السبت، 25 أكتوبر 2008

يوميات مهرجان تطوان السينمائي 2005


اليوم الأول السبت 26 مارس
* يومي الأول هو اليوم الثاني في المهرجان. لماذا؟ السبب يرجع إلى عدم توفر أماكن شاغرة على الطائرات من أوروبا إلى طنجة بسبب عطلة عيد الفصح في أواخر مارس.
* الطريق من مطار طنجة إلى تطوان يستغرق ساعة ونصف الساعة تقريبا. تعرفت في السيارة على المخرجة سيمون بيتون، وهي إسرائيلية- فرنسية هجرت إسرائيل ضيقا من عنصريتها، وتخصصت في إخراج أفلام تسجيلية عن الفلسطينيين، وقد حضرت إلى مهرجان تطوان للمشاركة بفيلمها الجديد "الجدار" عن الجدار الفاصل الذي شيدته إسرائيل في الضفة الغربية.
سيمون ودودة وتمتلك الكثير من روح المرح، والأهم أنها تفهم روح السخرية irony، وبدون ذلك ليس من الممكن إجراء أي حوار حقيقي في رأيي مع أي إنسان متحضر!

* عرفت من مرافقي أثناء الرحلة من مطار طنجة إلى تطوان أن أعضاء الوفد المصري وصلوا في اليوم السابق لكنهم فشلوا في اللحاق بحفل الافتتاح بسبب تأخرهم داخل مطار الدار البيضاء (قبل انتقالهم بالسيارات إلى تطوان) لعدة ساعات، ربما بسبب إنهاء مشاكل التأشيرات أو ما إلى ذلك من مظاهر التخلف العربي الضارب بأطنابه.
وصلنا إلى الفندق وهو حديث البناء ممتاز. إلا أنه بعيد جدا عن المدينة حيث يوجد المهرجان (حوالي 40 كيلومترا)، وهو خطأ سنظل جميعا ندفع ثمنه يوميا حتى النهاية. وأظن ان هذا أبعد فندق نزلت به في حياتي عن أي مهرجان حضرته، فهو في واد والمهرجان في واد ىخر تماما. وكانت ابعد نقطة اتصورها عن موقع مهرجان ما هي عندما نزلت خلال حضوري مهرجان فارنا في بلغاريا عام 1987 في فندق على شاطئ يدعى "الرمال الذهبية" (بالمناسبة كل بلد في العالم تطل على بحر لديها رمالها الذهبية!) كان يبعد عن وسط مدينة فارنا حيث "هيصة" المهرجان حوالي 22 كيلومترا. أما فندق مهرجان تطوان (ذو النجوم الخمس) فهو يبعد حوالي 40 كيلومترا!

اليوم الثاني الأحد 27 مارس
* في مطعم الفندق ألتقي بالصديق القديم العتيد جدا.. "بريان دي بالما- مصر" كما أطلق عليه أو المخرج "الكبير جدا" محمد خان، ومعه هذه المرة زوجته الجديدة الشابة كاتبة السيناريو الموهوبة وسام التي كتبت فيلم "أحلى الأوقات". إنسانة رقيقة عذبة وحالمة، لا أعرفها من قبل فهي تنتمي للأجيال الجديدة التي نشأت وترعرعت وأنا خارج مصر. مهرجان تطوان يكرم محمد خان وهو تكريم يستحقه بالتأكيد. لم يفكر فيها أصحابنا إياهم في مهرجانات مصر ربما لأنهم لا يعتبرونه مصريا أصلا حسب تصنيفهم العنصري المحدود!
* الممثلة بوسي موجودة بحكم عضويتها في لجنة التحكيم. كنت قد التقيت بها من قبل مع نور الشريف في لندن قبل 16 سنة. صعب أن تتذكر.
* ألتقي أيضا بالصديق "التاريخي" محمد كامل القليوبي الذي تمتد معرفتي به إلى أكثر من 34 عاما.. هل هذا ممكن!
* هناك كذلك الصحفي الموهوب وائل عبد الفتاح، والناقدة الصحفية علا الشافعي (من الأهرام العربي) التي كنت قد قابلتها مرات معدودة في مصر، والمذيعة بسنت حسن من التليفزيون المصري.. لا أدري ماذا تفعل هنا حيث لا كاميرا ولا فريق تصوير ولا يحزنون. وكان هناك أيضا المخرجة هالة خليل التي أسعدني التعرف عليها كثيرا بسبب حلاوة روحها وشخصيتها القوية الطبيعية دون افتعال أو ادعاءات. وقد حضر أيضا المخرج سعد هنداوي والمخرج أسامة فوزي ولمها فيلمان في المهرجان داخل وخارج المسابقة.
* الموسيقار العراقي الموهوب نصير شمة موجود أيضا بدماثته وخلقه الرفيع ضمن أعضاء لجنة التحكيم الرسمية التي تضم اثنين من المغرب: ناقد ومخرج، جريا على عادة مهرجانات العالم العربي.
* الوفد المصري أجمع على اختيار "الأستاذ" فوزي سليمان رئيسا له.. يالشجاعة فوزي وشبابه وقدرته العظيمة على أن يقطع أرجاء الأرض، لا يستسلم للتقدم في السن أبدا.. وهو دائما ذلك الإنسان الرائع المحب للسينما، المخلص لها دون طمع في جاه أو نفوذ أو شهرة تقوم على الأكاذيب والادعاءات.
* في المقر الصحفي للمهرجان: أعرف من صديق مغربي بالخبر المأساوي: توفي أحمد زكي أخيرا فجر اليوم. مهرجان تطوان يبدأ وتنتهي حياة أحمد زكي كما كنا جميعا نتوقع لكن كنا نتشبث بالأمل. انتهت معاناته الآن مع المرض اللعين. خسارة فادحة للسينما المصرية والعربية دون أدنى شك.. هذا هو شعور كل الحاضرين هنا في تطوان.
* أحمد حسني مدير المهرجان يطلب أن يتحدث معي على انفراد. يخبرني أن علي أبو شادي رئيس المركز القومي للسينما – طلب أن يدعى للمهرجان لمصاحبة الوفد المصري، فأرسلوا له الدعوة، لكنهم فوجئوا به يطالب بضرورة إرسال تذكرة الطائرة على الدرجة الأولى متذرعا بأنه وكيل وزارة، وقال أحمد حسني إن أبو شادي كان عنيفا في حديثه معه، فأضطر إلى تذكيره بأن المهرجان لا يرسل تذاكر على الدرجة الأولى. بعد ذلك عرف أحمد حسني أن أبو شادي أخذ يضغط على السينمائيين والنقاد المصريين لحثهم على إلغاء سفرهم، وقد وصل إلى المهرجان بالفعل اعتذار من ليلى علوي وكذلك من بوسي ومحمود حميدة بل ومحمد خان وغيره، إلا أن جماعة تطوان تمكنوا من شرح الأمر لهم وإقناعهم بالمشاركة في المهرجان، باستثناء حميدة الذي تعلل بأنه مشغول، كما علموا أن أبو شادي أرسل أيضا للسفارة المصرية في الرباط يتنصل من مسؤوليته عن الوفد المصري والأفلام، ودفع السفارة لإرسال "فاكس" تطالب بتذاكر درجة أولى لكل أعضاء الوفد وإلا قاطعت مصر المهرجان!
أضاف أحمد حسني أنه اتصل غاضبا بعلي أبو شادي وقال له إنه إذا كان من حقه ألا يحضر إلا أنه ليس من حقه على الإطلاق تحريض الآخرين على مقاطعة المهرجان، وسأله: لماذا لا تدفع لك وزارته فرق السعر!
وقد انتهت الأزمة وأعلنت ليلى علوي أنها ستحضر غدا الاثنين، ثم سيحضر أيضا هاني سلامة ثم هند صبري في الختام. أما علي أبو شادي فلم يحضر.

* "فيلم "الجدار" تسجيلي كلاسيكي لكنه شديد التعاطف مع القضية الفلسطينية. لا بأس إذن.
* سعدت جدا بوجود الناقد الصديق صلاح هاشم المقيم في باريس والذي لم أره منذ لقائنا في مهرجان كان 2003. صلاح لا يزال يحتفظ بحماسه للسينما الجميلة، وحرارته التي تجعلني أغفر له هفواته الصغيرة دائما، وهي بالفعل صغيرة، فهو يعدك بأمر ما ثم قد يختفي عنك سنوات فتظن أنه يقاطعك لأمر ما، ثم تلتقيه فتكتشف أنه كما هو ببراءة الأطفال.. فقط هذا تكوينه كفنان أصلا.
* فيلم "الأمير" التونسي للمخرج محمد زرن فيلم جديد قديم. جديد بمعنى أنه يحاول "تطبيع" السينما التونسية مع الرومانسية، وقديم لأنه لا يضيف شيئا إلى التراث الرومانسي القديم.

اليوم الثالث الاثنين 28 مارس:
* في المكتب الصحفي: العادة العربية المزمنة واضحة.. إهمال تام للخدمات الصحافة والاتصالات لحساب حفلات الطعام.
* مشوار طويل عريض من السينما إلى المطعم في الغذاء، ونذهب و"نعيش" في المطعم إلى أن تلقي بنا الحافلات مرة أخرى في وسط المدينة أمام السينما. وهكذا إلى ما بعد منتصف الليل.
* أتذكر أنني أيضا عضو في لجنة تحكيم النقاد المكونة من خمسة نقاد من مصر والمغرب وفرنسا وأسبانيا وإيطاليا. لكن الايطالي أمبرتو روسو لم يحضر بسبب إجراء عملية جراحية له، والناقدة الأسبانية لن تستمر حتى الختام، ومنسق اللجنة غير متفرغ، لذا فشلنا حتى الآن في عقد اجتماع تمهيدي، بل اكتفيت بتبادل الرأي مع الناقد المغربي.
طلب مني أحمد حسني قبل فترة طويلة من انعقاد المهرجان- تقديم ندوة عن المشهد الحالي للنقد السينمائي العربي، أقارن فيها بين ما عرضته قبل عشر سنوات في ندوة مشابهة، وما هو قائم اليوم. لكن المشكلة أنهم لم يعلنوا عن الندوة، لا في الكتالوج ولا في البرنامج.
نبهت أحمد حسني لهذه المشكلة متسائلا عما إذا كانت قد ألغيت فربما يكون هذا أكثر وضوحا. أحمد - الذي يبدو كالمسحور - أصر على أن الندوة قائمة وأنهم سيخبروني بموعدها في أقرب وقت!
* عرض فيلم "بحب السيما" في المساء بحضور بطلته ليلى علوي التي تستقبل استقبالا هائلا حقا مع المخرج أسامة فوزي. ترحيب علني قبل عرض الفيلم بمعظم أعضاء الوفد المصري.
نجح عرض الفيلم الذي يعتبر أحد أهم ما قدمته السينما المصرية في السنوات الأخيرة.
اليوم الرابع الثلاثاء 29 مارس:
* الناقد خليل الدمون رئيس جمعية نقاد السينما في المغرب وهو صديق قديم أيضا، موجود وحاضر من خلال مجلة "سينما" التي يصدرها مع الصديق أيت عمر المختار وآخرين عن الجمعية وبدعم من المركز المغربي للسينما باللغتين العربية والفرنسية. وهي مجلة ممتازة الطباعة وليست كراسة متواضعة مثل مجلة "السينما الجديدة" التي كنا نكافح لإصدارها وقت رئاستي لجميعة نقاد السينما المصريين.
* الناقدة الأسبانية تقول لي أنها تفضل منح جائزة النقاد لفيلم عربي، تشجيعا لسينما في حاجة إلى تشجيع. نتفق معها على ذلك.
* مناقشة فيلم "بحب السيما" في ندوة عامة تبدأ على استحياء كالعادة. يتكلم بعض الصحفيين من المغرب. يركزون على الطابع "المسيحي" للفيلم –كما يقولون- وعلى نقده للكنيسة. أسامة فوزي يحاول الرد. ليلى علوى تتكلم كلاما جميلا أيضا لكنها تشير إلى فكرة العالمية وإلى أننا لا نقل عالمية عن غيرنا. أقرر أن أتكلم فأقول إن الفيلم لا يتناول موضوعا دينيا بل فكرة القهر والحرية من خلال عدد من الثنائيات في بناء متعدد المستويات. أتحدث بانفعال حقيقي وأنفى المفهوم السائد للعالمية: تستطيع أن تكون عالميا إذا نجحت في غزو شبكات التوزيع في السوق الأمريكية (أكثر من 20 ألف دار للعرض).
* أحمد حسني مدير المهرجان يخبرني أن الندوة "الموعودة" ستنعقد غدا في الثانية عشرة وأنهم أعلنوا عنها.
* فيلم "ليلة حب" لسعد هنداوي يثير الأسى والحسرة. هذا مخرج كان يبشر بتفجر موهبة لا تقبل المساومة لكنه يقبل صنع عمل أقرب إلى "الفيديو كليب" لكي يصبح مخرجا للأفلام الروائية الطويلة. فيلم من أفلام الوجبات السريعة "تيك أواي" بكل أسف، غير أنني لا أستطيع أن أمنع تعاطفي مع سعد. قسوة الظروف، والسينما ليست وحدها التي تدهورت. في مناخ آخر يمكن أن يجد سعد هنداوي نفسه بالتأكيد، أما المناخ الفاسد الحالي فنحن جميعا في انتظار أن يرحل الكابوس عن القصر!
* حديث طويل عن السينما المصرية وأزماتها المزمنة مع ليلى علوي وسعد هنداوي في بهو الفندق. ليلى تقول إن كلامي في ندوة "بحب السيما" غير مسار الندوة بالكامل. أنجح في إثارة شهيتها لحضور ندوة النقد السينمائي غدا.

اليوم الخامس: الأربعاء 30 مارس:
* ندوة النقد تتأخر ساعة كاملة بسبب انشغال القاعة. أصعد إلى المنصة وأقول ساخرا إن العالم العربي يعيش "أزهى عصوره" ولذا فقد تأخرت الندوة ساعة فقط ولم تلغ تماما ويتم طردنا من هنا، وعلينا بالتالي أن نكون شاكرين. لست واثقا تماما أن السخرية التي تحملها الكلمات قد وصلت إلى الجميع حقا!
لم يحضر أكثر من نصف الصحفيين والنقاد المصريين، بل ولا حتى محمد خان والقليوبي، وهو أمر لم يدهشني على الإطلاق فقد فضلوا الذهاب للتسوق. وهو أمر يحدث دائما في أحسن المهرجانات!
* حضر - باهتمام شديد - فوزي سليمان وسعد هنداوي وصلاح هاشم، كما حضر الصحفي أشرف بيومي.
فجأتني ليلى علوي وحضرت فعلا بعد بداية الندوة بقليل وظلت حتى النهاية. غريب أن النجمة تحضر ويغيب "المثقفون" أو ليس غريبا!
خضت في قضايا النقد والصحافة والتوزيع وأكدت على أهمية دور مؤسسات المجتمع المدني المستقلة، وأهمية التكنولوجيا الجديدة في تقدم السينما (الكاميرات الرقمية، والنقد عبر الانترنت).
* أكثر الأسئلة صعوبة سؤال يتعلق بسلطة الناقد. قلت إنني لا أحب كلمة سلطة. أفضل مسؤولية. ربما تكون السلطة في القدرة على دفع الناس لمشاهدة فيلم والاعراض عن فيلم آخر، وهو ما لا يتوفر لأي ناقد عربي حتى الآن.. ربما لحسن الحظ أيضا وإلا لأصبح البعض ممن يجيدون استغلال هذه "السلطة من أصحاب الملايين!
* أثار ما أعلنته في الندوة من تحد للحكومات العربية أن تعلن عن خطة حقيقية لبناء "سينماتيك" دهشة الحاضرين.
* فيلم "أحلى الأوقات" مصنوع برقة وبلمسة خاصة ومن خلال سيناريو محكم، إلا أنني كنت أتمنى أن تتمكن مخرجته الموهوبة هالة خليل من التوقف في لحظات للصمت لكي تتيح لنا بعض لحظات للتأمل خلال المتابعة اللاهثة لمصائر الشخصيات الثلاث الرئيسية.

اليوم السادس: الخميس 31 مارس:
* صلاح هاشم أصر على ضرورة إجراء مقابلة صحفية صاخبة وطويلة معي للمرة الأولى في تاريخ علاقتنا في ضوء تصريحاتي المدوية في ندوة النقد. صلاح يبدو شديد الحماس.. هل يستمر حماسه طويلا أم يفتر كعادته بعد أن نفترق!
* تكريم المخرج محمد خان. محمد ينتهز الفرصة لكي يحول التكريم إلى تأبين لصديقه أحمد زكي بطل ستة من أفلامه. لمسة إنسانية جميلة ومؤثرة.
* أتفق مع الناقد المغربي نجيب الرفايف على ترشيح "بحب السيما" و"طرفاية أو باب البحر" المغربي لجائزة النقاد. الاسبانية ماريا لوس رشحت "طرفاية" و"معارك حب". أما الناقد الفرنسي ميشيل سيرسو فقد رشح فيلمين أوروبيين وهجر الأفلام العربية. "طرفاية" يكسب بالأغلبية إذن وهو يستحق بالفعل!
* أذهب لمشاهدة فيلم "كليفتي" لمحمد خان لكني أجده (أي خان طبعا وليس كليفتي) واقفا على باب دار الثقافة التي يفترض أن يعرض فيها الفيلم. لقد فشل المنظمون في العثور على جهاز عرض من نوع ديجيتال فيديو عرض الفيلم. محمد ليس ساخطا، بل هو قلق أكثر على زوجته التي تأخرت عن موعدها معه. أنتظر معه. ألتقي بمندوبة مهرجان مونبلييه الفرنسي. لقد جاءت أيضا لمشاهدة الفيلم. أسألها: هل يحدث لديكم أمر مشابه لما حدث الآن مع فيلم محمد خان؟ تنفي ببساطة. أعود لسؤالها: ولماذا؟ لا تعرف بم تجيب، ربما شعورا منها بالحرج. أقول لها إن السبب ربما يرجع إلى أنهم يعيشون في"شمال المتوسط" بينما نعيش نحن في جنوبه، العيب إذن في البحر المتوسط الذي يفرق بيننا وبينهم، واسألها ما رأيك في اختفاء المتوسط؟ ترد ضاحكة إنها تفضل بقاء المتوسط. لديها كل الحق بكل تأكيد!

اليوم السابع: الجمعة 1 أبريل:
* جولة مع القليوبي في الحي القديم من تطوان. نفس الأزقة والطرق الملتوية المبلطة والمنازل المتلاصقة والدكاكين الضيقة التي تستطيع أن تتكهن بأنها تؤدي إلى البيوت من الخلف. شاهدت نفس المعمار في أصفهان ودمشق وفي الجزائر وتونس والرباط. لم يشيد الأوروبيون شيئا مشابها إلا في فينيسيا. القليوبي رأيه أن هذا التصميم قصد منه تسهيل الدفاع عن المدن.
*على طعام الغذاء تحضر الممثلة المتألقة هند صبري التي وصلت من القاهرة اليوم لحضور الختام.
* حفل الختام: يتصف كالعادة بالطول والاستطرادات وكلمات المسؤولين الكثيرة المليئة بالشعارات. وزير الإعلام المغربي يتعهد في كلمته بتأسيس معهد للسينما في تطوان.
يبدأ تقديم لجنة التحكيم على المسرح. أفاجا بأنهم ينزلون بسرعة. ومن سيوزع الجوائز؟ انتظر وسترى.
ينادون على هاني سلامة الذي غادر تطوان عائدا للقاهرة لتقديم جائزة ما. وينادون على محمد خان مرتين. ولدهشتي ينادون علي للصعود إلى المنصة مع أعضاء لجنة تحكيم النقاد لا لتقديم جائزتنا بل للفرجة على الناس وإتاحة الفرصة للناس لكي يتفرجوا علينا.
* نفس الأخطاء المعتادة في المهرجانات التي تقام في "جنوب المتوسط" (إذا استدعينا تعبير عبد الرحمن منيف): اعلان الجوائز كتب بالفرنسية دون العربية وتعلثمت ليلى علوي ومحمد خان في القراءة، والرقص البلدي الشعبي بدون داع في مهرجان سينما، وبينما يتعرف كل الحاضرين في المسرح الجميل على هند صبري التي تجلس أمامي ، لا يتعرف عليها مقدما الحفل ولا منظمو المهرجان، لذلك لا يطلب منها الصعود على المسرح لتحية الجمهور أو لتقديم إحدى الجوائز.. لماذا دعوها للحضور إذن؟
* المفاجأة فوز الفيلم المغربي "الذاكرة المعتقلة" بالجائزة الكبرى، وخروج "بحب السيما" من المولد بلا حمص رغم مستواه الفني الذي لا شك فيه.
* المفاجأة الثانية هي أن لجنة التحكيم تمنح جائزة التمثيل النسائي لممثلة فرنسية بدلا من أن تحصل عليها ليلى علوي الحاضرة بقوة: في الفيلم وفي المهرجان، في حين تمنح اللجنة محمود حميدة جائزة أفضل ممثل عن دوره في "بحب السيما" وهو الذي غاب عن الحضور.
* أشعر بالأسف لأسامة فوزي. لقد سبق أن خرج من قرطاج أيضا دون الجائزة التي يستحقها. وقد فاز "الذاكرة المعتقلة" أيضا بجائزتي الشباب ودون كيشوت، وهو ما جعلني أداعب أصدقاءنا المغاربة بقولي: جوائزنا عادت إلينا.. أليس كذلك!
* أجمل ما في حفل الختام ذلك العرض الجميل الذي صاحبه العزف الحي الجميل من نصير شمة – لصور ولقطات من حياة وأعمال الراحل أحمد زكي، وكان ينبغي الاكتفاء بذلك وشطب كل الخطب الرنانة وتقديم المسؤولين وغير ذلك من تفاهات المهرجانات العربية "الفولكلورية".
* انتهى إذن المهرجان، وعلينا الآن أن نحتفل بالفائزين ونفرح معهم في قاعة حفل العشاء الكبير الذي أقيم في نهاية الليلة وامتد حتى الثانية صباحا أو بعد ذلك.
وعلينا أيضا أن نقنع أنفسنا بأن المهرجان نجح وأصبحت السينما العربية في طريقها إلى العالمية.
* في اليوم التالي. معاناة ما بعدها معاناة في انتظار الحافلة التي ستقل الوفد المصري إلى مطار طنجة. لا تأتي إلا متأخرة كثيرا. طائرتي أنا بعدهم بثلاث ساعات تقريبا فلماذا اذهب معهم. أكدت على القائمين على المهرجان أكثر من مرة ضرورة ارسال سيارة (المطار على بعد ساعة ونصف من الفندق). غادرت حافلة الوفد المصري مكتظة لا مكان فيها لليلى علوي ولا لبوسي أو اسامة محمد فحملهم السفير المصري معه في سيارته وغامر في الطريق اسلحلي في صبيحة ممطرة.
* السيارة التي يفترض أن تنقلني لم تأت. وبعد تحطيم أعصاب وعشرات المكالنات التليفونية التي لا يرد عليها أحد فأصحاب مهرجان تطوان أرهقهم التعب فاستغرقوا في نوم عميق ونسوا امر ضيوفهم.
* وصل أخيرا الأخ محمد ضياء السوري مسؤول العلاقات العامة في المهرجان لاصطحابي بسيارته. أخبرني الخبر المشؤوم أن سيارة السفير سقطت في هوة جبلية وعرة وأصيبت بوسي اصابات شديدة وكذلك ليلى علوي واسامة فوزي إلا أنهم جميعا نجوا بأعجوبة من موت محقق!
* نصل إلى المطار متأخرين بعد أن تكون الطائرة قد أقلعت إلى لندن. تكون النتيجة أن أعود لقضاء ليلة سيئة في طنجة ثم أستقل طائرة في الصباح الباكر إلى الدار البيضاء لاجلس لمدة 7 ساعات فوق مقعد في المطار حتى تقلع طائرة أخرى من الدار البيضاء إلى لندن. رحلة الأهوال التي لن تعود أبدا..
ألم أقل لكم أن العالم العربي يعيش حقا أزهى عصوره!

الجمعة، 24 أكتوبر 2008

لا جديد في فيلم أوليفر ستون الجديد



شهد مهرجان لندن السينمائي العرض الأول لفيلم "دبليو W" للمخرج الأمريكي الشهير أوليفر ستون خارج الولايات المتحدة تمهيدا لتوزيعه في الأسواق العالمية.
وأوليفر ستون معروف بمواقفه السياسية المتأرجحة، فقد بدأ حياته مؤيدا متشددا لليمين الأمريكي ولفكرة تطهير المجتمع بالعنف (يمكن مثلا مراجعة فيلم "عام التنين" لمايكل شيمينو الذي كتب له السيناريو) إلى أن فاجانا عام 1973 بفيلمه القوي "السلفادور" الذي يتجه بقوة ناحية اليسار ويدين السياسة الأمريكية في أمريكا الوسطى، ويوجه انتقادات حادة للادارة الامريكية ويتهمها بدعم الديكتاتوريات.
وقبل عامين قدم ستون فيلمه الخاص أو "رؤيته" المثيرة للجدل حول ما وقع في 11 سبتمبر في فيلم "مركز التجارة العالمي"، من زاوية للرؤية اعتبرت أولا غير كافية، لأنها كانت تحصر الحدث في حدود "الوطنية الأمريكية"، وهو ما انتهى ثانيا إلى تصريحات ستون الصادمة في مهرجان فينيسيا 2006 بأنه "يتفهم لجوء أمريكا لاستخدام القوة في أفغانستان، ويرى أنه أمر مبرر لأن الأمريكيين كانوا يطالبون بالانتقام. وكان لابد من الانتقام لما حدث في 11 سبتمبر".
واليوم يعود ستون فيتقلب مرة أخرى ناحية اليسار ليقدم رؤية لا تضيف أي جديد للرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش الذي يقضي أيامه الأخيرة في البيت الأبيض.
رؤية ستون لبوش رؤية ساخرة، قدمته كشخص يعاني من الاحساس بالدونية وسط عائلته، كان مدمنا للخمر قبل أن يتحول إلى الإيمان المسيحي ويتخيل نفسه صاحب رسالة، كما يصور علاقته التي يزعم الفيلم أنها كانت دائما متوترة، مع أمه ووالده الرئيس الأسبق جورج بوش الاب.
وينطلق الفيلم من الاجتماعات التي عقدها بوش في البيت البيض مع أعضاء حكومته وسبقت الحرب على العراق، ويعود في مشاهد من نوع الفلاش باك إلى الماضي، على فترة الدراسة الجامعية ويصور المشاكل التي واجهها جروج الإبن في الجامعة وادمانه على المخدرات وولعه الشديد بلعبة البيسبول، ويعقد قمارنات دائمة ومتكررة بين رغبة بوش الإبن في التمتع بالشعبية كلاغعب للبيسبول وحلمه الخاص في الصعود السياسي أولا كعضو كونجرس ثم كرئيس للبلاد.
ولا جديد في كل ما يقدمه ستون في فيلمه، فقد اصبحت تفاصيل قصة حياة بوش معروفة للجميع، وقد أكلت الصحافة الأمريكية عليها وشربت كثيرا، كما أن المشاهد المتخيلة التي يقدمها ستون لما يمكن ان يكون قد دار من مناوشات ومشاكسات داخل عائلة بوش، وتفضيل الأب والأم شقيق بوش الصغير عليه لاعتقادهما أنه الأفضل والأكثر قدرة على "تشريف الأسرة"، لا تضيف أي جديد ولا تبدو حتى "طريفة" او مسلية كما كان يامل ستون.
ويعاني الفيلم من فشل واضح في اختيار الممثلين ربما باستثناء الممثل الرئيسي جوش برولين، الذي لعب دور الرئيس بوش، في حين جاء أداء باقي الممثلين الذين يقومون بأدورا دونالد رامسفيلد وزير الدفاع وقت غزو العراق، وديك تشين نائب الرئيس، وكوندوليزا رايس مستشارة الأمن القومي، وكولين باول، باهتة ونسخا كاريكاتورية سطحية للشخصيات الرئيسية وبعيدة بشكل مثير للرثاء عن النسخ الأصلية في حين أن الهدف كان المحاكاة وليس تقمص الشخصية.
ولا يتوقع أن يحقق الفيلم أي نجاح يذكر بعد أن طرح في الأسواق قبيل الانتخابات الأمريكية القادمة (التي لا يشارك فيها بوش اصلا بسبب انتهاء فترتي ولايته) وانشغال الامريكيين بالمشاكل الاقتصادية.
الفيلم أساسا محاولة للسخرية من بوش وتصوير لعدم قدرته على اتخاذ القرارات، وعقدة والده، وتخبط قراراته خصوصا فيما يتعلق بالحرب على العراق. ويستخدم ستون مشاهد تسجيلية في الفيلم ويمزجها بالمشاهد الخيالية، كما يدخل الممثل الذي يؤدي الشخصية على بعض المشاهد التسجيلية الحقيقية ولكن دون نجاح وبطريقة مفتعلة لا تثير في المتفرج أي خيال كما لا تقدم أي جديد، بل يبدو الفيلم بأسره، خارج الزمن والتاريخ، فالاهتمام بحقبة بوش التي توشك على الغروب، تضاءل حاليا إلى حد التلاشي.

الخميس، 23 أكتوبر 2008

مهرجان قرطاج السينمائي الـ22

مع درة أبو شوشة في مهرجان فينيسيا الأخير


أرتبط بصداقة قديمة مع السيدة الفاضلة درة أبو شوشة مديرة مهرجان قرطاج السينمائي التي أعرفها منذ سنوات طويلة. وقد قبلت دعوة كريمة منها لحضور الدورة الثانية والعشرين من المهرجان الذي لم اشارك فيه منذ أكثر من عشر سنوات لأسباب مختلفة بعضها معلن.
ولمهرجان قرطاج عندي ذكرى خاصة، فقد كان أول مهرجان دولي على الإطلاق أشارك فيه. وكان هذا عام 1980. وكان الزمن غير الزمن، والعصر غير العصر، والناس غير الناس أيضا.
وهو أعرق المهرجانات التي تقام في العالم العربي، والمهرجان العربي الأول الذي قام على أسس واضحة: فكرية وجمالية، فقد ركز اهتمامه على السينما العربية والافريقية، وضرب عرض الحائط بشروط اتحاد المنتجين التي يفرضها على المهرجانات الدولية، فلم يهتم بعرض الأفلام الأمريكية التجارية، ولم يدخلها إلى مسابقته، كما لم يول اي اهتمام باستقدام نجوم هوليوود، والتقاتل مع غيره من أجل عيون نجم من الدرجة الثالثة في السينما الأمريكية. وبالتالي لم يحصل على الاعتراف الدولي، وفرضت عليه شركات هوليوود عبر اتحاد المنتجين، المقاطعة، فلم يبال أو يهتم، وقال لهم اشربوا من البحر، سنقيم مهرجانا له ملامحه الخاصة بنا وبثقافتنا، ولتذهبوا إلى الجحيم!
ومهرجان قرطاج السينمائي أو (أيام قرطاج السينمائية كما يطلق عليه منظموه) مهرجان أساسه الاهتمام بالثقافة السينمائية. وصحيح أن تونس لم تكن عند ولادة المهرجان قد عرفت الإنتاج السينمائي بشكل حقيقي، إلا أن ظهوره في 1966 كان محصلة حركة هائلة لنوادي السينما التونسية انتظمت في شبكة تغطي البلاد بطولها وعرضها، وكانت تضم أكثر من 35 ألف عضو، إلى جانب حركة فعالة لسينما الهواة. ومن هذه وتلك خرجت السينما التونسية بأفلامها التي نعرفها اليوم، وبنجومها في الإخراج.


المهرجان سيفتتح مساء السبت 25 أكتوبر بفيلم "هي فوضى" تحية إلى روح السينمائي الكبير الراحل يوسف شاهين، ويعرض 18 فيلما في مسابقته المخصصة للأفلام العربية والأفريقية. إلا أنه سيعرض أيضا عشرات الأفلام الأخرى في برامجه وأقسامه المختلفة ومن أهمها مسابقة لأفلام الفيديو أو الأفلام الطويلة المصورة بكاميرا الفيديو، ومسابقة للأفلام القصيرة وسيتضمن تكريما للسينما التركية والجزائرية، وقسما لأفلام العالم وبانوراما للسينما التونسية.
وسيكون لنا وقفات مع مهرجان قرطاج وأحداثه وفعالياته وأفلامه، هنا في هذه المدونة، وعلى موقع بي بي سي العربي.

الثلاثاء، 21 أكتوبر 2008

من مخزن الذاكرة



الصورة العلوية لي مع المخرج الراحل صلاح أبو سيف في مهرجان قرطاج السينمائي (1986) ومعنا على اليسار المخرج التونسي الطيب لوحيشي، والصورة المنشورة تحتها مع المخرج الصديق خيري بشارة في الدورة نفسها من المهرجان المذكور.
كان صلاح أبو سيف قد جاء إلى مهرجان قرطاج ضمن وفد مصري يضم خيرة السينمائيين، تصور في تلك السنة، أنه صنع عددا من أفضل الأفلام، وجاء بها للعرض داخل وخارج المسابقة.
كان هناك فيلم "البداية" لصلاح أبو سيف وكان يعرض خارج المسابقة ضمن تكريم خاص للمخرج الكبير، وكان هناك فيلم "الجوع" لعلي بدرخان داخل المسابقة، وهو بلاشك من افضل ما أخرجه بدرخان، وآخر أفضل فيلم لسعاد حسني.
وجاء خيري بشارة بتحفته السينمائية "الطوق والإسورة" عن رواية يحيي الطاهر عبد الله وسيناريو يحيى عزمي.
وربما أصبحت الأفلام الثلاثة حاليا من الأعمال الكلاسيكية في السينما المصرية والناطقة بالعربية بوجه عام. ولكن كان هناك أيضا إلى جانب هذه الأفلام الثلاثة فيلم "اليوم السادس" للمخرج الراحل يوسف شاهين، وقد عرض في افتتاح مهرجان قرطاج في تلك الدورة (أعود لحضور المهرجان هذا العام الذي يفتتح بفيلم "هي فوضى" ليوسف شاهين.. آخر أفلام الراحل الكبير).
وقد خرج الفيلمان المصريان من المسابقة دون الحصول على أي جوائز. وفاز بالطانيت الذهبي الفيلم التونسي "ريح السد" الذي اثار وقتها ضجة كبرى في العالم العربي، كما تعرض لحملة هجومية قاسية في الصحافة المصرية بدعوى أنه يفتح الباب للتطبيع مع اسرائيل، أو بسبب تصويره الشخصية اليهودية في صورة ايجابية، والعربية في صورة سلبية- كما قالوا وقتها.
وقد تحدثت في إذاعة بي بي سي وكتبت ونشرت وقتها أكثر من مقال دافعت فيها بشدة عن هذا الفيلم، أقصد فيلم نوري بوزيد واعتبرته عملا فنيا بديعا (المقالات موجودة طبعا في أرشيفي الشخصي)، كما عدت فأرسلت إلى مهرجان القاهرة السينمائي الذي عرض الفيلم في أواخر العام نص مقابلة طويلة أجريتها في مهرجان قرطاج (اكتوبر 1986) مع نوري بوزيد تحدث فيها بإسهاب عن فيلمه، وقدمته باعتباره عملا كبيرا في السينما العربية، وكان هذا رأيي ولايزال. ونشرت المقابلة في النشرة الرسمية للمهرجان باعتبارها حوار بين "الناقد والمخرج". ولعل أبو زيد لا يعرف أنني بسبب نشر هذه المقابلة في القاهرة، نالني هجوم شديد أو وجه بالأحرى، اتهام من ناقدة مصرية معروفة، بأنني صرت من "المدافعين عن اليهود" وبأنهم "خدعوا في"!
إلا أن هذا لم يمنع نوري بوزيد من شن هجوم مضاد على كل النقاد المصريين، واتهامهم بأنهم "يشعرون بالغيرة من كون الأفلام التونسية تحقق نجاحا". وتجاهل تماما وجود "ناقد مصري" (لم يكن وحده على اي حال) دافع عن فيلمه أينما عرض، حتى بعد ذلك حينما منع عرض الفيلم ضمن 5 أفلام تونسية أخرى من العرض في مهرجان دمشق عام 1991. وقد كتبت وانتقدت ما وقع من حظر، على الفيلم وغيره مثل "الحلفاوين" للمخرج فريد بوغدير.
غير أنني عندما عدت بعد سنوات لمشاهدة فيلم نوري بوزيد المسمى "بزناس" في مهرجان كان 1992 كان لي تحفظات كثيرة على مضمونه وطريقة معالجته، واستسلامه للأشكال والكليشيهات التي يغرم بها الممولون والموزعون الفرنسيون والغربيون عموما، وكان هذا رأي اتفق فيه مع معظم النقاد العرب الذين كتبوا عن هذا الفيلم. وكان أهم ماخذ عليه افراطه في استخدام القوالب التي يحبها الغرب أي أنه استسلم لمقتضيات التمويل الأجنبي. والغريب أن بوزيد نفسه عاد بعد سنوات طويلة لكي يعترف بما قدمه من تنازلات في هذا الفيلم بالذات.
إلا أن نوري بوزيد في ذلك الوقت من التسعينيات اعتبر ما نشرته (في نفس المطبوعات التي نشرت فيها من قبل عن ريح السد) "حقدا مصريا" و"رغبة في إخراجه من السينما ودفعه إلى التوقف عن الإخراج" وغير ذلك من الكلمات الكبيرة الصغيرة المضحكة.
وعندما التقيت به مصادفة أمام مدخل الفندق بينما كنت أحضر دورة 1996 من مهرجان قرطاج، استوقفني لكي يقول لي إنه "لايزال موجودا وإنه ماض رغم كل محاولات إخراجه من المجال السينمائي" أو شيئا ساذجا بهذا المعنى!
ولم أحاول أن أشرح له أو أن أبرر، بل شكرته وانصرفت، فليس من الممكن أن يتخيل أي إنسان في العالم أن هدف أي ناقد أن يجعل مخرجا ما يتوقف عن الإخراج السينمائي فهذا كلام لا يصدر إلا بدوافع أخرى. وأنا أفهم الحساسية المرضية عند بعض السينمائيين العرب لما يكتبه النقاد الذين لا حسابات لهم، فبعضهم عندما يفشل تماما في العثور على دوافع "خاصة" تتفق مع تصوراته عن النقاد، يذهب إلى إيهام نفسه بأنهم يكتبون انطلاقا من اعتبارات الجنسية والتعصب القومي. ولو كان هذا صحيحا، لكنت قد اشتركت مع من شاركوا في حملة هائلة ضد مهرجان قرطاج واتهموه بتجاهل السينما المصرية عمدا ومحاولة عزلها، وكان لهم فيما صدر عنهم بعض العذر وقتذاك بسبب ما حدث في المهرجان من خروج الأفلام المصرية الأفضل من أفلام كثيرة غيرها، من سباق الجوائز بل إن الممثلة فردوس عبد الحميد حرمت بشكل ظالم لاشك في ذلك، من جائزة أحسن ممثلة. وقد وقعت مهزلة هناك عندما نودي على فردوس لكي تصعد لاستلام الجائزة لكنها عندما صعدت أمام الجماهير التي حيتها بقوة (وكانت وقتها في عز مجدها) فوجئت بذهاب الجائزة إلى ممثلة أخرى لا أتذكرها الآن!
كان هناك صراع متخلف وقتذاك يغذيه البعض، بين ما اطلقوا عليه سينما المشرق وسينما المغرب، أو تحديدا بين السينما المصرية، والسينما في المغرب العربي. وقد كتبت في هذا الموضوع، وكنت أميل إلى معارضة كلا الطرفين، اللذين كانا يستندان إلى مفاهيم متخلفة، فلم تكن "التقسيمة" صحيحة أصلا، بل الصحيح القول إن السينما الفنية المتميزة في مصر وغير مصر تواجه الكثير من العقبات والمشاكل، وليس صحيحا أن الفيلم المصري مرادف للفيلم التجاري السائد على إطلاقه، وإلا كيف نصنف أفلام محمد خان وعاطف الطيب ويسري نصر الله ورأفت الميهي وخيري بشارة وابراهيم البطوط وأسامة فوزي (والخلط بين الأجيال مقصود تماما).. هل نضعها في نفس الخانة مع أفلام تعرفونها أنتم جيدا؟
في الوقت نفسه ليس صحيحا على إطلاقه أن كل فيلم ينتج في تونس أو سورية أو المغرب هو فيلم فني بالضرروة، بل هناك أفلام مصنوعة أيضا بغرض الوصول إلى الجمهور العريض، أي أفلام تغازل ذلك الجمهور وتتصور أنها تقدم له ما يريده، وليس ما يريده السينمائيون الطموحون أصحاب الرؤية والخيال!
الموضوع خرج قليلا عن إطار الذكريات التي تستدعيها صور من هذا النوع.. لكن ربما يكون من المهم أن أختم بالقول إنني توقفت تماما عن الكتابة عن أفلام نوري بوزيد منذ ذلك الحين، ما أعجبني منها وما لم يعجبني.. ولعل ذلك أفضل له.. وأكثر راحة لي طبعا!
جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger