الأربعاء، 18 نوفمبر 2009

صدور كتاب "الشيخ إمام في عصر الثورة والغضب"


صدر أخيرا كتاب "الشيخ إمام في عصر الثورة والغضب" عن مكتبة مدبولي في القاهرة من تأليف كاتب هذه السطور أمير العمري. وأنشر هنا المقدمة التي كتبتها لتقديم الكتاب إلى القراء. وهو كتاب مختلف عن كتبي في النقد السينمائي، كما أنه موجه اساسا للشباب الذي لم يعاصر الأحداث وولادة الظاهرة في قلب الزخم الثقافي والسياسي ثم انتشارها في محيط الطلاب والمثقفين في زمن السادات. وأتمنى أن ينال الاهتمام من كل المهتمين وخصوصل الذين يقرأون لي في النقد السينمائي، حتى يمكن الحكم هلى تجربتي في الكتابة الأخرى. وجدير بالذكر أنني كنت قد بدأت نشر حلفات من هذا الكتاب في هذه المدونة قبل الاتفاق على نشره، ونشرت ثلاث حلقات لم تعد حاليا موجودة بعد ن قمت برفعها من المدونة هنا حسب الاتفاق مع الناشر.
هنا مقدمة الكتاب:

"ليس هذا كتابا من كتب سير الأعلام، أي أنه ليس سردا أدبيا أو تاريخيا، لحياة المغني الشعبي العظيم، الشيخ إمام عيسى، الذي لمع نجمه في مصر والعالم العربي لأكثر من 25 عاما وأصبح بحق، فنان الشعب وخليفة سيد درويش العظيم، بأغانيه وأناشيده وألحانه ومواقفه الصلبة في مواجهة كل أشكال الإغراء والتخويف والقمع.
وعندما بدأت كتابة صفحات هذا الكتاب لم يكن في نيتي أن يكون كتابا متكاملا شاملا عن الشيخ إمام من جميع الزوايا والجوانب، بل كان قصارى ما آمل فيه، أن يأتي معبرا عن رؤيتي الشخصية، وتسجيلا أمينا لذكرياتي الخاصة عن الشيخ إمام، وعن تأثري الشخصي بأغانيه، وتأثيره في أبناء جيلي وعصري من شباب الجامعة المصرية في زمن الحركة الطلابية "الثورية" العظيمة في السبعينيات.
وكنت أيضا أطمح من خلال ما كتبته من صفحات بدأتها كحديث للذكريات اتسعت فيما بعد لتصبح عددا من الفصول أو المحطات توقفت أمامها واحدة بعد أخرى، أن أقدم للقاريء جزءا من تاريخ الحركة الوطنية المصرية من خلال خصوصية ظاهرة "الشيخ إمام- أحمد فؤاد نجم" وعلاقتها بالحركة الجماهيرية الطلابية والشعبية في مصر، وأن أضع الظاهرة في إطار عصرها، وأناقش أبعادها وتضاريسها وما انتهت إليه اليوم.
وفي الصفحات التي سيطالعها القاريء هنا سيجد علاقة متلازمة بين الذاتي والموضوعي، وبين السياسي والفني، وبين الماضي والحاضر، وبين التأملات الشخصية والتحليل الذي يلزم نفسه بالبحث في الحقائق وتسليط الأضواء على بعض ما تجنب الكثيرون من قبل الاقتراب منه، تفاديا لما يمكن أن ينتج عنه من حرج، بين الغناء كفن وكتابة القصيدة الشعبية كشكل خاص من أشكال التعبير، وبين التحريض والهجاء السياسي خلال ما يعتبر بحق، "عصر الثورة والغضب".
وفي سياق "التأملات" واسترجاع الماضي ورد ذكر عشرات الأسماء لشخصيات لعبت دورا بارزا في مسار الحركة السياسية والثقافية في مصر، من طلاب في الجامعة تصدوا لقيادة حركة التعبير عن الرفض في عهد الرئيس أنور السادات في فترة من أكثر فترات الحياة السياسية المصرية سخونة فيما بين الحربين، أي بين حرب يونيو 1967 وحرب أكتوبر 1973، ومثقفين تباينت مواقفهم خلال سنوات الاستقطاب الحاد بين اليمين واليسار، بين الانحياز لحركة الشارع أو القيام بدور تصورونه إيجابيا، بالقرب من مواقع السلطة.
وسط هذه الأمواج كلها، وقف الشيخ إمام بقوته الخاصة في التعبير وعبقريته في الأداء، وصمد في وجه كل أشكال القمع والتجاهل والنكران والاستنكار والشجب، وصمد معه شاعره الأول الكبير أحمد فؤاد نجم، الذي زود تلك الظاهرة الخاصة التي لا تتكرر كثيرا في حياتنا، بوقودها المحرك من الأشعار التي لاتزال صامدة في وجه الزمن، برقتها وعنفها، وبقدرتها على إثارة الشجن وشحن النفوس بالغضب والثورة، وبسحرها الخاص وتمكنها من إثارة التفكير وإيقاظ الوعي أيضا، دون أن تفقد أبدا جمالها ورونقها الداخلي الخاص.
ولعل أكثر ما كان يشغلني وأنا أكتب هذه الصفحات، أن أكون أمينا في نقل إحساسي الشخصي الخاص بصدق، والتعبير عما كان يجول في خاطري وأنا أستمع للشيخ إمام وأشارك في الكثير من أمسياته وحفلاته، كما كان يشغلني أيضا أن أنقل مشاعر وأحاسيس الآخرين، لكي أجسد تأثير أغاني الشيخ إمام، وأن أبحث أيضا في تفاصيل ظاهرة إمام- نجم التي ظلت متوترة دوما بالسلطة في عصر عبد الناصر ثم في عصر السادات، قبل أن يتم نفي الظاهرة واستبعادها من ساحة التأثير بعد ذلك في منتصف الثمانينيات.
وقد اكتفيت فقط ببعض الإشارات عن حياة الشيخ إمام وعلاقته الأولية بالموسيقى وكيف نما حسه الفني وعلاقته بنجم، وغير ذلك، وتجنبت الكتابة تفصيلا في هذه الأمور التي صدرت حولها بعض الكتب، وكثير من الدراسات والمقالات الصحفية والمقابلات والأحاديث المسجلة التي بثت في عدد من المحطات التليفزيونية الفضائية والأرضية.
لقد انصب اهتمامي الأكبر هنا على البحث في الظاهرة، في ضوء ما وقع من متغيرات في الفضاء السياسي والثقافي المصري، والبحث في معاني عدد من الأشعار والأغاني البارزة التي حفرت لنا مسارا فريدا طوال فترة إبداع إمام- نجم، حتى أصبحت بعض أغاني الشيخ إمام توصف أحيانا بأنها أهم من قراءة مائة كتاب عن مصر، فقد تعلمنا منها كيف يكون لحب مصر معنى حقيقي مجسد ومصور، وليس مجرد أطياف غامضة لشعار نردده بمعزل عن الناس الموجودين في الشارع وفي المصنع وفي الحقل، بل وفي كل مكان على أرض مصر.
وقصارى ما آمل إليه من وراء إصدار هذا الكتاب أن تصل كلمتي إلى الأجيال الأحدث، التي لم تقترب من تلك الظاهرة ولم تعايشها عن قرب كما أتيح لأبناء جيلي، وأن تتعرف هذه الأجيال الجديدة على جزء بارز من التراث الغنائي والفني الشعبي المصري، الذي لا تتاح له الفرصة عادة للوصول للناس عبر أجهزة الإعلام السائدة.. هذا "الغناء الآخر" هو جوهر موضوع هذا الكتاب الذي أتمنى أن يجد طريقه في النهاية إلى قارئه الطبيعي".

الثلاثاء، 17 نوفمبر 2009

صور من الزمن الذي كان

الناقد سمير فريد يلقي كلمة لاعلان الجوائز في حين ينصت رئيس الجمعية
أحمد كامل مرسي ونائبه مصطفى درويش والأمين العام
فتحي فرج (أقصى اليمين) وأمين الصندوق أحمد رافت بهجت

من اليمين إلى اليسار يوسف شريف رزق الله ثم فتحي فرج ثم أحمد رافت بهجت

أحمد كامل مرسي يسلم شهادة جائزة الجمعية لأحسن فيلم للمخرج محمد راضي عن فيلمه "أبناء الصمت"

أنشر هنا مجموعة من الصور التي عثرت عليها أخيرا في أرشيفي الشخصي وأظنها تعود إلى منتصف السبعينيتات أو تحديدا عام 1974، وهي لعدد من أعضاء أول مجلس إدارة لجمعية نقاد السينما المصريين التي تأسست عام 1972 اثناء حفل توزيع الجوائز السنوية للجمعية.
ويظهر في الصور رئيس الجمعية الناقد والمخرج المخضرم الراحل أحمد كامل مرسي، وذلك تذكرة بزمن ولى وإن كان كل الذين يظهرون في الصور على قيد الحياة باستثناء المرحومين: كامل مرسي وفتحي فرج، أطال الله في عمر الباقين ومتعهم بالصحة والعافية. لم أكن حاضرا هذا الاحتفال الذي أتذكر أنه أقيم بمناسبة مرور عامين على تأسيس الجمعية، فلم أكن قد انضممت لها بعد، وجاء انضمامي فيما بعد بعدة أشهر.
وقد رويت قصتي كاملة مع هذه الجمعية وتاريخ الصراعات داخلها وما حل بها من تطور في ضوء الأحداث السياسية والثقافية الصاخبة التي شهدتها مصر في السبعينيات خصوصا، وذلك ضمن فصل طويل من فصول كتابي "حياة في السينما" الذي أروي فيه الكثير من التفاصيل الخافية عن علاقة السينما بالمثقفين بالأجواء السياسية، وعن علاقتي الشخصية بعشرات الأشخاص، وشهادتي على الكثير من الأحداث والوقائع. والكتاب صدر أخيرا عن مكتبة مدبولي في القاهرة.
وهذه المجموعة من الصور لم تنشر في الكتاب لأنني لم أكن قد عثرت عليها رغم كل ما بذلته من جهد، ورغم أنني كنت أرغب بشدة تحديدا في نشر صورة فتحي فرج الذي كتبت عنه كثيرا، لكن الصور كانت مختفية في حقيبة عثرت عليها أخيرا في مسكني في لندن!

السبت، 14 نوفمبر 2009

فيلم "هليوبوليس": الإبداع قائم رغم العجز


في سياق التجارب الجديدة لتيار "السينما المستقلة" في مصر التي تقودها مجموعة من شباب السينمائيين مسلحين بكاميرا "الديجيتال"، وبسيناريوهات مكتوبة بشكل مباشر للسينما من تأليفهم، يخرج فيلم "هليوبوليس" للمخرج احمد عبد الله من معطف فيلم "عين شمس" لابراهيم البطوط.
والفيلم هو الأول لمخرجه الشاب، وهو مونتير فيلم "عين شمس"، ومنتج الفيلم شريف مندور هو نفسه منتج "عين شمس"، والطريقة التي صور بها هي نفسها، ثم جرى تحويله أيضا إلى نسخة من مقاس 35 مم، والموضوع ينتقل من حي (عين شمس) الشعبي، إلى حي مصر الجديدة الذي يعد أحد الأحياء الراقية أو هكذا كان الحال قبل زحف قيم التدهور. وهو يعرف في اللغة الانجليزية (أو ربما في الهيروغليفية) باسم هليوبوليس، وفكرة الخراب العام عندما ينعكس على مصائر الأفراد بقسوة هي نفس الفكرة التي يتردد صداها في الفيلمين، بل وفي فيلم "بصرة" لأحمد رشوان ضمن الموجة نفسها، أي موجة السينما الشابة الجديدة.


من رسائل الأصدقاء: أساليب التمثيل والفيلم كإبداع فردي (مع إضافة وتصويب)

بعد أن نشرت الردود المنشورة أسفل هذا الكلام وصلتني الرسالة التالية من (محمد التوبي) يصحح لي بعض المعلومات التي وردت في ردي.. وأشكر كاتبها كثيرا وأقول له إن ما لدي من معلومات تعتمد على ما قرأته في الماضي أي من الذاكرة، وربما يكون مفيدا عمل بحث خاص في موضوع التمثيل مستقبلا، وليس عيبا على الإطلاق أن يخطيء المرء بل العيب كل العيب في تجاهل التصويب والتقويم والاعتراف بالخطأ وانا هنا أعترف بالخطأ وسأراجع معلوماتي في هذا المجال.. وهذه هي فائدة الجدل المفيد.. وليس هناك في النهاية، من يعرف كل شيء بل إننا جميعا نحاول ونجتهد.. اليس كذلك؟ (أ. ع).
في جوابك على أسئلة القراء أردت أن أعقب على الموضوع الذي يخص التمثيل بالنسبة لبراندو وستراسبيرغ فليس بينهما صلة الأستاذ بالتلميذ . - براندو لم يدرس عند لي ستراسبيرغ كما ذكرت -منهج ستانسلافسكاي أبرز ناشريه ستراسبيريرغ ومن تلاميذه آل باتشينو ولكن براندو تتلمذ عند ستيلا أدلير المنافسة لستراسبيرغ المرأة التي درس عندها كذلك روبرت دي نيرو أيضا . التالي من وايكيبيديا :: في عام 1943، وصل براندو إلى نيويورك؛ وسجّل لفصل دراسي في الورشة الدرامية للمدرسة الجديدة للبحث الإجتماعي، الموجّهة من قبل المهاجر الألماني إرون بيسكاتور. معلّمته في الورشة كانت ستيلا أدلر. ستيلا أدلر عاشت في موسكو في أوائل الثلاثينات، ودرست مع قسطانطين ستانيسلافسكاي في مسرح فنون موسكو. في عودتها إلى أمريكا، علّمت أعضاء مسرح المجموعة اليساري استعمال "طريقة" ستانيسلافسكي، والتي بها يجب على أيّ ممثل أن يطوّر كلّ جزء يؤدّى من عواطفه الخاصة، وهي طريقة قام لي ستراسبيرج بتعليمها لاحقاً أيضاً. براندو اختلف مع ستراسبيرغ ولا يعترف به.لا أحد من الممثلين الكبار يدينون لستراسبيرغ سوى آل باتشينو الذي كان التلميذ المباشر وقد جلبه آل للتمثيل معه في العراب الجزء الثاني وقد كانت له فرصة للفوز بأوسكار أفضل ممثل مساعد ولكن خسرها لروبرت دي نيرو تلميذ ستيلا إدلر معلمته ومعلمة الأستاذ الأكبر مارلون براندو الذي يدين له الجميع .ويؤكد ذلك السيرة الذاتية لكل الأسماء المذكورة . لي ستراسبيرغ في العراب الجزء الثاني، وفي فلم العدالة للجميع .. صراحة يرثى لحاله .. يلهث وراء مجد مستعصي على مثله ربما هو عيب آل باتشينو.
=======================================================
* هل هناك أساليب تمثيل مختلفة وما هى تعريفاتها ومن هم روادها العالميون ؟ ومن هم أبرز اللاعبون - الممثلون - على شاشة التلفاز والسينما من الوطن العربي على مر العصور؟ ومن هو المخرج وما هو الإخراج. شكرا ونرجو لكم دوام الموفقية والنجاح.
هاشم
من الكويت
* أسئلة الأخ هاشم من الكويت تحتاج إلى كتاب كامل للإجابة عنها لكني سأوجز بقدر ما أستطيع. نعم هناك أساليب مختلفة للتمثيل، هناك أسلوب التقمص المطلق الذي يعتمد على منهج مدرسة ستانسلافسكي الروسي (مسرحي أساسا) والتي اعتمدت عليها طريقة "المنهج" أو الميثود التي وضعها المخرج والممثل الأمريكي لي ستراسبورج (من العشرينيات) من خلال ما عرف باسم "ستديو الممثل". وقامت عليها فيما بعد مدرسة نيويورك أو معهد التمثيل المسرحي والسينمائي التي تأسست عام 1969، وعلى يدي ستراسبورج درس عدد من كبار ممثلي وعمالقة السينما الأمريكية مثل مارلون براندو، ولي ج كوب وداستين هوفمان وآن بانكروفت وجيمس دين وبول نيومان وآل باتشينو، وإيلي والاش، ومارلين مونرو ورود شتايجر وغيرهم.
وتعتمد "الميثود" على استدعاء المشاعر والانفعالات الشخصية من داخل الممثل لمساعدته على أداء الدور حد التقمص المطلق. وهناك طبعا الطريقة الأخرى التي يحاكي فها الممثل الشخصية من الخارج من خلال الصوت أو حركة الوجه، دون أن يستدعي انفعالاته الخاصة.. وهناك مدرسة التحليل النفسي للشخصية أو المنهج السيكولوجي في التعامل مع الشخصية التي يؤديها الممثل.
وأساس التمثيل هو فن المسرح، ويطوع التمثيل السينمائي أمام الكاميرا لكي يتخلص من المبالغة والتلويح باليدين والاعتماد أكثر على التعبير بالوجه ونغمة الصوت..إلخ.
أما المخرج فهو الشخص المسؤول عن توجيه الممثلين: ماذا يفعلون بالضبط، وكيف يتحركون داخل المشهد، كما أنه يوجه المصور ويشرف على توليف الفيلم في النهاية، بل انه يتدخل في كل جوانب العمل السيمائي من السيناريو إلى الديكورات إلى الموسيقى، يحدد التأثير المطلوب من كل منها ويتعاون مع الجميع من أجل انجاز الفيلم الذي يصبح مسؤوليته بالكامل في النهاية.
لا أستطيع الحديث عن كل عمالقة التمثيل في العالم العربي على مر العصور هناك الكثير ولابد أنك تعرفهم لكن يبدو انك تريد رأيي الشخصي: هناك على سبيل المثال: زكي رستم وأمينة رزق ومحمود المليجي وحسين رياض وعبد الوارث عسر وشكري سرحان ورشدي أباظة وسعاد حسني ونادية لطفي ومحسنة توفيق وزوزو حمدي الحكيم ومحمود مرسي وأحمد زكي ونور الشريف وفردوس عبد الحميد وشريهان.. ومن الدول العربية غير مصر كثيرون يضيق المجال بهم لكن الأفلام قليلة وهناك من الأفلام الجزائرية والمغربية ما لا يعتمد اساسا على عمل الممثل بل على عمل المخرج أكثر.. طبقا لنظرية سينما المؤلف التي تهمل الممثل- النجم.
====================================================
* تحياتى أستاذ أمير. أولا أهنئ حضرتك بمناسبة صدور كتابك الجديد (حياة فى السينما). ثانيا هناك جملة ذكرتها فى مقالك ردا على مقال الأستاذ أحمد يوسف وهى أنك ترى أن الفيلم عمل ابداعى فردى يعبر عن رؤية مبدعه (الفرد) هذه الفكرة بالتحديد تشغلنى منذ فترة ليست بالقليلة أو منذ أن عقدت النية على دراسة السينما والتساؤل الذى يطوف بذهنى فى كل فيلم جديد أراه هل يُسئل المخرج (فلان) بقدر ما يسئل الروائى (فلان) مثلا عن عمله الأدبى؟ وبعيدا عن دراسة السينما لايزال الأمر يشكل بالنسبة لى معضلة فى (تذوق الفيلم) كعمل مترابط يعبر عن وجهة نظر فنية وفكريه موحدة، ودائما ما سبب لى وصف (صناع الفيلم) نوعا من الصداع. وللأسف عظم ما قرأته لم يفدنى فى الوصول الى ما يمكننى القول عنه "أساس مبدئى لوجهة نظر". أردت من حضرتك - ان اتيحت الفرصة - أن تكتب عن " المبدع الفردى للفيلم " كما تراه . خالص تحياتى
عمر منجونة
* في مجال الرد على صديقي عمر أقول: عزيزي عندما نقول "صناع الفيلم" فنحن نقصد المنتجين أو أطراف الإنتاج المتعددة والأطراف الممولة التي اشترت الفكرة والسيناريو، وبينهم الموزع أيضا، أي القائمين على الفيلم من ناحية الجانب الصناعي والتجاري (صناع الفيلم أي الذين يقفون وراء صناعته) ومنهم المخرج أيضا، فالإشارة إلى الصناعة هنا ليست خطا، لأن هذا الجانب قائم في السينما، ومن يشتري فكرة يريد بالطبع أن يجعلها "سلعة" أليس كذلك، اي سلعة فنية أو ثقافية أو للتسلية- حسب نظرة كل منا للسينما بالطبع، وبالتالي هو مسؤول عن هذه السلة بشكل أو بآخر.
أما قولي إن الفيلم ابداع فردي فالمقصود به كنت أعتقد أنني أوضحته في مقالي، وأكرره وأزيده هنا وهو أن الأفلام مثل أي نشاط إنساني آخر كالرسم مثلا، صحيح أن وراءها صناعة، لكن الفكرة، والموضوع، البناء، والرؤية، كلها أشياء تنبع من شخص أو أكثر (يكون منهم المؤلف وكاتب السيناريو) يتفقون معا في النهاية على عمل الفيلم طبقا لهذه الرؤية، وليس نتيجة "إجماع الأمة" أو "مقتضيات المرحلة" أو من أجل "مواجهة الصهيونية" أو للرد على "الاختراق الغربي" أو تعبيرا عن "ضمير الجماعة أي ضمير الأمة" أو بناء على تكليف أو قرار حكومي بعمل أفلام "تمجد الإنسان المسلم مثلا" أو تبرز "عظمة تاريخنا وتقاليدنا" او "تعبر عن عظمة الجندي المصري أو السوري في حرب أكتوبر".. هذه كلها أفكار عامة ساذجة يطرحها الكثير من الكتاب المشغولين بالقضية الاجتماعية والسياسية على حساب الجانب الفني وأصله وأساسه، وهو انه ابداع فردي لا يمكن صنعه طبقا لتوجيهات أو بقصد مبيت.. وعندما يتم ذلك بل وهو يحدث هنا وهناك، فإنه لا ينتج أعمالا فنية بل مجرد "أشياء ولافتات" دعائية فاشية سخيفة لها علاقة بالظاهرة الاجتماعية والسياسية لكن لا علاقة لها بالفن أو بالابداع. والفيلم كما ذكرت أعلاه ردا على السؤال السابق، مسؤولية المخرج أساسا، فالمؤلف ينتهي دوره بتقديم النص سواء رواية أم سيناريو، وتبدأ مسؤولية المخرج وهذا ليس لغزا بل أمر يعرفه الجميع بما فيهم نجيب محفوظ العظيم نفسه الذي كان دائما ينأى بنفسه عن الأفلام التي أعدت عن أعماله ويعتبرها أفلام مخرجيها.
وعندما جاء حزب البعث العراقي إلى السلطة أراد عمل أفلام تمجد حركة البعث وتلعب على فكرته الفاشية التي تتلخص في أن الفيلم يجب أن يوظف في خدمة الأمة.. والأمة هنا تعبير بديل عن سياسة الحزب المهيمن على السلطة والمتحكم في الأمة، فكانت النتيجة تدمير الابداع السينمائي في العراق وهجرة كل السينمائيين القادرين على الفعل إلى الخارج. إن حزب البعث أراد أن يخلق "الإنسان البعثي" و"السينمائي البعثي" أي الذي يتحدث بلسان الحزب ولا يكون له لسانه الخاص أو عينه، ولذا يمكن القول إنه حزب قطع الألسنة. وكل ايديولوجية شمولية تريد أن تصنع الإنسان على شاكلة محددة.. أن تضعه في قالب وخصوصا الفنان، ولكن المفارقة ان الفنان تحديدا لا يمكنه أن يخضع لاي قالب.
وفي ليبيا لا توجد سينما تحديدا لنفس السبب، لأنه نظام شمولي يؤمن بفكرة جوفاء وضعها شخص نصف أبله.. نصف حشاش، اراد أن يجعل الطبيعة نفسها تتغير من أجل أن يثبت أنه على صواب، ولم يظهر في ليبيا اي فنان لأن الأبله جعل من نفسه الفنان والمفكر والأديب الأوحد وهجرت كل العقول ليبيا إلى الخارج. وفي سورية تصدر تعليمات بعمل مسلسلات تدور في اتجاه معين (تاريخي يخدم توجهات البعث السوري القومية) ويهمل البحث في مشاكل الانسان السوري ودائما يهرب المخرج التليفزيوني إلى التاريخ أو إلى تقديم اعمال عن "القضية الفلسطينية" مثلا، من وجهة نظر لا يمكنها الخروج عن أفكار الحزب المسيطر، واذا حدث وخرجت عنها يصادر الفيلم أو يمنع صاحبه من العمل كما في حالة المخرج محمد ملص مثلا. وكان الدوجماتيون في الحزب الشيوعي السوفيتي في عهد ستالين يروجون لمثل هذا النوع من الأفلام التي تجسد أولويات الحزب والفكر الجمعي والتعبير عن البروليتاريا.. إلخ لكن التمرد جاء وحدث في الفن والسينما وأصبح هناك مثلا تاركوفسكي، فهل يعبر تاركوفسكي في أفلامه عن الأيديولوجية التي كانت سائدة في بلده، وهل أخرج أفلاما عن النضال الوطني الروسي أو السوفيتي في مواجهة الغرب الرأسمالي في اطار الحرب الباردة، أم صنع "افلامه" هو التي تعبر عن افكاره الخاصة في الحياة والدنيا والعلاقة بين الإنسان وما يدور حوله بل وعلاقته أيضا بالله وبتاريخه الخاص؟
هل وصلت الفكرة؟ إن أفكار الكثير من أصدقائنا الناصريين لاتزال تدور في اطار عتيق يتخيل أن هناك غزوا سينمائيا يجب مواجهته إما بالمقاومة، بصنع أفلام "تدعو إلى نصرة قضايانا"- كما يقولون، أو بالغزو المضاد، وهو تصور يفترض أن هناك حروبا دائمة مستمرة بين البشرية، يجب أن تصبح السينما فيها اداة حرب وليست وسيلة تعبير إنساني تنشد حرية الإنسان.
ولكنك لن تنجح الا اذا كنت صادقا، وإلا إذا كانت لديك إبداعات فردية متنوعة ومتعددة شأن المجتمعات الانسانية نفسها، فمن الذي يمكنه أن يقول إنني مثلك، أفكر مثلك لأننا ولدنا ونشأنا في مجتمع واحد؟ هذا غير صحيح فكل إنسان له تفكيره وثقافته وخياله الخاص، صحيح أنه ابن ثقافة مجتمعه ومحيطه، لكنه يدخل في حالة نقدية مع ما يوجد حوله أيضا، أو لا يدخل، والفنان المبدع بالضرورة يعيش علاقة حب- كراهية مع مجتمعه، حب لما هو أصيل وجميل، وكراهية لكل تشويه وقبح. وإلا ما وجد الإبداع.
أما "ضمير الأمة" أي الفكرة السياسية الحزبية: ناصرية كانت أم بعثية أم شيوعية، فهي تريد أن يصبح الفنان أداة لخدمة عقيدة الحزب أو المسيطرين على السلطة.. وهذا تحديدا ما يريده أحمد يوسف والذين يكتبون على طريقته. وقد تصادف أنني قرأت اليوم فقط تقريرا عن ندوة تكلمت فيها الأخت درية شرف الدين المذيعة التليفزيونية، عن "الغزو الفكري كما يتمثل في أفلام هوليوود وكيف أن الأمريكيين ينتجون أفلاما تخدم توجهاتهم في العراق- بل إنها ذكرت تعبير "كل الأفلام التي ينتجها الأمريكيون" علما بأن أكثر الأفلام انتقادا للدور الأمريكي في العراق لم تأت إلا من هوليوود.. فهل هناك بعد ذلك "بارانويا قومية" أكثر من هذا!
أخيرا أقول إن المخرج هو المسؤول الأول عن فيلمه مثلما أن الروائي مسؤول عن روايته، حتى لو لم يكتب فيلمه لأنه يختار طريقة تجسيد الرواية أو القصة التي كتبها غيره بتصور آخر مختلف فلا توجد كاميرا في الرواية.. أليس كذلك. أرجو أن أكون قد وفيت.
جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger