الجمعة، 3 أكتوبر 2008

كلام واضح جدا


قبل فترة أرسل إلي "قارئ" يسألني سؤالا مباشرا: لماذا لا تذكر أسماء النقاد الذين تشير إليهم أحيانا إشارات سلبية كما كنت شجاعا في التصدي لفاروق حسني وغيره؟ وسألني عن ذلك "الصحفي" الذي أشرت في مقال سابق إلى أنه كان ينشر مقابلات مع النجوم على أنها مقابلات حصل عليها من فم الأسد، بينما كان يترجمها وينشر معها صورا التقطت له مع نجم أو آخر. وسألني أيضا ما إذا كنت أقصد بكلامي هذا صديقي"فلان الفلاني" لأن "قارئا آخر" (وإن كنت لست متأكدا) أراد أن يدخل في روع "صديقي" هذا المعنى لكي يحرضه ضدي بالطبع وضد ما أكتبه.
قلت له في رسالة خاصة الحقيقة العارية وهي أن صديقي "فلان الفلاني" ليس المقصود بكلامي، بل إن كلانا، أنا وصديقي، نعرف الشخص المقصود.
أما لماذا لا أذكر أسماء الكتاب والنقاد الذين أشير أحيانا إلى بعضهم أحيانا اشارات سلبية، فقد قلت له إنني لا أعتبر نفسي في خصومة شخصية مع كاتب أو صحفي أو ناقد أو نصف ناقد. إنني اختلف حقا مع البعض، لكن لا اشغل نفسي كثيرا بالدخول في حروب مع هذا أو ذاك، وعندما أشير إلى ما يفعله بعضهم فإنني أذكر ذلك في سياق الحديث عن قضية عامة أو موضوع أكبر، وليس من أجل تعرية أو فضح ناقد معين أو التشهير به، أم الكشف عن تاريخ ناقد آخر وعن تقلباته، ونفاقه، ومداهناته، وشبكة مصالحه، وكيف يوظف كتاباته لخدمة مصالحه وغير ذلك.. فلو كان هذا هدفي لفعلت، وبشكل علمي وموضوعي تماما، ولجعلت دماء كثيرة تسيل في الأنهار، أو وجوها كثيرة تشحب وترتعش من فرط الإحساس بالعار، هذا إذا كان لدى أصحابها أصلا أي إحساس من أي نوع، ودون أي حاجة إلى فبركة أو ترتيب رسائل ملغومة من "قراء" وهميين.

وعندما كتبت عن صحافة النفط وخزعبلاتها أشرت بوضوح لا لبس فيه إلى الصحيفة المقصودة وإلى الكتاب الذين يعدون لها صفحة في أمور السينما أجدها من وجهة نظري، مسيئة للسينما وللثقافة السينمائية كما أفهمها، لكني لم أنشر أسماء لأن الأسماء هنا لا قيمة لها ولا معنى، وإلا لبدا الأمر كما لو كنت أرغب في التشهير بهم، وهو ليس هدفي ولن يكون. وأي كاتب يفسر كلامي على أنه موجه ضده شخصيا وبشكل قصدي وأنه هو الهدف وهو المستهدف، تصبح هذه مشكلته التي لا قبل لي بها. وهي مشكلة علاجها في المصحات المتخصصة وليس على صفحات المدونات.

بشكل عام أجد أن هؤلاء الكتاب لا يجب أن يشغلونا كثيرا لأنهم ليسوا إلا توابع صغيرة تدور في فلك مؤسسات الفساد التي نهاجمها ونكشفها. ومن الطبيعي ان يسارعوا إلى القيام بدور المدافع عن تلك المؤسسات التي يتعيشون منها وعليها.
إن الناقد المنحرف، أو الكاتب المزيف أو الذي يبيع الكلمات وهناك كثيرون، ليس هو الهدف أو القضية، فهو أصغر من أن يكون كذلك، بل المناخ العفن الذي أفرزه وجعله يصبح على ما هو عليه.
وإذا ما سمح المرء لنفسه أن يتوجه بشكل مباشر، بالإسم والهوية والتعريف لكشف وفضح هؤلاء، فسوف لن نستخدم لغة الشتائم والذم، بل سنفضحهم من خلال كتاباتهم ومقالاتهم وكلها لدينا موثقة بالتواريخ وأماكن النشر. ولن نزيد عليها شيئا فهي أكبر دليل على إدانة هؤلاء ووضعهم في المكان الذي يستحقونه. لكن مرة أخرى ليس هذا هو الهدف.
أما المسؤولون، وزيرا كان أم رقيبا أم بوقا إعلاميا لوزير، فقد أصبحوا من الشخصيات العامة بعد أن تقلدوا المناصب، ولذا نذكرهم بالأسماء لأنهم يملكون السلطة والنفوذ ويمارسون السلطة بالفعل والتحكم في حياتنا، ومن حقنا أن نبين مغبة أعمالهم وانحرافاتهم لكشفهم وفضحهم أمام الرأي العام. وهذه وظيفة النقد ودوره.

الرسائل المتبادلة مع هذا "القارئ" الذي أشرت إليه ولم أذكر اسمه احتراما للخصوصية، موجودة، ويمكن نشرها إذا أراد، بكل ما فيها.. وأرجو ألا يسرع هو مجددا بهذه الكلمة إلى صديقي "فلان الفلاني" بتفسيراته لما يراه كامنا وراء السطور، لكي تبدأ لعبة من جديد لعبة التخمينات والتوجسات والتحريضات.

ولا يجب أن يتوقع أحد من جانبي مزيدا من هدر الوقت فيما لا نفع فيه، لكني سأواصل، بكل تأكيد، كتاباتي ضد كل رموز الفساد في الصحافة وفي السينما وفي المؤسسات الثقافية في العالم العربي، نفطية كانت أم مائية، دون أدنى وجل أو تردد أو تراجع أمام أي إرهاب من أي جهة أو شخص، شاء كل أئمة النفط وأتباعهم أم أبوا.

الخميس، 2 أكتوبر 2008

النقد الإنجليزي وفيلم "عمارة يعقوبيان"


ترحيب بالجرأة السياسية وتحفظات فنية


شهدت دور العرض في العاصمة البريطانية في العام الجاري 2008 عرض فيلم "عمارة يعقوبيان" عروضا تجارية عامة للمرة الأولى لفيلم مصري منذ سنوات. وبعده مباشرة عرض فيلم "هي فوضى" آخر افلام الراحل يوسف شاهين.
ويحسب لمنتجي فيلم "عمارة يعقوبيان" نجاحهم في الترويج للفيلم في أوروبا وعثورهم على موزع له في بريطانيا، ولو أنه موزع صغير للأفلام الفنية عادة أو الأفلام الأجنبية القادمة من سينمات العالم الثالث، يتمثل في مؤسسة "أي سي إيه" أو مؤسسة الفن العالمي المعاصر التي تعرضه في دار العرض الخاصة بها الواقعة في الطريق المؤدي إلى قصر باكنجهام الملكي.
ومع عرض "عمارة يعقوبيان" كان من الطبيعي أن يتناوله النقاد في الصحافة البريطانية المتخصصة والعامة بالنقد أو حتى بالإشارة.
وأود أن أقدم هنا عرضا موجزا لما كتب عن الفيلم لكي نعرف كيف تستقبل أفلامنا من طرف النقاد في الغرب.
صحيفة "الجارديان" اليومية نشرت مرتين عن الفيلم بقلم اثنين من أهم نقاد السينما البريطانيين، أولهما بيتر برادشو الذي وصف الفيلم بأنه "حقيبة تمتلئ بالشخصيات التي تعيش في عمارة سكنية في القاهرة عام 1990، قبل حرب الخليج مباشرة: والقصة عبارة عن مادة مليئة بالثرثرة وغير موحية، أقرب إلى مسلسلات التليفزيون من نوع "اوبرا الصابون"، ويقدم لنا الفيلم "اسكتشا" عاما للعاصمة المصرية الكوزموبوليتانية المتأرجحة بين الماضي والحاضر، وبين الإسلام والغرب خاصة أوروبا الفرانكفونية. أما نظرة الفيلم إلى الجنسية المثلية بين الذكور فهي نظرة قديمة وسطحية، إلا أن الفيلم "يصلح للرؤية" watchable، ويبدو أقصر كثيرا من زمن عرضه البالغ 3 ساعات، كما أنه يتضمن أداء ممتازا من عادل إمام".
أما فيليب فرنش (وهو ناقد مخضرم) فقد خصص مقالا أكثر تفصيلا عن الفيلم قدم فيه عرضا للرواية والفيلم والشخصيات ودلالة استخدام العمارة، وخلص إلى القول إن "هذا الفيلم القوي المؤثر المفعم بالحيوية، والذي يمتلئ بالمرح في أحيان كثيرة، ويحتوي المجتمع بأسره، يتعامل مع موضوع يعتبر عادة من المحرمات، بكثير من الجرأة. ومن المشجع أن الفيلم أفلت من الرقابة المصرية المعروفة بالتزمت، وهاجم المتطرفين، وحقق نجاحا كبيرا في مصر".
أما الناقد سوكديف ساندو فقد كتب عن الفيلم في "الديلي تليجراف" يقول "رغم أن الرواية تعاملت مع مواضيع حساسة مثل قمع الشرطة والفساد السياسي والشذوذ الجنسي، إلا أنها تعاملت مع الشخصيات عادة بدرجة واحدة من الخفة والإطالة حتى أنها جاءت على شاكلة مسلسلات "أوبرا الصابون". ونفس الشئ يمكن قوله بالنسبة للمعالجة السينمائية التي رغم التصوير البارع لسميح سالم، لم تتمكن أبدا من التنسيق الكامل بين الحكايات المزدحمة للسكان المتنوعين في عمارة سكنية في القاهرة".


رؤية قاسية
وكتب الناقد أنطوني كوين ناقد صحيفة "الإندبندنت" اليومية فقال: "الفيلم يقدم رؤية قاسية جدا للمجتمع المصري، سواء فيما يتعلق بالظلم السياسي أو بازدواجية المعايير في النظرة إلى الجنس وفيروس الفساد الذي يغزو كل المستويات، والانقسام الاجتماعي الذي يجعل المجتمع أرضية صالحة للإرهاب. على مدى 3 ساعات تقريبا، كان مطلوبا بناء أكثر تماسكا، كما أن الانتقال بين الشخصيات يحمل تأثير مسلسلات "أوبرا الصابون"، غير أن هجومه الشديد على الفساد يذكرنا برواية "هكذا نعيش حاليا" لترولوب (أنطوني ترولوب كاتب انجليزي من القرن التاسع عشر امتلأت رواياته بالنقد السياسي والاجتماعي لعصره - أ. ع).
وكتب بول دال في مجلة "ذي ليست" مرحبا بقدوم فيلم من مصر إلى دور العرض اللندنية بعد سيطرة الأفلام الإيرانية لفترة طويلة، وعرض للرواية وأهميتها وشخصياتها ثم خلص إلى القول "يبني كاتب السيناريو وحيد حامد والمخرج مروان حامد من رواية الأسواني رؤية ساخرة وقاسية للواقع المصري اليوم، الذي يمتلئ بالمسالك البشعة وأنصاف الحقائق. ورغم طوله المفرط يعتبر "عمارة يعقوبيان" عملا ممتعا بالإضافة إلى تصويره الرائع. والمرء يود أن يتصور أن اثنين من المخرجين العظام في مصر هما عاطف الطيب وصلاح أبو سيف، اللذين توفيا في التسعينيات، كانا سيشعران بالسعادة لمشاهدة فيلم مصري على هذا المستوى يعرض على الساحة العالمية".

مقارنة مع "المواطن كين"
مجلة "إمباير" السينمائية الخفيفة منحت الفيلم 4 نجوم (من 5) وعلقت تعليقا سريعا فوصفته بأنه "مزيج ملحمي من القصص التي تدور في القاهرة المعاصرة. التمثيل رائع ويشدك للمشاهدة".
أما مجلة "سايت آند ساوند" أعرق المجلات السينمائية البريطانية فقد خصصت مساحة أكبر لتحليل الفيلم ورحب ناقدها علي جعفر (لبناني الأصل) كثيرا بالفيلم واعتبره "محاولة جرئية لتقديم صورة شاملة لمصر المعاصرة، والفيلم يتناول كل شئ، من الفساد إلى الأصولية الإسلامية والشذوذ الجنسي".
ويتوقف الناقد أمام المشهد الأول من الفيلم الذي يروي تاريخ عمارة يعقوبيان ويقارن بينه وبين مشهد الجريدة السنيمائية في فيلم "المواطن كين" التي تلخص حياة البطل، كما يشيد بالممثلين وخاصة أداء عادل إمام.
غير أنه يتوقف في النهاية عند عدد من الملاحظات السلبية مثل الطريقة التي تناول بها الفيلم موضوع الشذوذ الجنسي، والتبسيط في تصوير تحول طه الشاذلي من طالب مجتهد إلى إرهابي، والوقوع في الميلودراما ومحاكاة أسلوب مسلسلات التليفزيون. لكنه يعود فيقول إن صناع الفيلم "يستحقون التحية.. لشجاعتهم في الكشف عن النفاق الكامن في المجتمع المصري".
وبشكل عام يمكن القول إن الاهتمام النقدي في الصحافة البريطانية بفيلم "عمارة يعقوبيان" جاء أولا بسبب ما أثارته رواية علاء الأسواني من اهتمام سابق على ظهور الفيلم، وما اكتسبته من سمعة جيدة في الأوساط المثقفة خاصة بعد صدورها في ترجمة انجليزية.
ثانيا: تركز الاهتمام بالفيلم في معظمه، على الجانب السياسي والاجتماعي وبالتالي تعامل معه كظاهرة اجتماعية أو سيوسيولوجية وليس كعمل فني أساسا، وربما تتشابه هنا نظرة النقاد الانجليز مع نظرة النقاد المصريين للفيلم.
أما عند التعرض للجوانب الفنية فيتفق معظم النقاد على اعتبار الفيلم أقرب إلى المسلسلات المعروفة بـ "أوبرا الصابون" التي تقدم شخصيات متعددة وتركز عادة على الجوانب المثيرة والفضائحية في حياتها.
كذلك أشار معظم النقاد إلى الطول المفرط للفيلم، وإلى التكرار والاستطرادات، لكنهم أجمعوا على براعة الأداء التمثيلي.

السينما الثالثة مازالت حية

أريد هنا أن أستطرد على صعيد نظري بعيدا عن استدعاء تجربتي الخاصة في فهم ومحاولة خلق كيان ما يتبنى الدعوة إلى "السينما الثالثة" في مصر في السبعينيات.
لقد ظهر قبل سنوات كتاب مهم حول السينما الثالثة بقلم مايك واين Mike Wayne وهو أكاديمي يقوم بالتدريس في جامعة برونل Brunel ورئيس تحرير مجلة "أصوات منشقة" أو Dissident Voices
يحمل الكتاب عنوان "السينما السياسية: جدليات السينما الثالثة". وقد صدر عن دار بلوتو للنشر في لندن. وهو كتاب صغير الحجم (165 صفحة)، عظيم الفائدة.
وفيه يعيد المؤلف تسليط الضوء بقوة على السينما الثالثة، ويبدأ برواية القصة التالية التي كانت حافزا له على كتابة هذا الكتاب. يقول المؤلف إنه في عام 1996 كان يشارك في مؤتمر نظمه مركز الفيلم البريطاني BFI حول "السينما الافريقية". وخلال المؤتمر أعلن السينمائي البريطاني جون أكومفره John Akomfrah أن السينما الثالثة ماتت. ويضيف المؤلف: "لم يكن هناك أي رد فعل من جانب جمهور الحاضرين. وهذا الكتاب يسعى إلى دحض هذا الزعم. ولكن من أجل تحقيق ذلك يجب أن تتحول السينما الثالثة إلى نظرية، أو إلى ممارسة نظرية نقدية، تستلهم، وتحاول أن توازي أفلام السينما الثالثة".
إنه يسعى من خلال كتابه إذن إلى التنظير للسينما الثالثة وفحص نماذج من أفلامها أيضا. ويقول بوضوح لا لبس فيه إن "السينما الثالثة تستطيع أن تعمل من خلال أشكال مختلفة، تسجيلية وروائية. إنها تتحدى كلا من الطريقة التقليدية لصناعة السينما (وهنا كانت رائدة في خلق طرق ديمقراطية للإنتاج) كما تناقض الطرق السائدة لاستهلاك الأفلام. إنها ترفض أن تكون مجرد وسيلة للتسلية. السينما الثالثة سينما عاطفية، غاضبة، ساخرة عادة، ومركبة دائما. أما على المستوى النظري فإن السينما الثالثة مفهوم في حاجة إلى تطوير وتوضيح في مواجهة ما هو سائد من تشوش وسوء فهم. إنها مفهوم في حاجة إلى الدفاع عنه في وجه النظريات والممارسات المعادية. ورغم ما يوجد من نماذج سابقة عليها تمثلت في السينما السوفيتية في العشرينيات، إلا أنها ظهرت في حقب تالية وتأثرت بالثورة الكوبية في 1959".
مؤلف هذا الكتاب الممتع يصول ويجول في المجال النظري، ثم يتناول بالتحليل أفلاما تحمل علامات من السينما الثالثة رغم انتمائها للسينما الأولى او الثانية مثل "معركة الجزائر" لبونتيكورفو.
وهو يعود إلى أيزنشتاين وفيرتوف لكي يصل إلى سولاناس وجتينو وأفلام السينما الثورية في أمريكا اللاتينية، والأفلام التسجيلية التي تصنع حسب مفهوم السينما الثالثة في أوروبا.
والكتاب أخيرا يتيح جولة فكرية دسمة وممتعة لمن يريد أن يعرف ويرى ويتأمل ويراجع المفاهيم السائدة عن السينما، وعن العلاقة بين السينما والحياة، ويطلع على شئ عن الحياة في السينما.

الأربعاء، 1 أكتوبر 2008

السينما والتطرف


حتى الآن لم يظهر عمل سينمائي واحد يتناول قضية التطرف الديني والإرهاب والفكر المتطرف كما ينبغي بالنسبة لموضوع بمثل هذه الخطورة، أي أن يبحث في جذروه وأصوله، ويتعرض بشكل واضح وجرئ حقا، إلى أصل الفساد والشر ومنبع الانحراف الفكري وموطنه والذين يواصلون تغذيته بسبب العقد التاريخية التي تحكم نظرتهم للعالم من حولهم.. وكلها أشياء معروفة ومفهومة لكل من يفكرون أو ينشغلون بالتفكير.
إن كل ما ظهر من أفلام عن التطرف بدا سطحيا وسخيفا ولا يولي المشكلة الكبيرة ما تستحق من اهتمام، بل يعالجها بطريقة توظيف الفن السينمائي لما يمكن أن نطلق عليه "الفكر الأمني" أي التشويه المباشر والانتقاص والتصغير والسخرية العابرة، وكفى المؤمنين شر القتال.
إن فكرا متغلغلا بهذا الشكل في حياتنا ليس من الممكن التعبير عنه فنيا (ولا أحب استخدام لفظ "مواجهته" لأنه أيضا لفظ أمني وعسكري) على هذا النحو السطحي، الذي لا يحلل، ولا "يؤنسن" (أي يتعامل مع هؤلاء الأشخاص باعتبارهم بشر لهم نقائصهم ومبرراتهم ومفاهيمهم النابعة من بيئة محددة)، بل يقزم ويلغي، وكأنه بالشطب والإلغاء على الشاشة، نقضى على الخطر الداهم القائم، ونستأصل ما يعشعش في رؤوس بعض العباد.
وتتمثل المشكلة أيضا في خضوع الفكر السينمائي (وغير السينمائي) لإغراء النفط وسطوة البترودولار، فقد أصبح هناك إحجام عن الإشارة الصريحة المباشرة إلى دور النفط في تمويل التطرف، ودور مجتمع التصحر والتخلف في صب أحقاده على الحضارات المجاورة، ومحاولة تحقيق انتقامه "التاريخي" منه، والسعي بشتى الطرق إلى تخريب العقول في تلك الحضارات القديمة.
الطريف أن السينمائيين الأمريكيين لا يخشون من الإشارة بأصابع الاتهام من خلال أفلامهم التي تتناول القضية، إلى الأطراف الحقيقية المسؤولة. لكن هذه الأفلام تتراوح في مستواها ورؤيتها أيضا، من أفلام تسعى إلى التحليل، إلى أفلام أخرى تكتفي بالتعميم والإدانة.
هل سيتجرأ السينمائيون في مصر، التي تعاني أكثر من غيرها من التطرف الفكري، ومن هجمة التصحر الإرهابي، وينتجون أعمالا حقيقية تتصدى لكشف الحقيقة؟
لا أظن أن البيئة الحالية تتحمل جرأة سينمائية على هذا المستوى، فالرقابة الحديدية القائمة، والاحتقان الاجتماعي والسياسي، إلى جانب شبكة المنافع والمكاسب الشخصية التي تتعيش بالطبع على مجتمعات البترودولار وتلعب دورها كترس من تروس ثقافتها المضادة، كل هذه الاشياء تجعل الوضع بأكمله لا يتحمل فيلما واحدا يطرق الباب بجرأة.. والبديل: أن نظل نلف وندور ونناور ونضحك على أنفسنا.
الإرهاب والتطرف وكل الظواهر العنيفة تقتضي العمل على إرساء ثقافة أخرى: ديمقراطية، شفافة، تستند إلى مكتسبات الحضارة الإنسانية بأفق مفتوح، وبعيدا عن "العقد" التاريخية الموروثة.
جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger