الأربعاء، 15 ديسمبر 2010

في مهرجان دبي السينمائي 1


أفلام العالم ومسك الختام

أمير العمري- دبي


الممثل المصري هشام سليم: عضو لجنة تحكيم مسابقة المهر العربي
يختتم مهرجان دبي السينمائي عام 2010 كأحد أكبر المهرجانات السينمائية في العالم، ليس فقط بعدد ما يعرضه من أفلام، وهو عدد كبير يتجاوز المائة والخمسين فيلما روائيا، بل بتعدد أقسامه وفروعه ومسابقاته، وتنوع أنشطته الثقافية وانفتاحه الكبير على السينمائيين الشباب، ودعم تجاربهم الجديدة واتاحة الفرصة امامهم في العثور على تمويل لها من خلال تنظيم سوق يربط بين هؤلاء الشباب الساعين إلى خوض تجاربهم الأولى أو التالية، وبين المنتجين والموزعين من شتى أنحاء العالم.

المهرجان اذن لم يكتف بدوره في عرض الأفلام ودعوة جمهوره الكبير الذي تزدحم به القاعات، إلى الفرجة والاستمتاع والمناقشة الجادة مع السينمائيين، بل وامتد تأثيره ودوره إلى الترويج للنماذج السينمائية المتقدمة التي تمتلك ملامح محددة خاصة، بحيث يمكن القول إن مهرجان دبي، بفضل وعي مديره الفني ومعاونيه وعلى رأسهم مدير البرامج العربية الناقد الزميل عرفان رشيد، ومجموعة من خبراء المهرجانات من الشرق ومن الغرب، ينحاز تحديدا لنماذج الحداثة السينمائية، وإلى التجارب الجديدة الشابة، التي تطرح أفكارا جريئة تتجاوز السائد والمألوف، والانفتاج الكبير على التجارب السينمائية التي تنتج في الخليج، رغم ما يكمن في هذا الانحياز والتشجيع من مواجهة مع الكثير من الأفكار السائدة المحافظة والمتشددة أحيانا في المنطقة بشكل عام، الأمر الذي يجعل من مهرجان دبي السينمائي أداة ثقافية هامة للترويج لقيم التسامح، والفهم المشترك، والتعاون والتبادل الثقافي بين السينمائيين من بلدان مختلفة، وتخصيص مكان بارز للاحتفاء بالنماذج السينمائية المتقدمة والجيدة من العالم العربي دون تعصب ودون انحياز أو انغلاق على سينما معينة، أو الإعلان عن "كراهية"نوعية محددة من السينما كما يحدث في مهرجانات أخرى!
ورغم صعوبة الحصول على أفلام جديدة تشد الانتباه ونحن في أواخر عام 2010، وهو الوقت الذي يقام فيه المهرجان، إلا أنه يمكن القول إن مسعود أمر الله وفريقه من المساعدين والخبراء، تمكن بنجاح كبير من وضع برنامج جيد جدا من الأفلام واللقاءت الثقافية والندوات.
وتتميز الأفلام بالتنوع الشديد، من الفيلم التجريبي القصير إلى الفيلم التقليدي الكبير، وما بينهما من أفلام طليعية ووثائقية من سينما الدنيا.
يقول مسعود أمر الله في تقديمه للمهرجان "مؤشرات كثيرة: استحداث مسابقة المهر الإماراتي، إعادة هيكلة سوق دبي السينمائي، لتشمل التدريب وخلق فرص الإنتاج في ملتقى دبي السينمائي، إلى برنامج "إنجاز" الذي يحتفل المهرجان بجني ثماره الآن، وانتهاء بـ"فيلم مارت" لايجاد فرص التوزيع في الصالات السينمائية، عروض عالمية أولى تصل إلى 41، ومسابقة "المهر" التي أضفت نكهة خاصة للمهرجان".

مسعود أمر الله المدير الفني للمهرجان
 إذن، على الرغم من استحواذ المهرجانات العالمية التي سبقت مهرجان دبي الذي يختتم العام 2010، على الكثير من الأفلام الجديدة إلا أن المهرجان تمكن من الحصول على عدد كبير من هذه الأفلام (41 فيلما) تعرض للمرة الأولى في العالم، من بينها عدد كبير من الأفلام العربية التي تشترك في مسابقة المهر العربي التي يتميز بها مهرجان دبي عن سائر المهرجانات التي تقام في العالم العربي، وأنا هنا أقصد المهرجانات ذات المرجعية وتلك التي تسعى أيضا إلى تأسيس قيم جديدة وتستند إلى إمكانيات حقيقية، ليست فقط مادية، ولكن أساسا، بشرية وفكرية وثقافية، لدعم فكرة ومفهوم "المهرجان" السينمائي بعيدا عن تسلط فكرة البساط الأحمر، ونجوم السينما الأمريكية، وجاذبية عروض الأزياء التي تجري في حفلي الافتتاح والختام، والتهافت على الترويج لسينما "الآخر" على حساب السينما المحلية والاقليمية.
يشمل المهرجان ثلاث مسابقات رئيسية هي مسابقة المهر الافريقي الآسيوي للسينما الافريقية والآسيوية، باعتبار أن دبي تقع في مفترق الطرق بين هذه البلدان، وهذا هو البعد الكبير أو الدائرة الأوسع للمهرجان، ومسابقة المهر العربي لأفلام العالم العربي، وهذا هو البعد العربي أو الاقليمي لمهرجان يقام في مدينة عربية مهمة، ومسابقة المهر الاماراتي، وهذا هو البعد المحلي للمهرجان الذي أضيف هذا العام لكي يسلط الأضواء على التجارب السينمائية الجديدة لشباب الامارات.
أعضاء في فريق المهرجان مع مسعود
وتتعدد لجان التحكيم بسبب تعدد الأقسام النوعية للمسابقات الرئيسية، فمسابقة المهر العربي تتفرع الى ثلاث مسابقات: الأفلام الروائية والأفلام التسجيلية والافلام القصيرة.
ويحتفي المهرجان بثلاث شخصيات سينمائية هي صباح (الممثلة اللبنانية في السينما المصرية)، والممثل الأمريكي الكبير شون بن، والمخرج الافريقي (من مالي) سليمان سيسي. ولهؤلاء الثلاثة أفلام تعرض خلال المهرجان، لكن تغيب الكتب التي تتناول مساراتهم السينمائية والفنية وأعمالهم بالتحليل.
إلى جانب المسابقات يخصص المهرجان أقساما مثيرة للاهتمام مثل قسم "ليال عربية" ومعظم الأفلام التي تعرض في اطار هذا القسم أفلام أجنبية عن قضايا ومواضيع تتعلق بالانسان العربي، سواء من اخراج سينمائيين أوروبيين أو عرب يقيمون في المهجر.
ومن أهم أقسام المهرجان أيضا قسم سينما العالم الذي يشمل الكثير من العروض الأولى للأفلام الأجنبية من أهمها الفيلم البريطاني "127 ساعة" الذي سبق أن شاهدناه في ختام مهرجان لندن السينمائي، وهو دون شك، أحد أهم وأفضل أفلام العام. وهناك ايضا فيلم "بيوتيفول" للمكسيكي أليخاندرو جونزاليس، والفيلم الروماني الحاصل على جائزة رئيسية في مهرجان برلين "عندما أريد أن أصفر سأصفر".
ويمكنني القول هنا بكل دقة وحسم ووضوح إن قيمة أي مهرجان سينمائي في العالم تكمن في اختياراته. طبيعي أن العوامل الأخرى التي تدخل في تحديد قيمة أي مهرجان تشمل علاقته بالجمهور، وتنظيمه العام وسلاسة عروضه واتساق برنامجه وسهولة متابعته، لكن العامل الأول الحاسم الذي يحدد شخصية وهوية أي مهرجان في العالم هي اختياراته أي مجموعات الأفلام التي يتم اختيارها، عادة من قبل مجموعة من الأشخاص، يعملون بالتنسيق معا طيلة الوقت، بحيث تأتي النتيجة متجانسة في نغمة ونوعية وطبيعة الأفلام مهما تباينت في أنواعها وأطوالها. وهذه السمة واضحة بشكل كبير في مهرجان دبي السينمائي كما أوضحت في بداية هذا المقال.
وهذه النقطة تحديدا تعد ردا عمليا على الذين يتقولون إن الميزانيات الكبيرة هي التي تصنع المهرجانات، فليس هذا صحيحا على إطلاقه، فعلى الرغم من أهمية توفر ميزانية معقولة، إلا أنه ليس بالميزانية وحدها تقام مهرجانات السينما، ولا بالنوايا الحسنة أيضا، ولا بالاستناد إلى التاريخ وجاذبية الآثار القديمة، ولا بالاغداق بجنون على سينمائيين فرنسيين وأمريكيين (لأن شخصية مهمة رئيسية في دولة ما تحب أن تجالسهم أن تلتقط لها صورا معهم)!
والنقطة الرئيسية الثانية المهمة أنك عندما تقيم مهرجانا سينمائيا تأتي فيه بضيوف تستضيفهم، يجب أن تضمن لهؤلاء الضيوف حدا أدنى من الظروف الموضوعية التي تسمح لهم بالتردد على العروض بسهولة ويسر ومشاهدة الافلام في قاعات عرض صالحة للاستهلاك الآدمي، أي أنه من دون بنية أساسية صالحة لا توجد مشاهدة سينمائية جيدة. وهذه النقطة تتوفر تماما في عروض مهرجان دبي السينمائي، خلافا مثلا لما هو قائم في مهرجان آخر عريق في أحد بلدان المغرب العربي، يفشل حتى في ضمان مقاعد للصحفيين والنقاد والسينمائيين في عروضه العامة، مع غياب تام لأي عروض خاصة. وعفوا إذا كانت هذه المقارنة قد قفزت إلى ذهني الآن، فالمعاناة والتوتر والكفاح من أجل الدخول لمشاهدة فيلم سينمائي، أي فيلم على الإطلاق، تفسد للمشاهدة كل قضية.. أليس كذلك!

* في الحلقة القادمة: عبد اللطيف عبد الحميد: بلاغة التعبير بالصورة والصوت في "مطر أيلول".

0 comments:

جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger