الجمعة، 13 نوفمبر 2015

عن الفيلم والشريط والخيالة


لا أستطيع أن أستوعب كيف يمكن أن يتضمن مقال واحد، في مجال عرض أو نقد فيلم سينمائي، كلمة “فيلم” تارة، وكلمة “شريط” تارة أخرى في وصف ما تعارف العالم أجمع على وصفه بـ”الفيلم” منذ زمن طويل، بعد أن استقرت الكلمة في معظم اللغات الحية في بلاد الدنيا، وأصبحت مفهومة لدى الكبار والصغار، من شتى الطبقات الاجتماعية.
والملاحظ أن الكثير من الكتاب العرب مازالوا يستخدمون بشكل آلي، كلمة “الشريط” في الإشارة إلى الفيلم السينمائي، بينما لو تأملنا قليلا في الكلمة سنجد أن هناك فرقا كبيرا بين “الفيلم” و”الشريط” في المعنى وفي المفهوم وفي الاستقبال أيضا.
الشريط يشير إلى شيء محسوس، أي أنها كلمة تصلح لوصف “شريط الفيلم” (لاحظ أننا استخدمنا كلمة الفيلم) أو المادة المحسوسة الملموسة السوداء من شريط السوليولويد المصحوب بثقوب على الجانبين، الذي كانت تصوّر عليه الأفلام السينمائية لعشرات السنين ومازالت، وإن قل استخدامه كثيرا بعد انتشار تصوير الأفلام حاليا بواسطة الكاميرا الرقمية بالطبع، التي حوّلت الصورة المنطبعة على شريط السليولويد إلى إشارات رقمية يتم تخزينها على ذاكرة الكاميرا أو جهاز الكمبيوتر أو ما يسمى بـ”الفلاش ميموري” أو غير ذلك.
من المفهوم بالطبع أن من يحرصون على استخدام كلمة “شريط”، يريدون التشبث بفكرة تعريب الكلمة أو المصطلح الأجنبي أي “الفيلم”.
ومع ذلك إذا كان الأصل في اللغة أن يتحدث الناس بها ثم يعكف علماء اللغويات على وضع الكلمات في سياقات وشرح معناها ومبتغاها، واستنباط دلالاتها وقواعدها.
من الواجب أن نعتمد ما تنطق به الغالبية العظمى من الجمهور العربي الذي يتعامل مع السينما كمنتج أو كفن حديث، صحيح أنه ظهر في الغرب أولا، إلاّ أن الكثير من الدول خارج العالم الأوروبي- الأميركي، قامت بتطويره واستخدامه في الإبداع والتعبير.
الشريط إذن له معنى مادي جامد، في حين أن “الفيلم” عالم بأسره، رؤية، نظرة للحياة، أسلوب في التعامل مع الخيال، فهو يعكس خيال المبدع ونظرته للعالم وطريقته في التعبير أو في رواية القصص واستخدام الموسيقى والفن التشكيلي والتمثيل وغيره من الفنون في صياغة رؤيته وتوصيلها للمتفرج.
ونفس الشيء يمكن أن يقال في ما يتعلق بكلمة “سينما”، التي اجتهد بعض العرب فأطلقوا عليها، “الخيالة”، في حين أنها ليست فقط “خيالة” أي مجرد ظلال وأشباح وصورة تنعكس على شاشة بيضاء، بل هي في الحقيقة، أكثر تعقيدا من هذا بكثير، فهي أيضا عالم بأسره.. دنيا واسعة تفيض بالأفلام والمشاعر والمخيلات والخيالات والرؤى والإشارات والاتجاهات والمدارس الفنية والفكرية المختلفة. وليس من المعقول أن نختزلها في كلمة “خيالة” تشبثا بتعريب كلمة أصبحت أيضا موحدة ومتفقا عليها في سائر لغات العالم.
لماذا قبلنا أن نستخدم مثلا كلمة الموسيقى (الأجنبية) في الإشارة إلى هذا الفن البديع (ميوزيك في الإنكليزية، وميوزيك في الفرنسية، وموزيكا في الإيطالية) رغم أنه كان موجودا لدينا منذ القدم، ولا أعرف شخصيا ماذا كان يطلق عليه العرب؟
ليس عيبا أن نتفق على استخدام كلمة “فيلم” وأن نتوحد في استخدام كلمة “سينما”، عندما يتعلق الأمر بفن وفد إلينا ولم نكن نعرفه، بل ولم يكن له وجود في التراث العربي القديم -لحسن الحظ- وإلاّ لأصبحت له معايير خاصة مختلفة عما هو قائم في العالم كله، رغم أن ذلك لم يمنع العرب حتى يومنا هذا، وبعد 125 عاما على ظهور السينما، من فرض قيود مشددة على استخدام السينما والتعامل مع الفيلم، وهو موضوع آخر.

0 comments:

جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger