الاثنين، 6 سبتمبر 2010

يوميات فينيسيا 5: الفيلم المفاجأة من الصين!


لم يتمكن أحد من التكهن مسبقا بهوية الفيلم المفاجأة الذي ادخره ماركو موللر مدير المهرجان لجمهوره، وحتى اللحظة الأخيرة، مع تأخر العرض أكثر من خمس دقائق، ظلت المفاجأة قائمة في عرض الصباح الباكر في الثامنة والنصف، في قاعة "دارسنا" التي امتلأت بضيوف المهرجان ولفيف من الصحفيين في حين فضل البعض الآخر الانتظار إلى أن تتضح المفاجأة لمشاهدة الفيلم (أو عدم مشاهدته!) في عرضه المسائي.
الفيلم المفاجأة كان من الصين، وهو فيلم "الحفرة" للمخرج وونج بنج، لكنه من الإنتاج الفرنسي- البلجيكي المشترك. أي أنه فيلم صيني بحكم طبيعة موضوعه وأماكن تصويره وجنسية مخرجه، لكن التمويل كله من الغرب.
الموضوع يدور في أواخر الخمسنيات من القرن الماضي، في الفترة التي عرفت الحملة القاسية التي شنها الحزب الشيوعي الصيني لإعادة تعليم كل من اعتبرهم في ذلك الوقت، من اليمينيين أو الرجعيين بحكم أصولهم الطبقية أو خلفياتهم الاجتماعية، ويقال إن هذه الحملة شملت مليون شخص.
أما "إعادة التعليم" فتعني اعتقال هؤلاء ونقلهم إلى معسكرات ضخمة في مناطق نائية، حيث يرغمون على ممارسة الأشغال الشاقة تحت ظروف أكبر كثيرا من قدرة البشر على التحمل: نقص فادح في الغذاء وغياب تام للرعاية الصحية، وأعمال سخر، لدرجة أن الكثيرين منهم كانوا يموتون في فراشهم.
ويصور الفيلم في أسلوب تسجيلي واقعي، خلال النصف الأول منه، أوضاع السجناء الذين يعيشون في منطقة صحراوية نائية، وينامون تحت الأرض داخل سراديب يطلق عليها "الحفرة" The Ditch وهذا هو عنوان الفيلم.
ونرى في مشاهد تفصيلية تسبب الصدمة للمتفرج، كيف يبحث السجناء، ومنهم أساتذة في الجامعة ومثقفون، عن الطعام بأي طريقة، يسرق بعضهم الملابس من أقرانهم لمبادلتها بالطعام، فهم لا يحصلون سوى على صحن من الحساء الخالي من البروتين يوميا، لدرجة أن الكثيرين يبدأون في اصطياد الفئران وأكلها، بل ويصل الأمر إلى درجة قطع أجزاء من جثث أقرانهم الذين ماتوا ودفنوا في مقابر جماعية في الصحراء، وأكلها، أي أنهم يتحولون أيضا إلى أكلة للحوم البشر، وهو ما يستوجب العقاب الشديد من جانب المشرفين على السجناء.
وفي أحد المشاهد الشديدة الوقع على المتفرج، نرى كيف يضطر أحدهم يتقيأ بعد أن تناول نباتات ضارة، في حين يقوم زميله بالتقاط بقايا قطع الطعام التي توجد في القييء وهي غالبا لقطع من لحم فأر!
هذا التصوير الحرفي يستند
كما يقول المخرج على دراسة موثقة قام بها، وأجرى خلالها مقابلات مع عدد من الذين مروا بتلك التجربة الرهيبة، وتمكنوا من النجاة. وقد أجريت المقابلات المصورة معهم عام 2007.
وفي الجزء الثاني من الفيلم تصل زوجة أحد السجناء وقد حملت له معها بعض الكعك والحلوى، لكنها تصدم عندما تعلم بوفاته، وتحاول عبثا البحث عن جثته، ويتستر زملاؤه على الأمر ويرفضون ارشادها إلى مكان دفنه بعد أن سُرقت ملابسه والبطانية التي كانت جثته ملفوفة بها، كما انتزعت أجزاء من جثته أكلها زملاؤه الجوعى، وهذا ما نعرفه من خلال رواية صديق له. ولكن المرأة تصر على العثور على قبر زوجها، وتعلن رفضها لسياسة الحزب وممارساته أمام قائد المعسكر مما يجعله يهدد بالإرشاد عنها للسلطات، وتنجح في النهاية من الوصول إلى جثة زوجها.
لاشك أن المخرج ينجح في توصيل الفكرة كأقوى ما يمكنه، من خلال الصور واللقطات والحوارات التي تكشف دون أن تكون مباشرة، ولكنه يفرط كثيرا في استخدام اللقطات الطويلة، أي تلك التي تستغرق زمنا طويلا على الشاشة وهو ما يؤدي إلى البطء الشديد في الإيقاع، كما يعاني الفيلم خاصة في النصف اثاني، من الثرثرة، ومن التكرار، وهي بلاشك مسؤولية المونتيرة الذي عمل في الفيلم وهي الفرنسية ماري ايلين دوزو، التي تتحمل مسؤولية ذلك الهبوط الشديد في الإيقاع، وعدم الانتقال من خلال "القطع" من لقطة إلى أخرى، أو إنهاء المشاهد في اللحظة الضرورية التي لا تخل بإيقاع الفيلم.

0 comments:

جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger