الخميس، 14 يناير 2010

فيلم "الريل" لسعد سلمان



وثيقة بصرية صادمة


يعتبر فيلم "الريل" (أو القطار) (55 دقيقة) للمخرج العراقي سعد سلمان، تجربة فريدة في تصوير الأفلام، فهو يدور داخل قطار يتجه من بغداد إلى البصرة، يصور ركاب القطار الذين يمثلون الشرائح الاجتماعية المختلفة، بأسلوب سينما الحقيقة cinema- verite،أي من خلال كاميرا تسجل وترصد وتتوقف أمام الشخصيات ربما دون أن يشعروا أصلا بوجودها، بعد أن يضع بينهم خلسة ودون أن يدركوا، اثنان أو ثلاثة من الممثلين، يمتزجون معهم، يحاولون التعرف على أكبر عدد من راكبي القطار، يتبادلون معهم الأحاديث بطريقة تلقائية ومن خلال سيناريو غير مكتوب في معظم الأحوال.
وتكشف هذه التجربة البصرية الشجاعة التي استخدمت في تصويرها كاميرا الفيديو (الرقمية) الصغير، بشاعة مجتمع العراق فيما بعد الحرب.. والآثار النفسية العميقة التي تركتها على نفوس العراقيين، نوع من الضياع والتشتت والمعاناة المستمرة في مجتمع عراق ما بعد صدام.
صحيح أن البعض يضحك، والبعض الآخر يبدو سعيدا بما جرى، إلا أن مظاهر الخراب العام التي ترصدها كاميرا سعد سالمان، على طول الطريق من بغداد إلى البصرة، تكشف لنا كيف أصبح العراق، وما حل به، وما حل بالإنسان العراقي البسيط أيضا، الذي يرغب في الإحساس للمرة الأولى منذ عقود طويلة، بأنه يعيش في بلده عيشا كريما آمنا.
الأحاديث التلقائية غير المعدة سلفا التي يجريها ممثل أساسي في الفيلم، يقدم نفسه باعتباره نحاتا، تكشف لنا أيضا عمق التناقضات التي برزت من تحت السطح، ومدى العجز عن تصور أي مستقبل للعراق ولو بعد 4 آلاف سنة كما يردد أحد الذين يتحدثون في الفيلم من ركاب القطار.
ولعل من أهم سمات هذا الفيلم القدرة الكبيرة على التعامل مع الكاميرا، من زوايا مختلفة، وبحيث لا يشعر ركاب القطار بوجودها. وتتوقف الكاميرا أمامهم وتصورهم في لقطات يغلب عليها اللقطة المتوسطة والقريبة، ووسط الأحاديث التي تدور، يختطف سعد سالمان لقطات اخرى عابرة لكثير من الوجوه، وجوه العراقيين بكل ما تحمله من هم أو وجيع أو إحساس بالاغتراب والغربة والتشتت. صورة صادمة لمجتمع لايزال يتطلع إلى الاقتراب من منطقة الأمان.
"الريل" تجربة جريئة تمثل امتدادا لتجارب سعد سالمان الشجاعة في الإنتاج المستقل، وهي تجربة تكشف عن كم هو مسكون سعد سالمان ببلده وما حل به من دمار وتفتت وصراعات، بعد كل ما سمعه العالم عن "التحرير".

1 comments:

غير معرف يقول...

تجربة مثيرة وتستحق الأحترام فعلاً
شخصيا بعشق الافلام صاحبة الجراءة والانتاج البسيط ويمكن الافلام دي مخرجيها بيفضلوا طول عمرهم يحلموا انهم يكرروها تاني ويعملوا عمل بنفس روحها لما بيدخلوا في دوامة الانتاج المهول والملايين اللي بتتحقق في اسبوع

عمري ما هنسى فيلم كلام المستودع لترانتينو وللاسف تارنتينو بينحدر جداً واعتقد انه مش هيقدر يعمل شيء زي كلاب المستودع او يكتب سيناريو تاني زي بالب فيكشن

تقديري لحضرتك وبشكرك على حياة في السينما لانها أصبحت من الاشياء الجميلة بالنسبة لي

جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger