الخميس، 5 فبراير 2015

قبائل السينما العربية


من الأمور المؤسفة التي تلعب فيها الصحافة العربية السائدة دورا سلبيا للغاية، تأجيج الصراعات بين جماهير السينما العرب، وعمليات الشحن التي تقع بين حين وآخر، بحيث تكرس الروح العدائية التي تنتقل أيضا، بكل أسف، من العامة إلى السينمائيين، فينغمسون في توجيه الاتهامات والاتهامات المضادة، وكأنهم في حروب للدفاع عن “شرف القبيلة”.
هنا تضيع السينما، وتتراجع قضية الفن السينمائي، وتصبح الساحة أشبه ما تكون بساحة للصراع والنزاع على بطولات وهمية في نهاية الأمر. يكتب ناقد من المغرب العربي مثلا، ويوجه نقدا لفيلم قادم من المشرق العربي، فينبري له نقاد المشرق يكيلون له الاتهامات بالجهل والتعصب والكراهية، وكل أنواع الاتهامات، التي ربما تصل إلى حدّ الاتهام بالنازية، والمطالبة بمنع دخوله إلى بلادهم وحرمانه من شرف الحضور في مهرجاناتهم.
ويحدث العكس أيضا في حالة أخرى، في حالة تعرّض فيلم من المغرب لنقد من المشرق لا يعجب نقاد المغرب، فقد أصبح كثيرون يعتبرون أنفسهم المدافعين عن “شرف وكرامة” السينما الوطنية عندهم طبقا لهذا المفهوم الضيق للغاية.
يرى البعض أيضا أن حصول فيلم ما على جائزة في مهرجان سينمائي دولي، يعني أن “الدولة” التي ينتمي إليها الفيلم، حققت انتصارا عظيما، والعكس أيضا صحيح، فإذا فشل فيلم قادم من دولة أخرى في الحصول على أيّة جائزة، اعتبر هذا هزيمة للدولة التي ينتمي إليها مخرج الفيلم، في حين أن الأفلام أصبحت حاليا تنتج نتيجة جهود شركات إنتاج متعددة من بلدان عدة.
وبالتالي، لم يعد من السهل القول إن فيلما ما يمثل دولة بعينها، وفي السينما الأوروبية تحديدا لم يعد هذا ممكنا، بل وقد أصبح الفيلم ينسب فقط إلى مبدعه من الزاوية الثقافية، وليس من زاوية الانتماء العرقي أو الوطني أو الجغرافي فقط.
وتنسب الأفلام عادة إلى مخرجيها وليس إلى البلاد التي جاءت منها، أي أن الفيلم ينتمي إلى مبدعه باعتباره نتاجا فرديا، وليس نتيجة لسياسات رسمية مخططة منظمة.
وعندما كان يوسف شاهين يصنع أفلاما يعتبرها نظام مبارك أفلاما معادية، مثل فيلمه الشهير “القاهرة منورة بأهلها” (1990)، كانت أقلام صحفيي النظام تصفه وقتها بأنه مخرج معاد، يشوّه الواقع والتاريخ، ويهيل التراب على مصر لحساب الأجنبي.
أما بعد حصول شاهين عام 1998 على جائزة شرفية مرموقة في مهرجان كان السينمائي، سارعت نفس الأقلام إلى الاحتفاء به، بعد أن نسبوا الجائزة إلى مصر الرسمية، أو “مصر- مبارك”، بينما أن ما يحققه أي فنان -سينمائي أو غير سينمائي- يعود إليه وإلى إبداعه الشخصي الذي ينتجه مستقلا عن الدولة وعن السياسة الرسمية، بل وربما أيضا، خارج الدولة نفسها في حدودها الجغرافية.
ولكن البعض لا يريد أن يفهم، أنه من المستحيل تطويع الفيلم لمفاهيم القبيلة أو لسياسة النظام، أيّ نظام، فلو خضع لهما لما أصبح إبداعا فنيا، بل يصير أداة دعائية محدودة القيمة والأثر.





0 comments:

جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger