الثلاثاء، 12 أغسطس 2008

لماذا يجب منع فاروق حسني من الوصول إلى اليونسكو

بقلم: أمير العمري
باعتباري مثقفا مصريا مهموما منذ نعومة أظفاري بشؤون الوطن رغم العيش طويلا في المهجر، أو بالأحرى في "المنفى" الأوروبي، الاختياري حينا، والاضطراري حينا آخر، وجدت لزاما علي أن أحدد موقفي فيما يتعلق بموضوع ترشيح وزير الثقافة المصري الحالي فاروق حسني لمنصب مدير عام المنظمة الدولية للعلوم والفنون والثقافة (اليونسكو).
إن التعبير عن رأيي بوضوح تام في هذا الموضوع هو أمر أراه من حقي تماما، بل ومن واجبي وواجب كل مثقف حقيقي في العالم، ليس فقط حماية لصورة مصر أمام أنظار العالم، بل وحرصا على هيبة مؤسسة دولية تتمتع بكل هذا القدر من الاحترام والتقدير، باعتبار أن "اليونسكو" تهم جميع المثقفين من الشرق ومن الغرب، قبل أن تكون محل اهتمام أي سلطة أو أي حكومة لاتزال تجري وراء سراب التمسك بأهداب قوة "ناعمة" تبخرت أو كادت، بسبب نفس السياسات الخاطئة التي تمارس منذ عشرات السنين. إنني أرفض أن يصل فاروق حسني وزير الثقافة في جمهورية مصر العربية إلى منصب مدير عام اليونسكو وأسباب هذا الرفض تتلخص في النقاط العشر التالية:
1- فاروق حسني حول الثقافة المصرية خلال أكثر من عشرين عاما قضاها في الوزارة (وهذا في حد ذاته احتكار بشع ومرفوض للسلطة) إلى مجرد "حظيرة" تغلف بالبهرحة وورق السيلوفان اللامع والأضواء الفارغة بينما تزكم رائحتها الأنوف، فالثقافة أصبحت احتكار دولة من أبشع ما يمكن، في الوقت الذي لا تكف السلطة عن الحديث حول ضرورة قيام مؤسسات المجتمع المدني بدورها، فيما يتم "إخصاء" هذه المؤسسات، وتحاربها وزارة الثقافة بكل ما أوتيت من قوة، بل ولم نسمع طوال عهد الوزير أن وزارته ساهمت في ترعرع موهبة واحدة جديدة في مجالات الأدب والشعر والمسرح والموسيقى والسينما، بل تلقى المواهب المتميزة في كل هذه المجالات تعنتا وحروبا شرسة من جانب إدارات وزارته طالما أنها تصدح في الهواء الطلق وترفض دخول حظيرة الوزير لكي تنبح وتهز ذيولها تمجيدا لسياسات وزارته، بل لقد أغلق الوزير المثقف جدا مسرح الهناجر لفترة طويلة لا لسبب إلا لخروجه على تعليمات الأمن، ولأنه عرض أعمالا تجريبية حقيقية تستهدف التنوير والمتعة، ولأنه أصبح بؤرة تجمع للشباب المتطلع إلى تحقيق ذاته من خلال المسرح كهدف ورسالة وفن، وهو ما يخشاه الوزير.
مشروع تخريب السينما2- فاروق حسني قاد وتستر وتواطأ من أجل تمرير مشروع ضخم شاركت فيه جهات أجنبية لتخريب السينما المصرية، فقد ضاع في عهده التراث السينمائي المصري (حوالي 4 آلاف فيلم طويل) وذهب "النيجاتيف" الأصلي الخاص بالكم الأكبر من هذه الأفلام إلى شركات خاصة وقنوات تليفزيونية مملوكة لمستثمرين من الأجانب، وتم إخراج معظمها خارج البلاد وهي ثروة تقدر بمليارات الدولارات، بعد أن رفضت وزارة الثقافة في عهده القيام بأي مبادرة لشراء أصول هذه الأفلام أو ترميم ما هو عرضة للفساد منها.
ورغم الإعلان عدة مرات عن اعتزام الوزير ووزارته إنشاء دار لحفظ الأفلام (سينماتيك) إلا أن الأمر انتهى في خاتمة المطاف إلى كلام في الهواء تماما كما قلت أنا شخصيا في التحدي الذي طرحته وسجلته في المحاضرة التي ألقيتها على هامش مهرجان تطوان السينمائي عام 2005 في المغرب أمام حشد من المثقفين والسينمائيين بينهم مصريون، ومنهم الممثلة ليلى علوي.
وقد قلت وقتذاك إنني أتحدى أن يبرز أي وزير ثقافة عربي مجرد رسم هندسي لتصميم معماري حقيقي لهذه السينماتيك التي نتطلع إليها، بحيث يراعي المواصفات الفنية العالمية ويثبت جديته وأنه ماض بالفعل في طريق تنفيذ هذا المشروع، وأضفت أنني على استعداد لأن أساعد جديا باتصالاتي الشخصية في الحصول لمثل هذا المشروع على تمويل دولي في حالة وجود خطة حقيقية عملية ورغبة حقيقية في تحقيق الهدف. وقد تمخض كلام الوزير (وترحيب ناقد الوزير الخصوصي المعروف الذي ينهي حياته النقدية والمهنية أسوأ نهاية) عن لغو فارغ، بل وقد سمعنا من يعرب عن عدم مبالاته بحفظ الأفلام حتى لو احترقت كل أصول الأفلام المصرية "فالديجيتال موجود" على حد تعبيره. من جهة أخرى وفي مجال الحديث عن السينما نصب فاروق حسني موظفا محدود الكفاءة، ينفق معظم وقته عادة في الإدلاء بأحاديث ومقابلات مع الصحافة من أجل نشر أخباره وتلميع صورته الشخصية وتصويره في صورة المثقف والناقد الكبير حامي حمى الثقافة والفكر في الوقت الذي يتولى فيه قمع أي عمل فني أو سينمائي لا يتسق مع مبادئ "حظيرة" الدولة التي أًصبح فاروق حسني حارسا عليها.
هذا الموظف يدعى علي أبو شادي، وقد أصبح أبو شادي في عهد فاروق حسني الموظف الوحيد (ربما في تاريخ الدولاب الحكومي في مصر) الذي يعفى من منصبه بسبب ما اعتبر تقصيرا مخيفا وقتها حسب دعايات السيد الوزير (أوائل عام 2001) لامتصاص موجة الغضب على سياسات الوزارة، ثم يعيده وزيره الفنان جدا بعد بضعة أشهر ويمنحه صلاحيات أكبر، بينما ترك أبو شادي هيئة قصور الثقافة التي كان يرأسها حطاما وخرابا، وجاء إلى المركز القومي للسينما فأنفق قسطا كبيرا من ميزانية المركز في العام الأول على تجديد الحمام المرفق بمكتبه وضم غرف أخرى إلى المكتب وتجديدها، ثم عاد أبو شادي فتولى مجددا منصب مدير عام الرقابة على السينما والفنون في مصر (التي يطلقون عليها المصنفات الفنية) لكي يمارس خضوعه المزري والمهين للجهات الأمنية، ينفذ ما تقوله دون مناقشة، ويفرض على السينمائيين تغيير شخصيات أفلامهم (تأمل ما حدث مثلا بالنسبة لفيلم مواطن ومخبر وحرامي).
وقد كافأه الوزير على خدماته "الخاصة" بإسناد أكبر منصب ثقافي في مصر، وهو يوازي منصب الوزير نفسه، أي منصب أمين عام "المجلس الأعلى للثقافة" حيث يصبح مطلوبا منه التعامل مع المؤسسات الأكاديمية والثقافية في أرقى بلدان الغرب بينما مستواه العلمي شديد التواضع، كما معروف أنه يجهل اللغات الأجنبية وآدابها وفنونها في الشرق والغرب، ولم يسبق له الذهاب في أي بعثة للدراسة في الخارج طيلة حياته، الأمر الذي جعل صورة مصر في العالم شيئا اقرب إلى "المسخرة" والأضحوكة الكبرى، وهو ما يتحمل مسؤوليته فاروق حسني.
اتهامات بالفساد
لقد اتهم كاتب السيناريو مدحت العدل علانية وعلى صفحات الصحف المصرية، أبو شادي بأنه يقبض مبلغا شهريا يبلغ 5 آلاف جنيه من جهاز السينما الذي يرأسه ممدوح الليثي مقابل مراجعة سيناريوهات، وأنه بالتالي طرف خصم فكيف يمكن أن يمنح ويعطي كرقيب، في اشارة إلى أنه وافق لليثي على مسلسل عن سعاد حسني بينما رفض مسلسلا آخر من تأليف العدل.
واتهم هاني فوزي منتج فيلم (بحب السيما) علي أبو شادي بالتواطؤ مع اسعاد يونس صاحبة الشركة الموزعة لفيلمه لكي تحصل هي على القيمة المالية للجائزة التي فاز بها الفيلم في المهرجان القومي للسينما المصرية الذي يراسه علي أبو شادي أيضا، في حين أن هاني فوزي كمنتج لم يحصل إلا على شهادة منح الجائزة، أي على مجرد ورقة لا قيمة لها. واتهم عدد من الكتاب والصحفيين أبو شادي بمسؤوليته عن انتشار مئات الاسطوانات والشرئط للأغاني المتدنية فنيا لمنتجين على استعداد لانفاق الكثير من اجل ترويج انتاجهم . ولم نسمع أن تحقيقا رسميا فتح مع علي أبو شادي في هذه التجاوزات المنسوبة إليه. بل وصلت به الجرأة حد أن أصبح صاحب القرار الأول والأخير فيما يتعلق بـ "منح التفرغ" في شتى مجالات الثقافة في مصر للمثقفين، ويحكم في ذلك مصالحه الشخصية وعلاقاته، فمن ينتقده أو يعارضه لا يحصل على أي منح في حين أنه الجدير بذلك، في حين يحصل عليها بعض المتملقين الذين يرضون بمديحهم غرور أبو شادي. وهذه السياسة تتسق أيضا مع سياسة العصا والجزرة التي يستخدمها الوزير منذ مجيئه إلى الوزارة.
كارثة مهرجان القاهرة
في مجال السينما أيضا يتحمل فاروق حسني المسؤولية الأولى عن فشل مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، الذي يفترض أن يكون مثالا ومقياسا لغيره من المهرجانات في الدول المحيطة بحكم التجربة المصرية الفريدة في السينما بين هذه البلدان من حيث التاريخ والتراث والامكانيات والطاقات الفنية والبشرية.
لقد تدهور هذا المهرجان في عهد فاروق حسني ومنذ وفاة سعد الدين وهبة رئيسه الأسبق، بوتيرة سريعة إلى أن أصبح أشبه بجثة هامدة في عهد رئيسه الحالي الممثل عزت أبو عوف.
والحقيقة أن سعد الدين وهبة كان يستخدم سلطات واسعة باعتباره رجل سلطة طوال عمره، في ادارته للمهرجان، وكان يوظف طاقات بشرية أفضل ويستعين بها ويغدق عليها لأن المهرجان في عهده أيضا كان يحقق دخلا كبيرا من مبيعات التذاكر (قبل طغيان الفضائيات وقنوات الأفلام). وبعده عين الوزير الممثل حسين فهمي رئيسا للمهرجان فلم يفلح، ثم استقال بعاصفة من الاحتجاجات والانتقادات للوزير ولحرس الوزير. ثم جاء الوزير بالصحفي شريف الشوباشي الذي لا علاقة له بالسينما، فعجز ايضا عن اتخاذ أي قرارات بسبب سيطرة شلة من جمعية المنتفعين على المهرجان وتغاضي الوزير عن أفعال هذه الشلة التي تخدم مصالها بالطبع. بل إن الوزير آثر دعم أفراد تلك الشلة على حساب الشوباشي فاستقال بدوره بعاصفة أخرى من الانتقادات. ولم يجد الوزير أخيرا إلا أبو عوف الذي ترك المهرجان بالكامل لأفراد العصابة إياها، يفعلون به ما يشاءون، واكتفى هو بالظهور في الافتتاح والختام، والابتسامات المصطنعة أمام الجمهور والصحافة، بل إنه لا يعرف حتى أسماء الضيوف الأجانب أو الصحفيين الذين يدعوهم المهرجان، ولا يعرف من أين أتوا ولا ماذا يفعلون ويتعامل مع الحدث كله كما لو كان حفل عشاء يشارك فيه بعض الفنانين والفنانات المحليين (واهي هيصة وتنفض!).
والخلاصة أن المهرجان هوى وتخلف واصبح فضحية سنوية متكررة و مدعاة للإحساس بالعار والاستنكار، بل نكتة تتردد بين من يحضرونه من الأجانب بعد أن يغادروا بالطبع بعد استمتاعهم بالطعام والشراب والشمس الساطعة وزيارة المناطق السياحية على حساب الوزير الفنان ووزارته. فماذا قدم المهرجان للسينما المصرية في نهاية الأمر بعد أكثر من 20 عاما قضاها هذا المهرجان في حضن الوزارة؟ سؤال يتعين على فاروق حسني أن يقدم الإجابة عليه، ولكن من يحاسبه؟
نهب الآثار
3- فاقت كمية الآثار التي نهبت وسرقت وتم تهريبها خارج مصر في عهد فاروق حسني ما سرق وهُرب في تاريخ مصر الحديث كله.وقد ذكر الأستاذ محمد حسنين هيكل في أحد أحاديثه لقناة الجزيرة الفضائية أخيرا أنه شاهد بنفسه نسخة من أحد المصاحف الأصلية الأولى النادرة يبلغ عمرها مئات السنين أي لا تقدر بما بعد أن هربت من مصر وكانت في الأصل بالمتحف الاسلامي، لكي تباع في أحد بيوت المزادات في العاصمة البريطانية. ولم يصدر أي تعليق أو تعقيب من وزارة فاروق حسني الفنان المشغول بافتتاح معارضه، وهو ما يعني أن الأمر صحيح. فمن يتحمل المسؤولية؟
إن فاروق ملك مصر والسودان لم يفرط في آثار مصر كما فعل فاروق حسني. وقد تحولت الجهة المختصة بالآثار في وزارة فاروق حسني إلى دولة داخل الدولة برئاسة السيد زاهي حواس، الذي يتعامل مع الآثار المصرية وكأنها إرث خاص له ورثه عن جده الفرعون، كما يتفاخر في مقابلاته الصحفية بالاكتشافات الأثرية الجديدة كما لو كانت من اكتشافاته الشخصية، وليست من جهد خبراء أجانب تمولهم أساسا شركات أمريكية وألمانية على أساس مبدأ تقاسم المنفعة. وهذا نوع من الكذب على الرأي العام.
ويتشدق حواس في أحاديثه لوكالات الأنباء الأجنبية بأنه حارس التراث المصري الفرعوني، في حين أن ثروته الشخصية ايضا في حاجة إلى مراجعة، وكذلك لغته الانجليزية الخشنة، وهو قد جعل من مصر مسخرة كبرى عندما ظل طوال الليل والنهار يدلي بمقابلات صحفية عن كيف أن الهرم لا يمكن أن يدخل في المنافسة مع غيره لأنه وحده فوق كل أعاجيب الدنيا، مصورا الأمر كما لو كان مؤامرة أجنبية على سمعة مصر. فمتى سيغادر حواس المجلس الأعلى للآثار ويسمح لقيادة أخرى أكثر معرفة وقدرة على العمل منها إلى الكلام.. وهل يقتضي أمر كهذا ايضا انتظار تدخل العناية  الإلهية.


 اضغط واقرأ
 : زاهي حواس يسرق اكتشاف عالمة بريطانية

أشخاص فاسدون
4- أسند فاروق حسني مهام رفيعة إلى أشخاص ثبت أنهم ضالعون حتى النخاع في الفساد واستغلال السلطة والنفوذ من خلال مواقعهم في وزارته، ومنهم من قبض عليه وسجن ولايزال في السجن، وأشهرهم أيمن عبد المنعم، المعروف بـ "الواد أيمن بتاع الوزير" تيمنا بالمسرحية الهزلية، لأن الوزير كان يعتبره ساعده الأيمن، وهو الرئيس السابق لما يعرف بـ"صندوق التنمية الثقافية" المؤسسة التي تستحوذ على عشرات الملايين من الجنيهات والتي تمول كل مشاريع الوزارة بما فيها مهرجان القاهرة ومهرجان الاسماعيلية للسينما، ومهرجان المسرح التجريبي، وغير ذلك من الاحتفاليات التي تقام بالمجلس الأعلى للثقافة وينفق عليها ملايين الجنيهات من أموال دافعي الضرائب المساكين لا لهدف إلا لخدمة سياسة "شيلني واشيلك" أي أنت تدعيني إلى بلدك وأنا أدعوك إلى بلدي أو أكتب عنك في صحيفتي، أي أنها تظاهرات تخدم الدعاية الشخصية للموظف المسؤول عنها، ولا تخدم الثقافة، والأمثلة الحاضرة تملأ مجلدات إذا أراد الوزير نشرناها بشهادات شهودها أيضا. وقد نشرت الصحف المصرية قبل سنوات ان سلطات مطار القاهرة الدولي ضبطت زوجة مسوؤل في وزارة ثقافة الوزير الفنان وفي حوذتها تمثال ثمين من التماثيل الفرعونية الأثرية بينما كانت تسعى لتهريبه خارج البلاد، ثم تدخلت الوزارة لطبخ الموضوع واعتبرته تمثالا "غير أصلي" حتى سمح لها بالسفر والتمثال في حوذتها. ومن أشهر المخطوطات التي ضاعت في عهد فاروق حسني مخطوطة الإمام الشافعي التي لا تقدر بثمن والتي تم تهريبها وبيعها في اوروبا.
محرقة بني سويف
5- تسبب فاروق حسني نتيجة إهمال مرءوسيه الذين عينهم ومنحهم سلطات واسعة، في احتراق وموت 52 مثقفا ومبدعا مصريا في مدينة بني سويف قبل سنوات دون أن يتحمل أي مسؤولية سياسية أو جنائية، وحدث مثل هذاالحدث الجلل في مجتمعات أخرى لا يحكمها التسلط والاستبداد كان يكفي لسقوط الحكومة بأسرها، لكن المؤسف بل والمخزي أن الوزير قدم استقالة شكلية ثم دفع بعض زبانيته وموظفي وزارته والمستفيدين منها ورئيس تحرير الصحيفة الاسبوعية الناطقة باسمه وغيرهم إلى كتابة "عريضة" تطالب بالإبقاء على الوزير الفنان حبيب الشعب والجماهير، وهو ما لا يحدث حتى في زيمبابوي!

العصا والجزرة
6- اعتمد فاروق حسني طيلة 20 عاما، واستخدم ومارس سياسة العصا والجزرة مدعيا في بداية توليه المنصب أنه إنما جاء إلى الوزراة من أجل إدخال المثقفين إلى "حظيرة الدولة" وهو وصف غير لائق، فضلا عن عدم مشروعيته، فما معنى دخول الحظيرة: هل معنى ذلك الرضوخ للرشاوى المالية التي يغدق منها الوزير على من يؤيدون سياسة الدولة، وهذه الرشوة تستوجب ايضا المحاسبة الجنائية لأنها أموال دافعي الضرائب لا ينبغي استخدامها في ضرب وقمع المعارضة السياسية وتسخيرها وتحويل عدد من رموزها إلى عملاء للسلطة والأجهزة كما حدث تحت الضغوظ والاغراءات.
إن فاروق حسني يتحمل مسؤولية إفساد عشرات المثقفين وإفساد عدد ضخم من المشتغلين بالكتابة في الصحف الذين حولهم إلى جوقة تدق له الطبول وتحرق البخور حتى في صحف المعارضة، وهذا الإفساد هو ما يجعل عددا من هؤلاء، وعلى رأسهم موظفون في وزارته يدبجون العرائض التي تطالب ببقائه وزيرا عندما يقدم استقالاته الوهمية، كما لو كان فاروق حسني بطلا من أبطال الأمة.
هذا الإفساد يستوجب محاكمة فاروق حسني في الداخل إذا كانت هناك حقا حكومة وطنية مسؤولة، وليس تصدير فاروق حسني إلى الخارج لكي يتولى مسؤولية وزارة ثقافة العالم أي اليونسكو. وقد نشر مستشار فاروق حسني الإعلامي لمدة 15 سنة (محمد عبد الواحد) كتابا بعنوان "مثقفون تحت الطلب" يفضح فيه بالتفصيل عمليات شراء المثقفين بتسفيرهم إلى الخارج لحصور مؤتمرات وتظاهرات أدبية وفنية، أو نشر أعمالهم الكاملة وغير الكاملة، أو اقتناء الوزارة للوحاتهم الفنية، وهى رشاوى يجب أن يعاقب عليها القانون. ولم تجرؤ وزارة فاروق حسني على الرد وتفنيد ما جاء بالكتاب بالأسماء، بل اكتفى الوزير بالقول إن مؤلفه عندما احتاج مالا أقرضه من ماله الخاص!
تجاوزات

7- يتحمل فاروق حسني المسؤولية المباشرة عن تمييع الثقافة المصرية وتحويلها إلى ظاهرة احتفالية تنفق عشرات الملايين على حفلاتها ومهرجاناتها الشكلية التافهة التي لا يستفيد منها سوى حفنة من المرتزقة المعروفين بالإسم في مصر ومنهم من يتولي مواقع المسؤولية في وزارته منذ سنوات عديدة بل ويمد لهم الوزير حتى بعد تجاوزهم سن التقاعد الرسمي في الدولة، بينما لم يمد يوما واحدا مثلا للدكتور مدكور ثابت عند بلوغه سن التقاعد، وهي حالة وحيدة من نوعها، فلماذا، وألا يجب محاكمة الوزير لتجاوزه مبدأ تكافؤ الفرص!

تناقضات في السياسة
8- تخبط فاروق حسني في تصريحاته ما بين انتقاد الحجاب ثم العودة والتراجع أمام ضغط سياسي تماما بينما يفترض أنه إما أن يتمسك برأيه حتى النهاية باعتباره وزيرا في دولة مدنية وليست دينية (على الأقل من الناحية الدستورية) أو لم يكن ليصرح بما صرح به من البداية، أو يستقيل بعد انفجار الضجة. لكنه لم يفعل أي شئ من هذا، بل واصل مسلسل تناقضاته الشخصية، فقد انبرى يدافع عن رواية "ولية لأعشاب البحر" ويعتبرها تحفة ابداعية، ثم انحنى أمام العاصفة البشعة القادمة من صحارى القرون الوسطى بعد أشهر، ومنع الروايات الثلاث الشهيرة واتخذ قرارا بطرد عدد من المسؤولين في هيئة قصور الثقافة على رأسهم علي أبو شادي رئيس الهيئة، الذي عاد يمفرده إلى مناصب أكثر خطورة بعد 9 اشهر، دون أن يعود أي مسؤول آخر في الهيئة، وهي مخالفة تستوجب التحقيق، لتتناقضها أيضا مع مبدأ تكافؤ الفرص. ثم عاد فاروق حسني إلى التخبط عندما صرح بأنه على استعداد لـ "حرق" أي كتاب إسرائيلي يثبت وجوده في مكتبات وزارته، ثم تراجع عن فكرة الحرق الخرقاء أصلا واخذ ينكر تصريحاته، وأبدى باستخذاء استعداده لزيارة اسرائيل وتحدث لصحيفة اسرائيلية عن دوره "الشخصي" في ترميم الآثار والمعابد اليهودية في مصر، كما لو كانت هذه الآثار "إسرائيلية" وليست مصرية وتندرج ضمن مسؤوليات وزارته بالضرورة، إلا إذا كان يعتبر يهود مصر الذين أقاموها من "الأجانب".

عسكرة الثقافة
9- أعاد فاروق حسني سيطرة "العسكريتارية" على الدولة المدنية متمثلة في وزارة الثقافة كما لم يحدث في تاريخ مصر الحديث حتى في ظل هيمنة وطغيان مؤسسة عبد الحكيم عامر العسكرية في الستينيات، فقد عين 159 ضابطا سابقا في مناصب بوزارته على رأسهم "الجنرال" فاروق عبد السلام مدير مكتبه الذي لايزال يمارس مهام منصبه حتى بعد أن تجاوز سن التقاعد بسنوات عديدة. وقد نشرت هذه المعلومات في صحف مصرية معارضة دون أن تكذبها الوزارة!
10- تردد لغط كثير خلال السنوات العشر الماضية حول "استغلال" فاروق حسني لنفوذه ومنصبه، ونشرت الصحف إنه حقق ثروات طائلة وإنه يمتلك مسكنا فخما يتردد عليه من وقت إلى آخر، في العاصمة الإيطالية روما، كما شيد قصرا منيفا في مصر بعشرات الملايين من الجنيهات (نشرت جريدة أخبار الأدب صورا له ومعلومات تفصيلية عنه)، متذرعا بأن هذه الأموال كلها جاءت من عائدات مبيعات لوحاته كرسام، بينما الحقيقة التي يعرفها القاصي والداني أن فاروق حسني رسام متواضع المستوى لم يكن أحد يأخذه على محمل الجد، تماما مثل تابعه علي أبو شادي في مجال النقد السينمائي.
ويقول البعض أن عددا من كبار رجال الأعمال يشترون لوحاته حتى يضمنوا تمرير الصفقات الضخمة التي تعقدها وزارته مع شركاتهم سواء لترميم الآثار بملايين الدولارات، أو لمختلف الأمور الأخرى. وقد رفض فاروق حسني حتى الآن تقديم اقرار الذمة المالية حتى نعرف حجم ملكيته الشخصية قبل الوزارة وبعدها، وفشلت كل محاولات استجوابه أمام البرلمان في هذا الموضوع تحديدا.
وأخيرا، إذا كان من الضروري ترشيح وجه مصري لليونسكو فكان يقتضي أن يكون هذا الوجه أكثر شبابا، وأكثر استقامة وثقافة ومعرفة بالأدب والفلسفة والتاريخ بينما المؤهلات الحقيقية لفاروق حسني لا ترقى إلى أي مستوى أكاديمي. ولكن من الذي سيرشح ومصر الرسمية كلها في حالة غيبوبة طويلة حتى إشعار آخر.

السبت، 9 أغسطس 2008

برامج السينما في الفضائيات العربية

برامج السينما في القنوات الفضائية التليفزيونية تحولت إلى ما يشبه "الكباريه"، فقد تشابهت، وأصبحت مجرد ديكورات باذخة تستعرض فيها مذيعة ذات لهجة معينة لا تتغير، يشوبها الدلع والتلوي واستعرض المفاتن والملابس الصارخة حسب ما أفهمها الذين أسندوا إليها المهمة، تستعرض أفلام الأسبوع الأمريكية، وربما أيضا ما يسمونه "التوب تن" أي الأفلام العشرة الأوائل في اسواق التوزيع (الأمريكية أيضا)، فهناك ولع بكل ما هو أمريكي، ورغبة في الترويج له بأي ثمن، وبشكل يدعو إلى الريبة.
والملاحظ أيضا أن كل المذيعات الفضائيات يستخدمن الأسماء الأجنبية أو الإنجليزية للافلام بطريقة ممطوطة ومضحكة في النطق، كأنما أصبحت موضة أو وسيلة للدلالة على العصرنة والثقافة.. بل أصبح هناك عدد من الصحف والمجلات التي تنشر مواد التسالي السينمائية (معظمها تمويل سعودي أيضا!) تستخدم فقط الأسماء الأجنبية للأفلام دون أن تترجمها للعربية، كأنما أصبحت العربية لغة خشنة لا تصلح للتعامل مع السينما العالمية!والمصيبة أن السينما عند أصحاب هذه البرامج المتشابهة المستنسخة هي فقط السينما الأمريكية السائدة، أي من الإنتاج الضخم المبهر الكرتوني من عينة "تايتانيك" و"قراصنة الكاريبي" في أفضل الأحوال.
أما سينما الفن والفكر والفلسفة والتجريب واكتشاف مناطق جديدة في الحياة الإنسانية، سينما الرؤية الذهنية، والتجديد في الشكل، فهي محظورة تماما.
والغريب أن كل هذه الفضائيات تقريبا من تمويل خليجي (سعودي أساسا)، وبالتالي لا يمكن أن يتوقع المرء منها بالطبع نشر ثقافة سينمائية حقيقية في حين أن السينما في السعودية مازالت ممنوعة بحكم القانون، وحسب مفاهيم معينة عتيقة بالية أصبح كثير من السعوديين أنفسهم يطالبون حاليا بإعادة النظر فيها.
نعم هم بشاهدون الأفلام على الاسطوانات الرقمية، ولكن أي أفلام؟ إنها نفس الأفلام الاستهلاكية التي لا تؤدي سوى إلى التخلف العقلي، فالرقابة لن تسمح بمرور غيرها!
من التخريب أن يتم تصوير السينما في هذه البرامج على أنها الأفلام الأمريكية الاستهلاكية أي أفلام التسالي والفشار popcorn movies، وإهمال كل ما عداها من أفلام من سائر أنحاء العالم، وتصوير البرنامج السينمائي كما يتم تصوير الراقصات، مع عرض أجزاء من الأفلام الأمريكية تمنحها شركات التوزيع عادة بالمجان كنوع من الدعاية لأفلامها، وحضور المهرجانات السينمائية، لا لاكتشاف الجديد بل مرة أخرى، لتسليط الأضواء على النجوم الأمريكيين والتهافت على إجراء مقابلات معهم واعتبار هذا سبقا كبيرا، وإهمال كل قضايا السينما العربية: الرقابة، تقلص الإنتاج، الأفلام التسجيلية والقصيرة، مشكلة دور العرض، تأثير التليفزيون، الإنتاج المشترك.. وغير ذلك من قضايا عديدة.
إن هذه "الثقافة" المضادة لكل ما ظل المرء يكافح من أجله مع غيره، منذ أكثر من ثلاثين عاما، آن الأوان أن نفضحها ونكشفها ونرفضها، لأنها تهدم كل قيمة ثقافية حقيقية وتتستر على واقع بشع يتعرض فيه السينمائي للقهر، كما يتعرض الفكر المستنيرعموما للمصادرة، وإخفاء هذا كله في سراب المهرجانات التي أصبحوا الآن يتبارون على إقامتها كما لو كانت قد أصبحت من "الموروث" العربي الأصيل مثل اقتناء السيوف أو الخيول والتباهي امام بعضهم البعض من يملك الأفضل والأقوى، وأما عن الثقافة فلعل هذه الأبيات من قصيدة نزار قباني الشهيرة "أبو جهل يشتري فليت ستريت" تعبر أفضل كثيرا مما يمكنني:
" أيا طويل العمر: يا من تشتري النساء بالأرطال..
وتشتري الأقلام بالأرطال..
لسنا نريد اي شئ منك..
فانكح جواريك كما تريد..
واذبح رعاياك كما تريد..
وحاصر الأمة بالنار..
وبالحديد..لا أحد.. يريد منك ملكك السعيد..
لا أحد يريد أن يسرق منك جبة الخلافة..
فاشرب نبيذ النفط عن آخره..
واترك لنا الثقافة.

أحسن مائة فيلم.. ولكن ماذا عن الأسوأ

لقطة من فيلم المذنبون
اجتمع قبل فترة ثلاثة من نقاد السينما المصريين واختاروا قائمة بما اعتبروه "أهم مائة فيلم مصري بمناسبة الاحتفال بمئوية السينما المصرية في العام الجاري 2008. وقد نشروا أخيرا قائمة الأفلام المختارة في كتاب مع ذكر المبررات التي جعلتهم يختارون هذه الأفلام دون غيرها واستعانوا بعدد محدود من النقاد والباحثين للكتابة باختصار عن الأفلام المختارة.
ومنذ صدور هذا الكتاب والجدل يدور حول أهمية هذه الأفلام، وهل "الأحسن" غير "الأهم" وكيف، وعلى أي أساس تنبع أهمية فيلم ما إذا لم يكن جيدا أو يمثل علامة فاصلة بين مرحلة فنية وغيرها في تاريخ سينما البلد الذي ينتج فيه، بل ولماذا مائة فيلم فقط ولم لا نقول أفضل 50 فيلما أو 200 فيلم، وما كل هذا الولع بـ "الأفضل" و"الأهم" بينما هذه ليست سوى طريقة ترويجية تستخدمها عادة شركات الدعاية للأفلام. وأخذ بعض الكتاب يشككون في علمية المعايير التي اعتمدها النقاد الثلاثة، بل إن كثيرا من الذين شاركوا في الكتابة عن الأفلام التي يحتويها الكتاب ساقوا آراء في الأفلام التي كلفوا بالكتابة عنها، تقلل كثيرا من قيمتها الفنية دون أن تقول لنا لماذا تظل من الأفلام "الأهم"، وهو ما جعل المرء يتساءل: ولماذا إذن كان اختيارها في قائمة المائة الأهم إذا كانت على كل هذا النحو من الرداءة!
وعادة ما يصدر كثير من النقاد في بلدان العالم المختلفة كتبا عن الأفلام الأفضل من وجهة نظرهم الشخصية بالطبع كما فعل ديريك مالكولم ناقد صحيفة "الجارديان" البريطانية قبل سنوات، أو عندما اختارمعهد الفيلم الأمريكي، ثم مجلة "سايت آند ساوند" الشهيرة قائمة بالأفلام الأحسن في تاريخ السينما، وكما فعل مهرجان القاهرة السينمائي نفسه عند احياء ذكرى 100 سنة على مولد الفن السينمائي، فنشر قائمة بأفضل 100 فيلم اشترك في اختيارها 100 ناقد وسينمائي. ولكننا لا نعرف أن هناك كتبا صدرت عن "أفضل" ثم كتبا أخرى عن "أهم" الأفلام، ولم نسمع أن ناقدا أخذ يبرر أهمية صدور كتاب عن "الأفلام الأهم"، محاولا بلا جدوى، أن يوضح لنا الفرق بين "الأفضل" و"الأهم".
إن الأفلام الأفضل هي عادة الأفلام الأهم، وتدخل هذه وتلك تاريخ السينما في بلادها وفي العالم، ليس عن طريق كتب يعدها ويقدمها حفنة من النقاد ، بل ما تلقاه من اهتمام نقدي وجماهيري عند عرضها، وما تثيره من جدل فكري وفني حينما تعرض في خلال التظاهرات والمهرجانات والمسابقات السينمائية الدورية، على الصعيدين المحلي والدولي، دون أن يكون الحصول على جوائز المهرجانات والمسابقات دليلا على قيمة أي فيلم في كل الأوقات.
وإذا كانت هناك حاجة دائمة لدراسة الأفلام القديمة فليست أفضل وسيلة لذلك الاستعانة بملخصات لما ترويه من قصص، بل عن طريق المشاهدة المباشرة وإعادة الدراسة ومع الأخذ في الحسبان، مدى ما حققه الفيلم من تطور في لغة السينما عند ظهوره.
وعندما يعد مؤرخ أو ناقد قائمة بالأفلام التي يراها الأفضل، فإنها تعكس عادة اختياراته الشخصية دون أي محاولة لفرضها فرضا على حركة ثقافة سينمائية تعاني من الركود على أي حال بسبب اقتصار النشاط فيها على ناقدين أو ثلاثة.
أخيرا.. إذا كان هناك كل هذا الاهتمام بالأفلام "الأهم" و"الأفضل"، فلماذا لا يكون هناك اهتمام مواز بالأفلام "الأسوأ" في تاريخ السينما المصرية. ألا يعد هذا أيضا عملا مفيدا أمام الدارسين والراغبين في تطوير هذه السينما!

الجمعة، 8 أغسطس 2008

كتاب مهم في السينما


من الأحداث الأخيرة السعيدة صدور طبعة جديدة من كتاب "السينما كفن تخريبي" Film As a Subversive Art لآموس فوجل Amos Vogel. والأسباب كثيرة بالتأكيد، منها مثلا أن هذا الكتاب الذي صدر للمرة الأولى في نيويورك عام 1975، اعتبر وربما لا يزال، البيان الرسمي للسينما الجديدة في العالم.. أو بيان السينما المتحررة من التقاليد البالية، تقاليد فن وأدب القرن التاسع عشر، فن وأدب المضمون والرسالة الاجتماعية المباشرة والحكمة الأخلاقية والحدوتة المسلية والسرد السلس البسيط. ظهر هذا الكتاب عندما كانت السينما الأمريكية قد بدأت تتمرد على نفسها، على مدرسة هوليوود بتقاليدها العتيقة وأيديولوجيتها وأفكارها السياسية العتيقة، وكانت السينما الأوروبية قد اعلنت ثورتها العظيمة على الشكل، كما تبدى في سينما كوكتو وبرجمان وجودار وأنطونيوني وبونويل وبرتولوتشي وتريفو، وبدت ملامح التمرد في سينما أوروبا الشرقية على كل تقاليد الواقعية الاشتراكية لتسبح في محيط "الواقعية بلا ضفاف" من خلال أفلام مثل "قطارات تحت حراسة مشددة" و"الغاز الكائن البشري" و"الشقة" و"مأساة عاملة تليفون"،

وكانت السينما الثورية في العالم الثالث خاصة في أمريكا اللاتينية، تسعى للبحث عن "السينما الثالثة" التي تعتمد على "جماليات الجوع" حسب تعبير جلوبير روشا. نحن لسنا إذن أمام كتاب عادي من النوع الذي يغرق في التنظير القائم على الأماني والأحلام، أو يسقط في أسر الطابع الأكاديمي الموغل في النظرية، بل أمام "بيان" تحليلي عنيف، ومع ذلك، يمتلئ بالحب والإحساس بما في السينما الجديدة من شعر، ورغبة في نسف القديم، وهي رغبة موغلة في الوحشية والتمرد والعنف والرفض.

"السينما كفن تخريبي" لا يسعى إلى التثقيف السينمائي بالمعنى المحايد الذي يعرض للأفلام "الجميلة"، بل إلى هدم أفكار وإحلال أفكار أخرى مكانها، وإلى إعلاء دور الصورة ومكانتها وأهميتها ومحاولة فهم ألغازها وإشاراتها ومغزاها وموقعها وسط غيرها من الصور.يحتوي الكتاب على أكثر من 300 صورة بالأبيض والأسود (في 335 صفحة) مأخوذة من عشرات الأفلام التي نقلت السينما كفن من مجال رواية القصص المحكمة، إلى فن بصري متحرر من كل القوالب.هذه الصور منها ما كان يعد في ذلك الوقت، من المحرمات، بسبب ما تحتويه من عري وتصوير جنسي وأوضاع غير مألوفة للجسد البشري.

ورغم محاولته التعبير عن آرائه في الأفلام بأقل قدر من الكلمات، وأكبر كم من الصور، يعتذر مؤلف الكتاب هنا عن أمرين: الأول ما يراه من محدودية الصور الثابتة المنشورة في الكتاب، وحدودها الضيقة في التعبير عن الفيلم: "الصورة الثابتة ليست فيلما. إنها تفتقد إلى الأبعاد والزمان والحركة التي تعد من المكونات الأساسية لفن الفيلم، وتمثل فقط جزءا ضئيلا من الثانية من فيلم سينمائي". . وثانيا يعتذر عن اضطراره لاستخدام الكلمات بشكل عام "لأن الكلمات ليست أفضل وسيلة للتعامل مع وسيط بصري".

ويكفي أن نتأمل عناوين فصول الكتاب المختلفة لكي نحيط بما يحتويه: تخريب الشكل، متمردون جماليون ومهرجون متمردون، تدمير الزمان والمكان، تدمير الحبكة وطريقة السرد، الاعتداء على المونتاج، التخلص من الواقعية، تخريب الوهم، التخلص من الصورة، التخلص من الشاشة، التخلص من الكاميرا، التخلص من الفنان، أسلحة التخريب: قوة التابو البصري، الاعتداء على البيوريتانية: العري، نهاية المحظور الجنسي.يقول فوجل "إن كل عمل فني إذا كان أصيلا، يقطع الصلة مع الماضي بدلا من إعادة تصويره، هو فن تخريبي". أخيرا آموس فوجل مؤلف الكتاب هو مؤسس أول مركز للسينما التجريبية في الولايات المتحدة، ثم قسم السينما في مركز لينكولن، ومؤسس مشارك لمهرجان نيويورك السينمائي
جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger