الأربعاء، 7 سبتمبر 2011

يوميات مهرجان فينيسيا 5




 

لا أصدق أحيانا بعض ما أقرأه فيبدو لي أن الجميع أصبحوا مجاملين ويميلون للمهادنة وكأنهم يتعيشون من صناع الأفلام، وكأن النقد انحط لدرجة أن أصبح لابد أن يمتدح الناقد حتى الأفلام الصغيرة المحدودة جدا في أفقها، الفاشلة تماما في توصيل فكرتها، ويتصور البعض أنه هكذا أي عن طريق المبالغة في قيمة أفلام تافهة لا تعكس أي موهبة، يمكن أن تتطور السينما العربية أو الأفلام التي تصنع في العالم العربي فأنا من الذين مازالوا يؤمنون بضبابية اصطلاح "السينما العربية" وابتعاده عن العلم، فهل هناك صناعة سينما عربية أم نشاط سينمائي في العالم العربي، أم أفلام تظهر بالصدفة معظمها بتمويل أجنبي، أوروبي، وأحيانا خليجي؟!

لا أفهم مثلا أن يكون فيلم ما "لم ينجح ولم يفشل.. ولكن!) أو هو "ليس جيدا وليس سيئا ولكن.." هذا النوع من النقد يثير ريبتي فيمن يكتبه ويجعلني أتوقف طويلا أمام فكرة: هل هناك منهج نطبقه على كل الأفلام، أم أن هناك مناهج متعددة على طريقة "لكل مقام مقال".. أي هل نحن نتعامل مع الفيلة الذي يقول عن نفسه أنه فيلم فلسطيني مثلا بنوع من الشفقة والرحمة والتعاطف لأنه "فلسطيني" وإلا، إذا تعاملنا معه تعاملنا مع أفلام كبار السينمائيين في العالم أي بدون أي مجاملات وبمنهج واضح وصارم، نكون نتجنى على القضية الفلسطينية ونقلل من شأنها مثلا!

وهل الفيلم "الوطني" أي الذي ينتمي الى البلد الذي منه جئنا يستحق معاملة "خاصة" مثلا؟ أم أنه فيلم مثل غيره من الأفلام، وأن الولاء يجب أن يكون أولا للفيلم الجيد وليس للبلد الذي ينتمي اليه، بالمعنى الفني والفكري طبعا، فالانتماء الوطني شيء والحكم على الأعمال الفنية يجب أن يكون شيئا آخر.

لكني أقرأ أشياء عجيبة للغاية يكتبها بعض الصحفيين الذين يكتبون في السينما، فهم يميلون الى التهليل للفيلم ؟الوطني" أي القادم من بلادهم بغض النظر عن مستواه، وأحيانا بدعوى "دعونا نشجع الانتاج المحلي" وكأننا جزء من جمهور كرة القدم، وكأن الفيلم السينمائي (وهو منتج فردي يفترض أنه يعبر عن الفنان الذي صنعه) يعادل منتخب كرة القدم الوطني يجب أن يصطف الجميع وراء وإلا اعتبروا من الخوارج أو الذين لا يتمتعون بالولاء الوطني أو كل هذه الترهات!

وأنت تتابع مهرجانا كبيرا بحجم مهرجان فينيسيا، عادة ما تطرح مثل هذه التساؤلات أو تفرض نفسها عليك وأنت تقرأ يوميا الكثير جدا من الكتابات السريعة الاستهلاكية التي لا تقول لك شيئا خصوصا عندما يتعلق الأمر بفيلم "لبناني أو مصري أو فلسطيني أو جزائري".. بل يميل "البعض" أيضا أحيانا الى تصفية حسابات "إقليمية" مع نوعية معينة من الأفلام.. مثل الفيلم المصري مثلا، الذي اعتبره- ولايزال- كثير من الكاتبون بالعربية من الصحفيين، سبب تدهور الأمة العربية.

وربما يقف كاتب ما بكل اجلال وتقدير أمام فيلم كازاخستاني مثلا لمجرد أنه يريد أن يقول لك أنه "ولد مكتشف ويفهم في السينما الكازاخستانية.. خبير بها وبتياراتها" في حين أنه لم يشاهد مثلا 99 في المائة من الانتاج المصري.. ربما غير أفلام يوسف شاهين التي تعتبرها البعض لسنوات طويلة بديلا عن السينما المصرية بل ان البعض أيضا اعتبرها تعبيرا عن عبقرية "غير مصرية" في حين أن أفلام شاهين التي لمن يكتبها كتاب غيره هي أفلام مشكوك بشدة في قيمتها ومستواها مهما ألف بعضهم كتبا ضخمة غير قابلة للقراءة بل تصلح أساسا، للإلقاء بها في مزبلة التاريخ بسبب عقمها وتفذلكها وابتعادها بشكل مريب عن الموضوعية التي هي المدخل لاحترام أي كتابة من أي نوع!

عموما لا أرى أن التخلف قاصر على أبناء يعرب من "الصحفجيين" (أي الذين ينشرون في الصحافة السائدة) فقط، فقد حدث ذات مرة أن طاردت مجموعة من الصحفيين البريطانيين والسينمائيين أيضا، المخرج الانجليزي الكبير ليندساي أندرسون على سلالم قصر مهرجان كان يريدون الاعتداء عليه، ووجهوا له سيلا من الشتائم والاتهامات بالخيانة الوطنية وتشويه الوطن، بعد عرض فيلمه "مستشفى بريطانيا" في المهرجان!

وياحبيبي... لكي تتصرف هكذا مع الأفلام القادمة من بلدك، ويكون معيار الحكم عليها هو مقدار "ولائها" الوطني بالمفهوم الشوفيني القاصر، لابد أن يكون "راسك خربان" جدا!

0 comments:

جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger