الخميس، 29 سبتمبر 2011

صراعات ضارية حول مهرجانات السينما في مصر


مجموعة من "الفنانات" في مهرجان القاهرة السينمائي




جماعات تخريب السينما تتشبث بقوة بمقاعدها



بقلم: أمير العمري



عشرات الجماعات والشلل بدأت تعد العدة للاستيلاء على مهرجانات السينما التي كانت تقيمها الحكومة المصرية ممثلة في وزارة الثقافة وأجهزتها المعروفة بفسادها الذي يزكم الأنوف، وذلك بعد أن أعلنت الوزارة تخليها عن تنظيم المهرجانات وطلبت من "المجتمع المدني" أخذ زمام المبادرة والتقدم بخطط بديلة لإقامة تلك المهرجانات.
جمعيات أهلية تتكون خصيصا الآن من أجل أن ترث مهرجانات وزارة الثقافة، ولكي تستولي على المهرجانات لحساب مجموعة من أصحاب شلل المصالح والمنافع، ويتم هذا كله تحت اشراف خالد عبد الجليل الذي يدير المركز السينمائي الحكومي في مصر، والذي يلعب دور العراب حاليا، بعد أن أصبح له غطاء يتمثل في لجنة من الكهنة وأشباه النقاد، تشرف على عملية "نقل الملكية" كله أيضا حسب المصالح. فلم يتغير شيء في مصر الثورة بعد أن اختطفت الثورة، ووقعت في براثن أزلام النظام السابق من المثقفاتية وخدم السلطة. 

المهرجانات المقصودة هي القاهرة الدولي، والاسماعيلية للأفلام التسجيلية والقصيرة، والمهرجان السنوي للأفلام المصرية الذي يطلقون عليه ولعا بالألفاظ الضخمة "العسكرية": المهرجان القومي للسينما المصرية، في حين أنه مسابقة محلية لا تشمل حتى كل ما يعرض من الانتاج المصري بل ما يتقدم به المنتجون من أفلام في مسابقة شابتها الكثير من الشكوك خصوصا خلال السنوات الأخيرة!

مهرجان القاهرة السينمائي كانت إدارته دائما تسند الى من لا يستحق ومن لا يقدر لأنه لا يملك (المعرفة والعلم والخبرة) وذلك منذ أن عهد وزير الثقافة الكاتب يوسف السباعي عام 1976 الى الصحفي كمال الملاخ برئاسته من خلال مايسمى بـ"جمعية كتاب ونقاد السينما" التي أسسها الملاخ وأسند رئاستها الفخرية وقتذاك الى السباعي نفسه حتى وفاته عندما اغتيل عام 1978 في قبرص من جانب تنظيم فلسطيني، وقيل أن الاغتيال تم بسبب تأييده السادات في رحلته للقدس ولعقد اتفاق صلح منفرد مع اسرائيل.

سعد الدين وهبة حصل عام 1985 على الضوء الأخضر من الدولة أيضا، بالسيطرة بوضع اليد على المهرجان بعد أن ساءت سمعته وتدهورت سمعة الجمعية التي كانت تديره، حينما انشغلت في حروب داخلية بين أعضائها حول تقسيم المكاسب والمنافع والأموال التي كانت تأتي بسخاء من كثير من الجهات، تحت ستار المهرجان الدولي، وانكشف وقتها أن مهر جان القاهرة ليس سوى ستار لتحقيق مكاسب مادية لأفراد شلة جمعية تبادل المنافع. ولذلك يجب التأكيد على أن ما نقوله هنا نوقش في عشرات الصفحات من صحف الفترة لمن لم يكن قد شب بعد عن الطوق آنذاك، لكي يعود فيبحث قبل أن يتهمنا باطلاق الحديث بشكل مرسل. وقد وصلت الأمور المالية لمهرجان القاهرة في وقت ما، إلى جهات التحقيق في الدولة. لذا عندما أعلن سعد الدين وهبة ضمه الى مظلة كيان وهمي كان قد أسسه، هو ما يسمى بـ"اتحاد الفنانين العرب" (عندما أسمع كلمة فنان أو فنانة في العالم العربي ينتابني إحساس بأننا نتكلم عن راقصات الكباريهات وعلب الليل!!) قوبل الأمر بالترحاب والقبول لأن المعروف عن سعد وهبة أيضا أنه "ابن عمدة" أي أقرب الى شيخ القبيلة الذي يغدق على أبتاعه ورعاياه، لذلك فقد رعى وتبنى عددا من المثقفاتية والصحفيين الذين مازالوا يسبحون بحمده حتى الآن، بل وأشاع حول نفسه أنه مثقف وطني معادي للصهيونية، بسبب رفضه اشتراك اسرائيل في المهرجان (وهو بالمناسبة ليس قراره ولم يكن قراره بل قرار من أجهزة المخابرات، ولو كانت تلك الأجهزة قد أرادت اشتراك اسرائيل لفرضت على سعد وهبة وغيره ارادتها، لكن البعض يستمر في تصديق الأكائيب لأننا أمة من هواة خداع الذات)..

كان مهرجان القاهرة السينمائي يرغب في تحسين سمعته تحت ادارة السيد سعد الدين وهبة الذي كانت كل علاقته بالسينما أنه كتب أربعة سيناريوهات. وكان في الأساس، كاتب مسرحي لاشك في موهبته في الستينيات. ولكن لأنه كان أحد رجال الدولة الناصرية (التي لاتزال قائمة حتى كتابة هذه السطور حاليا، ونقصد تلك الدولة المستبدة التي يهيمن عليها العسكر وأجهزة الأمن، وتوضع فيها الدبابة مباشرة أمام القلم، وتتميز تلك الدولة بازدراء الفكر عموما، والفكر التقدمي بوجه خاص)، أقول لأن سعد وهبة كان أحد رجال تلك الدولة الموثوق بهم (كان قد عمل ضابطا للشرطة ولشرطة السجون أساسا قبل أن يستقيل ويتفرغ للكتابة والصحافة وأشياء أخرى) فقد أسندت إليه أيضا في أواخر الستينيات رئاسة تحرير قسم السينما في مجلة المسرح والسينما التي انفصلت فيما بعد الى مجلتين رأس سعد مجلة السينما. وكان يتعاون معه في خيئة تحريرها صبحي شفيق وأحمد الحضري وأحمد كامل مرسي وسمير فريد ويوسف شريف رزق الله.

سهير عبد القادر


المهم أن المهرجان تحت رئاسة سعد وهبة نجح في الحصول على اعتراف دولي به، وكان قد أصبح أيضا يلقى رواجا في الثمانينيات والتسعينيات مع اقبال الجمهور على مشاهدة بعض أفلامه التي كان يراعى فيها أن تحتوي على أكبر عدد من المناظر المثيرة (أتذكر أن فيلم حدث ذات مرة في أمريكا لسيرجيو ليوني ظل يعرض (بسبب مشاهده الجريئة وليس نتيجة مستواه الفني الممتاز وهو كذلك) أكثر من عشر مرات في دورة 1986 لكي يأتي بأموال وفيرة، وكان ذلك بالطبع قبل انتشار الأفلام عن طريق الانترنت حيث يمكن لأي هاو تنزيلها على جهاز الكومبيوتر المنزلي حاليا أي يقرصنها، ولعل هذا من أسباب الركود الاقتصادي لمهرجان القاهرة تحديدا خلال سنواته الأخيرة، بعد أن صنع شهرته لدى المتفرج العادي الذي يشتري التذاكر، على أساس أنه يغرض أفلام "المناظر" المثيرة وليس كمؤسسة ثقافية سينمائية لديها أهداف تليق بمؤسسة من هذا النوع!
مهرجان القاهرة بعد سعد وهبة تدهور، ولكن ليس بسبب غياب سعد وهبة بل بسبب انصراف الجمهور عنه نتيجة السبب الذي ذكرناه، ونتيجة ما مورس من تخريب ونتيجة الانفراد الإداري التسلطي المطلق للمرأة الحديدية (سهير عبد القادر) التي كان تعمل سكرتيرة لسعد الدين وهبة (تطبع على الآلة الكاتبة) ثم ترقت الى أن أسند اليها في أواخر عهده، منصب نائب رئيس المهرجان، وهو منصب لا وجود له في أي مهرجان سينمائي محترم. في حين ظل منصب المدير الفني غامضا معظم الوقت، مع وجود لجنة عليا للمهرجان يرأسها عادة الوزير تضم عشرات من أسماء المومياوات وعجائز الفرح وأعضاء جمعية المنتفعين بخراب السينما والثقافة السينمائية في مصر.
وعندما نقول خراب الثقافة السينمائية، فنحن لا نلق كلاما مرسلا، بل نتحدث تحديدا عن تخريب نادي سينما القاهرة (ثم جمعية الفيلم وغيرها) الذي كان قد رسخ كمؤسسة ثقافية كبرى قدمت خدمة ثقافية هائلة لأجيال من الشباب عبر أكثر من عشرين عاما، وجاءت جحافل التتار الثقافي لتقضي عليها وسط لامبالاة أولئكط الذين نصبوا من أنفسهم، ومازالوا، أئمة النقد السينمائي والثقافة السينمائية في مصر منذ الخمسينيات حتى الآن!
وفي وقت ما أصبح مهرجان القاهرة السينمائي هدفا أمنيا أيضا، تشرف عليه – من بعيد- أجهزة المخابرات وأمن الدولة- وتستخدمه وسيلة للتجسس على بعض المسؤولين العرب، وتسجيل الصور والأفلام لبعض ضيوفه جريا على عادة تلك الأجهزة منذ أن أطلق خالد الذكر جمال عبد الناصر يدها في كل صغيرة وكبيرة في بر مصر الى أن كادت تنقلب عليه عام 1968 في مؤامرة رفيق دربه المشير عبد الحكيم عامر (الذي كان بالمناسبة أيضا مشغولا بشدة بالفن وأهل الفن، وتزوج سرا من ممثلة تخصصت في أدوار الإغراء وقتذاك كما تزوج مدير مكتبه علي شفيق من المغنية (صاحبة الصوت المتواضع والجسد المثير) مها صبري، وزيجات العسكر من رفاق المشير المنتحر، متعددة لمن يريد أن يبحث عن مغزى تلك العلاقة السرية بين الفن، والسلطة عندما تكون جهولة جاهلة لا تملك مشروعا ثقافيا حقيقيا!
عودة الى الوضع الحالي لمهرجان القاهرة الذي أوقفه الوزير الحالي عماد الدين أبو غازي بدعوى أننا في سنة انتخابات، تمهيدا لاسناده الى مجموعة من المتآمرين من الحرس القديم للمهرجان مع شخص أو اثنين من الذين وفدوا الى حقل الكتابة عن السينما مؤخرا ومن خلال مهرجان واحد كبير هو مهرجان كان السينمائي، يغشونه بحكم صلاتهم الفرانكفونية.
وتضم جماعة التأسيس للاستيلاء على المهرجان سيدة معروفة بإفشالها كل المشاريع التي تتولى إدارتها، سواء في معهد العالم العربي (الذي خرجت منه بفضيحة) أو مشروعها الشخصي في العمل كمندوبة مقاولات لمهرجان كان ترسل إليه فيلما أو فيلمين وتتولى تسفير بعض (الفنانين!!) ثم ينتهي الأمر بفضيحة تشمل أشياء مخجلة أربا بنفسي أن أخوض فيها مثل التحكم في أشياء متدنية مثل توزيع دعوات حفلات العشاء في مهرجان كان، وما إلى ذلك.
وسوف لن أتوقف هنا طويلا أمام خطة هذه المجموعة (وهي لدينا بالتفصيل من الداخل) التي التحقت بها أيضا ناقدة كانت دائما تترجم، وتنسب لنفسها ما تترجمه على أنه من تأليفها وتلحينها، وقد تكلست عبر السنين وأصبحت مليئة بالشر والأحقاد بسبب السعي المباشر للتواجد في بؤرة العمل الثقافي الرسمي داخل حظيرة الوزير الغابر فاروق حسني.

وزير الثقافة الجديد عماد أبو غازي

ويبقى صديقنا الذي تأخر كثيرا دوره كرئيس للمهرجان، عندما اضطر للعمل لعشرين سنة أو أكثر، تحت سطوة المرأة الحديدية، لكن مشكلة هذا الرجل الذي نحترم دوره القديم في حقل الثقافة السينمائية، أن سياسته قد اختبرت بالفعل سواء في اختياراته الفنية للمهرجان أو في استخدام علاقاته الواسعة أو حتى قدرته التنظيمية رغم اعترافنا بالتدخل الشائن من قبل المرأة الحديدة، وقد قدم تصوره على أرض الواقع بالفعل، وآن الأوان حاليا أن يتخلى عن هذه المسؤولية لغيره من جيل آخر، كما أنه ارتبط بمجموعة معينة يبدو لنا حاليا، أنه لا يمكنه الخروج من تحت معطفها، فقد أعلنت هذه المجموعة تأييدها له في رئاسة المهرجان، مقابل الحصول على منافع متعددة، بل انهم ابتكروا أيضا منصبا غامضا هو منصب الأمين العام للمهرجان أسندوه الى صاحبنا الذي نقول عنه أنه وفد مؤخرا الى حقل الكتابة (بالفرنسية) عن السينما، ولا خبرة له من أي نوع بالمهرجانات وتنظيمها وفنونها. هو باختصار، رجل طيب، وكما يقال باللبناني (هذا رجل طيب.. نزوجه ابنتنا ولكن لا نعطيه مصارينا (أي أموالنا)!!
نحن في ثورة ولكن البعض لا يريد أن يعترف بهذه الحقيقة بل يريد الابقاء على كل ما كان، مع تغيير في المقاعد فقط، أي نحن نشاهد في الحقيقة لعبة كراسي موسيقية يتسابق فيها نفس الأشخاص الذين حفظنا طريقتهم، والذين عملوا في الماضي ضمن مؤسسة الدولة ولا يعرفون غيرها، يرغبون اليوم في العمل ضمن مؤسسات المجتمع المدني دون أن يعرفوا آلياتها بل غالبا سيفسدونها كما أفسدوا الدولة!
أما رئيس جمعية نقاد وكتاب السينما ممدوح الليثي الذي لا يريد أن يعتزل العمل السينمائي بعد أن أصبح عالة على أجهزة الإعلام بسبب عدم قدرته على الحديث بشكل صحيح، نتيجة اضطراب واضح في التفكير ربما بسبب تقدمه في السن أو بعض الأمراض التي أصيب بها وقد تكون أثرت على شرايين المخ، وأصابته بتصلب في الشرايين، فهو يصر على استعادة مهرجان القاهرة الى جمعية نقاد وكتاب السينما التي يرأسها دون أن يبدو في الأفق أن أيا من شبابها المثقف مثل الدكتور وليد سيف، سينجح في استعادتها من قبضته الأمنية (كان مثل سعد وهبة ضابط شرطة وله علاقات أمنية جيدة منذ حقبة عبد الناصر).
وبالمناسبة من أعراض هذ المرض أي مرض تصلب الشرايين، التشبث بالفكرة الواحدة أي داء الفكرة الثابتة، وتكرارها بطريقة من يعرف طريقه الى الجحيم ولا يرغب في التراجع أبدا مهما نبهه الآخرون. وقد ظهر مؤخرا على شاشة التليفزيون لكي يؤكد بشكل قاطع أن فيلم "لعبة عادلة" Fair Game هو فيلم صهيوني اسرائيلي معادي للعرب في حين أن أي مشاهد مبتديء يمكنه أن يعرف أن هذا فيلم ليبرالي ينتقد السياسة الأمريكية في العراق.. لكن الحاذق المكير ممدوح الليثي، يعرف ما لا نعرفه رغم اعترافه في البرنامج الذي عرض على شاشة قناة "نايل سينما"، بأنه لم يشاهد الفيلم!!


عزت أبو عوف آخر رئيس لمهرجان القاهرة قبل توقفه


من جهة أخرى هناك أيضا مجموعة ثانية مندمجة في مولد المهرجانات التي يعد لها في مصر تخطط بقيادة علي أبو شادي، الذي نشفق عليه من طموحه ورغبته في التشبث بأهداب السلطة رغم أنها فارقته بعد اختفاء وزيره المعروف بوزير الحظيرة فاروق حسني مع ربيبه حسني مبارك وامرأته، وبعد أن ظل أبو شادي في خدمته لسنوات طويلة، أهداه خلالها الوزير مسؤولية رئاسة كل مهرجانات السينما في مصر فيما عدا مهرجان القاهرة السينمائي، الذي أسنده الوزير الى شخصيات بريئة كل البراءة من ثقافة المهرجانات مثل حسين فهمي (الولد التقيل جدا) والصحفي شريف الشوباشي الذي توقف عن مشاهدة السينما منذ الثمانينيات (غالبا بسبب عدم توفر الوقت لديه لأنه مشغول دائما في الحديث على التليفون مع الفنانات!)، والممثل نصف المعروف عزت أبو عوف المشغول بالخروج من مسلسل تافه للدخول في مسلسل آخر تافه، وكان يكتفي بحضور حفل الافتتاح لإلقاء خطبة عصماء أمام وزير الحظيرة، والختام لالتقاط صور مع النجوم (والفنانات!).
المهم أن علي أبو شادي (المحسوب على فئة الموظفين المجتهدين في وزارة الثقافة) كان فاروق حسني يعتمد عليه بحكم أنه يمتلك أجندة تليفونات دسمة لأرقام الكثير من الفنانين والفنانات في الوسط السينمائي الذين يغرمون بتدليله بـ"ياعلوة" حتى يحصلوا على بعض سكر الوزارة أيام أن كانت الوزارة توزع السكر.. وربما أيضا بعض الزيت!
سقطت وزارة الحظيرة، وجاء وزير جديد من داخل الحظيرة أيضا لا يمكنه أن يتجاوز النظرة الضيقة داخل الحظيرة القديمة قط، فهو مازال يبقي على معظم إن لم يكن كل، من عملوا في حظيرة الوزير الفنان جدا، وخصوصا رئيس المركز (القومي) للسينما.. لاحظ ايضا التفخيم في المنصب والاسم، والأصح بالطبع أن يسمى المركز المصري للسينما. وتحت مكتب الأخ مسؤول القومي للسينما، يجلس علي أبو شادي مستشارا أو بالأحرى، مراقبا عاما لنشاط رئيس المركز القومي، ولكن بعقد "عرفي" مع وزارة الثقافة لأن الأجهزة لا يمكنها أن تتخلى أبدا عمن قدموا لها الخدمات لسنوات وسنوات، مهما قيل من أحاديث تافهة عن انهيار أمن الدولة وأمن الملوخية، فخدم أمن الدولة هم "أهل الثقة" وسيبقون مهما تغير الاسم، وتغيرت العصور.. إنها مصر ياحبيبي!
أبو شادي لا يريد الاعتراف بتأثير الزمن، وهذا جيد بالتأكيد فهو يثبت لنا أن المرء يمكنه تحدي الزمن، ولكن لماذا لا يستثمر أمواله التي كسبها (بعرق جبينه) في تجارة مفيدة، ولماذا يصر على التمسك برئاسة مهرجان الاسماعيلية علما بأنه يهوى الجلوس في القاعة المكيفة بالقرية الاوليمبية بالاسماعيلية، يدلي بالمقابلات الصحفية للصحفيات الفاتنات، ضاربا عرض الحائط بالعروض والمناقشات، فقد أصبح يمل من مشاهدة الأفلام، ولماذا لا يترك المهرجان لرئيس جديد من جيل أكثر شبابا وتطلعا، بل من جيل الثورة تحديدا!
ولكن كيف وعلي أبو شادي لم يتقدم بالاعتذار عن عدم تولي رئاسة مهرجان أفلام الكام، أول مهرجان يقام بعد الثورة المصرية لأفلام شباب الثورة المصورة بكاميرات الديجيتال الرقمية، بل أقبل على رئاسته بجرأة نادرة في حين ان الموقف الصحيح كان يقتضي أن يتولاه شاب من جيل المخرجين الشباب، أي جيل الثورة نفسه خصوصا أنه كان مخصصا لعرض أفلام صورت أثناء الثورة.. لكن لاشك أن الوزير الجديد أبو غازي، يتحمل أيضا المسؤولية، أي مسؤولية اختيار أبو شادي (الذي لا يمكنه أن يقول لا أبدا) وكأنك يابو غازي.. ما غزيت!
في الطريق أيضا استعدادات ومؤامرات صغيرة، تحاك في الظلام، استعدادا للقفز على مهرجانات أخرى، أو تأسيس مهرجانات جديدة سنتولاها بالرعاية في مقالنا القادم.

الأربعاء، 21 سبتمبر 2011

عودة فيلم "المسافر" وفي انتظار "الرأي الآخر"




بقلم: أمير العمري

 

أخيرا بدأت العروض العامة في دور العرض المصرية لفيلم "المسافر" للمخرج أحمد ماهر، بطولة عمر الشريف وخالد النبوي وسيرين عبد النور.

هذا الفيلم الذي كان قد عرض للمرة الأولى قبل عامين في مهرجان فينيسيا السينمائي داخل المسابقة، وكان رد الفعل ازاءه سلبيا بدرجة كبيرة رغم أن وزير الثقافة المصري وقتها، المعروف بـ"وزير الحظيرة"- كان قد دفع من حسابات حظيرته أو وزارته- لا فرق- تكاليف سفر واقامة عدد من الصحفيين المصريين من صحف الحكومة ومن صحف يقال لها مستقلة أو معارضة، لكي يشاركوا في حملة الطبل والزمر للفيلم الذي أنفقت عليه وزارة الثقافة ما يقرب من 25 مليون جنيه من أموال دافعي الضرائب المساكين، تم نهب جزء كبير منها خلال سلسلة العمليات البيروقراطية الانتاجية وما بعد الانتاجية، يتحمل مسؤوليتها دون شك، مجموعة من "الديناصورات" المعروفين الذين تغلغلوا داخل أروقة الوزارة والدولة خلال عصر "سرطان نظام حسني مبارك" وتابعيه من اللصوص الكبار. وبالمناسبة عندما كنا نكتب مثل هذه المعاني والألفاظ قبل عام واحد فقط، كنا نتهم من جانب شلة خدم الوزير وماسحي أحذيته بالتطرف والجنون والحقد عليهم!

وبالمناسبة أيضا كنا أول من أطلق لقب "وزير الحظيرة" على فاروق حسني الذي ظل كبار المتثاقفين من أحذية الوزير بل وكل المشتغلين بالعمل الثقافي في مصر ينادونه بـ"الوزير الفنان" بتعليمات علوية من مكتبه ومن الادارات الملحقة بوزارته كما لمست بنفسي عند عملي مديرا لمهرجان الاسماعيلية عام 2002، بل ودارت وقتها مناقشة حادة بيني وبين المسؤول عن المركز القومي للسينما في ذلك الوقت حول هذه التسمية التي تحمل سمة النفاق فأثار كلامي غضبه، وطلب أن نكتبها هكذا بالعربية في كتالوج المهرجان ولا نترجمها للانجليزية في القسم الانجليزي، وذلك بعد أن سخرت من التسمية وقلت إننا لو ترجمناها مثلا لأي ضيف أجنبي من ضيوف المهرجان فسيضحك علينا لأنه لا يوجد وزير فنان ووزير آخر مهندس مثلا أو محترف سياسة أو وزير عجلاتي، بل وزير فقط (ربما أيضا من الوزر- كما كان يقول نجيب سرور). أطلقت هذا اللقب على فاروق حسني في السلطة، حاكما بأمره، يأمر وينهى ويمنح ويمنع، وليس بأثر رجعي، أي بعد خروجه من السلطة بعد سقوط نظام راعيته السيدة حرم حسني مبارك، كما فعل كثيرون ممن يتشدقون حاليا باسم حرية التعبير والحرية السياسية وينافقون الثورة والثوار، في حين أن كل ملفاتهم القذرة تحت أيدينا يمكننا نشرها إذا أرادوا لكي يعرفوا ماذا كانوا يكتبون ويقولون طيلة عشرين سنة، وماذا أصبحوا يكتبون اليوم!

أعود الى "المسافر" لأقول إن مقالنا عن الفيلم (في 2500 كلمة) الذي نشر في موقع "الجزيرة الوثائقية" ثم في هذه المدونة في سبتمبر 2009، كان المقال النقدي الأول الشامل عن الفيلم في العالم بأي لغة من اللغات، بعيدا عن الانطباعات الصحفية المباشرة. والموضوع بالطبع ليس موضوع سبق صحفي ولا نقدي ولا شيء من هذا كله، بل أقول ذلك لأنني حتى هذه اللحظة لم أقرأ أي مقال نقدي تحليلي عن الفيلم في الصحافة العربية حتى من جانب أولئك الصحفيين والناقدين الذين استأجرهم الوزير للذهاب الى فينيسيا ومنهم من اكتفى فط بكتابة سطرين أو ثلاثة يقول ان الفيلم "جيد ولكن... أو تجربة جيدة من ناحية الشكل أما المضمون فغامض..." الى آخر مثل هذه التعبيرات التي تصلح لدردشة الصالونات المغلقة!

واليوم ومع عرض الفيلم عروضا عامة، وبعد أن تعرض لإعادة عمل المونتاج له بأوامر من فاروق حسني بعد انتقادات شديدة وجهت له حتى من جانب بطله عمر الشريف الذي استخدم ألفاظا قاسية في وصف الفيلم ومخرجه والممثل خالد النبوي، نحن في انتظار كتابات توازي ما كتبناه عن الفيلم، تتعمق في الفيلم، وتحلله، وتتوقف أمام مشاهده الرئيسية لكي تقول لنا لماذا فشل هذا الفيلم أو لماذا يعتبره عدد من كبار "النقاد السابقين" الذين عملوا في الفيلم (منذ مرحلة السيناريو) تحفة عصره وزمانه وعملا من أعمال الفن الرفيع.

ونحن في الانتظار.. إذا كتبوا!

السبت، 17 سبتمبر 2011

2011 هوامش مهرجان فينيسيا




الفيلم الـ23 في المسابقة
مرة أخرى يقرر ماركو موللر اضافة (الفيلم المفاجأة) الذي عرض قبل يومين دون الاعلان عن اسمه، وهو الفيلم الصيني "الناس تصعد.. الناس ترى" الى مسابقة مهرجان فينيسيا وبذلك يصل عدد الأفلام المتسابقة الى 23 فيلما. ورغم الضعف الشديد للفيلم الذي شاهدت منه 45 دقيقة لم أر فيها ما يلفت النظر لأي براعة في الأسلوب أو حديد في الموضوع، إلا أن البعض هنا، ومنهم ناقد صحيفة لوموند يمنحه 5 نجوم أي أن الفيلم في رأيه يستحق الاسد الذهبي. وتشيد به الصحافة الايطالية مثل لاستامبا التي منحه ناقدها 4 نجوم، ومنحه زميلنا سمير فريد (المصري اليوم) 4 نجوم (1) بينما منحه ناقد سكرين انترناشيونال مثلا نجمتين، ومنحه ناقد الجيونالي الايطالية نجمة واحدة.. كما منحه ناقد الهيرالد تريبيون أيضا نجمة واحدة.. رأيي الشخصي أنه لم يكن يستحق أصلا المشاركة في المسابقة، ولو أخرج شريف عرفة فيلما مثله لرفضته كل مهرجانات العالم.. ربما لأن الصين هي حاليا الموضة السائدة في المهرجانات وخصوصا مهرجان فينيسيا.


ربما يقول قائل: ولكنك لم تشاهد الفيلم بأكمله لكي تحكم عليه؟ والاجابة أن الفيلم الذي لا يقدم أي شيء مثير للاهتمام على مستوى الشكل أو المضمون، لا يستحق أن يؤخذ على محمل الجد، وأنا فقط أقول إنه لا يستحق المشاركة في المسابقة لكني لم أقدم تحليلا نقديا له بالطبع لأنه أمر مستحيل الا بعد مشاهدته.. إنه الانطباع الأولي الذي يحكم بالمناسبة عمل كل لجان اختيار الأفلام في العالم، فلا توجد لجنة تشاهد كل الأفلام بكاملها، خصوصا الأفلام التي ترفض بعد مشاهدة 30 أو 40 دقيقة منها، أما ما يصمد فلابد بالطبع من استكماله حتى النهاية.
أفضل الأفلام
قاربت مسابقة مهرجان فينيسيا على نهايتها، بعد عرض 18 فيلما من 22 فيلما. وأستطيع القول ان افضل الأفلام في رأيي هي التالي:


1- دجاج بالخوخ (فرنسا) 
2- عار Shame (بريطاني) 3- البر الأخير Terrafirma 4- الألب (اليونان) Alps
أفضل ممثلة: اليونانية أجيليكي بوبوليا بطلة الفيلم اليوناني الألب
أفضل ممثل: مايكل فاسبندر عن دوره في فيلم "عار" البريطانيملحوظة: الغالب أن الفيلم الذي سيحصل على الأسد الذهبي لن يكون هو الفيلم الأفضل بل غالبا سيكون فيلم "مذبحة" المسرحي، تعاطفا مع مخرجه بولانسكي الذي لم يتمكن من حضور المهرجان. وكان فيلم بولانسكي السابق "الكاتب الشبح" قد فاز لنفس الأسباب بجائزة أحسن فيلم أروبي التي لم يكن يستحقها بكل تأكيد. والمؤكد أيضا أن أداء الممثلين الأربعة في فيلم مذبحة أداء ممتاز لكن يقلل من شأنه الطابع المسرحي للفيلم وهو ما فرض التمثيل في الصدارة وجعل الحوار الذي يردده الممثلون هو أساس فهم الشخصيات والفيلم، وجعل من كل الجوانب السينمائية (زوايا التصوير، الديكورات، حجم اللقطات..الخ) جوانب تكميلية أو إضافية. وهنا في فينيسيا حالة من الانبهار بالفيلم بسبب براعته في توصيل الفكرة أي فكرة نفاق الطبقة الوسطى وزيف مؤسسة الزواج، وللتعاطف المسبق مع بولانسكي في أزمته الشخصية. ولذا لن ندهش اذا ما فاز بجائزة أحسن فيلم. أما أسوأ أفلام المسابقة فهو دون أدنى شك الفيلم الفرنسي "صيف حارق" لفيليب جارديل.
هوامش جديدة
* أسفر فيلم المفاجأة عن عرض فيلم صيني كما كان متوقعا بسبب ولع ماركو موللر، مدير مهرجات فينيسيا الشخصي، بالسينما الآسيوية عموماـ والسينما الصينية خصوصا. الفيلم اسمه "الناس تصعد.. الناس تشاهد" وهو فيلم رديء على كل المستويات، موضوعا واخراجا وتمثيلا.. مرت 45 دقيقة لم نر فيها سوى شخصا يقتل آخر في منطقة جبلية وشقيق القتيل يبدأ رحلة بحث مملة عن القاتل.. ولا أعرف ماذا تم بعد ذلك بل لا اهتم لأننا بدأنا فجأة نشم رائحة حريق داخل القاعة فغادر مئات الأشخاص وبينهم سيادتي طبعا.. فهذا الفيلم تحديدا لا يستحق أن يموت المرء من أجله!


* فيلم الايطالي العظيم ارمانو أولمي "قرية من الكرتون" فيلم ديني يتسق مع رؤية المخرج الكاثوليكي في ضرورة التساند بين البشر، وهو يطرق أيضا مثل الفيلم الايطالي في المسابقة "البر الأخير" موضوع المهاجرين غير الشرعيين من الأفارقة، والقانون الايطالي الذي يعاقب كل من يأويهم عقوبات مشددة. وواضح أن القضية تشغل الرأي العام الايطالي. وعلى حين يتناول "البر الأخير" الموضوع من زاوية ليبرالية يسارية عموما، مناهضة لسياسة بيرلسكوني، يتناول فيلم ارمانو أولمي الموضوع من الزاوية المسيحية الانسانية. الفيلم أقل من أفلام أولمي السابقة المدهشة مستوي بسبب سطحية السيناريو.
خراب الرأس وخراب السينما
* الفيلم الفلسطيني أو المعتبر كذلك والذي يعرض في مهرجان فينيسيا في قسم "أيام فينيسيا" كارثة فنية بل وسياسية على كل المستويات.. كارثة في الاخراج وفي التمثيل وفي السيناريو بل وفي أبسط ادوات السينما وهو التتابع، فالمخرجة سوزان يوسف (لا اعرف من أين ظهرت ومن الذي علمها صنعة الاخراج السينمائي!) لا تتذكر ما سبق تصويره في مشهد سابق، وهي تستحق المنع من الوقوف وراء الكاميرا (أي كاميرا) لمدة عشر سنوات الى أن تتعلم إذا تعلمت، فخبرتي تقول ان فاقد الشيء لا يمكن أن يعطيه، ولكن بعض الذين يصنعون الأفلام بالصدفة في العالم العربي، حظهم ينطبق عليه كما يقال بالمصرية الدارجة "حظ عوالم"، أي أنهم يعملون ويحصدون ما يحصدونه، فقط بسبب خلو المجال أو تعفف من يقدرون على دخول ساحة المنافسة، أو الحاجة الى فيلم يرضى النزعة الليبرالية التقدمية في الغرب. فهذا الفيلم الذي يحمل عنوان"حبيبي راسك خربان" لا يستحق العرض في أي مهرجان على وجه الأرض. ومن الجدير بنا أن نقول لمخرجته "حبيبتي سوزان يوسف: راسك أنت هو الخربان"!


وقد وقع أمر طريف للغاية عند تقديمه، فقد وقف رجل من منظمي قسم أيام فينيسيا يقدم الفيلم لكنه اعتذر عدة مرات بأنه ليس الشخص المناسب الذي يمكنه تقديم هذا الفيلم لأن الشخص أو الزميل الذي وقع في غرامه وكان أول من شاهده، غير موجود اليوم لتقديم اكتشافه. وقد شعرت بأن الرجل بأنه يكاد يعتذر عن تقديم عمل لا يروق، وكانما شعر هو ايضا بذلك فعاد وأكد أن الجميع بالطبع أعجدبهم الفيلم لكن الرجل الغائب كان هو صاحب الاكتشاف، ولاشك أنه شعر بفداحة ما ارتكبه من جرم فاختفى ليلة تقديم هذا الفيلم التعيس. سنعود للكتابة عنه تفصيلا بالطريقة التي يفضلها البعض أي الطريقة المنهجية الأكاديمية.. واعذرونا إن سخرنا وضحكنا بدون السخرية يمكن للمرء أن يموت أو ينفجر بسبب بعض ما يشاهده من أفلام رديئة.


هوامش مهرجان فينيسيا
* من أجمل ما شاهدته من أفلام خارج المسابقة الفيلم التسجيلي الطويل أو غير الخيالي "سالومي كما يراها وايلد" أو ببساطة "سالومي وايلد"Wilde Salome الذي أخرجه الممثل العملاق آل باتشينو بروح الهاوي العظيم الباحث عن معنى الفن وجوهره بعيدا عن الأضواء الزائفة.. إنه درس سينمائي لكل من يرغب في التعلم.. تعلم كيف يعبر عن بحثه الشاق عن المنعرفة بكل تلك البلاغة وذلك السحر.


* حتى الآن ومع مضي نصف المهرجان تقريبا يمكن القول ان افضل الأفلام في المسابقة من وجهة نظر كاتب هذه السطور هي بالترتيب: 1- الفيلم الفرنسي "دجاج بالخوخ" 2- الفيلم الايطالي "البر الأخير"Laterraferma 3- الفيلم اليوناني "الآلب" Alpis

جاء الفيلم الايطالي مفاجأة مدهشة لعشاق السينما واتقبل استقبالا يليق بعمل بيلغ يروي بشكل انساني مؤثر كيف تواجه ارملة شابة وابنها المراهق الحياة بعد وفاة الأب- الزوج، ثم كيف ينعكس مسار مياتها بعد أن تصبح الجزيرة السياحية الصغيرة في جنوب ايطاليا التي تعيش على السياح، مقصدا لقوارب المهاجرين غير الشرعيين. تصوري مؤثر ورقيق للعلاقة بين الثقافات، في سياق سينمائي مصنوع بدقة، وسيناريو يكشف عن المشاعر بطريقة شاعرية.

وجاء الفيلم اليوناني رغم كل ما يحتويه من صدمات بصرية، أيضا مدهشا في بنائه الما بعد حداثي، وقدرته على السخرية من عبث الواقع بلغة سينمائية رفيعة، وأسلوب لا يقلد ولا يفتعل، بل يملك من الأصالة ما يثير الاعجاب..أما "دجاج بالخوخ" فهو درس في الابداع السينمائي لكل من يريد أن يتعلم كيف يروي قصة بطريقة فنية مبتكرة وممتعة.  فيلم بولانسكي جيد جدا من حيث الصنعة لكنه يظل أقل من هذه الأفلام بسبب مسرحيته الشديدة وكأننا نشاهد مسرحية يخرجها مخرج متمرس للتليفزيون. ويظل التمثيل أهم العناصر فيه رغم جودة الاخراج وحرفيته العالية. لكنه بولانسكي فماذا تتوقع!

والأمر نفسه يمكن أن يقال دون تزيد عن فيلم "منهج خطر" لكروننبرج. * الفيلم الإسرائيلي "شهادة" من اخراج المخرج شلومي القباص عرض في اليوم الأول للمهرجان وقوبل بانسخاب أعداد غفيرة من النقاد والصحفيين بمن فيهم المعروفين بجديتهم، ليس بسبب موضوعه الذي يفضخ- دون شك- الكثير من الممارسات الصهيونية ضد الفلسطينيين من خلال حكايات يستعيدها عدد من الفلسطنيين والاسرائيليين (يؤدي أدوارهم ممثلون)، ولكن أساسا، بسبب أسلوبه البعيد الذي يحصر الشخصية في الكادر لعدة دقائق ويجعلها تقص علينا في مونوج طويل قصة وقعت لها. إنه أحد أفلام ما يمكن أن نطلق عليه "تعذيب الضمير" التي تنتاب بعض الاسرائيليين، ويصبح صنع فيلم بالتالي وسيلة علاجية لهم أيضا إلى جانب أنها وسيلة قد تجلب لهم وجودا على الساحة السينمائية العالمية كما حدث بالفعل مع كثيرين منهم.
الطريف أن الكتيب الدعائي الذي وزع مع الفيلم كتب فيه اسم الفيلم واسم مخرجه باللغات الثلاث العربية والعبرية والانجليزية. وقد كتب المخرج اسمه هكذا شلومي "القباص" وهو يكتب بالانجليزية الكابيتز Elkabetz وهو يهودي من أصل مغربي شأنه في هذا شأن شقيقته الممثلة الإسرائيلية المعروفة رونيت التي تفوقت في أدء دور المرأة الإسرائيلية صاحبة المطعم، التي تغوي أعضاء الفرقة الموسيقية من المصريين في فيلم "زيارة الفرقة الموسيقية"، ورونيت تظهر أيضا في فيلم "شهادة". 

* من النجوم الحاضرين في فينيسيا الممثل الكبير آل باتشينو الذي سيمنحه المهرجان جائزة الجدارة الثقافية له أيضا فيلم من اخراجه هو "سالومي وايلد" أي سالومي كما كتبها أوسكار وايلد (منعت من التدوال والنشر في بريطانيا في العصر الفيكتوري وظلت لمدة ثلاثين عاما ممنوعة، حتى عام 1923. وهنا يوجد أيضا المخرج الأمريكي ستيفن سودربرج، والمخرج دارين أرونوفسكي (رئيس لجنة تحكيم افلام المسابقة)، والمخرج الفرنسي أندريه تشينيه، والنجمة مادونا (مخرجة فيلم دبليو إي)، والمخرج الايراني أمير ناديري، والنجمة الايطالية الحسناء مونيكا بيلوتشي (زادت في الوزن بدرجة ملحوظة مما قلل كثيرا من جمالها الكامل المعروف، لكنها لاتزال تتمتع بالجاذبية الطاغية وهي في السابعة والأربعين من عمرها).
وهنا أيضا الممثل الألماني كريستوف فالتز (نجم فيلم تارانتينو "أوغاد مجهولون")، وزميلته في نفس الفيلم الألمانية ديان كروجر، والممثلة الأمريكية ماريزا تومي، والنجمة الممثلة المخرجة جودي فوستر، والممثلة الانجليزية كيت ونسليت، والممثل الأمريكي فنسنت كاسل والممثل الأمريكي فيليب سيمور هوفمان، وطبعا عدد كبير من مشاهير اسينما الايطالية تمثيلا واخراجا على رأسهم المخرج كارلو ليزاني (89 سنة) والمخرج إيرمانو أولمي (80 سنة).

الجمعة، 16 سبتمبر 2011

فيلم مغربي جديد في دور العرض المغربية





أحمد سجلماسي



تزامن خروج الفيلم المغربي الجديد "نهار تزاد طفا الضو" للعرض في القاعات السينمائية الوطنية، ابتداء من السابع من سبتمبر الجاري، مع تراجع عدد القاعات الى رقم 38 فقط موزعة على الشكل التالي : 10 قاعات بالدار البيضاء، 6 قاعات بمراكش، 5 قاعات بوجدة، 4 قاعات بالرباط، 4 قاعات بطنجة، 3 قاعات بمكناس، قاعتان بسلا، قاعة واحدة بتطوان: أبينيدا، وقاعة واحدة بأغادير، قاعة واحدة بأصيلا وقاعة واحدة بفاس.
فهل بهده القاعات الثماني والثلاثون وشاشاتها الاثنتان والستون يمكن لهدا الفيلم المغربي الجديد أن يسترجع مصاريف منتجيه الفنانين المغامرين المخرج محمد الكراط والممثل رشيد الوالي التي تجاوزت، حسب ما جاء في ندوتهما الصحافية بقاعة الفن السابع بالرباط سبعمائة مليون سنتيم؟
صحيح أن المنتجين الذدكورين لم يصرفا وحدهما كل هدا المبلغ وذلك لأنهما استفادا من دعم القناة الثانية المغربية والعديد من المعلنين والأصدقاء كما سيستفيدان من الدعم العمومي عبر المركز السينمائي المغربي عندما سيضعان فيلمهما أمام لجنة صندوق دعم الانتاج السينمائي الوطني بعد الانتاج.
ومما يلاحظ على عنوان هدا الفيلم الفانتازي الكوميدي، الذي يعتمد على المؤثرات الخاصة، كونه يتضمن مفارقة يتميز بها واقع القطاع السينمائي الحالي بالمغرب فـ "نهار تزاد" الانتاج السينمائي بفضل زيادة حجم الدعم العمومي "طفا الضو" على العديد من القاعات السينمائية، وأصبح قطاع التوزيع والاستغلال السينمائيين في وضعية كارثية بسسب ندرة رواد القاعات، الشيء الذي لا يسمح لأي فيلم مغربي باسترجاع مصاريفه محليا.
وتجدر الاشارة الى أن مدينة فاس، التي تقلص عدد قاعاتها من 13 الى قاعة واحدة يتيمة، سيعرض بها فيلم " نهار تزاد طفا الضو" ليس بقاعة "امبير" ولكن بقاعة "ريكس" التي عاشت في السنوات الأخيرة مسلسلا من الاغلاق وعدم الاغلاق رافعة على بابها لافتة "محل للبيع أو الكراء" عوض ملصقات الأفلام.
فنزولا عند الحاح النجم رشيد الوالي ارتأى السيد عبد الحميد المراكشي، مالك هده القاعة الجميلة، أن يفتحها استثناء في وجه هدا الفيلم الجديد لعله يحقق ما حققه فيلم عبد الرحمان التازي "البحث عن زوج امرأتي" من مداخيل في التسعينيات من القرن الماض.
على أية حال نتمنى لرشيد الوالي المنتج والمخرج والممثل والمنشط التلفزيوني ولصديقه المخرج والمنتج محمد الكراط، المتخصص في تقنيات المؤثرات الخاصة، النجاح في هده المغامرة الابداعية رغم ما يحيط بهما من مثبطات. لنا عودة للفيلم بعد مشاهدته أكثر من مرة .

السبت، 10 سبتمبر 2011

جوائز مهرجان فينيسيا السينمائي: مفاجآت وتوازنات محسوبة



كالعادة جاءت نتائج الدورة الثامنة والستين من مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي مفاجأة كبيرة بالنسبة لمعظم الحاضرين من النقاد والصحفيين والسينمائيين والمتابعين عن كثب لفاعليات المهرجان، خصوصا وأن التكهنات انحصرت بين عدد محدود من الأفلام كان على رأسها فيلم "مذبحة" Carnageلرومان بولانسكي الذي خرج خالي الوفاض تماما من المسابقة بعد أن ظل حتى النهاية متربعا قائمة ترشيحات نقاد "فاريتي" متفوقا على سائر الأفلام، لا أعرف لماذا في حين أنه فيلم مسرحي في المقام الأول مهما قيل عن براعة التمثيل واخراج المشاهد المسرحية المصورة فيه.
كما خرج أيضا الفيلم- التحفة "دجاج بالخوخ" الفرنسي من مولد الجوائز دون أي إشارة ولو الى السيناريو أو التصوير، وكان في رأيي يستحق الأسد الذهبي عن جدارة، لكن اللجنة التي رأسها المخرج الأمريكي دارين أرونوفسكي منحت الجائزة الكبرى للفيلم الروسي "فاوست" اخراج ألكسندر سوكوروف الذي يقدم فيه معالجة جديدة لأسطورة فاوست (جوته) بأسلوبه المعروف الذي يميل الى التعامل مع الصورة السينمائية كما لو كانت لوحة من الكانفاه المشغولة، مع المحافظة على اضاءة غامضة شبه معتمة تضفي جوا خاص من القدم على الصور والمشاهد لدرجة أنك قد تشعر، كما أشعر أنا أمام أفلامه، بأن مستوى الصورة السينمائية ضعيف، وأن الشحوب المقصود المصنوع بواسطة المرشحات التي توضع أمام العدسات، يقلل كثيرا من مستوى الرؤية بحيث تشعر العين بالارهاق، خصوصا وأن أفلامه عادة مليئة بالحركة والحوار الذي لا يتوقف أبدا، فإذا كنت تتابع أيضا ترجمة الحوار عن طريق متابعة ما يظهر من ترجمة على الشريط نفسه أو أسفله، تصبح عملية المشاهدة شاقة لغاية.
وكان هذا الأسلوب قد أتبع في فيلمه عن هتلر فيلمه الآخر عن لينين، والامبراطور هيروهيتو الياباني، وهو هنا يختتم رباعيته عن هذه الشخصيات بهذا الفيلم الذي فيه الكثير من الطرافة في رسم الشخصيات والابتكار في تصميم المشاهد لكنه أيضا فيه الكثير جدا من الافتعال!
وحصل على جائزة الأسد الفضي لأحسن مخرج، المخرج الصيني كاي تشانجشون صاحب فيلم "الناس تصعد الناس ترى" وهو الفيلم المفاجأة الذي توقعنا فوزه بجائزة أساسية، وهو حسب ما نشر، يحتوي على نصف ساعة بديعة في نهايته لكنه يتعثر في البداية ويستمر دون أي اثارة للاهتمام مدة طويلة قبل أن يتمكن المخرج من خلق عالم له خصوصيته سينمائيا. لكن الفيلم الصيني كان لابد أن يفوز في فينيسيا كما هي العادة!

وحصل على جائزة التمثيل لأحسن ممثل- كما توقع كاتب هذه السطور- الممثل مايكل فاسبندر عن دوره الهائل في الفيلم الكبير "العار" Shame البريطاني الذي كان يستحق هو نفسه جائزة الاخراج على الأقل.
وحصلت ديني اب وون من هونج كونج على جائزة أحسن ممثلة عن دورها في فيلم "حياة بسيطة" (الذؤي لم اشاهده).
وحصل فيلم "البر الأخير" Terraferma على الجائزة الخاصة للجنة التحكيم، وهو فيلم ممتاز لاشك في هذا، ويتناول موضوع الهجرة غير الشرعية الى ايطاليا بطريقة جديدة ومن خلال سيناريو منسوج ببراعة.

وفاز بجائزة أحسن سيناريو الفيلم اليوناني "الألب"، كما فاز بجائزة التصوير السينمائي الفيلم البريطاني "مرتفعات ويذرنج".
وظلم الفيلم الايطالي الجيد جدا "آخر إنسان على الأرض" الذي خرج دون اشارة، ولاشك أن الجوائز قسمت بحيث ترضي كالعادة، أكبر عدد من الأفلام المشاركة، ولعل الدهشة الوحيدة هنا لا تأتي فقط من ذهاب الأسد الذهبي لفيلم "فاوست" (وهو بالتأكيد ليس أفضل ولا أهم أفلام الرباعية الأخيرة للمخرج سوكوروف)، بل ومن غياب الأفلام الأمريكية الخمسة عن قائمة الجوائز تماما بما فيها "منتصف مارس" الذي رشحه البعض للجائزة الكبرى، ثم فيلم "جو القاتل" الذي حصل أيضا على عدد كبير من ترشيحات النقاد.
وعموما هذا شأن جوائز المهرجانات دائما التي عادة ما تعبر عن محصلة التوازنات بين سبعة أشخاص أو أكثر، هم مجموع لجنة التحكيم، وليس بالضرورة عن تقدير موضوعي حقيقي لأحسن الأفلام.
والفيلم الجيد يدخل تاريخ السينما ويحفر لنفسه مكانا فيه، أما الفيلم محدود القيمة، فسرعان ما يطويه النسيان.
إلى اللقاء في دورة قادمة.

الجمعة، 9 سبتمبر 2011

يوميات مهرجان فينيسيا 6

أوشكت دورة مهرجان فينيسيا 2011 على نهايتها، وغدا السبت يتم اعلان أسماء الأفلام الفائزة.وكالعادة نتوقع مفاجآت قد تأتي مخيبة لتوقعات البعض منا أو آمالهم. وهذا يحدث كثيرا في فينيسيا تحديدا. ونتوقع فوز فيلم أمريكي بجائزة أساسية، كما نتوقع فوز فيلم فرنسي وفيلم ايطالي وفيلم آسيوي من الصين تحديدا وفيلم آخر من بريطانيا.
الفيلم الأمريكي المتوقع فوزه هو "جو القاتل" لوليم فريدكين، والفيلم الفرنسي هو "مذبحة" لبولانسكي، كما يمكن ايضا حصول الفيلم الفرنسي "دجاج بالخوخ" على احدى الجوائز الرئيسية، والفيلم البريطاني هو "العار"، والفيلم الصيني هو فيلم المفاجأة "أناس يصعدون الجبل وأناس يتفرجون" أو "العيش بدون مباديء"، ونتوقع فوز بطل فيلم "اخر رجل على الأرض" الايطالي بجائزة أحسن ممثل أو حصول مايكل فاسبندر عليها عن دوره في فيلم "العار"، وحصول كيت وتسيلت أو جودي فوستر بجائزة أحسن ممثلة عن دوريهما في فيلم "مذبحة".
ولكن طبعا المفاجآت واردة وقد يفوز الفيلم الايطالي "البر الأخير" بالجائزة الكبرى- الأسد الذهبي نظرا لأهمية موضوعه وبراعة معالجته. لكن التوازنات دائما تلعب دورا أكيدا ومؤكدا في سوق الجوائز. وكما فاز فيلم اسرائيلي ضعيف في مهرجان كان بجائزة أحسن سيناريو يمكن جدا أن يفوز الفيلم الاسرائيلي "المبادلة" بجائزة مشابهة في حين أنه لا يستحق اصلا أن يوجد في المسابقة.
وبشكل عام الدورة جيدة، والمسابقة قوية، وقد استمتعنا بعدد كبير من الأفلام الممتازة فنيا والتي سنكتب عنها تفصيلا فيما بعد.
وقد عرض أمس واليوم الفيلم المصري "الطيب والشرس والسياسي" عن الثورة المصرية اخراج ثلاثة مخرجين، ونال تصفيقا من جانب الجمهور استمر أكثر من 5 دقائق في القاعة الرئيسية بقصر المهرجان بسبب قوة تأثيره وتعبيره عن روح الثورة.

الأربعاء، 7 سبتمبر 2011

يوميات مهرجان فينيسيا 5




 

لا أصدق أحيانا بعض ما أقرأه فيبدو لي أن الجميع أصبحوا مجاملين ويميلون للمهادنة وكأنهم يتعيشون من صناع الأفلام، وكأن النقد انحط لدرجة أن أصبح لابد أن يمتدح الناقد حتى الأفلام الصغيرة المحدودة جدا في أفقها، الفاشلة تماما في توصيل فكرتها، ويتصور البعض أنه هكذا أي عن طريق المبالغة في قيمة أفلام تافهة لا تعكس أي موهبة، يمكن أن تتطور السينما العربية أو الأفلام التي تصنع في العالم العربي فأنا من الذين مازالوا يؤمنون بضبابية اصطلاح "السينما العربية" وابتعاده عن العلم، فهل هناك صناعة سينما عربية أم نشاط سينمائي في العالم العربي، أم أفلام تظهر بالصدفة معظمها بتمويل أجنبي، أوروبي، وأحيانا خليجي؟!

لا أفهم مثلا أن يكون فيلم ما "لم ينجح ولم يفشل.. ولكن!) أو هو "ليس جيدا وليس سيئا ولكن.." هذا النوع من النقد يثير ريبتي فيمن يكتبه ويجعلني أتوقف طويلا أمام فكرة: هل هناك منهج نطبقه على كل الأفلام، أم أن هناك مناهج متعددة على طريقة "لكل مقام مقال".. أي هل نحن نتعامل مع الفيلة الذي يقول عن نفسه أنه فيلم فلسطيني مثلا بنوع من الشفقة والرحمة والتعاطف لأنه "فلسطيني" وإلا، إذا تعاملنا معه تعاملنا مع أفلام كبار السينمائيين في العالم أي بدون أي مجاملات وبمنهج واضح وصارم، نكون نتجنى على القضية الفلسطينية ونقلل من شأنها مثلا!

وهل الفيلم "الوطني" أي الذي ينتمي الى البلد الذي منه جئنا يستحق معاملة "خاصة" مثلا؟ أم أنه فيلم مثل غيره من الأفلام، وأن الولاء يجب أن يكون أولا للفيلم الجيد وليس للبلد الذي ينتمي اليه، بالمعنى الفني والفكري طبعا، فالانتماء الوطني شيء والحكم على الأعمال الفنية يجب أن يكون شيئا آخر.

لكني أقرأ أشياء عجيبة للغاية يكتبها بعض الصحفيين الذين يكتبون في السينما، فهم يميلون الى التهليل للفيلم ؟الوطني" أي القادم من بلادهم بغض النظر عن مستواه، وأحيانا بدعوى "دعونا نشجع الانتاج المحلي" وكأننا جزء من جمهور كرة القدم، وكأن الفيلم السينمائي (وهو منتج فردي يفترض أنه يعبر عن الفنان الذي صنعه) يعادل منتخب كرة القدم الوطني يجب أن يصطف الجميع وراء وإلا اعتبروا من الخوارج أو الذين لا يتمتعون بالولاء الوطني أو كل هذه الترهات!

وأنت تتابع مهرجانا كبيرا بحجم مهرجان فينيسيا، عادة ما تطرح مثل هذه التساؤلات أو تفرض نفسها عليك وأنت تقرأ يوميا الكثير جدا من الكتابات السريعة الاستهلاكية التي لا تقول لك شيئا خصوصا عندما يتعلق الأمر بفيلم "لبناني أو مصري أو فلسطيني أو جزائري".. بل يميل "البعض" أيضا أحيانا الى تصفية حسابات "إقليمية" مع نوعية معينة من الأفلام.. مثل الفيلم المصري مثلا، الذي اعتبره- ولايزال- كثير من الكاتبون بالعربية من الصحفيين، سبب تدهور الأمة العربية.

وربما يقف كاتب ما بكل اجلال وتقدير أمام فيلم كازاخستاني مثلا لمجرد أنه يريد أن يقول لك أنه "ولد مكتشف ويفهم في السينما الكازاخستانية.. خبير بها وبتياراتها" في حين أنه لم يشاهد مثلا 99 في المائة من الانتاج المصري.. ربما غير أفلام يوسف شاهين التي تعتبرها البعض لسنوات طويلة بديلا عن السينما المصرية بل ان البعض أيضا اعتبرها تعبيرا عن عبقرية "غير مصرية" في حين أن أفلام شاهين التي لمن يكتبها كتاب غيره هي أفلام مشكوك بشدة في قيمتها ومستواها مهما ألف بعضهم كتبا ضخمة غير قابلة للقراءة بل تصلح أساسا، للإلقاء بها في مزبلة التاريخ بسبب عقمها وتفذلكها وابتعادها بشكل مريب عن الموضوعية التي هي المدخل لاحترام أي كتابة من أي نوع!

عموما لا أرى أن التخلف قاصر على أبناء يعرب من "الصحفجيين" (أي الذين ينشرون في الصحافة السائدة) فقط، فقد حدث ذات مرة أن طاردت مجموعة من الصحفيين البريطانيين والسينمائيين أيضا، المخرج الانجليزي الكبير ليندساي أندرسون على سلالم قصر مهرجان كان يريدون الاعتداء عليه، ووجهوا له سيلا من الشتائم والاتهامات بالخيانة الوطنية وتشويه الوطن، بعد عرض فيلمه "مستشفى بريطانيا" في المهرجان!

وياحبيبي... لكي تتصرف هكذا مع الأفلام القادمة من بلدك، ويكون معيار الحكم عليها هو مقدار "ولائها" الوطني بالمفهوم الشوفيني القاصر، لابد أن يكون "راسك خربان" جدا!

الأحد، 4 سبتمبر 2011

يوميات مهرجان فينيسيا 4




من الظواهر البارزة هذا العام في مهرجان فينيسيا السينمائي وجود عدد كبير نسبيا، من الأفلام التي تعتمد على أصول أدبية أو مسرحية.
 
من أبرز هذه الأفلام فيلم "مذبحة" Carnageلرومان بولانسكي المقتبس عن مسرحية  فرنسية، وفيلم "منهج خطر" لديفيد كروننبرج المقتبس أيضا عن مسرحية الكاتب الانجليزي كريستوفر هامبتون، وفيلم "مرتفعات ويذرتج" لأندريا أرنولد المقتبس عن الرواية الشهيرة بالعنوان نفسه للكاتبة الانجليزية اميلي برونتي، وفيلم "دجاج بالخوخ" لماريان سوترابي وزميلها الفرنسي فنسنت بارونو وهو مقتبس عن رواية لماريان سوترابي صدرت عام 2004، وفيلم "المتجول، الخياط، الجندي والجاسوس"لتوماس ألفريدسون المأخوذ عن رواية لكاتب أدب الجاسوسية البريطاني الشهير جون لوكاريه، و"فاوست" لألكسندر سوكوروف عن رواية جوته الشهيرة.. وغير ذلك.
 
ولاشك أن الأصل الأدبي لا يؤثر بالضرورة على مستوى الفيلم السينمائي إذا عرف المخرج وكاتب السيناريو كيف يستفيدان من العمق في بناء الشخصيات، وهو ما يوفره الأصل الأدبي عادة، مع اعادة صياغة الحبكة والأحداث بحيث تلاءم لغة السينما التي تقوم على الصوت والصورة، أي على الحوار وعلى المؤثرات الصوتية الأخرى بما فيها الموسيقى.
 
كما تقوم أيضا، بل وأساسا، على الصور واللقطات وعلى العلاقة بينها، وعلى تفاصيل أخرى كثيرة ترتبط بالمونتاج وبالاضاءة وبكل ما يقع داخل الكادر السينمائي (الميزانسين). وسواء كنا من أنصار مدرسة ايزنشتين التي تعلي من شأن المونتاج، أم من أنصار مدرسة أندريه بازان التي ترفع من شأن الميزانسين، فالسينما شكل فني يختلف بالضرورة عن الأدب المكتوب (الذي يعبر فيه الكاتب من خلال وسيط واحد هو الكلمة فقط).
 
وقد دهشت من الرأي الذي قرانه أخيرا للزميل الناقد سمير فريد في "المصري اليوم" وخلاصته أن فيلم "مذبحة" لرومان بولانسكي هو فيلم ينتمي إلى "السينما الخالصة"، وإنه ليس من الممكن فهم أي شيء مما يتناوله من خلال الحوار وحده. وهو ما أختلف معه تماما.
لو القضية هنا هي قضية مفاهيم يجب مناقشتها بكل صراحة، لأنني أرى أن  مثل هذه الآراء التي لا تخضع للنقاش والمناقشة والجدل (وهو أمر أصبح غائبا بشكل مثير للرثاء حقا عن حياتنا الثقافية والنقدية) يتم تكريس مفاهيم معينة لدى الأجيال الجديدة من دارسي السينما وعشاقها وهواتها أيضا.
 
إن فيلم "مذبحة" كما ذكرنا، مقتبس عن مسرحية لياسمين رزا (أو رضا - لا نميل لتعريب الأسماء بل الأفضل في رأينا كتابتها كما يكتبها وينطقها أصحابها وهم في ايران يقولون "رزا Reza وهكذا يكتبونها). هذه المسرحية أخلص لها بولانسكي ومن شاركه كتابة السيناريو اخلاصا شديدا، فقد أكسبوها الحياة في السينما عن طريق "الميزانسين" الذي روعي فيه الاهتمام بالتكوين وتنويع اللقطات وزوايا التصوير وضبط الاضاءة واختيار قطع الديكور بمهارة حذق، وتحريك الممثلين. غير أن الفيلم بعد هذا هو أساسا وقبل أي شيء، فيلم تمثيل وممثلين، وهذا هو العنصر الأكثر بروزا فيه، وكل عامل فني آخر تم تسخيره لخدمة الأداء التمثيلي.
 
ولاشك أن للكتاب سحره لأنه يتيح لك أن تتخيل أنت الصور والشخصيات كما تشاء، كما أن الصورة السينمائية تجسد من خلال رؤية المخرج، تلك الشخصيات وتدفع فيها الحياة، لكن يظل للمسرح بالتأكيد سحره الخاص، فهو يجعلك تتفاعل مع الممثلين بشكل مباشر وبدون وسيط يختار لك زاوية المشاهدة.
 
في الكتاب أنت ترى ما تريد أن تراه بالطريقة التي تحلو لك. وفي المسرح أنت ترى الممثلين وهم يستخدمون الحوار أمامك مباشرة، وفي السينما تراهم يستخدمون الحوار (المسرحي) ولكن من خلال زوايا التصوير وقطعات الانتقال عبر المونتاج للمحافة على سلاسة التدفق، ولا شيء غير ذلك.
 
المسرح إذن هو المسرح، والسينما لها لغتها التي تختلف بالضرورة عن لغة المسرح. واختيار مسرحية لتحويلها الى السينما يجعلها في الأغلب الأعم، خاضعة بشكل ما للغة المسرح ولكن بدون الاطار المسرحي وتقاليده المعروفة وجاذبيته الخاصة، فكيف يمكن القول ان فيلما مثل "مذبحة" لا يتجاوز أبدا النص المسرحي ويعتمد بالكامل على الأداء أي على الحوار أيضا، هو من أعمال "السينما الخالصة" وإنه ليس من الممكن أبدا الالمام بموضوعه من خلال الحوار فقط؟!
 
نعم بل يمكن تماما متابعته عن طريق الحوار فقط وفهم محتواه ولكن المتعة الفنية لن تكتمل إلا بمشاهدة الممثلين في اطار الديكور المسرحي والاضاءة، أو من خلتال زاوية الصورة السينمائية في الفيلم. وهذا لا يجعل من "مذبحة" بأي شكل من الأشكال، عملا من أعمال "السينما الخالصة"، فهذه السينما لا يمكن أبدا ردها بكل بساطة الى الأصل المسرحي، في حين يمكن جدا ومن أول لقطة بل ومن الصور الثابتة الصحفية التي وزعت للفيلم قبل عرضه، معرفة أنه مسرحية مصورة سينمائية.

يوميات مهرجان فينيسيا 3



لاشك أن ديفيد كروننبرج يقدم لنا عملا رصينا متوازنا، في فيلمه "منهج خطير" A Dangerous Method المشارك في مسابقة مهرجان فينيسيا والمأخوذ عن مسرحية الكاتب الانجليزي كريستوفر هامبتون "العلاج المتكلم" The Talking Cure

نحن أمام ثلاثي شهير في عالم الطب النفسي: البروفيسور والعالم الكبير سيجموند فرويد، وتلميذه الباحث والعالم المرموق فيما بعد كارل جوستاف يونج، وسابينا شبيلرين.. اليهودية الروسية الشابة التي تصادف أنها كانت المريضة الأولى التي يتعامل معها تلميذ فرويد، "يونج" ويقع في حبها ويقيم معها علاقة حسية جارفة (رغم كونه متزوجا من زوجة ثرية)، قبل أن يوقف هذه العلاقة بعد أن بدأ يتشكك في أنها قد تكون نتيجة خطة دبرتها سابينا، وما يتركه أثر هذه العلاقة على سابينا نفسيا.
سابينا.. طالبة الطب.. التي جاءت كمريضة تعاني من تشنجات واضطرابات عقلية شديدة، تمكن يونج من علاجها طبقا لمنهج أستاذه فرويد بعد أن توصل الى أن سبب عقدتها يكمن أساسا، في الكبت الجنسي بل الشعور بالقمع والحرمان. هل كانت علاقته الجنسية بها سببا من أسباب اعتدالها وشفائها؟
في الفيلم نقاشات كثير حول منهج فرويد في التحليل النفسي الذي يقوم على ارجاع معظم الاضطرابات النفسية التي يعاني منها البشر الى العامل الجنسي: أي الجنس بكل جوانبه، من لحظة الميلاد الى ما الموت.
هذه النقطة يطرح يونج الكثير من التشكك حولها، ويناقش استاذه فيها ويختلف معه ذلك الخلاف الشهير، كما تجد سابينا نفسها طرفا بين الإثنين، في جدال طويل ومعقد حول العلاقة بين الجنس والتحليل النفسي، وبين الكبت الجنسي، وفكرة الحرية، وهل يمكن تغيير نظرة المريض نفسيا الى نفسه فقط بأن نكشف له عن سبب عقدته، أم أن من الضروري دفعه الى التطلع للقيام بنشاط ما يعيد له توازنه النفسي هل يجب قبول العالم على ما هو عليه، كما يرى فرويد أم يجب أن نطمح الى تغيير، كما يرى يونج؟
الأحداث تتواصل في الفيلم من لحظة وصول سابينا شبيلرين الى المصحة النفسية للدكتور يونج قرب ميونيخ عام 1904 حتى عام 1914 أي بعد فترة من تخرجها واعدادها رسالة عن الشيزوفرينيا، ومقابلتها لفريويد في فيينا.
ويعتمد السيناريو (شأنه في ذلك شأن المسرحية المقتبس عنها) على ما ورد في الرسائل المتبادلة بين يونج وسابينا وفرويد والتي اكتشفت في شقة بزيورخ عام 1977.
الفيلم يقوم بالطبع على تلك المناقشات الذهنية والعلمية التي تصل الى المتفرج من خلال التمثيل البارع للثلاثي المشارك في الفيلم: فيجو مورتنسن (فرويد)، مايكل فاسبندر (يونج)، وكيرا نايتلي (سابينا). والثلاثة تفوقوا في أداء أدوارهم، وبدت حنكة وخبرة كروننبرج واضحة في السيطرة التامة على الأداء، ودفعه في الاتجاه الصحيح بحيث تمكن من خلق كيمياء خاصة بين الممثلين الثلاثة ساهمت في إضفاء الواقعية على الفيلم.
لكن يجب القول إن هذا فيلم تقليدي تماما في حبكته وفي بنائه وتصميم مناظره وأسلوب اخراجه. هنا اهتمام واضح بكل التفاصيل المتعلقة بالفترة: الملابس والاكسسوارات والديكورات والاضاءة التي تضفي طابعا خاصا يوحي بفترة وقوع الأحداث، وحركة الكاميرا المقتصدة والمحسوبة بدقة (في المشاهد التي تجسد الحالة العقلية لسابينا في البداية)، والاعتماد في الانتقال السلس من لقطة إلى أخرى على وسيلة القطع.
ورغم براعة الإخراج والتمثيل ومتانة السيناريو (وضوح الشخصيات ورسمها جيدا) والحوار المتدفق الحيوي الذي لا نلمح فيه أي أثر للافتعال أو للنقل من كتب التاريخ، لا نتوقع أن يكون للفيلم نصيب كبير في سباق الجوائز في فينيسيا على عكس التوقعات الكبيرة المحيطة به، فهو لاشك يختلف تماما عن أفلام كروننبرج المميزة السابقة، كما أنه سيجد صعوبة في منافسة أفلام أخرى أقوى بدأت في الظهور مبكرا.. ليس أقلها بالطبع فيلم بولانسكي (المسرحي أيضا).

* سبق أن شاهدت في مهرجان لوكارنو قبل عشر سنوات (وكنت عضوا في لجنة تحكيم اسبوع النقاد) فيلما تسجيليا طويلا بديعا بعنوان "كان إسمي سابينا شبيلرين" من اخراج المخرجة المجرية اليزابيث مارتون. ولكنه لم يكن فيلما وثائقيا، بل كان يعتمد أساسا على إعادة التمثيل أي باستخدام ممثلين لاعادة مقاطع حياة سابينا ممزوجة بالوثائق والصور الفوتوغرافية واللقطات القديمة من تلك الفترة، وكان أيضا يعتمد على ما كشفت عنه الرسائل المتبادلة بين الثلاثي والتي عثر عليها في شقة بزيورخ عام 1977، وقد جسدت المخرجة التي تقيم في السويد، ببراعة كبيرة العلاقة العاطفية بين سابينا ويونج (وكان في التاسعة والعشرين من عمره).. لكننا لم نمنح الفيلم الجائزة وكان أقرب إليها لأنني تمسكت بضروروة منحها لفيلم أجده كشفا في وقته هو فيلم "إنس بغداد.. يهود عرب: الرابطة العراقية" للمخرج العراقي الأصل (السويدي الاقامة) سمير.

* الممثل (دنماركي- أمريكي) فيجو مورتنسن الذي قام بدور فرويد في الفيلم، دعا خلال المؤتمر الصحفي لمناقشة "منهج خطير" من يمتلك الرسائل المتبادلة بين فرويد ويونج الى ضرورة الكشف عنها من أجل الصالح العام، ولكي يعرف العالم تفاصيل تلك الخلافات العلمية التي كانت قائمة بين الرجلين المرموقين.


* أجمل وأفضل ما عرض من أفلام حتى الآن في المهرجان كله (في رأيي الشخصي) هو الفيلم الفرنسي "دجاج بالخوخ" الذي يوحي لي بدراسة خاصة عن "تأثير الثقافات الأجنبية في السينما الفرنسية"، فوراء هذا الفيلم عبقرية من أصل إيراني هي ماريان ساترابي المخرجة التي تشترك مع رفيقها الفرنسي فنسنت بارونو في الاخراج، وسبق لهما أن أدهشانا بفيلم الرسوم "برسيبوليس"، وهي أيضا ممثلة وكاتبة ومقدمة تليفزيونية. موهبة خارقة لاشك. وسأعود للكتابة عن الفيلم تفصيلا.


الجمعة، 2 سبتمبر 2011

يوميات مهرجان فينيسيا 2



• بعيدا عن أفلام المسابقة استمتعت كثيرا بالفيلم الصيني "الساحر والثعبان الأبيض" اخراج توني تشينج، الذي يروي قصة خيالية بالطبع، استخدم في تجسيدها الحيل السينمائية وطرائق المؤثرات الخاصة المتوفرة في هونج كونج الى أقصى درجة. إنه أحد أجمل الأفلام التي شاهدتها في كل مكان رغم أن أغلبية النقاد والصحفيين الحاضرين هنا انصرفوا عنه مفضلين البحث عن أفلام "أكثر جدية"!

• يبدو أن فيلم المخرج الكندي ديفيد كروننبرج "منهج خطر"، صاحب منهج السينما التي أطلق عليها قبل عقدين من الزمان زميلنا المعتزل مدحت محفوظ "سينما التقزيز"(!) قد أصبح في صدارة الأفلام التي لاقت اعجابا من الجمهور والنقاد في فينيسيا. ولكن كروننبرج هنا يهجر منهجه القديم ويقدم عملا يدور في أجواء عالم النفس البشرية وعلم النفس، مصورا صراع فرويد وتلميذه يونج على قلب مريضة شابة هي كيرا نايتلي في فيينا في عشرينيات القرن الماضي. الطريف أن هذا الفيلم تصدر قائمة الأفلام الأكثر تفضيلا التي يصوت لها الشباب على أحد مواقع الانترنت قبل أن يعرض في المهرجان بل قبل افتتاح المهرجان نفسه. فهو حتى الآن يعتبر العمل الأكثر ترشيحا من جانب هؤلاء لنيل الأسد الذهبي.. ومن يدري!

• من ضمن الأفلام المعروضة هنا على هامش المهرجان في نطاق السوق السينمائية المحدودة فيلم إسرائيلي عنوان "هل يمكن أن تمارسي الجنس مع عربي؟" Would You Have Sex With An Arab? وهو فيلم تسجيلي من اخراج يولاند زوبرمان Zauberman، ويناقش موضوع التفرقة العنصرية داخل إسرائيل بين الفلسطينيين واليهود. والغريب أن هناك إصرارا غريبا على وصف الفلسطينيين داخل إسرائيل بالعرب، وهو تعبير امتد بكل أسف الى الصحافة العربية والأدبيات العربية رغم عدم دقته، والغرض بالطبع هو انكار العوية الفلسطينية. ولذا أرى أن من الأصوب أن نقول "فلسطينيو 48" بدلا من "عرب 48".. حتى لا نساهم دون وعي منا، بتمييع القضية.

• فيلم بولانسكي "مذبحة" (أو مجزرة، أو حمام دم.. كلها تعبيرات لنفس المعنى) من انتاج منتج (فرنسي) يدعى سعيد بن سعيد وقد أطلق على شركته اسم SBS ومقرها باريس، ونن أنه من أصل مغربي.. والله أعلم!

الخميس، 1 سبتمبر 2011

يوميات مهرجان فينيسيا1


الوصول الى فينيسيا هذه المرة كان من القاهرة وهي المرة الأولى منذ أن بدأت أتردد على هذا المهرجان العريق قبل 25 عاما، فقد أعتدت دائما أن أطير من لندن الى المدينة العائمة مباشرة، وهي رحلة تستغرق ساعتين فقط أو أقل قليلا.

أما الرحلة من القاهرة الى فينيسيا فهي رحلة شاقة بكل معنى الكلمة، فهي أولا رحلة غير مباشرة، أي أنك يجب أن تمر أولا بالعاصمة روما وتنتظر في مطارها الدولي ما يرقب من ساعتين ونصف كما حدث معي، في ظل فوضى هائلة في هذا المطار الشاسع لا أرى لها سببا سوى أن اخواننا الايطاليين قريبون منا كثيرا في السلوكيات.

وثانيا: رحلة شركة الطيران الايطالية من القاهرة تقلع في موعد "غير إنساني" على الإطلاق فموعد الإقلاع في الثالثة و50 دقيقة صباحا، ولا أعرف لماذا؟ فهل هذا لمعاقبة المسافرين مثلا!

أما المفارقة الغريبة أنني انتظرت بالقرب من صالة الخروج المحددة بالرقم والاسم والرحلة (وكانت صالة المغادرة رقم 11) في مطار روما لكي أركب الطائرة المتجهة الى فينسيا، لكني كلما سألت الموظفة قالت انه يتعين علي الانتظار. ولما لم يبق سوى 20 دقيقة على موعد اقلاع الطائرة توجهت، أنا وغيري ممن كانوا ينتظرون، للسؤال مجددا فكانت الإجابة بكل بساطة وبلامبالاة تامة وبدون أدنى اعتذار: لقد اغيرت صالة الخروج وعليكم الآن العودة الى الصالة رقم 1!!

عدونا حتى وصلنا الى الصالة البعيدة ووجدنا الطائرة في الانتظار لحسن الحظ، وإن لم نجد أي نتفسير لما حدث على الاطلاق، فلم يتم الاعلان عن تغيير قاعة المغادرة ولا عن ضرورة الاسراع الى بوابة الخروج رقم كذا كما هو المعتاد.. ولولا الخدمات الهائلة المتوفر في المطار لكان يمكن اعتباره أقل مستوى من مطاراتنا التي نئن بالشكوى منها ومن أوضاعها!

المهم أن رحلتك لا تنتهي كما تتصور بالوصول الى مطار فيتعين عليك أن تستقل حافلة مائية الى جزيرة الليدو في رحلة تستغرق نحو خمسين دقيقة. لحسن الحظ الفندق الذي أقيم به يقع على مسافة قريبة من موقف الحافلات البحرية (لا أستطيع أن أصفها بالقوارب فهي أكبر كثير من قارب، كما أنها أصغر كثيرا من سفينة!).
 
مفاجأة سيئة

أجواء فينيسيا هذا العام حارة، شديدة الرطوبة، تقترب من احدى وثلاثين درجة مئوية مرشحة للارتفاع كما علمت.

الجزيرة الشهيرة التي تستضيف المهرجان تعج كعادتها في مثل هذا الوقت سنويا بآلاف الزوار والمصطافين والفضوليين والمتسعكين وبالطبع، ضيوف المهرجان والصحفيين وعددهم بالآلاف.

المفاجأة السيئة التي عرفتها بعد وصولي الى مقر المهرجان أن القصر الجديد للمهرجان بقاعاته الضخمة وامكانياته الحديثة الهائلة (وكان يتوقع أن يفتتح العام الجاري وان كان قد تأجل عامين أو ثلاثة) قد توقف العمل فيه، ومن المقرر أن يتوقف الى الأبد. والسبب أنهم اكتشفوا تصاعد كميات كبيرة ضارة من مادة الاسبوستوس التي تسبب بعض أمراض الجهاز التنفسي. وبالقاء نظرة على موقع البناء، وهو عبارة عن حفرة هائلة في الأرض تبلغ أكثر من ألفي متر مربع، يجد المرء نفسه أمام مجموعة من الأكياس البلاستيكية البيضاء التي تمنع تسرب المواد الضارة وقد تم لفها حول كل حزمة من التربة داخل موقع الحفر نفسه.. وانعكست أشعة الشمس الساطعة على هذه المساحات المصقولة فزادت من وهج الحرارة.. وكأننا أمام مجموعة من المقابر التاريخية تم الكشف عنها ولا أحد يعرف كيف سيردمونها بعد ذلك، وبعد كل ما أنفق من تكاليف في التصميم والحفر والبناء!

المهم أن صاحبنا ماريو باراتا رئيس بينالي فينيسيا للفنون راعي مهرجان السينما من ضمن أنشطة أخرى، صرح بأنهم تراجعوا عن خطتهم الأصلية في افتتاح منشآت جديدة للمهرجان واتجهوا بدلا من ذلك الى تطوير واحياء المنشآت القديمة القائمة بالفعل، بدعوى "الحفاظ على تاريخ المهرجان) وضرب مثالا باستعادة قاعة قصر المهرجان القديمة التي يعود تاريخ إنشاؤها الى عام 1937، الى الحالة التي كانت عليها عند افتتاحها.

المهم أن فيلم الافتتاح الذي يعرض رسميا في المساء عرض للصحفيين عرضا خاصا وحيدا في التاسعة صباح اليوم الأول، وهو يوم وصولي، ولأني وصلت بعد ذلك وكان يجب أن أخصل على قسط من الراحة بعد تلك الرحلة الشاقة، فقد أصبح يتعين مشاهدة الفيلم صبيحة اليوم التالي بعد الاصطفاف مع الجمهور الذي يتمتع بأولوية الدخول الى تلك الحفلة الصباحية العامة (التجارية). وهو ما قمت به بالفعل وشاهدت الفيلم، وإن كان يترتب على ذلك أن أظل أتردد على هذه القاعة المسماة بالا بينالي أي قصر البينالي، طيلة الأيام الأربعة القادمة لكي لا يفوتني شيء من أفلام المسابقة.

القصر الخيمة

الطريف طبعا أن "قصر البينالي" هذا ليس قصرا ولا هم يحزنون، بل أيضا خيمة كبيرة شبيهة بخيام السيرك، أقيمت في حديقة عامة من حدائق الليدو.. ويبدو أن الايطاليين مغرمون بهذا النوع من الخيام القوية عالية الأسقف، التي تبدة رخيصة التكاليف، وعملية جدا، وتتسع لعدد كبير من المشاهدين خاصة وأنها مزودة بمقاعد رخيصة. ولكني كنت دائما أتساءل: لماذا لم تستغل نفس هذه المساحة في بناء قاعة سينما حقيقية كما ينبغي بدلا من الحلم بمحاكاة مهرجان كان واقامة قصر منيف للسينما قرب القصر القديم!

وبمناسبة الخيام: أتذكر أنني كنت ضيفا على مهرجان القاهرة السينمائي عام 1986.. وقت أن كان سعد الدين وهبة رئيسا له، وكان يتصرف مثل شيخ قبيلة، فاذا جلست معه ودردشت قليلا دعاك لحضور المهرجان، واذا عدت فكتبت عن الجوانب السلبية في "مهرجانه" اعتبر أنك أسأت لكرم الضيافة، فحجب عنك الدعوات متصورا أنك سترجوه وتلح عليه وتقدم له فروض الطاعة (كما يفعل مئات الصحفيين الذين أعرف الكثيرين منهم ممن يتسولون الدعوات، ويهينون أنفسهم والمهنة التي يمارسونها بذلك التصرف المتدني، ولكنه هذا الوسط اللعين!).

المهم أن سعد الدين وهبة كان أيضا مغرما باقامة عروض خاصة لضيوف المهرجان في خيمة السيرك القومي الموجودة في حي العجوزة بالقاهرة، وكان من بين ضيوف المهرجان في تلك السنة المخرج الايطالي (الكبير جدا- حجما ومقاما!) سيرجيو ليوني الذي أمتع الجماهير في العالم بأفلامه مثل "الطيب والشرس والقبيح" و"من أجل حفنة دولارات" و"مزيد من الدولارات" وغيرها. وأظن أن نفس هذه الأفلام التي أمتعت أبناء جيلي من "مجانين السينما في عصر السينما" مازالت تمتع الأجيال الجديدة من مدمني الأفلام سواء عبر الاسطوانات الرقمية أو الانترنت، بموسيقاها التي كتبها العبقري الايطالي انيو موريكوني.

 
قلق سيرجيو ليوني


كان ليوني يجلس أمامي لمشاهدة عرض الفرقة القومية للفنون الشعبية في خيمة السيرك القومي التي بداخلها منصة للعرض.

وقد أخذت الخيمة تهتز قليلا. ووجدت ليوني يتكلع الى أعلا في قلق شديد، يتفحص سقف الخيمة بدقة الخبير. وكانت تبدو في السقف علامات توحي بالقدم والتدهور. ورأيت نظرات القلق تتسع عند ليوني ثم فجأة وجدته ينهض ويرحل قبل انتهاء العرض. ولاشك أن الرجل تصاعدت في ذهنه ربما، فكرة أن الخيمة ربما تنهار فجأة فوق رؤوسنا. وعندها لن تنفع اعتذارات منظمي المهرجان بالكلمة الشهيرة التي اشتهرنا بها في العالم ويرددها علي الكثير ممن ألتقي بهم من الأجانب وهي كلمة (معلش)!

لكن للحق صمدت خيمة السيرك القومي دون كوارث تذكر حتى الآن. وأصبحت خيمة قصر البينالي في الليدو أمرا مؤلما كلما هطلت الأمطار فوق سقفها، لأنها تصنع مؤثرات صوتية اضافية تؤثر على استمتاعنا بالأفلام!

التطلع الى الجمهور

الملاحظ هنا أيضا أن مهر جان فينيسيا يتوسع في انفتاحه على الجمهور العام، فهو على العكس من مهرجان كان، يبيع تذاكر العروض بأعداد كبيرة هذا العان كما يخصص الكثير من الحفلات للعروض العامة في كل القاعات الرئيسية التي تعرض بها أفلام المهرجان. وربما يكون زيادة عدد اأفلام وتنوعها الكبير أيضا وراء الرغبة في تحويل المهرجان من مهرجان نخبوي لأفلام المؤلفين ولجمهور معزمه من "أهل الصنعة"، إلى مهرجان جماهيري يرضي كل الأذواق أيضا، كما يساهم في تغطية جانب من النفقات الكبيرة التي تتحملها الجهات المنظمة في ظل الأزمة الملية التي لاتزال تلقي بشبحها على أوروبا!

في إطار الرغبة في جذب الجمهور العريض يشهد المهرجان هذا العام وجود شخصية أخرى من تلك الشخصيات الخارقة المثيرؤة للجدل والجدال هي جميلة الجميلات أو هكذا كانت وكان يجدها البعض، المغنية "مادونا" نجمة الثمانينيات والتسعينيات في غناء الروك. أما الآن فهي قد اصبحت مخرجة سينمائية أيضا، فهل هي أقل من جودي فوستر أو من جورج كلوني مثلا؟ (لكليهما فيلم في دورة العام الجاري) فبعد أن ظهرت ككممثلة في 22 فيلما فشل معظمها (أهمها وأنجحها "إيفيتا"-1997 اخراج آلان باركر- ترى أين هو الآن؟).

مادونا حاضرة بفيلمها الجديد كمخرجة وهو فيلم "دبليو إي" WE وهما الحرفان الأولان من اسم واليس سمبسون، والملك ادوراد الذي أصر على الزواج منها رغم كونها أجنبية (أمريكية) مطلقة تكبره من العمر وتنازل بسبب ذلك عن العرض لشقيقه الملك جورج. وعن جورج الخامس رأينا فيلما عظيما مؤخرا هو "خطبة الملك". أما فيلم مادونا فيطمح الى رواية قصة الحب الشهيرة التي دخلت التاريخ من خلال الربط بينها وبين قصة حب معاصرة تنتهي نهاية مأساوية.. ولكن هل تنجح مادونا- المخرجة هذه المرة بعد أن فشلم في تجربته الوحيدة السابقة في فيلم "قذارة وحكمة" Filth and Wisdom؟

هذا السؤال يمكن الاجابة عليه في رسالة قديمة أو مقال قادم.. عندما نتناول الفيلم نفسه بالتحليل. ولكن يكفي الآن القول إنه فيلم "طموح" أسلوبيا!
جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger