الثلاثاء، 24 مارس 2015

عقدة تاركوفسكي









الكثير من هواة السينما وأيضا من المخرجين الشباب في العالم العربي، أصبحوا اليوم مولعين، حد الهوس أحيانا، بأفلام المخرج الروسي الراحل أندريه تاركوفسكي. هذا الولع يتجسد في الاستشهاد بأقواله أو بمقاطع من أفلامه أو بمحاكاة أسلوبه في الإخراج كما يتضح في كثير من الأفلام الجديدة التي يصنعها شباب يتصورون أنهم بهذا، سيتخلصون من الأساليب التقليدية، ويصلون إلى العالمية.

مع الانتشار الكبير لشبكة الانترنت، أصبح الشباب ممن يخرجون أفلاما محدودة الإمكانيات، يستطيعون مخاطبة الكثير من مهرجانات السينما العالمية التي تقام في الشرق والغرب، وكثير منها، خاصة المهرجانات الأوروبية، ترحب بالطبع بمشاركة "عينات" من أفلام الشباب من "العالم الثالث"، سواء تحت إسم "الربيع العربي" أو "الخريف البطريركي" وغير ذلك!

وأصبحت النظرة السائدة المستقرة لدى هؤلاء الشباب، أن مهرجانات السينما الغربية يمكنها أن ترحب بهم فقط إذا كانوا يصنعون أفلامهم طبقا للأساليب الغربية في السرد والتصوير، خاصة لو كانت أفلامهم تحاكي أسلوب تاركوفسكي.

وينسى هؤلاء أن تاركوفسكي هو إبن ثقافته ومحيطه الاجتماعي والتاريخي، أي انه مخرج روسي ينتمي للثقافة الروسية بكل مكوناتها وجوانب الخصوصية فيها. صحيح أنه من كبار المجددين، أو من "فلاسفة التعبير بالصورة"، وصحيح أنه كان يطبق طريقته الخاصة في التعامل مع الصورة ومع الزمن، إلا أن إيقاع أفلامه لاشك أنه يستند إلى تراث خاص تتميز به الثقافة الروسية. هذا التراث لاشك أيضا أن له علاقة باللغة، بالحركة، بالأدب، بالتاريخ المصطبغ بالحزن، بالعلاقات بين البشر، بالثقافة المسيحية الأورثوذوكسية الروسية، بالشخصية الروسية التي عانت كثيرا في الماضي، وتأثرت بالسينما الأوروبية الحديثة، سينما بريسون وبرجمان وبونويل وأنطونيوني.

يمكنك أن تأمل في التعبير عن هواجسك وأحلامك من خلال أسلوبك الخاص في التعامل مع الصورة في فيلمك، لكن من حق الجمهور الذي توجه له أفلامك، أن يرى ما يثير اهتمامه. إن الناس في بلادنا عندما يتكلمون معا فإنهم يواجهون بعضهم البعض، يتطلعون في وجوه بعضهم، بل يمكن القول إننا ننتمي إلى "مجتمعات التحديق" بامتياز، التحديق في الآخر، وليس غض النظر والتظاهر بأننا لا نقتحم الآخر بنظراتنا كما في ثقافة تاركوفسكي والثقافة الأوروبية عموما، التي تعتمد على اللامباشرة، ويمكن بالتالي لشخص ما أن يتخاطب مع شخص آخر بينما هو جالس يدير له ظهره مثلا.

أليس لإيقاع اللغة التي يتكلمها الناس في الشارع، صلة مباشرة بإيقاع الفيلم، بحرارته وتوهجه ومناطق السخرية فيه مثلا؟ هل كانت أفلام صالح أبو سيف مثلا، ستصبح أفضل لو أنه صنعها على غرار أفلام برجمان؟ أليس لكل واقع خصائصه؟

إن "عقدة تاركوفسكي" لن تساهم في تطوير الفيلم العربي، بل في طمس هويته وتدمير علاقته بالجمهور، ايا كان المستوى الفني للفيلم نفسه.

الثلاثاء، 17 مارس 2015

هل الناقد أكبر من الكتابة؟




لاشك أن مهمة نقاد السينما الأساسية هي نقد الأفلام، ومهمتهم التالية نقد الظواهر السينمائية والقضايا التي تلعب دورا رئيسيا في العملية السينمائية بل ونقد الظواهر الثقافية بشكل عام، فالسينما لا توجد في عزلة عن غيرها من النشاطات الثقافية، وهي تتأثر بشكل كبير بالمفهوم السائد للرقابة على الإبداع وبالثقافة السائدة في المجتمع، وهنا يتعين على الناقد أن يلعب دورا مباشرا في قيادة حركة الوعي الثقافي والسينمائي، يدافع عن حرية الفكر وحرية الإبداع، كما أن من واجبه الدفاع عن سينما الفن في مواجهة سينما التجارة والمقاولات التي لا تقيم لقيم الفن بحثا عن تقديم التسلية بأي طريقة.

ومن الظواهر التي باتت تشكل منعطفا واضحا في مسار النقد السينمائي العربي، أن أصبح الكثير من نقاد السينما المخضرمين، الذين يعرفون الفرق بين الغث والسمين، ويعرفون أهمية تحليل الفيلم وتفكيكه ورده إلى مصادره ثم إعادة تركيبه وشرح مغزاه ومفاهيمه للقاريء- المشاهد، اختاروا طواعية التوقف عن ممارسة النقد السينمائي، بدعوى أنهم كتبوا كثيرا في الماضي ولم تجدي كتاباتهم شيئا، فلم تتغير السينما، ولم يتغير المشاهدون.

هذه الفرضية ليست صحيحة بالقطع، فالمشاهد الذي يقرأ ليس هو نفسه مشاهد السينما بالأمس، قبل ظهور وسائل الاعلام الجديدة المتعددة الوسائط، التي جعلت الأجيال الجديدة من الشباب يقبلون على المشاهدة المكثفة، والاستمتاع والبحث عن كل ما يتعلق بالأفلام التي يشاهدونها، من نقد وتحليل ومعلومات، وأحيانا أيضا يدخلون في جدال حول ما يشاهدونه، على مواقع التواصل الاجتماعي.

أصبح بعض النقاد الذين كانوا يمارسون دورهم بصلابة في الماضي يبحثون اليوم عن أدوار أخرى، مثل العمل بالمهرجانات السينمائية، أو الاكتفاء بكتابة عمود قصير إسبوعي يحمل بعض الأفكار العامة، ولا يخرج في معظم الأحيان عن إطار المجاملات أو التعليقات التي تتحاشى توجيه نقد حقيقي للظواهر السلبية في حياتنا الثقافية والسينمائية. وأصبح النقد بالتالي في أزمة، وأصبح الشباب يكتفي بالتعليقات العابرة التي تتنشر على موقع التواصل الاجتماعي، أو يبحثون عن النقد في الصحف والمواقع الأجنبية.

هذه النظرة التي تتعالى على النقد، أو ترى أن "الناقد" أكبر من كتابة النقد، وأن دوره أكبر من مجرد الكتابة، وأن بوسعه مثلا الاكتفاء بالظهور أحيانا على شاشة التليفزيون للحديث عن السينما في إطار الاحتفال والمجاملة، يمكن أن يجنبه الكثير من المتاعب مع السينمائيين، بل قد يجعل منه "نجما" يتمتع بجماهيرية مثلما يتمتع النجم السينمائي.

لكن الناقد أولا وأخيرا، مثقف وليس نجما، وطبيعي أن يختلف دور المثقف عن دور النجم، والمثقف الحقيقي يختلف مع المنظومة السائدة التي تعادي الإبداع، ويدفع بالتالي ثمن مواقفه.




جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger