السبت، 21 سبتمبر 2013

الملامح المقلقة للوطنية الجديدة في مصر





بقلم: نايل شامة *



"جريدة الحياة"- الجمعة 20 سبتمبر 2013




ما كاد الصراع السياسي في مصر يصل إلى ذروته بعزل الرئيس السابق محمد مرسي وفض اعتصامات مؤيديه، حتى سادت في البلاد ملامح نسق فكري جديد، لا يرقى إلى مرتبة الأيديولوجية، لكن دعائمه الفكرية والنفسية المختلفة ليست جزراً منفصلة يمكن غض الطرف عن أهميتها وتداعياتها.
هذا النسق من التفكير والسلوك (الذي تدعمه توجهات النظام الجديد ويجد أرضية واسعة في الشارع والإعلام ومؤسسات الدولة) يتبنى خطاباً وطنياً شعبوياً زاعقاً، تتكاثر فيه الإشارات إلى الأمن ويقل الحديث عن السياسة، ويتغلب فيه منطق الصراع وحتمية المعادلات الصفرية على إمكانيات التعاون والإدماج، كما أنه يميل إلى استبعاد المخالفين، واصطناع الأعداء في الداخل والخارج.
ويركز النسق الجديد على دور الدولة لا المجتمع، إذ يحتفي بجهود الأجهزة الأمنية (وخصوصاً المؤسسة العسكرية) في حماية الوطن من التهديدات، وينقب عن الزعامات المحتملة في صفوف العسكريين دافعاً إياها إلى صفوف القيادة. لكن رياح «الوطنية الجديدة» في مصر تنذر بعواصف وتقلبات عدة ينبغي التحوط من تداعياتها.
فأولاً، تحيط الغيوم بماهية غايات ذلك النسق، وما إذا كانت أدواته تصب في خدمة أهداف (وطنية) عليا، أم في خدمة مصالح «نخبة حاكمة» تدافع عن مكتسباتها الخاصة. فالخطاب الحالي يمثل في جوهره آلية للانتصار في معركة سياسية آنية أكثر منه خطة واضحة المعالم لإدارة البلاد أو التخطيط للمستقبل. ومن أجل حسم الانتصار في تلك المعركة المصيرية، تستخدم المشاعر الوطنية الجياشة كوقود لماكينة سياسية وإعلامية تشرعن بلا هوادة إقصاء الآخر المنافس، تحت دعاوى التخوين والعمالة.
فمثلاً، شيوع تعبير «هم ليسوا مصريين» في وسائل الإعلام للإشارة إلى الإسلاميين هو المقابل الموضوعي لخطاب التكفير الذي ارتفعت وتيرته على منصة رابعة العدوية عقب عزل مرسي. كلاهما خطاب يشيطن الآخر، وينزع عنه أهلية الرأي، ومشروعية المشاركة في صوغ مستقبل البلاد، وبالتالي يوفر المبرر الأخلاقي للإقصاء على أقل تقدير، أو حتى يسوغ توظيف العنف في الصراع السياسي.
وتتماهى وسائل الإعلام الرسمية والخاصة في مصر، ومعظمها يميني الهوى، مع توجهات وأفكار تعيد إلى الأذهان في شكل ما البروباغندا الفاشية التي ازدهرت في ألمانيا وإيطاليا في الثلاثينات من القرن الماضي، من حيث تعبيرها عن الرأي الواحد، وعدم اتساعها للتيارات الفكرية والسياسية كافة التي يموج بها المجتمع، وترويجها لسيل من قصص المؤامرات والخطط السرية التي تؤكد أنها تحاك لمصر، ومن حيث ادعائها أيضاً، الظاهر أو المستتر، احتكار الحقيقة، اضافة الى احتفائها بعسكرة الوطنية المصرية. والمفارقة هنا أن ذلك الإقصاء الذي يتم باسم الوطنية وتحت رايتها ونشيدها، يقوض أسس الوطنية الحقة التي يبشر بها، والتي تؤمن بداهة بأن المواطنين سواء في وطن واحد يحتضن الجميع، ويرحب بمشاركتهم في العمل والبناء. وهو لذلك نموذج مشوه للوطنية يفرق ولا يجمع، يكرس الشقاق ولا يخدم الوفاق. ويلاحظ أن هذا النمط من الوطنية هش وسريع الزوال، فالمشاعر المهتاجة لا تلبث أن تهدأ، واحتياجات المواطنين الأساسية لا يمكن تلبيتها لوقت طويل بالأغاني الوطنية والخطب الرنانة وأحاديث المؤامرات الخارجية. فالوطنية الجديدة التي تعتمد على تعبيرات هائمة عن الأمن القومي وتروج لمعركة ضد الإرهاب غير معروفة الحدود تختلف عن الوطنية المصرية التي نشأت لمناهضة الاحتلال البريطاني في النصف الأول من القرن العشرين، أو عن تلك التي ازدهرت أيام جمال عبد الناصر، الذي قدم مشروعاً قومياً جامعاً، تمحورت خطوطه العريضة حول تحقيق الاستقلال الوطني والتنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية.
ومن ثم، فعلى الجميع إدراك حقيقة أن اكتساب ثقة أو تأييد الجماهير لا يمر عبر بوابة الانتصار في معركة الإرهاب واستئصال شأفة الإخوان المسلمين، بقدر ما يتحقق بالقدرة على إحداث تغيير حقيقي في حياة المواطنين، المثقل كاهلهم بأعباء اقتصاد يترنح وخدمات متدهورة وأمن غائب.
إضافة إلى ذلك، فإن تناقض بعض التوجهات الحالية مع مبادئ ثورة يناير يومئ إلى حتمية اندلاع صراع جديد بين النظام وشباب الثورة، ربما يجيء أوانه حين تهدأ حدة المشاعر المعادية للإخوان، وتتضح فداحة ممارسات الأجهزة الأمنية. وقد بدأت مظاهر ذلك الصدام مع ثوار يناير بالفعل في الظهور على السطح، متمثلة في التوتر المتصاعد بين حركة 6 أبريل والنظام الحالي.
ولا يمكن إغفال العواقب الوخيمة لذلك النسق الفكري على التماسك والسلم الاجتماعيين على المدى البعيد. إذ إن الإقصاء السياسي يوفر بيئة خصبة لإعادة إنتاج الدولة الاستبدادية، ولازدهار ثقافة مجتمعية لا تتسامح مع المختلفين، سياسياً ودينياً وطائفياً. وإن وجهت سهام الإقصاء اليوم الى الإسلاميين ومنتقدي الممارسات الحالية فحسب، فإن آثاره ستمتد لا ريب في المستقبل إلى كل الأقليات، خصوصاً أن المجتمع يعاني أصلاً من استشراء ثقافة متعصبة، تناهض الاختلاف، وتدين كل من شذ عن التيار العام، أو عرض أفكاراً وتصورات مغايرة. وما تعرضت له المرأة والمسيحيون والشيعة والبهائيون المصريون في الماضي القريب ليس بحاجة الى تذكير، وأوجاع تلك الفئات تبدو مرشحة للتفاقم في ظل هيمنة المناخ الحالي.
كما ينبغي الانتباه إلى كلفة الممارسات السلطوية التي تنبثق من هذا النسق الفكري. فالوطنية الزاعقة تركز على «العدو» وأولوية محاربته، وتجعل من الحديث عن الحقوق والحريات ترفاً يمكن إهماله، أو على الأقل تأجيله. والشاهد أن أشد التجاوزات الماسة بحقوق الإنسان في مصر حدثت أثناء صراع الدولة مع الجماعات الإرهابية في التسعينات.
وفي شكل ما، تستدعي الموجة الوطنية الحالية إلى الذاكرة مكارثية الخمسينات، وأجواء الحرب الأميركية على الإرهاب في بدايات هذا القرن. ويلاحظ تشابه المنطق ولغة الخطاب بين قادة النظام الجديد والمحافظين الجدد في أميركا، بخاصة الشعار الأثير «من ليس معنا فهو ضدنا»، الذي جاء مضموناً لا نصاً على لسان أكثر من مسؤول حالي.
يعلم الجميع أن الفاشية هي النموذج الفج لتمازج الوطنية والشوفينية والعسكرة والسلطوية. ولئن لم يتم وقف الانزلاق الحاصل في مصر باتجاه تلك النزعات الأربع، فقد نفاجأ يوماً بتحول الوطنية الجديدة إلى فاشية جديدة.

* كاتب مصري

السبت، 7 سبتمبر 2013

مطاردة الساحرات على أشدها والفاشية الوطنية تكشر عن أنيابها!


الفاشية ستمتد لتشمل الجميع




أصيب المجتمع المصري بوباء خطير ينتشر حاليا بسرعة خارقة. نعم كان الإسلامويون خطيرون على مصر، سواء كانوا من جماعة الإخوان المسلمين أو من الجماعات الأخرى التي تدور في فلك تلك الجماعة التي فرختها وأنجبت سلالالتها.
ومهما تنوعت الأسماء والمسميات، من الجماعة الاسلامية، إلى جماعة نصرة الاسلام، إلى تنظيم الجهاد الإسلامي، إلى الجهادية السلفية أو السلفية الجهادية، فلا فرق بين كل تلك الفرق، فكلها خرجت من معطف جماعة الاخوان المسلمين التي كانت أول من كتب ونظر ومارس وتطلع بشتى الطرق، إلى تحقيق فكرة إخضاع السياسة للدين، وهي فكرة تصنع بالضرورة فاشية دينية تحتكر الحقيقة وتزعم أنها تنطق باسم الله (عز وجل)، وبالتالي فهي لا تعرف الخطأ أبدا، فالمنتمين إليها هم (جماعة المسلمين) وغيرهم من الكافرين أو أنصاف المسلمين أو الذين في حاجة إلى اعادة تربية وتهذيب وأسلمة!
كانت الفاشية الدينية اختيارا مصريا شعبيا أيضا، وقفنا ضده لسنوات طويلة من خلال عشرات بل ومئات المقالات والتعليقات التي نشرناها هنا وهناك، سواء عبر هذه المدونة او مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك وتويتر وغيرهما) أو المقالات التي كنا ننشرها في صحف مثل البديل والوطن وغيرهما. وذلك في وقت كان فرقة كبيرة من المثقفين المصريين يدافعون عن (حق الجماعة) في الوجود سياسيا، بل وحقها في أن تأخذ فرصة لممارسة الحكم، بل وقد خرست كل الأقلام والألسنة عندما أقر المجلس العسكري في عهد المشير محمد طنطاوي، قيام أحزاب سياسية على أساس ديني في مصر للمرة الأولى في التاريخ، وهو القرار الذي أدى إلى كل ما حدث من كوارث وما يحدث حتى الآن!
وقد قلت ف يمقال بالبديل بالحرف الواحد إن مهمة المثقف الثوري حاليا هي النضال على جبهتين في وقت واحد: ضد نظام مبارك، وضد الاخوان المسلمين. وكان هذا في وقت جبن فيه معظم من يسمون أنفسهم بالمثقفين وهم مجموعات شبه ريفية شبه أمية لا تعرف من اللغات الأجنبية سوى كلمتي (سانك يو) ولا تفهم ما يجري من حولها في العالم، وتميل الى المهادنة على طريقة الفلاح الذي يصبر على البلاوي الى أن يحصل بالدهاء على بعض من حقه من السلطة. ولكن المثقف ليس كالفلاح فالفلاح ينتج ويعمل ويدخل في صراع يومي مع التربة، في حين أن المثقف يكتفي بالجلوس أمام التليفزيون أو الادلاء بالأحاديث لقنواته التافهة التي ثبنت أخيرا أنها تعمل بالريموت كونترول من "الأجهزة" إياها! 
كنا ننقد وننتقد بشدة، اختلاط الفكر الديني الفاشي بالسياسة بل وسيطرة الاخوان على السلطة سواء بالتهديد أو بالرشاوى أو بالانتخاب الحقيقي طواعية من جانب جمهور عامي أغلبه من ضعيفي الثقافة بل والتعليم وغالبيته من الأميين بالمعنى الحرفي للكلمة.
كانت وسائل الاعلام المصرية وخاصة قنوات التليفزيون الخاصة المسماة بالمستقلة، وعلى رأسها قناة دريم من خلال برنامجها الحواري الأكثر شهرة (العاشرة مساء) لا تخلو حلقة من حلقاتها من ضيف أو أكثر من قيادات الجماعات الفاشية الدينية بدعوى التعددية والديمقراطية بل وأحيانا استضافة أكثر العناصر الاجرامية المتطرفة، وقد احتفلت تلك القنوات، بالمدعو عبود الزمر فور خروجه من السجن بأمر من محمد طنطاوي شخصيا (قبل وصول الحاج مرسي العياط للسلطة) واستقبلته استقبال الفاتحين المنتصرين وهو المعروف بدوره في تنظيم الجهاد وفي مؤامرة اغتيال الرئيس السادات.
نقول نعم كنا ننتقد بشدة الاخوان والفكر السياسي الذي يخلط الدين بالسياسة عموما ونطالب ومازلنا- بأتاتورك مصري يجتث تلك الشجرة أو الفكرة الشيطانية من جذورها بالعنف، لكي يقيم المجتمع الديمقراطي فيما بعد. لا بأس من أن يظهر أتاتورك مصري مصحوب بمجموعة علمانية مستنيرة شجاعة تعلن أن هدفها هو تمهيد التربة لاقامة الدولة الحديثة الديمقراطية ولو بالقوة إذا لزم الأمر.
لكن هل ما حدث الآن في مصر يدخل بأي شكل من الأشكال، ضمن هذا المشروع الحضاري المتكامل، أم أنها لوثة الفكر الوطني المتطرف التي تعادل بالضبط تلك اللوثة السياسية الدينية أي لوثة الفكر الديني المتطرف التي ابتليت بها مصر منذ أكثر من ثلاثين عاما الى حين الاطاحة بحكم الاخوان (للأسف الشديد لأسباب تعتبر في معظمها اقتصادية وسياسية وليست فكرية بأي حال، فالفكر المتخلف لايزال موجودا دفينا بقوة في مشاعر الملايين سواء من الصفوة الحاكمة أو من العامة)!
إن ما يحدث الآن هو ما يمكن أن نطلق عليه "مطاردة ساحرات" بكل ما يعنىه هذا التعبير الذي ظهر في أوروبا في العصور الوسطى إبان محاكم التفتيش، من معنى.. إنها حملات تطهير لأفراد نيتمون الى العسكر الىخر في الصراه الضاري الجاري الآن على السلطة في مصر، لكنه ليس تقويما للفكر نفسه من خلال اعادة النظر في كل برامج التعليم والاعلام وثقافة المجتمع عموما.
إن القائمين على الحكم، أي قيادات الجيش، قرروا استعادة السلطة بشكل ما، اعتمادا على بعض من يرتدون ثيابا مدنية، بعد ان كانت تلك القيادات قد ارتضت لحين، باقتسام السلطة مع تيار الاسلام السياسي. وبعد أن فشل الأخير في السيطرة على حركة الشارع بحماقاته، قررت القيادات العسكرية الاستناد الى الغضب الشعبي العارم والاطاحة بحكم الاخوان.
وبالتالي فقد ارتفعت رايات وشعارات الفاشية الوطنية باسم الدفاع عن الوطن، وظهر من يشبه جنرالا معينا بعبد الناصر الجديد، ومن يطالبه بتولي رئاسة الدولة، ووأصبح هناك ملايين ممن يعتبرون كل من يختلف في الرأي مع السلطة، خائنا وعميلا ومأجورا وجبانا واخوانيا أو من الخلايا التي كانت نائمة وذلك في أفضل الأحوال، أما في أسواها فقد أصبح الآخر المختلف: من "الارهابيين" الذين يستحقون القتل الفوري في ميدان عام دون أي محاكمة.. ووجدنا هناك من يطالب بذلك علانية على شاشات التليفزيون!


ان تحريك عشرات القضايا بمجرد إشارة من إصبع الحاكم واتباعه الحاليين، أصبح كفيلا بالقبض على العشرات والمئات بل والآلاف ووضعهم في المعتقلات. وأصبح النائب العام يصدر يوميا أوامر الضبط والاحضار لكل من يعتقد اأه من الاتجاه (الآخر) أو من مناصريه أو ببساطة شديدة، كل من لا يؤيد السلطة الحالية في اجراءاتها وقراراتها وما تقوم به من أعمال عنيفة أو يتحفظ على بعض هذه القرارات، الأمر الذي يهدد باتساع تلك الموجة من التصفيات التي تقوم على الاشتباه والتلفيق أكثر مما تنبني على حقائق موثقة دامغة، ومن الممكن لذلك أن تنتهي إلى الأبد، دولة القانون أو شبه القانون في مصر، وتتحول مصر الى دولة فاشية وطنية تحت شعار مواجهة الارهاب.
ويكفي أن نقول يم إنه لم يتجرأ صحفي واحد في مصر كلها على المطالبة بمحاكمة وزير الداخلية أو استقالته على الأقل، بسبب مصرع 38 شخصا من المصريين (أيا كان انتماؤهم السياسي) خنقا بالغاز في عربة الترحيلات أمام سجن أبو زعبل في جريمة من أش=بشع جرائم العصر وهي جريمة مدانة مهما كانت الأسباب، فمن يقتل معتقلا (من الاخوان بهذا الشكل الوحشي يمكنه أن يقتل أي معارض لأي سلطة مستقبلا دون أن يعترض أحد) فهل ستكون هذه مصر الديمقراطية الحديثة؟ هل من السار أن نرى هذا الوضع الذي يستخدم فيه قانون الطواريء لاعتقال كل من لا ترضى عنه السلطة وتلفيق قضية له (أين كانت تلك القضايا كلها من قبل وتلك البلاغات ولماذا لم يتقدم أحد بها!!). بل أصبحت الشجاعة والتقاضي تحدث بأثر رجعي!
من الواضح أن ما يحدث الآن من حملات هي حملات موجهة من قبل السلطة لتشويه كل الشرفاء الذين يختلفون مع السلطة وعلى رأسهم محمد البرادعي، وهو أمر لا يبشر بأي مستقبل قريب لهذا البلد الذي تراجعت سمعته على مستوى العالم بينما يسكر الكثير من أبنائه نشوة بفكرة استعادة الروح الوطنية مقابل الفاشية الدينية التي ذهبت!
الحقيقة أن الفاشية الوطنية أي احتكار الحديث باسم الوطن من جانب فئة ما أيا كان حجمها الآن (أصبح هناك حاليا من يهددون على شاشات التليفزيون كل من يختلف معهم في الرأي، بالضرب بالأحذية بل وبالقتل دون أن يحرك ذلك ساكنا من الجهات القضائية!!).. ما هو سوى الوجه الآخر للفاشية الدينية. فالاثنتان تكفريتان.. الأولى تكفر كل من يختلف معها بشأن قضية الوطن، والثانية تكفر كل من يختلف معها في قضية ادخال الدين في السياسة.
لقد عشنا حتى رأينا من يقول على شاشة التليفزيون (وهو من يقال له مفكر كبير!) إن قضية الوطن لا تحتمل أي خلاف في الرأي.. أي أن رأي سيادته فقط هو الصحيح فيما يتعلق بمستقبل الوطن!
إننا نعيش في فترة من أحلك فترات التاريخ المصري الحديث، ليس بسبب ما يمارسه الاخوان وأتباعهم من أعمال عنف فقط، فهذه يمكن القضاء عليها أمنيا في زمن وجيز، بل بسبب شيوع هذا الفكر الخطير وانتشاره بشدة داخل البيوت حتى أصبح أفضل ما عندنا من مفكرين وكتاب، مشكوك في ولائهم الوطني، عملاء، خونة، معادين للشعب، يتسمون بالجبن.. وانظروا ما قاله بعض من يعتبرونهم من المثقفين والسياسيين (الوطنيين جدا) ضد الدكتور البرادعي وما وجهوه له من اتهامات لمجرد أن الرجل رفض الاستمرار في السلطة في هذا الوقت رغم عدم موافقته على اجراء من اجراءاتها. فهل كان الأفضل أن يخون الرجل مبادئه وما يؤمن به ارضاء لنزعة شرب الدماء التي اجتاحت ما يسمى بالنخبة المثقفة.
وما رأي هذه النخبة ياترى في عودة ظهور كل رجال عصر مبارك واعادة تأهيلهم واستيلائهم على المنابر كلها، هل قامت ثورة الشعب لأجل أن يعاد انتاج نظام مبارك تحت دعوى أنهم (أفضل من الاخوان) وهل أصبحت المفاضلة الآن بين الاخوان، أو القبول بعودة نظام مبارك؟!
شخصيا أتبرأ من تلك النخبة وأعلن هنا في هذا المنبر المحدود الذي أملك التعبير بحرية فيه، أنني لم أعد أنتمي لهؤلاء المثقفين، ولا اريد أن أكون جزءا من هذا الخراب الفكري والثقافي، واعتبر نفسي خارجه تماما وأتبرأ مما يحدث الآن في مصر، ولا يشرفني أن انحاز ضد الحقيقة انصياعا للولاء الأيدويولوجي. فهؤلاء المنتمين لتلك النخبة الفاشلة العاجزة العقيمة التافهة التي كانت دائما في خدمة السلطة (مشكلتها مع الإخوان ليس أنهم فاشيون بل لأنهم لم يعترفوا بهم لأنهم يعرفون وساخاتهم وعوراتهم)، هؤلاء يرفعون شعار: إن فاسدا ينتمي إلينا خير من شريف مستقل من خارج شلتنا. ولذلك كان صمت تلك الشرذمة المنحطة من المثقفاتية أمام عودة صابرعرب وزير للثقافة بعد أن خدم في حكومة المجلس العسكري ثم في حكومة الاخوان المسلمين ثم في حكومة ثورة 30 يونيو (!!!) (فهو رجل لكل العصور)، مع تسليمي بأن ليس كل من عمل تحت نظام الاخوان كافرا أو خائنا لأن الجميع يعمل أساسا، في مؤسسات الدولة المصرية التي ليست ملكا للاخوان أو لمجموعة المثقفاتية الفاشلين الباحثين عن مصالحهم المادية المباشرة، ويرحبون بالتالي بكل من هو على استعداد لتلبية مطالبهم الانتفاعية.
وفي النهاية: من منهم ليس على رأسه بطحة فليرمني أنا بحجر... إذا إستطاع!  

الخميس، 5 سبتمبر 2013

الدخول إلى الحظيرة !


الوزير صابر عرب



بقلم: محدي الطيب

نقلا عن جريدة الجريدة الكويتية عدد 2 سبتمبر 2013

  لم ينس د.محمد صابر عرب وزير الثقافة المصري أن بينه والناقد السينمائي المصري أمير العمري ثأراً دفيناً، بعدما قال الأخير إن "الوزير" جاء للثقافة من باب تدريس التاريخ في جامعة الأزهر،وليس من باب الإبداع الفني والأدبي والفكري، كما اتهمه بإهدار المال العام،بعد اتخاذ قرار إسناد إدارة مهرجان القاهرة السينمائي إلى ما أصطلح على تسميته "الحرس القديم"، تجاهل الجهود التي بذلتها المؤسسة التي يترأسها الناقد يوسف شريف رزق الله في إقامة المهرجان، وحذر من خطوة إعادة الإدارة القديمة حتى لا يفهم منها أنها تمثل عودة إلى الوراء، ونكوص عن التعهدات المنادية بالتغيير، وهو الخلاف الذي تجدد واحتدم، عقب امتناع الوزير عن اتخاذ قرار التجديد ل "العمري" مديراً لدورة تالية لمهرجان الإسماعيلية السينمائي، بعد الدورة الخامسة عشر التي افتتحت في 23 يونيو من العام 2012. 
  تذكر الوزير تلك الاتهامات، التي سجلها "العمري" في بيان بتاريخ  17 فبراير 2013، اختتمه بقوله :"ها أنا أرحل مع انتصار الثورة المضادة في مصر"،ومع أول خطوة للوزير داخل مكتبه،بعد عودته إلى منصبه كوزير للثقافة،عمد إلى إلغاء قرار د.علاء عبد العزيز وزير الثقافة السابق، في 13 مايو من العام 2013، بتعيين الناقد أمير العمري رئيساً للدورة السادسة والثلاثين لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، المقرر عقدها في نوفمبر القادم، وفي تصعيد جديد للمعركة شكك في الذمة المالية للناقد "العمريواتهمه بارتكاب تجاوزات خطيرة، والاستيلاء على أصول تخص المهرجان خلال فترة رئاسته للمهرجان، من دون أن يقدم أي دليل على ادعاءاته ! 
  من قبيل تصفية الحسابات نجح د. صابر عرب في الإطاحة بالناقد أمير العمري لكنه عجز عن اختيار البديل؛ حيث اعتذرت النجمة يسرا، وقوبل قرار إعادة "الحرس القديم" برفض قاطع، ومن ثم صدر القرار بتعيين مجلس إدارة للمهرجان، برئاسة الناقد سمير فريد، لكن المجلس صدم الجميع، في أول اجتماع له،بحضور د. محمد صابر عرب وزير الثقافة،عندما قرر،بالإجماع، إلغاء دورة هذا العام المزمع انطلاقها في نوفمبر القادم، وتأجيلها إلى سبتمبر من العام 2014 ! 
  حدث هذا، على رغم أن الناقد أمير العمري وافق، عقب توليه منصبه كرئيس للمهرجان مطلع يوليو الماضي، على تحمل المسؤولية كاملة، وبدأ التجهيز لإقامة الدورة المقبلة، من خلال تأسيس منظومة عمل تراعي المعاييرالعملية والفنية، ولا تعرف الطريق إلى العشوائية، وأعلن عن نجاحه في اختيار الفيلم الفرنسي "الماضي" ليكون فيلم الافتتاح، بعد حصوله على موافقة شخصية من المخرج الايراني أصغر فرهادي، كما أصر على المُضي قدماً في إقامة الدورة في ظل ظروف بالغة السوء !   
  لم يهرب "العمري" أو يتنصل، مثلما لم يجرؤ على إلغاء الدورة أو تأجيلها، ومع هذا لاقى جزاء سنمار،في حين أقدم ما سمي بمجلس إدارة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي على اتخاذ قرار إلغاء دورة هذا العام، ولم يكتف بهذا القرار الصادم لكنه بشرنا، وهو الذي فشل في أول مهامه، بأنه سيدير دورة 2014، وأعلن عن "خارطة طريق" الدورة الجديدة، وكأنه "مجلس أبدي"، بينما كانت مشكلة "العمري" لحظة تكليفه بإدارة مهرجان الإسماعيلية بأن العقد لا ينبغي أن يزيد عن سنة مالية واحدة،حسبما قالت الشؤون القانونية، وزعمت أنه شرط وزير المالية،وبالفعل تم تحرير العقد معه لمدة خمسة أشهر فقط ! 
  وافق "العمري" على رئاسة مهرجان القاهرة السينمائي ليقينه بأنه مهرجان المصريين،وليس مهرجان وزارة الثقافة، التي لم تتردد في عهد د.محمد صابر عرب نفسه في التضييق على المهرجانات السينمائية،كما فعلت مع مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية،ولم يشغل "العمري" باله بقضية حماية مهرجان القاهرة السينمائي من زوال الصفة الدولية،في حال إلغاء الدورة؛كونها أكذوبة يروج لها البعض في الوقت الذي يختار؛بدليل أن أحداً لم يُشر إلى هذه القضية رغم قيام "مجلس الوزير" بإلغاء الدورة المقبلة ! 
  أدافع عن "العمري" لأنه أعلن الحرب على الفوضى والفساد في مهرجان القاهرة السينمائي،واستمات في تحريره من قبضة الفاشلين، والدفاع عن استمراره،والحفاظ على استقلاليته،ولأنه آمن أنه مهرجان السينمائيين والمثقفين، وليس الموظفين في وزارة الثقافة، وكنت أتصور أنها عوامل كافية لكي تؤهله للامساك بزمام المهرجان، وتدفع الحماعة السينمائية والثقافية لدعمه في مهمته، والشد من أزره، بدلاً من التشكيك في نواياه، واتهامه بالخيانة، والسعي إلى إقصائه،وهي المهمة التي نجحوا فيها بعد ما أثبتوا أن الشوق يقتلهم لدخول "الحظيرة" ! 
جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger