الخميس، 12 فبراير 2009

توثيق تجربة الاعتقال وتدمير جنوب لبنان


جوانا حاجي توماس وخليل جريج مخرجان من لبنان، يعملان معا في وحدة سينمائية واحدة، ليس فقط بحكم أنهما متزوجان، بل بحكم الاهتمامات المشتركة والهم الواحد بل والانتماء لجيل واحد ايضا (كلاهما من مواليد 1969).
وقد أخرج الثنائي (جوانا- خليل) حتى الآن عددا من الأفلام الروائية والوثائقية القصيرة، كماأخرجا فيلما روائيا طويلا واحدا هو "في يوم ممتع" In a Perfect Day عام 2003. وكان فيلمهما الوثائقي الأول "خيام" عام 2000.
وقد عادا أخيرا وقاما بمد تجربة فيلم "خيام" (المصور بكاميرا الفيديو) على استقامتها، فصورا جزءا ثانيا من الفيلم يستكمل الصورة التي يعرضها، ويبحث في دلالاتها. وقد عرض الفيلم الجديد الشامل في الدورة الأخيرة من مهرجان روتردام السينمائي التي انتهت مطلع الشهر الجاري، تحت عنوان "خيام 2000- 2007".
"خيام" هو اسم المعتقل الكبير الرهيب الذي أقامته القوات الإسرائيلية في جنوب لبنان واستمر من 1982 إلى حين انسحاب تلك القوات في عام 2000، وكان يشرف على إدارته مع الإسرائيليين جنود فيما عرف باسم جيش لبنان الجنوبي أو الميليشيا الموالية لإسرائيل والتي تم تفكيكها بعد الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب، كما تم تصفية المعتقل.
كان هدف صانعي الفيلم في البداية تصوير الواقع داخل المعتقل في عام 1999، إلا أنهما لم يتمكنا من تحقيق ذلك، ولذا لجآ إلى الاستعانة بستة من المعتقلين السابقين (3 نساء، و3 رجال) في الجزء الأول من الفيلم الذي صور في 2000، لكي يروون قصتهم مع المعتقل، تجربة العيش داخل الأسر الطويل.
والشخصيات الست التي تظهر في الفيلم تمثل تنوع الانتماءات السياسية في لبنان، لكنها تجتمع في أتون تلك التجربة المريرة، أي تجربة الاعتقال، التي يتفق الجميع على أنها كانت تخص الجميع أيضا ولا يجب أن ينسبها حزب سياسي معين إلى نفسه، أي لا ينبغي التأكيد على ما قدمه أفراد ينتمون لحزب سياسي معين من تضحيات في المعتقل الرهيب، ويغفلون ما قدمه الآخرون.
وهنا إشارة واضحة إلى حزب الله اللبناني الذي يسيطر على المنطقة التي انسحبت منها إسرائيل في الجنوب، ويتحكم اليوم، كما يتردد في جزئي الفيلم، في كل ما يتعلق بالمعتقل وتاريخه، بل إن بعض الشخصيات الست تقول مباشرة: طبيعي أن يكتب الطرف المنتصر تاريخ ما وقع بما يتلاءم مع رؤيته.
التجربة المشتركة
الشهادات التي قدمها المعتقلون السابقون الستة في الجزء الأول، تهدف إلى رواية تاريخ جزء من تاريخ المقاومة اللبنانية، وتؤكد على التجربة المشتركة، وعلى التضحيات التي قدمها الجميع، ومنهم فتيات كن في غرة الشباب وتعين عليهن قضاء عشر سنوات أو نحو ذلك في السجن، جزء منها أيضا في الحبس الانفرادي.
إلا أن الشخصيات التي نراها أمام الكاميرا، رغم مرارة التجربة وأثرها العميق على حياتهم، نضجت تجاربهم في ضوء تجربة الاعتقال، وربما أيضا بسبب تقدم وعيهم السياسي أصبحت لديهم القدرة على تحليل وفهم ماحدث لهم، واستيعاب التجربة دون أي رغبة في نسيانها بل وفي الجزء الأول نستمع إلى تجربة معظمهم في العودة إلى المعتقل بعد الانسحاب الاسرائيلي، ورغبتهم في أن يتحول إلى متحف للذاكرة.

أما الجزء الثاني المصور في 2007 فيقدم صورة مختلفة حتى للشخصيات الست نفسها التي بدا عليها تقدم العمر والأثر الفادح الذي تركته التجربة القاسية على ملامح الوجوه.
وفي الشهادات الأخيرة لهم يتحدثن بمرارة عن كيف تحول مكان المعتقل إلى بضعة خرائب الآن بعد أن كان من أهداف الحرب الإسرائيلية على لبنان في 2006، تدمير المعتقل ومحو آثاره حتى لا يبقى شاهدا على تلك التجربة لدى عموم اللبنانيين.
ويتحدث بعضهم كذلك عن إهمال الحكومة اللبنانية للمكان، الذي كان يتعين ضرورة إحياؤه بشكل ما، كما يقولون، وجعله دائما تذكرة لما فعله الاحتلال، وشاهدا على الثمن الذي كان يتعين دفعه من أجل إجلاء الاحتلال.
قوة الشهادة المباشرة المصورة هي الجانب الأكثر بروزا في الفيلم الذي يستغرق عرضه 105 دقيقة. فأنت تترك كمشاهد، أمام الشخصية التي تتكلم وتعبر في إطار لقطة متوسطة أو لقطة قريبة للوجه، بحيث تظهر الملامح والانفعالات بوضوح، كما لا يتدخل أي عامل خارجي في إضافة أي تأثير على الصورة.
خلفية مجردة
ويعمد المخرجان إلى تصوير الشخصيات الست التي تظهر في الجزء الأول، أمام خلفية مجردة لا تدل على المكان، وفي الجزء الثاني، يدور التصوير في مكان خارجي في بعض الأحيان، نعرف ذلك من خلال ضجيج المكان الخارجي، دون أن نرى تفاصيله.
ولا يخرج الفيلم إلى الخارج بوضوح إلا في المشهد الاخير منه حينما تتابع الكاميرا بالتفصيل أطلال المعتقل وما حل به من دمار.
وربما يكون المخرجان قد لجآ إلى هذا الأسلوب (التوثيقي) الجاف، بدلا من تصوير الشخصيات داخل المكان، وكان هذا ممكنا في الجزء الأول الذي صور قبل تدمير اسرائيل للمعتقل، أو في أطلاله في 2007، لكي يكون التركيز هنا على الإنسان، في تجربته المباشرة، لكن المؤكد أيضا أن العمل كان سيصبح أكثر حيوية ويتخلص من الطابع الجامد للصورة التي تتطلب جهدا كبيرا من المشاهدين في التركيز، لاستيعاب كل ما يتردد من تفاصيل حول التجربة.

بدي أشوف
أما الفيلم الثاني لنفس المخرجين (جوانا وخليل) فهو بعنوان "بدي أشوف" (76 دقيقة)، ويوثق بكاميرا الفيديو أيضا، الزيارة التي قامت بها الممثلة الفرنسية الشهيرة كاترين دينيف (سفيرة النوايا الحسنة للأمم المتحدة) إلى جنوب لبنان لكي تتفقد آثار ما حل بالجنوب من دمار بعد الحرب التي شهدتها المنطقة بين إسرائيل وحزب الله في صيف 2006.
ويبدأ الفيلم من بيروت، مع وصول دينيف واستقبالها ثم تخصيص مرافق لها، هو الممثل اللبناني ربيع مروة، الذي يقود السيارة التي تقلها ويصاحبها ويتبادل معها الحديث بفرنسيته المحدودة طيلة الوقت.
لغة الفيلم
ويختلف أسلوب الفيلم تماما عن أسلوب الفيلم السابق في اعتماده على التصوير الخارجي المباشر، وعلى تحريك الكاميرا، وخلق تكوينات موحية للصورة، والاستخدام المؤثر للقطات "الكلوز أب" أو اللقطات القريبة، والتمكن من اقتناص الكثير من اللحظات التلقائية المؤثرة كما نرى عندما تضل السيارة طريقها وتدخل منطقة مليئة بالألغام الأرضية في جنوب لبنان، ويتعين على طاقم الفيلم اللحاق بالسيارة وايقافها ثم اعادتها إلى الطريق الآمن.
تقوم دينيف أولا بزيارة الضاحية الجنوبية من بيروت حيث يتركز أنصار حزب الله، وتستعرض الكاميرا الآثار الهائلة لما لحق المنطقة من دمار، وترصد الكاميرا تأثير ذلك على وجه دينيف التي تعجز احيانا عن الحديث أمام ما تراه، وترتبك، وتبدو خائفة، تريد أن تنسحب بسرعة.
وعندما يتوجه الاثنان إلى الطريق المؤدية إلى جنوب لبنان، تقول لمرافقها إنها نسيت وضع الحجاب لتغطية رأسها، فيقول لها ربيع: لا يهم، على أساس أنها شخصية أجنبية معروفة.
في الجنوب الملصقات التي تحمل شعارات حزب الله وصور مقاتليه الذين قتلوا خلال الحرب تملأ الطريق في كل مكان، وأطلال المنازل والبنايات تصنع كتلة سيريالية من اللامعقول المعماري لدرجة أن ربيع الذي يتوجه للبحث عن بيت جدته لا يمكنه حتى التعرف على الموقع الذي كان البيت يشغله، ولا على أي أثر يشير إلى ما تبقى منه.
لا تتحمل دينيف أيضا قسوة المشاهد التي تراها، ولا يمكنها أن تخفي علامات الخوف على وجهها. وعندما يسألها ربيع ما إذا كانت ستعود مرة أخرة إلى لبنان لا تجيب.
وينتهي الفيلم بحفل على شرف دينيف تقيمه السفارة الفرنسية في بيروت، حيث تجد دينيف نفسها تبحث بانفعال حقيقي دون وعي منها، عن ربيع إلى أن تراه فتبتسم ابتسامة الاطمئنان.
وإلى الخارج تخرج بنا الكاميرا، إلى الشوارع وإلى حركة البشر والسيارات في بيروت، دلالة على استمرار الحياة.

الثلاثاء، 10 فبراير 2009

"المليونير الصعلوك": يكسب الفلوس والبنت الحلوة، ويفوز بكل الجوائز!



لم أكن في يوم من الأيام منساقا وراء ما يكتبه النقاد في الغرب، أتبنى ما يكتبونه إشادة أم ذما في الأفلام، بل كان لي رأيي الخاص الذي يعبر عن رؤيتي وثقافتي الخاصة، ولعل هذا قد اتضح تماما عند تناولي لأفلام مثل "سكر بنات" و"زيارة الفرقة" و"الجنة الآن" و"الرقص مع بشير" وغيرها.
وسأغامر هنا مجددا بالسباحة عكس التيار السائد الذي يكيل المديح شرقا وغربا للفيلم البريطاني "المليونير الصعلوك" وكأننا أصبحنا أمام فتح جديد في عالم السينما بينما يمكن أن يزعم المرء أن في سينمانا الكثير من الأفلام التي تتجاوزه في الفن (وربما ليس في الحرفة أو الصنعة) دون أن تنال أي قسط من هذا الاهتمام المثير للريبة قبل أن يكون مثيرا للاهتمام!
وعادة ما تتفق الأوساط السينمائية الغربية كل عام على الوقوف وراء فيلم معين يحولونه إلى أيقونه ويجعلون منه ظاهرة، تنتقل من هنا إلى هناك، وتحصل على الجوائز في كل تظاهراتهم السينمائية سواء بالحق أم بالباطل. و"المليونير الصعلوك" هو فيلم الفترة الحالية على صعيد الأفلام الشعبية الناطقة بالانجليزية، وفيلم "الرقص مع بشير" الإسرائيلي هو معادله "العبري"أي الفيلم الناطق بغير الانجليزية، والمطلوب أيضا تسويقه في العالم كنموذج على "كيف تتمكن إسرائيل من تطهير نفسها بالنقد".. وبالها من دولة تملك أن تحارب ثم تعترف بالذنب، وليس لأنه تحفة زمانه ومكانه بالطبع رغم أنني لا اقلل من قيمته الفنية، لكن ليس هذا هو ما يهم نقاد الغرب (وتوابعهم العرب) الذين يزفونه بالطبل وبالمزمار، ولكن هذا موضوع آخر ربما عدت إليه فيما بعد.
هناك ترجمات عربية متعددة للفيلم البريطاني Slumdog Millionaire فالبعض يترجمه "مليونير أصله فقير" والبعض الآخر "مليونير أصله صعلوك" أو "المليونير الصعلوك وأخيرا هناك من ابتكر اسما يتسق تماما مع واقعنا ويتسق مع أفلام العشوائيات التي ظهرت خلال الفترة الأخيرة، عن سكان العشوائيات وأطفال الشوارع، فأطلقوا عليه "مليونير العشوائيات" وهي تسمية مناسبة تماما في الحقيقة. ولعل وجود كلمة dog أي "كلب" في تركيب الكلمة الثانية من عنوان الفيلم أثار بعض الالتباس (فقد فهم أن المقصود "كلب العشوائيات المليونير") حتى أنه وقعت بعض الاحتجاجات العنيفة في أوساط سكان العشوائيات في بيهار بالهند، كرد فعل على العنوان الذي اعتبروه مهينا، بل إن بعضهم قاموا بحرق دمية للمخرج "داني بويل" في 56 عشوائية هناك. واعترض سكان العشوائيات في مومباي (حيث صور الفيلم) على العنوان أيضا واضطر المخرج وفريق الفيلم إلى الرد على تلك الاحتجاجات بتوضيح أن العنوان لا يقصد منه الاهانة. والغريب بعد ذلك أن أحد الصحفيين العرب كتب عن الفيلم بعد أن أطلق عليه اسم "المليونير الكلب ابن الأحياء الفقيرة"!
أما الفيلم نفسه فقد أحيط بهالة من الأضواء والتقدير والاهتمام الإعلامي لم يحدث أن حظى بها فيلم منذ فترة طويلة خاصة بعد فوزه بالجولدن جلوب أو الكرة الذهبية، ثم بافتا البريطانية وينتظر أيضا حصوله على الأوسكار.
وربما ترجع أسباب الاهتمام الكبير إلى كون الفيلم يجمع بين الشرق والغرب، بين موضوع يدور في الهند بل وينطق في بعض أجزائه باللغة الهندية، وأسلوب سينمائي أو بالأحرى "صنعة" سينمائية غربية متقنة إلى حد كبير، بين قصة بسيطة ذات طابع ميلودرامي، وبين أسلوب يعتمد على الإيقاع السريع والمزج بين الأزمنة خلافا للسينما الهندية بالطبع التي تميل إلى الإيقاع البطيء والإطالة والاستطرادات والمبالغات وإن كان هذا الفيلم لا يخلو من بعض هذه الجوانب أيضا.
أولا: يتعين علينا أن نعرف أن منتج الفيلم هو نفسه صاحب حقوق البرنامج التليفزيوني الشهير "من يريد أن يصبح مليونيرا؟" (وهو برنامج انجليزي أساسا بيعت طبعاته العربية والهندية وغيرهما)، ولاشك أن الفيلم يعد على نحو ما، نوعا من الترويج والدعاية للبرنامج الشهير.
ثانيا: تحتوي قصة الفيلم على عناصر درامية وميلودرامية وعاطفية رومانسية وكوميدية، ولذلك يرضي الفيلم الكبار والصغار، ويبدو مصمما في بناء السيناريو، الذي يعتمد على رواية صدرت قبل ثلاث سنوات في الهند وحصدت رواجا كبيرا، بحيث لا يقتضي من المتفرج جهدا كبيرا في الإلمام بأطراف الموضوع أو التفكير والبحث عن دلالات للأشياء.
أما قصة الفيلم فلاشك أنها أصبحت معروفة الآن على نطاق واسع، ومع ذلك فأساس حبكتها أن صبيا مراهقا يتمكن من الفوز بعشرين مليون روبية في برنامج "من يريد أن يصبح مليونيرا؟" رغم أصله المتواضع وأنه لم يكمل تعليمه فيقبض عليه رجال الشرطة الذين يشكون في أنه حصل على إجابات عن أسئلة البرنامج عن طريق التحايل والغش، ويقومون بتعذيبه بوسائل بدائية لمعرفة كيف حصل على الإجابات الصحيحة.
ويتعين على هذا الصبي (واسمه جمال مالك وهو من مسلمي الهند) أن يفسر تمكنه من الإجابة عن كل سؤال على حدة، وفي كل مرة يعود بنا الفيلم في "فلاش باك" أي عودة في الزمن إلى جانب من حياة "جمال" المأساوية كطفل من أطفال الشوارع تعرض للكثير من المحن وفقد صلته بشقيقه "سليم" الذي أصبح يعمل في خدمة أحد كبار المجرمين في مومباي، كما فقد الصلة مع "لتيقة" (أو لعلها "لصيقة") الفتاة التي ارتبط بحبها منذ الطفولة.
ما يحدث على مسار الفيلم بعد ذلك يمكن متابعته باسترخاء ودون أي مجهود، لأنه متوقع في سياق "الحبكة" التي تفقد أي نوع من الإثارة بعد مضى الثلث الأول من الفيلم، فكل ما يقع من تطور للفتاة (تصبح عشيقة بالإكراه للمجرم) واستتابة سليم بعد فوات الأوان، وإنقاذه للفتاة ودفع الثمن حياته على أيدي أفراد العصابة، تقليدي وسبق أن شاهدناه في الكثير من الأفلام المصرية القديمة التي ربما كانت أكثر إقناعا. والنهاية السعيدة التي ينتهي إليها الفيلم بالتوفيق بين "جمال" و"لتيقة" متوقعة أيضا وطبيعية في فيلم من هذا النوع. وفي الوسط هناك مشاهد اختطاف الأطفال وإحداث عاهات بهم لدفعهم للعمل كشحاذين لحساب عصابات متخصصة، وهي "تيمة" سبق أن شاهدناها أيضا في الكثير من الأفلام المصرية القديمة بشكل أفضل كثيرا خاصة في فيلم "ملك الشحاتين" وبشكل أكثر خفوتا في "زقاق المدق" عن رواية نجيب محفوظ الشهيرة التي تتفوق على الفيلم في تناولها الموضوع بشكل أكثر عمقا منذ أكثر من خمسين عاما!
ويمكن القول إن سيناريو الفيلم هو سيناريو "بدائي" بالمعنى الحرفي، أي أنه يلتزم بالقواعد الأولية في البناء الدرامي وبناء الشخصيات ودفع الأحداث، دون أي محاولة للتعمق في الدوافع والخلفيات الشخصية وسبر أغوار فكرة الحلم بالثراء ومغزى الصعود في مجتمع يعاني من الفقر المدقع، وتقديم صورة حقيقية من الداخل لمجتمع العشوائيات بعيدا عن تلك الأنماط السطحية التي خبرناها مرارا في الأفلام المشابهة: الزحام الهائل، المستنقعات وقنوات المياه الراكدة التي تغسل فيها النساء الملابس، القطارات المختنقة بالبشر، مظاهر الفقر المدقع، وغيرها.
ولعل ما أوقف هذا السيناريو البسيط لحد البدائية على قدميه، هو الإخراج المتمكن الواثق للمخرج الإنجليزي داني بويل صاحب "قبر سطحي" "رصد القطارات" والذي لم يحقق نجاحا منذ هذين الفيلمين كما حقق في "المليونير الصعلوك" رغم أنه أخرج 11 فيلما روائيا طويلا للسينما حتى الآن بعد ان عمل لسنوات لحساب التليفزيون.
نجاح الإخراج يتمثل في السيطرة على إدارة التصوير والتحكم في إيقاع المشاهد خاصة تلك التي تدور في الأماكن الطبيعية، والتحكم في أداء الممثلين، وفي الإيقاع العام للفيلم والإبقاء عليه سريعا لاهثا مع خلفية موسيقية تتناسب مع أجواء الميلودراما. لكن المشكلة أن بويل يراهن على استخدام طريقة "المونتاج المتوازي"، أي تصوير حدثين يتقاطعان في وقت واحد، كوسيلة للإثارة ولكن بدون نجاح في الثلث اأخير من الفيلم، فالمشاهد يعرف منذ بداية الفيلم أن "جمال" سيفوز بمسابقة برنامج "المليونير"، وكان استخدام أجواء الإثارة والترقب التي تتولد من طريقة تقديم البرنامج، التي يحفزها جمهور المشاهدين عن ظهر قلب، طريقة مفتعلة ومستهلكة ولا تثير أي اهتمام لأننا نعرف مسبقا النتيجة. والغريب أنه يجعل جمال يتوجه لاستكمال البرنامج في الليلة الثانية بعد أن تعرض لأشكال من التعذيب الرهيب، دون أن يبدو عليه أي انهاك بل يبدو وقد تحسنت صحته وازداد رونقهّ!
ولكن لاشك في التصويرالبارع للفيلم، وفي نجاح المصور في اقتناص الكثير من اللقطات الخارجية، وخلق صور تنبض بالحياة والحرارة كما في مشاهد الأحياء الفقيرة في مومباي، والابتكار في زوايا التصوير وتنويعها واختيارات الألوان التي تتناسب مع ألوان الهند حتى لتكاد تشعر بحرارتها، وهو إنجاز في مجال الصورة لاشك أنه يستحق التقدير.
لكن لاشئ يبقى في النهاية من هذا الفيلم الذي أثيرت ولاتزال تثار من حوله ضجة صحفية وإعلامية هائلة، تتجاوز كثيرا أهميته وحجمه، سوى دقة "الصنعة" وتمكنها، أما ماعدا ذلك، فكله سيذهب هباء بعد أن ينتهي موسم الجوائز، وبعد أن يحصد "المليونير الصعلوك" كل الجوائز بعد أن فاز بالمال ونال الفتاة الحلوة أيضا!

الاثنين، 9 فبراير 2009

جائزة بافتا لأحسن فيلم لـ"المليونير الصعلوك"


البريطانيون يحاولون سباق الأمريكيين، فبعد أن كانت جوائز السينما البريطانية المعروفة باسك "بافتا" (الحروف الأولى من الأكاديمية البريطانية لعلوم وفنون السينما والتليفزيون) تعلن بعد الأوسكار فأصبحت تسبقها، بل وتتنافس معها على نفس الأفلام والترشيحات.
مساء الأحد أعلنت جوائز بافتا التي لم تشكل أي مفاجآت من أي نوع. فقد حصل الفيلم البريطاني "ميلونير أصله صعلوك" لداني بويل على جائزة أحسن فيلم كما نال جائزة أحسن مخرج.
أما جائزة أحسن فيلم بريطاني فذهبت إلى فيلم "رجل على السلك". وحصل ميكي رورك في "المصارع" على جائزة أحسن ممثل، كما حصلت كيت ونسيلت على جائزة أحسن ممثلة عن دورها في فيلم "القارئ".
وحصل الراحل هيث ليدجر على جائزة أحسن ممثل مساعد عن دوره في فيلم "فارس الظلام"، والممثلة بنيلوب كروز على أحسن ممثلة مساعدة عن دورها في فيلم "فيكي كريستينا برشلونة" لوودي ألين. وفاز فيلم الرسوم "الحوت" بجائزة أحسن أفلام الرسوم متفوقا على "الرقص مع بشير" الإسرائيلي، و"برسيبوليس" الفرنسي الإيراني. ولا مفاجآت في جوائز بافتا إلا أن جائزة أحسن فيلم بريطاني أثارت جدلا فلماذا لم يفز بها فيلم "المليونير" الذي يبدو أنه اصبح أيقونة العام الجاري لأسباب لم يدرسها أحد بعد، فما السر الذي يجعل الغرب يهتم كثيرا بقصة ولد من عشوائيات الهند؟ ولماذا لا تنجح الأفلام المشابهة الميلودرامية العاطفية التي تنتج في بوليوود في الغرب؟ سؤال كبير لم يجب عليه أحد. ربما تكون لدينا اجابة بعد مشاهدة هذا الفيلم- الظاهرة الذي بات من المؤكد أنه سيفوز بالأوسكار أيضا فهذه هي "الموضة" السارية هذه الأيام!

كيت ونسليت في فيلم "القاريء"

الجمعة، 6 فبراير 2009

رسائل الأصدقاء

* الصديق العزيز المخرج رشيد مشهراوي أرسل يقول إنه أنهى تصوير فيلم وثائقي جديد يعنوان "الحمالون" حول أطفال العراق أثناء الحرب على أطفال غزة.
* وصلتني رسالة من القارئ محمد مفتاح من ليبيا يقول فيها إنه لا يعرف لماذا توقفت مجلات السينما في العالم العربي هل لأنه ليس هناك جمهور لها أم لأنها لم تكن ناجحة، وكيف يمكن أن تنجح"؟رأيي الشخصي المتواضع في هذا الموضوع المحير أن جمهور السينما في عمومه لا يقرأ، والجمهور الذي يقرأ لا يشاهد السينما لأنه يعتبرها أدنى من الأدب مثلا، ولكن السبب الأهم يرجع إلى أن القطاع المهتم من الجمهور يمكنه حاليا الحصول على ما يرغب عن طريق الانترنت ولا حاجة به لشراء مجلات (ورقية)، بل وقد اصبحت هناك كتب متوفرة أيضا على شبكة الانترنت سواء بشكل قانوني أو غير قانوني في معظم الأحيان، فما حاجتنا إلى مطبوعات!
هذه وجهة نظر لا أتفق معها بالطبع لأني شخصيا لا أنشر كل شئ عندي في هذه المدونة بل أحتفظ بالغالبية العظمى من كتاباتي لكتب أرجو أن أتمكن من إصدارها.
* رسالة أخرى من القارئ سامح علاء من مصر يقول فيها:"في البداية احب ان اشكرك علي المدونه الرائعة ، اني متابع لها بشكل يومي. كنت اريد ان اسألك بعض الأسئلة: من اين يمكنني شراء كتاب السينما كفن تخريبي والمصباح السحري لبيرجمان مع العلم اني اعيش في القاهرة، والسؤال الثاني اين مقالاتك عن جان لوك جودار وجلوبر روشا، والسؤال الثالث هل يوجد كتب لجان لوك جودار في القاهرة؟ . و شكرا".
واضح طبعا أن صديقنا سامح من المهتمين بالقراءة في السينما، وبقراءة الكتب بوجه خاص، والكتب المتخصصة أيضا وليست العمومية عن النجوم والسينما الشائعة الأمريكية. وهذا يثبت أن القارئ المتخصص موجود.
أما بخصوص شراء كتب السينما وغيرها فأنا شخصيا أعتمد على مؤسسة أمازون في شراء معظم ما يلزمني منها. ويمكنك مخاطبتها عن طريق الانترنت بشرط أن تكون لديك بطاقة دفع الكترونية. واليك العنوان http://www.amazon.com/وعليك البحث في قسم الكتب عن كتاب السينما كفن تخريبي Film As a Subversive Art وكتاب The Magic Lantern للراحل العظيم برجمان. وجدير بالذكر أن كتاب "السينما كفن تخريبي" كان قد ظل لسنوات منشورا على الانترنت في موقع http://www.subcin.com/subindex.htmlإلا أن المسؤولين عن الموقع، نزولا على رغبة المؤلف آموس فوجل، رفعوا الكتاب تمهيدا لإعادة إصداره عن طريق دار للنشر في الولايات المتحدة. وعموما يمكن الدخول إلى هذا الموقع للتعرف على محتوياته لهواة وعشاق ما يمكن أن اطلق عليه "السينما المتطرفة".. في جمالياتها طبعا!
أما بخصوص مقالاتي عن جودار فهي مقالات منشورة منذ سنوات لأن جودار لم يقدم فيلما جديدا منذ عدة سنوات، ولكني أستعد مستقبلا لإعداد كتاب كامل عن أعمال جودار وجمالياتها أعيد فيه مراجعة أفلام هذا السينمائي الذي غير تاريخ السينما، وأشرح تحديدا كيف كان تأثيره علينا عندما كنا صغارا نبحث في العلاقة بين السياسة والسينما. أما جلوبير روشا البرازيلي المؤسس لحركة السينما الجديدة في البرازيل في ستينيات القرن الماضي، وصاحب نظرية "جماليات الجوع" فهو يستحق أيضا تسليط الأضواء عليه لمن لا يعرفه، وأعد بأنني سأفعل بل أنا سعيد لأن سامح حدد هوية هذه المدونة بشكل دقيق عندما طرح تساؤلاته حول هذين المخرجين تحديدا.
أما السؤال الثالث المتعلق بتوفر كتب في القاهرة عن جودار فلا أظن أن أحدا أصدر أي كتاب عن جودار لكن بعض الكتب (منها كتاب لمدكور ثابت) تناولت بعض أعماله. وسؤالك بالفعل يفضح هشاشة وسطحية وانتقائية حركة ترجمة الكتاب السينمائية في مصر والعالم العربي، وربما يكون موقف المؤسسات الرسمية التي تنشر الترجمات تخشى الاقتراب من جودار تحديدا لأسباب يطول شرحها هنا.وبعد أن كتبت هذا الرد وصلتني رسالة من الصديق العزيز الأستاذ خالد السرجاني يلفت انتباهي إلى أن ترجمة لكتاب "السينما كفن تخريبي" صدرت باسم "السينما التخريبية" عن دار الحصاد فى سوريا فى منتصف التسعينات.
================================================

تصويب:
في نطاق تصويب ما يتوالد في الصحافة العربية من معلومات خاطئة أود أن أشير إلى أن الناقد السينمائي سمير فريد كتب في عموده اليومي باحدى الصحف في إطار عرضه لترشيحات الأوسكار فقال إن فيلم "فروست/ نيكسون" عرض للمرة الأولى في ختام مهرجان سالونيك باليونان (23 نوفمبر 2008)، وقد نقل عنه زميل آخر وكرر نفس الخطأ، ولم أفكر في تصحيح ما نشر إلا بعد تكراره واستنساخه دون تدقيق.
والصحيح أن "فروست/ نيكسون" عرض للمرة الأولى في العالم أي قبل عرضه في الولايات المتحدة (بلد الإنتاج) ليس في "مهرجان متوسط" كما قال سمير فريد، يقصد "متوسطي" هو سالونيك بل في افتتاح مهرجان لندن السينمائي في 15 أكتوبر 2008 ونشر مقالي عنه في موقع بي بي سي في اليوم التالي مباشرة أي في 16 أكتوبر. ولذا لزم التصحيح.
جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger