الاثنين، 24 مايو 2010

دهشة في كان بعد إعلان الجوائز

كثير النقاد وخبراء السينما الموجودون في مهرجان كان شعروا بنوع من الدهشة والإحباط عقب إعلان نتائج المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة لمهرجان كان السينمائي مساء الأحد.
هذه المسابقة تستقطب الأنظار عادة بسبب الأسماء الكبيرة لمشاهير الإخراج والتمثيل الذين يشاركون في أفلامها.
في الدورة الثالثة والستين من المهرجان، شارك 19 فيلما تتنوع وتختلف فيما بينها، من فيلم التعبير الذاتي عن العالم، إلى الفيلم السياسي، إلى الفيلم الخيالي إلى الفيلم التاريخي، وغير ذلك.
وكان التوقعات قد انحصرت خلال الأيام الأخيرة من المهرجان (الذي يستغرق 12 يوما) في خمسة أفلام هي على وجه التحديد: "عام آخر" للبريطاني مايك لي، و"عن البشر والآلهة" للفرنسي زافييه بوفواه، و"جميل" للمكسيكي أليخاندرو جونزاليس إيناريتو، و"نسخة موثقة" للمخرج الإيراني عبس كياروستامي، وأخيرا "الشعر" للمخرج الكوري لي تشانج دونج.
لم تخرج الترشيحات عن هذه الأفلام، وربما يكون البعض قد راهن على إمكانية حصول البريطاني كن لوتش على جائزة الإخراج أو التحكيم الكبرى، لكن أحدا لم يتوقع أبدا حصول فيلم "العم بونمي الذي يمكنه تذكر حيواته الماضية" Uncle Boonmee Who Can Recall His Past Lives وهو الفيلم الذي يحمل أطول عنوان بين أفلام المهرجان كلها، على السعفة الذهبية أي على الجائزة الكبرى للمهرجان الشهير. والفيلم من إخراج المخرج التايلاندي أبيشتابونج ويراثيكول. وهو معروف هنا في كان، فقد سبق أن حصل في 2002 على جائزة أحسن فيلم عرض في قسم "نظرة خاصة" هو فيلم "صديقك الأبدي"، وفي 2004 حصل على جائزة لجنة التحكيم في المسابقة عن فيلمه "مرض استوائي".

الأحد، 23 مايو 2010

جوائز مهرجان كان 2010 : السعفة الذهبية خيبت كل التوقعات



خيبت نتائج لجنة التحكيم التي رأسها المخرج الأمريكي تيم بيرتون، توقعات الكثيرين بعد أن منحت السعفة الذهبية لفيلم لم يأخذه أحد أصلا على محمل الجد، وإن كان معروفا عن مخرجه أنه "صياد جوائز"، تأتيه من حيث لا يحتسب. وكانت أكبر المفاجآت خروج فيلم مايك لي البريطاني "عام آخر" من سباق الجوائز دون أي ذكر، وخروج فيلم ايناريتو المكسيكي "جميل" من قائمة الجوائز الرئيسية بل وحتى جائزة أحسن إخراج التي لم يحصل عليها اكتفاء بمنح بطله خافيير بارديم جائزة التمثيل مناصفة. وهذه هي نتائج المسابقة الرسمية للأفلام الطويلة:
* أحسن إخراج: المخرج الفرنسي ماتيو أمالريك عن فيلم "جولة فنية" Tourne
* أحسن سيناريو: الفيلم الكوري "الشعر"
* أحسن ممثلة: جوليت بينوش عن دورها في فيلم "نسخة معتمدة" لعباس كياروستامي
* أحسن ممثل: مناصفة بين خافيير بارديم عن دوره في فيلم "جميل" لأليخاندرو جونزاليس ايناريتو، واينيو جيرمانو عن دوره في فيلم "حياتنا" الايطالي اخراج دانييل لوشيتي
* جائزة لجنة التحكيم الخاصة: فيلم "رجل يصرخ" لمحمد صالح هارون (تشاد- فرنسا)
* الجائزة الكبرى للجنة التحكيم: الفيلم الفرنسي "عن البشر والآلهة"
* السعفة الذهبية لأحسن فيلم: الفيلم التايلاندي "العم بونمي الذي يمكنه تذكر حيواته الماضية"

يوميات كان 11: في انتظار إسدال الستار

من فيلم "عام آخر" لمايك لي

انتهت عروض مسابقة مهرجان كان السينمائي الثالث والستين. الختام اليوم الأحد، بفيلم فرنسي بعنوان "الشجرة" ليس له مستوى يذكر (إقرأ تعليقي على الفيلم في العمود الأيمن).
العروض الأخيرة في المسابقة كانت مثيرة للاستياء ومنها الفيلم التايلاندي "العم الذي يمكنه أن يتذكر ماضيه"، والفيلم المجري "مشروع فرانكنشتاين". وجاء فيلم "الحياة قبل كل شيء" من جنوب افريقيا لكي يعوض رداءة أفلام المسابقة بشكل عام، وهو عمل بسيط وبديع، تتألق فيه طفلة في السادسة عشرة من عمرها في الأداء بدرجة مثيرة للإعجاب، كما يعد الفيلم، الذي يروى دراما تدور في قرية انتشر فيها مرض الإيدز، من أكثر الأفلام شجاعة في تناول هذا الموضوع والتحذير من خطورة تفشي المرض اللعين، مع تصويره بروح نقدية ساخرة، كيف يغرض سكان القرية في الخرافة، ويعتبرون أيضا أنه ينبغي التخلص من المصابين بالمرض، بل ويشعرون بالعار من مجرد أن يوجد مصاب به في الأسرة، ومن ثم ينبذونه بل ويستبعدونه من المجتمع تماما. وفي مقابل ذلك تأتي هذه الفتاة الصغيرة المتعلمة المتفتحة ذهنيا، لكي تتحدى تلك القيم والتقاليد والعادات المتخلفة (التي لا تزال ترتبط بالسحر والشعوذة وطرد الثعابين من البيوت بالاستعانة بالحواة..إلخ).
المؤكد أيضا أن ختامها مسك كما يقولون، فقد كان آخر أفلام المسابقة وهو الفيلم الروسي "حرقته الشمس 2" لنيكيتا ميخالكوف، عملا مبدعا يسعى مخرجه إلى استكمال ما بدأه في فيلمه الأول عن الموضوع نفسه قبل 14 عاما بنفس أبطاله بعد أن كبروا وامتدت الأحداث لتنتقل من فترة التصفيات الستالينية المرعبة في الثلاثينيات، إلى بداية الأربعينيات ثم الاجتياح الألماني للاتحاد السوفيتي في إطار توسع نطاق الحرب العالمية الثانية.
فيلم بديع، فيه الكثير من الإبهار والمشاهد الكبيرة التي تستخدم فيها مجاميع هائلة من الممثلين الكومبارس، بما لا يقل عن أي فيلم من هوليوود. وربما يجد فيه كثيرون بعض المبالغات، وربما توجه انتقادات إلى مخرجه بتمتعه بدعم الدولة بسبب قربه من السلطة، لكن هذا كله يظل خارج الفيلم الذي استمتعت به كثيرا واجده أيضا جديرا بإحدى الجوائز المهمة.
ويبقى بالطبع فيلم "عن البشر والآلهة" الفرنسي الذي تدور أحداثه في الجزائر في التسعينيات (يستحق كما أشرت من قبل مقالا خاصا)، ويتناول قصة الرهبان الكاثوليك الفرنسيين الذين اختطفتهم الجماعة الإسلامية المسلحة وقيل إنها قتلتهم، وفيلم البريطاني مايك لي "عام آخر" الذي يعد استمرارا لنوع الأفلام الاجتماعية التي تقدم لنا مجتمع الطبقة الوسطى الانجليزية من الداخل، باحباطاتها وأحزانها التي تختلط بالسعادة والنجاح والتحقق. وقد ينال الفيلم السعفة الذهبية خصوصا وأن من أبرز عناصره التمثيل، ولا ننسى أن هناك 4 من أعضاء لجنة التحكيم من الممثلين والممثلات!

والفيلمان (عام آخر، وعن البشر والآلهة) على رأس الأفلام المرشحة لنيل السعفة الذهبية. وهناك كثير من النقاد أيضا يرشحون الفيلم الكوري "الشعر" الذي رأيته فيلما أدبيا مثيرا للملل، ولم ألمح فيه تلك الأجواء الخاصة الشاعرية التي أثارت إعجاب البعض، ولكن، كما قلت من قبل، هذه مسألة ثقافة وتكوين وأذواق، هي التي تحكم اختيارات وتفضيلات ناقد عن غيره، والاتفاق ليس واردا كشرط لاستقامة عملية النقد كما يتخيل البعض، بل إن الاختلاف مطلوب لكي نرى الأشياء من زواياها وخلفياتها المختلفة. ولعل من ميزات التواجد في كان، ما يدور يوميا من حوارات بين النقاد الحاضرين، من بلدان وثقافات مختلفة، مما يثري المعرفة بشكل عام.

عباس كياروستامي

ويرى البعض هنا أيضا أن فيلم "نسخة موثقة" لعباس كياروستامي قد يستحق الحصول على السعفة الذهبية، أو أنه كما يرى، قد يحصل عليها ليس لأنه يستحقها، بل لأنه تدشين رسمي لتدجين كياروستامي "الأوروبي" أي بداية الطريق لصنعه أفلام "غير إيرانية" ناطقة بالإنجليزية والفرنسية، وإخراجه بالتالي من عالمه الخاص. وإن كان نقاد فرنسا تحديدا، يهيمون حبا بأسلوب ولغة كياروستامي ويبالغون كثيرا في تفسير خواء أفلامه وفراغها، وجنوحها إلى التجريد، وافتقادها المرعب إلى روح السخرية والمرح، وتركيزها على "الريفي" و"البدوي"، وابتعادها المتعمد، عن تناول أي مشاكل اجتماعية قائمة، وتغييبها المرأة على نحو ما، بحيث يمكن أن نقول إن كياروستامي هو المسؤول عن تيار الالتفاف على الرقابة، وصنع تلك "السينما المحجبة" التي يعتبرها نقاد فرنسا والغرب عموما، معادلا لسينما "الآخر" الغريب، الإسلامي، الذي لا يمكن أن نفهمه أبضا بموجب قوانين المجتمع الحديثة بل يجب أن نخترع له قوانين خاصة.. وسأتناول هذه الأسطورة في مقال تفصيلي فيما بعد.

رشيد بوشارب


فيلم "الطريق الأيرلندي" البريطاني لكن لوتش عن العراق وشركات الأمن الخاصة يرشحه البعض هنا أيضا لنيل جائزة لا أرى في الحقيقة أنه يستحقها، بل كما قلت من قبل، أرى أنه أسوأ أفلام مخرجه السياسية حتى الآن. ويعكس تراجعا في الفكر والخيال، بل إن هناك من يرى أيضا أنه يبرر العمليات الإرهابية الانتحارية على نحو ما. لكن حكمي عليه مبني على أسس فنية وسينمائية محض وليس على رؤيته السياسية.
ومن الممكن جدا أن يحصل الفيلم الاسباني "جميل" لمخرج المكسيكي أليخاندرو جونزاليس ايناريتو على السعفة الذهبية التي يرى البعض أنه كان يستحقها قبل 4 سنوات عن فيلمه الشهير "بابل". ولاشك في جمال فيلمه الجديد (الذي أجلت كتابتي عنه) لكنه ليس بمستوى أفلامه البديعة السابقة مثل "أمروس بيروس" و"21 جراما" و"بابل".
أيا كان الأمر، سيتوقف الجدل بعد إعلان الجوائز في حفل يقام مساء اليوم، وبعد أن تعلن لجنة التحكيم أسماء الأفلام الفائزة، وأتوقع مسبقا، حدوث بعض المفاجآت، كما تعودنا في كان كثيرا، فليس كل ما يرشحه الناقد من أفلام، تكون عادة هي الأفلام التي تفوز بالجوائز كما حدث في السنوات الماضية، بل يمكن أن يحصل على السعفة الذهبية أي فيلم من الأفلام لـ19 التي جاهد تييري فريمو، المدير الفني للمهرجان، من أجل الحصول عليها. لا أعرف لماذا هذا الجهاد كله في الحقيقة، رغم توفر أفلام أخرى كثيرة خارج المسابقة، أفضل من كثير مما عرض في المسابقة، منها "أورورا الروماني، و"الحياة قبل كل شيء" من جنوب افريقيا مثلا.
قلت من قبل إن فيلم "الخارجون عن القانون" للمخرج رشيد بوشارب، جاء مخيبا للآمال، وليس معنى وجود رد فعل عنيف من جانب اليمين واليمين الفرنسي المتطرف ضد الفيلم، أن الفيلم صائب، أو أنه عمل جدير بالتأييد، فكما قلت، التقييم والحكم يتم هنا على أسس سينمائية تتعلق بالصياغة والتجسيد وبناء الفيلم وكيفية تقديمه لنا في صور ومشاهد، ومن حيث المضمون، لا مجال أصلا للمقارنة بأي شكل، بين ما يقوله المستعمرون السابقون الذين يبررون ما ارتكبوه من مذابح بحق الشعب الجزائري، وبين موقف الضحايا الذين تعرضوا لاستعمار استيطاني أراد محو الهوبة بالكامل، ولم يكن ممكنا أن يخرج سوى بالعنف. أما تجسيد الموضوع في السينما، فهو موضوع آخر سنتاوله تفصيلا فيما بعد أن تهدأ الضجة.

السبت، 22 مايو 2010

يوميات كان 10:"حياتنا" وحياة الآخرين!

الفيلم الإيطالي "حياتنا" La Nostra Vita (هناك لعب واضح في العنوان على فيلم فيلليني LA Doce Vita) من الأفلام "البريئة"، والبسيطة الجميلة القليلة في المسابقة. وهو ليس عملا عظيما أو تحفة خالدة، بل فيلم متماسك، يمكنك بالتأكيد، متابعته حتى النهاية باهتمام وترقب وتعاطف أيضا مع أبطاله جمعا، الصالح منهم والطالح.
مخرج الفيلم (وهو نفسه مؤلفه) هو دانييل لوشيتي، الذي أخرج حتى الآن 11 فيلما أشهرها "يحدث غدا" (1991)، و"شقيقي هو الإبن الوحيد".
وفيلم "حياتنا" يروي ببساطة ولكن حساسية خاصة وكثير من التلقائية في الأداء، والبراعة في الصورة والإخراج، كيف تتداخل مصائر الأفراد، وتتشابك وتتعقد، ثم تنفرج في النهاية، وكيف يمكن أن يفاجأ الإنسان وهو بعد في منتصف الطريق، بفقدانه زوجته الشابة الجميلة المتألقة بالحيوية والحياة، التي يختطفها الموت وهي تضع مولودا ثالث، لكي تترك الزوج الشاب/ الأب، وحوله ثلاثة من الأطفال في حاجة إلى رعاية، وهو أيضا لايزال يتلمس طريقه في دنيا المقاولات وبناء المساكن.
صحيح أن الأسرة موجودة: الشقيق والشقيق، كلاهما يساعدان بطلنا ويقفان إلى جواره في محنته الأسرية الشخصية، والمالية أيضا بعد أن تتكالب عليه الديون ولا يعرف كيف يدفع أجور عمال البناء من المهاجرين غير الشرعيين رغم تدني أجورهم. كيف ينتقل إلى علاقة أخرى لكي تستمر الحياة، وكيف ينتقل البطل بصعوبة ومشقة من الطبقة العاملة إلى طبقة المقاولين الصغار، وما هو وضع المهاجرين الأجانب الذين عندما يسقط أحدهم ويلقى مصرعه، يصبح الأمر كأن لم يكن، فليس من الممكن إبلاغ السلطات بالحادث، وإلا ترتبت على ذلك نتائج خطيرة.
ولكن الصحيح أيضا أن المرء لا يمكنه أن يعتمد فقط دائما على الآخرين بل يتعين عليه أن يساعد نفسه.
البناء في الفيلم تقليدي، يعتمد على تفجير أزمة البطل، ولكن بحسابات أخرى غير حسابات الفيلم الدرامي الأمريكي التقليدي الذي يسير في تصاعد محسوب نحو ذروة ما قبل أن تنفك ونصل إلى الحل.
الفيلم يصور العلاقة بين الأبناء والآباء، بين الأب الغائب، والإبن الذي جاء للبحث عن أب بعد أن نما وشب وأصبحت له حياته الخاصة. والمرأة الوحيدة الأجنبية (من رومانيا) التي تبحث عن الأمان في مجتمع إيطاليا الغريب عليها، وتريد أن ترى أيضا ابنها من علاقتها غير الشرعية بأبيه الراحل، وقد عثر على طريق واضح، يسلكه في الحياة يجنبه شر ما حل بأبيه.
كل هذه العلاقات، التي نراها من خلال ثلاث أسر عادية، تعيش مفارقات ومتاعب الحياة العادية اليومية، بكل ما فيه من لحظات سعادة ولحظات شقاء، يتمكن المخرج- المؤلف، من استدراجنا داخلها حتى نجد أنفسنا وقد أصبحنا مشغولين بما يواجهه الأبطال من معاناة أو مشاكل، نشترك معهم في التفكير في طريقة لحل هذه المشاكل، لكن كلنا ثقة بأن الحياة، حياتهم وحياتنا، قادرة دوما، على الاستمرار إلى الأمام. فهي لن تتوقف أبدا.
أدء طبيعي يهز النفس، من مجموعة الممثلين والممثلات الذين تبدو الأدوار وقد صنعت من أجلهم، وتبدو "الكيمياء" التي تربط بينهم، تلعب دورا بارزا في إضفاء الحيوية والانسجام على الفيلم. وإخراج واقعي مشبع بنزعة رومانسية، لا تخلو من المرح رقم قتامة الواقع وتصلبه أحيانا. كما يحدث دائما أيضا في "حياتنا".
تحكم جيد في الإيقاع، وفي النغمات اللونية للصورة، والاختيار الممتاز لمواقع التصوير الخارجي، والموسيقى التي تضفي على الفيلم حياة وتكسبه روحا وتجعله يشع بالأمل رغم كل الاحباطات.
بعيدا عن التصنع والافتعال والضجيج والأسماء الكبيرة، أمنحه شخصيا جائز أحس إخراج.
جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger