مهرجانات السينما
في العالم تتوسع، في برامجها وأقسامها وطموحاتها بل وتتجه أيضا إلى عرض الأفلام في
مدن أخرى غير المدينة التي يقام فيها المهرجان، ومهرجانات السينما تنشر الثقافة
السينمائية وثقافة الصورة، وتساهم في محاربة الفكر المتطرف، وتلعب دورا حضاريا من
خلال عرض أفلام العالم، من تواصل بين الثقافات. وهي ليست فقط مناسبات احتفالية
بانجازات الفن السابع، لكنها أرضية صلبة للمناقشة والبحث وأساس حقيقي لدعم صناعة
السينما في البلد الذي يقام فيه المهرجان.
وقد جاء خبر إيقاف
مهرجان أبوظبي السينمائي مفاجئا وصادما لكل عشاق السينما ليس فقط في العالم
العربي، بل في العالم. فهذا مهرجان أثبت خلال ثماني دورات، أنه ولد ليعيش ويستمر،
وقد لعب بالفعل دورا رائدا في دعم الإنتاج السينمائي العربي من خلال المنح المالية
والفنية التي يقدمها "صندوق سند" الذراع الإنتاجية التابعة له. وكان من
المدهش أن يصدر بيان من الجهة التي تنظم المهرجان يقول إن إيقاف المهرجان جاء بسبب
الرغبة في التركيز على نشاط "صندوق سند" ونظام دعم الأفلام!
فهل كان وجود
المهرجان عائقا أمام نشاط صندوق الدعم (سند) أم أن "الصندوق" كان يستند
عمليا إلى كيان المهرجان ويحقق ما يحققه بفضل ما اكتسبه المهرجان من سمعة دولية
بفضل جهود عشرات الأشخاص الذين عملوا في إدارته وعلى رأسهم المخرج الإماراتي الشاب
علي الجابري، الذي أدار الدورات الثلاث الأخيرة، ومن قبله المدير الأمريكي بيتر
سكارليت،. والغريب أن إيقاف المهرجان يأتي بعد أن كان قد أصبح حدثا سنويا راسخا
متميزا ببرنامجه وأفلامه وندواته ومطبوعاته، على نحو لا يتوفر لكثير من المهرجانات
السينمائية التي تقام في العالم العربي.
لقد توقف مهرجان
دمشق السينمائي منذ فترة بسبب الأوضاع المضطربة في سورية، ووصل مهرجان قرطاج
العجوز إلى حالة من الإرهاق والتعب أصبح يحتاج معها الى دخول "العناية
المركزة"، وتوقف مهرجان ترايبكا – الدوحة بعد فشل التجربة التي حاولت استنساخ
تجربة المهرجان الأمريكي الشهير في نيويورك، غافلة عن طبيعة المنطقة التي يقام
فيها المهرجان، ودوره الأساسي في جمع شمل السينمائيين العرب والأجانب معا، كما توقف
منذ العام الماضي مهرجان أفلام الخليج، ولم يعد هناك سوى مهرجان دبي السينمائي
الذي شهد خفضا في ميزانيته من العام الماضي بنسبة كبيرة أدت إلى الغاء بعض أقسامه وإلغاء
السوق الدولية التي كانت تقام على هامشه.
لم يعد يقام في
المنطقة حاليا سوى مهرجان القاهرة السينمائي الذي يكافح من أجل استعادة دور سابق
له كان قد ولى بعد ذلك التراجع الكبير في مستوى السينما المصرية بشكل عام والثقافة
السينمائية في مصر بوجه خاص، وفساد المؤسسات الرسمية على أكثر من صعيد. كما يستمر
مهرجان آخر ولد ميتا في مصر هو مهرجان الاسكندرية السينمائي، ويحاول مهرجان مستجد
هو الاقصر للسينما الإفريقية أن يعلب الدور الذي كان لمهرجان قرطاج في الماضي ولكن
في ظروف متغيرة عسيرة.
يأتي توقف مهرجان
أبوظبي يأتي في الوقت الذي كان قد بدأ يصبح نافذة مهمة للأفلام التي تظهر في
المنطقة بل وفي الإمارات أيضا حينما عرض في افتتاح دورته الماضية فيلما إماراتيا
روائيا طويلة من "من ألف إلى باء" يعتبر رغم أي ملاحظات سلبية عليه،
خطوة إيجابية على طريق التأسيس لسينما روائية في الإمارات. كيف يمكننا أن نستوعب
فكرة أن إيقاف مهرجان أبوظبي يمكن أن يخدم ويفيد المؤسسات الإنتاجية التي تركز
أساسا على دعم مشاريع الأفلام سواء من خلال "سند" أو الأفلام الأجنبية التي
تصور في الإمارات وتمولها شركة "إيماج نايشن" الإماراتية؟
كيف يصدر قرار
كهذا في وقت تشهد المنطقة هجمة من التطرف السياسي باسم الدين، بينما يمكن أن تصبح
السينما حاجزا منيعا في وجهه؟ وهل من الممكن إعادة النظر في هذا القرار الذي أرى
صادقا- أنه يؤدي إلى خسارة فادحة بالنسبة لدولة الإمارات، وهي في النهاية خسارة تتجاوز
كثيرا أضعاف ما كان ينفق من مال على إقامة المهرجان!
0 comments:
إرسال تعليق