السبت، 4 سبتمبر 2010

يوميات فينيسيا 3: في مكان ما.. معروف لكن غير محدد


مازال الوقت مبكرا كثيرا للحكم على أفلام مسابقة المهرجان. وتقييم المسابقة جزء أساسي من عمل أي ناقد، ومطلوب، وليس فقط الكتابة المتفرقة عن الأفلام خارج السياق الذي تعرض فيه، وحكمنا على قيمة أي مسابقة لا ينبع من الجري وراء الصرعات الصحفية، أو التنبؤات الإعلامية السطحية، أو حتى مجرد التعامل الخارجي المظهري مع الحدث، ولكن الرغبة في التعلم والاستفادة من التجربة، واطلاع القاريء المهتم، على الأسس التي نحكم من خلالها على نجاح المسابقات بين الأفلام في هذا المهرجان أو ذاك. وإلا فما فائدة مشاهدة الأفلام في سياق مسابقات محددة، تحكمها اختيارات محددة، وتحصل في النهاية الأفلام الفائزة طبقا للجنة تحكيم محددة ومعروفة سلفا، على جوائز محددة!
هناك حتى الآن، تنوع واضح في الأفلام والاتجاهات الفكرية، رغم غلبة تيمة البحث عن معنى في عالم فقد فيه الكثير من الأشياء المعنى والهدف.
هذا المفهوم العام المشترك، تشترك فيه أفلام من روسيا، ومن فرنسا، ومن أمريكا، ومن اليابان.
هذا "الضياع" أو ضياع المعنى، إذا جاز التعبير، أو الإحساس بالاغتراب عن الواقع يتجسد تماما في فيلم المخرجة صوفيا كوبولا الجديد "في مكان ما"، وهو عنوان مجرد لموضوع فيه أيضا الكثير من عناصر التجريد رغم أنه يعرض لجوانب انسانية في سياق أقرب إلى السيرة الذاتية.
علاقة فتاة صغيرة في العاشرة من عمرها، بوالدها النجم السينمائي الشهير، الذي يتحول إلى كيان فاقد للإحساس بما يجري حوله فقد أصبح عبدا في آلة جهنمية تجعله يجاهد لكي ينتزع فرصة للاختلاء بابنته وقضاء بعض الوقت في نزهة بريئة معها، ويلجأ من أجل ذلك إلى الفرار من ملاحقيه: من الإعلام إلى الفتيات طالبي الشهرة، إلى الإغواء المتمثل في الجنس، إلى حياة القلق والتوتر التي تجعله يستأجر فتاتين متشابهتين في كل شيء لتأدية عرض جنسي مثير كل ليلة، فقط من أجل أن يستطيع الاسترخاء ثم النوم.
الأرق هي السمة المميزة لهذه الشخصية التي تتأملها الابنة في نضج وفهم كبيرين، ودون أن تفقد أبدا حبها له. وفي لحظة تألق ما تلمع في ذهنه، يقرر الأب أن يعيش مع هذه الابنة الرائعة أجما أوقات حياته قبل أن يودعها.

فيلم شخصي حميمي يطرق بابا جديدا في العلاقة بين الأب والابنة، وبين الفنان الذي يحتاج إلى الهدوء والاسترخاء لكنه يجد نفسه أيضا مستلبا بالإغواء الجنسي تارة، وأضواء الإعلام ونمط حياة المشاهير تارة أخرى.
وهناك سخرية من الإعلام السائد في إيطاليا التي يتنقل لها البطل حيث يحتفى به، ومن الطابع الذي خلقته ورسخته تحديدا الشبكات الاعلامية التي يمتلكها سلفيو بيرلسكوني، رغم حصول الفيلم على تمويل من شركته "ميديا ست".
معالجة صوفيا كوبولا للموضوع تأتي في إطار خفيف، يغلب عليه الطابع الكوميدي والمبالغات، سواء في رسم المواقف، أو في أداء الشخصية الرئيسية ومن حولها، لكن تحت جلد الكوميديا في الفيلم، تنبع الكثير من المواقف الانسانية العذبة. وهذا هو ما يبقى من الفيلم في النهاية.

الخميس، 2 سبتمبر 2010

يوميات فينيسيا 2: "البجعة السوداء" تشوش المعالجة أضاع الفكرة



فيلم الافتتاح في دورة مهرجان فينيسيا هذا العام هو الفيلم الأمريكي المنتظر "البجعة السوداء" للمخرج المتميز دارين أرونوفسكي، صاحب فيلم "المصارع" الذي شاهدناه هنا قبل عامين، واستطاع أن ينتزع الأسد الذهبي.
لكن شتان ما بين الفيلمين، فعلى حين كان "المصارع" فيلما محدد المعالم، يستند عظم الدراما فيه إلى بناء قوي، شخصياته محدودة ومحكمة وواضحة المعالم والدوافع، تشترك معا في ذلك الإحساس بعدم التحقق، وبالافتقاد إلى الآخر، يعاني فيلم "البجعة" من سيناريو متعدد الشخصيات، محير ومربك في بنائه، ملييء بالعثرات الدرامية، والسقطات في أسلوب الإخراج، فأنت لا تعرف ما إذا كانت تشاهد فيلما من نوع الدراما النفسية، أو من أفلام الرعب، أم الثريلر (أو فيلم الاثارة والترقب)، أو الفيلم الاستعراضي الراقص!
صحيح أن تعدد المستويات يكسب أي فيلم ثراء، لكن ما هو موجود هنا ليس تعدد مستويات في السرد أو في التكثيف الدرامي للشخصيات، وخصوصا الشخصية الرئيسية وهي (نينا- ناتالي بورتمان)، بل هو اضطراب في المعالجة، في السيناريو وفي الإخراج.
المرء يحتار في تفسير سبب اختيار أرونوفسكي هذا الموضوع المربك في الأساس؟ ربما تكون جاذبية عالم الباليه، وما يوحي به من غموض ممزوج بالسحر، بالصراع الداخلي، أي داخل النفس.

والموضوع هو باختصار وبساطة، يدور حول الراقصة الشابة الطموح (نينا) التي تتطلع للحصول على لقب نجمة الفرقة، وأن تضطلع ببطولة العرض القادم للمخرج الطموح توماس الذي سيقدم فيه معالجة جديدة للباليه الروسي الشهير "بحيرة البجع" الذي وضع موسيقاه الموسيقار العبقري تشايكوفسكي (1875-1876). ولكن توماس رجل سمعته تسبقه، فمعروف عنه أنه يقيم علاقات جنسية مع بطلاته. وهو يحاول إقامة مثل هذه العلاقة معها، لكنها ترفض، ليس من زاوية الكرامة، بل لأنها لا تشعر بالجنس كما تشعر به أي فتاة عادية بسبب عقدها الشخصية. ويدفعها توماس إلى التعرف على جسدها، فتمارس الاستمناء، لكن حتى هذه العادة لا تكتمل بسبب عقدة الاحساس بالقهر والخوف من الأم، ويتضح أن الأم كانت ضحية علاقة لم تكتمل مع رجل هجرها، قبل أن تنجب ابنتها التي تخاف عليها كثيرا، وتحاصرها، تريد أن تعرف كل خطوة من خطواتها وتمارس عليها القمع الشديد أحيانا بدافع خوفها هذا، فهي لا تريدها أن تلقى المصير نفسه الذي لقيته.
بعد ذلك، أو انطلاقا من هذه العقدة، تتقاطع الكثير من مشاهد الخيال، مع مشاهد الواقع، فنينا تتخيل أن هناك فتاة منافسة في الفرقة تريد الحصول على الدور الرئيسي وحرمانها منه، ولذلك لا تتردد في اقامة علاقة جنسية كاملة مع توماس، كما تنجح في إغواء نينا نفسها، وتمارس معها السحاق تحت تأثير المخدر، ثم تحصل على الدور، لكن نينا تقتلها وتخفي جثتها، وعندئذ تتحرر وتؤدي العرض الأول لها في دور البجعة السوداء، التي تختلف تماما في عنفوانها عن باقي البجع (الأبيض)، وتنتج وينجح العرض وتعود نينا إلى نفسها وتوازنها بعد أن قتلت في داخلها تلك النرجسية، وذلك القمع الذي تفرضه على نفسها وعلى رغباتها.
في خضم هذا الموضوع هناك عشرات الاستطرادات، والتفاصيل، كما أن هناك تكرارا، وثرثرة بصرية، وميلا إلى النقلات السريعة بين مشاهد لا يمكن للمتفرج أن يعرف مبكرا في الفيلم، ما اذا كانت تدور في الواقع أم في الخيال، بل والأهم، أننا لا نستطيع أن نتعاطف مع الشخصية الرئيسية، ولا أن نفهم سر أزمتها تماما، ولا نفهم لماذا يصدمنا المخرج بين حين وآخر، بما حل عليها من تطور بيولوجي (مثير لتقزز المتفرج)، يجعل جلدها ينتزع بسهولة أو يتقشر، ويجعلها تنزف من أماكن متعددة في جسدها، بل ونراها في أحد المشاهد وقد انكسرت ساقاها، وعندما تغلق الباب على يد أمها، نرى الأم في المشهد التالي وهي سليمة تماما. وهكذا، يساهم هذا المزج المتكرر بين الواقع والخيال، في تشتيت التركيز لأنه مصنوع بطريقة رديئة، أي أنه غير مركب معا ببراعة وفي إيقاع مناسب، يتيح لنا الفرصة للتأمل ولو قليلا، في أزمة تلك الفتاة.
نينا تنزع أيضا بعض الريشات السوداء التي تنبت داخل جلدها، دلالة على أنها بدأت تصاب بهلوسات، تتخيل فيها نفسها وقد أصبحت بجعة، ونكتشف أن النزيف الجلدي الذي قد يكون سببه حك الجلد بالأظافر، قد يكون خيالا أو تجسيدا جسمانيا للاضطراب النفساني، كما لو أن جلد نينا قد أصبح جلدا رقيقا مثل جلد البجعة. بل إننا نراها في المشاهد النهائي وهي ترقص وقد نبت لها جناحان من الريش الأسود تماما مثل جناحي البجعة!
صحيح أن ناتالي بورتمان نجحت كثيرا في التعبير عن تمزق الشخصية، كما نجحت باربره هيرشي في دور الأم، وفنسنت كاسل في دور توماس، وصحيح أن هناك الكثير من المشاهد الجيدة التنفيذ في الفيلم، وصحيح أن المشاهد الأخيرة للاستعراضات تسحر الألباب، لكن المشكلة أن كل هذه العناصر، لم توضع وتولف وتوظف معا في إطار يتمتع بالوحدة الفنية، والسبب، يعود في رأيي إلى ضعف السيناريو وخلوه من الأبعاد التي يمكن أن تساعد على تكثيف الدراما أكثر، كما كان الحال في "المصارع"، فأفلام من هذا النوع تحمل عادة رؤية ما أو فلسفة إنسانية معينة، من وراء تصوير تلك الشخصيات، لكنها لا توجد هكذا من فراغ، وتذهب بالتالي، إلى الفراغ!

الأربعاء، 1 سبتمبر 2010

يوميات فينيسيا 1: "الأكورديون" يعرض في غياب جعفر بناهي


  • افتتاح "أيام فينيسيا" يتحول إلى مظاهرة سياسية ضد إيران

    على العكس من كل التقارير الاخبارية التي بثت ونشرت خلال الأيام الأخيرة، والتي تؤكد على حضور المخرج الإيراني جعفر بناهي (50 سنة) الدورة 67 من مهرجان فينيسيا السينمائي (المعروف باسم الموسترا ديلا تشينما، أي معرض السينما) لم يتمكن بناهي من مغادرة إيران بعد أن رفضت السلطات السماح له بالسفر لحضور العرض العالمي الأول لفيلمه القصير "الأكورديون" الذي عرض الأربعاء الأول من سبتمبر في افتتاح القسم الذي يعرف باسم "أيام فينيسيا" (أو أيام المؤلفين) مع الفيلم الفرنسي الروائي الطويل "ضجيج الثلج" للمخرج الشهير برتران بلييه الغائب عن السينما منذ خمس سنوات.
    قام بتقديم الفيلم الإيراني القصير أحد زملاء وأصدقاء بناهي وهو يعيش في أمريكا، وأخذ يلقي كلمة طويلة أطول من الفيلم نفسه، وجه خلالها انتقادات للنظام الإيراني، وطالب بحرية التعبير وقال إن السلطة الإيرانية تعتبر مشاهدة الأفلام في دار العرض جريمة (يقصدد اجتماع الرجال والنساء في ظلام القاعة!)، كما طالبها باطلاق حرية بناهي في السفر، وأخذ يصول ويجول والجمهور يصفق، ثم بدأ يقرأ كلمة أو رسالة أرسلها بناهي من ايران إلى جمهور المهرجان، ثم يتناول مدير التظاهرة الميكروفون ويلقي هو الآخر كلمة حماسية. وأخذت أتطلع حولي وربما ظننت في لحظة أنني قد اكون الوحيد الذي لا يشارك "القطيع" التصفيق والتهليل، ليس لأنني من أعوان أو أنصار أو مؤيدي نظام الملالي الفاشي في إيران، فلاشك عندي في قمعيته ودمويته واحتكاره الحديث باسم الحقيقة المطلقة، واليقين المطلق، ويكفي أنهم يطلقون على شيوخهم الكبار "آيات الله" و"روح الله" وما إلى ذلك من هذه التخاريف والخزعبلات!
    لكني في الواقع أرفض أن تستخدم إيران، كما كان يستخدم الاتحاد السوفيتي في الماضي (مع الفارق بينهما بكل تأكيد) ككبش فداء من أجل البقرة المقدسة أي إسرائيل، التي جعلت من إيران في المحيط الدولي شيطانا رجيما فقط لأن إيران ترغب في الحصول على تكنولوجيا نووية!
    وهذا هو المغزى الخطير في التهليل والتصفيق الذي يجري في فينيسيا باسم الحق والعدل والديمقراطية والسلام، بينما تترك إسرائيل تعربد منذ سنة 1948 دون أي تظاهرة مشابهة في فينيسيا أو غيرها، بل وقد تجرأ اللوبي الموالي لإسرائيل، تلك الدويلة اللعينة التي تجسد كل ما هو شرير في التاريخ البشري، التي ابتلي بها الشرق الأوسط، ووضع صورة فوتوغرافية كبيرة للجندي جلعاد شاليط، فوق تمثال الحياة الشهير الموجود في أهم ساحة تاريخية في روما، وهي الساحة التي صممها مايكل أنجلو، مع ما في الصورة الحديثة لهذا الجندي التافه من إهانة لكل التاريخ الروماني وتاريخ عصر النهضة، الألأمر الذي دفعني عندما كنت في زيارة إلى روما أن أدخل إلى المتحف الموجود في تلك الساحة وأتحدث مع المدير قائلا له إنني لاحظت وجود صورة لشخص مجهول تشوه الساحة، فهل الذين علقوها استأذنوا منكم فما كان منه الا أن قال لي إن البلدية هي التي سمحت بتعليق هذه الصورة. فعدت أقول له: وهل هذا بطل قومي روماني، وهل يحق لكل انسان (عملا بالديمقراطية) أن يعلق صورة بطله، وهل يسمح لي في هذه الحالة بتعليق صورة هتلر مثلا اذا افترضنا أنني أعتبره بطلا لي!!
    عودة إلى تلك الأمسية التي أفسدها حديث السياسة، والتظاهرة المدفوعة التي تتناقض بالكامل، مع ما يحدث الآن، بعد أن أصبح رئيس الحكومة الإيطالية بيرلسكوني ينام في سرير واحد مع أجهل وأبشع الحكام العرب في التاريخ الحديث، والفضيحة العربية الدائمة المتكررة منذ 40 عاما، أي المدعو معمر القذافي، المعروف بأنه "يحشش" لكي يستوحي أفكارا جذابة على شاكلة أن "الجماهير لا يجب أن تتفرج على 11 لاعبا للكرة في الملعب بل يجب أن تنزل الجماهير لكي تمارس اللعبة بنفسها لا تتفرج عليها فالرياضة ممارسة وليست فرجة)، أو ما سبق أن "أفتى" جنابه به قبل سنوات حين قال إن الكتاب الأخضر (الذي جادت به قريحته) تنبأ بسقوط الاتحاد السوفيتي وجدار برلين، وقال إن سقوط الجدار يؤكد أننا نعيش عصر الجماهير، وان الهامبورجر اختراع امريكي وهو عبارة عن خليط من الصراصير والحشرات من أجل تدمير الاتحاد السوفيتي!!!
    كان العالم كله على يقين من أن القذافي يحتاج إلى رعاية صحية خاصة داخل مصحات الأمراض العقلية المتخصصة على مستوى رفيع، أما الآن فقد أصبحت ايطاليا لا تمانع من وضع صورة بيرلسكوني (وهو كاذب، ومحتال، ومستغل للسلطة، وزير عاهرات محترفات) مع صورة الحاكم النكتة، الذي يحكم ليبيا بالحديد والنار هو وعائلته، تماما كما لا تمانع إيطاليا ولا يمانع الغرب الديمقراطي جدا، من تأييد ودعم حسني مبارك وعائلته التي أصبحت تمتلك مصر إلى أن يأتي الله أمرا كان مفعولا، وتغض الطرف عن سورية التي تحكمها عائلة الأسد، وقبيلة آل سعود ماصة دماء البشر التي تتحكم في ثراوات الجزيرة العربية!
    أما "الأكورديون" فهو فيلم بسيط ولاشك في جماله، رغم الرسالة الصريحة المباشرة التي يرغب في توصيلها.
    الفيلم الذي يبلغ زمنه 9 دقائق، يصور طفلا في العاشرة وشقيقته في الخامسة أو السادسة من عمرها. الولد يعزف على الأكورديون، والفتاة تضرب الطبلة والاثنان يشحذان عن طريق الموسيقى والغناء في شوارع طهران. وفجأة تكتشف الفتاة أنهما يطبلان ويعزفان أمام مسجد في المدينة، هنا يهجم عليهما رجل يصادر الأكورديون من الفتى بدعوى أن العزف أمام المسجد حرام، بل ومحظور وأنه كان يمكنه ابلاغ الشرطة. ويقاوم الطفل بشدة انتزاع آلته المحببة التي يتعيش منها، من بين يده لكن الرجل يجذب الأكورديون ويمضي. شقيقة الفتى (خديجة) تتوسل إليه أن ينسى الموضوع، لكن الفتى يقبض على حجر ضخم ويعتزم أمرا. والفتاة تقول له وتعيد وتكرر أن الرجل أكثر بؤسا منهما، وعليه أن يتركه وشأنه. وفجأة يتناهى إليهما صوت يتعرف فيه الفتى على صوت الأكورديون المحبب الذي طار من يده قبل قليل. يتجه الاثنان صوب الصوت، فنرى الرجل الذي ادعى التقوى وتحدث باسم الحرام والحلال وصادر الآلة، جالسا يجاهد لكي يخرج نغمة صحيحة من الأكورديون لكنه عاجز عن الأداء، الفتاة تلحق به وتبدأ في متابعة العزف بالطبل، ثم يقترب الفتى وينتزع الأكورديون من يد الرجل، ويبدأ في العزف في ثقة وقوة، ثم يناول الرجل الوعاء الذي يترك فيه عابروا الطريق ما يجودون به. يقف الرجل إذن يحصل على الصدقات من المارة، بينما صاحب الأكورديون الأصلي (الفنان) يواصل العزف بقوة بعد أن انتصر!
    ولا أظن أن الفيلم في حاجة إلى تفسير، فهو يشرح نفسه بنفسه. ولا أظن أيضا أن الفيلم سينتهي هكذا على هذا النحو، فالمفاجأة التي تأتي من خلال ما يظهر من كلمات على الشاشة أن هذا العمل القصير هو جزء من فيلم روائي طويل يخرجه بناهي من تمويل شركة فرنسية!
    لن اكتب عن فيلم "ضجيج الثلج" فما شاهدته منه كان كافيا (قاومت النوم من شدة التعب والإرهاق بسبب الاستيقاظ في الرابعة صباحا للتوجه إلى المطار، قبل أن أنسحب بعد أن فشلت في القبض على أي مغزى لأي شيء في هذا الفيلم السطحي).. وهو بالقطع، أسخف ما شاهدت من أفلام كوميدية منذ سنوات بعيدة: كوميديا هزلية مليئة بالمبالغات عن مرض السرطان، تجسد المرض الخطير في صورة رجل (يستظرف).. بدون خفة ظل، ولا معنى إنساني، بل عبارة عن تخاريف لا قيمة لها.. شفى الله برتران بلييه، إذا كان قد "ارتكب" هذا الفيلم تحت تأثير المرض (لست واثقا من ذلك)، وأعاده سليما معافا يصنع أفلاما لها معنى!
  • أود فقط ان اضيف أن حب الغرب لأنظمة التخلف والقهر العربي التي ذكرتها يعود الى أن هذه الأنظمة تلتزم بحب اسرائيل ربيبة الغرب والأمريكان، في حين تدعو ايران إلى ازالتها من الوجود!

الأحد، 29 أغسطس 2010

مهرجان فينيسيا السينمائي في خضم المنافسة الشرسة


الدورة التي ستفتتح يوم الأربعاء الأول من سبتمبر (أيلول) من مهرجان فينيسيا السينمائي هي الدورة السابعة والستون من عمر هذا المهرجان الذي تأسس عمليا عام 1932، أي أن عمره الحقيقي اليوم يبلغ 78 عاما. فقد توقف لعدة دورات، خلال سنوات الحرب العالمية الثانية. وهو يعد بالتالي أقدم مهرجانات السينما في العالم. ولكنه واجه أيضا الكثير من الأزمات التي كادت أن تعصف به خصوصا في أواخر السبعينيات وقت اشتداد الصراع السياسي في إيطاليا بين اليمين واليسار، وفي ظل الإضرابات المستمرة التي عانت منها إيطاليا وقتذاك. وقد توقف المهرجان أيضا لعدة سنوات عن منح جوائزه، ولم ينعقد المهرجان عام 1978، وفي تلك الفترة ظهر عدد من المهرجانات السينمائية الأخرى الصغيرة التي حاولت أن تنافس مهرجان فينيسيا وتستقطب الأضواء بعيدا عنه، أو تقضي عليه.
وقد تعرض المهرجان لفترة من الخمول وكان أن يغرق ويطويه النسيان في السنوات الأولى من الألفية الثالثة، إلى أن جاء ماركو موللر (وهو منتج سينمائي ومدير سابق لمهرجان لوكارنو) وفتح المهرجان أكثر على السينما الأمريكية، وبدأ يعمل بما يملكه من أدوات، دون أن يضع في اعتباره الدخول في منافسة مباشرة يعرف نتيجتها، مع مهرجان كان. وكان مولد مهرجان روما السينمائي أيضا عاملا أساسي في زيادة الحمية عند القائمين على مهرجان فينيسيا في مواجة ذلك المنافس الجديد الذي تدعمه صناعة السينما الإيطالية بوقة. ومع ذلك تلاشى بسرعة، الضجيج الذي اثاره مهرجان روما، وظل قابعا في محيط محدود، وهو ما يؤكد فرتنا عن أن مهرجانات المدن الكبرى والعواصم ليست أمامها عادة فرصة كبيرة للمنافسة بسبب ضياع المهرجان في أجواء ومتاعب المدن الكبرى كما هو حال مهرجان القاهرة السينمائي مثلا، ومهرجان طوكيو، ولندن، وموسكو، وهي مهرجانات لا تتطور كثيرا، وإن حاولت عاما بعد عام، وربما يكون الاستثناء الوحيد هو مهرجان برلين العريق.
التحدي الحقيق القائم حاليا هو مع مهرجان اقل أهمية كثيرا من فينيسيا وهو مهرجان تورنتو في كندا، الذي لا ينظم مسابقة ولا يمنح جوائز، والسبب لأنه شديد التنظيم وأكثر قربا من قلعة صناعة السينما في العالم أي هوليوود، والمدنية تتيح امكانيات أكبر في الاقامة وغيرها، وباسعار مناسبة لشركات الانتاج والتوزيع التي تأتي معها عادة بجيوش من الموظفين.
غير أن مهرجان فينيسيا مازال على حيويته رغم التحديات، وهو تميز بتغليبه الجانب الفني في السينما على الجانب التجاري، فهو مثلا لا ينظم سوقا للأفلام كما يفعل مهرجان كان، ولا يعرف بالتالي وجود كل تلك الأعداد من الموزعين والمنتجين، لكنه بدأ منذ نحو عشرين عاما أو أكثر، في اجتذاب الكثير من نجوم السينما في العالم، ومن الولايات المتحدة تحديدا، سواء نجوم الإخراج أو التمثيل.
هذا العام ربما لا يوجد الكثير من النجوم. صحيح ان المسابقة تتضمن 6 أفلام أمريكية لكنها من الأفلام المستقلة التي لا تعتمد عادة على كبار النجوم. ستحضر بالطبع هيلين ميرين، وناتالي بورتمان، لكن سيغيب مثلا جورج كلوني.
ويرتبط المهرجان في أذهان الكثير من السينمائيين المشاهير بحصول أفلامهم على التقدير والجوائز في هذا المهرجان قبل أن تنطلق إلى العالم وتمتد شهرة مخرجيها. ولعل من أشهر هؤلاء المخرج الياباني الراحل أكيرا كيروساوا الذي اكتشفه المهرجان عام 1950 مع عرض فيلمه "راشومون" الذي حصل على الأسد الذهبي هناك، وانطلقت منه السمعة الكبيرة التي حققها مخرجه فيما بعد.
ويعد الحصول على جائزة "الأسد الذهبي" التي توازي "السعفة الذهبية"، مفتاحا لتوزيع الفيلم في شتى أرجاء العالم (مطروحا منه العالم العربي بالطبع!). كما تميز المهرجان خلال السنوات القليلة الأخيرة بمنحه الجوائز لعدد من الأفلام التي نجحت بعد ذلك في الحصول على جوائز الأوسكار الرئيسية مثل فيلم "جبل بروكباك"، و"المصارع"، و"خزانة الألم".
الدورة الجديدة تحمل الكثير من الآمال، وربما تكون بمثابة انطلاقة للمهرجان نحو آفاق جديدة، خصوصا وأن المهرجان يستعد لافتتاح الإنشاءات الجديدة في العام القادم التي يمكن أن تحقق له اجتذاب المزيد من الجمهور والأفلام، وترسيخه كمؤسسة تعمل على مدار العام، وتستضيف الكثير من المؤتمرات مما يساهم في إحياء جزيرة ليدو الصغيرة التي يقام بها المهرجان منذ سنوات بعيدة، والتي تعاني عادة من الإهمال التام وعدم التقدم في أعمال البنية الأساسية اللازمة لازدهار أي مهرجان، أي على نطاق الفنادق والمطاعم، بسبب ما تتعرض له من كساد في معظم أوقات العام بعد أن ينتهي موسم الصيف.
السينما العربية التي كانت قد تواجدت بشكل لا بأس به العام الماضي من خلال ثلاثة أفلام مصرية داخل وخارج المسابقة، وفيلم تونسي، وآخر محسوب على الجزائر، تراجع وجودها هذا العام وانحسر في فيلمين من الأفلام التسجيلية من مصر ولبنان، هما "ظلال" لماريان خوري ومصطفى الحسناوي، و"شيوعيين كنا" لماهر أبي سمرا من لبنان. ولكن هناك طبعا فيلم "فينوس السوداء"، الذي سيعرض داخل المسابقة، للمخرج التونسي الأصل الذي يعمل في نطاق السينما الفرنسية، عبد اللطيف قشيش. وهذا في رأيي، هو الحجم الحقيقي لمنطقة غير مؤثرة في خريطة السينما العالمية، وكفت عن القيام بدورها من التأثير الثقافي والفني في محيطها العربي بما في ذلك المجال الداخلي، باستثناء السينما المصرية بالطبع، فالأفلام أصبحت تصنع لحفة من المهتمين، ونادرا ما تنجح في الوصول للجمهور عن طريق العرض العام في دور العرض، بل وأصبح السؤال المطروح ايضا هو" وأين هي دور العرض أصلا!
جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger