الجمعة، 9 سبتمبر 2011

يوميات مهرجان فينيسيا 6

أوشكت دورة مهرجان فينيسيا 2011 على نهايتها، وغدا السبت يتم اعلان أسماء الأفلام الفائزة.وكالعادة نتوقع مفاجآت قد تأتي مخيبة لتوقعات البعض منا أو آمالهم. وهذا يحدث كثيرا في فينيسيا تحديدا. ونتوقع فوز فيلم أمريكي بجائزة أساسية، كما نتوقع فوز فيلم فرنسي وفيلم ايطالي وفيلم آسيوي من الصين تحديدا وفيلم آخر من بريطانيا.
الفيلم الأمريكي المتوقع فوزه هو "جو القاتل" لوليم فريدكين، والفيلم الفرنسي هو "مذبحة" لبولانسكي، كما يمكن ايضا حصول الفيلم الفرنسي "دجاج بالخوخ" على احدى الجوائز الرئيسية، والفيلم البريطاني هو "العار"، والفيلم الصيني هو فيلم المفاجأة "أناس يصعدون الجبل وأناس يتفرجون" أو "العيش بدون مباديء"، ونتوقع فوز بطل فيلم "اخر رجل على الأرض" الايطالي بجائزة أحسن ممثل أو حصول مايكل فاسبندر عليها عن دوره في فيلم "العار"، وحصول كيت وتسيلت أو جودي فوستر بجائزة أحسن ممثلة عن دوريهما في فيلم "مذبحة".
ولكن طبعا المفاجآت واردة وقد يفوز الفيلم الايطالي "البر الأخير" بالجائزة الكبرى- الأسد الذهبي نظرا لأهمية موضوعه وبراعة معالجته. لكن التوازنات دائما تلعب دورا أكيدا ومؤكدا في سوق الجوائز. وكما فاز فيلم اسرائيلي ضعيف في مهرجان كان بجائزة أحسن سيناريو يمكن جدا أن يفوز الفيلم الاسرائيلي "المبادلة" بجائزة مشابهة في حين أنه لا يستحق اصلا أن يوجد في المسابقة.
وبشكل عام الدورة جيدة، والمسابقة قوية، وقد استمتعنا بعدد كبير من الأفلام الممتازة فنيا والتي سنكتب عنها تفصيلا فيما بعد.
وقد عرض أمس واليوم الفيلم المصري "الطيب والشرس والسياسي" عن الثورة المصرية اخراج ثلاثة مخرجين، ونال تصفيقا من جانب الجمهور استمر أكثر من 5 دقائق في القاعة الرئيسية بقصر المهرجان بسبب قوة تأثيره وتعبيره عن روح الثورة.

الأربعاء، 7 سبتمبر 2011

يوميات مهرجان فينيسيا 5




 

لا أصدق أحيانا بعض ما أقرأه فيبدو لي أن الجميع أصبحوا مجاملين ويميلون للمهادنة وكأنهم يتعيشون من صناع الأفلام، وكأن النقد انحط لدرجة أن أصبح لابد أن يمتدح الناقد حتى الأفلام الصغيرة المحدودة جدا في أفقها، الفاشلة تماما في توصيل فكرتها، ويتصور البعض أنه هكذا أي عن طريق المبالغة في قيمة أفلام تافهة لا تعكس أي موهبة، يمكن أن تتطور السينما العربية أو الأفلام التي تصنع في العالم العربي فأنا من الذين مازالوا يؤمنون بضبابية اصطلاح "السينما العربية" وابتعاده عن العلم، فهل هناك صناعة سينما عربية أم نشاط سينمائي في العالم العربي، أم أفلام تظهر بالصدفة معظمها بتمويل أجنبي، أوروبي، وأحيانا خليجي؟!

لا أفهم مثلا أن يكون فيلم ما "لم ينجح ولم يفشل.. ولكن!) أو هو "ليس جيدا وليس سيئا ولكن.." هذا النوع من النقد يثير ريبتي فيمن يكتبه ويجعلني أتوقف طويلا أمام فكرة: هل هناك منهج نطبقه على كل الأفلام، أم أن هناك مناهج متعددة على طريقة "لكل مقام مقال".. أي هل نحن نتعامل مع الفيلة الذي يقول عن نفسه أنه فيلم فلسطيني مثلا بنوع من الشفقة والرحمة والتعاطف لأنه "فلسطيني" وإلا، إذا تعاملنا معه تعاملنا مع أفلام كبار السينمائيين في العالم أي بدون أي مجاملات وبمنهج واضح وصارم، نكون نتجنى على القضية الفلسطينية ونقلل من شأنها مثلا!

وهل الفيلم "الوطني" أي الذي ينتمي الى البلد الذي منه جئنا يستحق معاملة "خاصة" مثلا؟ أم أنه فيلم مثل غيره من الأفلام، وأن الولاء يجب أن يكون أولا للفيلم الجيد وليس للبلد الذي ينتمي اليه، بالمعنى الفني والفكري طبعا، فالانتماء الوطني شيء والحكم على الأعمال الفنية يجب أن يكون شيئا آخر.

لكني أقرأ أشياء عجيبة للغاية يكتبها بعض الصحفيين الذين يكتبون في السينما، فهم يميلون الى التهليل للفيلم ؟الوطني" أي القادم من بلادهم بغض النظر عن مستواه، وأحيانا بدعوى "دعونا نشجع الانتاج المحلي" وكأننا جزء من جمهور كرة القدم، وكأن الفيلم السينمائي (وهو منتج فردي يفترض أنه يعبر عن الفنان الذي صنعه) يعادل منتخب كرة القدم الوطني يجب أن يصطف الجميع وراء وإلا اعتبروا من الخوارج أو الذين لا يتمتعون بالولاء الوطني أو كل هذه الترهات!

وأنت تتابع مهرجانا كبيرا بحجم مهرجان فينيسيا، عادة ما تطرح مثل هذه التساؤلات أو تفرض نفسها عليك وأنت تقرأ يوميا الكثير جدا من الكتابات السريعة الاستهلاكية التي لا تقول لك شيئا خصوصا عندما يتعلق الأمر بفيلم "لبناني أو مصري أو فلسطيني أو جزائري".. بل يميل "البعض" أيضا أحيانا الى تصفية حسابات "إقليمية" مع نوعية معينة من الأفلام.. مثل الفيلم المصري مثلا، الذي اعتبره- ولايزال- كثير من الكاتبون بالعربية من الصحفيين، سبب تدهور الأمة العربية.

وربما يقف كاتب ما بكل اجلال وتقدير أمام فيلم كازاخستاني مثلا لمجرد أنه يريد أن يقول لك أنه "ولد مكتشف ويفهم في السينما الكازاخستانية.. خبير بها وبتياراتها" في حين أنه لم يشاهد مثلا 99 في المائة من الانتاج المصري.. ربما غير أفلام يوسف شاهين التي تعتبرها البعض لسنوات طويلة بديلا عن السينما المصرية بل ان البعض أيضا اعتبرها تعبيرا عن عبقرية "غير مصرية" في حين أن أفلام شاهين التي لمن يكتبها كتاب غيره هي أفلام مشكوك بشدة في قيمتها ومستواها مهما ألف بعضهم كتبا ضخمة غير قابلة للقراءة بل تصلح أساسا، للإلقاء بها في مزبلة التاريخ بسبب عقمها وتفذلكها وابتعادها بشكل مريب عن الموضوعية التي هي المدخل لاحترام أي كتابة من أي نوع!

عموما لا أرى أن التخلف قاصر على أبناء يعرب من "الصحفجيين" (أي الذين ينشرون في الصحافة السائدة) فقط، فقد حدث ذات مرة أن طاردت مجموعة من الصحفيين البريطانيين والسينمائيين أيضا، المخرج الانجليزي الكبير ليندساي أندرسون على سلالم قصر مهرجان كان يريدون الاعتداء عليه، ووجهوا له سيلا من الشتائم والاتهامات بالخيانة الوطنية وتشويه الوطن، بعد عرض فيلمه "مستشفى بريطانيا" في المهرجان!

وياحبيبي... لكي تتصرف هكذا مع الأفلام القادمة من بلدك، ويكون معيار الحكم عليها هو مقدار "ولائها" الوطني بالمفهوم الشوفيني القاصر، لابد أن يكون "راسك خربان" جدا!

الأحد، 4 سبتمبر 2011

يوميات مهرجان فينيسيا 4




من الظواهر البارزة هذا العام في مهرجان فينيسيا السينمائي وجود عدد كبير نسبيا، من الأفلام التي تعتمد على أصول أدبية أو مسرحية.
 
من أبرز هذه الأفلام فيلم "مذبحة" Carnageلرومان بولانسكي المقتبس عن مسرحية  فرنسية، وفيلم "منهج خطر" لديفيد كروننبرج المقتبس أيضا عن مسرحية الكاتب الانجليزي كريستوفر هامبتون، وفيلم "مرتفعات ويذرتج" لأندريا أرنولد المقتبس عن الرواية الشهيرة بالعنوان نفسه للكاتبة الانجليزية اميلي برونتي، وفيلم "دجاج بالخوخ" لماريان سوترابي وزميلها الفرنسي فنسنت بارونو وهو مقتبس عن رواية لماريان سوترابي صدرت عام 2004، وفيلم "المتجول، الخياط، الجندي والجاسوس"لتوماس ألفريدسون المأخوذ عن رواية لكاتب أدب الجاسوسية البريطاني الشهير جون لوكاريه، و"فاوست" لألكسندر سوكوروف عن رواية جوته الشهيرة.. وغير ذلك.
 
ولاشك أن الأصل الأدبي لا يؤثر بالضرورة على مستوى الفيلم السينمائي إذا عرف المخرج وكاتب السيناريو كيف يستفيدان من العمق في بناء الشخصيات، وهو ما يوفره الأصل الأدبي عادة، مع اعادة صياغة الحبكة والأحداث بحيث تلاءم لغة السينما التي تقوم على الصوت والصورة، أي على الحوار وعلى المؤثرات الصوتية الأخرى بما فيها الموسيقى.
 
كما تقوم أيضا، بل وأساسا، على الصور واللقطات وعلى العلاقة بينها، وعلى تفاصيل أخرى كثيرة ترتبط بالمونتاج وبالاضاءة وبكل ما يقع داخل الكادر السينمائي (الميزانسين). وسواء كنا من أنصار مدرسة ايزنشتين التي تعلي من شأن المونتاج، أم من أنصار مدرسة أندريه بازان التي ترفع من شأن الميزانسين، فالسينما شكل فني يختلف بالضرورة عن الأدب المكتوب (الذي يعبر فيه الكاتب من خلال وسيط واحد هو الكلمة فقط).
 
وقد دهشت من الرأي الذي قرانه أخيرا للزميل الناقد سمير فريد في "المصري اليوم" وخلاصته أن فيلم "مذبحة" لرومان بولانسكي هو فيلم ينتمي إلى "السينما الخالصة"، وإنه ليس من الممكن فهم أي شيء مما يتناوله من خلال الحوار وحده. وهو ما أختلف معه تماما.
لو القضية هنا هي قضية مفاهيم يجب مناقشتها بكل صراحة، لأنني أرى أن  مثل هذه الآراء التي لا تخضع للنقاش والمناقشة والجدل (وهو أمر أصبح غائبا بشكل مثير للرثاء حقا عن حياتنا الثقافية والنقدية) يتم تكريس مفاهيم معينة لدى الأجيال الجديدة من دارسي السينما وعشاقها وهواتها أيضا.
 
إن فيلم "مذبحة" كما ذكرنا، مقتبس عن مسرحية لياسمين رزا (أو رضا - لا نميل لتعريب الأسماء بل الأفضل في رأينا كتابتها كما يكتبها وينطقها أصحابها وهم في ايران يقولون "رزا Reza وهكذا يكتبونها). هذه المسرحية أخلص لها بولانسكي ومن شاركه كتابة السيناريو اخلاصا شديدا، فقد أكسبوها الحياة في السينما عن طريق "الميزانسين" الذي روعي فيه الاهتمام بالتكوين وتنويع اللقطات وزوايا التصوير وضبط الاضاءة واختيار قطع الديكور بمهارة حذق، وتحريك الممثلين. غير أن الفيلم بعد هذا هو أساسا وقبل أي شيء، فيلم تمثيل وممثلين، وهذا هو العنصر الأكثر بروزا فيه، وكل عامل فني آخر تم تسخيره لخدمة الأداء التمثيلي.
 
ولاشك أن للكتاب سحره لأنه يتيح لك أن تتخيل أنت الصور والشخصيات كما تشاء، كما أن الصورة السينمائية تجسد من خلال رؤية المخرج، تلك الشخصيات وتدفع فيها الحياة، لكن يظل للمسرح بالتأكيد سحره الخاص، فهو يجعلك تتفاعل مع الممثلين بشكل مباشر وبدون وسيط يختار لك زاوية المشاهدة.
 
في الكتاب أنت ترى ما تريد أن تراه بالطريقة التي تحلو لك. وفي المسرح أنت ترى الممثلين وهم يستخدمون الحوار أمامك مباشرة، وفي السينما تراهم يستخدمون الحوار (المسرحي) ولكن من خلال زوايا التصوير وقطعات الانتقال عبر المونتاج للمحافة على سلاسة التدفق، ولا شيء غير ذلك.
 
المسرح إذن هو المسرح، والسينما لها لغتها التي تختلف بالضرورة عن لغة المسرح. واختيار مسرحية لتحويلها الى السينما يجعلها في الأغلب الأعم، خاضعة بشكل ما للغة المسرح ولكن بدون الاطار المسرحي وتقاليده المعروفة وجاذبيته الخاصة، فكيف يمكن القول ان فيلما مثل "مذبحة" لا يتجاوز أبدا النص المسرحي ويعتمد بالكامل على الأداء أي على الحوار أيضا، هو من أعمال "السينما الخالصة" وإنه ليس من الممكن أبدا الالمام بموضوعه من خلال الحوار فقط؟!
 
نعم بل يمكن تماما متابعته عن طريق الحوار فقط وفهم محتواه ولكن المتعة الفنية لن تكتمل إلا بمشاهدة الممثلين في اطار الديكور المسرحي والاضاءة، أو من خلتال زاوية الصورة السينمائية في الفيلم. وهذا لا يجعل من "مذبحة" بأي شكل من الأشكال، عملا من أعمال "السينما الخالصة"، فهذه السينما لا يمكن أبدا ردها بكل بساطة الى الأصل المسرحي، في حين يمكن جدا ومن أول لقطة بل ومن الصور الثابتة الصحفية التي وزعت للفيلم قبل عرضه، معرفة أنه مسرحية مصورة سينمائية.

يوميات مهرجان فينيسيا 3



لاشك أن ديفيد كروننبرج يقدم لنا عملا رصينا متوازنا، في فيلمه "منهج خطير" A Dangerous Method المشارك في مسابقة مهرجان فينيسيا والمأخوذ عن مسرحية الكاتب الانجليزي كريستوفر هامبتون "العلاج المتكلم" The Talking Cure

نحن أمام ثلاثي شهير في عالم الطب النفسي: البروفيسور والعالم الكبير سيجموند فرويد، وتلميذه الباحث والعالم المرموق فيما بعد كارل جوستاف يونج، وسابينا شبيلرين.. اليهودية الروسية الشابة التي تصادف أنها كانت المريضة الأولى التي يتعامل معها تلميذ فرويد، "يونج" ويقع في حبها ويقيم معها علاقة حسية جارفة (رغم كونه متزوجا من زوجة ثرية)، قبل أن يوقف هذه العلاقة بعد أن بدأ يتشكك في أنها قد تكون نتيجة خطة دبرتها سابينا، وما يتركه أثر هذه العلاقة على سابينا نفسيا.
سابينا.. طالبة الطب.. التي جاءت كمريضة تعاني من تشنجات واضطرابات عقلية شديدة، تمكن يونج من علاجها طبقا لمنهج أستاذه فرويد بعد أن توصل الى أن سبب عقدتها يكمن أساسا، في الكبت الجنسي بل الشعور بالقمع والحرمان. هل كانت علاقته الجنسية بها سببا من أسباب اعتدالها وشفائها؟
في الفيلم نقاشات كثير حول منهج فرويد في التحليل النفسي الذي يقوم على ارجاع معظم الاضطرابات النفسية التي يعاني منها البشر الى العامل الجنسي: أي الجنس بكل جوانبه، من لحظة الميلاد الى ما الموت.
هذه النقطة يطرح يونج الكثير من التشكك حولها، ويناقش استاذه فيها ويختلف معه ذلك الخلاف الشهير، كما تجد سابينا نفسها طرفا بين الإثنين، في جدال طويل ومعقد حول العلاقة بين الجنس والتحليل النفسي، وبين الكبت الجنسي، وفكرة الحرية، وهل يمكن تغيير نظرة المريض نفسيا الى نفسه فقط بأن نكشف له عن سبب عقدته، أم أن من الضروري دفعه الى التطلع للقيام بنشاط ما يعيد له توازنه النفسي هل يجب قبول العالم على ما هو عليه، كما يرى فرويد أم يجب أن نطمح الى تغيير، كما يرى يونج؟
الأحداث تتواصل في الفيلم من لحظة وصول سابينا شبيلرين الى المصحة النفسية للدكتور يونج قرب ميونيخ عام 1904 حتى عام 1914 أي بعد فترة من تخرجها واعدادها رسالة عن الشيزوفرينيا، ومقابلتها لفريويد في فيينا.
ويعتمد السيناريو (شأنه في ذلك شأن المسرحية المقتبس عنها) على ما ورد في الرسائل المتبادلة بين يونج وسابينا وفرويد والتي اكتشفت في شقة بزيورخ عام 1977.
الفيلم يقوم بالطبع على تلك المناقشات الذهنية والعلمية التي تصل الى المتفرج من خلال التمثيل البارع للثلاثي المشارك في الفيلم: فيجو مورتنسن (فرويد)، مايكل فاسبندر (يونج)، وكيرا نايتلي (سابينا). والثلاثة تفوقوا في أداء أدوارهم، وبدت حنكة وخبرة كروننبرج واضحة في السيطرة التامة على الأداء، ودفعه في الاتجاه الصحيح بحيث تمكن من خلق كيمياء خاصة بين الممثلين الثلاثة ساهمت في إضفاء الواقعية على الفيلم.
لكن يجب القول إن هذا فيلم تقليدي تماما في حبكته وفي بنائه وتصميم مناظره وأسلوب اخراجه. هنا اهتمام واضح بكل التفاصيل المتعلقة بالفترة: الملابس والاكسسوارات والديكورات والاضاءة التي تضفي طابعا خاصا يوحي بفترة وقوع الأحداث، وحركة الكاميرا المقتصدة والمحسوبة بدقة (في المشاهد التي تجسد الحالة العقلية لسابينا في البداية)، والاعتماد في الانتقال السلس من لقطة إلى أخرى على وسيلة القطع.
ورغم براعة الإخراج والتمثيل ومتانة السيناريو (وضوح الشخصيات ورسمها جيدا) والحوار المتدفق الحيوي الذي لا نلمح فيه أي أثر للافتعال أو للنقل من كتب التاريخ، لا نتوقع أن يكون للفيلم نصيب كبير في سباق الجوائز في فينيسيا على عكس التوقعات الكبيرة المحيطة به، فهو لاشك يختلف تماما عن أفلام كروننبرج المميزة السابقة، كما أنه سيجد صعوبة في منافسة أفلام أخرى أقوى بدأت في الظهور مبكرا.. ليس أقلها بالطبع فيلم بولانسكي (المسرحي أيضا).

* سبق أن شاهدت في مهرجان لوكارنو قبل عشر سنوات (وكنت عضوا في لجنة تحكيم اسبوع النقاد) فيلما تسجيليا طويلا بديعا بعنوان "كان إسمي سابينا شبيلرين" من اخراج المخرجة المجرية اليزابيث مارتون. ولكنه لم يكن فيلما وثائقيا، بل كان يعتمد أساسا على إعادة التمثيل أي باستخدام ممثلين لاعادة مقاطع حياة سابينا ممزوجة بالوثائق والصور الفوتوغرافية واللقطات القديمة من تلك الفترة، وكان أيضا يعتمد على ما كشفت عنه الرسائل المتبادلة بين الثلاثي والتي عثر عليها في شقة بزيورخ عام 1977، وقد جسدت المخرجة التي تقيم في السويد، ببراعة كبيرة العلاقة العاطفية بين سابينا ويونج (وكان في التاسعة والعشرين من عمره).. لكننا لم نمنح الفيلم الجائزة وكان أقرب إليها لأنني تمسكت بضروروة منحها لفيلم أجده كشفا في وقته هو فيلم "إنس بغداد.. يهود عرب: الرابطة العراقية" للمخرج العراقي الأصل (السويدي الاقامة) سمير.

* الممثل (دنماركي- أمريكي) فيجو مورتنسن الذي قام بدور فرويد في الفيلم، دعا خلال المؤتمر الصحفي لمناقشة "منهج خطير" من يمتلك الرسائل المتبادلة بين فرويد ويونج الى ضرورة الكشف عنها من أجل الصالح العام، ولكي يعرف العالم تفاصيل تلك الخلافات العلمية التي كانت قائمة بين الرجلين المرموقين.


* أجمل وأفضل ما عرض من أفلام حتى الآن في المهرجان كله (في رأيي الشخصي) هو الفيلم الفرنسي "دجاج بالخوخ" الذي يوحي لي بدراسة خاصة عن "تأثير الثقافات الأجنبية في السينما الفرنسية"، فوراء هذا الفيلم عبقرية من أصل إيراني هي ماريان ساترابي المخرجة التي تشترك مع رفيقها الفرنسي فنسنت بارونو في الاخراج، وسبق لهما أن أدهشانا بفيلم الرسوم "برسيبوليس"، وهي أيضا ممثلة وكاتبة ومقدمة تليفزيونية. موهبة خارقة لاشك. وسأعود للكتابة عن الفيلم تفصيلا.


جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger