
كتابات نقدية حرة عن السينما في الحياة، والحياة في السينما............. يحررها أمير العمري
الخميس، 5 نوفمبر 2009
'المسافر' وحديث الجوائز والمهرجانات

الأربعاء، 4 نوفمبر 2009
مرة أخرى: مشكلة مهرجان القاهرة السينمائي
لم تنبع مشكلة المهرجان بعد رحيل سعد الدين وهبة، بل كانت قائمة منذ بداية المهرجان أي منذ أن أسسه الصحفي الراحل كمال الملاخ في اطار ما يسمى بـ"جمعية كتاب ونقاد السينما" بمباركة وزير "الأمن الثقافي" الساداتي المرحوم يوسف السباعي.
وبكل أسف أيضا أقول إن أحدا في أوساط الانتلجنسيا السينمائية المصرية التي تزعم لنفسها الريادة والتقدم والسبق على أقرانها في العالم العربي، لم يكلف نفسه أبدا التساؤل عن علاقة سعد الدين وهبة أصلا بالسينما، وما إذا كانت كتابته بعض السيناريوهات واشرافه على احدى شركات الانتاج تسمح له بأن يستولي لنفسه على مهرجان القاهرة السينمائي ويضمه إلى خيمة "اتحاد الفنانين العرب" طوال سنوات، قبل أن تأتي الوزارة لتستولي بدورها عليه (منذ 1985) دون أن تعترف به ابنا شرعيا من أبنائها المباشرين (مثل مهرجان الاسماعيلية أو المسرح التجريبي..إلخ) أي دون أن يكون تابعا بشكل مباشر للدولة، ودون أن يكون مستقلا يحصل فقط على دعم من الدولة مثل مهرجان لندن السينمائي الذي لا يفتتحه بالطبع وزير الثقافة ولا أي وزير!
هل كان سعد الدين وهبة مؤهلا لأن يصبح الرئيس المتحكم في كل كبيرة وصغيرة في مهرجان القاهرة السينمائي فقط لأنه "رجل سلطة" ولأن السلطة سمحت له بأن يحصل على "اقطاعيته" الصغيرة داخل الدولة بعد أن خاصمه منصب الوزير؟

إذن ما الذي جعل "المرأة الحديدية" سهير عبد القادر على ما هي عليه أو ما أصبحت عليه (وأنا هنا أعلنها بملء الفم أنني أحتفظ بحق الامتياز في إطلاق هذا اللقب على هذه السيدة قبل نحو 5 سنوات في أكثر من مقال نشروا في مصر)، وهل كانت سهير عبد القادر بأي مقياس من المقاييس العلمية والفنية والأدبية، تستحق أن تحصل على لقب نائبة رئيس المهرجان؟
الإجابة أيضا وبكل وضوح: كلا.. فسهير عبد القادر التي كانت موظفة في مكتب سعد الدين وهبة في اتحاد الفنانين العرب (وهو كيان وهمي آخر ارتضت الدولة المصرية أن تركن إلى سعد وهبة مهمة رئاسته الفخرية التي لا يترتب عليها حتى دفع مرتبات من جانب الدولة) لم يكن أحد يعرف أي شيء يتعلق بعلاقتها بالسينما حتى كمتفرجة، ناهيك عن أنها لم تكن ناقدة سينمائية، ولا مخرجة، ولا مسؤولة في مؤسسة السينما السابقة، ولم يسبق لنا حينما كنا نجوب نوادي وجمعيات السينما في مصر طولا وعرضا في السبعينيات، أن عرفنا أصلا بوجود السيدة عبد القادر التي هبطت علينا فجأة بواسطة سلطة سعد الدين وهبة، لكي تصبح نائبة رئيس المهرجان، في حين أن مهمتها الحقيقية لم تكن تتجاوز القيام بأعمال الآلة الكاتبة وقص صور الضيوف و"تدبيسها" في البطاقات الخاصة بالمهرجان، إلى جانب القيام ببعض ما يسمى "التشهيلات".
وقد أصبحت السيدة سهير التي يرتجف أمامها عدد من كبار السينمائيين والنقاد والاعلاميين في مصر والعالم العربي، تستعذب أو بالعامية المصرية الأصيلة "تستحلي" حكاية السينما والسفر لمشاهدة واختيار أفلام من مهرجانات مثل كان وبرلين وغيرهما مع المرحوم سعد وهبة أولا قبل رحيله، ثم انفردت وحدها بالساحة، واصبح معروفا عنها أنها توقف أمامها كل صباح طابورا من المساعدين والمساعدات لكي تصدر إليهم هم التعليمات والأوامر بمنتهى الشدة العسكرية.. وكان هؤلاء بكل أسف، يطأطؤون رءوسهم ويطيعون في صمت رغم علمهم جميعا أن وجود هذه السيدة على رأس المهرجان (دعنا من حكاية الرئيس عزت ابو عوف من فضلك فهو "في الخارج لتناول الغذاء" أو كما يقول الانجليز ساخرين out to lunch) أمر مخجل لمصر امام العالم. ثم اقامت المرأة الحديدية علاقاتها الخاصة سواء بـ"القصر" أم بالخارج. وقد قال لي أحد النقاد في تونس العام الماضي متسائلا بسخرية: كيف تأتي هذه السيدة إلى تونس لتسأل سائقي التاكسيات عن أي معلومات لديهم عن الأفلام التونسية الجديدة!
ولكن الذين استيقظوا اليوم "لأسباب شخصية"، لكي يوجهوا انتقادات سبق أن وجهناها بوضوح منذ سنوات، وخصوصا العام الماضي في المقال الذي نشر في جريدة "البديل" القاهرية بعنوان "مشكلة مهرجان القاهرة السينمائي"، لا يقولون لنا شيئا عن ذلك الفساد المنتشر في أروقة الثقافة والسينما والمشروع المستمر لتخريب العقول والأشخاص والمثقفين، بدلا من الحديث عن "قانونية" بقاء بعض الأشخاص في مواقعهم لأسباب شخصية، دون أن يشيروا- لأسباب شخصية- إلى واحد بعينه من أقدم وأبرز المتربعين على عدد من المناصب الأرقى والأكبر نفوذا في وزارة الثقافة بدون وجه حق منذ سنوات!
أود أن أختم هذا المقال بالقول إن مشكلة مهرجان القاهرة السينمائي ليس لها حل فردي بمعزل عن الحل العام بكل أسف، فمهما خلصت نوايا البعض أو وجدنا من نتصور انه "يصلح" للمهمة، فالواقع نفسه سيرفض هذا الحل وذاك "الأصلح"، بل ستخرج من الجحور مئات الأفاعي والثعابين لكي تلدغ وتتهم وتشوه وتقوض وتتصارع من أجل محاصرة اي عمل للإصلاح، فإصلاح مهرجان القاهرة السينمائي يبدأ من حيث يبدأ إصلاح مصر.. التي انسدت ماسورتها تماما بكل أسف منذ سنوات بعيدة واصبحت في حاجة ليس إلى "تسليك" بل إلى "تغيير".. هل هذا الكلام واضح بما فيه الكفاية؟
الثلاثاء، 3 نوفمبر 2009
فيلم "الزمن الباقي": قراءة جديدة


واستقبل الفيلم بحفاوة في فرنسا حيث تعرضه 31 صالة في باريس وحدها. وعبرت عناوين مقالات نقاد السينما ما يقدمه سليمان من جديد في السينما الفلسطينية وعما يعكسه من حجم المأساة الفلسطينية وكأنه اكتشاف. فصحيفة "لو فيجارو" عنونت مقالها "الوقت الباقي : يوميات الكارثة الفلسطينية" وصحيفة "لا تريبن" : "فيلم مؤلم عن فلسطين" وصحيفة "لوموند": "الوقت الباقي : الجمع بين المضحك والظريف على خلفية حزينة إلى ما لا نهاية".
واحتفى الكثير من نقاد السينما العرب بالفيلم وقت عرضه في "مهرجان كان للسينما" وبعدها ومن بينهم صلاح هاشم وأمير العمري اللذين رشحاه لنيل "السعفة الذهبية" وافرد "العمري" تحليلا متميزا للفيلم اظهر فيه البعد الحداثي في معالجته (ونالت مقالته جائزة القلم الذهبي لهذا العام في مهرجان وهران السينمائي).
إن إيليا سليمان أبدع سينما من نوع جديد. فبعد "وقائع اختفاء" و"يد إلهية" قفز بالفن السينمائي العربي خطوة جديدة لتعكس حالة القلق الفلسطيني وليكون كل مشهد من مشاهد الفيلم فيلما بذاته. ومن هنا يصعب قص حكاية الفيلم حيث تتداخل حياة أسرة سليمان وتاريخ فلسطين منذ النكبة إلى موت جمال عبد الناصر وتفجر انتفاضة الحجارة ثم بناء حائط الفصل العنصري. فاللقطات هي لوحات بتوقف العدسة للتأمل ولتحكي حكاية بذاتها كجزء من الكل الذي بتجميعه تتجسد الدراما الفلسطينية. فالحوار في كلمات بين أفراد لا يشكل استمرارية لحكاية ولكن بيت شعر من مرثاة. والمشهد بين أشخاص لا يشكل تواصلا لمتابعة تطور درامي لقصة وإنما لاكتشاف حالة عقلية للأشخاص وللأوضاع معا. هذه اللغة السينمائية جديدة على السينما العربية لأنها مصاحبة لوجود جسدي لسليمان كممثل والصامت والناظر لكل حدث كما لو كان هو ذاته أحد المتفرجين.
وللسخرية أيضا مغزاها السياسي العميق. فسليمان يعيد تكرار ذات المشهد بذات الأشخاص في أوقات مختلفة في نفس الديكور ليعمق الفكرة التي أراد إيصالها للمشاهد. إن التكرار مرة بعد الأخرى في لحظات مختلفة من الفيلم هو لتجسيد التحول الحادث في الموقف السياسي والعقلي للفلسطينيين أنفسهم الذين يعاودون الظهور لكن من ناحية بثبات وصمت وانتظار لا نهائي لمن بقى من جيل النكبة وتحول لمن جاءوا بعدها ليصبح الثبات والتحول وكأنهما عملة واحدة بوجهيها.
فمشهد الشاب الذي يحي من يجلسون على مقهى من جيل "النكبة" بأن يمد يده ثم يسحبها ويفرقع أصابعه عندما يمد الآخر يده ليست للضحك وإن أضحكتنا. ومشهد ذات الشاب يمر أمام نفس الصحبة الجالسة في نفس الأوضاع فيلقي عليهم التحية بيده وفي المرة التالية عندما يمر يلقي عليهم التحية مرة ثم يلتفت إلى الاتجاه المعاكس ليلقي التحية على الحائط المواجه ثم عليهم ثم على الحائط وهكذا هو تعبير دون كلمات عن الصورة الذهنية لهم في ضميره... فقراءة لهذه المشاهد تعكس الانفصال الذي بدء يمس بعض من الجيل الجديد عن القضية التاريخية بالتهكم من الجالسين من بقايا الماضي.
والمشهد الأكثر دلالة والذي يجمع الفكاهة والمأساة معا هو ذاك الشاب الذي يخرج من منزله ليلقي شيئا في صندوق القمامة في مواجهة منزله وأمامه دبابة إسرائيلية تتابعه فوهتها في حركته من المنزل إلى صندوق القمامة دون أن يهتم وكأنه لا وجود لها ثم يرن هاتفه الجوال فيتحدث مع مخاطبه بالسير ذهابا وإيابا بعرض الطريق ومدفع الدبابة يتابع حركته. ويطلب من محدثه الحضور إلى للرقص في حفلة منظمة في المساء. وفي المساء يرقص الشباب على موسيقى معاصرة صاخبة بينما في الخارج تنبه عربة جنود إسرائيلية بمكبرات الصوت مرات متتابعة حذر التجول. ولكن انشغال الشباب هو العيش مجرد العيش كأفراد في مكان ما وان كان يضيق عليهم بحائطه العازل وينغمسون في الرقص كما لو كانوا في "حلقة زار" فهم ليسو موضوعا لحظر التجول. والجنود الإسرائيليون يدركون ذلك حينما يرقصون في عربتهم على ذات الموسيقى المنبعثة من الصالة تاركين الشباب في حالهم.
هنا تجسيد لنقيضين للتاريخ فالمقاومة في انتفاضة الحجارة أصبحت وحدها المقاومة الفعلية وتجسد النزع الأخير لوطن. والمقاومة كمخرج يمثلها في الفيلم الإيحاء بتقديم ما هو مشابه كما يجسد ذلك مشهد من فيلم "سبارتكوس" الذي يعرض في الفيلم على فصل دراسي لأطفال فلسطينيين. ولكن لا ينسى سليمان التشديد على ازدواجية في الثقافة العربية ذات طعم خاص ويعكسها الحاضر. فمحرر العبيد هو دعوة للثورة ولكن في لحظة تقبيل "سبارتكوس" لحبيبته تقف المدرسة لحجب المشهد عن التلاميذ بجسدها وتقول : "إنها أخته يا أولاد.. إنها أخته"! هنا طمس حقيقة المشاعر لا يختلف عن طمس الحقيقة في ذاتها التي تعم التاريخ العربي.
ولكن المقاومة في شكلها الأسطوري هي قفزة "إيليا سليمان" من فوق "حائط الفصل" بعصا "زانة" كرياضي يقوم بالقفز العالي. وهنا معنى خاص إذ يعتبر أن من بين الإسرائيليين فئة صادقة في مناصرتها للفلسطينيين لا معنى لمقطعتها والتواصل معها هو استمرار في المقاومة.
وأكثر ما يلفت الإنتباه في الفيلم كان هو صمت سليمان فظهوره كمشاهد في القسم الثاني من الفيلم يسجل بصمت ما يرى ويدعو المشاهد لمشاركته الرؤية. أي وجود ينفي فكرة التمثيل كلعب لحدوته خيالية. فلا داعي للكلمات لتصف نهب قوات "الهجاناه" الصهيونية لمنازل الفلسطينيين الفارين بعد هزيمة الجيوش العربية. ولا تعليق على تخفي هؤلاء الجنود بالكوفيات الفلسطينية لإيهام المواطنين بان العرب انتصروا في دخولهم المدن لكي يغتالوا من بقى منهم. ولا تعليق على إطلاق احد الجنود الرصاص على فلسطينية أطلقت "زغرودة" لتوهمها أن المقنعين الصهاينة هم المقاومة العربية. ولا تعليق على المواجهة بين أطفال الحجارة والجيش الصهيوني. دمعات ترقرقت في عيون الأسرة الفلسطينية دون نبس كلمة لحظات إعلان أنور السادات في التلفزيون نعي وفاة جمال عبد الناصر.
المبالغة مقصودة في الظهور الصامت لمخرج الفيلم وكاتب حكاية فلسطين بدءا من مذكرات أبيه المقاوم وخطابات متبادلة بين أفراد الأسرة وسماع روايات الذين عاشوا نكبة 48 قبل مولد إيليا عام 1960
وهذا الصمت ذاته يلعبه في علاقته بالآخرين مثل التواصل مع أمه إلي أسكتها المرض ولا تكاد تدرك ما حولها بإسماعها أغنية قديمة أحبتها فبدأت قدماها تعيد اللحن بدبدبة خفيفة.
ويتم التواصل مرة أخرى عندما يضع سليمان على أنف تمثال يمثل "السيدة مريم" أم المسيح فتبتسم الأم وتتخذ قرارها الذي لا يعارضها فيه سليمان بكلمة بنزع الأجهزة الطبية في العناية المركزة. وكأن وقتها مضى والوقت الباقي هو للآخرين.
الأحد، 1 نوفمبر 2009
نكتة مؤتمر المثقفين

دعا وزير الثقافة إلي عقد مؤتمر للمثقفين، من أجل عرض أفكارهم وطرح برنامجه الذي عرضه علي المجلس التنفيذي للمنظمة الدولية من أجل أن يكون هو خطة العمل في وزارة الثقافة في مصر. وبالطبع فإن هذا المؤتمر ما هو إلا محاولة من الوزير لتأمين دخول المثقفين إلي الحظيرة، وحتي يضمن ألا يعارضه منهم أحد في هذه الفترة الحساسة التي تعقب هزيمته في اليونسكو، ولضمان بقائه في منصبه مدي الحياة.

إن دعوة الوزير لمؤتمر المثقفين لا تتعد أن يكون نكتة سخيفة طالما سمعنا منه العديد منها، وكلها تسعي إلي تدجين المثقفين وضمان ولائهم له، ولم نسمع منه أي حديث حول استقلالية الثقافة وإدارة المثقفين لأمورهم ومؤسساتهم، وعن استقلال المؤسسات الثقافية، لأنه لن يرضي الدولة التسلطية التي يعمل الوزير في إطارها. ففي كل دول العالم المتقدم، ماعدا فرنسا ذات التراث اليعقوبي المركزي لم تعد هناك وزارة للثقافة، تتبعها المؤسسات الثقافية، ولا يعني ذلك تخلي الدولة عن دعم الثقافة، وإنما عادة ما تكون هناك مؤسسات مستقلة تحصل علي دعم غير مشروط من الدولة. ولدينا في مصر مؤسسات من المفترض أن تكون مستقلة لكنها للأسف مستقلة اسما لا فعلا بسبب تدخل الدولة في شئونها، وعادة ما تتدخل الدولة من أجل إجهاض أي محاولة للاستقلال، ويكفي أن نشير إلي ما فعلته من أجل ألا يشكل الكتاب اتحادا أو نقابة مستقلة لهم، وسنت قانوناً جعل اتحاد الكتاب أسيرا لدي الوزير المختص وهو وزير الثقافة.
أما الجمعيات الثقافية العريقة فهي أسيرة لدي وزارة التضمن الاجتماعي التي تتحكم فيها عبر قانون الجمعيات، والمجلس الأعلي للثقافة الذي تأسس ليكون بديلا عن الوزارة في فترة ألغيت فيها الوزارة، مشكل من موظفين أكثر عددا من المثقفين والكتاب.
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com