الثلاثاء، 22 ديسمبر 2015

التمثيل والحقيقة: أمام الكاميرا وخلفها!






في فيلم "كلاب المستودع" للمخرج الأميركي الموهوب كوينتين تارانتينو، هناك ممثل عملاق لم ينتبه له معظم من شاهدوا الفيلم وعلقوا عليه، وقد أصبح الفيلم عملا "أيقونيا"لدى عشاق السينما منذ عرضه الأول عام 1992. فقد أبدى كثيرون إعجابهم بأداء كل من شارك فيه من الممثلين خاصة هارفي كايتل وتيم روث ومايكل مادسين وستيف بوسيمي بل وتارانتينو نفسه الذي ظهر في دور من أدوار المجرمين السبعة الذين يفشلون بشكل مريع في سرقة بنك ويتفرقون ثم يجتمعون في مستودع أو مخزن كبيرا مهجور، يختلفون ويتشاجرون حول فشل العملية ومن الذي يمكن أن يكون المسؤول عن فشلها بعد ان فاجأتهم الشرطة بمحاصرة المكان، وهل هناك أحد من رجال الشرطة نجح في اختراق العصابة ووشى بهم؟

كان "كلاب المستودع" نوعا جديدا من أفلام الجريمة يتخذ طابعا كوميديا هزليا يصل إلى العبث. لكن كان هناك ممثل كبير لم يلتفت إليه أحد بل ويغيب إسمه للأسف من معظم المقالات والمطبوعات التي تؤرخ للفيلم. هذا الممثل هو تيرني لورانس، وهو يقوم بدور "جو كابوت" الذي يقود أفراد العصابة من البداية، وكان في الثالثة والسبعين من عمره وقت تصوير الفيلم، وهو يجتمع مع أفراد العصابة على العشاء في المشهد الأول الشهير من الفيلم يناقش ويتدخل عندما تشتد حدة الخلافات بين الجالسين، وكانوا جميعا يرتدون البذلات السوداء كأنهم مجموعة من رجال الأعمال فيما عدا "جو كابوت" الذي كان يرتدي قميصا، ثم نراه في مشهد آخر سيأتي بعد أن تفشل عملية السطو وليس قبل ذلك على عكس مسار السرد في فيلم الجريمة الأميركي التقليدي، ثم نراه يقوم بتوزيع الأدوار عليهم وتلقينهم أسماء وهمية لها علاقة بألوان محددة مثل "بلو" وبلوند" و"هوايت".

عرف لورانس بأدوار الشرير الضالع في عالم الليل والعصابات، ومن أشهرأدواره دور زعيم العصابة الشهير جون ديللنغر في فيلم "ديللنغر" (1940)  كما اشتهر بدور القاتل في فيلم "ولد ليقتل" (1947).

ولم تأت شهرة تيرني لورانس في أفلام العنف والشر والجريمة وأداؤه للدور من فراغ، فقد كانت هناك علاقة وثيقة بين صورته على الشاشة وصورته في الحياة، وقد عرف بأنه مشاغب عنيد وسكير عربيد، وألقي القبض عليه أكثر من عشر مرات في الفترة من 1944 و1951 بتهم تتعلق بالاعتداء والشجار في الأماكن العامة تحت تأثير الخمر. قضى تيرني 3 اشهر في السجن عام 1948 بعد اعتدائه على شاب في أحد البارات، وفي العام نفسه اتهم بركل شرطي وهو مخمور، وفي 1952 تشاجر مع ملاكم في برودواي، واعتدى على شرطي بالضرب في 1956، وفي يوم انتحار والدته عام 1958 اتهم باقتحام منزل سيدة والاعتداء على صديقها بالضرب!

عرف تيري أيضا بتدخله واعتراضاته الكثيرة على المخرجين الذين كان عمل معهم وأيضا زملائه من الممثلين. ويرى ما شاركوه التمثيل في فيلم "كلاب المستودع" أن وجوده في الفيلم كان يضفي عليه نوعا من المصداقية، وتحدث بعضهم عن استمتاعهم برؤيته وهو يتقمص دورا ليس بعيدا عن طبيعته الشخصية، لكنه رغم ذلك تسبب في نشوب الكثير من المشاجرات بين الممثلين وأفراد طاقم التصوير، وقد تشاجر مثلا مع زميله الممثل إدوارد بانكر (الذي قام بدور مستر بلو) كما احتك كثيرا بالمخرج تارانتينو نفسه.

أقلع تيري عن الخمر بعد أن أصيب بنوبة قلبية عام 1982، ولكن محاميه قال إنه ظل يذهب لدفع الكفالة واطلاق سراحه من السجن حتى عام 1994. وقد توفي الرجل متأثرا باصابته بالالتهاب الرئوي عام 2002، أي بعد عشر سنوات من ظهور الفيلم الذي أعاده إلى الأضواء. ودنيا السينما مليئة بالعجائب!



الأربعاء، 9 ديسمبر 2015

عن متحف السينما في تورينو



قد تكون فرنسا هي "أم السينما" في العالم، فهي صاحبة الاختراع الأول للسينماتوغراف، وهي التي تمتلك أكبر وأعظم دار للمحفوظات السينمائية (سينماتيك) في العالم، تضم أكبر مجموعة من الأفلام والوثائق والصور وكل ما يتعلق بتاريخ تطور الصناعة السينمائية. لكن معظم هذه المقتنيات محفوظة بعيدا عن عيون الجمهور، أما متحف السينما الباريسي فهو جزء صغير من السينماتيك الفرنسية.
وقد فشل الانجليز في الإبقاء على "متحف الصور المتحركة" الذي افتتح عام 1988 بتبرعات عدد من المؤسسات الخاصة والأفراد، وأغلق عام 1999 بعد أن عجزت الحكومة عن تقديم الدعم المالي له، وهو ما يتسق مع نظرة الانجليز الذين يحسبون كل شيء بالمنفعة المباشرة والمردود المالي، فمؤسسة كهذه لا يتوقع أن تدر الكثير من المال بالطبع. ولم يكن المتحف يليق بتاريخ السينما البريطانية العريق.
أما المتحف الموجود في مدينة تورينو الإيطالية فهو بلاشك الأكبر والأجمل والأكمل في العالم على قدر علمي، سواء بتصميمه الفني الفريد الذي قدمه مهندس الديكور السويسري فرنسوا كونفينو، أو بمساحته التي تبلغ 3200 متر مربع والموزعة على خمسة طوابق من برج تورينو الشهير- رمز المدينة- أو بكم المقتنيات الهائل التي تشمل الكتب السينمائية والملصقات والملابس والأجهزة السينمائية للعرض والتصوير والمونتاج من بدء تاريخ الاختراع حتى وقتنا هذا، والصور الفوتوغرافية من الأفلام، والرسوم التوضيحية والجرافيكس وأعمال الفن. وهو مثلا يحتوي 300 الف ملصق سينمائي و80 ألف صورة و35 ألف كتاب ونحو 14 ألف بكرة من بكرات الأفلام، و20 ألف قطعة أصلية من الأجهزة السينمائية، ولديه أيضا دار للعروض السينمائية على مسافة قريبة من البرج تعرض كلاسيكيات السينما والاكتشافات الجديدة من الأفلام القديمة التي يتم ترميمها.
ومتحف تورينو ليس مجرد متحف للعرض بل معهد علمي يقدم بشكل عملي وتوضيحي سواء من خلال المعروضات أو الأفلام التي نشاهدها على شاشات موزعة على أقسام المتحف، تاريخ تطور فن السينما في العالم، ويأخذك في جولة شبيهة بمشاهدة فيلم، لكنه فيلم متعدد الطبقات والأساليب، حيث تنتقل من مرحلة ما قبل السينما (الحفريات السينمائية) إلى ظهور الاختراع، ثم الفيلم الصامت ومنه إلى ظهور الأنواع مثل الويسترن والفيلم الموسيقي، والواقعية الجديدة، وغير ذلك.
الانتقال من طابق لآخر يتم إما عبر الصعود التدريجي في ردهات دائرية طويلة، أو من خلال مصاعد مخصصة للزوار. والمساحة الرئيسية في المتحف أو "الغاليري" المفتوح يضم عددا من الشاشات التي تعرض عليها مقاطع من كلاسيكيات السينما في العالم. هذه القاعة تقع في قلب المبنى وعند التطلع إلى أعلا تشاهد المصعد الرئيسي للبرج وهو يصعد بالزوار إلى أعلى نقطة يمكن الوصول إليها من هذا البرج المسمى "مول أنطونيليانا" (نسبة إلى المهندس الذي صممه اليساندرو أنطونيللي وأشرف على بنائه حتى وفاته وهو في التسعين من عمره، أما كلمة مول فمعناها كتلة). وقد افتتح المبنى عام 1889، ويبلغ ارتفاعه 165 مترا، ويوصف بأنه أعلا متحف في العالم فمتحف السينما يحتل معظم طوابقه.
متحف السينما في تورينو اكتمل عام 2000، وأعيد تصميمه الجمالي البديع ليصبح على ما هو عليه اليوم عام 2006 قبيل افتتاح دورة الألعاب الشتوية العالمية التي شهدتها المدينة. ويتدفق عليه أكثر من نصف مليون زائر سنويا ويعتبر من بين أكثر متاحف إيطاليا جاذبية للزوار.
وجود متحف للسينما في أي مدينة في العالم يعتبر دليلا على الاهتمام بفن السينما ومساواة هذا الفن بالفن التشكيلي، أي أنه يستحق أن تخصص له متاحف ومعارض، ومهرجانات لا تكتفي باستعراض الأزياء والسير فوق البساط الأحمر كما يفعل كثير من مهرجانات السينما في العالم العربي.. ولكن هذا موضوع آخر!

السبت، 5 ديسمبر 2015

هولوكوست إلى الأبد!

 فريد لوشتر في فيلم مستر موت"

عرفت السينما العالمية مئات الأفلام السينمائية، الروائية والتسجيلية، عن موضوع "الهولوكوست" أو ما يعرف بـ "الإبادة الجماعية" لليهود على أيدي النازيين خلال الحرب العالمية الثانية، من خلال ما عرف بـ "غرف الغاز"، والمقصود الخنق الجماعي باستخدام الغازات السامة في غرف خاصة أنشأها الألمان داخل معسكرات الاعتقال الشهيرة في أوشفتز وبيركناو وتريبلنكا وغيرها.

لكن التاريخ السينمائي لم يعرف أفلاما مضادة لنظرية "الإبادة"، رغم ظهور أفلام أخرى تناقض وتفضح الكثير من الجوانب الخفية وراء وقوع بعض الأحداث التاريخية الكبرى مثل قصف اليابان بالقنابل الذرية، فقد ظهرت أفلام عديدة تؤكد غياب أي مبرر عسكري لمثل هذا القصف الوحشي، بينما ظل من المحظور- سينمائيا - التشكيك في الدوافع المعلنة وراء قصف الحفاء مدينة دريسدن في ألمانيا في نهاية الحرب، بالقنابل الحارقة ومقتل 90 ألف ألماني من المدنيين الأبرياء.

لماذا؟ لأنه غير مسموح التشكيك في عدد يهود أوروبا الذين هلكوا في "الهولوكوست". والغريب أن البروفيسور الفرنسي روبير فوريسون، أثبت بالأدلة العلمية قبل 35 سنة، أن غرفة الغاز الموجودة حتى يومنا هذا في معسكر "أوشفتز"، أنشئت عام 1948 أي بعد ثلاث سنوات من نهاية الحرب، لكي يشاهدها السياح دون أن تقول لهم سلطات "متحف أوشفتز" أنها (من وحي الخيال)!

يندر أن يخلو فيلم من أفلام الحرب العالمية الثانية من موضوع "الهولوكوست" وهلاك اليهود في "غرف الغاز"، أو حتى في "أفران الغاز" التي توحي بالقاء اليهود أحياء داخل المحارق أو الأفران.

فيلم واحد فقط حاول ذات مرة، أن يعرض وجهة النظر الأخرى ولو على استحياء، هو الفيلم التسجيلي "مستر موت: صعود وسقوط فريد لوشتر" الذي أخرجه المخرج الأمريكي (اليهودي) "إيرول موريس". وفيه يسلط الضوء على أفكار "المراجعة التاريخية" المناهضة لنظرية الإبادة الجماعية. وقد أثار عرض الفيلم على طلاب جامعة هارفارد في الولايات المتحدة مناقشات صاخبة وجدلا حادا بين الطلاب. وعقب ذلك تعرض مخرجه لهجوم عنيف من قبل اللوبي اليهودي، بلغ حد اتهامه بالنازية رغم كونه يهوديا، مما اضطره لإحداث تغييرات كثيرة في الفيلم فأدخل حوارات جديدة صورها مع مؤرخين مؤيدين لنظرية الإبادة في غرف الغاز.

يصور الفيلم قصة فريد لوشتر المهندس المتخصص في  تكنولوجيا الإعدام في أميركا، الذي ذهب بتكليف من فوريسون عام 1988 الى بولندا وتسلل سرا داخل الغرفة المدمرة التي يقال إنها كانت غرفة الغاز في معسكر أوشفتز، وتمكن من أخذ عينات سرا وعاد لكي يوكل الى معمل في كاليفورنيا اختبار نسبة غاز السيانور السام فيها.  وجاءت النتيجة تثبت خلو العينات المأخوذة من غرفة الغاز من أي أثر للغاز السام. وقد نشر "تقرير لوشتر" في كتاب أصبح شهيرا في العالم كله وترجم إلى لغات عدة.
ومنذ تلك اللحظة بدأت رحلة سقوط لوشتر، أو إسقاطه، فضغطت الجماعات والمنظمات اليهودية على زوجته الى ان تخلت عنه وطلقته، وقاموا باثبات أنه غير حاصل على شهادة في الهندسة، فألغيت العقود التي كانت موقعة معه لحساب سجون امريكية، وتعرض للاعتداء بالضرب، وشوهت سمعته في أجهزة الاعلام، وقبض عليه خلال زيارة له الى لندن لإلقاء محاضرة وتم ترحيله بشكل مهين، وظهر مدير معمل التحاليل لكي ينكر ما سبق ان أدلى به من نتائج. والنتيجة أن لوشتر أصبح "شهيد" التجرؤ على قول الحقيقة. فهل يجرؤ أحد بعد ذلك على التصدي للإباديين!
جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger