الخميس، 16 يناير 2014

محنة النقد


من الظواهر المؤسفة التي تحول النقد السينمائي من عملية علمية لا مجاملة فيها تخضع للتحليل العلمي والفني المبني على أسس ومعطيات محددة ورؤية جمالية أيضا للناقد، إلى عملية عشوائية مزاجية، أن تمليء صفحات صحف ومواقع بتعليقات وكتابات انطباعية سطحية سريعة مقصود بها التأييد والمحاباة والمجاملة لفيلم ما خاصة إذا كانت مخرجته فتاة او امرأة، وخصوصا إذا كانت من الجيل الشاب، وخصوصا خصوصا إذا كان فيلمها عما يسمى بالثورة والتغيير ومولد جيل جديد..إلخ تلك الترهات المنتشرة بشدة هذه الأيام.

هناك مثلا فيلم معين ظهر وسرعان ما سود الكثيرون الصفحات في الاشادة بعبقرية مخرجته المبتدئة المرتبكة لأن منتج الفيلم "صاحبنا" و"ومنا وعلينا"، وأحيانا أخرى لأن صاحبة الفيلم "صاحبتنا وفتاة رقيقة وهذا الفيلم اولى تجاربها ولابد من تشجيعها"، وأحيانا ثالثة لأن الفيلم "نسائي بامتياز" ويعبر عن فكر جديد.. وطبعا يجب أن نلاحظ هنا ان "الكلام اصبح ببلاش" كما يقال، فكلمة فكر هي في حد ذاتها اهانة للفكر عندما تتوقف أمام هذا الفيلم البسيط الذي يمكن لأي ناقد متمرس من خارج منظومة نقاد مقاهي وسط القاهرة من الشباب وغيرهم، أو من خارج العالم العربي كله، أن يدرك أنه فيلم مفكك ضعيف مترهل يعاني من سوء الاختيار سواء في الفكرة أو الممثلين أو من حيث لغة الاخراج.. وليس المهم هنا اسم الفيلم، ولكننا نضرب مثالا بهذا النوع من "الاتفاق التآمري" بين عدد من الكاتبين، يعتقدون أن الاسراع الى كتابة كلمات المديح المجاني واعتبار كل ما يجده النقد العلمي ضعيفا في الفيلم عنصر قوة يشاد به، الأمر الذي يشير حقا الى "محنة النقد"...
حرام أيضا أن يتورط نقاد راسخون في ممارسة هذا العبث حتى يقال عنهم فقط أنهم من "النقاد الذين يشجعون المبتدئين" ومن "النقاد الحلوين" أصحاب "الدم الخفيف" ..إلخ فهم بمثل هذا السلوك يسقطون في المستنقع ويساهمون في انحطاط السينما نفسها!
قد يمكن لمهرجانات لا تعرف ماذا تفعل بالفلوس أن توزع جوائزها المالية الضخمة على كل ما تراه من أفلام بالتساوي حتى ترضي الجميع من كل الجنسيات العربية ولكي لا يغضب أحد او يقول ان هناك تحيزا لبلد ما، وهذا شأن هذه المهرجانات، ولا تعني الجوائز في هذه الحالة أي شيء عند الناقد الحقيقي الجاد الذي يتعامل مع الأفلام بمنطق محدد له معاييره العلمية، لا بمنطق أن الجائزة تؤكد قيمة الفيلم.. وكثيرا ما منحت الجوائز لأفلام لا تستحق أن تنتج أصلا..
وأخيرا لا شك أن هناك فرقا كبيرا بين الاحتفال وبين النقد.. ومن يريد ان يحتفل بفيلم ما وصاحبه أوصاحبته يستطيع ان يقيم له حفلا في بيته.. أما كتابة مقالات النقد فموضوع آخر.. أليس كذلك!

0 comments:

جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger