الأربعاء، 30 يونيو 2010

"أورورا" والسينما الرومانية الجديدة

لم تمر سوى سنوات محدودة على ظهور السينما الرومانية الجديدة أو "الموجة الجديدة" كما يحلو للبعض أن يصفها، فقد ولد التيار الجديد الذي دفع بالحياة في قلب هذه السينما العتيقة التي تجمدت طوال سنوات حكم الديكتاتور تشاوشيسكو (1965- 1989) مع ظهور فيلم "موت السيد لازاريسكو" The Death of Mr Lazarescu الفيلم الروائي الثاني للمخرج كريستي بويو Cristi Puiu (مواليد 1967) الذي أذهلنا جميعا عام 2005 بأسلوبه الرصين الذي يعيد الاعتبار مجددا إلى المذهب الطبيعي في السينما.
ويصور الفيلم رحلة ليلية (تحدث في ليلة واحدة في الواقع) لرجل متقاعد يعاني من متاعب في المعدة وهو بصحبة ممرضة في منتصف العمر، تنتقل به عبر عدد من مستشفيات بوخارست، حيث يلقى الإهمال واللامبالاة والتجاهل، ويظل ينتقل من مكان إلى آخر، بسبب البروقراطية القاتلة والتجمد الذي أصاب المشاعر الإنسانية، إلى حين ندرك أنه سيلقى مصيره المحتوم في النهاية.
يبدو هذا الفيلم بسيطا في تكوينه العام: فهو مصور في شقة صغيرة مهملة هي شقة السيد لازاريسكو نفسه، وعربة إسعاف من الداخل، وغرف استقبال وفحص في المستشفيات، وبعدد محدود من الشخصيات: الرجل، الممرضة، سائق سيارة الإسعاف، ثلاثة من الأطباء، عدد من الممرضات والمساعدات.
إلا أن الفيلم رغم بساطته الظاهرية، عميق في محتواه، مذهل في دقته وتفاصيله وقدرة مخرجه على انتزاع أقصى ما يمكن التعبير عنه من الممثلين وخاصة البطلين/ اللا بطلين، أي الرجل والممرضة التي تصحبه.
في هذا الفيلم ظهرت لغة تعيد الاعتبار إلى سينما التفاصيل الصغيرة التي يمكن أن تلتقطها الكاميرا الثابتة في لقطات طويلة، تحدق فيها عدسة الكاميرا إلى الشخصيات، وإلى المكونات العادية أو الأقل من العادية في المكان: حوض، فرشاة أسنان، مرحاض عتيق، زجاجة خمر فارغة، أرفف تزدحم بالصحف القديمة، أريكة متهالكة..إلخ.
ونادرا ما تتحرك الكاميرا على راحتها في المحيط، بل تبدو مختنقة في الفضاء المحدود الطبيعي للغرف، أو لسيارة الإسعاف، فالأساس أن نرى الإنسان، كيف يعاني ويتألم، ويرقد قليلا ثم يستيقظ لكي يتقيا مثلا، أو يشكو ويئن ويطلب ضرورة العودة إلى المنزل، وكيف يواجهه السادة الأطباء داخل المستشفى بكل ما لا يمكن تخيله من اللامبالاة بل والاستهتار الذي يصل إلى مرحلة سيريالية تماما غير أنه لا يحيد قيد أنملة عن الواقعية المباشرة التي تصل أيضا إلى حد التصوير الوثائقي: حركة الممثلين، الحوار التلقائي المباشر، المكان الطبيعي، الممثلين غير المحترفين، اللقطات والمشاهد الطويلة التي لا تكاد تلحظ أثر المونتاج عليها.
وفي العام التالي، 2006، وعلى نفس المنهج والأسلوب جاء فيلم "4 أشهر 3 أسابيع ويومان" للمخرج كريستيان Cristian Mungiu (مواليد 1968) الذي يصور محاولة فتاة وصديقتها إجراء عملية إجهاض للأولى إبان حكم تشاوشيسكو، أي وقتما كانت عمليات الإجهاض محظورة قانونا في رومانيا. هذا الفيلم الذي يهمس ويصرخ، يواجه برشاقة ورصانة كبيرتين، يقدم صورة إنسانية مفزعة ولكن بدون ضجيج، وببلاغة رفيعة، بلاغة الأسلوب الذي يرصد ويدقق، ويتيح مساحة للتأمل، لا يجنح أبدا إلى الميلودراما رغم الإغراء الكامن في ثنايا الموضوع نفسه، ويعتمد على الصمت أكثر مما يعتمد على الكلام والصراخ والتشنجات، يخفي أكثر مما يعلن، ويظهر أقل مما يمكن ان نرى بسبب الظلال وبقع الظلام التي تمليء الكادر السينمائي لكي توحي بالجو، وتكثف المشاعر بدون حاجة إلى الشرح والتفسير. ولم يكن مفاجئا أن يحصل هذا الفيلم على "السعفة الذهبية" في مهرجان كان السينمائي في ذلك العام.
وعلى نفس المنوال يأتي الفيلم- التحفة "الشرطة: صفة" Police: Adjective عام 2009، للمخرج كورنيلو برومبو، الذي يدور حول شخصية ضابط شرطة شاب يفقد قناعته بعمله في الشرطة ويبدأ في اختراق النظام على طريقته الخاصة، وطرح تشككه فيه عمليا.
وأخيرا يأتي فيلم "أورورا" Aurora (أو الفجر) لكريس بويو أيضا، الذي يعتبره صاحبه الجزء الثاني ضمن سلسلة من ستة أفلام يطلق عليها "ست قصص من ضواحي بوخارست"، كان أولها "موت السيد لازاريسكي"، ويقول إنها كلها أفلام عن الحب: حب الإنسان للإنسان، والرجل للمرأة، والرجل لأبنائه، وحب النجاح، والحب بين الأصدقاء، وحب المعرفة.
وهو يهدي الافلام الستة إلى المخرج الفرنسي الراحل الكبير، إريك رومير، الذي يقول بويو إن سداسيته الشهيرة بعنوان "ست قصص أخلاقية" ألهمته كتابة قصص أفلامه الستة التي أنهى منها اثنين بالفعل.

"أورورا" تلك الكلمة اليونانية القديمة التي تشير إلى الفجر أو إلهة النور، افتتح به قسم "نظرة خاصة" في مهرجان كان السينمائي 2010. والعنوان اختير في إطار الفهم الخاص "السحري" لدى بويو لكلمة "أوروا" التي تعني النور الذي ينبثق من الظلمة، أو اللحظة الفارقة بين ظلام الليل وضوء النهار، وهي لحظة تتغير فيها النظرة إلى الأشياء، غير أنها لحظة يراها بويو "غامضة"، فهو يقول إن "النجمة التي تتألق في الضوء هي فينوس، وفينوس في اللغة الرومانية هي لوسيفارول Luceafarul المشتقة من لوسيفر Lucifer رسول الضوء، الملاك المفضل الذي سرعان ما يصبح الشيطان".
والغموض الناتج من العنوان يشير تحديدا، إلى استحالة الفصل بين الخير والشر، وهو يرى أن "أوروا" بالتالي ليس فيلما عن الخير والشر، لكنه فيلم عن "غموض واستحالة ادراك صلتنا بالعالم، بالآخرين، واستحالة التواصل الحقيقي".بطل الفيلم رجل في الثانية والأربعين من عمره، يدعى فيوريل Viorel وهو رجل عادي تماما، يعمل مهندسا للمعادن، يبدو أنه طلق زوجته حديثا، ويعول طفلتين منها، نراه في شقته الصغيرة العارية تقريبا من الأثاث، والتي يتردد عليها عمال للقيام بأعمال الترميم والطلاء. يجلس وحده، يشاهد التليفزيون، يتجادل مع جيرانه في الطابق الأعلى: رجل وزوجته، يهبطان إليه للاعتذار عن تسرب الماء إلى سقف الحمام بسبب ترك طفلهما الصنبور مفتوحا. ويدور حوار طويل عادي للغاية بينه وبين الزوجين، حوار لا طائل من وراءه على الإطلاق لكنه يجري يوميا.
في المصنع الذي يعمل به يلتقي بزميل له مدين له ببعض المال، ثم يتوجه إلى زميل آخر يحصل منه على رصاصات صنعها خصيصا له، ثم يذهب ويشتري بندقية صيد. وبعد أن يدور بالسيارة في بودابست بدون هدف، يعود إلى شقته ليجرب البندقية، ثم يضع البندقية في حقيبة يحملها على كتفه ويتوجه بالسيارة إلى فندق انتركونتيننتال حيث يقف مترقبا في مرأب السيارات في انتظار أحد لا نتبينه على وجه التحديد بل سرعان ما نرى شبح رجل وامراة يتجادلان يقتربان. يخرج البندقية ويطلق الرصاص عليهما ثم يغادر بالسيارة. يعود يقضي ليلته ثم يتوجه في الصباح إلى حيث يرتكب الجريمة الثانية داخل منزل، يعرف الضحية تماما ويتبادل معها الحديث قبل أن يتحول إلى قتلها.
ونحن لا نشاهد الجريمة الأولى بل نرى مجرد شبحين للضحيتين، ونسمع صوت إطلاق الرصاص، بعد أكثر من ساعة من بدء الفيلم، بشكل مفاجيء، ولا نرى أيضا جريمة القتل الثانية، بل نعرف بحدوثها من الصوت ومن الحركة المسبقة، لأن الكاميرا هنا تتركز على سقف الحجرة، بل ولا نرى الجثث ولا الدماء ولا نعرف مسبقا دوافع ارتكاب الجريمة، ولا ما الذي يعذب بطلنا بالضبط، بل ونراه أيضا وهو يذهب بنفسه في النهاية، إلى مركز الشرطة، لتسليم نفسه وتقديم اعتراف تفصيلي بالجريمتين ويرشد عن مكانهما، بمنتهى الهدوء والعقلانية. لقد قتل والد ووالدة زوجته، وأمه. وعندما يسأله الضابط لماذا؟ تأتي إجابته اكثر غموضا مما نتوقع: أن تتركك زوجتك ليس أمرا سهلا!
فهل يمكن اعتبار الدافع إلى ارتكاب الجريمة عند فيوريل مجرد تخلي زوجته عنه؟ أي وقوع الطلاق؟ ولماذا لم يقتل الزوجة نفسها؟
الواضح من البداية أن الفيلم يكثف حالة إحساس بالقنوط والعبث وانعدام القيمة، بل والوصول إلى طريق مسدود في الحياة باسرها عند هذا البطل/ اللابطل ، على طريقة قريبة من الإحساس العبثي عند بطل رواية "الغريب" لألبير كامي، أي الفرنسي الذي يقتل الرجل الجزائري ويبرر ذلك أمام المحكمة بأن "الشمس كانت في عينه"!
فيلم "أورورا" يقع في ثلاث ساعات ودقيقة واحدة. وهو مثل الأفلام السابق الإشارة إليها، ليس أهم ما فيه الدوافع والحبكة الدرامية التقليدية التي يتم شرحها أو فك طلاسمها قرب النهاية، او البناء الدرامي الواضح للشخصيات: هنا مثلا لا يوجد تفسير سيكولوجي لدوافع البطل، بل إنه يتسم بالبرود التام، والحركات المحسوبة، والعقلية الواعية المدركة لما تفعل تماما. هناك فقط نوع من الشرود في نظراته، ومن التأمل والتفكير، والنظرات الحادة الغاضبة إلى الناس. وهناك مشهد نرى خلاله "فيوريل" يصر على دخول محل ملابس في وسط بودابست لكي يعثر على عاملة فيه ربما تكون هي زوجته نفسها، لكن العاملات بالمحل يؤكدن له أنها ليست موجودة، بل ويدعونه إلى تفتيش المحل، وتفتيش دورة المياه إذا اراد. وترتفع حدة انفعاله في هذا المشهد الطويل كثيرا، لكنه لا يخرج عن نطاق السيطرة.
ورغم القتل والجريمة، فنحن لا نرى الفعل نفسه، لأن المخرج ليس هدفه ان يجعل الجريمة نوعا من "الفرجة" التي يمكن أن تحقق متعة المشاهدة، أو الإثارة، فليس هذا هدفه، بل إنه يرغب اساسا، في تصوير حالة إنسانية، لرجل عادي تماما، لا يبدو مثل أبطال أفلام الجريمة بل على النقيض منهم، لكي يقول لنا إن الجريمة من الممكن أن تأتي من داخل الإحباط والشعور بالقرف واللاجدوى وعبثية المحيط كله، ومن قبل أناس عاديين، لا يخططون ولا يتربصون في الظلام، بل حتى طريقة ارتكاب الجريمة هي طريقة "عادية" تماما لا تقتضي أية مهارة خاصة!
مرة أخرى، هنا اللقطات الطويلة، والمشاهد المكونة من لقطات محدودة، والحوارات التي يمكن أن تمتد أحيانا كثيرا لتصبح نوعا من "ثرثرة الحياة اليومية"، والاعتماد الأساسي على تكوين اللقطات، مما هو متاح داخل منظور الصورة من عاديات الحياة والطريق والمواقع المختلفة الداخلية للتصوير، وليس من خلال الإبهار الشكلي والتلاعب بالضوء، فمصادر الضوء الطبيعية هي الغالبة، والديكورات الطبيعية ايضا، والممثلين يبدون بدون ذلك التكلف المصطنع، بل كأشخاص من الحياة العادية، والشخصية الرئيسية (فيوريل) يؤديها المخرج نفسه بعد أن فشل، كما يقول، في العثور على الممثل المطلوب. لكنه يؤديها بتحكم كبير، ودون أن يفقد الفيلم بعضا من روح السخرية السوداء.
فيلم يشدك إليه ويجعلك مسحورا في مقعدك لأكثر من ثلاث ساعات، فهناك في ذلك الإيقاع البطيء الذي يمضي وتتعاقب معه المشاهد، شيء ما مثل التنويم، فما يجري على الشاشة، وما يجري وراء الشاشة، كلاهما يجعلان من تجربة "أورورا" تجربة للاستنارة، ولمشاهدة إنسان من عالمنا، كما لو كان المرء يشاهد نفسه في مرآة كبيرة، هي مرآة السينما.

الاثنين، 28 يونيو 2010

شاشات وأحداث: وودي ألين وكوبولا وجودار وديفيد لينش


* على شاشات لندن يعرض حاليا فيلم "مهما حدث" Whatever happened للمخرج الأمريكي وودي ألين، وهو فيلمه التاسع والثلاثون، وقد أخرجه قبل فيلم "ستقابلين غريبا طويلا أسمر" الذي عرض في مهرجان كان هذا العام، وقبل فيلمه الأحدث الذي يستعد للبدء في تصويره وهو بعنوان "منتصف الليل في باريس" Midnight in Paris
وودي ألين في الخامسة والسبعين من عمره حاليا، فإذا عرفنا أنه بدأ الإخراج للسينما منذ 1966، وأنه أخرج أيضا أربعة أفلام للتليفزيون، وفيلما قصيرا أو جزءا ضمن فيلم طويل، يكون فعلا مستمر في إخراج فيلم كل تسعة أشهر تقريبا، وهو إنجاز كبير من حيث الكم بكل تأكيد. والغريب أن وودي ألين لديه دائما ما يقوله، حتى لو لم يوفق تماما في قوله، مثلما حدث في فيلمه الأخير الذي تناولته عند عرضه في مهرجان كان الشهر الماضي. أما الفيلم المعروض حاليا في لندن فيستحق المشاهدة.
* من الأفلام الجديدة التي تشاهدها لندن حاليا فيلم "تيترو" لفرنسيس فورد كوبولا، وهو فيلم شخصي لاشك أن مخرجه يتحرر فيه كثيرا من سطوة شروط شركات الإنتاج في هوليوود، ويعبر عن تجربة خاصة عائلية، إلا أنني لم اجده جديرا بالثناء الكثير، ففيه الكثير جدا من الجمود، الذي يتعلق بطول المشاهد، وطول الحوارات، وانحصار المشاهد في ديكورات داخلية، نادرا ما تتغير، واعتماد التمثيل على الأداء المسرحي المغالى فيه، وهذا، على الرغم من محاولات كوبولا الجمالية في استخداماته للتصوير بالأبيض والأسود. أضف إلى ذلك أن الفيلم لم يتجاوز نطاق الدراما العائلية السيكولوجية الخاصة التي تفتقد إلى ما يعرف بـ"البعد الإنساني الأشمل" أو universal level بحيث تلقى صدى لدى الجمهور خارج نطاق الدائرة المحدودة التي تدور فيها. أقول قولي هذا وأستدرك بالقول إن لكل إنسان بطبيعة الحال، الحق في رؤية الأشياء حسب نظرته الخاصة، وثقافته الشخصية، وتكوينه الفكري. غير أن "البعض" يعيب على "البعض" الآخر، أنه لم يعجب بما أعجبه من أفلام.. أو أنه معجب بما لم يعجبه، وهي قمة الفاشية التي لا أرى لها مثيلا في الثقافات الأجنبية، فهي ظاهرة قاصرة فقط بكل أسف، على النقد العربي والثقافة العربية، فالكثير ممن يكتبون بالعربية يبدأون عادة مقالاتهم بتوجيه انتقادات لاذعة لما كتبه الآخرون عن الفيلم الذي يتناولونه، والتقليل من شان كل ما ظهر من كتابات حوله، ومحاولة إثبات أنهم الأقدر على الفهم، والأكثر إدراكا لمغزى العمل، وأن الآخرين متخلفون، وحمقى، وليسوا على مستوى الكفاءة.. إلخ، كما لو كان التقليل من شأن ما يكتبه الآخرون، يمكن أن يرفع من شأن أي كاتب، أو أي شخص ممن تعلموا الكتابة بالامس القريب فقط، واكتشفوا أمس الأول، وتصوروا أن السينما يمكن أن تكون مسألة بسيطة، لا تحتاج إلى ثقافة ومعرفة وعلم وخبرة ومشاهدات مكثفة حقيقية ضمن سياق فكري وفني محدد، وليس بشكل عشوائي، يميل إلى الانبهار المسبق، بكل ما يصنع من أفلام في العالم، ويعتبرها جميعها تحفا كبيرة، خصوصا لو اتفقت مع مفاهيمه المراهقة عن السينما!
كلمة أخرى هنا: إذا كان أحد يريد أن يكون كاتبا أو ناقدا، فلماذا لا يكتب مباشرة، يقول لنا كيف يرى الأشياء أو الأفلام، وماذا يرى فيها، وكيف يحكم عليها، ويقيمها، ويقومها، دون أن يجعل مما يكتبه مادة متذيلة أو ذيلية، يرد فيها على كتابات آخرين، وينطلق فيها استنادا على مجهود غيره، ورؤية كونها غيره، واجتهادات جاءت من طرف غيره، لكي يستلمها حضرته، ويقوم بتسفيه ما ورد فيها، والتقليل من شأنها، والرد عليها ومقارعتها، متصورا انه بهذا، سيجعل من نفسه شخصا ذا شأن. وسؤالي البسيط هو: من أين سياتي هذا الكاتب بمادته في حالة توقف "الكتاب الذين يلهمونه الكتابة" عن كتابة مقالاتهم التي لا تعجبه حتى من قبل أن يكتبها أصحابها، ومن قبل ان يقرأها هو!
* وقد رأينا أخيرا ظاهرة أخرى، هي الدفاع عن اختيارات مديري المهرجانات الغربية الكبيرة، والهجوم الشرس على كل من يوجه لها انتقادات مشروعة في كل الأعراف والثقافات، أيضا تحت تصور فاشي يقوم على فكرة أن الدفاع عن مدير مهرجان دولي ما، واجب وضرورة مقدسة، تنسجم مع تلك النفسية المنافقة في الاصل والأساس، أو أن "الأجنبي" أي الخواجة، أكثر فهما ومعرفة بالضرورة من "أبناء الثقافة المشتركة"، خصوصا وأن هذا النوع من أنصاف الكتبة، لا يحظى عادة بالاحترام في أوساط المهرجانات الدولية، التي يتزلف وينافق ويقدم الهدايا والعطايا إلى المسؤولين عن مكاتبها الصحفية، من أجل الحصول على "بطاقة" صحفية، توفر له التردد على الأفلام تحت تصور أن مشاهدة أكبر عدد من الأفلام دون القدرة على هضمها، يضفي على مثل هؤلاء الأشخاص قيمة ما، في حين أنهم محتقرون تماما من طرف مديري المهرجانات. وقد استمعت بنفسي أكثر من مرة إلى شكاوى الكثير من مسؤولي بعض المهرجانات الدولية، الذين أخذوا ينتقدون أمامي بقسوة وسخرية، هذا النوع من المتطفلين، وإلى شكاواهم من تحايلاتهم من أجل الحصول على الاعتماد ضمن الصحافة السينمائية، لكن هؤلاء المديرين يقولون إنهم لا يستطيعون أن يفعلوا شيئا لأن هناك "جهات" صحفية عربية، يحصل منها هؤلاء على خطابات تزكية. وإذن العيب وأصل الفساد موجود عندنا، في صحفنا ومؤسساتنا التي تفضل التعامل مع هؤلاء "الأنصاف" (جمع نصف).. لأنهم مثل الأحذية، يكمن خلعها في اي وقت.. وسأكتفي بهذا الآن، لأني أرى ان هؤلاء لا يستحقون أكثر من هذه "القرصة" الصغيرة بحجم ما هو كائن تحت قشرة أدمغتهم الصغيرة!

* نسخة جديدة حديثة مجددة من الكلاسيكية الشهيرة "على آخر نفس" أول أفلام جان لوك جودار من عام 1959 تعرض حاليا للأجيال الجديدة التي لم تشاهدها أو شاهدتها من خلال الأسطوانات الرقمية، أي على شاشة التليفزيون. الاحتفال بهذا الفيلم يجب في رأيي أن يتركز، ليس فقط على دور جودار كمخرج، بل وبالموازاة وعلى نفس القدر والمستوى، إلى مصوره راؤول كوتار، الذي لعب دورا بارزا في تشكيل ملامح سينما الموجة الجديدة الفرنسية في الستينيات.
* مهرجان إدنبره السينمائي اختتم أخيرا الدورة الرابعة والستين، أي أنه أقدم من مهرجان لندن السينمائي، وهو يقام في المدينة الاسكتلندية الجميلة التي تتميز بأجوائها الحميمية الرائعة، في نفس الوقت مع مهرجان ادنبره الدولي للفنون: المسرح والموسيقى والفن التشكيل والرقص. ومثل مهرجان لندن، لا يمنح مهرجان إدنبره السينمائي جوائز ولا ينظم مسابقة دولية، لكنه ابتدع منذ سنوات، مسابقة محدودة قاصرة على الأفلام البريطانية الجديدة فقط، تمنح جائزة كبرى باسم المخرج الراحل مايكل باول. وقد ذهبت هذه الجائزة هذا العام إلى فيلم "هياكل عظمية" Skeletons وهو من نوع الكوميديا ويقوم بطلاه بدوري طاردين للأرواح الشريرة، ويقعان في سلسلة من المآزق. عرض الفيلم في لندن سيبدأ في نهاية الأسبوع الجاري (الجمعية القادم). وهو توقيت سيء لأن الجمهور مشغول حاليا بمتابعة مباريات كأس العالم التي تعرض يوميا في التليفزيون العمومي (بي بي سي وآي تي في) أرضي وفضائي بدون أية قيود، وليس مثلما هو الحال في العالم العربي الذي عرف منذ مدة، حكاية احتكار من يملك المال حق شراء وبيع هذه المباريات لغيره من المحطات، وهي مشكلة تؤذي الجمهور وتسبب الاحباط للجهات المسؤولة، ويبدو لي الأمر اشبه بالابتزاز الذي يحتاج إلى كفاح حقيقي ضده من أجل إسقاطه، وان على ثقة أن الجمهور في بلادنا يعرف كيف يخترق النظام، أي نظام، عندما يشاء!
* أخيرا، نشر المخرج الأمريكي الكبير ديفيد لينش على موقعه على شبكة الانترنت إعلانا يدعو من خلاله، محبيه إلى التبرع، كل منهم بمبلغ خمسين دولارا للمساهمة في إنتاج فيلمه القادم، والمفأجاة أنه سيكون فيلما وثائقيا يروي فيه قصة حياته والمؤثرات التي ساهمت في تشكيل رؤيته وثقافته. وقد أراد تحرير الفيلم بالكامل، من ضغوط الشركات، ولذا لجأ إلى فكرة التمويل العام، أي جعل الجمهور طرفا مباشرا في إنتاج الفيلم، مقابل هدية تشجيعية تتلخص في الحصول على ملصق من الفيلم الذي يحمل رسما للمخرج الكبير وعليه توقيعه، وسيصدر هذا الملصق في طبعة محدودة تقتصر في توزيعها على المتبرعين كما فهمت. وفهمت أيضا أن من الممكن شراء الملصق أو قميص تي شيرت أو حقيبة صغيرة يكون مطبوعا على كل منها صورة الفنان السينمائي. ومن يرغب في الحصول على نسخة، والتبرع لدعم هذا الفيلم، عليه الدخول إلى موقع ديفيد لينش من هنا:
www.lynchthree.com

الجمعة، 25 يونيو 2010

"الفاعل من الداخل": قوة الوثائقي تفضح وول ستريت


من أهم الأفلام الوثائقية (أو غير الخيالية) التي عرضت في مهرجان كان السينمائي الـ63 فيلم "الفاعل من الداخل" The Inside Job (والعنوان يشير إلى وجود ما يعرف بطرف داخل المؤسسة يساعد أطرافا خارجية على سرقتها).والفيلم يقع في ساعة و48 دقيقة، وهو من إخراج تشارلز فيرجسون، الذي برز اسمه عندما قدم فيلمه الوثائقي الأول "لا نهاية في الأفق" No End in Sight عن الحرب في العراق قبل ثلاث سنوات. ولكن على حين كان هذا الفيلم، الذي رشح لأوسكار أحسن فيلم وثائقي، يوجه انتقادات شديدة للسياسة الخارجية الأمريكية عموما، وللسياسة الأمريكية في العراق بوجه خاص، يأتي الفيلم الجديد لكي يسلط الأضواء، كما لم يحدث من قبل، على الانهيار المالي والاقتصادي في الولايات المتحدة الذي تسبب في الأزمة العالمية الاقتصادية القائمة حاليا.يتجاوز الفيلم الجديد كثيرا ما صوره المخرج الشهير مايكل مور في فيلمه البديع "الرأسمالية: قصة حب"، فعلى حين اكتفى مور بالعرض الساخر، والبحث في "أعراض" الأزمة، يتعمق فيرجسون في هذا الفيلم البديع، لكي يصل إلى أصل الفساد، من خلال التدقيق في تاريخ العلاقة بين وول ستريت، وبين المؤسسة السياسية الأمريكية، ويوجه في النهاية، بوضوح، اتهامات مباشرة بارتكاب جرائم، ليس فقط في حق الشعب الأمريكي، بل في حق شعوب العالم أيضا.

الأربعاء، 23 يونيو 2010

فاروق عبد القادر: رحيل ناقد فذ وصديق عظيم


نزل خبر مغادرة الناقد الكبير فاروق عبد القادر على رأسي نزول الضاعقة. صمت صاحب القلم الذي لم يهادن ولم يساوم، ولم يعرف الحلول الوسط، ولم يقبل أبدا، كما فعل قلائل أصبحوا يعدون على أصابع اليد الواحدة، الدخول في "الحظيرة" سيئة السمعة.
ناضل فاروق عبد القادر بقلمه، كاشفا العفن الثقافي، فاضحا المواهب الزائفة التي يفرضها علينا الإعلام السائد، في المسرح والرواية والقصة. لم يجامل أحدا، ولم ينافق مسؤولا، ولم يمدح نجما أو مخرجا حسب الطلب، أو حسب ما يمكن أن يحصل عليه من منافع ومكاسب، فقد عاش فاروق ومات، فقيرا معدما، بخلت عليه الدولة بالعلاج الذي أصبح متاحا في الخارج لكبار الوزراء والمسؤولين "عيني عينك" ولا أحد يجرؤ على الكلام، وإذا تكلم، فلا أحد يهتم أو يحاسب.
عرفت فاروق عبد القادر عام 1976 أي منذ 34 عاما، عندما كان محررا للملحق الثقافي في مجلة "الطليعة" الشهرية التي كانت من أكثر المجلات المصرية احتراما وتأثيرا في الأوساط الثقافية والفكرية، سواء في مصر أو في العالم العربي.
ولكن فاروق لم يكن يعمل في براتب شهري ثابت في تلك المطبوعة الشهرية التي تصور الرئيس جمال عبد الناصر عندما سمح بصدورها في 1965، أنه يستطيع أن يشتري مثقفي اليسار المصري ومفكريه، بحفنة من الجنيهات (خمسة آلاف جنيه شهريا كما نقل عنه أحد مثقفي اليسار فيما بعد). فقد كان فاروق يعمل بمكافأة شهرية متواضعة، ولعله ارتضى بذلك حتى لا "يتورط" في الوقوع في شرك نظام كان يعارضه، وقد دفع الثمن باهظا، واضطر في وقت ما إلى الرحيل خارج مصر حيث عمل لسنوات في إحدى الدول العربية مستشارا خاصا. ولكنه منذ أن عاد في أوائل السبعينيات على ما أعتقد، وحتى وفاته بعد فترة طويلة في غيبوبة ما قبل الفراق منذ أشهر، ظل كاتبا مستقلا، يرفض الارتباط بالعمل لحساب أي مؤسسة من مؤسسات الدولة، الصحفية أو الثقافية.
لم تكن تربطني علاقة شخصية مباشرة بفاروق عبد القادر في ذلك الوقت، فقد كنت مازلت طالبا بالجامعة وكنت أنشر مقالات متفرقة هنا وهناك، ولكن فاروق كان يقرأ ويتابع ويهتم، وقد أرسل لي من يخبرني بأنه يريد أن يراني في مكتبه بمجلة الطليعة. وكان مقر المجلة داخل مبنى "الاهرام" الجديد الذي كان قد افتتح قبل سنوات محدودة في 1970 على ما أتذكر، قبل وفاة عبد الناصر، واعتبر إنجازا شخصيا فارقا للصحفي والكاتب الكبير محمد حسنين هيكل.
وقد دخلت مبنى "الأهرام" وانا أشعر بالضآلة، فمن أنا بين كل هؤلاء الكتاب والصحفيين الكبار، وكان منهم توفيق الحكيم ونجيب محفوظ والدكتور حسين مؤنس والدكتور جمال حمدان، وغيرهم كثيرون.
وقد طلب مني فاروق دون أي معرفة سابقة أن أكتب لـ"الطليعة"، وكان يبدي حماسا كبيرا لما أكتبه رغم أنني كنت في بدايات حياتي ككاتب.
وكنت أحيانا أمر عليه في "الطليعة" لكي اسلمه مادة للنشر، أو أستشيره في أمر من الأمور، ونخرج معا ونسير حتى نصل إلى مقهى كان يقع أمام دار سينما مترو بشارع سليمان باشا، ونجلس معا، نتحدث في كل شيء، حتى السابعة مساء، وعندها كان فاروق يعتدل ويطلب فنجانا من القهوة قبل أن يذهب إلى المسرح. وارتبطنا بصداقة دامت طيلة تلك السنوات.
وكنت دائما أحرص على اللقاء بفاروق عندما أكون في القاهرة منذ أن غادرت مصر قبل سنوات بعيدة. وكان هو قد اتخذ من مقهى "سوق الحميدية" في وسط القاهرة مكانا للقاء الأصدقاء مساء الأحد من كل أسبوع. وقد التقينا هناك قبل أقل من عام، وكان معه الأستاذ أحمد الخميسي. ولاحظت أن فاروقا لم يتغير أبدا. صحيح أن علامات الكهولة كانت بادية على شعره ووجهه، لكنه في عقله وذهنه وفكره، كان لايزال شابا متوهجا كعادته، يتحدث، ويسخر، وينقد، ويبدو رافضا للتواءم مع التركيبة السائدة حوله كما عهدناه دوما.
وكان المرء لا يملك سوى أن ينصت عندما يتحدث فاروق، فقد كان ملما بالكثير مما يجري ويحدث في بطن الواقع، كما كان مطلعا على مجريات الأمور حتى الكثير مما هو شخصي منها، يحرص أصحابه عادة على إخفائه بعيدا عن العيون والآذان. وكان حديث فاروق جذابا، تحليليا، يفيض أيضا بالسخرية المحببة التي تجذبني لأنها تعكس ذكاء متوقدا خاصا، وتضفي جاذبية على الحديث. وقد أصبح مكانه المفضل الثابت في ميدان باب اللوق بوسط القاهرة، جزءا لصيقا في ذاكرتي الشخصية. وكنت دائما أشعر بالاطمئنان بأن فاروقا هناك، يمكنني أن القاه في أي يوم أحد أشاء، فلم يكن يمنعه سوى المرض العضال عن الوفاء بوعده لأصدقائه.
وقد حزنت كثيرا عندما علمت بمرضه وتدهور حالته الصحية التي أدخلته في حالة الغيبوبة منذ أشهر. وظللت أتابع حالته مع الأصدقاء، من موقعي البعيد.. في هذا المنفى الاختياري الذي أكتب هذه الكلمات منه الآن، إلى أن تلقيت اليوم خبر وفاته.
ورغم أنه كسب الكثير من الأعداء، بسبب كتاباته التي لم تكن تعرف المحاباة أو النفاق، وهو ما جعلها دائما "خارج السرب"، ورغم تمرده المعلن على "سكان الحظيرة" التي دخلها كثيرون بالعشرات، إلا أنه اكتسب احترام وتقدير الجميع، سواء من اتفق معهم أو من اختلف، رغم ما كان يشنه من حملات عنيفة أحيانا. وكان فاروق قد شهد فترة ازدهار المجلات الثقافية في الستينيات، ثم شهد اختفاءها وتدهور الصفحات الثقافية في معظم الصحف والمطبوعات حتى أصبحت مجرد صفحات إخبارية، شبه إعلانية، وتلاشى منها النقد الجاد، بل وبعد أن أصبحت الكتابة "المشروطة" في النقد الفني والأدبي والمسرحي، متاحة فقط، في جريدة الوزير فاروق حسني، بشروطه وبما يخدم توجهات وزارته بل وطموحاته الشخصية ايضا. فقد بتنا في عصر وزعت فيه الاقطاعيات على المماليك الجدد، وضاقت فيه الأبواب أمام شرفاء الكلمة. غير أن فاروقا كان يتمكن دائما من العثور على منبر يكتب له، وكان مستمرا أيضا في إصدار كتبه التي اثرت الحياة النقدية وأبقت على نوع من الحيوية في داخلها.
أما الآن فقد اصبح بوسع الكاتبين بالتكليف وبالتطوع المدفوع، أن يصولوا ويجولوا دون خوف أو وجل، وأن يستنكروا علانية ما كان في ماضيهم من ملامح "شبه ثورية"، لحساب تلك "العقلانية البراجماتية" التي أدركوها بعد أن وصلوا إلى سن ما قبل الرحيل، وهو اللغز الذي لم يتوقف فاروق عبد القادر أمامه كثيرا، فقد كان يرى إرهاصات السقوط كامنة من البداية.. كما تعلمنا منه.
رحم الله فاروق عبد القادر ألف رحمة. وستظل خسارتي الشخصية فيه ما حييت، فقد كان مثلا أعلى يحتذى، وصديقا حقيقيا في زمن عز فيه الأصدقاء.

فاروق عبد القادر في سطور:
ولد في بني سويف - مصر 1938.
كان عاشقاً للقرآن، يرتله في الفجر وقبل الغروب وكان حسن الصوت سليم النطق.
التحق بقسم الدراسات الاجتماعية والنفسية واختار علم النفس.
تخرج من الجامعة في مايو عام 1958 (ليسانس علوم نفسية) بتقدير جيد.
في 1962 صدر أول كتاب له.
عمل سكرتيراً لتحرير مجلة (المسرح) ثم مجلة (المسرح والسينما) حتى نهاية 1970.
عمل محرراً مسؤولاً عن ملحق الأدب والفن الذي كانت تصدره مجلة (الطليعة).
من كتبه:
ازدهار وسقوط المسرح المصري.
مساحة للضوء، مساحة للظلال.
من أوراق الرفض والفنون.
أوراق من الرماد والحجر.
أوراق أخرى من الرماد والحجر.
رؤى الواقع وهموم الثورة المحاصرة.
نافذة على مسرح الغرب.
مسرحيات ترجمها:
فترة التوافق – تنيسي وليامز.
لعبة البنج بونج – أرتور أداموف.
المساحة الفارقة.
النقطة المتحولة – بيتر بروك.
يو . أس – بيتر بروك.
* منح المجلس الأعلى للثقافة فاروق عبد القادر جائزة التفوق في الادب يوم الإثنين أي قبل وفاته بيوم واحد فقط، وقدرها 100 الف جنيه، بتدخل من الدكتور جابر عصفور حتى يمكن ان تساهم في نفاقت علاجه، ولم يكن فاروق مرشحا للجائزة أصلا، بل ولم يدري بفوزه بها فقد كان يرقد في غيبوبة كاملة ثم توفي في اليوم التالي.
جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger