الأحد، 30 ديسمبر 2012

كلمات راقصة (مع التحية والتقدير للراحل العظيم جلال عامر)




·             كان جلال عامر أحد أصحاب الأقلام القليلة بل النادرة التي تملك – ليس فقط ناصية الكتابة والتعبير بلغة رفيعة وبسيطة في آن- بل من أفضل مواهب الكتابة الساخرة في الصحافة المصرية. وكان مقاله القصير اليومي في أكثر من صحيفة مصرية مستقلة، قيمة كبرى، فقد كان يتابع بالتعليق الساخر يوما بعد يوم، ما يمر من أحداث على البلاد، ويصوغ تعليقاته في سياق فني لا يمكن لغير جلال عامر أن ينسجه بحيث كان يقيس كلماته كلمة كلمة، ويزنها لكي يأتي تعليقه مختصرا ولكنه نافذ، موجع لكنه مضحك، وكان بالتالي ينطبق على ما يولده المقال من ضحك: إنه ضحك لكنه كالبكاء!
كان جلال عامر مهموما بقضايا وطنه، وكان مثل كل الكتاب الموهوبين، يقف إلى جانب الناس ضد السلطة، ضد النظام القمعي، وكان يوقظ وينير ويدعو من خلال مقالاته اليومية، إلى الانتباه لما يحاك في الظلام من مؤامرات، ويسلط الأضواء على الكثير من السياسات القمعية بمنتهى الجرأة والشجاعة وفي أشد أزمنة القمع.
كان جلال عامر قيمة كبرى في حياة شعبه، وقيمة استثنائية في الصحافة العربية.

·             بعض الكتابات الكثيرة التي تنشر (في السينما) أو (في النقد السينمائي) في الكثير من المطبوعات والمواقع الالكترونية، لا يمكنك أن تكمل أكثر من بضعة أسطر منها، قبل ان تصاب بالتلبك المعوي، والبعض الآخر لا يمكنك أبدا ان تتركه أو تقلب الصفحة وتنتقل إلى صفحة أخرى في المطبوعة، مهما كنت مشغولا، فالكتابة الساحرة والأسلوب الجذاب يشدك بل ربما أيضا تشعر بنوع من الحزن عندما تنتهي من قراءة المقال لأنه انتهى!
·             نقاد التلبك المعوي تعرفهم من أسلوبهم في الكتابة، وهو أسلوب يتعامل مع الفيلم كما يتعامل الميكانيكي مع السيارة أي أن الفيلم عندهم ليس كيانا فنيا شاملا حيا نابضا متكاملا بل مجموعة من الأجزاء الميتة التي تؤدي مجموعة من الوظائف المحددةـ فإذا لم يعجب الكاتب بوجود ممثل معين في الفيلم يصبح الفيلم كله منعدما، وإذا كان السيناريو لا يحقق جذب المشاهد من خلال (الحركة) منذ الدقائق الخمس الأولى، يصبح الفيلم منعدم القيمة، باردا، لا يتطور، حتى لو كشف الفيلم بعد قليل من الوقت، عن بناء فني شيق ومدخل مبتكر تماما لتناول الموضوع. وكم من الأفلام العظيمة قتلها الاستعجال: في المشاهدة والرؤية والأحكام والكتابة... ومغادرة دار السينما لأن "الكتابة أهم من المشاهدة"!
·             بطبيعة الحال لا يكتب الناقد سوى عما يشاهده بالكامل، بل وعما يثير اهتمامه فهو ليس مطالبا بالكتابة عن كل ما يشاهده من أفلام مهما كان مستواها أو كانت درجة اهتمامه (الشخصي) بها، فلابد أن يثير الفيلم اهتمام الناقد وإلا أصبحت الكتابة عن كل الأفلام نوعا من "الواجب" الذي يؤديه الصحفي بكسل شديد وينتهي من الفيلم في بضعة أسطر يقدم من خلالها حكما نهائيا مبتسرا لا يحلل ولا يكشف ولا يتوقف حتى أمام زاوية محددة جيدة من الممكن أن تكون قد شدت انتباه الكاتب.
·             كان الصحفي الراحل ابراهيم الورداني يصف كتابات طه حسين بأنها أقرب إلى ثقافة الجن والعفاريت وإنه لا يفهمها، وإنه سيتوقف عن الكتابة إذا كانت هذه هي الثقافة!
·             طبعا كلنا نعرف من هو طه حسين لكني أشك أن أحدا من الأجيال الثلاثة الأخيرة يعلم شيئا عن ابراهيم الورداني.
·             وهذه النظرة هي تحديدا ما يتطلع من خلالها الكثيرون حاليا إلى بعض الأفلام التي يرونها (فوق المستوى) أو (خارج ذوق الجمهور أي تتعالى عليه) أو (فيها أكثر من اللازم من الثقافة) أو (تحتاج إلى دليل تفسيري)... وكل هذه التعبيرات مقصود منها شيء واحد فقط هو (رفض الفيلم) لأنه بعيد عن السائد أي أنه من ضمن ما اعتبره الورداني "ثقافة جن وعفاريت"!
·             أن يكون الفيلم منتجا فنيا له علاقة بالثقافة، بالجمال، بالفلسفة، بالتعبير الفني والفكري، بالعلاقة بين المبدع السينمائي والعالم، هذا الأمر مرفوض، ليس فقط من جانب الكثير من الذين يصنعون الأفلام في العالم العربي، الذين دائما ما يدافعون عن أفلامهم الرديئة التي يسلقونها ويتعاملون معها باعتبارها سلعة استهلاكية سريعة (تؤدي غالبا إلى عسر الهضم أيضا!)، بل إن الكثيرين ممن يكتبون عن الأفلام أيضا يعتبرون أن كل الأفلام التي لها علاقة بالتعبير الجمالي والفكري عن العالم هي أفلام "تدمر السينما" وتنفر الجمهور وتبعده عن دور العرض بل وتقتل السينما نفسها. وقد عرفنا ذلك الناقد (من جيل السبعينيات) الذي تخصص خلال العشرين عاما الأخيرة في إهالة التراب على كل ما نعرفه في تاريخ سينمانا من أفلام جيدة منحازا لسينما التسلية (العربية والأمريكية) باعتبار أن هذه هي السينما، وماعداها محض أوهام!

السبت، 22 ديسمبر 2012

'الشيخ امام في عصر الثورة والغضب': عندما كانت مصر تحبل طويلاً بالثورة!


بقلم: محمود عبد الشكور


عن جريدة "القدس العربي"- عدد 22 ديسبر 2012



 
أشعر بدين عميق كلما قرأت كتاباً يعيد شحن بطاريات العقل والوجدان، أفكر فوراً في أن أكتب بحماس يوازي قوة تلك الشحنة، وأتمنى ان يقرأ الآخرون ما قرأت، وأن يستمتعوا كما استمتعت، ويزيد ثقل الإحساس بهذا الدين، إذا كان قد فاتتني قراءة الكتاب في وقته، يحتاج الأمر هنا الى استدراك مضاعف، وتحية مزدوجة.
وقد فاتني الكثير بالفعل لأنني لم اقرأ كتاب الناقد أمير العمري وعنوانه 'الشيخ إمام في عصر السينما والغضب' حين صدوره في عام 2010، كان اهتمامي وقتها منحصراً في متابعة كتبه وقراءاته النقدية السينمائية الرصينة، كما كتبت وناقشت في ندوات، كتُبه الأخرى التي تنقل ملامح عصر السينما، والتي تنظر الى الحياة من منظور عين السينما، بل إنها تجعل الحياة في قلب السينما الجميلة.
الآن ، وبعد أن فرغت، وفي جلسة واحدة، من قراءة كتاب 'الشيخ إمام في عصر الثورة والغضب'، أجدني مضطراً الى الإعتراف بأنه من المستحيل أن تفهم الأفكار الفنية والجمالية التي ينطلق منها أمير العمري في رؤيته للسينما أو العالم إلا بالعودة الى هذا الكتاب الحميم الذي تحضر فيه الذات لتستدعي العصر بأكمله، عصر الثورة والغضب الذي صنع ظاهرة نجم وإمام وتأثر بها.
لا أجد الكتاب منقطع الصلة بالسينما والفن عموماً، ليس فقط لأنه يعيد قراءة وتحليل بعضاً من روائع الشيخ إمام التي كانت تغني في ميدان التحرير في أيام ثورة يناير، ولكن لأنه يرسم ملامح زمن يمكن أن يصنع فيلماً سينمائياً كبيراً بشخوصة وبأفكاره وبتحولاته، يكفي أن نجم وإمام لم يظهرا روائياً إلا بصورة سطحية وساذجة في فيلم 'الفاجومي' الذي أخرجه عصام الشماع، ويكفي أن الفيلم الوثائقي المصري الذي يتم إعداده منذ عام ونصف عن الشيخ إمام مازال متعثراً حتى الآن، ويكفي أن أحداً لا يعرف مصير المادة الفليمية (على شرائط 35 مللي) عن إمام ونجم، التي يذكر الكتاب أنها بحوزة المخرجة اللبناينة هايني سرور.
على أن قوة الكتاب الأساسية، وهي أيضاً مصدر تأثيره، في صدقه الشديد، وكأن مؤلفه كتبه ليسترجع بعضاَ من نفسه، من حياته الجامعية، ومن الشخوص الذين عرفهم، وكأنه يجتر لذة أول مرة سمع فيها في مدرجات الجامعة إمام ونجم، ويربطها بأول مرة شاهدهما في التليفزيون وهما يغنيان أمام الناقد الراحل رجاء النقاش أغنيتهما الشهيرة 'جيفارا مات'، يومها قطعوا عنهم البث، وأذاعوا برنامجاً آخر، وكأن مؤلف الكتاب قرر أن يرسم زمناً بحجم الأحلام دون أن يفلت تفصيلة واحدة، وكأنه لايرى فارقاً بين إمام وعصره، جاء المغني الضرير ابن قرية 'ابو النمرس'، ليلتقي مع الشاعر الفاجومي ابن الشرقية، ليكونا على موعد مع الجيل الخارج من أنقاض الهزيمة، ليتقابل الجميع في زمن الحرب والإنتقال من عصر الإشتراكية الى عصر الإنفتاح.
يمتلك الكتاب طاقة عاطفية لا شك فيها، نوستالجيا شفيفة وآسرة، ولذلك لا يمكن أن تنزعج لاستطرادات تسربت من الذاكرة بفعل التداعي، فأكسبت السرد طزاجة وحيوية، ونقلت ألوان المكان ورائحته، ولكن الكتاب أيضاً به الكثير من التحليلات اللافتة والقراءات الذكية عن الشيخ إمام وعصره، لفت نظر العمري مثلا أن جمهور الشيخ إمام لم يكن إلا من الطبقة البرجوازية التي طالما سخر منها، جمهور مثقف محفلط تسخر منه أغنية مثل 'يعيش أهل بلدي'، جمهور قاهري بعيد عن جمهور إمام المفترض من البسطاء والعمال والفلاحين، بل إن الثنائي الشهير سرعان ما أقام الحفلات في لندن وباريس وسوريا ولبنان والجزائر.
أعجبني جداً تفسير هذا الإحتضان البرجوازي لظاهرة مضادة للبرجوازية باعتبار ذلك محاولة من مدمني الحلم بالثورة للتعبير عما يجيش في الصدور من إحساس بالذنب بعد كل ما وقع من نكسات، وكان في هذا النوع من الغناء تعذيب للذات أيضا على نحو ما، هذا تحليل وتفسير طريف ومختلف ويستحق النقاش، كما أن تفسير العمري لتعامل نظام مبارك مع ظاهرة نجم وإمام لا يخلو أيضا من وجاهة، فقد ارتأى النظام نفي الظاهرة الى الخارج، وتحجيمها باعتبارها مرتبطة أساسا بعصري عبد الناصر وانور السادات، والى حد كبير تحقق ذلك وخصوصاً بعد الخلاف بين القطبين إمام ونجم.
تندهش أيضاً لأن التحليل العقلي الإنتقادي الذي يتسلل عبر شحنة عاطفية تعبر عن إعجاب كبير بالشيخ إمام، انتهى الى ما يشبه النبوءة التي تحققت بالفعل بعد صدور الكتاب، يقول العمري بالنص :' يجب أن نأمل في أن أغاني الشيخ إمام ستعود بقوة لكي تحرك الجموع مستقبلاً، ولكن في إطار حركة وطنية ديمقراطية حقيقة تفرز قياداتها، وتطرح برنامجاً شاملاً للتغيير في مصر'، وهذا ما حدث فعلاً في ميدان التحرير، وكل ميادين الثورة في مصر في بداية عام 2011، إذ تصدرت الساحة أغنيات مثل 'يا مصر قومي وشدي الجيل'، و'صباح الخير على الورد اللي فتح في جناين مصر'، و'رجعوا التلامذة ياعم حمزة للجد تاني'، وكلها من روائع الشيخ إمام الغنائية.
ولكن الكتاب يضيف الى الشحنة العاطفية والتحليل النقدي حديثاُ تفصيلياً عن مجموعة من أهم أغنيات الشيخ إمام مع نجم أو مع غيره من الشعراء الكبار مثل نجيب سرور وزين العابدين فؤاد وفؤاد قاعود، بل ويحكي أمير العمري عن ليلة مولد لحن أغنية 'البحر بيضحك ليه' التي كان شاهداً عليها في منزل الكاتب عبده جبير في حي السيدة زينب، وبحضور 'سرور' وشخصيات أخرى معروفة مثل الصحفي أسامة الغزولي و الناقد الراحل عبد الرحمن أبو عوف، وكان نجيب سرور يطلب من الشيخ إمام أن يقوم بـ 'تدليع' الأغنية أكثر واكثر، خاصة في المقطع الذي يقول: بيني وبينك سور ورا سور/ وانا لامارد ولا عصفور / في إيدي عود قوّال وجسور / وصبحت أنا في العشق مثل.
يكشف الكتاب عن نسخة أخرى لا نعرفها بلحن آخر لأغنية 'فاليري جيسكار ديستان' قدمها إمام في حضور طلبة الجامعة، وكانت تبدأ بأبيات تقول :'شوف عندك يا تعبان/ واتفرج ع الجورنان/ فارد شنبات على تحت / ومداري مكان الكحت / ع القورة ولو فتّحت / حتشوفهم بالألوان '. ويناقش المؤلف فكرة محاولة احتواء نظام عبد الناصر لظاهرة إمام ونجم، كما يفرّق بين تلقائية الشيخ إمام الشعبية، وبين ما يبدو من تلقائية نجم التي تقف خلفها ثقافة وقراءة واسعة بالذات في الأدب والشعر، وفي الكتاب أيضاً ما يعطي حق أغنيات قدمها الشيخ إمام ولكنها أقل شهرة، مع أنها ليست اقل جمالاً مثل أغنية 'العزيق' و'الكمسري'، وهما من إبداع الشاعر الكبير فؤاد قاعود الذي رحل عن عالمنا عام 2006، أعجبني أيضاً بشكل خاص ذلك التحليل الذي يتتبع مسار تجربة إمام داخل وخارج مصر، وينتهي إلى محاولات المتأسلمين سرقة التجربة وتطويعها لشعاراتهم كما سرقوا شعارت اليساريين، واستخدموها تحت لافتات جديدة.
ربما يرجع تأثير الكتاب كذلك في نجاحه أن ينقل صورة لعصر وظاهرة نشأت في زمن مليء بالصراعات والتناقضات، عصر المخبرين حتى من بين طلاب الجامعة، زمن تليفزيون الأبيض والأسود وأجهزة التسجيل الضخمة العتيقة، أيام ثورة الطلبة والقصائد الجريئة ذات الألفاظ المكشوفة بما فيها قصيدة نجيب سرور ذائعة الصيت التي ألقاها بنفسه على الطلبة في قلب الجامعة، ثم إنك تتحدث عن موهبيتين بحجم إمام ونجم يمتلكان قدرة رائعة على السخرية والهجاء، يخرجان من السجن ليدخلاه من جديد، يظهران في التليفزيون ثم يختفيان الى الأبد، يصنعان أغنيات عن العمال والفلاحين ولا يسمعهما إلا المثقفون والطلاب، لم يتح لهما النظام أبداً أن يصلا الى الريف فظلا محبوسين داخل شرائط كاسيت وأوراق مكتوبة يتم نسخها وتهريبها، دراما كاملة عن عصر الثورة والغضب.
هذا كتاب تحضر فيه ذات مؤلّفه بكل ذكرياتها وأحلامها لتستحضر عصراً وظاهرة فنية استثنائية، تنمحى الفواصل بين الخاص والعام، الأحلام الكبيرة والتفصيلات الصغيرة، شهادة هامة على مرحلة لم تعشها أجيال كثيرة اقتنصها أمير العمري مثلما اقتنص ذكرياته عن عصر السينما ونواديها في السبعينات، فترة كانت يمكن أن تقودك الى سماع موسيقى كلاسيكية في قصر ثقافة دمياط، مثلما قد تقودك الى السجن مشفوعاً بوشاية زميلك الجامعي الذي كنت تظنه ثورياً ومناضلاً.
مازلت أرى أن في جعبة أمير العمري ما يستحق التسجيل عن تلك السنوات، حقبة السبعينات المليئة بالكثير من الأسئلة المعلّقة، أيام القلق والخوف والحرب والحب والحلم، الشيخ إمام وعبد الحليم حافظ وهيكل ونجم، الميني جيب والذقون والجنازير والسلاسل، حرب اكتوبر وزيارة القدس، عودة الوعي ونجيب سرور، التكفير والهجرة والتفكير في الهجرة.
أحسب أن في عنق هذا الجيل الذي عاش تلك الأيام الصاخبة بوعي وبحماس ديناً كبيراً يشبه ذلك الدين الذي أشعر به تجاه كل كتاب جميل وعميق ومؤثر.
لا نطلب منهم سوى أن يحكوا عن أنفسهم مثلما يحكون عن عصرهم كما فعل أمير العمري في كتابه/ الشهادة عن العبقري الراحل الشيخ إمام.

الخميس، 20 ديسمبر 2012

السينما المهددة بالإلغاء!






ونحن على أعتاب العام الجديد 2013، نودع عاما مليئا بالتقلبات والصراعات ونستقبل عاما جديدا نتمنى أن يكون عاما للاستقرار وبداية البناء.
مهرجانات السينما العربية منها ما يواجه الفناء بسبب سياسات جديدة تغبر حياتنا وتهجم عليها تسعى إلى تدمير ثقافة راسخة ممتدة لأكثر من 200 عام، لكي تحل محلها بثقافة صحراوية وافدة من بلدان البداوة والفكر العتيق بلسسم الدين والدين منها براء.
المهرجانات ليست فقط هي المهددة بالموت (مثل مهرجان القاهرة السينمائي ومهرجان الاسماعيلية ومهرجان الاسكندرية وغيرها من مهرجانات ربما يعلن الوزير الجاثم حاليا على صدر الثقافة المصرية الغاءها) بل إن ثقافة الحرية والنور والتنوير والتواصل المنفتح مع العالم، مهددة ايضا بالحظر والمنع والهرب من تلك المنطقة من العالم إلى حيث الأجواء أكثر رحابة وترحيبا واستعدادا لتقبل الفكر الحر الذي لا يعرف المنع والمراقبة والحظر والتشهير.
إن السينما رافد واحد من روافد ثقافية عديدة، ولكنه رافد أساسي ومهم شهد خلال السنوات الأخيرة طفرة كبيرة في حجم الانتاج الحر المستقل الذي يصنعه الشباب في العالم العبي شرقا وغربا، لكن هذه الطفرة تواجه اليوم هجمة شرسة باسم الدين تروج لأفكار فاشية مثل "الفن في خدمة الأخلاق" والسينما في خدمة العقيدة، وما إلى ذلك.
لهذا كله سيصبح موقف النقد السينمائي أكثر صعوبة فالمطلوب منه اليوم لم يعد فقط التنويه بالأعمال المتميزة فنيا وفكريا، بل والتوقف أمام تلك الظواهر السياسية والاجتماعية الخطيرة التي تحاول أن تصيب فكرة التعبير الفني نفسها في مقتل، وادخول معها في جدل جاد وحقيقي حتى يهرف الجميع الحقيقة بعد ان تراجع المثقف الديمقراطي الوطني لعقود عن مواجهة أنصار ذلك التيار الظلامي بدعوى الابتعاد عن استفزاز الجماهير، والخوف من الاتهام بالكفر والمروق!
هناك أسئلة كثيرة بواجهها العاملون في حقل الفكر والثقافة والسينما منها: هل نحن في حاجة اليوم إلى وزارة ثقافة في ظل هذه الهجمة الشرسة على الثقافة واهامها بالترويج للعلمانية والليبرالية واليسارية أي تصويرها على أنها أي الثقافة الحديثة عموما، معادية لما يطلقون عليه "المشروع الإسلامي" دون أن نعرف له أي ملامح.. بل وحتى ما يدعونه الشريعة الإسلامية لا يتفق إثنان على معناها وتفاصيلها وطريقة تنفيذها.. بل ولا ندري ما الذي يمنعهم من تطبيقها أصلا؟
وهنا أيضا سؤال الكتابة.. فنحن مرة أخرى، نجد أنفسنا مدفوعين لأن نسأل أنفسنا: لمن نكتب ولماذا وكيف؟ هل نكتب للقاريء المفترض الذي يعرفنا من البداية، أم لقاريء جديد؟ هل القاريء الجديد هذا على استعداد لتواصل مع الكاتب، وهل الكاتب يكتب من أجل قضية الفن الجميل والفن الراقي والفن التقدمي، على هذا النحو من التعبيرات العامة التي قد يختلف حولها الجميع، أم أنه يكتب مواكبا الظرف السياسي والاجتماعي السائد لأنه ليس من الممكن أن ينفصل عنه؟
كيف سيواجه الكانب والناقد ذلك النوع من "الرقابة الجديدة" التي ظهرت بالفعل مع انتشار تيارات الفكر الظلامي التي أصبح أصحابها اليوم يحملون السلاح ويجوبون شوارع المدن مهددين ملوحين بقتل كل من يختلف معهم وتلقين كل من لا ينشد نفس النشيد (الفاشي الواحد) درسا لا ينساه.. وهو درس نعرفه ويعرفه كل المفكرين والمبدعين في العالم.. درس من التاريخ.. تاريخ الهجوم على الفكر بدعوى المصلحة العامة، وتكفير الآخر استنادا إلى نصوص مشكوك في صحتها وفتاوى تصدر، وكانت دائما تصدر لأغراض سياسية.
علينا أن نواجه بشجاعة في نهاية الأمر، كل هذه الأسئلة وكل ما يستجد منها يوميا على الساحة. وإن لم نفعل فسيحاسبنا التاريخ.

الأحد، 16 ديسمبر 2012

مهرجانات السينما العربية ومنع الأفلام لاسباب سياسية!


  
لم أعرف أن مهرجانا سينمائيا عالميا أي غير عربي أي لا يدار بواسطة العرب، كان يدعو أفلاما من دول يرى انها لا تحترم مثلا، حقوق الإنسان أو تضطهد شعوبها، ثم يقوم بمنع عرض هذه الأفلام بعد أن ينتبه أو يقوم البعض بتنبيهه إلى أن البلد الذي ينتمي إليه الفيلم أو مجموعة الأفلام المقصودة المستهدفة، هو بلد "مارق" أو لا يحترم حقوق الإنشان، أو تقتل السلطة فيه الشعب!
كانت مهرجانات السينما في العالم منذ الثمانينيات أي بعد انتصار واستقرار ما يسمى بـ"الثورة الإسلامية" في إيران وإقامة نظام الملالي العنصري الذي لايزال يحكم قبضته على السلطة في بلاد فارس العريقة، كانت تعرض أفلاما من إيران، أي قادمة من الداخل، ومن دون أن ينبري أحد بالقول إن هذا الفيلم أو ذاك يمكن أن يكون تجميلا لنظام عنصري يضطهد شعبه ويقمع الحريات.
لم نر سينمائيا من إيران يقيم في الغرب ويدافع عن حقوق الشعب اإيراني ويعارض نظام الملالي الغاشم، يطالب مهرجانات السينما العالمية مثل كان وروتردام وبرلين، بمنع عرض الأفلام الإيرانية القادمة الإيران بدعوى أنها من الممكن أن تكون "ممثلة للنظام".
أسوق هذا المثال فقط بعد أن تحول منع عرض أفلام من سورية في مهرجانات تقام في العالم العربي مثل القاهرة ودبي وغيرهما، ظاهرة من الظواهر السيياسية التي برزت مؤخرا.
والمصيبة أن مثل هذه المهرجانات لا تمتنع من البداية عن عرض أفلام قادمة من سورية، بل إنها تقبل هذه الأفلام وترحب بها وتدعوها ومخرجيها إلى المشاركة،  وعلى رأس هذه الأفلام كما يعلم الجميع، الفيلم الجديد للمخرج السوري عبد اللطيف عبد الحميد الذي يحسبه كثيرون على النظام السوري ربما لرفضه توجيه إدانة سياسية مباشرة لنظام بشار الأسد. ولكنها تعود بناء على إعتراض بعض صناع الأفلام من المعارضين السوريين للنظام، بمنع عرض هذه الأفلام وهو ما حدث مع فيلم عبد اللطيف عبد الحميد وغيره، ويصل الأمر أيضا إلى حد تهديد السينمائيين المعارضين بسب أفلامهم من المهرجان إذا تم قول وعرض الفيلم المغضوب عليه أو بالأحرى، على صاحبه!
إن الفيلم هو الفيلم، وهو يتحدث عن نفسه، ولا يجب محاكمة الأفلام أبدا طبقا لمواقف أصحابها السياسية، بل يتعين أن يكون الحكم عليها خاضع فقط لمستواها الفكري والفني، وهو تقييم تتوصل إليه عادة لجان الاختيار من وقت مبكر قبل إقامة المهرجان.
أما أن يكتشف المهرجان بعد الإعلان عن برنامجه أن فيلما ما قد قبل على سبيل الخطأ، أو يستجيب لبعض الاعتراضات من جانب البعض فهي ظاهرة تكرس في الحقيقة لنوع من العقاب السياسي المرفوض لفنان لا يبقى له في نهاية الأمر سوى وسيلته في التعبير الفني أي الفيلم، وهو الشيء الوحيد الذي يجب محاسبة السينمائي عنه في هذه الحالة تحديدا.
وأعود لكي أؤكد عل أن الفنان موقف، وأن الموقف السياسي للفنان لا ينفصل عن مجمل تجربته الإبداعية ولكن ها الموقف وتلك الرؤية الإبداعية يجب أن تكون واضحة من البداية أمام الخبراء الذين يختارون الأفلام، وعندما يتم الاختيار لا يعود من الممكن التراجع بدعوى أن هناك من يهدد بسحب فيلمه إذا حضر فيلم يعارض صاحبه فهذا نوع من الابتزاز السياسي المرفوض.
وكان يتعين على المهرجان أن يرفض الخضوع لمثل هذا الابتزاز. ولكنها إحدى ظواهر التخلف العربي السائدة هذه الأيام. فلم أعرف أن سينمائيا إيرانيا ثائرا اعترض أو رفض حضور مهرجان يعرض فيلما لسينمائي إيراني آخر من الموالين للنظام. وإذا كان هذا قد حدث إلا أننا لم نسمع أن مهرجانا كبيرا استجاب له وتوافق معه فالمواقف لا تخضع للابتزاز ولا ينبغي لها أن تخضع.
لم أشاهد فيلم "العاشق" لعبد اللطيف عبد الحميد ولا أعرف ما إذا كان جيدا أم رديئا، بل ولا أعرف بالضبط موقف صاحب الفيلم من الثورات العربية أو من الضطرابات السياسية التي تحدث في المنطقة وتلك الخرب اأهلية الدائرة في سورية بين طرفين (هي لم تعد ثورة شعبية بل حرب مسلحة من أجل السلطة تتدخل فيها قوى عديدة إقليمية ودولية). لكن ما يهمني هنا ألا نذبح سينمائيا بسبب خلافات القوى السياسية حول طبيعة ما يحدث في سورية، وكان من الضروري ألا يتم استدراج مهرجانات عربية كبيرة للوقوع في هذا المأزق. وهذا موقفنا بكل وضوح حتى لو أغضب البعض!
جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger