرض على أمل أن يتضح لنا "اللغز"، إلا أن صانع الفيلم آثر الاحتفاظ به لنفسه!
كان الصحفيون والنقاد يغادرون أحيانا فرادى وأحيانا في جماعات، وكلهم يضربون كفا على كف وينفخون في غضب: ماذا يريد هذا؟
لكني أخذت أوجه لنفسي سؤالا آخر: كيف وصل فيلم كهذا إلى هنا أصلا؟ وكيف أصبح بقدرة قادر، في المسابقة أي اعتبر من نخبة الأفلام الأولى لمخرجيها، وكيف- ثالثا- أنفق عليه منتجه من الأساس وهو عمل لا يمكن فهم أي شئ فيه، ليس لأنه شديد العمق، بل لأنه شديد التفاهة والسطحية والادعاء.
ربما كل ما يريده صُناعه أن يثبتوا لسكان الغرب أنهم ليسوا في تركيا، أقل منهم أناقة وشياكة وعصرية، وأن لديهم من يترددون على الحانات، ومن يحتسون الشراب بافراط خصوصا الشمبانيا، رغم أن الفيلم يبدأ أيضا في كنيسة، وأبطاله واضح أنهم من مسيحيي تركيا وهناط طبعا بعض المسلمين حولهم تأكيدا على فكرة التسامح الديني في تركيا(!) أو هكذا فهمت أنا الذي لم أذهب طيلة حياتي إلى تركيا ولا مرة واحدة، وعندما أردت وخططت للذهاب قبل ثلاث سنوات، اضطررت لاجراء عملية جراحية انتهت بمشاكل أقعدتني فترة طريح الفراش، وبالتالي ضاعت علي الرحلة وضاع ما دفعته فيها من مال. وعندما خططت وانتويت قبلها الذهب إلى مهرجان اسطنبول السينمائي حدث أيضا ما أعاقني عن الذهاب، وهكذا أقلعت عن فكرة تركيا حتى إشعار آخر.
عودة إلى فيلم المسبحة، الذي لم أر فيه اي مسبحة بالمناسبة، أو ربما مرت المسبحة بينما كنت أغالب النعاس على مقعدي من شدة الارهاق (المرء يعمل 18 ساعة يوميا ويشاهد الأفلام من التاسعة صباحا) يرينا أيضا أن أصدقاءنا الأتراك لديهم حسناوات يرتدين الملابس العصرية التي تكشف أكثر مما تخفي، ومنهن من تعمل عارضة أزياء نحيفة، طويلة، ذات عينين فتاكتين، فلماذا إذن يحجم ذلك الغرب الملعون عن قبول تركي في عضوية الاتحاد الأوروبي!
مخرج الفيلم الأخ محمود فاضل، يحاول أن يروي لنا قصة حب ولكن عن طريق رأس الرجاء الصالح، أي أنه يلف كثيرا حول عشرات الشخصيات، قبل أن يجعلنا نكتشف السر الرهيب لكل هذه الهواجس والتحركات المجهولة وكأننا سنشهد جريمة قتل بشعة بعد قليل.
فيلم يريد أن يكون رومانسيا ولكن باستخدام أسلوب الغموض البوليسي غير المشوق بسبب بطء الايقاع على نحو يدعو للنوم، وتفكك في البناء، وترهل في الشخصيات.
نصيحتي المخلصة جدا للأخ فاضل (أو فازل كما يكتبها الأتراك) أن يترك مهنة الإخراج لمن لديه شئ يقدمه، ويتجه إلى بيع السجاد مثلا، فسيكون هذا أفضل للسينما وله، فهو سيكسب أكثر، خصوصا أنه سيبتعد عن أذى النقاد وشرهم، وهي نصيحة أوجهها أيضا إلى أكثر من مخرج في العالم العربي.. يعرفون هم أنفسهم جيدا!

الأحد، 25 يناير 2009

فنون وجنون في روتردام

راؤول رويز
في انتظار العرض

افتتحت اليوم (الأحد) السوق الدولية للأفلام في مهرجان روتردام، وهذا حدث شديد الأهمية لكل أصحاب الأفلام التي يرونها جديرة بالتسويق. والسوق هنا ليست على غرار كان بل أقل استعراضا وأكثر عملية.
والأفلام المتنافسة في مسابقة جوائز النمر بدأت تتبين ملامحها.. منها أعمال أقرب إلى التجريبية مثل الفيلم البريطاني الجرئ جدا "دوجي.. قصة حب" وهو عن الهاجس الجنسي عندما يستبد بصاحبه الشاب فيدفعه إلى القيام ببحث خاص في طريقة المضاجعة من الخلف وهو ما يطلق عليه الإنجليز Doggy نسبة إلى الكلاب التي تمارس الجنس من هذا الوضع فقط (هل يقتصر الأمر على الكلاب أم أن أنواعا كثيرة من الحيوانات لا تعرف غير هذا الوضع!).. ويتوصل خلال بحثه إلى اكتشافات صادمة ثم يقع في الحب.
وهناك أفلام أكثر رصانة بالطبع منها الفيلم الإيراني الذي شاهدته اليوم "كن هادئا وعد إلى سبعة" وهو حزين حزن المجتمع الإيراني نفسه الذي لايزال ينتظر.. الخلاص.. والمخلص، وأظن أن انتظاره سيطول!

مجنون السينما
لاشك أن أهم شخصية سينمائية في روتردام هو المخرج التشيلي الأصل راؤول رويز Ruiz الذي أعتبره ممسوسا بجنون العبقرية، وهو موجود مع فيلمه الأحدث ذي العنوان الغريب Nucingen Haus الذي صوره هذه المرة في بلده تشيلي وليس في فرنسا التي يخرج معظم أفلامه بها.
رويز (63 عاما) مهووس باخراج الأفلام، وقد أخرج خمسة أفلام في العام الماضي فقط ويستعد لاخراج ثلاثة أفلام في العام الجاري.
ورويز يرى أن السبب ربما يعود أولا إلى أنه لا يعير الأمر اهتماما شديدا، ويشبه الأفلام بالنساء، فهو يرى، وهذا رأي ورثه عن أبيه، أن الفيلم مثل المرأة لا يجب أن تجري وراءها كثيرا فإذا شعرت أنك مهتم بها كثيرا فسوف تهرب منك، وكذلك مشروع الفيلم، لا يجب أن يهتم به المخرج كثيرا بل يجب أن يتركه ويهمله وسوف يأتي وحده!
هذا ليس رأيي بالطبع بل رأيه الذي عبر عنه في روتردام.
والسبب الثاني كما يقول، يعود إلى تحجيم طموحه ومواءمته بحيث لا يتطلع إلى ميزانيات ضخمة بل يضع في اعتباره أن الفيلم يجب أن يستعيد ما أنفق على انتاجه بسهولة وبدون مجازفة حتى يتشجع المنتجون.

وجبة الأفلام
في روتردام يمكنك مشاهدة 6 أفلام يوميا إذا لم يكن لديك عمل يتعين عليك أن تقوم به مثل الكتابة اليومية لأكثر من جهة .. فماذا لو كان مطلوبا منك عمل للراديو أيضا أو للتليفزيون.. سيصبح الاستغراق حتى ما بعد منتصف الليل في مشاهدة الأفلام نوعا من الجنون المطلق وإن كنت أفعل ذلك أحيانا بشرط ألا أعمل أي شئ آخر طوال اليوم، أي من التاسعة صباحا إلى الثانية عشرة مساء.. ربما وجدت ما يمكنني تناوله من طعام سريع بين الأفلام.
عموما عروض النقاد تبدو هذا العام أكثر ازدحاما، فقد شاهدت أربعة أفلام اليوم في العروض الصحفية وكل القاعات كانت ممتلئة عن آخرها.. فما هو السبب؟
هل يعود إلى تدفق مزيد من الصحفيين والنقاد على روتردام في عز الأزمة المالية التي تمسك بخناق العالم؟
أم يعود إلى أن الأفلام المعروضة أكثر جاذبية، أو ربما يكون النشاط قد دب فجأة في نقاد تجاوز معظمهم سن الشباب على أي حال.

ناقد من اسرائيل
ومن هؤلاء على سبيل المثال الناقد الإسرائيلي دان فينارو وزوجته إدنا (وهي من أصل يمني وتجيد اللغة العربية).
هذا الناقد (يكتب لصحيفة جيروزاليم بوست) منتشر كالوباء في كل مكان، وطبعا هو يلقى معاملة خاصة من المهرجانات الأوروبية، ويهتمون به أيما اهتمام ليس بسبب أنه يكتب بالإنجليزية (في حين أنه في الواقع يتكلم انجليزية خشنة منفرة كما سمعته بنفسي أكثر من مرة) بل لأنه ينتمي إلى "العالم الحر جدا" أي إلى إسرائيل التي يعتبرونها جزءا من الثقافة الاوروبية رغم لغة سكانها المهجورة التي تنتمي للقرون الوسطى. ولعل أسهم اسرائيل قد انخفضت كثيرا خلال الفترة الأخيرة دون أن تنخفض أسهم دان فينارو وزوجته، فمن مهرجان إلى آخر طوال العام.. ولا أعرف ماذا يفعل عندما لا يكون في المهرجانات؟!
فينارو الذي لم أتبادل معه ولا كلمة واحدة حتى الآن، رغم أنني أشاهده في المهرجانات منذ عام 1986 أي منذ أكثر من عشرين عاما، يبدو وقد أصبح كهلا، ولكنه لا يهدأ، ويظل يلف ويدور على كل النقاد القادمين من أمريكا وبريطانيا واستراليا بوجه خاص، وأصدقائه "الطبيعيين" طبعا من مجلة "فاريتي" المتخصصة في الصناعة والتي يصدرها أقرانه المخلصون جدا لإسرائيل.
وكان من أوائل الذين حضروا العرض الصحفي اليوم للفيلم الفلسطيني "المر والرمان" لنجوى نجار، (ولا أدري ما سيقوله فينارو لأصدقائه الأوروبيين عما ارتكبه ويرتكبه يوميا اخوانه من جنود جيش الدفاع النازي الصهيوني) الذين تمتلئ قلوبهم بكل أحقاد الدنيا ضد البشر، بل ضد الحياة نفسها. ومتى يستيقظ الضمير الغربي ضد مذابح أبناء صهيون!
ولا أريد أن أثقل عليكم أكثر بسيرة تلك الدولة الفاشية التي غالبا ستنتهي ذات يوم، إلى الصدام مع العالم بأسره، ثم ربما تنفجر من داخلها!
جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger