الأربعاء، 3 يونيو 2009

فيلم "الزمن الباقي" لإيليا سليمان بين الحداثة وما بعد الحداثة


فيلم "الزمن الباقي" للمخرج إيليا سليمان هو الإسم المطبوع باللغة العربية على شريط الفيلم الذي عرض في مسابقة مهرجان كان السينمائي الـ62 ، ورغم ذلك مازلنا نقرأ لمن يطلقون عليه "الزمن المتبقي"، تماما كما تطلق صحيفة معينة على فيلمه السابق "يد إلهية إسم "يد قدرية"!
كثيرون يعتبرون أن أسلوب التعبير السينمائي عند إيليا سليمان في فيلمه البديع هو أسلوب ينتمي إلى ما بعد الحداثة postmodernism في حين أن الصحيح أنه ينتمي إلى الحداثة modernism أساسا، وفي المقام الأول.
الأسلوب الحداثي يتضح أولا في كون الفيلم قائما على التأمل العقلي، رغم البناء الذي لا يمكن اعتباره بناءًَ تقليديا على أي مستوى. إنه بناء ينتقل بين الأزمنة انتقالات واضحة ومحسوبة عبر فترات زمنية محددة، دون أن يقفز فيما بينها أو يجعلها تتداخل بحيث لا يستطيع المشاهد التفرقة بين الماضي أو الحاضر: في الأزياء وطريقة التعبير أو الملامح، بل إن وجود "البطل- المؤلف- المخرج" في الكثير من لقطات ومشاهد الفيلم صامتا متأملا، يؤكد طيلة الوقت على وجود "صاحب الرؤية" أو "صاحب النص" وعلى أهميته، وهذه كلها من الملامح الأصيلة للحداثة modernism في حين أن ما بعد الحداثة تميل إلى استبعاد المؤلف أو التقليل من أهميته ومن أهمية ذاكرته أو حياته الشخصية، كما تميل إلى تداخل الأزمنة والخلط فيما بينها في نسيج مركب أقرب إلى "الاسكتشات".
ليس هذا فقط بل إن وجود المؤلف، صاحب النص والرؤية، يرتبط ارتباطا وثيقا بفكرة استدعاء الذاكرة، وتصفية الحساب مع الماضي، في محاولة لفهم ما حدث في الماضي، وكيف كان ممكنا أن نصل إلى ما وصلنا إليه: على الصعيد الشخصي السينمائي يعيش واقعه داخل فلسطين المحتلة بكل ما يحيطه من مظاهر "اغتراب" يعبر عنها ويعكسها في فيلمه ببراعة، أو على الصعيد العام: الانتقال من تراجع إلى آخر، ومن اشتداد في القسوة يؤدي إلى مزيد من التهميش والاغتراب دون القدرة على الفعل لأنه محكوم عليه بالهزيمة أمام قوة بطش ليس لها مثيل في التاريخ بل إنها تبدو كما لو كانت قوة "من خارج التاريخ" لا يصلح معها بالتالي التعامل بالمنطق القائم بل بخلق واقع آخر هو أقرب إلى الحلم.
يتبع إيليا سليمان في فيلمه أسلوبا "حداثيا" modernist في تصوير ما يمكن وقوعه في الواقع ولكن مع بعض المبالغة أو التضخيم مثل مشهد الدبابة التي تتابع شابا فلسطينيا يخرج من بيته لالقاء كيس القمامة. صحيح أن التناقض بين الدبابة الضخمة ومدفعها الطويل، والشاب الضئيل الحجم وكيس القمامة التافه الشأن قد يثير السخرية والضحك، ولكن هذا أيضا ليس فقط قابلا للحدوث، بل إن مشاهد من هذا النوع حدثت أمام كاميرات التليفزيون وعلى الهواء مباشرة دون أن تثير أي ضحكات بالطبع لأنها تبدأ ثم تنتهي عادة نهاية دموية.
إذن هناك استبعاد لفكرة تصوير ما لا يمكن تصور وقوعه (وهو عنصر أساسي في سينما ما بعد الحداثة).
الزمن والماضي
ثالثا: إن سياق الصور والمشاهد وطريقة تركيبها معا ينتقل في الزمن تدريجيا، هو سياق ينشد مخاطبة العقل، ودعوة المشاهد إلى التأمل والتفكير، فهو لا يعتمد على العبث من أجل العبث بل يعتمد منهج التغريب من أجل التقريب كما عند بريخت، ولم يكن مسرح بريخت بأي معيار مسرحا ما بعد حداثي بل حداثي تماما لأنه لم يكن انقلابا على العقل بل محاولة لفهم التاريخ (أي الماضي والحاضر معا) من مقياس العقل والتأمل والإحساس بالمتعة الفنية الكامنة في البنية الداخلية للعمل الفني في الوقت نفسه.

رابعا: يمكن القول إن فيلم "الزمن الباقي" لا يقدم الماضي من خلال أي نظرة "نوستالجية" أي تعكس الحنين إلى ذلك الماضي، كما تميل أعمال ما بعد الحداثة عموما، بل الهدف من تقديم الماضي هنا هو فهم الوضع الذي وصلنا إليه في الحاضر، وليس التطلع بحنين إلى ما كنا عليه، بل التأكيد على استمرارية الدوران الجهنمي لعجلة التاريخ في اتجاه تكريس الظلم وتوسيع نطاقه، وفقدان القدرة على مواجهته بالقرارات والشعارات الفارغة طول الوقت، بحيث نصل إلى تلك الحالة "العبثية" التي يصورها إيليا سليمان حسب رؤيته الشخصية للحالة الفلسطينية التي تتلخص في: العجز، الدوران في نفس الحلقة، الصمت والانتظار، شيخوخة الذاكرة، ممارسة لعبة الكر والفر مع الطرف الآخر، الحلم بالقفز فوق الحاجز "المادي تماما" بطريقة سحرية، مثل الحلم بعبور نقطة التفتيش الإسرائيلية بل وتفجيرها تماما بقوة المرأة وفتنتها، أو تدمير دبابة إسرائيلية بقذفها ببذرة المشمش، أو التصدي لآلة الحرب الإسرائيلية الهائلة بقوة العدالة الإلهية التي تنزل فارسة جبارة من السماء في فيلم "يد إلهية".
وعلى الرغم من وجود المخرج- البطل- المؤلف حاضرا في الكثير من مشاهد الفيلم، يتطلع، ويراقب، ويتأمل، فليس المقصود هنا تجسيد فكرة "التلصص" التي تعد أساسا جوهريا أيضا في سينما ما بعد الحداثة، بالمعنى الحسي المباشر أي التلصص على ممارسة الجنس مثلا أي اقتحام المحرم وتصويره والفرجة عليه بعد تصويره سرا، أو تصوير الجنس بشكل جريء مقتحم صريح.
إن "تطلع"- وليس "تلصص" إيليا سليمان هنا، يجسد كما أشرت، الوجود المادي لصاحب الرؤية السينمائية (كمرادف لصاحب النص في الأدب) ويؤكد عليه كشاهد على مسار التاريخ طوال ستين عاما أي منذ مولده في عام "النكبة" نفسها 1948.
اختلاط الأساليب
ويغيب عن الفيلم أيضا ما يعرف في سينما ما بعد الحداثة باختلاط الأساليب والرؤي الفنية، وهو ما يطلق عليه منظرو ما بعد الحداثة pastiche أي المزج بين الأساليب مثل الكوميديا والدراما النفسية وأسلوب الفيلم الرومانسي والفيلم الموسيقي.. إلخ
هذا الانتقال الحر بين الأساليب الفنية في سينما ما بعد الحداثة يميل إلى تحرير السينمائي من التقيد بأسلوب أو منهج ما محدد في التعامل مع مادته، اتساقا مع التحرر من المفهوم "الأيديولوجي" الواحد في سينما الحداثة عموما، ومن فكرة الخضوع للشكل. ويظل هذا الطرح عموما طرحا نظريا، يتطور باستمرار ولا يمكن تصور أنه أصبح مغلقا غير قابل للمراجعة بل إن أساس فكر ما بعد الحداثة هو التطور المستمر والتعديل والتبديل والتداخل بل والانتقال ما بين مفردات الحداثة وما بعدها في نسيج فني واحد.
في فيلم "الزمن الباقي" هناك حقا نزعة إلى المبالغة الكاريكاتورية في تقديم الشخصيات والأحداث، هذه النزعة تتصاعد مع المضي في الزمن، أي أن الفيلم يبدأ بشكل واقعي ثم يميل في صعوده زمنيا إلى أسلوب أقرب إلى مسرح العبث، ولكن دون أن يكون هناك خلط وانتقالات متعددة بين أساليب سينمائية مختلفة بدون أي حواجز كما في أفلام أخرى تنتمي مذهبيا لسينما ما بعد الحداثة ربما كان أشهرها مثلا فيلم "برازيل" لتيري جيليام.
إن "الزمن الباقي" ينتقل من أسلوب إلى آخر في النصف الثاني منه، ليس كوسيلة لتحرير الخطاب من تقليديته، والتعبير عن موقف من الحياة يتمثل في رفض وحدة الأسلوب واللغة، بل يعد امتدادا لنفس الرؤية أو الخيال السينمائي داخل الإطار نفسه وهو السخرية من التاريخ ولكن من داخل المنطق التاريخي نفسه، وتصوير "الوجود الإنساني" نفسه باعتباره مأزقا مشتركا، فمأزق الفلسطيني ليس منعزلا هنا عن مأزق الإسرائيلي.

سخرية من التاريخ
إن مشهد توقيع وثيقة الاستسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين في بلدية الناصرة، يكثف سخرية المخرج من التاريخ: هنا على الطرف الأول رجل دين مسيحي ورجل دين إسلامي، ورئيس البلدية الذي يهرع إلى مكان الاجتماع كل ما يقلقه هو تأمين حياته لذا يرفع له مرافقه علما أبيض من خارج نافذة السيارة. وعلى الطرف الإسرائيلي عسكريون ببزاتهم العسكرية الخشنة يعيشون وهما يصنعونه ويريدون تسجيله في وثيقة تاريخية هو وهم "الانتصار" كما لو كانوا قد خاضوا حربا ضد جيش حقيقي يضارعهم في قوتهم وبأسهم وانتصروا عليه بالقتال في أرض المعركة. إنهم أيضا يصرون على التقاط صورة تذكارية للجميع معا بهذه "المناسبة التاريخية" حسبما يقول الضابط الإسرائيلي. هذه سخرية واضحة من التاريخ من داخله.
ومع امتداد الزمن يتحول الفلسطيني إلى معتقل في بيته: إيليا سليمان يجلس مع والدته في شرفة المسكن، يكتفيان بالتطلع إلى الألعاب النارية بمناسبة حلول العام الجديد.
وعلى الأرض يبدو كلا الطرفين منغمسين في لعبة هزلية تبدو كما لو كانت ممتدة إلى الأبد. لاحظ مثلا المشهد الذي يتناوب فيه الطرفان، الفلسطينيون والإسرائيليون، جذب نقالة يرقد فوقها مصاب فلسطيني داخل مستشفى. هؤلاء يريدون إسعافه بسرعة، وأولئك يريدون اعتقاله. السلاح يحسم الأمر في النهاية ولكن هل يعتبر هذا الحسم خروجا من المأزق أم تعميقا له!
التأويل هنا واضح، والموقف أيضا واضح، وهو تأويل عقلاني تماما يحمل رؤية وموقفا سياسيا حتى لو لم يكن المخرج- المؤلف يقصد توصيل معنى مباشرا من خلاله. إنه ذلك "اللهو" الذي يبدو تلقائيا، أو يأتي في إطار "فوضى" بصرية، إلا أنها تلك "الفوضى المنظمة" التي تميز الفن الحداثي.
ولاشك أن رؤية إيليا سليمان الحداثية جدا، هي التي تسبب ما يطلق عليه "قلق التأثر" أو "المدلول المكمل" (حسب دريدا) الذي يرجئ المدلول باستمرار إلى ما لا نهاية. إنه يقترب من عالم ما بعد الحداثة دون أن يلجه بالكامل، بل يكتفي بالتوقف على عتباته، مفضلا الاحتفاظ بقدرته على التأثير والإقلاق حتى من خلال السخرية من التاريخ، ومن الذات، ومن الوعي المدرك.
إن لقطاته الثابتة (التي لا تتحرك فيها الكاميرا) التي يغلب عليها الحجم المتوسط medium shots تبدو الأكثر مناسبة للتأمل، للتفكير، لمراجعة المدرك المتلقى أو الوعي المتراكم وإعادة النظر، ليس فقط في التاريخ المروي، بل في الموقف الإنساني الذاتي أيضا. ولعل في هذا كله تكمن عظمة هذا العمل السينمائي الكبير وأهميته.

الأحد، 31 مايو 2009

حوار حول السينما: ثقافة أم تسلية؟

إحياء للمناقشة التي دعا إليها الصديق ليث الربيعي حول طبيعة السينما في عالمنا ودورها الثقافي المهم، أنشر هنا مداخلة بعث بها الصديق عمر منجونة من القاهرة، وفي انتظار ورود مزيد من المداخلات، من كل أصدقاء هذه المدونة، خاصة من السينمائيين الشباب الذين يتطلعون إلى صنع سينما مختلفة في المشرق العربي والمغرب العربي.
أستاذى العزيز / أمير العمرى
بما أن هذه هى المرة الأولى التى أراسل حضرتك فيها عن طريق البريد الالكترونى فاسمح لى أن أسجل أولا احترامى لكل ما تكتبه ولكل مجهودك فى سبيل نشر ثقافة السينما.
قرأت رسالة الأستاذ ليث الربيعى ورد حضرتك عليها وبناء عليه اسمح لى بتدوين بعض الآراء أو ربما الهواجس بشأن الموضوع المطروح:
- السينما ثقافة أم صناعة ؟ ولماذا علينا المقارنة أصلا، لازلت لا أفهم سبب الاصرار على تقسيم السينما فنى وتجارى، جماهيرى ونخبوى، وكل تلك الاشياء التى لا تخدم بالأساس الا المنتجين وما يسمى بنجوم الشباك. واذا خصصنا الحديث عن دولنا العربية نضيف طرفا ثالثا وهم المتطرفون الذين يستمرون بادعاء تفاهة السينما أو حرمانيتها أو... نعود للموضوع - لا أتخيل أبدا أن أرى يوما ما تلك المذيعة الشقراء، بجسدها النحيل جالسة أمام الدكتور يوسف زيدان - على سبيل المثال- تحدثه عن عدم تجارية روايته الأخيرة "عزازيل" أو أن شخصية هيبا كانت قاسية جدا على (الناس) أو أن لغته الشعرية غير مفهومة على العوام ومع ذلك فـ(عزازيل) مستمرة فى (البوكس أوفيس) بنجاح ... لكنى بكل بساطة (وسخافة) يمكننى أن أجد نفس المذيعة تتحدث مع المخرج - الأسطورى- عادل أديب يحدثنا عن أن فيلمه الأخير قد اختير فى أحد مهرجانات كندا من (أحسن عشرة أفلام فى العالم!) بل وكانت القائمة تضم أفلاما لوودى ألين وسكورسيزى، وزيادة من جرعة السخافة يتحدى (الأسطورة) أن يأتى بأكبر عشرة نقاد فى مصر وأن يكون هو فى الطرف المقابل وأن يأتى بلجنة تحكيم عالمية (على نمط أفلام جود نيوز) فتسأل كلا الطرفين عشرة أسئلة فى السينما - ونشوف مين اللى بيفهم أكتر.
- لا يمكننى بالطبع أن أنكر ظروف نشأة السينما كترفيه والهالة المحيطة (بصناعتها) منذ البداية وكل هذه الأمور لكن أعود وأجد هذا السؤال يسد طريقى : بدون برجمان و أنطونيونى وفيللينى وكوروساوا ومايك لى ويوسف شاهين وصلاح أبو سيف هل كانت ستوجد سينما بالأساس ؟ أقصد فن السينما فالسينما لم تحصل على اعترافها كفن الا من خلال عرق وفكر هؤلاء وغيرهم من أصحاب الرؤى الفنية لا أصحاب دور العرض ومن يبيع (الفشار) بداخلها فلماذا بحق الله ننسف كل مجهودات هؤلاء، ولماذا يصبح مروان حامد بين ليلة وضحاها مخرج عالمى (مع احترامى الشديد لتجربتيه الشابتين) ونتجاهل محمد خان ويسري نصر الله وداود عبد السيد.. لماذا يصرف على كرة القدم الملايين (والأساس أنها نشاط غير ربحى - يعنى الفلوس مش هترجع) بينما توفيق صالح محتجز فى منزله منذ ما يقرب من ربع قرن أو يزيد.. ولماذا لا تحقق أفلام هؤلاء المخرجين ما تحققه بعض الأعمال الأدبية حسنة الذكر؟ باعتقادى ان المسألة ليست مجرد عرض وطلب.
- صانع الفيلم هو الأساس، ولا أدعى أننى - فى الوقت الراهن- ارتكز على ما يكفينى من معلومات لمعرفة عدد العناصر التى تملك رؤية (الخلق) فى العمل السينمائى لكنى أجد نفسى بطريقة أو بأخرى منجذبا الى نظرية صانع الفيلم أو سينما المؤلف - مع عدم اغفال دور كاتب السيناريو بالتأكيد لكنهم على الأكثر شخصان مسؤولان عن تلك العملية (الخلق الفنى) ما أعنيه هنا هو: أن وجود فكرة ما يسمى بصنّاع الفيلم تقطع كل السبل المؤدية الى قيام علاقة بين المبدع والمتلقى ونظرية (المخرج المايسترو) لا تحقق المطلوب على غرار الرواية فمن يقرأ لشتاينبك يعلم أنه شتاينبك وكذلك من يقرأ لمحفوظ أما من يشاهد افتتاحية عصابات نيويورك لمارتن سكورسيزى (لاحظ أستاذ أمير اللام تدل على تبعية الفيلم لمخرجه) - أعنى (مشهد المعركة فى البداية) فأنه يتساءل ان كان سكورسيزى قد تخيل هذا المشهد البديع عند قراءته للسيناريو ونفذه بالشكل الذى تخيله أم أن الأمر مجرد مصمم معارك ومونتيره (شاطرين) وبالتالى فسكورسيزى هو مجرد المشرف الذى يجلس خلف (المونيتور) ويقول (أكشن - كات) ثم يحصد المجد وحده. بالطبع فان مثل تلك رؤية (لصنّاع الفيلم) تسبب عدم القدرة على احترام السينمائى (المخرج) من قبل الأوساط المختلفة بنفس قدر الاحترام للروائى - أو التشكيلى - أو الموسيقى (كخالقين لأعمالهم) بينما الابداع فى الفيلم لكاتب السيناريو والمنتج الجيد قادر على الصرف على الفيلم ليخرج (عالميا) والمخرج لا يقوم الا بتحريك الكاميرا (زاوية يمين - زاوية شمال على رأى شريف عرفة) والباقى فى يد الصنّاع ومن ثم كيف يمكن احترام تاركوفسكى بنفس قدر احترام دستويفسكى و كيف أقول أن الأول مسؤول عن (طفولة ايفان) بنفس مسؤولية الأخير عن (الجريمة والعقاب) وهلم جرا مع باقى أنواع الفنون.
أعتقد أنى قد أطلت كثيرا فى الحديث فأرجو أن أكون قد نجحت فى توصيل جزء من رؤيتى حول الموضوع المطروح.
تقبل منى خالص التحية.
عمر منجونة
* تعليق بسيط فقط على رسالة الأستاذ عمر منجونة أن الأموال التي تنفق على كرة القدم تعود بالربح كثيرا سواء من خلال دخل المباريات أم المتاجرة في اللاعبين. وقد أكون مخطئا لأنني لست خبيرا رياضيا. وفي انتظار مزيد من الآراء التي تثري الموضوع.

رسائل القراء 3

* وصلتني الرسالة التالية الوافية من الصديق "سامي" (من فلسطينيي 48) الذي نشرت له رسالة سابقة، وهو صديق وفي لهذه المدونة.
"لا أعتبر نفسي متخصصا ولكن الواقع الذي نصطدم به يوميا لا يترك لنا مجالا: تكوين وعي بذاتنا ولذاتنا أو الفناء (المجازي).
كنت قد قرأت عن كتابك سينما الهلاك على عجل في مدونتك ويبدو لي كتابا قيّما. عندما كتبت لك رسالتي السابقة أردت أن أكتب فقرة تتناول مسألة الهوية لكنني عدلت عن ذلك لعدم تشتيت الموضوع. أنت صادق ، في أن تعبير فلسطينيي
الداخل أفضل من عرب الداخل لكنني لا أحب كل هذه التسميات لأن في طياتها محاولة من العرب تجاهل واقع يبدو أنه لن يتغير قريبا. بعض الأشخاص مثلا يحبون استخدام تعبير عربي فلسطيني أعيش في فلسطين غير مدركين بأنهم بشكل غير مباشر يؤكدون الرواية الإسرائيلية بأن هذه البلاد هي إسرائيل.
شخصيا أفضل تعبير عربي فلسطيني حامل الجنسية الإسرائيلية. فثقافيا وشعوريا إننا ننتمي إلى العالم العربي ونرى أنفسنا جزءا من الشعب الفلسطيني. لكننا أيضا نحمل الجنسية الإسرائيلية ومن أموال الضرائب التي ندفعها يتم تمويل الجيش وبناء المستوطنات (التي نعارضها لكن هذا لا يغير هذه الحقيقة المؤلمة) وهي حقيقة يبدو أن مناضلي المكاتب المكيفة نسوها(أو فضّلوا تناسيها.. القضية معقدة!
هنا لا بد لي ان أذكر أنني من المؤمنين بالحل السلمي رغم انني لا أرى أنه ممكن في المستقبل المنظور... لكن يقال أن أحلك ساعات الليل هي تلك التي تسبق الفجر.
عذرا على طول رسالتي لذا سأختصر النقاط التالية بسرعة (مجرد شذرات خطرت ببالي):
بالنسبة لترجمة كتاب جورج خليفي فهنالك نائل الطوخي (أعرفه من مدونته فقط) وإمكانية أن يقوم أحد من عندنا بذلك. ربما لو توفرت منحة تفرغ لقام جورج خليفي بنفسه بالترجمة. على كل حال علينا أن ننتظر ونرى رأيت أنك تخطط لكتابة مقالة عن "زيارة الفرقة الموسيقية" وأردت لفت
انتباهك إلى أن عنوان الفيلم العربي (بحسب ما ظهر على الشاشة) هو العرض الأخير - ليس ترجمة حرفية للعنوان العبري.
قرأت أنك كنت رئيسا لنقابة النقاد المصريين. وقد سمعت عن مجلتهم "عالم السينما" التي تبدو لي مجلة جدية. لم أجد للمجلة موقعا على الشبكة. برأيي إن كنت تعتقد أن النقابة لا تمانع بنشرها على الإنترنت ولكن تتورع عن ذلك لأسباب تقنية.. أردت إعلامك بوجود برامج إدارة محتوى حرة، مجانية ومفتوحة المصدر.. هنالك مجموعة شباب مصرية تشجع البرامج المفتوحة المصدر وقد تسعد لمساعدة النقابة، منها مجموعة البطاريق تأكل الطعمية. لا علاقة لي معهم (من قريب أو بعيد) ولكنني من المتحمسين للبرامج والمحتوى الحرين. على كل يمكنني تزويدك بتفاصيل إضافية إن أبديت اهتماما.
تحياتي
=================================================
وصلتني الرسالة التالية من الزميل الناقد الأستاذ أحمد فايق من القاهرة:
أستاذ أمير ياريت تقرا جورنال "الفجر" على الانترنت الاسبوع القادم عمود خاص فى باب شبكة الاخبار لأنى كاتب عنك فى الفقرة التالية :
"الناقد أمير العمرى هو المصرى الوحيد فى الدورة الـ62 لمهرجان كان السينمائى الدولى الذى يشارك فى لجنة تحكيم جمعية النقاد الدوليين، أمير يعمل فى الـ"بى بى سى " وله كتابات هامة فى السينما ، تتمتع مقالاته بجرأة شديدة ومصارحة أهم نفتقدها كثيرا مؤخرا، ورغم ذلك لم نرى إحتفالا يستحق هذا الحدث الهام ، ربما لانه صريح وجرئ وليس مندوبا للعلاقات العامة!"
* شكرا ياعزيزي أحمد.. في العادة لا أنشر المديح الشخصي الذي يصلني ولا حتى المديح المباشر في مدونتي ما لم يتضمن إشارات محددة إلى بعض المواضيع المنشورة، لكن بما أنك نشرت ما كتبته على الملأ فقد خرج عن يدي وأصبح مشاعا.
===============================================
* الاستاذ امير العمري بعد التحية والسلام:
ارسل اليك هذه المقالات تباعا والتي امتنع الاستاذ صلاح عيسي رئيس تحرير جريدة القاهرة عن نشرها لأسباب لا افهمها حيث اعتبر هو والعاملون بالجريدة انني شتمتهم بمقالة امتدح فيها مقالا للاستاذ ايمن الحكيم رغم اني اوضحت انني اتحدث عن وصف عام لما آلت اليه الكتابة المصرية الان ولم أقصد اشخاصا بعينهم لكن البعض من اصحاب البطحة علي رؤوسهم استطاعوا تاليب رئيس التحرير ضد مقالاتي الاخري والتي سارسلها لكم فان رايتم انها تستحق النشر في مدونتكم او في اي مكان اخر ترونه اكون عاجزا عن الشكر.
علي عوض الله كرار

* رغم أن هذه المدونة ليست مفتوحة لكتابات الآخرين لكنني سأحاول نشر موضوعك عن المخرج والناقد الكبير الراحل أحمد كامل مرسي (كان أول رئيس لتجمع النقاد المصريين في 1972)، كما سأنشر مقالك المثير للجدا عن فيلم "واحد صفر". ولكن امنحني بعض الوقت. وشكرا على الثقة.
================================================
* مساء الخير أستاذ أمير
سعدت جدّا بالاطّلاع على مدوّنتك لأنّى فعلا أفتقد القراءه لناقد له رأى مستقل و محترم .. و بما أن المدوّنه -ما شاء الله- تحوى الكثير و الكثير ممّا أود الاطّلاع عليه بشكل منتظم و دائم كنت أتساءل هل تفكّر فى إصدار ما بها من مواد فى شكل كتاب يمكن شراؤه و الاحتفاظ به فما بها من مادة أولى كثيرا بالحفظ و الاسترجاع من كثير من المواد التى تنشر على أنّها نقد سينمائى لكنّها محبظه للغايه و مخيبه للآمال بشدّة سأكون فى غاية الامتنان لو تمكّنت من الرد على استفسارى فى الوقت الذى يناسبك .شكرا مرّه أخرى على ما تكتب.
منى محمود
* ردي على رسالة الأستاذة منى الذي أرسلته إليها مباشرة على بريدها الالكتروني:
عزيزتي منى:تحديدا بسبب استقلاليتي وآرائي الحرة أصبحت لا أجد حتى صحيفة تقبل نشر مقالاتي في بلدي مصر.. كانت "البديل" تنشر لي بانتظام إلى أن توقفت بكل أسف.. الآن أنت تفتحين موضوعا كالجرح العميق.. لدي ثلاثة كتب جاهزة للنشر تضم الكثير مما نشر في المدونة وما لم ينشر لكن هل لديك ناشر.. الأستاذ بلال فضل ارسل إلي منذ فترة يقول نفس كلامك ويبدي استعداده للمساعدة مع دار الشروق.. لكن هؤلاء لا ينشرون إلا لمن يعرفونهم شخصيا ولا يقبلون نشر كتب عن كتابات أو مقالات في السينما لأنها في رأيهم أدنى من الأدب، ويريدون دراسات عميقة موسعة نظرية مكتوبة بلغة غير مفهومة، وكلما كانت غير مفهومة كانت أهم وأرقى، خصوصا لو كان كاتبها أكاديميا أو من هؤلاء و(هاته) الذين كُتبت لهم رسائلهم العلمية في السينما وغير السينما.. النقد التطبيقي غير موجود عند هؤلاء (لكنهم يرحبون بنشر كل تفاهات الأعمدة الصحفية اليومية في كتب لأنها تمس الشأن السياسي العابر المباشر والأمثلة بالمئات) وهم يريدونك أن تقضي عشر سنوات من عمرك (كما فعلت أنا في كتابي الأول سينما الهلاك) تبحثين على نفقتك الخاصة ثم تسلميهم المادة (في نحو 400 صفحة) لكي يتباهوا بنشرها كما فعلت دار سيناء ثم لا تدفع لي مليما واحدا رغم العقد الموقع بيننا.وأضطر للذهاب إلى القضاء للمطالبة بالحق المفروغ منه الذي أتقاضاه بعد ثلاثة سنوات من التقاضي ونفقات المحاماة. أما النشر مجانا فهو أيضا يخضع لاعتبارات معينة.نحن لدينا في العالم العربي بكل أسف لصوص يسمون انفسهم ناشرين وأنا أفضل نشر دراسة مثل تلك (عن فيلم ايليا سليمان) التي نشرتها للتو في مدونتي على أن يتاجر بها اللصوص (في المجلات العربية وغيرها) ولا يدفعون مقابلا لها أو يؤجلون نشرها لعدة أشهر إلى أن تموت بالسكتة القلبية.. افضل نشرها مجانا للناس وأسعد فقط بأن أتلقى رسالة مثل رسالتك تؤكد لي أنني حر وأنني أقدم خدمة لقارئي المفترض وهو موجود..
مرة أخرى هل لديك اقتراح محدد بالنشر عن طريق ناشر محترم يقدر المادة حتى مجانا!!!السيدة فاطمة البودي الناشرة المعروفة (دار العين) ابدت اهتماما شديدا قبل فترة وبعد أن أرسلت لها مادة كتاب عن السينما العربية امتنعت عن الرد، لعل "عين" أصابتها!كفانا تضييع وقت وراء أوهام. أنا سعيد بما أفعله ولا أحتاج مالا من أحد..تحياتي
أمير العمري

السبت، 30 مايو 2009

مشكلة الأفلام الفائزة بجوائز مهرجان كان

من فيلم "كيناتاي" الفليبيني

في مقال سابق أبديت اعتراضي على فوز عدد من الأفلام في مهرجان كان بجوائز، وقلت إن نتائج التحكيم، خصوصا في المسابقة الرئيسية للأفلام الروائية الطويلة، جاءت مخيبة للآمال، ويتعين علي أن أفسر لماذا كان موقفي هذا.
لقد سبق أن أبديت رأيي باختصار في فيلم "الشريط الأبيض"The White Robbon الحاصل على "السعفة الذهبية" وقلت إنني وجدته عملا تقليديا ثقيلا على النفس والعين، وإنه لا يحمل أي جديد فيما يتعلق باللغة السينمائية بل ولا يمكن اعتباره من أفلام الرؤية لأنه باختصار، لا يحمل أي طموح في الشكل أو حتى في طريقة السرد السينمائي. وبالمناسبة "الشريط الأبيض" عبارة كانت تشير إلى "النقاء"، وهنا يمكن أن تكون مقصودة في الاشارة للنقاء العرقي.
أما فيلم "كيناتاي" Kinatay الفلبيني (ومعناها "الذبح" أو المذبحة)، فهو قد يكون من أكثر الأفلام التي شاهدناها عنفا بل وإغراقا في العنف. إنه يصور فساد الشرطة في مانيلا وما وصل إليه هذا الفساد من إيغال في الجريمة والعنف، من خلال عيني فتى في بداية حياته العملية في سلك الشرطة السرية، يجد نفسه وسط مجموعة من عتاة الشرطيين أو بالأخرى، المحرمين الذي لا يتورعون عن ابتزاز مروجي المخدرات والعاهرات مثل "مادونا" التي يعتقلونها ويأخذونها بعيدا إلى بيت منعزل في بلدة أخرى، لتعذيبها بشتى الطرق بسبب تقاعسها عن دفع الإتاوة المطلوبة مقابل حمايتها من جانب وحدة الشرطة السرية، ثم ذبحها وتقطيع أوصالها إربا في مشاهد من أبشع ما صورته السينما.
الفيلم مصور باستخدام أسلوب السينما التسجيلية: كاميرا مهتزة متحركة، لقطات خافتة الإضاءة مصورة داخل ديكورات طبيعية، ممثلون يؤدون كما لو كانوا يقومون بأدوارهم في الواقع، ولقطات صادمة.
الفيلم الذي يعكس ملامح الصدمة على ذهن ونفسية الشرطي الشاب المبتديء، لا ينتهي بصاحبنا وقد خرج كما دخل إلى هذا العالم القاسي الغريب الذي يسبب له الدوار، بل بعد أن أصبح عمليا، أكثر صلابة وقدرة على التحمل، مما يشير إلى أنه سيصبح مثل الآخرين، خصوصا بعد أن نال مكافأة مالية من رئيس وحدة الشرطة الذي قدم في الفيلم كما لو كان رئيسا لعصابة من القتلة والمجرمين.
لا يوجد شيء جديد في كل هذا سوى القسوة الشديدة الواضحة في مشاهد التعذيب والتنكيل، أما أسلوب ولغة الإخراج وطابعه التسجيلي فلا جديد فيها.
وحصل فيلم "حمى الربيع" The Spring Fever الصيني للو يي على جائزة أحسن سيناريو، ولا ندري حقا أي سيناريو هذا الذي تشيد به لجنة التحكيم، فهو سيناريو بدائي يدور حول ثلاثي تقليدي: الحبيبان والزوجة، والحبيبان هنا اثنان من المثليين الصينيين الذين يرتبطون معا بعلاقة حسية حميمية ساخنة، ويصورهما الفيلم في مشاهد "جرافيكية" مباشرة شديدة الوضوح وهما يمارسان الجنس بل ولا يتورعان عن المضاجعة حتى في الأماكن العامة، كما يصور غيرة الزوجة على زوجها ورغبتها في إفساد العلاقة بينه وبين ذلك "الآخر".
ويدور الفيلم في أوساط الشواذ الذين يكشف عنهم في مشاهد شبه تسجيلية، تدور في أوكار الشذوذ في بكين. وهو بهذا التصوير "السري" الذي دار بعيدا عن عيون السلطات الصينية، أصبح فيلما سياسيا بدرجة اساسية، لأنه يعكس أجواء التخفي والمطاردة التي يعيشها المثليون في الصين.
وهو في هذا شأنه شأن الفيلم الذي يحمل اسم إيران، وهو في الحقيقة من الانتاج الفرنسي بالكامل، أقصد فيلم "لا أحد يعرف شيئا عن القطط الفارسية" للمخرج بهمن قبادي، الذي صوره مخرجه أيضا سرا في العاصمة الإيرانية وضواحيها.
هذا المخرج تحديدا سبق لي أن كتبت عن فيلمه السابق البديع "نصف القمر" Half moon الذي يدور حول موسيقار كردي طاعن في السن هو "مامو" يرغب في الرحيل من كردستان ايران إلى كردستان العراق لتقديم موسيقاه هناك التي حرم من تقديمها منذ 35 عاما (أي منذ سيطرة البعث وصدام حسين على الحكم) في حفل كبير ينتظر أن يكون بحق احتفالا كبيرا بعودة الحرية.
غير أنه يتعين على "مامو" أولا أن يجمع شمل أبنائه العشرة، وهم في الوقت نفسه أعضاء فرقته الموسيقية، ويجد أيضا وسيلة تنقله إلى أعالي الجبال عبرالحدود، بمن فيهم "هشو" مغنيته الوحيدة التي تعرف ألحانه وتستطيع أداءها. غير أنه ليس مسموحا للمرأة بالغناء في إيران، ويتعين بالتالي أن يقوم مامو بإخفاء المغنية في مكان ما في الحافلة.

من فيلم "القطط الفارسية"

وفي الطريق تقع الكثير من الأحداث: يتعرض البعض للسرقة، وتقبض الشرطة على بعض الأبناء بعدهم إلى داخل البلاد بدعوى عدم حملهم تصريحا بالخروج معهم، ويصادر حراس الحدود الإيرانيين الآلات الموسيقية للفرقة ويحطمونها، ويقبضون على المغنية ويعيدونها من حيث أتت رغم توسل مامو واحتجاجه. ويلقى مامو مصيره قبل أن يحقق هدفه.
كان هذا الفيلم يعبر بصدق عن الثقافة الخاصة للمخرج ويعكس وعيه بقضية شعبه، تماما كما كان فيلمه الأسبق الرائع "زمن الجياد السكرانة" (2000).
أما فيلمه الجديد فقد أخرجه رغم منعه من العمل في إيران، لذا دار تصويره سرا، ولكن أيضا لأنه يصور كيف تسيطر موسيقى "الروك" الغربية على الكثيرين من الشباب الايراني، وتصبح قضية وجود، بل وحلما من أحلام المتشبثين بها، يرغبون بكل الطرق، اقامة حفلاتهم الخاصة في دولة تمنع مثل هذا النوع من الموسيقى والغناء بل وتحظر غناء النساء.
ولا يدعو الموضوع أصلا إلى التعاطف لأن "ابطال" هذا الفيلم الضعيف لا يعبرون عن تمسكهم بهويتهم بل يريدون بالأحرى، التخلي عن هويتهم التي تتأصل في الموسيقى الإيرانية والغناء الفارسي، لحساب التشبث بالموسيقى الغربية وايقاعاتها. وهي ليست في الحقيقة موسيقى أو أغاني "احتجاجية"، بل أحيانا أيضا تتردد كلماتها بالانجليزية وفي سياق عاطفي!
ويعاني الفيلم من الضعف الواضح في السيناريو بسبب فراغه واعتماده على ما وقع لشخصين في الواقع، دون اكسابه مادة درامية صلبة جيدة، ويختلق شخصية اليهودي "ديفيد" الذي كان يساعد البطلين على الهجرة إلى الخارج، إلى بريطانيا تحديدا، من أجل تقديم أغانيهما من نوع "الروك" أمام الجمهور اللندني، إلا أن السلطات الإيرانية تقبض على ديفيد، ثم تهاجم المنزل الذي يقيم فيه عشاق الروك الايراني حفلا موسيقيا مما يؤدي إلى انتحار البطل بعد ان يلقي بنفسه من النافذة.. فيالها من قضية تلك التي يموت من أجلها أولئك المناضلون من أجل الموسيقى الغربية والغريبة على الثقافة الإيرانية!
المشكلة الواضحة هنا لأي مشاهد هي أن قبادي خرج من بيئته الطبيعية في كردستان، ومنطقة الحدود مع العراق، وفقد بالتالي معرفته الوثيقة بجمالياتها: الضوء والتكوين والمحيط الطبيعي أي الفراغ والإيقاع الخاص بالمنطقة وسكانها بل واللغة أيضا، وبدا وكأنه يصنع فيلما دعائيا عن عالم لا يعرفه، وعن موسيقى لا يؤمن بها حقا. هذا الفيلم مصنوع صنعا من أجل إرضاء الدوائر الغربية في حملتها السياسية ضد الدولة الإيرانية، ولذلك فالفيلم يفتقد إلى الصدق الفني، ويبدو اطول كثيرا من موضوعه، بل ويشيع فيه أسلوب الإعلانات التليفزيونية والأغاني المصورة، والخلل في إيقاعه العام، بسبب الاستطرادات والتنويعات التي يقدمها على نفس النغمة طيلة الوقت. والغريب أن يفوز هذا الفيلم في كان بجائزة خاصة من لجنة تحكيم قسم "نظرة خاصة".
أما جائزة لجنة التحكيم فقد حصل عليها فيلم "حوض الأسماك" Fish Tank البريطاني وهو يستحقها دون شك، لكنه تقاسمها مع فيلم آخر هو "عطش" لبارك تشان ووك من كوريا الجنوبية، وهو فيلم اثار استياء الجميع، فهو يروي قصة تحول قس إلى مصاص دماء، ويبدو مثل "نكتة" طويلة سخيفة، واعتبر من أسوا أفلام المسابقة.
لكن "التوازنات" الضرورية داخل لجنة التحكيم التي ضمت خمس ممثلات أدت إلى اقتسامه الجائزة، وهكذا خرجت أفلام مثل "الانتصار" Vincere و"البحث عن إريك" Looking for Eric و"الحشائش البرية" Wild Grasses و"عناقات مهشمة" Broken Embraces من مولد كان بلا جوائز!
وخلاصة القول أن مسابقة مهرجان كان التي شهدت تنافسا ساخنا بين عدد من الأفلام الجيدة، انتهت بنتائج هزيلة بعيدة تماما عما هو متوقع ومنتظر.

جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger