الأحد، 29 أغسطس 2010

مهرجان فينيسيا السينمائي في خضم المنافسة الشرسة


الدورة التي ستفتتح يوم الأربعاء الأول من سبتمبر (أيلول) من مهرجان فينيسيا السينمائي هي الدورة السابعة والستون من عمر هذا المهرجان الذي تأسس عمليا عام 1932، أي أن عمره الحقيقي اليوم يبلغ 78 عاما. فقد توقف لعدة دورات، خلال سنوات الحرب العالمية الثانية. وهو يعد بالتالي أقدم مهرجانات السينما في العالم. ولكنه واجه أيضا الكثير من الأزمات التي كادت أن تعصف به خصوصا في أواخر السبعينيات وقت اشتداد الصراع السياسي في إيطاليا بين اليمين واليسار، وفي ظل الإضرابات المستمرة التي عانت منها إيطاليا وقتذاك. وقد توقف المهرجان أيضا لعدة سنوات عن منح جوائزه، ولم ينعقد المهرجان عام 1978، وفي تلك الفترة ظهر عدد من المهرجانات السينمائية الأخرى الصغيرة التي حاولت أن تنافس مهرجان فينيسيا وتستقطب الأضواء بعيدا عنه، أو تقضي عليه.
وقد تعرض المهرجان لفترة من الخمول وكان أن يغرق ويطويه النسيان في السنوات الأولى من الألفية الثالثة، إلى أن جاء ماركو موللر (وهو منتج سينمائي ومدير سابق لمهرجان لوكارنو) وفتح المهرجان أكثر على السينما الأمريكية، وبدأ يعمل بما يملكه من أدوات، دون أن يضع في اعتباره الدخول في منافسة مباشرة يعرف نتيجتها، مع مهرجان كان. وكان مولد مهرجان روما السينمائي أيضا عاملا أساسي في زيادة الحمية عند القائمين على مهرجان فينيسيا في مواجة ذلك المنافس الجديد الذي تدعمه صناعة السينما الإيطالية بوقة. ومع ذلك تلاشى بسرعة، الضجيج الذي اثاره مهرجان روما، وظل قابعا في محيط محدود، وهو ما يؤكد فرتنا عن أن مهرجانات المدن الكبرى والعواصم ليست أمامها عادة فرصة كبيرة للمنافسة بسبب ضياع المهرجان في أجواء ومتاعب المدن الكبرى كما هو حال مهرجان القاهرة السينمائي مثلا، ومهرجان طوكيو، ولندن، وموسكو، وهي مهرجانات لا تتطور كثيرا، وإن حاولت عاما بعد عام، وربما يكون الاستثناء الوحيد هو مهرجان برلين العريق.
التحدي الحقيق القائم حاليا هو مع مهرجان اقل أهمية كثيرا من فينيسيا وهو مهرجان تورنتو في كندا، الذي لا ينظم مسابقة ولا يمنح جوائز، والسبب لأنه شديد التنظيم وأكثر قربا من قلعة صناعة السينما في العالم أي هوليوود، والمدنية تتيح امكانيات أكبر في الاقامة وغيرها، وباسعار مناسبة لشركات الانتاج والتوزيع التي تأتي معها عادة بجيوش من الموظفين.
غير أن مهرجان فينيسيا مازال على حيويته رغم التحديات، وهو تميز بتغليبه الجانب الفني في السينما على الجانب التجاري، فهو مثلا لا ينظم سوقا للأفلام كما يفعل مهرجان كان، ولا يعرف بالتالي وجود كل تلك الأعداد من الموزعين والمنتجين، لكنه بدأ منذ نحو عشرين عاما أو أكثر، في اجتذاب الكثير من نجوم السينما في العالم، ومن الولايات المتحدة تحديدا، سواء نجوم الإخراج أو التمثيل.
هذا العام ربما لا يوجد الكثير من النجوم. صحيح ان المسابقة تتضمن 6 أفلام أمريكية لكنها من الأفلام المستقلة التي لا تعتمد عادة على كبار النجوم. ستحضر بالطبع هيلين ميرين، وناتالي بورتمان، لكن سيغيب مثلا جورج كلوني.
ويرتبط المهرجان في أذهان الكثير من السينمائيين المشاهير بحصول أفلامهم على التقدير والجوائز في هذا المهرجان قبل أن تنطلق إلى العالم وتمتد شهرة مخرجيها. ولعل من أشهر هؤلاء المخرج الياباني الراحل أكيرا كيروساوا الذي اكتشفه المهرجان عام 1950 مع عرض فيلمه "راشومون" الذي حصل على الأسد الذهبي هناك، وانطلقت منه السمعة الكبيرة التي حققها مخرجه فيما بعد.
ويعد الحصول على جائزة "الأسد الذهبي" التي توازي "السعفة الذهبية"، مفتاحا لتوزيع الفيلم في شتى أرجاء العالم (مطروحا منه العالم العربي بالطبع!). كما تميز المهرجان خلال السنوات القليلة الأخيرة بمنحه الجوائز لعدد من الأفلام التي نجحت بعد ذلك في الحصول على جوائز الأوسكار الرئيسية مثل فيلم "جبل بروكباك"، و"المصارع"، و"خزانة الألم".
الدورة الجديدة تحمل الكثير من الآمال، وربما تكون بمثابة انطلاقة للمهرجان نحو آفاق جديدة، خصوصا وأن المهرجان يستعد لافتتاح الإنشاءات الجديدة في العام القادم التي يمكن أن تحقق له اجتذاب المزيد من الجمهور والأفلام، وترسيخه كمؤسسة تعمل على مدار العام، وتستضيف الكثير من المؤتمرات مما يساهم في إحياء جزيرة ليدو الصغيرة التي يقام بها المهرجان منذ سنوات بعيدة، والتي تعاني عادة من الإهمال التام وعدم التقدم في أعمال البنية الأساسية اللازمة لازدهار أي مهرجان، أي على نطاق الفنادق والمطاعم، بسبب ما تتعرض له من كساد في معظم أوقات العام بعد أن ينتهي موسم الصيف.
السينما العربية التي كانت قد تواجدت بشكل لا بأس به العام الماضي من خلال ثلاثة أفلام مصرية داخل وخارج المسابقة، وفيلم تونسي، وآخر محسوب على الجزائر، تراجع وجودها هذا العام وانحسر في فيلمين من الأفلام التسجيلية من مصر ولبنان، هما "ظلال" لماريان خوري ومصطفى الحسناوي، و"شيوعيين كنا" لماهر أبي سمرا من لبنان. ولكن هناك طبعا فيلم "فينوس السوداء"، الذي سيعرض داخل المسابقة، للمخرج التونسي الأصل الذي يعمل في نطاق السينما الفرنسية، عبد اللطيف قشيش. وهذا في رأيي، هو الحجم الحقيقي لمنطقة غير مؤثرة في خريطة السينما العالمية، وكفت عن القيام بدورها من التأثير الثقافي والفني في محيطها العربي بما في ذلك المجال الداخلي، باستثناء السينما المصرية بالطبع، فالأفلام أصبحت تصنع لحفة من المهتمين، ونادرا ما تنجح في الوصول للجمهور عن طريق العرض العام في دور العرض، بل وأصبح السؤال المطروح ايضا هو" وأين هي دور العرض أصلا!

0 comments:

جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger