الخميس، 26 أكتوبر 2017

حالة أمل الجمل


أمل الجمل وشريف حتاتة

وصفت أمل الجمل التعليق الذي كتبته على صفحتي بموقع فيسبوك من أن مهرجان الجونة (الدورة الأولى) خصص جائزة لأحسن فيلم عربي داخل المساقة وبالتالي ميز الفيلم العربي عن غيره من الأفلام وهو ما لا يجوز، بأنه عمل "غير أخلاقي" بدعوى انني انتقدت المهرجان دون أن أحضره. والحقيقة أنني لست في حاجة لحضور أي مهرجان لكي أقرأ لائحته المنظمة. وهو ما تركز عليه نقدي لتخصيص هذه الجائزة. وإذا كان ما كتبه عملا "غير أخلاقي" فهل أمل الجمل هي المؤهلة لكي تعطي الآخرين دروسا في الأخلاق؟

 دخلت أمل الجمل منزل الدكتورة نوال السعداوي قبل سنوات لكي تكتب عنها كتابا فخرجت- ليس بأقل من زوج نوال السعداوي نفسه الدكتور شريف حتاتة- وهي فضيحة معروفة شغلت الصحف المصرية وانتهت بوقوع الطلاق بين شريف حتاتة والدكتورة نوال السعدواي رفيقة عمره بعد نحو ستين عاما من الزواج فيما سمي إعلاميا بـ "طلاق القرن". وتزوج شريف حتاتة أمل الجمل وهو في التاسعة والثمانين من عمره بينما كانت هي في نحو الأربعين. لكن أمل الجمل جعلت من نفسها "شهيدة الحب"- وكل هذا الهراء- بسبب رد فعل نوال السعداوي الغاضب على قيامها بـ "خطف" زوجها منها طمعا في ماله كما قالت نوال السعداوي.

لكن أمل الجمل- وهي معدة تليفزيونية وتكتب مقالات في نقد الأفلام أحيانا- اعتبرت ما وجهته من ملاحظات على مهرجان الجونة السينمائي عملا غير أخلاقي. والسبب على حد قولها، أنني كتبت عن مهرجان لم أحضره. وكنت قد نشرت مرتين عن المهرجان أشدت فيهما بدور نجيب ساوريرس في العمل الثقافي وأثنيت على انتشال التميمي العراقي الذي اختير مديرا فنيا للمهرجان، بل وكنت أصلا أول من هنأه كما اعترف أمام الممثلة "بشرى" عندما التقينا بمهرجان فينيسيا.

ما كتبته عن المهرجان لم يكن عن البرنامج والأفلام ومستوى العروض وباقي الفعاليات.. الخ بل طرحت تساؤلات حول طبيعة وحجم الجمهور الذي يقام له مهرجان دولي في منتجع سياحي صغير مثل الجونة، ومعروف أن غياب الجمهور آفة مهرجانات السينما في مصر، ولكن جوهر ما نشرته كان يدور حول غياب مناخ الحرية في مصر بسبب الهيمنة البوليسية على الدولة.

 وبعد انتهاء المهرجان أبديت ملاحظة حول جائزة أحسن فيلم عربي التي جاءت نتيجة ابتداع مسابقة أخرى من داخل كل مسابقة رسمية، مخصصة للأفلام العربية، وهي في رأيي- بدعة لا تجوز. وطبيعي أن هذا الرأي يمكن بالطبع مناقشته أو الاختلاف حوله، لكن الجمل شاءت أن تتخذه مثالا على "لا أخلاقية" نقد مهرجان دون حضوره، فهل كان يتعين على الناقد السفر لحضور المهرجان لكي يطلع على لائحته المنشورة؟ 
نوال السعداوي وشريف حتاتة
لو لم أكن قد حصلت على دعوة للمهرجان واعتذرت عن عدم قبولها لكانت الجمل قد اتهمتني بأنني كتبت ما كتبته بسبب عدم حصولي على دعوة لقضاء اسبوع سياحي على شاطئ جميل ومشاهدة افلام شاهدت معظمها بالفعل في مهرجانات أخرى بل وكتبت عنها. لكن مشكلة الجمل أنني اعتذرت عن عدم الحضور فأصبحت بالتالي تبحث عن أي ذريعة للهجوم علي أو بالأحرى- لتصفية الحسابات معي نتيجة تعقيدات قديمة. لكن هل أصبحت الست الجمل المتحدثة الرسمية باسم مهرجان الجونة؟ هل ياترى تتطلع للالتحاق بفريق العمل بهذا المهرجان (الثري) لكي تعود فتهاجمه كما هاجمت مهرجان الاقصر الذي عملت معه وقبضت منه، ثم هاجمت مهرجان القاهرة الذي تعاونت معه وقبضت منه ثم هاجمته العام الماضي (وهي قصة سأرويها بالتفصيل في وقت لاحق)؟

يبدو أن أمل الجمل التي لم تعد تجد شيئا تكتبه، أصبحت تتعيش الآن على مهاجمة النقاد الذين سبقوها فتتهمهم اتهامات مضحكة كأن تكتب إنها تراقبهم من الصفوف الخلفية في المهرجانات الدولية لكي ترصد من الذي غادر العرض ثم تراقب ما كتبوه بعد ذلك.. وهو "اهتمام" خاص جدا يشي بطبيعة الحالة العقلية لصاحبته أو كما يقال بالانجليزية her state of mind


مهزلة الدكتوراه

ربما كان الدكتور شريف حتاتة مناضلا ماركسيا عظيما في الماضي، لكن أحدا لم يزعم أنه كان أديبا عظيما، بما في ذلك نقاد اليسار في مصر الذين يميلون- عادة- الى المغالاة في قيمة من ينتمون لليسار. لكن هناك بالطبع بعض المبالغات التي تنبع من الرغبة في المجاملة شابت بعض مقالات التقدير والتحية أكثر من كونها مقالات نقدية. وحتى روايته الأكثر شهرة "النوافذ المفتوحة" تكمن قيمتها فيما تتضمنه من سرد لمسار حياته السياسية أي كسيرة ذاتية وليس لقيمتها الأدبية. أما أمل الجمل الي أصبحت زوجة له بعد أن قارب التسعين- فقد أقنعته بأنه كاتب عظيم، و"سارتر مصر"، وأنها يمكن أن تؤلف كتابا عن أعماله الأدبية (حسب ما ذكرته نوال السعداوي في مقابلة منشورة معها).. لكنها قررت أن تذهب أبعد من هذا، أن تكتب دراسة مقارنة تتقدم بها للحصول على الدكتوراه من أكاديمية الفنون، تقارن فيها بين روايات شريف حتاتة وأفلام المخرج الروسي أندريه تاركوفسكي.

تحمس لهذه الدراسة الدكتور محمد القليوبي والدكتور يحيى عزمي من اساتذة معهد السينما، وكلاهما ينتمي لليسار وكلاهما درس السينما في "الاتحاد السوفيتي" ومن المعجبين بأفلام الروسي تاركوفسكي. وكان قبول الرسالة (ثم منح صاحبتها درجة الدكتوراه) فضيحة علمية بكل المقاييس، ومؤشرا خطيرا على ما بلغته المنظومة الأكاديمية في مصر من تدهور مع غياب حركة نقدية حقيقية، بدليل أن أحدا لم يتجرأ ويناقش مصداقية هذه الرسالة حتى الآن.

من الأعراف السائدة في العالم رفض قبول رسالة تفوح بما يعرف بـ"تعارض المصالح" conflict of interests فكيف يمكن قبول بحث أعدته سيدة عن الرجل الذي ترتبط به وهو أمر يعلمه الجميع؟ أما الأخطر فهي نوع الدراسة نفسها، فكيف يمكن المقارنة بين جنسين فنيين مختلفين تمام الاختلاف رغم كل ما ساقته الباحثة من مقدمات طويلة مكررة ومملة في تبرير هذا الاختيار المتعسف، فلدينا جنس أدبي (كلمات) وجنس سينمائي (صور واصوات)؟ ولعل الدكتور ناجي فوزي يفيدنا في هذا المجال.

 تصل أمل الجمل في دراستها الى حد المقارنة بجرأة تحسد عليها، بين حركة الكاميرا والمونتاج والاضاءة والموسيقى والمؤثرات الصوتية والميزانسين كما تراها أو تبتدعها ابتداعا في رويات شريف حتاتة، وبينها كأدوات سينمائية أصيلة في أفلام أندريه تاركوفسكي، وهي مقارنة أثارت سخرية كل من عرفتهم ولهم علاقة جادة بالسينما، لكن أحدا لم يكتب غيري، فقد نشرت مقالا في "الشرق الأوسط" أبديت فيه تحفظاتي على منهج الدراسة، فجن جنون الجمل، وأرسلت- وهي المولعة بلفت الأنظار- ردا عصبيا هزيلا ذكرت فيه أشياء مضحكة مثل "ألا يعرف الأستاذ أمير العمري أن هتيشكوك أخرج فيلم "الحبل" في لقطة واحدة من دون مونتاج؟".. ويعرف أي طالب في معهد السنيما أن هيتشكوك استخدم القطع (الخفي) ست مرات في هذا الفيلم، وأنه لم يصوره في لقطة واحدة كما تزعم. لكن أمل الجمل تملك قدرة مدهشة على المغالطة وادعاء الشهادة والردح للآخرين بسبب وجود جوقة ممن يحيطون بها ويشجعونها، الذين ترتبط بهم وتلتصق بهم وتلتقط معهم صور "السيلفي" في المهرجانات السياحية. وقد اتهمتني الجمل بأنني لم أقرأ كتابها الثمين، وهذا طببعي فلو أنني نشرت اطراء للكتاب لتلقيت منها جزيل الشكر والعرفان ووضعت مقالي على صفحتها على الفيسبوك لكنها وضعت في خروج فادح عن الأخلاقيات المهنية- ردها من دون أن تضع المقال الأصلي الذي ترد عليه!

كان هذا المقال السبب الرئيسي فيما أصبحت تضمره لي وتتحين الفرصة للتعريض والاستفزاز كلما أمكنها ذلك.  وكنت أحاول دائما نزع أنياب الشر، دون جدوى.

كانت أمل الجمل عندما طفحت فجأة على سطح الحياة الثقافية في مصر، شديدة التواضع في كل شيء، في المظهر كما في السلوك، لكن كان من الواضح أنها تعاني من ماض تعيس، وكانت تقول ان النقد عندها مجرد "هواية" عندنا بل وقد كتبت هذا المعنى في مقدمة كتابها الأول الهزيل الذي جمعت فيه بعض مقالاتها الصحفية، كما ذكرت أن لديها اهتمامات أخرى تليفزيونية. أما بعد أن وجدت بجوارها من يشيد بـ"عبقريتها"، وبعد حصولها على "الدكتوراه"، فقد أصبحت تحرص على أن يسبق اسمها لقب "الدكتورة"، وأصبحت تتسابق وتتبارى وتبحث عن أماكن للنشر والسفر والتواجد والتزاحم والصراع من أجل اثبات وجودها، تجلس في الندوات والمؤتمرات، وهي تعوج رأسها، تحشرج بكلمات كالتي يلفظها "أسياخ النقد"، وبدأت أيضا في التقليل من انجازات من سبقوها، باستثناء الناقد الذي يستكتبها في صفحته وينقدها أجرها. وقد بلغت وقاحتها أن تجرأت وسألتتي ذات مرة عما أتقضاه مقابل كتاباتي لتقارن بما تحصل عليه هي، وهو ما لم يحدث لي منذ أن بدأت الكتابة وكانت الجمل وقتها لاتزال رضيعة (تقضيها في اللفة)!

عندما أصدرت الجمل كتابا هزيلا عن السينما المصرية والإنتاج المشترك أرسلت الي نسخة بالبريد الى عنواني في لندن، فطالعت الكتاب او البحث الذي حصلت عنه على الماجستير فوجدت أنه عمل هزيل لا يخرد عن مجرد فيلموجرافيا للأفلام المشتركة الإنتاج مع مقدمة ركيكة. وبالتالي أهملت الكتاب ولم اكتب عنه كما كانت الجمل تنتظر وهي "الموهوبة" في إقامة شبكة من العلاقات العامة والبحث دون كلل عن أماكن لنشر مقالاتها، واستخدام الآخرين من أجل هذا الغرض. ويرى كثيرون أنها صعدت على أكتاف شريف حتاتة.

العصاب والكذب

تقول أمل الجمل إنني "تهربت" من نشر مقال لها تنتقد فيه مهرجان القاهرة السينمائي بعد حصولي على تذكرة سفر من المهرجان في العام الماضي. أي أنها تتهمني بوضوح- ببيع موقفي مقابل تذكرة سفر، في حين أنها تعلم جيدا أنني لست ممن يبيعون مواقفهم لأحد أو لسلطة، كما تعلم أنني أستطيع دفع ثمن تذاكر السفر لجميع ضيوف مهرجان القاهرة!

والحقيقة أنني كنت قد اشتريت تذكرة سفري الى القاهرة ذهابا وعودة قبل أن اتلقى للمرة الثانية دعوة مهرجان القاهرة (التي تشمل تذكرة السفر) بعد اعتذاري عن عدم الحضور في العام السابق، وقد قبلت الدعوة بعد أن عاتبني الصديق الأستاذ يوسف شريف رزق الله مدير المهرجان، وقد طلبت منه الاكتفاء بالجزء المتعلق بالعودة فقط من تذكرة السفر لأن تاريخ العودة الذي حددته من قبل سينتهي قبل نهاية اقامتي بالمهرجان. وقد فعل ذلك مشكورا وأرسلوا لي قبل بداية المهرجان وقبل أن أرى وجه أمل الجمل.

كنت أقف خارج قاعة عرض الفيلم الصيني الذي قبلت تقديمه ومناقشته كما قبلت إعداد وادارة الندوة الدولية عن السينما الصينية مجاملة ليوسف فقط ودون مقابل. وجاءت أمل الجمل منفعلة- أمام يوسف- تشكو لي من أن المهرجان حرمها من بطاقة الصحافة وأنها اشترت تذكرة لحضور الفيلم وكات شديدة الانفال وكنت قد قرأت ما كتبته على صفحتها بخصوص هذا الموضوع حيث صورت نفسها كعادتها ضحية مواقفها العنترية.. قال لها يوسف غاضبا: نعم.. نحن لا نريدك.. فهل قرأت البيان الذي أصدرناه بشأن فيلم "آخر أيام المدينة"؟ وكان واضحا أنه غاضب مما نشرته من هجوم على المهرجان. كان تعليقي: ولكن هذا موضوع آخر. ثم ابتعدت مع يوسف وهمست له قائلا إننا لا يجب أن نعاقب أي صحفي بسبب ما يكتبه.. وفي اليوم التالي جاءت أمل الجمل فسألتها: ماذا حدث؟ فقالت انهم اتصلوا بها وطلبوا أن تحضر لاستلام بطاقتها الصحفية.

صنعت الجمل من استبعاد فيلم "آخر أيام المدينة" من العرض بالمهرجان مبررا للهجوم على المهرجان الذي كانت قد عملت لحسابه ولم تعترض على سياسته في قبول أو رفض الأفلام قبل أن تقبض مكافأتها وتنصرف. لكنها أرسلت تسألني وكأنها تتحداني- عن موقفي من استبعاد الفيلم ولماذا لم أكتب عن الموضوع (ألست من الذين يقاومون الفساد الثقافي.. الخ) وبدا كأنها تحاول أن تظهر وكأنها القمتني حجرا. رددت عليها بأنني- بحكم معرفتي بكيفية ادارة الأمور في مصر- أرى أن المسألة أبعد من ادارة المهرجان وأنه يتعلق بسلطة عليا. وقد نشرت رأيي هذا ثم أثبتت الأيام صحته فيما بعد، كما نشرت بعد ذلك مقالين عن المشاكل الرقابية والسياسية الحقيقية التي يواجهها الفيلم في مصر، بينما صمتت الجمل تماما بعد اتضاح الموقف، فلم تكتب حرفا واحدا في نقد "المؤسسة" التي تمنع عرض الفيلم حتى اليوم، فهي تحرص على الاحتفاظ بعلاقات جيدة مع المؤسسة الرسمية ولم يسبق أن دخلت معها في أي مواجهة. 

بعد ذلك أرسلت الجمل رسالة اخرى تطلب أن أنشر لها مقالا تنتقد فيه المهرجان في موقع "عين على السينما" الذي أديره. وأدهشني أنها لم ترسل المقال مباشرة كما كانت تفعل قبل أن تتوقف تماما عن النشر في الموقع بعد أن توقفنا عن دفع مكافآت مالية لم نعد نقدر عليها، وذهبت للكتابة في موقع آخر وكانت تستطيع ببساطة ارسال مقالها إليه، لكن الغرض كان محاولة احراجي وتسجيل موقف ضدي.. لكننا نشرنا المقال كاملا، وفوجئت بها تطلب استبعاد صورة الهام شاهين من المقال خشية أن تقاضيها الهام، ولكني رفضت ذلك موضحا أن الهام يمكنها اذا أرادت، أن تقاضي الموقع الذي نشر الصورة. لكنها عادت فأرسلت تطلب نشر مقال ثانِ في الموضوع نفسه وكأنها قد أصبحت ملتاعة بالفكرة؟ لكنها لم تنتظر ردي عليها بل عاجلتني برسالة أخرى في نفس اليوم تقول فيها أنها تتفهم موقفي من عدم الرد عليها بأنني لا أريد أن يحرجني المقال (الذي لم تبعث به) أمام من "عزموني". وكانت تلك وقاحة غير مفهومة، لكنها مفهومة فقط ضمن "حالة" أمل الجمل العقلية. وعندما طلبت منها أن تعتذر عن هذا الكلام رفضت متمادية في الوقاحة فقد كانت قد عقدت النية على محاولة النيل مني بأي طريقة.

ولكن ماذا كتبت هي عن المهرجان بعد ذلك؟ لا شئ، بينما نشرت أنا مقالا وجهت فيه نقدا لما لمسته من سلبيات، كما تناولت موقف السلطة الرسمية التي تسيطر على المهرجان وعلى مجمل النشاط الثقافي في مصر (رابط المقال في التعليق الأول)، فهل من الأخلاق الادعاء كذبا بأن مهرجان القاهرة اشترى سكوتي بتذكرة سفر كما كتبت هي؟!

ومن المعروف للجميع أنني لست أصلا من النوع الذي يتهافت على السفر الى المهرجانات التي تقام في العالم العربي لأن حضورها بالدعوات فقط، وخصوصا المهرجانات التي تقام في مصر. ولقد فقد اعتذرت مؤخرا عن الاستجابة لدعوة جديدة من مهرجان القاهرة. لكني حريص على حضور المهرجانات الأوروبية الرئيسية، كما أنني أقيم في عاصمة مفتوحة لكل أنواع الأفلام والنشاطات السينمائية والثقافية، وحتى الأفلام العربية الجديدة نشاهدها في المهرجانات الأوروبية قبل عرضها في بلادها. وربما لهذه الاسباب تستمر حالة الـ obsessive psychosis وتتفاقم أكثر فأكثر!

ولو كان الدكتور شريف حتاتة موجودا لشرح لأمل الجمل مصطلح obsessive psychosis كونه ممن درسوا الطب كما درسته أنا ولأوضح لها أنه ليس من الممكن علاج هذه الحالة الا اذا أقر المصاب بها بأنه في حاجة الى المساعدة الطبية المتخصصة.

 نكران الجميل

* عملت أمل الجمل مع الناقد الراحل سمير فريد في مهرجان "سينما المرأة".. لكنها كانت تهاجمه وهو في شدة مرضه. وقبل أسابيع قليلة من وفاته كتبت على صفحتها على الفيسبوك أكثر من مرة، تصف مقالا له في جريدة "المصري اليوم" بكلمات نابية قبيحة لا تليق بكاتبة، ناهيك عن أن تصدر عن سيدة محترمة. وبعد أن توفي سمير فريد حذفت البوست والتحقت بركب المعزين المترحمين، ثم سارعت لكي تعد كتابا عنه، وكيف أنه "الناقد المثل والمثال". وكانت الجمل نفسها قد أرسلت لي في وقت سابق كثيرا على هذا، رسالة (مازالت عندي) تشيد فيها بما وجهته من نقد شديد لسمير فريد في مناسبة من المناسبات. فهل مثل هذه التصرفات هي تصرفات امرأة سوية؟!

* جاملها الدكتور محمد القليوبي بقبول رسالتها ومنحها الدكتوراه عن دراسة لا تصلح كما أوضحنا وكان يجب رفضها مباشرة من البداية، إلا أنها عادت فهاجمته بشدة وقللت من شأن أفلامه ورد هو عليها بمقال في جريدة الحياة، وقد نشرنا مقالها في موقع "عين على السينما" ضمن باب "السينما في الصحافة العربية" ولكن بعد أن وجدته شديد الحدة والاجتراء، استبعدته من الموقع. وقد ورد في مقالها: "اللافت أن ما يفعله القليوبي بدءا من فيلمه "نجيب الريحاني.. مع ستين ألف سلامة"، ثم "اسمي مصطفى خميس" هو تقديم أفلام ملونة بالأهواء والرغبات والميول العاطفية، وتفتقد للمصداقية في أحيان كثيرة، وتعد وثيقة منقوصة وأحياناً مشكوك فيها أيضاً، وتحتاج إلى أفلام أخرى ترد عليها وتفند مغالطاتها".



* عندما أرادت الذهاب الى مهرجان فينيسيا بعثت تطلب أن أساعدها فأرسلت اليها كل التفاصيل وأوضحت لها المطلوب لتسجيل نفسها ضمن الصحفيين، فطلبت مني الصيغة المطلوب أن تبعثها للصحيفة التي تعتزم تمثيلها هناك لكي يكتبونها ويرسلها لها لترسلها بدورها الى المهرجان، فكتبت لها صيغة الرسالة بالانجليزية وأرسلتها اليها. ثم نصحتها بأفضل الأماكن للاقامة بما يتلاءم مع ظروفها الشخصية، وشرحت طريقة الانتقال من والى المهرجان، وأرسلت اليها معلومات كثيرة عن الفنادق وأماكنها وأفضلها. وعندما جاءت احتفيت بها وقدمت ما أمكنني تقديمه من ارشادات ونصائح. لكنها عادت فلدغتني في أول فرصة أصناء مهرجان القاهرة العام الماضي كما أوضحت فيما سبق.



* اتهمتها نوال السعداوي بأنها جاءت اليها بدعوى أنها تريد أن تعد فيلما تسجيليا عن أعمالها واستولت على مخطوطات وأعمال كثيرة ولم تردها اليها.

ونشرت بعض المواقع ما نصه أن "نوال السعداوي أرسلت في تلك الفترة رسالة بريد الكتروني الى قيادات وزارة الإعلام وعدد من الصحفيين اتهمت ناقدة ومعدة بالتليفزيون بالسطو علي عدد من وثائقها الشخصية بحجة أنها تعد لفيلم تسجيلي عنها، وجاء في إيميل د. نوال أن الناقدة قد "تعرفت على أفراد أسرتي وبعض من المثقفين المحيطين بي وبأسرتي، أقامت في الخفاء علاقات مع بعضهم، تستخدم أنوثتها وكاميرا التليفزيون لتدعيم مستقبلها اقتصاديا وثقافيا واجتماعيا، تحت اسم الحرية والتعددية والروشنة الحديثة، هي في الأربعين، قد تصطاد كاتبا معروفا يكبرها بخمسين عاما تحت إسم الحب، توهمه أنها ستؤلف عنه كتابا وفيلما تسجيليا".



* كتب الدكتور سعد الدين ابراهيم مقالا في "المصري اليوم" (بتاريخ 2 يونيو 2017) في رثاء صديقه الدكتور شريف حتاتة، ختمه بقوله: "تقول نوال (السعداوي) نفسها إن ما كان يبدو تناقضاً فى مظهرهما، كان فى الواقع هو سر انجذابهما إلى بعضهما وتكاملهما، ونجاح زواجهما لما يقرب من نصف قرن، إلى أن استهوته إحدى حواريات نوال نفسها، فانفصل عن نوال انفصالاً مُهذباً، ولكنه كان جارحاً، ليتزوج تلك الحوارية الشابة. فلا حول ولا قوة إلا بالله، ورحم الله الأديب الطبيب شريف حتاتة".

أثارت هذه الفقرة غضب أمل الجمل وكتبت انها لم تكن حوارية لأحد وأنها تحتفظ بحق الرد، لكنها لم تتجرأ وتتطاول على سعد الذين ابراهيم.

في النهاية، لا أظن أن حالة "العصاب" ستختفي بل ربما ستتفاقم أكثر..

الاثنين، 23 أكتوبر 2017

عقدة الذكورية الثقافية




من الصحيح القول إن المرأة في مجتمعاتنا لم تأخذ حقوقها كاملة بعد وأن المجتمع السائد هو المجتمع "الذكوري" الذي يهيمن فيه- ليس الرجال فقط- بل الفكر الذكوري بشكل عام حتى بين غالبية النساء. فقد أصبحت المرأة عموما، تعتنق دون مناقشة، الأفكار التي نشأت وتربت عليها تحت هيمنة الأب- الأخ- المدرس- الزوج- السيد، وتم حشو أدمغتها بأنها من النوع الأدنى- التابع- الموالي- الخاضع، وأن هذه التبعية حماية لها.
في مصر مثلا عندما كان المجتمع يزخر بالحراك الاجتماعي- السياسي في الماضي، ظهرت شخصيات نسائية مستقلة تماما عن الرجل، في الأدب والفن والفكر والثقافة والإبداع عموما. كان التمرد سمة انعكست على إبداعات المرأة التي لم تكن تعتبر نفسها أو تقبل أن ينظر إليها باعتبارها صنيعة الرجل، أي نتاج المجتمع الذكوري، بل كانت كيانا قائما بذاته.
وقد بدأ الهجوم المضاد مع تدهور ثم انهيار الطبقة الوسطى وصعود طبقة حاكمة تميل إلى سحق الثقافة وأصحاب الفكر والوعي، والقضاء على الضمير الحي للأمة، فتم تشجيع وتبني والترويج لما يمكن وصفه بكل أشكال "الميديوكرتي"ـ أو الوسطية والتدني الذي يخلو من الموهبة، في الفكر والفن والإعلام والسياسة. هنا لم تعد المرأة تعتبر نفسها كيانا مستقلا بعد أن أصبحت تسعى بشتى الطرق عمن يكفل لها الصعود في شتى مجالات الحياة، بالتحايل والوساطة والوصولية والتدجين مع ضرورة  نفاق السلطة والانسحاب من أي مواجهة محتملة معها، مقابل الحصول على فرصة لنشر قصة أو رواية أو طبع كتاب أو الحصول على درجة عملية من تلك الي أصبحت متاحة للبيع بمقابل أو إرضاء لنزعة الهيمنة الذكورية التي أصبحت تقوم بدور "صاحب الفضل" الذي يضمن بالتالي التباهي بقدرته على "صنع" وترويج الكائنات "الميديوكر".
المجتمع الثقافي الذكوري الذي أصبح يفرض هيمنته بقوة في ظل غياب المؤسسات الديمقراطية والحراك السياسي الذي يمكن أن تلعب فيه المرأة المثقفة دورا مستقلا مماثلا موازيا ومكملا لدور الرجل، أدى إلى أن أصبحت المرأة بمفردها، عليها أن تثبت وجودها ليس اعتمادا على قدراتها الخاصة- بل أساسا- على علاقتها بالرجل وخصوصا من يملك الصيت أو الإسم أو النفوذ، مع ترسخ أقدام ذلك الأخبطوط الهائل الذي يتمثل في السلطة السياسية- الدينية- الاجتماعية- الاقطاعية العتيقة.
أصبح المجتمع الثقافي الذكوري يميل أكثر إلى التظاهر بمظهر الديمقراطي، المعتدل، المتوازن، الموضوعي، الذي لا يميل لاحتكار سلطة العمل الثقافي بل يرحب بتشجيع "الأنثى"- الميديوكر بالطبع، ليخلق منها صنيعته وشبيهه. لذا تم الإعلاء من قيمة ما يمكن أن نطلق عليه "أنصاف القوالب"- فلا يصح أن وصفها بـ"أنصاف المواهب"، فلا موهبة من الأصل، بل مجرد إفرازات أدبية أو فنية محدودة القيمة والأثر، لكنها كافية لتبرير التصعيد الذي يمارسه اصحاب الفكر الذكوري المهيمن، كنوع من "التطهر" من عقدة الإحساس بالذنب، مع ما يستتبعه هذا من احتفاء مبالغ فيه في المحافل الفكرية والأدبية والفنية بهذا النوع من "نساء الميديوكر" وتصديرهن باعتبارهن دليلا لا يقبل الشك على نزاهة الذكوريين الذين يشعرون أصلا باهتزاز من الداخل، يسندون أنفسهم ويحسنون من صورتهم السيئة بتصعيد ودعم وتلميع صاحبات المواهب المعطلة، في ظل حالة الجفاف الذي ضرب الواقع الثقافي بعد القضاء على التجمعات والجمعيات والنقابات المستقلة.
طغيان النزعة الذكورية التي تميل الى ستر وجهها بقناع من البراءة وادعاء تشجيع المرأة، أدى إلى أن أصبح معظم ما لدينا من نماذج للمرأة "المبدعة" نماذج زائفة لم تأت نتيجة جهد حقيقي بل نتاجا لـ"التصنيع" المفتعل من جانب مجتمع الذكورية الثقافية في ظل غياب تام للحركة النقدية الحقيقية التي تنأى بنفسها عن المجاملات وذلك الاحتضان الكاذب في المحافل الأدبية والفنية لهذا النوع من الطفيليات التي قصد بها سد الطريق أمام المواهب الحقيقية التي يمكن أن تنذر بكشف الغث والمفتعل والمزيف، ومواجهة ادعاءات الذكورية الثقافية الإقصائية المهيمنة.

الجمعة، 2 يونيو 2017

رأيت فيما يرى النائم







نمت مبكرا فحلمت، ورأيت في الحلم أنني كتبت عشرة مقالات في حب وزير الثقافة، أقصد الوزير الحالي والذين سبقوه، وعلى رأسهم بالطبع "الوزير الفنان". وقد نُشرت المقالات في الصحف المصرية وفوقها صورتي وأنا أبتسم ابتسامة كبيرة إرضاء للجماهير التي لا تقرأ لكنها تكتفي بالفرجة على الصور، خصوصا الفتيات الحلوات اللاتي لا يعجبهن سوى "الناقد المبتسم"!
وبعد نشر المقالات انهالت علي العروض للكتابة في صحف أخرى مرموقة داخل وخارج مصر فكتبت قصائد حب في الدكتور جابر عصفور وجابر نصار وجابر القرموطي، وتوفيق عكاشة وعبد الرحيم علي، وأخص بالذكر، "الدكتور" خالد عبد الجليل، الذي شكرته كثيرا على تحقيق حلمي القديم بأن تصبح وظيفة الرقابة على السينما، تصنيف الأفلام حسب أعمار المشاهدين- والأعمار بيد الله- لا المنع أو الحذف. وقد استجاب الدكتور خالد وقرر عرض فيلم "الصمت" لسكورسيزي منقوصا منه فقط 20 دقيقة.. وأصر على منع فيلم "آخر أيام المدينة" بسبب عنوانه التشاؤمي، وباعتباره فيلما يدعو للاكتئاب بينما نحن نرقص احتفالا بالإنجازات.
كتبت- في الحلم أيضا- برقية تهنئة للسيد الرئيس على الانجازات التي تحققت في عهده وخاصة تعويم الجنيه المصري بحيث أصبح الدولار يشتري حوالي عشرين جنيها مصريا، أي أن المليونير الدولاري من أمثالي، يمكنه أن يفك الألف دولار مثلا، بعشرين ألف جنيه، كما أرسلت برقيات تهنئة إلى رئيس الوزراء وشيخ الأزهر ومدير الأمن العام ورئيس رابطة الطرق الصوفية وجميع الاخوة الصالحين من أحزاب السفليين، على ضبطهم إيقاع الحياة بحيث لا تتسلل إليها أبدا أكاذيب العلم الكافر.
لم أكتف بهذا بل كتبت تهنئة لنقيب السينمائيين، وجميع رؤساء مهرجانات السينما في مصر، السابقين واللاحقين، وشكرت جميع نقاد السينما المصريين لدورهم البارز جنبا إلى جنب، مع الدولة، في الحرب على السينما، فهي جزء لا يتجزأ من الحرب على الإرهاب.
في الحلم، طلب مني الكثيرون الظهور في برامج التوك شو الفضائية، فوجدت نفسي أنتقل من قناة إلى أخرى، أحمل في سيارتي بذلات وربطات عنق وقمصان كثيرة أغيرها في كل مرة حتى لا يصاب الجمهور بالملل. أخذت أشيد في كل القنوات بكل الأفلام الرديئة التي سبق أن انتقدتها، وأولها فيلم "المساخر"، واعتبرت ظاهرة "الجزارين" في السينما المصرية أعظم ظاهرة في العصر الحديث، واخترت أشرف عبد الباهي أفضل ممثل، وأجمد ممثلة نادية الجوندي. ثم أصبح عندي أيضا برنامج سينمائي أقوم بتقديمه أستضيف فيه نادية وعسرا والتهام ومنتج أفلام الكفتة محمد المعتدل، بشكل منتظم باعتبارهم من كبار النجوم في كل العصور.
أحدثت هذه البرامج أصداء رائعة فقد تلقيت اتصالات تليفونية من جميع النجوم وأشباه النجوم، يشكروني ويدعوني إلى حفلات العشاء وأعياد الميلاد والزواج، والذي منه، وحظيت بشرف اتصال خاص من النجم التليفزيونجي اللامع أحمد ناموسة، الذي وعدني باتصال قريب من "مؤسسة سيادية" تقديرا لوطنيتي وحبي لبلدي ووفائي للسينما المصرية. وقام "المجلس الأعلى لشؤون المقشة" بتكريمي في حفل خاص ومنحي وسام الجمهورية من الطبقة الصفيحية، وكذلك  فعل المهرجان القومي للكفتة السينمائية المصرية، وصدر عني بهذه المناسبة الجليلة كتاب أعده ناقد خفيف اليد، وضع بنفسه كل الأسئلة والإجابات!
 وبعد أن حققت هذه الانجازات العظيمة، تلقيت عروضا بتولي مناصب عامة أقلها مستشار- لا يستشار- ولكن فقط يقبض بالدولار، ولكني اعتذرت مفضلا أن أظل أعيش داخل أحلامي. لكني حلمت أنني مت، ثم أخذت بعد موتي أقرأ مقالات التأبين التي كتبت عني، فراعني أنهم أطلقوا علي: "الناقد الوطني الذي لم يغضب أحدا".. ثم جاء من يدعوني لمقابلة شخصية عظيمة، فقلت إنني ميت، ولا يصح أن يقابل "العظيم" رجلا ميت، لكنهم أصروا اعتقدوا أنني أمزح كما أفعل كثيرا، فاستسلمت، وقبل أن أعبر بوابة القصر الكبير، استيقظت من النوم.. فحمدت الله شكرا على أنني مازلت نفسي!

الأربعاء، 26 أبريل 2017

قتل السينما





حلمي النمنم وزير ثقافة مصر في خنام المهرجان
 
كتبت في الماضي القريب، بل وفي الماضي البعيد أيضا، وقلت إن النظرة الرسمية إلى السينما لا تعتبرها جزءا من الثقافة العربية، بل تنظر إليها بنوع من الحذر والتشكك وأحيانا – النفور. فالفيلم هو الفن الأكثر ديمقراطية بين الفنون، وقد جعلت وسائل الاتصال الحديثة الفيلم السينمائي متاحا بسهولة أمام الملايين في العالم، بعد أن أصبح من السهل اقتنائه وصنعه وتبادله بأيسر السبل وأقلها تكلفة.
مازالت السينما في مصر مثلا تعاني من سطوة الآلة البيروقراطية للدولة، فهي تتلقى الضربات أكثر من غيرها من الفنون والثقافات، فتارة يجعلونها مثل الملاهي أي الكباريهات ونوادي التسلية الليلية، ويفرضون عليها الضرائب الباهظة، وتارة أخرى يفرضون على السينمائي ضرورة الحصول على تصريح مسبق من جهاز الرقابة على السيناريو، أي عندما يكون الفيلم في مرحلة "الفكر" و"التفكير"، ثم رقابة ثانية على التصوير لكي يتأكد السيد الرقيب أن المخرج يلتزم بالسيناريو الذي حصل على الموافقة عليه بعد استبعاد ما أمكن استبعاده،  ثم تأتي مرحلة الرقابة على الفيلم نفسه بعد اكتماله للتصريح بعرضه، وربما تعترض الرقابة هنا وتطالب باستبعاد ما تراه من مشاهد ولقطات قد لا يفهمها السادة الرقباء، وهم مجموعة موظفين لا علاقة لهم أصلا بالعملية الإبداعية.
ومن أعراض "فوبيا السينما" التي تعاني منها السلطات بدرجة خطيرة، قيام ما يسمى بوزارة الثقافة بالغاء جميع النشاطات السينمائية خلال شهر رمضان، كما تقوم الصحف بوقف النشر عن السينما والنشاط السينمائي، كما لو كانت السينما من المحرمات أو من "الأشياء" التي تتنافى مع تعاليم الشهر الكريم. وكان من المثير للسخرية أيضا أن تقرر وزارة الثقافة المصرية مؤخرا وقف النشاط السينمائي داخل مؤسسات الوزارة بعد التفجيرات التي وقعت داخل كنيستين للأقباط في مصر وما لحق ذلك من إعلان حالة الحداد العام في البلاد، لكن الوزارة أبقت صراحة على "باقي النشاط الثقافي" وهو ما يعني أن الوزارة لا تعتبر السينما من الأنشطة الثقافية، بل تعتبرها مثل "الكباريه" أي نوعا من العروض المثيرة التي تتنافى مع حالة الحداد. ولست أدري ما العلاقة بين الحداد العام وبين النشاط الفني والإبداعي، ولماذا لا توقف الحكومة مثلا برامج الثرثرة الليلية التي تستغرق وقت المشاهدين كل ليلة في موضوعات تافهة الشأن، منها ما يتجه أحيانا إلى التحريض المباشر على قتل الآخر المختلف عبر  شخصيات تنتمي للقرون الوسطى، تلتحف برداء الدين وتظهر على الشاشات تمارس إرهاب الآخرين!
ومن أحدث المواقف التي أصبحت سابقة خطيرة غير مسبوقة في العالم كله على حد علمي ومن متابعتي للشأن السينمائي عبر سنوات طويلة، ما وقع أخيرا في مهرجان الاسماعيلية السينمائي المتخصص في عرض الأفلام التسجيلية والقصيرة. فبعد استعدادات امتدت شهورا داخل المركز القومي للسينما التابع لوزارة الثقافة التابعة بدورها للحكومة المركزية، ثم افتتاح المهرجان من جانب السيد اللواء محافظ الاسماعيلية، وفي اليوم التالي فوجئ ضيوف المهرجان من السينمائيين الذين جاءوا من بلادهم للمشاركة بأفلامهم متصورين أنهم ذاهبون إلى دولة يفترض أنها بلغت سن الرشد السينمائي منذ سنوات بعيدة، بقرار من السيد اللواء المحافظ نفسه بإلغاء جزئي للمهرجان، أي تقصير مدة انعقاده وتقديم موعد ختامه يومين عن موعده المقرر سلفا. والسبب أن هناك داخل دهاليز السلطة من اكتشف فجأة أن يوم الختام المحدد له 25 أبريل يوافق مرور 35 عاما على عودة سيناء للسيادة المصرية بموجب اتفاقات كامب ديفيد، وهي مناسبة يعتقد المسؤول الذي أصدر القرار أنها تستحق الاحتفال الرسمي، حتى لو كان على حساب مهرجان دولي له جدول محدد للعروض والمسابقات. وقد وقع المسؤولون عن المهرجان في مأزق مع اضطرارهم إلى إعادة جدولة العروض وتعديل مواعيد رحيل الضيوف قبل يومين من الموعد الأصلي بعد أن أصبح وجودهم في ذلك اليوم المشهود، "غير مرغوب فيه". وهكذا تنتصر البيروقراطية "العشوائية" على السينما وتقتلها!

الخميس، 23 فبراير 2017

الاحتفاء بالنقد العربي في برلين






أقام مدير مهرجان برلين السينمائي ديتر كوسليك، حفلا خاصا لتكريم الناقد السينمائي المصري الكبير سمير فريد، تقديرا لمسيرته في النقد السينمائي العربي عبر نحو 52 عاما من العطاء، من خلال الكتب والمقالات والدراسات والندوات وتأسيس الجمعيات واكتشاف المواهب الجديدة والترويج للسينما المصرية والعربية في المهرجانات الدولية.
أسعدني بوجه خاص تكريم سمير فريد الذي عرفته وزاملته في جمعية نقاد السينما المصريين منذ السبعينات حتى الآن، وقد استمرت العلاقة الشخصية بيننا قائمة على الود والتقدير، رغم بعض الاختلافات أو الخلافات في وجهات النظر- سواء حول ما يتعلق بالقضايا السياسية الرئيسية في بلادنا والموقف الذي ينبغي اتخاذه منها، أو ما يتعلق بالنظر إلى بعض الأفلام وتقييمها والمدخل إلى تقويمها، وهي خلافات مشروعة وصحية بين المشتغلين بالنقد والفكر.
الاحتفاء بسمير في صحبة مجموعة ممن عرفوه منذ سنوات بعيدة، سواء من السينمائيين والنقاد الأجانب أو العرب، ومنحه كاميرا "البرلينالي" التي تمنح للشخصيات التي تركت بصمة واضحة في علاقة مهرجان برلين بالسينما في بلادهم، أسعدني كثيرا- ليس فقط لأنه جاء تقديرا لناقد كبير كرس حياته للسينما والبحث في قضاياها واشكالياتها، وسلط الأضواء على الكثير من منعطفاتها، بل أساسا- لأنه احتفاء بالنقد السينمائي عموما، وهو ما أمارسه ويمارسه غيري ولا يلقى أي نوع من الاهتمام من جانب مهرجانات السينما التي تقام في العالم العربي. فعادة أن تحتفي هذه المهرجانات بالممثلات والممثلين من المشاهير، سواء من أضافوا من خلال أفلامهم الكثير للفن السينمائي، أو من لم يضيفوا شيئا، ومعظمهم ممن يرتبطون بعلاقات مصالح مع تلك المهرجانات، أو يأتي تكريمهم استجابة لرغبة الجهات الممولة ومسؤولي البلديات والمحافظات والوزرات الذين عادة ما يرحبون بمجالسة ومصادقة بعض مشاهير السينما ممن قد لا تكون لهم بصمة واضحة على فن السينما، بل تكفي في هذه الحالة شهرتهم. وهي شهرة يتصور القائمون على تلك المهرجانات أنها كفيلة بجذب الجمهور.
المشكلة أن النقد السينمائي الحقيقي ثقافة، والسينما بطبيعتها تتأرجح بين الفن والتجارة والصناعة وبعض الثقافة، ولذلك يصبح الناقد المثقف غريبا عن "الوسط" إلا إذا قبل أن يخضع كتاباته لقواعد "السوق"، يجامل المنتجين والمخرجين والممثلين، وفي هذه الحالة لا يصبح ناقدا بل مروجا، ويخرج من باب الثقافة ليدخل من باب الدعاية.
أما مهرجانات السينما الدولية الكبرى فتعتبر أن الثقافة تمثل جانبا أساسيا من وظيفتها، لذلك تحتفي بالنقاد وهم مازالوا على قيد الحياة، أما مهرجانات العالم العربي والجزء الجنوبي من العالم عموما، فهي قد تتذكر الناقد فقط بعد وفاته، ولكنها تنساه تماما في معظم الأحيان، فمن النادر أن تخصص جوائز للنقد، بل ولا تستعين بالنقاد سوى في القليل النادر، في لجان التحكيم،  وإذا كانت هناك جوائز من الدولة للكتاب إلا أن مؤلف الكتاب السينمائي يظل خارج المنافسة مع الشاعر والروائي والرسام.
إذا كان تكريم سمير فريد في برلين قد لقي كل ما لاقاه من اهتمام في الصحافة المصرية والعربية ومواقع التواصل الاجتماعي، فربما يكون هذا حافزا للمهرجانات العربية للاهتمام قليلا بنقاد السينما الذين تعرف مهرجانات الغرب والشرق أنه من دونهم لن يكون لها وجود، ومن دون كتاباتهم لن يمكن للسينما أن تتطور، ولن يتمكن العالم من التعرف على منجزات جديدة سواء من الأفلام أو من المواهب السينمائية.
سمير فريد علم كبير من أعلام النقد السينمائي العربي بما أنجزه، وبما أضافه إلى معنى النقد السينمائي والإعلاء من دور الناقد والتطلع إلى مساواته بنقاد الأدب والشعر والفن التشكيلي والمسرح. وهو ما نكافح منذ سنوات، من أجل إرسائه، ربما دون أن ننجح حتى الآن إلا على نطاق محدود. لكن جيلنا حاول ونال شرف المحاولة، وعلى الأجيال التالية أن تكمل المحاولة.
مبروك التكريم والاحتفاء.. لسمير، ومبروك لنقاد السينما العرب جميعا.

الاثنين، 9 يناير 2017

عن الزمان الذي فات




  


لاشك أن تأثير الآباء على الأبناء تأثير خطير الشأن، فهو يبقى قائما في الذاكرة مهما أنكر الإبن أو البنت أو حاولا التظاهر بالاستقلالية، فنحن جميعا لسنا سوى امتداد لآبائنا على نحو ما، ليس بمعنى التبعية أو الخضوع، بل بالتأثر والإعجاب والتقدير لما قدموه لنا في حياتهم.

في عالم التمثيل هناك الكثير من الأبناء الذين ساروا على دروب آبائهم، وفي عالم الإخراج السينمائي كذلك. هناك مثلا المخرجة "صوفيا كوبولا" التي تعلمت المهنة عن أبيها المخرج العملاق فرنسيس فورد كوبولا صاحب ثلاثية العراب". وقد اعتزل كوبولا العمل في الإخراج موجها كل طاقته نحو دفع ابنته في طريق العمل السينمائي كما أنتج لها أيضا بعض أفلامها. صوفيا امرأة سعيدة الحظ بالطبع، لأن إسم كوبولا الكبير ووجوده على قيد الحياة بينما تخرج هي الأفلام، لاشك أنه فتحلها الطريق وساعد في إقتناع شركات هوليوود بتمويل أفلامها، فهي قادمة من "مدرسة" سينمائية مشهود لها، والضامن موجود!

في مصر هناك نادين خان ابنة المخرج الكبير الراحل محمد خان، التي درست السينما لكنها تعلمت على يدي والدها الذي عملت مساعدة في عدد من أفلامه، وهي تسعى لإخراج فيلم ثان بعد فيلمها الأول "هرج ومرج" في مناخ شديد الصعوبة لكنها لم تعتمد قط على إسم والدها.

دينا محمد حمزة، لم تتعلم السينما على يدي والدها الشاعر الغنائي الكبير الراحل محمد حمزة، لكن تأثيره عليها ربما يتجاوز كثيرا موضوع الإخراج.

محمد حمزة الذي كتب أكثر من 1200 أغنية، أرتبط لفترة طويلة من حياته بالمطرب عبد الحليم حافظ، الذي غنى له عددا من أشهر أغانيه. توفي حمزة الذي عمل أيضا كاتبا صحفيا، عام 2010 عن 70 عاما، وترك ثلاثة أبناء: دينا وشقيقتها التوأم دعاء، وشقيقهما أحمد.

أخرجت "دينا" فيلما تسجيليا هو "داخل خارج الغرفة" (2010) عن الجلاد المصري الذي شنق نحو ألف شخص ممن حكم عليهم بالإعدام شنقا، لكن الفيلم ليس عن الشنق بل عن الإنسان القائم وراء ذلك الجلاد (أو عشماوي) كما يطلقون عليه: كيف يعيش ويتحرك ويتعامل مع أبنائه وأسرته واصدقائه، وكيف يرى العمل الذي يمارسه ويتعيش منه. كان فيلما فلسفيا يطرح تساؤلات عن الموت والحياة أو "القتل" كوسيلة للعيش؟

غير أن دينا كانت منذ رحيل والدها في 2010، مهمومة بفكرة الفراق والفقدان، فقد كانت وفاة والدها المفاجئة لحظة فارق في حياتها، فإذا تصورت أنها لحظة يمكن تجاوزها، لقالت لك دينا إنها لا تريدها أن تذهب، بل أن تبقى في داخلها، إنه ذلك الرحيل الذي يصعب أن تتعايش معه، لذلك فقد جاء فيلمها "جاي الزمان" الذي يحمل إسم أغنية شهيرة كتبها والدها وغناها عبد الحليم، مرثية طويلة لمحمد حمزة لكن ذكاء دينا جعلها لا تتوقف فقط أمام علاقتها الخاصة بوالدها، بل جعلت من فيلمها التسجيلي الطويل، فيلما عن "عصر محمد حمزة"، مزيجا من الذكريات والوثائق والصور والأغاني والمقابلات التي شملت كثيرين من أبناء ذلك العصر الرومانسي الذي لايزال محفورا في ذاكرة دينا من طفولتها. وقد بدا الفيلم كما لو كان محاولة لشق الطريق نفسه الذي شقه محمد حمزة نفسه وفهم كيف كان يشعر ويتذوق ويتفاعل مع من حوله ومع العالم. هذا الاختيار جعل من الفيلم فيلما عن دينا نفسها قبل أن يكون عن والدها، عما تحبه وعما ترفضه، عن علاقتها بأبيها وبالعالم، عن اختلافها عن شقيقتها التي أرادت أن تتجاوز الفقد وتسير في الحياة،، بينما تريد دينا أن "يعود الزمان"، تعبيرا عن ذلك الحنين الرومانسي المضني والمستحيل.، الفيلم رحلة "اكتشاف" للذات ولمعنى عذاب الفقدان، وهو من أجمل المرثيات السينمائية التي شاهدتها بسبب صدقه الشديد. وقد كان شعوري بعد أن أكملت مشاهدته: ليت الفيلم ابنتي تتذكرني ولو بمقدار ضئيل مما تتذكر دينا والدها.

جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger