الجمعة، 19 مارس 2010

فيلم "اللقالق": بلاغة الصورة

استمتعت بمشاهدة الفيلم القصير "اللقالق" (5 دقائق) للمخرج العراقي المقيم في بريطانيا جمال أمين. هذا فيلم كالطلقة، واضح ومباشر في فكرته ومغزاه، لا يلف ولا يدور، يعرف مخرجه ومؤلفه تماما الفرق بين منهجي الفيلم القصير والفيلم الطويل، فهو يدخل إلى فكرته وموضوعه الرئيسي والوحيد مباشرة، فلا يجب أن توجد في الفيلم القصير الجيد أية مواضيع أو أفكار أخرى فرعية تشتت انتباهنا، فالفيلم القصير الجيد مثل القصة القصيرة الجيدة، التي قد تكون مكونة من بضعة أسطر، تنقل لنا الصورة والحدث والفكرة. وهذا بالضبط ما يفعله جمال أمين هنا.
"اللقالق" فيلم يعبر عن رؤية مخرجه في الصراع القائم: بين الشرق والغرب، بين الأنا والآخر، ولكن ليس على صعيد وجودي بل على أرضية شديدة الواقعية. إنه يجسد ببلاغة بصرية مثيرة للإعجاب، فكرة فقدان الثقة بين الأوروبيين والعرب المسلمين حاليا، دون صراخ ودون خطابة، من خلال شخصيتين فقط لشاب عربي اسمه "محمد"، وهو من أبناء المهاجرين العراقيين في الدنمارك، تعلم في مدارسهم ويتحدث لغتهم، وصديقته الدنماركية "ماريا"، أو بالأحرى زميلته السابقة في المدرسة التي يلتقيها في لحظة ما فينفجر بركان التشكك الدفين وانعدام الثقة بل والكراهية.
يلتقي الإثنان بالمصادفة في طريق ضيق داخل حديقة عامة. تسأله الفتاة عن أحواله فيلخص لها في ثوان وضعه الحالي: فقد انتقل من دورة دراسية إلى أخرى، ومن عمل إلى آخر، وبعد أن كان يرغب في دراسة الطيران ليصبح طيارا، أصبح واضحا أمامه أن هناك استحالة في تحقيق ذلك الهدف الآن، بعد كل ما جرى في الحادي عشر من سبتمبر 2001، وهو لا يقول كل ذلك بالطبع، لكن هذا ما تفهمه أنت كمشاهد من تحت جلد الصورة، ومن بين سطور الكلمات. إننا في أوروا بعد أحداث سبتمبر التي اصبحت تختلف كثيرا عما كانت قبل تلك الأحداث. ويلخص هو وضعه للفتاة في النهاية بقوله إنه انتهى إلى العمل كجزار!
أما "ماريا" كما تقول، فقد أكملت دراستها، وتخرجت مدرسة واصبحت معلمة، حصلت على وظيفة في نفس المدرسة التي كان الاثنان يتعلمان فيها من قبل، حيث عرفا بعضهما البعض. كل هذه المعلومات نعرفها خلال دقيقة أو دقيقة ونصف.
ماريا توجه لمحمد بعد سؤالها عن أحواله سؤالا ذا مغزى في الفيلم، فهي تسأله عن عصبيته، عن انفعاله.. أي أنها تحصره وتؤطره في الصورة النمطية التقليدية الشائعة لدى الغربي عن "العربي". ويحاول هو أن يفسر لها الأمر فيقول إنها طريقته في التعبير وهي ليست بالضرورة انفعالا عدوانيا. لكن الفتاة لا يبدو عليها الاقتناع، فالتعبير عن المشاعر يتناقض بالطبع مع ذلك البرود أو الهدوء الظاهري الذي يتعلمه الأوروبيون عموما، وسكان بلدان الشمال الأوروبي خصوصا.
وفي ثانية واحدة تقبل فتاة دنماركية على دراجتها تحاول المرور بين محمد وماريا، فتصطدم بمحمد بطريقة فظة، ثم تسبه بكلمات نابية كأنما هو المخطيء، في حين أنه كان من الممكن أن هي تتفاداه بسهولة إذا ما تريثت، لكن من الواضح انها لم تقم وزنا للأمر، بل غلبتها حماقتها. ويتفاعل هو مع السباب الموجه إليه ومع الصدمة التي نالها فيرد عليها بالمثل، وهو رد فعل طبيعي حتى من جانب أي شاب أوروبي في مثل هذه الحالة، لكن صديقته ماريا تستنكر سلوكه بشدة وتقول ما معناه إنه لم يتغير وإنه عدواني لايزال يعتدي على الأطفال في حين كان ينبغي أن يعتذر للفتاة!
بطبيعة الحال يتطور الموقف بينهما فيرفض محمد منطقها المتحيز ويتهمها بالعنصرية وتتهمه هي بالعدوانية وتطلب منه العودة إلى بلاده. ولا يبدو أن هناك نهاية لهذا التشكك وانعدام الثقة والاستنفار القائم بين الطرفين.الحوار هنا مكتوب ببراعة شديدة، وباقتصاد، وبطريقة ذات مغزى. الفتاة مثلا تتهمه بأنه "يفكر من اليمين لليسار.. منذ أن كان طفلا"، ويرد هو عليها بأنها تفكر "من اليسار لليمين".. دلالة على التناقض التام في المفاهيم والثقافات.
يبدأ الفيلم بأصوات اللقالق التي تحلق في السماء ولا نراها بل نسمع فقط أصواتها على خلفية سوداء، ثم تتسلل موسيقى ناعمة رومانسية تساهم مع اللقطات الناعمة للحديقة بأشجارها، في إضفاء أجواء هادئة.
وعندما تلتقي ماريا بمحمد في الحديقة، تنحصر الصورة في لقطات قريبة close up ومتوسطة medium، ومع اشتداد المناقشة وتحولها إلى ما يشبه الشجار، نبدأ في الإحساس باهتزازا الصورة وتأرجح الشخصيات داخل الكادر بفعل اهتزاز الكاميرا المحمولة. وعندما تصل الحدة بين الاثنين إلى ذروتها تشحب الألوان، وتتحول الصورة إلى الأبيض والأسود، في استخدام درامي خلاق للألوان في هذا العمل القصير البليغ، وكأنما أراد المخرج أن يقول لنا إن التناقض بين الثقافتين يتمحور بالفعل بين الأبيض والأسود، أي أنه تناقض غير قابل للحل في الوقت الحالي، طالما ظلت المفاهيم المستقرة أو الأفكار المسبقة لدى كل طرف عن الآخر، خاطئة.
نعم الفيلم يصور محمد في البداية كضحية للاعتداء العنصر، لكنه أيضا لا يبرؤه تماما، فهو أيضا مسؤول عن تلك الصورة التي تصل إلى الآخر، وهو يسارع إلى الرد على ماريا عندما تتساءل عما إذا كان قد تعرض للعقاب البدني من جانب والده في طفولته إلى عنفه ضد الأطفال، فيتهمها بأنها ربما تكون قد تعرضت لتحرشات جنسية من جانب زوج أمها في طفولتها!
ومع استمرار الجدل والتهامات المتبادلة، وتأكيدا على امتداد الصراع، وتعمق التناقض، ترتفع الكاميرا تدريجيا مبتعدة عن الإثنين، نحو السماء، في حين يخفت صوت المشاجرة بينهما، وتتسلل موسيقى حزينة تكثف تلك النهاية التي لا توحي بأي أمل في إمكانية التوصل إلى حل في الوقت الراهن، ونستمع على شريط الصوت إلى أغنية تردد كلماتها "لقد كنت أحلم".
لا يضيع المخرج وقتا، كما أشرت، بل يدخلنا مباشرة إلى موضوع فيلمه، وينجح تماما في التحكم في إيقاعه، والإبقاء عليه سريعا متدفقا مثل طلقة تصيب المتفرج بالصدمة، لتدفعه إلى التفكير.
ويتحكم جمال أمين في ممثليه تحكما مثيرا للإعجاب فضلا عن اختياره الجيد لهما، ولا أعرف من أين أتيا، فأغلب الظن أنهما من غير المحترفين أيضا. وهو يجعل بطله "محمد" يتحول إلى استخدام كلمة عربية نابية في وصف ماريا بمعنى "عاهرة" عندما يحتد في شجاره معها، وهي إشارة ذكية تؤكد أنه عندما ينفعل فهو يفكر بالفعل باللغة العربية، رغم إجادته لغة البلد الذي يعيش فيه، فهو من جهة عاجز عن الاندماج والذوبان ومن جهة أخرى، هو متمسك بهويته الأصلية.
والفيلم عمليا، مكون من مشهد واحد، لكنه على الرغم من ذلك، ورغم كونه يدور في نطاق لا يتجاوز الدقائق الخمس، إلا أن مخرجه ينجح في الاستفادة من كل المكونات البصرية التي تثري هذا المشهد الواحد، وتصنع منه فيلما قائما بذاته، فهو يستخدم الانتقال بين اللقطات، سواء بالقطع أو بتحريك الكاميرا أحيانا، كما يبرز على الخلفية التي تدور فيها الأحداث، بل إن اختياره للمكان في الفيلم له دلالة خاصة، فهذا المكان تحديدا، أي الحديقة، حيث الفضاء المفتوح والهدوء والسكينة، هو مكان يفترض أن يساعد المرء على الاسترخاء، لكنه هنا يتحول إلى بؤرة تشتعل بالصراع، تفور فيها المشاعر، في تناقض واضح مع الطبيعة الساكنة الخارجية.
معروف أن طائر اللقلق من الطيور المهاجرة، وهو كما نعرف، يتركز بأعداد كبيرة في العراق حيث يتكاثر قبل أن يهاجر إلى أوروبا. واختيار العنوان يشير بلاشك، إلى شباب المهاجرين العرب، من العراقيين بوجه خاص، الذين يمثلهم "محمد" في الفيلم. أخيرا، "اللقالق" فيلم قصير، لكن الأفلام لا تقاس بزمن عرضها، بل بقدرتها على التعبير والإقناع، ببلاغتها، وقدرة مخرجيها على الإخلاص للحيز الزمني للفيلم، دون أن تكون هناك أي لقطة زائدة، أو ناقصة في السياق البصري، وهو ما ينجح فيه جمال أمين بدرجة مثيرة للإعجاب.

الثلاثاء، 16 مارس 2010

"قلب مجنون": تشابه خارجي لكن لا شيء مثل "المصارع"


لا أدري لماذا يقارن الكثيرون بين فيلم "قلب مجنون" Crazy Heart لسكوت كوبر، الممثل الذي تحول إلى الإخراج في أول فيلم له، وبين فيلم "المصارع" The Wrestler تحفة السينما الأمريكية العام الماضي لدارين أرونوفسكي.
صحيح أن هناك تشابه بين الفيلمين في كون الشخصية الرئيسية رجل يكاد ينهي رحلته مع المهنة (غناء الاغاني الريفية وكتابة كلماتها في الفيلم الاول) والمصارعة الحرة في الفيلم الثاني، كلاهما كان من النجوم المشاهير في المهنة، عاشا سنين المجد والشهرة، وجربا احتفال الجمهور واحتفاءه بهما. أما الآن فقد هزمتهما الحياة، والمرض، وأصبحا في حاجة إلى التكفير عن ماض عابث عاشاه طولا وعرضا.
وصحيح ايضا أن كلا البطلين يقيمان علاقة عاطفية مع امرأة أصغر سنا، ربما تشبثا بما يحقق ما فقد، أو بدافع الاحتياج لمن يمكنه أن يحاسب المرء ويكشف نقاط ضعفه ويواجهه بنفسه في مرآة أشبه بالضمير الخفي.
إلا أن الفيلمين، يختلفان كثيرا من الداخل، أي من حيث البناء: بناء الشخصيات وطريقة السرد، وأسلوب الإخراج.
العامل الأساسي (الخارجي) في فيلم "المصارع" كان المصارعة نفسها، التي يعيش البطل أيامه الأخيرة معها قبل أن تنقضي الحياة، وفي الفيلم الثاني هي الموسيقى والغناء الذي لم يعد قادرا على تقديمه كما يليق بل أصبح لديه من يتأهب لكي يحل محله، تلميذه الذي تبناه وعلمه الغناء على طريقته.
في كلا الفيلمين فشل في الزواج، وابن أو ابنة ترفض استقبال الأب أو استئناف علاقة قديمة انقطعت معه. لكن بينما كانت تلك العلاقة في "المصارع" علاقة مركبة، فيها السلبي والايجابي، فيها التردد والرغب، الحب والكراهية، هي في الفيلم الثاني شبه مفقودة: مجرد مكالمة هاتفية سريعة مع إبن لا يريد أن يرى أباه!
على حين كان "المصارع" فيلما نابضا بالحياة، مثيرا للتأمل، شخصية البطل فيه محددة الملامح، لها ماض وحاضر، وليس لها مستقبل، لها ملامح إنسانية معقدة مركبة متناقضة بل ومتارجحة، بين ما تحبه وما تريده وما تقدر عليه، جاء فيلم "قلب مجنون" مفتقدا إلى ذلك النسيج الإنساني المتشابك، بل تبدو شخصية البطل فيه (المغني باد بلاك التي يقوم بتمثيلها جيف بريدجز) أحادية البعد، تسير من بداية الفيلم إلى نهايته دون تغير درامي كبير يذكر، حتى بعد الوقوع في حب الصحفية "جين" (ماجي جلينهال) التي تصغره كثيرا، فهو لا يتغير، ولا يفتح قلبه بالكامل لكي يخبرنا سر مأساته، حسه التراجيدي المستمر، عدم قدرته على العودة إلى الحياة حتى بعد أن وجد الدافع، واستسلامه للإدمان على الشراب، رغم أنه أصبح عمليا، عاجزا عن الاستمرار في تقديم العرض المطلوب، دون أن يهرب إلى الحمام لكي يتقيأ، ويسعل!
لا نعرف لماذا تقع جين، تلك الأم الوحيدة التي ترعى ابنا في الرابعة من عمره، في حب هذا المغني الذي يبدو أقرب إلى أب لها، ولا ندري لماذا أيضا تتخلى في النهاية عنه بكل هذا الإصرار والعزيمة التي لم ينجح أبدا في تليينها أو جعلها تنصت إليه. هل أدركت جين استحالة تغييره أو دفعه للإقلاع عن الشراب، أو هل دق إهماله رعاية طفلها كما كان ينبغي، ناقوس الخطر لديها من مستقبل غامض، محفوف بالمخاطر؟
لا نعرف، ولا نعرف أيضا كيف يمكن أن يهمل المخرج الركيزة الأساسية لفيلمه إلى هذا الحد، أي الاهتمام كما ينبغي بالأغاني والموسيقى، هناك بالتأكيد الكثير منها، لكن فقط من خلال الشكل المباشر، أي الغناء في الحانات وما شابه، وكان الأفضل كثيرا أن تغلف الفيلم أي تتسلل تحت جلد الصورة، وتصبح مصاحبة لنظرتنا للفيلم، مع الاهتمام المطلوب بالكلمات والألحان العذبة المميزة للغناء الريفي الأمريكي، بما يجعلها تبقى في ذاكرة المتفرج، الأمر الذي لم يتحقق لهذا الفيلم في رأي.
نعم هناك أسلوب واقعي مغلف بمسحة رومانسية، يراهن عليها المخرج للوصول إلى جمهوره، لكن هناك أبعاد كثيرة مفقودة في الفيلم، غياب الإثارة (الذهنية)، وغياب الإشباع في بناء الشخصيات، وتكرار الفكرة دون تطويرها كثيرا.
وقد أضاع المخرج أيضا فرصة الاستفادة من تلك الشخصية الخاصة التي يقوم بها الممثل الكبير روبرت دوفال، والتي اختفت فجاة من الفيلم كما ظهرت فجأة.
إن بطل "قلب مجنون" لا يبدو مجنونا بما فيه الكفاية لكي يجعلنا نتعاطف مع جموحه وجنونه ونغفر له سقوطه الطبيعي بعد كل تلك الرحلة، التي لا نعلم كثيرا عنها على أي حال!
ولاشك أن جيف بريدجز قد بذل جهدا كبيرا في تجسيد الشخصية والتعبير عن آلامها ومعاناتها وتدهورها النفسي، لكن أداءه لا يرقى إلى الأداء الفذ لميكي رورك في "المصارع". ولكن بريدجز حصل على الأوسكار أخيرا، بعد أن تكرر ترشيحه لها خمس مرات. ولهذا السبب وحده ربما يكون قد حصل عليها، وكان الأجدر بها دون شك لدينا، هو مورجان فريمان عن دور مانديلا في "إنفكتس".

الخميس، 11 مارس 2010

"نشاط خارق": الرعب في سياق تسجيلي بالكاميرا الشخصية


ذهبت أشاهد الفيلم الأمريكي الجديد "نشاط خارق" Paranormal Activity مدفوعا بخبر قرأته عن احتجاج اتحاد أولياء الأمور الإيطاليين على التصريح بعرض الفيلم في إيطاليا، على المشاهدين من كل الأعمار، بعد أن أثار الفيلم لدى الكثير من الأطفال الذين شاهدوه فزعا شديدا مما أدى إلى نقل الكثيرين منهم إلى المستشفيات بعد إصابتهم بالصدمة مما أدى إلى إعادة النظر في التصريح بعرضه للجميع، خاصة وأن السلطات البريطانية المسؤولة عما يعرف لدينا بـ"الرقابة"، وهي في الحقيقة مجلس لتصنيف الأفلام حسب الأعمار المختلفة، أجازت الفيلم في بريطانيا لمن هم فوق الـ15 عاما، كما أجيز في الولايات الأمريكية للبالغين فقط.
وبعد أن شاهدت الفيلم أعترف أنني تفهمت قليلا موقف السلطات الإيطالية التي رأت أن يعرض دون قيود رقابية. وربما يكون التأثير الصادم الذي وصل إلى بعض المشاهدين من الأطفال، حدث بسبب طبيعة الفيلم "الوثائقية"، أو بالأحرى، محاكاته للطابع الوثائقي المعتاد في أفلام الفيديو "المنزلية" التي أصبحت منتشرة كثيرا في الوقت الحالي بعد الانتشار الكبير لكاميرات التصوير الرقمية (الديجيتال).
مخرج الفيلم وصاحب فكرته أورين بيلي صور بنفسه الفيلم بكاميرا فيديو رقمية صغيرة في بيته، بعد أن أعده إعدادا جيدا للتصوير، وتكلف إنتاجه 15 ألف دولار فقط، ومعظم مشاهد الفيلم جاءت بالكاميرا المحمولة باليد أي التي تتحرك وتهتز، فتهتز معها الصورة، مما يساهم في اضفاء الواقعية عليها.
وقد أصبح هذا الفيلم لهذا المخرج، الذي لم تتوفر لديه تجربة سابقة في الإخراج، وكان يرغب أساسا أن يصبح مبرمجا لأنظمة الكومبيوتر، قنبلة انفجرت في السوق السينمائية الأمريكية بعد نحو ثلاث سنوات من تصويره. فقد صور الفيلم في أواخر 2006 وأصبح جاهزا للعرض في 2007، ثم عرضه صاحبه على عدد من المهرجانات الشهيرة التي رفضت عرضه، كما رفضه عدد من الموزعون، ثم قبل مهرجان مغمور أن يعرضه وشاهده مسؤول عن التوزيع السينمائي في شركة ميراماكس الأمريكية الشهيرة فاشترت الشركة حقوق عرضه، وحاول مسؤولو الشركة اعادة تصويره بامكانيات احترافية أكبر وبطاقم من الممثلين الكبار، إلا أن الأمر استقر في النهاية على المغامرة بعرضه كما صوره صاحبه. وحقق الفيلم 22 مليون دولار عند عرضه في عطلة نهاية الأسبوع في اكتوبر الماضي، ويقال إن إيراداته تجاوزت حاليا 100 مليون دولار.هذا النجاح لاشك أنه يغري الكثيرين، من هواة السينما الذين لم يدرسوا فن الإخراج السينمائي، بالتجريب والمحاولة، جريا وراء النجاح والشهرة والثروة التي تحققت لأورين بيلي، الذي تعاقد بالفعل على إخراج فيلمه الثاني بإمكانيات أكبر.

ولكن ماذا يصور هذا الفيلم تحديدا، وما مصدر الرعب فيه، وكيف تأتى له أن يحقق كل ما حققه من نجاح؟
الفيلم يدور كله داخل منزل المخرج، المكون من طابقين والكائن في بلدة أمريكية. بطلاه شاب وفتاة هما "ميكا" وصديقته "كيتي". والأخيرة تطاردها هواجس متراكمة، وتشعر منذ أن كانت في الثانية عشرة من عمرها، بأن هناك أشباحا تطاردها أثناء نومها، كما تسمع أصواتا غريبة أحيانا لا تدري مصدرها. هذه الأشباح والأصوات تنتقل معها من منزل إلى آخر، وقد أتت الآن إلى منزل صديقها "ميكا" بعد أن انتقلت للعيش معه أخيرا.
اما "ميكا" فهو لا يأخذ ما تقوله له "كيتي" على محمل الجد، بل يستبعد تماما فكرة وجود أشباح شريرة في العصر الحالي، ولكنه يحاول طمأنة كيتي بأن يضع الكاميرا التي يملكها في مواجهة فراشهما كل ليلة، لكي تصور ما يمكن أن يدور في الليل اثناء نومهما، حتى يثبت لها أن لا شيء هناك. ويحاصر ميكا كيتي أيضا بالكاميرا أثناء النهار، يصور ويسجل كل تحركاتها وانفعالاتها وأحاديثها معه، الأمر الذي يسبب لها الإزعاج أحيانا. ويبدو ميكا هنا، كمجنون تصوير، يلهو بالكاميرا في حين أن صديقته اصبحت تعتقد أيضا أن الكاميرا يمكن أن تستفز تلك "القوة الشريرة الخفية" صاحبة النشاط غير العادي.
ليلة بعد ليلة تسجل الكاميرا اثناء نوم البطلين. وفي الصباح يراجع ميكا ما صور عبر شاشة الكومبيوتر المحمول، ولكن لا يحدث شيء. ونحن نرى الصورة من خلال منظور الكاميرا حيث يكتب لنا المخرج التاريخ على الشاشة، كما يظهر الوقت بالساعة والدقيقة من خلال عداد الكاميرا. وتدريجيا كيتي تسمع أصواتا في الليل، هي أصوات دقات غريبة أو طنين، أو أحيانا، طرقات أو وقع أقدام على الأرض. وأحيانا تسجل الكاميرا أيضا تحرك باب غرفة النوم. أما الحادث الأغرب فيأتي عندما تسجل الكاميرا ما تفعله كيتي، عندما نراها تنهض من نومها، تقضي وقتا طويلا واقفة أمام الفراش قرب باب الغرفة تتأمل في ميكا المستغرق في النوم. وتستمر على هذا المنوال ساعات قبل أن تعود للنوم. هل هناك قوة معينة تناديها!

ميكا يسعى لإقناعها بطرد هواجسها تماما فيقرر أن يرش مسحوقا أبيض في أماكن محددة عند العتبات، على أرضية الطابق العلوي، لكي ترصد أي آثار للأقدام يمكن أن تأتي في الليل.
في الصباح يكتشف ميكا لفزعه الشديد أن هناك بالفعل أقداما غير إنسانسة عبرت ودخلت غرفة النوم.ما العمل؟ يستدعي الاثنان الدكتور فريدريكس وهو رجل يملك قدرات خاصة على التنبؤ وقراءة ما لا يراه المرء، يستمع، وينصت، ويوجه من الأسئلة ما يشاء لكيتي، ثم يغادر بعد أن يقول إن هناك قوة شريرة تطارد كيتي وتتبعها من مكان إلى آخر، وينصح الإثنين بالاستعانة بخبير في طرد الأرواح الشريرة لأن ما تشكو منه كيتي لا يدخل في نطاق تخصصه، كما يحذرهما من أي محاولة للتواصل مع ذلك الكائن الشيطاني.
يتأكد ميكا من وجود "نشاط غير طبيعي" يحدث في الليل، بل واثناء النهار أيضا، فبعد أن يخرج الاثنان من المنزل ذات يوم، تنقلب بعض قطع الأثاث، وتشتعل نار محدودة ثم تنطفيء، ويتحرك باب في السقف يؤدي إلى غرفة الخزين في أعلى التي يعثر فيها على صورة لكيتي وهي في الثانية عشرة، والصورة عليها آثار حريق. وتقول له كيتي إن من المستحيل أن تأتي هذه الصورة هنا، فقد احترقت منذ سنوات طويلة. ويقرر الاثنان اللجوء للدكتور فريدريكس مجددا. ويحضرالرجل، يقف وينصت، ولكنه سرعان ما يعتذر ويطلب مغادرة المنزل فورا لأن وجوده، كما يقول، قد يثير القوة الغريبة أكثر ويدفعها إلى الشر.
ما يحدث بعد ذلك أن الفيلم ينتهي ببساطة، وكيتي تهبط إلى الطابق السفلى حيث يعلو صراخها فجأة، ثم يهبط ميكا وراءها، دون أن تنتقل الكاميرا المثبتة داخل غرفة النوم وراءهما، ثم تصعد كيتي وحدها وفي يدها سكين ملطخ بالدماء. ما الذي حدث؟ من الممكن أن تكون كيتي قد قتلت ميكا بفعل سيطرة تلك القوة الشريرة الغامضة عليها. ومن الممكن أن تكون القوة الشريرة قد قتلت ميكي ثم تلبست كيتي.
ولا يهم ما يقع بعد ذلك، وكيف تنتهي القصة، وما مصير كيتي، لأن ما يحدث تفاصيل لا قيمة لها، بل إنها في الحقيقة تضعف كثيرا من الفيلم، خاصة وأن المخرج صور ثلاث نهايات لفيلمه، في ثلاث نسخ مختلفة، استقر الأمر في النهاية على اختيار أكثرها غموضا وأقلها دموية.وواضح أن مخرج الفيلم اختار من البداية أن يعتمد أسلوبا يوحي بالطابع التسجيلي للفيلم: فهناك منزل حقيقي تدور به الأحداث، وشخصان بسيطان يمثلان الكثير من الشباب مثلهما،والإيحاء بأن الكاميرا تسجل بالفعل أن ما يحدث حقيقي، سواء أثناء نوم البطلين أو أثناء غيابهما عن المنزل، تجنب قيام خبير الأرواح الشريرة باي محاولات لمواجهة تلك القوة الخفية على نحو ما شاهدنا مثلا في الفيلم الشهير "طارد الأرواح الشريرة" The Exorcist من عام 1973.

ويبتعد الفيلم تماما عن إظهار أي كائنات خرافية كما هو معتاد في تلك الأفلام التي تظهر فيها كائنات شيطانية السحنة في مواجهة الأبطال، تندفع من القبو، أو تخترق الجدران أو ما شابه، فنحن على سبيل المثال، نشعر بوجود ذلك "النشاط الغريب" أو الظاهرة الغامضة، في المنزل دون أن نراها. وفي مشهد قرب نهاية الفيلم نرى جسد كيتي يتحرك بفعل تلك القوة الشريرة التي تجذبها بعنف، فتسقط من على الفراش ويسحب جسدها على الأرض إلى خارج الغرفة مع تصاعد صرخاتها مما يجعل ميكا يستيقظ ويهبط إلى أسفل لانقاذها من تلك القوة الشريرة وينجح في ذلك بالفعل دون أن نعرف كيف، ودون أن نرى تلك المواجهة، ويوحي لنا الفيلم بأن تلك "القوة" خفية، ربما لا تظهر سوى لمن تستهدفه أي لكيتي.
لكن ما يقوم به ميكا بعد ذلك من محاولة الاتصال مع تلك القوة يكون مقدمة لما ينتهي إليه مصيره بالقتل، دون أن نرى جثته ولا الدماء المتناثرة منها. ويستخدم مخرج الفيلم جيدا تلك المنطقة من العقل الباطن التي تمتليء عادة بالشكوك والهواجس، أثناء النوم، ويجعل معظم الأحداث "الغريبة" تقع في فترة من اليوم، ما بين الثانية والرابعة صباحا، وهي أكثر الفترات التي يكون العقل الباطن فيها قد بلغ قمة نشاطه، بعد أن يكون العقل الظاهر قد استسلم تماما للنوم.
وبسبب عدم وجود كائنات شيطانية تظهر في الفيلم، وغياب مشاهد العنف والقتل والدماء، والاعتماد على الحوارات الطويلة التلقائية التي تدور بين البطلين، والتي لا شك في ارتجال الكثير منها، ومع غياب المناظر الخارقة التي تستخدم فيها عادة المؤثرات البصرية الخاصة، لم تجد السلطات الإيطالية المسؤولة ما يحول دون عرض الفيلم على جميع الأعمار.أما الرأي الآخر، وهو رأي الكثير من غير البالغين الذين شاهدوا الفيلم وتأثروا به، فيكمن في أن ما يخيف أكثر مما يشاهدونه عادة في أفلام "المؤثرات الخاصة"، أن الفيلم مصور كما لو كان يحدث بالفعل في الواقع، أي كما لو كان توثيقا أو فيلما تسجيليا لظاهرة مخيفة. وربما أيضا بسبب عدم ظهور تلك "القوة الخفية الشريرة" أو تجسدها، اكتفاء بالأصوات والعلامات والأفعال.
ويلعب الفيلم كثيرا على فكرة انتظار أن يحدث شيء، من الأشياء المتوقعة أو المنتظرة عادة في أفلام الرعب، أكثر مما يستخدم تلك الأحداث الخارقة بالفعل. وربما يكون في هذا اتساقا كبر مع الواقع، فعندما يتماثل المشاهدون مع بطلي الفيلم، يجدون أنفسهم أيضا يشاركونهم الترقب والقلق والانتظار، مع القناعة المطلقة بأن "الكاميرا لا تكذب ولا يمكن أن تكذب"، فهذا بحث عصر الصورة والكاميرا المنزلية والكومبيوتر، وفي إمكان أي شاب اليوم أن يسجل ما يدور في منزله سواء أثناء نومه أو غيابه، وهذه هي الحيلة التي يستخدمها المخرج في هذا الفيلم للتقريب، وليس للتغريب.
وأيا كان الأمر، فنحن بلاشك، أمام ظاهرة سينمائية جديدة تمد تجربة صناع فيلم "ساحرة بلير" (1999) على استقامتها، وتكسر احتكار شركات هوليوود الكبيرة بميزانياتها الضخمة، أفلام الرعب الرائجة خاصة بعد الرواج الكبير الذي حققه هذا الفيلم. والمؤكد أن فيلم "نشاط خارق" يؤرخ لبداية "سينما الرعب المنزلية" بكل ما يعنيه هذا الوصف!
((جميع الحقوق محفوظة ولا يجوز النقل أو الاقتباس بدون اذن مسبق مكتوب من الناشر))

الثلاثاء، 9 مارس 2010

جوائز الأوسكار 2010




أنشر هنا تقرير وكالة رويترز حول نتائج مسابقة الأوسكار الأخيرة، للتوثيق فقط دون أن يمثل اي راي يرد فيه رأيي الشخصي.


لوس انجليس (رويترز) - سطرت كاثرين بيجلو مخرجة فيلم (خزانة الألم) The Hurt Locker الفائز بجائزة أوسكار أحسن فيلم) اسمها بحروف من نور في صحفات تاريخ الجوائز التي تمنحها الاكاديمية الامريكية للعلوم والفنون السينمائية بعد حصول فيلمها على جائزة اوسكار احسن اخراج لتصبح أول مخرجة في العالم تنال هذا الشرف.
وحصل فيلم (خزانة الالم) منخفض التكاليف الذي حقق مبيعات بقيمة 20 مليون دولار على ست جوائز متخطيا ("افاتار" Avatar الذي اخرجه جيمس كاميرون زوج بيجلو السابق، وهو الفيلم صاحب أفضل مبيعات على الاطلاق حيث حقق 2.5 مليار دولار.
وفي احتفال أحيا مجد هوليوود مكنت القصة الدرامية التي تدور حول مجموعة من خبراء ابطال مفعول القنابل في العراق الكاتب مارك بوال من الحصول على جائزة اوسكار احسن سيناريو كما حصد الفيلم جوائز اخرى منها المونتاج والصوت والمكساج.
وقالت بيجلو أول امرأة تفوز بجائزة أحسن اخراج في تاريخ الاوسكار الممتد منذ 82 عاما "هذه لحظة العمر لا أجد وصفا اخر لها."
وسلط بوال الضوء على الجهد الذي بذل في فيلم "خزانة الألم" بعد أن أصبح من الصعب في السنوات القليلة الماضية الحصول على تمويل لفيلم درامي يعكس ويجسد واقعا معاشا بعد عزوف الجماهير عن أفلام الحروب.
ومضى بوال الصحفي الذي رافق القوات الأمريكية في العراق يقول "كان هذا حلما .. بل اكثر من حلم."
وأشار الى ان أكثر ما طمح اليه صانعو الفيلم هو "الحصول على موزع وان يحب البعض الفيلم."
من ناحية أخرى حصل فيلم "أفاتار" على ثلاث جوائز اوسكار كلها من النواحي التقنية وهي المؤثرات البصرية والتصوير السينمائي والاخراج الفني.
وحصل الممثل جيف بريدجيز على جائزة أحسن ممثل عن دوره كمغني سكير لاغاني موسيقى الريف في فيلم "قلب مجنون" Crazy Heart وحمل نجل نجم هوليوود بريدجيز تمثال الاوسكار عاليا فوق رأسه ناظرا الى السماء موجها الشكر الى والديه الراحلين وصرخ قائلا "أمي أبي .. أجل .. اشكركما لتوجيهي الى مهنة تناسبني".
وفازت ساندرا بولوك بجائزة اوسكار احسن ممثلة عن دورها في فيلم "الجانب الآخر" The Blind Side
ولعبت بولوك دور امرأة معاصرة ذات ارادة قوية ساعدت شابا مشردا وانتشلته من الشوارع لتصنع من مأساته نجاحا كرويا.
وقالت بولوك التي لقبت يوما باسم "معشوقة أمريكا" لادوارها الكوميدية في بداية مشوارها الفني وقد بدت الدموع في عينيها "الى الأمهات اللاتي يعتنين بابنائهن بغض النظر من أين جاءوا.. فهؤلاء النساء لا يشكرن ابدا".


وفاز فيلم الرسوم المتحركة "إلى أعلى Up بجائزة اوسكار افضل فيلم رسوم متحركة.
وتدور احداث الفيلم الذي اخرجه بيت دوكتر حول رجل عجوز في الثامنة والسبعين من العمر يحقق حلمه للسفر حول العالم حيث يقوم بربط ملايين البالونات الملونة ليسافر بها متجها الى شمال امريكا ولكنه يفاجأ انه قد احضر معه في رحلته دون قصد أسوأ شريك وهو طفل في التاسعة يصر على ازعاجه باستمرار.
وفازت الممثلة مونيك بجائزة اوسكار افضل ممثلة مساعدة عن دورها في الفيلم الدرامي بريشوس Precious
وكان ينظر على نطاق واسع لمونيك على انها الأوفر حظا لنيل الجائزة لدورها في الفيلم المقتبس من رواية "ضغوط" للكاتبة سافاير.
وكانت مونيك تعرف في السابق بادوارها الكوميدية والتفلزيونية.
وحصل الممثل النمساوي كريستوف فالتس على جائزة اوسكار افضل ممثل مساعد عن دوره في فيلم "الاوغاد المنتقمون" Inglourious Basterds ليحصد أول جائزة اوسكار في تاريخه عن دور ضابط نازي في الفيلم الذي يدور حول مجموعة من اليهود الأمريكيين الذين يقتلون اعداءهم خلف الخطوط خلال الحرب العالمية الثانية.
على البساط الاحمر قبل توزيع الجوائز داعبت نجمات هوليوود بولوك وكاميرون دياز وزوي سالدانا الجماهير وهن يرتدين فساتين السهرة ذات الالوان البراقة.
جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger