الخميس، 21 أكتوبر 2010

من أفلام مهرجان أبو ظبي السينمائي

"جلد حي"*
هذا هو عنوان الفيلم التسجيلي الأول للمخرج الشاب فوزي صالح. يصور الفيلم بواقعية مدهشة مأساة العمل والعيش في منطقة المدابغ بوسط القاهرة حيث يجري جمع قطع من جلود الحيوانات ودبغها أي إعدادها للاستخدام بشكل جديد باستخدام طرق بدائية ومواد كيميائية شديدة الخطورة علىة الصحة العامة، واعتمادا على الأطفال تحت سن العمل القانوني، وتشغيلهم سواء في جمع الجلود من شتى المناطق وإحضارها بالعربات التي تجرها حمير هزيلة، أو في الإعداد لعملية الدباغة نفسها.
صورة واقعية هائلة لعالم خاص جدا رغم كونه موجودا أمام عيوننا طوال الوقت، عالم الدنيا السفلى إذا جاز القول، حارات ضيقة تنساب فيها مياه الصرف الصحي، وبيوت متداعية متراصة كأنها تتحدى القدر رغم هزالها الشديد، وأكوام من القمامة لا قبل لمخلوق بها، وأسطح شديدة الوعورة، وابتكارات إنسانية مرعبة  للتحايل على قسوة الحياة، والاستمرار في العمل الذي تم توارثه جيلا بعد جيل دون اي تطور حقيقي، ودون أن تلتفت السلطات إلى ما يمثله من خطورة على الحياة في مدينة القاهرة عموما ولى المنغمسين مباشرة، فيه وبوجه خاص الأطفال.
إنها ترجيديا إنسانية لكنها مروية بلغة الفيلم التسجيلي الحديث الذي لا يقوم على التعليق الصوتي المباشر من خرج الصورة، بل على جعل الصورة تعبر عن نفسها مباشرة، ومن خلال كاميرا لا تهدأ، تعرف كيف تتسلل داخل الأماكن الوعرة الضيقة، ترصد وتحلل وتتوقف أمام التفاصيل.
إحساس المخرج واضح بالإيقاع، بتكوين اللقطات، بتشكيل علاقة بين اللقطات التي قد تتخذ صبغة "تجريدية" أحيانا، من خلال التوقف أمام تكوينات خاصة جدا، لكنها مجرد لحظات نكتشف بعدها أن ما نشاهده ليس سوى لقطات شديدة الواقعية لأشياء في عمق المكان الغريب الذي يبدو كمأزق متكرر مستمر لا يملك المرء منه فكاكا.
* "المبايعة"
أطلقوا على هذا الفيلم في كتالوج المهرجان "القسم" The Oath والمقصود المابعة على الطريقة الإسلامية الأصولية لأمير الجماعة من قبل أتباعه. والتابع هنا هو الحارس الشخصي السابق لأسامة بن لادن الذي يقال لنا إنه زعيم تنظيم القاعدة، اليمني المعروف باسم أبو جندل كان قد قبض عليه (ربما لحسن حظه) قبل تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر 2001 .
أبو جندل قضى عدة سنوات في السجن، تعرض خلالها لاستجوابات عنيفة، ثم أطلق سراحه بعد أن ثبتت براءته. لكن الرجل رغم حرصه الشديد على تجنب الدعوة إلى العنف، يبدو شديد الإيمان بمعتقدات "القاعدة" في رفض الآخر واعتباره عدوا، يشن حربا ضد المسلمين ومن ثم يتعين "الجهاد" ضده. وهو رغم بؤسه الظاهر، بعد أن اضطر لفترة للعمل كسائق للتاكسي في اليمن، قبل أن يجد نفسه عاطلا، يبث في الكثير من الشباب الذين يتلحقون حوله افكارا تحض على الكراهية والقناعة بضرورة التصدي لـ"الآخر" وضربه، ولكنه يقول إنه يكتفي فقط بتوضيح الصورة لهم وإنه يتعين على كل منهم أن يتوصل إلى قراراته بنفسه.
كاميرا المخرجة لورا بويتراس ترصد وتتوقف أمام الشخصية في حياتها اليومة، أبو جندي يقود سيارته، كيف يتعامل مع الزبائ، مع المشاكل التي تصادفه على الطريق يوميا، مع أبنائه بعد عودته إلى المنزل، كيف تنظر إليه زوجته الثانية التي تزوجها بعد وفاة الزوجة الأولى، كيف يفكر، كيف يرى أسامة بن لادن (لايزال بالطبع يعتبره مثلا أعلى وزعيما روحيا!) وكيف يرى مستقبله.
فيلم يعتمد على تقديم "بورتريه" لشخصية غير عادية أفسدها اهتمام المخرجة بمتابعة خط ثان لشخص غائب عن الفيلم تماما باستثناء لقطة واحدة له، هو سليم حمدان سائق أسامة بن لادن المسجون في جونتانامو والذي نظرت قضيته أمام القضاء العسكري الأمريكي ونجح محاميه في استصدار حكم برفض المحاكمة وهو ما اعتبر وقتها ضربة قوية لإدارة الرئيس بوش الإبن.
الفيلم بشكل عام يتضح فيه جهد البحث، والاعتماد على عدد من الوثائق المصورة المأخوذة مما قدمته محطات تليفزيونية عن الشخصية ومنها الحوار الشهير مع قناة العربية، ولكنه بشكل عام فيلم يسير "على الكتاب" أي تقليدي في بنائه وطريقته، لا يضيف جديدا إلى ما سبق أن شاهدناه في الإطار نفسه.

0 comments:

جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger