الثلاثاء، 16 ديسمبر 2008

عن السياسة والصحافة والفن

كتبت من قبل حول الطريقة الساذجة السطحية التي تتناول بها صحف المعارضة وما يسمى بالصحف المستقلة في مصر (وغير مصر بكل تأكيد) السينما فتجعل منها مجرد سلة من الأخبار والمقابلات التافهة التي تشيد وتجمل وتمجد وتخلع العظمة على النكرات والتفاهات ممن يطلقون عليهم "فنانين" رغم ما تتمتع به نفس هذه الصحف من قدرة على الصياح بأعلى صوتها فيما يتعلق بالسياسة، تنتقد وتهاجم وتشجب وتدين، وخاصة رئيس الجمهورية الذي يحملونه كل أوزار البشر، بينما لا يتجرأون على مناقشة مسؤول صغير في منصب ثقافي معين يساهم مباشرة في "تدمير" عقول الشباب وتدمير القيم والذمم بشكل منتظم، دون أن يكون قصدي هنا شخصا بعينه بل مجرد نموذج عام متكرر ومستنسخ ومجسد أمام عيوننا يوميا.
ولست أدري حقا كيف تسمح صحف "الحنجوري" السياسي (من الحنجرة) بكل هذا التساهل الذي يصل إلى حد الدعاية المباشرة (التي قد تكون مدفوعة أيضا) فيما يتعلق بالفني والثقافي.
واقرأوا معي مثل هذه النماذج من ثلاث صحف يشار إليها بالبنان في مصر المحروسة:جريدة "المصري اليوم" التي تعتبر نفسها ليبرالية مستقلة جريئة تنشر هذه التفاهة في عدد اليوم (15 ديسمبر) عن فتاة تطلق على نفسها اسم "سمراء" تنشر لها صورة مثيرة:" عشقت الفن منذ نعومة أظافرها.. لكنها توقفت حوالى عشر سنوات بسبب هجرتها إلى سويسرا، وعادت مؤخراً لتستأنف حياته إنها الممثلة الاستعراضية «سمراء» التى شاركت فى العديد من الأفلام والمسلسلات، وتستعد الآن لمسلسل «أدهم الشرقاوى» مع المخرج باسل الخطيب والمؤلف محمد الغيطى، و«ليلة الرؤية» مع المخرج مجدى أبوعميرة، وانتهت من تسجيل أغنية فيديو كليب بعنوان «فوق ولا تحت» من كلمات حسن عزو، وألحان هانى زكريا، وتوزيع تامر صقر".
أما جريدة "العربي الناصري" لسان حال الحزب الناصري المعارض فهي جريدة متشنجة جدا في كل ما يتعلق بما يسمى بمكتسبات التجربة الناصرية، تقيس على أساسها الأفلام والروايات والأفكار، أي أن فيلمك تنحدد قيمته بناء على موقفه من السد العالي أو تأميم قناة السويس أو القطاع العام مثلا، فإذا كان الفيلم يشير إلى معاناة عامل في مصنع من مصانع الثورة مثلا فهو فيلم رجعي، أما إذا كان يعلق في خلفية أحد المشاهد صورة جمال عبد الناصر فهو فيلم تقدمي ممتاز بالضرورة!
إلا أن "العربي الناصري" ليست متشنجة على الاطلاق فيما يتعلق بـ"الوجود الجديدة الحلوة.. ياحلوين وياحلوات".. ولنقرأ ما نشرته في عددها الأخير في صفحة الفن: " وفاء عامر: لست فنانة شعارات.. والنجومية «قسمة ونصيب".. فى سنوات قليلة صنعت لنفسها اسما فنيا تجاوز مرحلة «تأطير الإغراء المُتبل بالشائعات» التى حاول البعض ربطها به. ومن يقرأ أخبارها.. ويشاهد صورها فى بدايات مجيئها من الإسكندرية.. سيفاجأ اليوم بقراءة مختلفة.. لأخبارها الشخصية.. والعائلية.. وحين سألناها عن سر هذا التغيير قالت: لا توجد أسرار بل هو الاستقرار الأسرى والفنى والحمد لله".
وتنشر جريدة "الدستور" المستقلة التي خصص ابراهيم عيسى نصفها بكل أسف لمقالات وأخبار وأفكار جماعة "الإخوان المتسعودين" الشهيرة بجعجعاتها الكثيرة وفلوسها الكثيرة أيضا، فقد نشرت التالي في صفحتها الفنية عن شخص مغمور يدعى ادوارد لا أعرف ما مصلحة المتسعودين في تلميعه:"رغم اشتراكه في ثلاثة أفلام في هذا الموسم وهي «بدون رقابة» و«المشمهندس حسن» و«بلطية العايمة» إلا أن دوره في الفيلم الأخير جاء مختلفا تماما عن كل ما قدمه إدوارد من قبل، فدور «قاهر» ليس فقط واحداً من أجمل الأدوار الموجودة في الفيلم - إن لم يكن أجملها- بل هو من أجمل الأدوار التي قدمها إدوارد طوال مشواره الفني، فهو يحمل ملامح من الحزن تماما كما يحمل ملامح كوميدية قادرة علي انتزاع ضحكات الجمهور في قاعة العرض".
هل هناك بعد ذلك أي أمل في أن يتسق "الحنجوري" السياسي مع الفني، أو يتخلى السياسي للفني عن نصيب معقول يسمح بتناول قضايا حقيقية في الساحة الفنية والثقافية. أم أن قضية "بلطية العايمة" وما شابه، أهم من كل قضايانا الحاسمة المؤجلة باستمرار!

الأحد، 14 ديسمبر 2008

تداعيات عن سينما العالم والعام يوشك على نهايته

سالي هوكنز بطلة فيلم "تمشي على سجيتها"

من فيلم "هايمت" الألماني العظيم
يتجه عام 2008 نحو نهايته.. ونتطلع جميعا إلى استقبال عام جديد بأفلام جديدة ومفاجآت جديدة رغم الصورة القاتمة التي يبدو عليها الاقتصاد العالمي حاليا. حصاد 2008 سينمائيا كان ضعيفا بشكل عام.
السينما الأمريكية قدمت عملين أو ثلاثة من الأعمال ذوي القيمة. السينما الفرنسية رغم حصولها على سعفة كان الذهبية عن فيلم "الفصل" لا يمكن القول إنها حققت شيئا متميزا، فالفيلم لا يضيف أي جديد على مستوى الشكل أو المضمون، بل هو تكرار منسوخ من أفلام اخرى تلعب على فكرة واحدة هي نسخ الواقع دون أن إضافات إلى الموضوع أو المعالجة، والسينما البريطانية تراجعت بصورة مخزية، رغم إعجاب البعض بفيلم مايك لي "تسير على سجيتها" أو Happy-Go-Luky الذي لن أجد فيه شيئا مثيرا بعيدا عن أداء بطلته سالي هوكنز المعبر.
لم أشاهد فيلم "تشي" بعد عن البطل الأسطوري جيفارا، سيبدأ عرضه في لندن في اليوم الأول من العام الجديد بعرض الجزء الاول منه على أن يعرض الجزء الثاني في فبراير، وهي تجربة جديدة لعرض فيلم طويل يبلغ 5 ساعات.
وكنت قد شاهدت عام 1985 فيلم "هايمت" أو "الوطن" الألماني لادجار رايتز، وكان طوله أكثر من 16 ساعة، في أربعة أجزاء عرضت على مدار أربعة أيام متتالية في دار السينما، بتذكرة واحدة. وكانت تجربة لا تنسى، تشبه تجربة الفرجة الرومانية في الملاعب عندما كان الرومان يتوجهون ومعهم طعامهم وشرابهم ويقضون النهار بطوله، يشاهدون الألعاب الرياضية ويعيشون مع اللاعبين كل لحظة، ويمارسون الحياة بمتعة حقيقية. وكنت أقضي يوميا أكثر من اربع ساعات (ونصف ساعة استراحة) مع نفس الوجوه من الجمهور، حتى نشأت صداقات وعلاقات بين المشاهدين، وكنا نقضي الوقت أثناء الاستراحة في دار سينما "لوميير" في وسط لندن التي كانت تعرض الفيلم، ونحن نتناول المشروبات ونتبادل الأحاديث حول الفيلم- التحفة، الذي كان حدثا بارزا من أحداث السينما العالمية في الثمانينيات. وقد كتبت عنه تفصيلا في كتابي الثاني "اتجاهات في السينما المعاصرة".
لم أشاهد أيضا فيلم كلينت إيستوود الذي قيل فيه كلام كثير رغم أنني لست من المعجبين بايستوود كمخرج (أفضله ممثلا!) بعد أن عجزت حتى عن استكمال مشاهدة فيلمه الذي اقاموا الدنيا حوله الذي يحمل عنوان "فتاة بمليون دولار" بل وجدت أن فكرته عموما سخيفة ولا تثير أي خيال!
ربما يمكن اعتبار فيلم "تيزا: الاثيوبي للمخرج الكبير هيلا جيريما من أهم أفلام العام، وقد حقق ما حقق من فوز في فينيسيا وفي قرطاج، وأيضا فيلم "فروست/ نيكسون" لرون هاوارد الذي رغم موضوعه الذي يبدو مسرحيا نجح في تحويله إلى عمل ملئ بالحياة والاثارة والمتعة.
أما المخرج المتقلب اوليفر ستون (بالمناسبة قضيت أكثر من سنة في ترجمة كتاب كامل شامل عنه قبل سنوات صدر باسم "سينما أوليفر ستون" في القاهرة) فقد سقط تماما عبر أفلامه الثلاثة الأخيرة "الاسكندر الأكبر" و"مركز التجارة العالمي" وأخيرا "دبليو" الذي سبق أن كتبت عنه عند عرضه في مهرجان لندن السينمائي الأخير وقلت إنه لا يضيف شيئا بل يفتقر حتى لروح المرح والسخرية المحببة ويبدو ثقيلا وجافا.
أما السينما العربية فظلت هناك ثلاثة او أربعة افلام سنكتب عنها تفصيلا قريبا وهي "بصرة" لأحمد رشوان، و"حسيبة" لريمون بطرس، و"أيام الضجر" لعبد اللطيف عبد الحميد.
وفي مهرجان روتردام السينمائي الدولي الذي اذهب سنويا إليه في يناير أي في الشهر القادم، لافتتاح المشاهدات المكثفة في العام، سأرى مزيدا من الأفلام الجديدة، من عند العرب والعجم، وخصوصا "خلطة فوزية" لمجدي أحمد علي الذي فاتتني مشاهدته في القاهرة. ومهرجان روتردام هو المهرجان الدولي الكبير الأول في العالم ويعد من أكثر المهرجانات السينمائية تنظيما ودقة، وسهولة ايضا بالنسبة للنقاد والصحفيين في مشاهدة أفلامه وحضور عروضه. وهو يقام قبل مهرجان برلين، ويعرض عادة تجارب طليعية جديدة ويقدم عروضا عالمية أولى مثيرة للخيال والاهتمام.

الجمعة، 12 ديسمبر 2008

رسالة وتعليق

تصلني عشرات التعليقات والرسائل من الأصدقاء والقراء، معظمها عبر البريد الالكيتروني أو الفيس بوك، وليس كتعليقات مباشرة ملحقة بالمواضيع المنشورة عبر الوصلة الخاصة لذلك في أسفل كل موضوع، وهو ما يقتضي مني جهدا إضافيا لإعادة نشرها والتعليق عليها، فالكثير من الأصدقاء يكررون أنهم مازالوا يجدون صعوبة في التعامل مع هذا النوع من كتابة التعليقات ويفضلون إرسالها مباشرة من خلال رسالة. لا بأس على الإطلاق وسأعمل على نشرها والتعليق عليها بانتظام بعد ذلك.
ولنبدأ من الرسالة الأخيرة التي وصلتني، أو بالأحرى الأولى التي جاءت تعليقا على الموضوع المنشور في أعلى الصفحة حول تلك الجلسة التي قضيتها في القاهرة مع لفيف من الأصدقاء ناقشنا فيها موضوع السينما المستقلة.
((مساء الخير.. لم يسعدني الحظ أن أحضر ليلة المناقشة الخاصة بالسينما المستقلة في مصر ولم اعتب سوي علي أصدقائي الذين لم يخبروني بهذه الجلسة ولكن علي اي حال سعدت كثيرا عندما قرأت نتاج هذه المناقشة علي المدونة الخاصة بحضرتك.
مرحبا بك في مصر ومرحبا بك في رحاب هذا الفن الوليد. اسمح لي بتعليق بسيط استخلصته من قراءتي لآراء الأصدقاء بخصوص شيئين الاول هو التمادي في البحث عن مشكلة وضع مصطلح محدد لمعني ما يقدم الان في مصر وما يسموه بالسنما المستقلة.برأيي اننا نستنفذ الكثير من جهدنا تجاه عملية الية مع الوقت هي بنفسها من ستضع لنا مفهوما محددا لنا وهي التي ستفرض علينا مفرداتها وافكارها واشكالها التي سنخضع لها دون عناء البحث عن اسم او قالب محدد لها ، فالبحث عن وسائل وحلول لتطوير هذا الشكل الجديد اعمق بكثير من ان نصرف مجهودنا في البحث عن شكل او قالب او حتي اسم محدد له.
الشيء الثاني الذي لفت نظري في الجلسة وفي آراء الحاضرين هو الاصرار علي وضع السينما المستقلة في صدام وتضاد مع ما يعرف بالسينما التجارية والسينما السائدة. لا يوجد أدني وجه للمقارنة بين النوعين سوي انهم في النهاية يقدمون ابداعا فنيا وبصريا في شكل صورة سينمائية.. لماذا لا نعتبر تيار السينما المستقلة تيارا موازيا للسينما التجارية دون ان نصنفه كتيار معاكس يريد القضاء علي الفشل التجاري للاعمال السينمائية التي نراها الأن؟اعتذر سيدي علي الاطالة، ولكن حقا حزنت كثيرا لعدم حضوري هذه الجلسة ولم استطع أن أري نقاشا يدور حول السينما المستقلة دون ان أبدي رأيي به..اشكرك علي الاهتمام وان شاء الله يكون لي الحظ الاوسع في المشاركة القادمة في مثل هذه الجلسات.. كل عام وأنت بخير)).
رانيا يوسف- كاتبة سينمائية بجريدة القاهرة

تعليقي على رسالة الأستاذة رانيا أولا الشكر الجزيل على اهتمامك بالكتابة والتعليق وهو ما يعكس أهمية الموضوع المطروح نفسه وثانيا: أظن أن جانيا أساسيا من الاهتمام بالظاهرة الجديدة أعني ظاهرة السينما المستقلة، كما أطلق عليها أصحابها وليس النقاد مثلا، يتضمن البحث عن تعريف لها بمعنى: ما هو المفهوم الذي تدور حوله فكرة "الاستقلال" هنا. ونحن طرقنا الباب ولم نصل كما قلت، إلى قناعات أو تفسيرات نهائية. وأظن أخيرا أن هذه الأفلام الجديدة لا تسعى للقضاء على السينما السائدة التجارية وإلا لكان هذا تصورا شديد السذاجة، فمن الذي يمكنه القضاء على صناعة ضخمة بهذا المستوى، وقد أصبت أنت عندما قلت إن الهدف هو صنع تيار مواز لها وأظن أن الجميع يتفقون على هذا بكل تأكيد.مرة أخرى أشكرك على اهتمامك وسأعمل على أن تصلك دعوة مباشرة في المرة القادمة، وبالمناسبة أنا الآن في لندن التي عدت إليها منذ أيام. كل عام أنت بألف خير.

جلسة في القاهرة حول السينما المستقلة

كان هدف اللقاء في أتيلييه القاهرة للفنون مساء الأربعاء 3 ديمسبر مع الأصدقاء من النقاد والسينمائيين والمهتمين من قراء هذه المدونة وأصدقائها يتلخص في المعرفة: معرفة ما هي السينما المستقلة التي يتكلم عنها كثيرون. وهنا كان لابد من الإنصات والتعلم والبحث المشترك عن المعنى والهدف والوسيلة كبداية بالطبع لمناقشات فكرية أكثر عمقا وثراء. ويمكنني القول أنني خرجت من تلك الجلسة التي جمعتني بعدد من أعز الأصدقاء، وعدد آخر من الأصدقاء الجدد الذين لم يسبق لي التشرف بمعرفتهم والذين جاءوا تلبية للدعوة التي وجهتها على هذه المدونة، وأنا أكثر إدراكا لما يدور في عقول السينمائيين الشباب حول السينما المستقلة، وما يدور في عقول المثقفين عن معنى الاستقلالية.
لكن ليس معنى هذا أننا أغلقنا معا الملف، بل لعلنا ساهمنا بقطرة في فتحه وفي تسليط الضوء على المعنى والتعريف، وبدأنا رحلة البحث من أجل المعرفة. ولا أزعم هنا أنني سجلت كل ما قيل في تلك الجلسة الممتعة التي امتدت لأكثر من ثلاث ساعات، بل أسوق فقط ما تمكنت من تسجيله بسرعة وباختصار شديد من ملاحظات قيلت خلال تلك الجلسة، بينما كنت مشغولا أيضا بالانصات والمتابعة وأحيانا بالتدخل والتعليق.


دور التكنولوجيا
كان التساؤل الأولي الذي طرحته عن دور التطور في مجال التكنولوجيا على صناعة الأفلام وعلى وجود هذا التيار الذي أطلق على نفسه السينما المستقلة تحديدا.
المخرج ابراهيم البطوط صاحب فيلمي "إيثاكي" و"عين شمس" اللذين صنعهما بامكانيات محدودة، قال إنه لا يرى أي علاقة بين ما سبق من تراث سينمائي وبين ما هو موجود اليوم عندما يشرع في صنع فيلم جديد فالتكنولوجيا في رأيه غيرت تماما من أشكال التواصل ومن الطريقة التي نستقبل بها الأفلام. وقال إنه لم يعد مضطرا للمرور بسيناريو على الرقابة بل إن أشكال التصوير والعرض الجديدة خلقت نوعا جديدا من المتقلين الذين يفرضون أيضا جماليات جديدة. وضرب ابراهيم مثالا بكيف أصبح بوسع العالم مشاهدة صور إعدام صدام حسين التي تم تصويرها بالموبيل. وقال إن الشخص كان ينتظر لكي يستمع أو يشاهد حفلات أم كلثوم أول كل شهر لم يعد قائما، بل أصبح هناك مشاهد من نوع آخر، ولم يعد يمكن منع عرض الأفلام فهو نوع من الوهم.
الروائية سلوى بكر فاجأتنا فقالت إنها كانت تكتب النقد السينمائي لعدة سنوات عندما كانت تقيم في قبرص وتعمل لإحدى المجلات هناك في الثمانينيات. وهي ترى أن السينما المستقلة مهمة لأنها تتصدى لتيار تزييف الوعي بالحقائق الذي نراه في التليفزيون وأجهزة الإعلام عموما. أما صديقنا مدير تحرير جريدة "الدستور" الصحفي والناقد خالد السرجاني فقد لفت نظرنا إلى ضرورة توخي الحذر في التعامل مع التجارب الجديدة في السينما المستقلة، وعدم الإفراط في التفاؤل بشأنها، فعلى الرغم من إمكانية أن تصدر عنها أفلام جميلة وواضحة المعنى إلا أن من الصعب أن تجد هذه الأفلام طريقها للعرض على الجمهور الذي يجب أن تصل إليه، وإذن فأزمة العرض أمر حقيقي وليس فقط حل مشكلة التصوير أو الإنتاج.
الزميل ضياء حسني اعترض على ما قاله ابراهيم البطوط من نفي تاريخ السينما السابق على التطور التكنولوجي الحالي واستبعاده من الحسبان، وقال إنه لابد من تطور الأفكار حتى يمكننا استخدام الوسيط، وإن التشبع بالكتنولوجيا بدون تاريخ من الأفكار يجعل الأفلام فارغة تماما. وضرب ضياء مثالا بفيلم "نابليون" للمخرج الفرنسي أبيل جانس الذي أخرجه عام 1927 كمثال على تطور الأفكار مع التطور الكتنولوجي وضرورة دراسة مثل هذه التجارب القديمة التي لاتزال تصلح دروسا نتعلم منها.

تعريف المستقلة
الصديق الصحفي محمد فوزي (جريدة الدستور) وهو من المهتمين بالسينما طالبنا بضرورة الخروج من الجلسة بمقترحات محددة تتعلق بتعريف السنيما المستقلة، وحاجة الجمهور إلى معرفة ماهيتها.. أفكارها.. أنماطها.. اهتماماتها.. ما إذا كانت هي الأفضل فنيا، كما طالب بضرورة نشر ثقافة سينمائية جديدة ترتبط بالسينما الجديدة المستقلة والوصول بها إلى الفضائيات، وقال إن من المهم أن يوجد تيار سينمائي مستقل في مصر يغير الواقع ويتصدى للنمط السائد في الإنتاج، ونبدأ في المراهنة على من لديهم نواة صلبة حقيقية وليس على منتجي الأفلام السائدة.
وطالبت سلوى بكر بضرورة بحث سبل وأساليب دعم السينما المستقلة عن طريق دعم وتطوير أشكال النقد المواكبة لها، وقالت إنه لايوجد إبداع في الهواء الطكلق بل إن ظاهرة مثل السينما المستقلة تؤدي للبحث عن أشكال أخرى للتعبير في غير ذلك من المجالات. ولفتت النظر إلى ضرورة أن تتوفر الأفلام المستقلة على نوع من المتعة للجمهور وقالت إن ما شاهدته من أفلام قصيرة لم يكن ممتعا.

بعضنا كان رايه أن السينما المستقلة هي تلك التي تصنع بعيدا عن قيود الإنتاج التقليدي، والبعض الآخر رأى أنها تلك التي تبحث عن أشكال جديدة في التعبير بالضرورة.
خالد السرجاني نبهنا إلى أن أهمية إنتاج سينما عكس التيار قد تتلاقى مع الآخر، وأما صنع فيلم للذهاب به إلى مهرجان سينمائي دولي تحت شعار "الحوار بين الشمال والجنوب" أو اليهود في العالم العربي أو الأقليات فهو موضوع آخر قد يكون قائما في اهتمامات الآخر ولا يمكن أن يكون من أهداف السينما المستقلة.
استغرقنا وقتا طويلا بعد ذلك في محاولة التفكير والبحث عن تعريف مناسب للسنيما المستقلة في مصر تحديدا بحيث نفرق بينها وبين ما أشير إليه في الولايات المتحدة على سبيل المثال. وكان رأي السرجاني أن الأمريكيين المستقلين لا يبتعدون كثيرا في اهتماماتهم عن التيار العريض في السينما الأمريكية بل هم يسعون أصلا إلى النفاذ إليه من خلال استخدام الفيلم المحدود الإمكانيات.
الدكتور ناجي فوزي قال إنه أمر مشروع أن يبدأ السينمائي وعينه على الوصول إلى الإنتاج الكبير أي أن يكون الهدف الانتقال من الأفلام المحدودة التكاليف إلى صنع أفلام كبيرة. وأشار إلى أهمية دور مؤسسات الثقافة السينمائية القائمة في تبني دعوة السينما المستقلة، وقال إنها عجزت حتى الآن عن الترويج للسينما التسجيلية مع أنها موجودة طوال الوقت، وأشار إلى عجز التجمعات الثقافية عن فرض الفيلم التسجيلي منذ ندوة الفيلم المختار التي بدأت قبل أكثر من 50 عاما.. وكان رأيي الشخصي ولايزال، أن العبرة بما يتقدم به السينمائي وما يرغب في تحقيقه فإذا قبلت أي جهة دعم فيلم ما دون أن تطلب أي تنازل من مخرجه ودون أن يكتب صاحب الفيلم مشروعه أصلا ويتقدم به وعينه على أنماط معينة يعتقد أنها سترضي جهات التمويل وتسيل لعابها، فلا تثريب ولا حرج، ولكن المشكلة أن الكثير من السينمائيين العرب تحديدا يتقدمون طواعية بالتنازلات مسبقا للحصول على التمويل. وكان رأيي أيضا أنه لم يعد هناك تمويل من طرف واحد أو سينما "وطنية" تماما مع وجود الأفلام التي تمول من جهات متعددة تشمل عددا من محطات التليفزيون من اليابان وأوروبا ومن الداخل ومن شركات سينمائية وجهات حكومية، وهنا ليس من الممكن القول بتبعية الفيلم المنتج فكريا لجهة ما واحدة محددة بل ربما تتلاقى هذه الأطراف وتتفق دون أي ترتيب، على شكل فني معين طموح تدعمه وتروج له كبديل لما هو سائد ومتخلف.

العامل المشترك
المخرج أحمد رشوان قال إن السينما المستقلة لا تمثل تيارا أو موجة مثل الموجة الجديدة التي كان يجمعها- حسب رأيه- تيار فكري، وأشار إلى غياب المشترك الفكري من أفلام السينما المستقلة في مصر، أما الجامع بينها فهو مجرد الرغبة في التعبير. واتفق مع الرأي القائل بوجود اختلاط في المفاهيم. وأضاف أن التصوير بكاميرا الديجيتال لا يقدم الوصفة السحرية للسينما المستقلة وذكر أن المنتج- الموزع صفوت غطاس وخمسة من المنتجين التقليديين في السوق اشتروا أخيرا كاميرات ديجيتال، فهل ستكون الأفلام التي سينتجها هؤلاء أفلاما مستقلة. وقال رشوان إن الاستقلال ليس ضد الاحتلال بل ضد التبعية أي التبعية للمنتج التاجر. وأشار إلى أن هناك فرقا بين الأفلام التي تصلح للعرض على جمهور عام وتلك التي لا تصلح سوى للعرض على جمهور محدود، وقال إن المشكلة ليست في الدراسة. أي دراسة الجمهور بل في تطوير القدرات الإبداعية. ويرى رشوان أيضا أن معهد السينما يخرج شبانا عيونهم على السوق، في حين تساهم تجارب مثل مدرسة السينما في الجزويت في توفير بديل جيد.
خلال تلك الأمسية استمتعنا أيضا بمداخلات من الصديق الجديد أحمد أبو الفضل وهو طبيب أسنان ومدون لديه مدونة باسم إنكشاريات. وقال أحمد إنه يتابع المدونات السينمائية على شبكة الانترنت وإنه يجد أن ثلاثة أو أربعة منها تقدم خدمة مفيدة وإنه شخصيا تمكن من متابعة الكثير من الأحداث السينمائية من خلالها، ولكنه أشار إلى محدودية جمهور المدونات عموما، وأشار كذلك إلى تجربة قامت بها ساقية الصاوي في مجال عرض الأفلام المجهولة التي يجب أن يلم بها عشاق السينما.
حضرت معنا أيضا الفنانة التشكيلية جيهان جاد التي أبدت حماسا كبيرا للسينما المستقلة وطالبت بوصولها للجمهور وضرورة أن تطور نفسها وآلياتها ولا تقتصر على أن تكون "سينما فقيرة". بالضرورة في مواجهة سينما غنية بالإمكانيات المادية.
كانت الأمسية دون شك، مفيدة لي شخصيا في التعرف على الكثير من الأفكار التي تشغل القريبين من السينما المستقلة في مصر، كما أتاحت لي الفرصة للتعرف على زملاء وزميلات جدد مثل بسمة ياسين الصحفية في جريدة "نهضة مصر" وزينب مصطفى المخرجة بالمركز القومي للسينما وهي فنانة تشكيلية أيضا. وقد تلقيت بعد تلك الأمسية اتصالا هاتفيا من الصحفي الشاب الأستاذ محمد فوزي الذي حضر الجلسة، اقترح علي ضرورة التوصل في مرة قادمة إلى إطار محدد لدعم تيار السينما الجديدة في مصر أو تأسيس كيان ما يجمعنا ويطور أفكارنا. أسعدني كثيرا جدا الحماس، وأتمنى أن نصبح قادرين قريبا، في زيارتي القادمة إلى القاهرة، على الوصول لشئ ملموس في هذا المجال أو على الأقل، في تأصيل ما هو مشترك بيننا، وهذا هو الأهم.. أليس كذلك؟
جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger