الأحد، 31 يناير 2010

يوميات مهرجان روتردام 4


كان لابد أن يكون اليوم مختلفا عما سبقه من أيام. استيقظنا على موجة هطول كثيف للجليد استمرت طيلة انهار، وخرجت أمشي بصعوبة وبحذر شديد فوق الثلوج التي انتشرت وغطت المدينة بأكملها. لكن هذا لم يمنع خروج عشاق السينما أفواجا، وجدت فوجا كبيرا منهم يصطف أمام قصر المهرجان (بداخله قاعتان للعرض السينمائي) في انتظار أن يفتح ابوابه في التاسعة صباحا.
هذا الاقبال الكبير من جانب جمهور روتردام هو إحدى العلامات المميزة لهذا المهرجان الذي يحقق سنويا طفرة في عدد مرات الدخول التي تتجاوز 336 ألف تذكرة دخول للقاعات.
موجود هنا من بين أصدقائنا السينمائيين والنقاد (وهم قليلون جدا) السينمائي العراقي قتيبة الجنابي الذي حضر أساسا لاجراء اتصالات للحصول على تمويل لفيلم يعتزم اخراجه ليكون فيلمه الأول كمخرج بعد أن صور 7 افلام.
قتيبة مصور عظيم درس التصوير السينائي في معهد السينما ببوادبست، لكنه يريد أن يصبح مخرجا ويترك التصوير وهو ما دعاني إلى أن أقول له: كلكم تريدون هجر التصوير والتحول للإخراج فمن الذي سيصور الأفلام إذن؟ وكان زميله الصديق قاسم عبد قد هجر أيضا التصوير وأخرج فيلمه الطويل الأول من النوزع التسجيلي وهو فيلم "زمن السقوط".
قتيبة قال لي ردا على استفساري إنه لم يعد يطيق أن ينتظر وراء المخرج سنوات حتى تتاح له فرصة العمل بالتصوير، أي أنه يرفض تلك التبعية للمخرجين وانتظار أن تنفذ مشاريعهم، ويرغب بالتالي في تولي أموره بنفسه. وقد حصل بالفعل على جزء من التمويل من مؤسسة هيوبرت بالس الهولندية، ويسعى حاليا لتسويق مشروع فيلمه هنا في سوق روتردام الشهير.
رغم الثلوج، أو ربما بسبب الثلوج، قررت أن أشاهد اليوم ستة أفلام، أي أن أقضي اليوم كله في الخارج. وقد نجحت التجربة وشاهدت الأفلام الستة من التاسعة صباحا حتى الحادية عشرة مساء دون أن أغادر أي عرض من العروض قبل نهايته.
وعلى العكس من أفلام الأمس، كان هناك عدد لا بأس به من الأفلام الجيدة اليوم، منها الفيلم الإيراني "طهران للبيع My Tegran for Sale الذي يستحق مقالا خاصا نظرا لأهميته ولأنه اكتشاف حقيقي. ويكفي أن أقول إن الفيلنم صور بكامله في طهران (سرا بالطبع) ويتضمن الكثير من المشاهد الجريئة التي لم يسبق ظهورها في فيلم ايراني من قبل، كما أنه رغم جرأته السياسية، لا يبيع باستخذاء بضاعته للغرب للحصول على مباركته، بل على العكس تماما من الفيلم سيء الصيت "لا أحد يعرف شيئا عن القطط الفارسية" لبهمن قبادي الذي سبق أن عرض للمرة الأولى في مهرجان كان، وطاف بعد ذلك عددا من المهرجانات آخرها هنا في روتردام. وشتان ما بين الفيلمين في اللغة والأسلوب الفني بل وتفاصيل الموضوع. إنه عمل هجائي آسر من خلال أسلوب شعري مبتكر يجعلك لا تستطيع أن ترفع عينيك دقيقة واحدة بعيدا عن الشاشة.
الفيلم الثاني المتميز هو فيلم من الانتاج السلوفيني الألماني الصربي الكرواتي المشترك. وهو بعنوان "فتاة سلوفينية" Slovenian Girl للمخرج دميان كوزول. ويصور كيف تتحول طالبة في الجامعة في الثالثة والعشرين من عمرها إلى عاهرة محترفة تتردد على الفنادق الفاخرة، تختار زبائنها من الأوروبيين الأجانب لطن أحد هؤلاء الزبائن يسقط ميتا قبل أن يمارس معها الجنس في غرفته بالفندق، فتبلغ الإسعاف وتهرب لكي تصبح بعد ذلك مطارة من جانب الشرطة. هذا الموضوع ينجح السيناريو الممتاز في جعله عملا يحمل في طياته الكثير من التفصيل الانسانية المهمة، وينتقل من أسرة الفتاة الممزقة، إلى علاقتها بأستاذها في الجامعة، إلى تطلعها لشراء شقة في المدينة، إلى محاولات مستميتة من جانب اثنين من القوادين لتطويعها والسيطرة عليها بالقوة، إلى علاقة فاشلة لها مع رجل ترك زوجته بسببها دون أن يعرف بالطبع أنها تمتهن الدعارة. الحياة المزدوجة للفتاة مقدمة هنا على صعيد الدراما الاجتماعية النفسية، ومن خلال اسلوب واقعي تماما، وليس على طريقة العبقري لوي بونويل في "حسناء النهار" Belle de Jour مثلا. ولعل أهم جانب في الفيلم هو ذلك الأداء العبقري من جانب الممثلة المسرحية نينا إيفانسين التي تتحكم في أداء دور الفتاة التي تختار عن وعي وعن تصميم وعن حسابات دقيقة الانتقال إلى الجانب الآخر، ولكنها تظل أساسا نموذجا إنسانيا يفتقر إلى الحب وإلى الإحساس بالحياة.
وكان هناك أيضا فيلم ثالث بعنوان "رابيا" Rabia مكسيكي (مشترك مع كولومبيا واسبانيا) أعتبره تحفة في موضوعه المثير الذي يذكرك بشبح الأوبرا ولكنه يؤنسن الموضوع أكثر ويجعله قريبا من قلوب المشاهدين ويدخل عليه الكثير من التفاصيل المتعلقة بالواقع الذي تدور في اطاره الأحداث. إنها قصة حب بين شاب وفتاة يصيبها من البداية سوء الطالع مما يؤدي إلى ارتكاب الشاب جريمة قتل عن طريق الخطأ ثم الهرب والاختباء في غرفة علوية في منزل السادة الذين تعمل لديهم حبيبته الفتاة الجميلة البريئة "روزا" خادمة.
الشاب مهاجر غير شرعي يطرد من عمله بسبب تأديبه لرجلين تهكما على علاقته بالفتاة، ثم يتشاجر مع رئيسه في العمل الذي يطرده ويحرمه بالتالي من المسكن غير الانساني الذي وضعه فيه مع غيره من المهاجرين غير الشرعيين (ستة أفراد في غرفة واحدة)، ثم ينتقم من ابن أصحاب المنزل بعد أن يغتصب روزا، بأن يخنقه ويصور الأمر على أنه حادثة. وهو لا يجرؤ أبدا على النزول من مخبئه هذؤا والاعتراف ذلرزوا بما فعله بل يفضل العيش مع الفئران، وتقاسم فضلات الطعام معها على أن يعرض روزا للخطر بسببه.
الفيلم بالطبع لا ينتهي هنا لكنه يحمل في كل مشهد من مشاهده مفاجأة تطور الحبكة وتدفع الفيلم إلى الأمام، لتجل المشاهدين يتابعون باهتمام تفاصيل السيناريو المحكم والاخراج الذي لا يسقط في أي خطأ، حيث لا توجد لقطة أو مشهد أطول مما ينبغي، أو أقصر مما كان يجب.
ولعل أفلام اليوم المتميزة جاءت في معظمها، من السينما التقليدية التي تعتمد على رواية قصة وليس على الأفلام التي تسعى إلى تجاوز الأشكال التقليدية والسباحة في عوالم أكثر رحابة، فهذه النوعية فشلت من خلال ما شاهدته هنا حتى الآن في اقناعي بأنني أمام عمل متماسك يبشر بموهبة حقيقة، باستثناء الفيلم الإيراني الذي أخرجته الشاعرة جراناز موسوي التي تقف وراء الكاميرا للمرة الأولى كمخرجة. ولنا حديث آخر حول هذا الفيلم تحديدا.

السبت، 30 يناير 2010

يوميات مهرجان روتردام 3



كتبت أمس أن كثرة عدد الأفلام في مهرجان ما، ليست ميزة في حد ذاتها، وكنت أقصد أنني أفضل أفلاما أقل ولكن جيدة، على أفلام كثيرة معظمها رديء.
اليوم يوم الأفلام الرديئة في المهرجان بلا شك. فيلم ياباني بالأبيض والأسود يدعى "عائلة صيف" من التمويل الفرنسي، يتحذلق ويفتعل لكي يرضي الفرنسيين، حتى أنه جعل اليابانيين يفكرون في الحياة مثل الفرنسيين، أي جعلهم يفتقدون أهم سماتهم الأصيلة أي ثقافتهم!
فيلم آخر من فرنسا نفسها بعنوان "ليلة زرقاء" لا علاقة له بما يمكن أن يوحي به العنوان بل ولا علاقة له بأي شيء يمكن فهمه، لدرجة أنك تتحسر على ما أنفق عليه من مال!
أما كارثة الكوارث فهي الفيلم الفرنسي – مرة أخرى- الذي أخرجته اللبنانية ديما الحر بعنوان "كل يوم عطلة" أو كل يوم عيد، وهو عنوان متحذلق ومفتعل لا علاقة له بالفيلم، لا من قريب ولا من بعيد.
والفيلم، إذا اعتبرنا هذا فيلما حقا، فهو يصلح مشروعا للتدريب على التصوير، يدور في لبنان، ولكنه لبنان المجرد من كل ما نعرفه عنه، وهذا ليس عيبا، لكنه يدخلنا بعد ذلك في قصة عجيبة حول مجموعة من النساء يركبن حافلة تتوجه إلى سجن خارج المدينة، لزيارة أزواجهم. وفي الطريق تتعرض الحافلة لاطلاق نار مما يؤدي إلى موت السائق، وتجد النساء أنفسهن في بقعة صحراوية خربة، ثم تنفصل ثلاث نساء هن بطلات الفيلم عن المجموعة، لكي يعدن أدراجهن. وفي الطريق نرى أن هناك انفجارات من بعيد وأصوات طائرات في الجو، ومنازل خربتها الحرب، ورجل يحمل أقفاصا من الدجاج فوق شاحنة يعرض توصيلهن لكنه يتخلى عنهن بعد ان يذب لتلبية نداء فرقته الأمنية، فهو رجل أمن لكن لأي جهة، لا ندري.
النساء الثلاث منهن واحدة فرنسية لا تتكلم العربية شأنها شأن هذا الفيلم الذي يندر استخدام العربية فيه بل ان سائق الحافلة الكهل يستخدم أيضا الفرنسية قبيل انطلاقه في الرحلة، كما تستخدمها سيدة عجوز من راكبات الحافلة، تتحدث حديثا كله هراء، عن ولعها بالتدخين ونحو ذلك من ترهات.
أما النساء الثلاث فالكاميرا تتركز على سيقانهن أكثر من وجوهن، وهن يمشين في الصحراء وتتذكر كل منهن مأساتها مع زوجها: الأولى تحمل في حقيبة يدها مسدسا لتوصيله إلى زوجها حارس السجن، والثانية ترغب في زيارة زوجها الذي قبض عليه ليلة زفافهما، والمرأة الثالثة تحمل أوراق قضية طلاق وتسعى لاقناع زوجها بتوقيعها.
ولا نريد أن نتغلغل في تفاصيل الموضوع لأن اهتمام صاحبة الفيلم ليس بالموضوع بل باختلاق مواقف سخيفة للغاية، لكي تتباكى من خلالها على تفكك البنية اللبنانية وضياع المرأة بين فكاك الرجال حتى دون أن نراهم في الفيلم، واختلاق مشاهد مفتعلة تعاني من البطء القاتل، وأسلوب في السرد يقتلك من الملل، وكاميرا تتوقف أمام اللقطة الواحدة لعدة دقائق أحيانا، وحكايات مقززة من نوع ما ترويه إحدى النساء عن تلك الرائحة القذرة التي تنبعث من جسدها بين فترة وأخرى، تخنقها، وتقتلها، والمرأة تطلب أن تغتغسل، وتفتح ساقيها وتنزل ملبسها الداخلي، وتتركز الكاميرا عليها في هذا الوضع الغريب وهي تر دد كلمات كثيرة عن الرائحة الخانقة، فهل هناك انعجام للحس والذوق أكثر من هذا!
هل هذا هو الشعر السينمائي، أم نوع من الهواجس المرضية، والرغبة المقيتة في تعذيب المشاهدين وتنفيرهم من السينما. وما تلك المشاهد المتراكمة الجامدة التي لا تضيف أي شيء إلى هذا الموضوع المفتعل افتعالا لإرضاء الفرنسيين، فقد بات يكفي عند بعض السينمائيين، أن يأتي بعدد من النسوة في أي مكان من العالم العربي، وحبذا لو تكون بينهن امرأة فرنسية، لكي تتكلم عن عذاب النساء في مجتمع يشيع فيه الاضطهاد والتفرقة والقتل وما إلى ذلك، من قوالب وأفكار مستهلكة.
في الفيلم خمس سيارات لدفن الموتى تسير في الصحراء والصوت الصادر من احداها هو صوت المقريء عبد الباسط عبد الصمد، يقرأ القرآن، ثم نرى خمسة نعوش يحملها أشخاص غامضون لدفنها في الصحراء. وواضح أن هذا النوع من المشاهد المنفصلة المفتعلة افتعالا، هو ما أغرى هذه المخرجة المبتدئة التي ضلت طريقها تماما، بالاقدام على صنع فيلم يصلح للتدريس على طلاب السينما لمعرفة النوعية الرديئة التي يتعين عليهم تجبنها.
"كل يوم عطلة" وكل يوم فيلم رديء لدرجة أنني أفكر جديا في تجنب الكتابة عن الأفلام الرديئة وتركها تذهب إلى مصيرها وحدها مع نفايات التاريخ، فالأفضل بكل تأكيد أن يكتب المرء عما يحبه، وعما يجده مفيدا للآخرين!
طبعا انا مصر على أن هذا فيلم فرنسي بالكامل حتى لو كان قد صور في لبنان باستخدام بعض الممثلات اللبنانيات، فهو أولا من الإنتاج الفرنسي، وثانيا كل العاملين فيه من الفنيين: الصوت والتصوير والمونتاج والموسيقى .. إلخ من الفرنسيين أيضا.
وجدير بالذكر أن مخرجة الفيلم، ديما الحر، تقول عن نفسها إنها "تحلم بالعربية، وتنحدث بالإنجليزية، وتكتب وتقرأ بالفرنسية".. فأي اغتراب، وأي اغتراب!

الجمعة، 29 يناير 2010

يوميات مهرجان روتردام 2


إذا لم يملك عاشق السينما أو الناقد المحترف أو أي شخص يريد التردد لمتابعة أفلام المهرجان، برنامجا دقيقا، يبذل وقتا وجهدا كبيرا في وضعه والتدقيق في، لفاته الكثير، وشعر بالضياع وسط هذا المهرجان الكبير وكل المهرجانات الكبيرة التي تزدحم بعروض الأفلام بما يزيد عن الطاقة البشرية أحيانا.
ازدحام البرنامج هنا ملحوظ لدرجة أن من الممكن أن يواصل المرء المشاهدة لسبع أفلام يوميا، شريط أن يتوقف عن تناول الطعام والشراب ولقاء البشر ويستغني عن الراحة، وعن العمل، بل وعن التفكير فيما يشاهده. وقد كان رأيي دائما أن كثرة المشاهدة ليست دليلا على أن "الناقد يقوم بدوره" كما يتخيل البعض، بل العبرة بماذا يشاهد، وكيف يشاهد، وما الذي يبقى في رأسه من المشاهدة، وكيف يتعامل مع ما شاهده تعاملا نقديا جادا في النهاية بحيث يفيد القاريء.
وهذا هو الفرق بين الناقد وبين"هاوي السينما" cinephil فالأخير يسعد كثيرا بالمشاهدة لمجرد المشاهدة، وبالخروج من فيلم لكي يدلف لمشاهدة الفيلم التالي، فهو ستمتع بالتواجد داخل قاعة العرض، ويحتفل بالسينا أكثر كثيرا ا يحتفل بالحياة التي تصنع منها السينما، كما تصنع حولها وحول تعقيداتها. وشخصيا لو خيرت بين تجربة إنسانية جميلة تثري معرفتي بالدنيا والعالم، وبين أن أشاهد فيلما عظيما، سأختار بلا تردد، التجربة الإنسانية، أو "المغامرة" لأن الفيلم يمكن الحصول عليه ومشاهدته فيما بعد، أما اللحظة الإنسانية الخاصة فلا يمكن تعويضها.. أليس كذلك؟!
من الناحية الأخرى، يجب أن يمارس الناقد أيشاء أخرى كثيرى أكثر من مجرد المشاهدة، فهو لابد أن يقرأ، وأن يتذوق الموسيقى، وأن يشاهد المسرح، وأن يستمع إلى الشعر، وأن يتردد على المعارض لمشاهدة أعمال الفن التشكيلي وفن التصوير التي هي كما نعرف، أساس السينما كفن يعتمد بالدرجة الأولى على الصورة.
وهذه كلها بديهيات معروفة وليست اختراعا، لكنها تداعت إلى ذهني وأنا هنا في روتردام الآن، بعد أن رأيت كيف "يعسكر" بعض هواة السينما داخل قصر المهرجان، ويظل كل منهم يدخل ويخرج إلى قاعات العرض طوال اليوم، وبعضهم يتبارى مع رفقائه في عدد الأفلام التي يساهدونها، وكم يمكن لكل منهم أن يشاهد في اليوم الواحد، وبعض النقاد أيضا يفعل للأسف، وكأننا نخوض سباقا، لنرى من منا سيربحه ويخرج بجائزة أكثر مشاهدي الأفلام عددا.. والعدد بعد ذلك، كما نعرف، في الليمون!
المهم، أنني أجد زحام الأفلام أيضا زحاما مفتعلا، أقصد الكثيرة الهائلة في عدد الأفلام التي تعرض في برامج المهرجان، فالكثير جدا من هذه الأفلام متوسط أو حتى ضعيف المستوى، والمهرجانات الكبيرة مثل كان وفينيسيا وبرلين، تعاني عادة في العثور على الأفلام الجيدة التي تدرجها في برنامجها الذي لا يزيد في كل أقسامه عن 80 فيلما. أما مهرجانات الجمهور العريض، أي تلك التي تري أن تبيع لكل شرائح الجمهور وجنسياته وطبقاته، أفلاما يشاهدها على مدار 12 يوما كما في روتردام، أو 15 يوما كما في مهرجان لندن مثلا، فهي لا تهتم كثيرا بالمستوى بقدر ما تهتم بهذا التمثيل الذي يراعي التنوع، فهذه بلدان تعيش فيها أقليات من خلفيات ثقافية مختلفة، ولابد بالتالي أن تجد أفلاما تعبر عن ثقافاتها.
أما العرب الذين يمثلون ثلث سكان المدينة (عدد سكانها حوالي مليون نسمة) فسينماهم هذا العام تحديدا شبه غائبة كما اشرت أمس. هناك فقط فيلم المخرج الفلسطيني ايليا سليمان "الزمن الباقي" (باعتباره من الإنتاج الأوروبي- فرنسي – بريطانيا- ايطاليا- بلجيكا)، وفيلم "كل يوم عطلة" للمخرجة اللبنانية ديما الحر ومن الإنتاج الأوروبي أيضا (فرنسي، ألماني). وهي ظاهرة تتناقض في الواقع مع وجود عدد لا بأس به من الأفلام التي كانت جديرة بالعرض طالما أنهم "فتحوها" لعشرات الأفلام من جنوب شرق آسيا كالعادة دون أن تكون بالضرورة أفلاما جيدة.
من هذا الأفلام المخيبة للآمال بشدة، فيلم الافتتاح "باجو" للمخرجة بارك تشان أوك من كوريا الجنوبية. وربما يكون هذا هو أسوأ فيلم يفتتح به مهرجان روتردام على ما أعي، ومنذ أن بدأت في التردد عليه في 2002.
الفيلم يدور حول موضوع إنساني من زاوية اجتماعية نفسية، وأسلوب تقليدي سبقت تجربته في آلاف الأفلام هو أسلوب الفلاش باك المتعدد المتقطع على مدار الفيلم. لكن المشكلة الرئيسية أن الفيلم يفشل في جذا المتفرج إلى تلك الشخصيات المعذبة التي تبدو كما لو كان قد كتب عليها أن تعاني وتتألم. رجل تهجره صديقته بعد أن يتسبب في حادث يصيب طفلها الصغير (يصاب بحروق نتيجة إنشغال الرجل وفتاته في ممارسة الحب على نحو ما يفتتح فيلم "ضد المسيح" للمخرج الدنماركي لارس فون ترايير).. ويتوجه الرجل بعد ذلك إلى بلد باجو حيث يتزوج لكن زوجته تموت بعد أن ينفجر امسكن بفعل انفجار أنبوب للغاز، ثم يجد صاحبنا نفسه مشدودا إلى شقيقة زوجته الصغيرة، ويخوض في الوقت نفسه معارك ضارية ضد السلطات التي تسعى لهدم منازل المنطقة لصالح طبقة المستثمرين.. وأحداث كثيرة ندور حول هذه النقطة تحديدا وكيف يمكن للفتاة أن تنجو وتحتفظ بالمنزل الذي ورثته عن والديها، وموقف شركات التأمين، وموقف البلدية، واحتجاجات الناشطين، وأشياء أخرى لا تدعو للاكتراث، بل إن الفيلم الذي يبدأ بداية قوية موحية بتناقض إنساني شيق، سرعان ما يتحول إلى أحد أفلام الاحتجاج ولكن بدون قوة ولا اقناع، لا في الاخراج ولا في التمثيل. ومع ذلك، يقال لنا إن هذا الفيلم استقبل استقبالا حماسيا في مهرجان بوسان في كوريا الجنوبية!

الفيلم الذي أعجبني من عروض اليوم هو الفيلم المجري "أنت لست صديقي" الذي يجسد من خلال تصوير تناقضات العلاقة بين 4 رجال و4 نساء، أزمة الخواء الروحي والعاطفي، وغلبة الحسابات الخاصة الصغيرة، وتفشي الخيانات الكبيرة، التي تتوالد وتتداخل بطريقة مستعصية على الفهم أحيانا، وكيف تحول الرجال إلى "خنازير" يمعنى الكلمة، بل وحتى من خلال الصورة التي يظهرون عليها في هذا الفيلم: كل همهم التلاعب بالمرأة واستغلالها كأبشع ما يكون، والسعي وراء أي فرصة لهدر الوقت، والاستيلاء على المال، والعجز عن مواجهة المرأة في النهاية سواء في الفراش، أم في الدنيا الواسعة. وهذا بالطبع هو الإطار النظري للفيلم. أما عظمة هذا العمل وبلاغته، فتمكننان في طريقة استخدام الممثلين والسيطرة المدهشة عليهم رغم كونهم جميعا من غير المحترفين، والتفاصيل التي يمتليء بها السيناريو، وهي تحمل من السخرية بقدر ما تحمل من قسوة، والربط بين كل هذه الشخصيات معا في شكل أقرب إلى "اللعبة" التي لا تنتهي إلا بانتقام النساء من الرجال، كل واحدة على طريقتها الخاصة!
هذا الفيلم الذي أخرجه العبقري جيورجي بالفي Georgy Palfi يمتليء بالمفارقات الكوميدية على طريقة الكوميديا السوداء، ولكن الممزوجة بالحزن، على ما آلت إليه العلاقات في مجتمع بودابست اليوم "بعد التحرر" أي بعد سقوط النظام الاشتراكي، ودخول الرأسمالية ومعها كل قيم "السوبرماركت"!

الأربعاء، 27 يناير 2010

يوميات مهرجان روتردام 1

الرحلة بالطائرة من لندن إلى أمستردام تستغرق بالضبط، 45 دقيقة. وبالقطار من مطار أمستردام إلى روتردام نفس المدة بالضبط أيضا. وهي لذلك رحلة مريحة تماما، خاصة أن القطارات الهولندية مشهورة بكفاءتها وسرعتها وانتظامها.
على جانبي طريق القطار الثلج منتشر في كل مكان، يغطي المزارع الهولندية الشهيرة. علمت قبل أن أحضر أن درجات الحرارة تهبط هنا لتصل إلى 4 و5 درجات تحت الصفر، أكثر برودة بكثير عن العام الماضي. لندن نفسها تركتها ودرجة الحرارة فيها حوالي 5 درجات، أي أفضل من هنا قليلا. لكن المشكلة ليست في البرودة بل في أنني وصلت إلى روتردام لأجد سماءها ممطرة مطرا سخيفا أي أنه ليس بالمطر الغزير الذي ينتهي بعد فترة، ولا بالرذاذ الناعم المنعش، بل بنوع من الأمطار المصحوبة بما يسمى sleet
لا يوجد الكثير الذي يمكن فعله الليلة فاليوم هو يوم الافتتاح، وليس هناك سوى فيلم الافتتاح الذي سأشاهده غدا ضمن العروض الصحفية. والحقيقة أن المهرجان بأكمله يبدأ غدا، كل شيء، العروض الرسمية والصحفية، عروض مكتبة الفيديو لمن يريد، السوق الدولية للأفلام، وغير ذلك. وكنت عادة أحضر في اليوم الثاني من المهران لأنني لا أحضر حفلات الافتتاح بل ولا يسمح للصحفيين هنا بحضورها بل بمجرد الفرجة عليها عبر الشاشات. ولكني وجدت أنني اذا حضرت في اليوم التالي سيكون وصولي في المساء، وفضلت بالتالي المجيء واستلام البيانات والمعلومات وكتالوج المهرجان ودراسته وإعداد برنامجي للمشاهدات وتناول قسط من الراحة تمهيدا للماراثون الذي سيتم على ما يبدو، في أسوأ جو يمكن تخيله في أي مهرجان سينمائي، والانتقال من هنا إلى هناك بملابس "الميدان" الكاملة، أي الملابس الصوفية الثقيلة جدا، فإن لم تتحصن جيدا من الممكن أن تهلك!
الهولنديون في هذه المدينة لا يبدو لهم أثر في المساء.. ثلث عدد سكان روتردام من المغرب العربي. لكن المدينة يندر أن تجد فيها مطعما عربيا يقدم المأكولات الشرقية المألوفة في حين أن النسبة الغالبة على مطاعمها هي المطاعم الصينية ومطاعم نوب شرق آسيا عموما، ربما بحكم التاريخ الاستعماري لهولندا التي كانت تحتل فيتنام لسنوات طويلة.
في المكتب الصحفي التقيت بصديقنا انتشال التميمي المسؤول عن ترشيح الأفلام العربية لمهرجان روتردام الدولي والمدير الفعلي لما عرف باسم مهرجان روتردام العربي (وهذا المهرجان تحديدا له قصة طويلة معقدة يمكن أن يختلف حولها بالطبع لكني لا أحب أن أتطرق إليها، ولا أن أكون طرفا بأي حال ولو حتى من باب النقد لهذه "الظاهرة" الخارقة التي تردد عليها الكثير من أصدقائنا النقاد والسينمائيين لسنوات، ولم أكن أبدا منهم لحسن الحظ!
المهم أن انتشال، وقد ترك تلك الظاهرة أو التظاهرة العربية، وأصبح نشاطه الآن يمتد إلى مهرجان أبو ظبي ومهرجانات أخرى دولية مرموقة، لم ينجح هذا العام على ما يبدو، في إقناع القائمين على برنامج مهرجان روتردام، بضم عدد لا بأس به من الأفلام العربية أو من إخراج سينمائيين عرب، إلى برنامج الدورة الـ39 اتي ستنطلق رسميا غدا بعد الافتتاح بفيلم "باجو" Paju من كوريا الجنوبية.
وقال لي انتشال إنه لا يملك سلطة إدراج الأفلام في برنامج المهرجان بل ينتهي الأمر عند ترشيحه ما يرى من أفلام وإتاحة الفرصة لكي يشاهدها فريق الاختيار. ويبدو أن المبرمجين هذا العام كان همهم الرئيسي، ليس السينما العربية التي كانت عادة تلقى اهتماما جيدا هنا، بل السينما الافريقية، أو تحديدا "سينما افريقيا السوداء" أي جنوب الصحراء.
ينظم المهرجان ها العام أكبر تظاهرة من نوعها لهذه السينما حيث يعرض عشرات الأفلام الطويلة والقصيرة من بلدان افريقية تحت عنوان "إنس افريقيا" و"أين افريقيا" والعنوانان مختاران لهدف محدد بالطبع.
هنا أفلام من أوغندا وجنوب افريقيا وانجولا وزامبيا وتنزانيا ومالاوي ورواندا وموزمبيق وكينيا والكونغو والكاميرون والنيجر وبوركينا فاسو والسنغال وساحل العاج، بل وهناك أيضا أفلام من مدغشقر. فهل سبق أن شاهد أحد من القراء أو من النقاد فيلما مدغشقري من قبل؟.. أشك كثيرا!
ويبدو أن دورة كأس افريقيا لكرة القدم انتقلت إلى هنا على صعيد التباري بالأفلام، وهو أفضل وأجمل كثيرا بكل تأكيد من وجهة نظر كاتب هذه السطور، على الأقل لأنه لا يحول التنافس الرياضي المفترض أن يتصف بالرقة والجمال والتسامح، إلى معارك حربية ترفع أعلاما ولافتات شوفينية متخلفة، وقد تتحول من لعبة بريئة إلى جريمة فقأ عين إنسان كما حدث من قبل أمام عشرات الآلاف من الشهود، دون أن يعتبر مرتكب تلك الجريمة مجرما يوضع وراء قضبان السجن كما يليق بأي مجرم حقا، بل تم التغاضي عن جريمته، وترك ليرحل بهدوء إلى بلده!
آسف جدا أنني تطرقت لهذا الجانب الذي لا يستهويني عادة، لكنها تداعيات من وحي اللحظة.. وإلى اللقاء.

الجمعة، 22 يناير 2010

فيلم "صداع": مقاومة الموت والمرض والاحتلال

فيلم آخر من الأفلام الوثائقية الطويلة التي عرضت في مهرجان دبي السينمائي السادس، كان من أكثرها تأثيرا، وأعتبره إعلانا قويا عن بروز موهبة سينمائية جديدة هي موهبة مخرجه، رائد أنضوني، القادم إلى السينما بعد مساهمته في إنتاج واخراج عدد من الأفلام التسجيلية المميزة منها أفلام للمخرج ذائع الصيت رشيد مشهراوي.
فيلم آخر ولكن بروح جديدة، وبرؤية فلسفية نادرة في السينما الفلسطينية، رؤية تسعى، ليس فقط إلى فهم ما يجري على المستوى الخارجي، أي مستوى الحدث السياسي المشتعل المباشر، بل وعلى المستوى الفردي، الذاتي، الشخصي، الجواني، حيث يطرح المخرج- المؤلف- البطل، الذي يظهر في الفيلم بنفسه، الكثير من الاسئلة التي تتعلق بمعنى الوجود نفسه، في مجتمع "غير طبيعي"، وما إذا كان من الممكن أن ينسلخ المرء ولو حينا، عن هذا الصخب والجنون واللامنطق، جنون الاحتلال وجنون الصمود تحت الاحتلال، ويتسامى فوق واقعه، لكي يحلم بأحلامه الفردية الخاصة في النجاة؟
هل هذا ممكن؟ وكيف، ومن الذي يقدر على أن يفعل ذلك؟ وهل بوسع "أنضوني" نفسه أن ينسلخ هكذا، ويخلق عالمه الخاص، أم أن وطاة الذاكرة ، فردية كانت أم جماعية، ستطغى في النهاية علىالعقل، وتسيطر عليه وتدفعه في اتجاه "التذكر"، والمزيد من التذكر، وبالتالي المعاناة التي تولد صداعا دائما هو ذلك الصداع (الحقيقي والمجازي) الذي يدفع المخرج (الذي يقوم بدوره الحقيقي في الفيلم) للبحث عن المساعدة لدى طبيب نفسي، وخوض تجربة الجلوس بين يدي هذا الطبيب خلال ثماني عشرة جلسة من جلسات العلاج النفسي الذي يقوم أساسا، على منهج فرويد المعروف في "التحليل النفسي"؟
يشكو انضوني من "الصداع". ويحاول الطبيب أن يرده إلى التذكر، إلى استدعاء الماضي، كيف نشأ، وكيف كانت علاقته بأسرته، علاقته بالآخرين، بالعالم من حوله، كيف ينظر للأشياء. ويحاول هو بشتى الطرق أن يتجنب الخوض في العام، مركزا بشكل أساسي على "الخاص" أي على الحالة الخاصة به، على علاقته بالإبداع: (يقول للطبيب: أسئلتي عن الإبداع لها علاقة بالملل.. جزء من مولدات الإبداع هو الملل!) وعندما يشكو من الصداع يداعبه الطبيب بقوله: أما الصداع فيمكنك أن تسأل عن سببه عند أولمرت وأبو مازن!
انعدام الوزن
"أنضوني" نموذج للإنسان الذي يريد أن يواجه نفسه، أن يفهم لماذا يشعر بالإحباط، بالعجز أحيانا عن التواصل، ليس مع الآخرين فقط، بل مع نفسه أساسا. هذه الحالة من "انعدام الوزن"، ما سببها، وكيف يمكن علاجها أو حتى مجرد فهمها، وهل يمكن أن ينجح المرء اذا فصل نفسه تماما عن الهم الأكبر القائم في البيئة السياسية والاجتماعية التي تضغط بقوة على البشر فتحيلهم إلى كتلة من المعاناة على نحو ما يعاني أنضوني رائد.. معاناة الوجود نفسه!
في سياق الرغبة في البحث عن إجابات لمثل هذه التساؤلات ذات الشق الوجودي، يذهب المخرج لكي يلتقي بصديق له هو "عمر" الذي كان زميله في السجن، فقد اعتقل بطلنا (اللا- بطل) لمدة 18 شهرا في أوائل الثمانينيات عندما لم يكن يتجاوز تسعة عشر عاما، وأخذ الجنود ليلة اعتقاله، يضربون رأسه في الجدار في سجن الخليل. ربما أرادوا القضاء عليه.. وقد اقتضى الأمر كما يقول للطبيب، سنوات إلى أن عاد إلى طبيعته، لكنه الآن يعاني من الصداع الدائم. وهو أيضا يصنع فيلما عن ذلك "الصداع" في حين تتساءل أمه عما يهم الآخرين من صداعه الخاص!
صديقه عمر الذي اعتقل معه، تعرض أيضا لركلات الجنود الإسرائيليين بقوة في رأسه كما يروي لأنضوني، قائلا إنهم "حاولوا قتلي". وربما أرادوا أن يسببوا له نزيفا داخليا بطيئا في المخ يفضي إلى الموت، ويروي أيضا كيف أن أحد هؤلاء الجنود قال له قبل خروجه إنه سيموت خلال سنة. لكنه لم يمت، بل قاوم وعاش، بالإرادة.
وهو يعمل اليوم كهربائيا في رام الله، لكنه اكتشف منذ ستة عشر عاما تحديدا، أنه مصاب بمرض السرطان: سرطان الدم والغدد الليمفاوية. لكنه يقاوم الموت بالقوة، وبالعزيمة، والإصرار على الاستمرار في الحياة.. وهو ما يجده أنضوني- من خلال حواراته الحميمية والخاصة معه أمام الكاميرا، أمرا مدهشا، لا يمكنه استيعابه ببساطة.
محاولة للفهم
أما زميل السجن الآخر "باسم" فقد تقدم به العمر الآن، وأصبح يعول أربعة من الأبناء، ولكنه لايزال يتحسر على عدم استكمال تعليمه بسبب دخوله المعتقل في ذلك الوقت المبكر وخروجه بعد سنوات متقدما في السن، الأمر الذي لم يمكنه من الاستمرار في الدراسة حتى لا يثقل على أسرته الفقيرة ماديا، واضطر للعمل كسائق سيارة أجرة (تاكسي).
الحوارات التي تدور بين انضوني وباسم، لا تنحصر فقط فيما حل بباسم، بل كأنها حوارات يهدف أنضوني من وراءها إلى أن يفهم نفسه، إلى أن يواجه ذاته أمام مرآة صادقة تتمثل في أصدقائه وزملائه الذين خاضوا مثله تجربة شاقة في الاعتقال، وهو يريد أن يعرف هل يمكنهم أن يتخيلوا لأنفسهم مسارا آخر، شخصيا، ذاتيا، منفصلا عن المسار الجماعي، عن وطأة الذاكرة الجماعية، تلك الفكرة التي تعذبه وتؤرقه، ولماذا لا يمكن للمرء أن يكون فقط إنسانا حرا، وليس بطلا؟ وما معنى الحرية، وهل تنفصل الحرية الفردية عن الحرية الجماعية، وهل يتعين أن يصبح كل الناس أبطالا.. وماذا يفعل الفنان المبدع الذي يريد أن ينجز شيئا، يعبر من خلاله عن نفسه!
"باسم" يتكلم عن حتمية الاندماج بالقضية الكبرى: "لقد ذابت أحلامنا الصغيرة في الحلم الكبير".. وهو لا يمكنه الاقتناع بالفصل بين الإثنين أو بامكانية تحقيق ذلك حتى لو أراد.
أما أنضوني، فهو يصرخ في وجه الطبيب: أنا أشعر بأنني لست في السماء ولا في الأرض.. مشكلتي هي مشكلة رفض.. إنني اشعر بالتميز في التعامل مع غيري، إنني مختلف عنهم.. أريد أن أعيش في بيئة اجتماعية، لكني لا أعرف كيف".
يطلب منه الطبيب أن يقف فوق مقعد، ثم يسأله: هل هذا هو المكان الذي ترى منه الأشياء؟
أنضوني أيضا لا يمكنه أن يتذكر جيدا، كما يتذكر رفاق السجن، فترة السجن وما حدث له فيها، إنه يتذكر بوضوح الفترة التي سبقتها، فهل هذا "ميكانيزم" طبيعي لديه للهرب، شيء ما في داخله يرفض التذكر.
وهو يسأل "عمر" بإصرار: هل هناك شيء ضاع داخل السجن، كيف كان هو يبدو وكيف يراه عمر الآن؟ عمر يقول له إنه تغير بالفعل كثيرا عما كان، لكنه يحاول الآن أن يبعد نفسه تماما خارج المشهد.. إلا أنه لن ينجح.
إنها المعاناة من أجل الفهم: فهم الذات بعد كل تلك التجربة القاسية: في السجن وفي الحياة. إنها رغبة المبدع- الفرد، في التحليق بعيدا عن السرب، في الإحساس بالتميز، بالاختلاف، ورغبته في الإفلات من التصنيف المباشر والبدائي أيضا. إنه يقول للطبيب في إحدى جلسات العلاج النفسي في الفيلم: الناس يشعرون بالراحة أكثر عندما يضعونك في إطار معين.. الفلسطينيون يريدون من صانعي الأفلام أن يفعلوا شيئا يدعم نضالهم.. والإسرائيليون يريدون من الآخرين الاعتراف بهم.. والأجانب يريدون منا أن نكون جسرا بين الثقافات.. وأنا لا أريد أن أكون أيا من ذلك، بل أريد فقط أن أطرح بعض الأسئلة".
مع شقيقته الكبرى العائدة من الخارج، من المنفى الاختياري مع أبنائها، يراجع ملفات الصور القديمة، صور الطفولة والشباب: ماذا تغير، كيف كان وكيف أصبح، هل تتذكر هي ليلة اعتقاله؟
داخل عقل مشوش
والفيلم بأكمله يبدو كما لو كان رحلة، ليس فقط في الذاكرة، بل في عقل رجل فلسطيني "عادي" مشوش بالتساؤلات العديدة (وإن كان هو يؤكد للطبيب أنه طبيعي مائة في المائة) يريد أن يعبر عن نفسه، عن مشكلته الخاصة، بمعزل عن المحيط العام، لكنه عاجز عن هذا كما يعجز عن فهم تلك الصلة التي تبدو حتمية بين الماضي (الذي نسى الكثير منه ربما بشكل إرادي قسري أيضا)، وبين الحاضر بكل ما يذكره فيه بالماضي.
في الفيلم دون شك أيضا، نغمة واضحة تتعلق بعملية الإبداع، بمعاناة المبدع، ولكن في إطار خصوصية الوضع الفلسطيني وقسوته: هناك لقطة عابرة في الفيلم لقطاع صغير في الحاجز الفاصل في الضفة الغربية، يسقط، ولا ندري ما إذا كان هذا يحدث على مستوى الحلم أم الحقيقة، هل هي لقطة متخيلة، أم التقطت في لحظة استثنائية بالكاميرا!

ورغم أن الفيلم يمتد بطول 97 دقيقة، إلا أنه يتميز بإيقاع متماسك ومتدفق، وبناء دقيق يساهم في تجسيد الفكرة الأساسية، من زوايا عدة، رغم تداخله وتكوينه المركب: من الحوارات، إلى اللقطات والمشاهد التي تدور في الطبيعة، والمشاهد التي تعكس أيضا هواجس البطل وإحساسه الخاص بالاختناق، أفراد اسرته وجلسات المناقشة في الأمسيات في شرفة المنزل، مظاهرات تسير من وقت إلى آخر، وأحد المتظاهرين يتوقف فجأة أمام الكاميرا ليسأل الام: ماذا يصور هذا؟ يريد أن يتأكد أنه يصنع فيلما "يؤيد النضال".. وهي لقطة عابرة تكثف تماما ما يرفضه أنضوني الذي يرى أن "السياسة وحدها لم تعد تكفي: وهو يقول في الفيلم بوضوح: "لا أريد للفلسطينيين أن يكونوا أبطالا"، ربما هو يرفض البطولة من أجل البطولة، أو يرفض التنميط، أو القدرية بمعنى البطولة المفروضة التي تؤدي إلى الخسارة باستمرار.
تساؤلات وجودية
في هذا الفيلم يختلط السياسي بالاجتماعي بالنفسي، الفردي بالجماعي، الذاكرة، والواقع، الصمود الذاتي والمقاومة الأشمل، الرغبة في الاستمرار في الحياة، ومجرد البقاء. ويصبح الصداع رمزا للحالة الفلسطينية (أو تيمة مجازية) للوضع الفلسطيني الذي أصبح "مرضا" يصيب الجسد أيضا ويخنق الروح.
ويصور الفيلم كيف يمكن أن يدفع هذا "المرض" الفرد إلى التشكك حتى في جدوى الكثيرمن الأشياء التي كان التصور الشائع عنها أنها من المسلمات: فكرة التضحية بالذات من أجل القضية الجماعية الأكبر مثلا، والقسوة التي يمارسها الفرد على نفسه من أجل البقاء دون أن يفقد عقله بعد كل ما يمارس ضده، خلال بحثه عن هويته الخاصة.
ولعل هذه الأسئلة الوجودية التي تلتقي مع الأسئلة الكثيرة التي يطرحها ميشيل خليفي في فيلمه الروائي "زنديق" أصبحت جزءا من المشهد السينمائي الفلسطيني في الوقت الحالي.
ولكن على الرغم من قتامة الموضوع- ظاهريا- إلا أن رائد أنضوني يجعله عملا ساخرا تشيع فيه روح المرح التي تقربه من المشاهدين، كعمل يستخدم التناقض بين الشخصية والواقع لتوليد الإحساس العميق بالسخرية المجازية irony بل ويصل أحيانا في تجسيده لتيمات موضوعه إلى درجة عالية من السيريالية، ليس من خلال تكوين الصورة، بل من خلال العلاقة بين اللقطات، وداخل المشاهد ايضا، وهي قدرة خاصة يتميز بها المخرج رائد أنضوني بلاشك.

الأربعاء، 20 يناير 2010

بعد 25 عامًا فى المنصب وزير الثقافة يسأل ما مستقبل الثقافة فى مصر؟


بقلم: فاروق جويدة


أخيرا تذكرت وزارة الثقافة أن الثقافة المصرية فى حاجة لمؤتمر يناقش أحوالها ويستعرض قضاياها.. بعد ما يقرب من ربع قرن من الزمان أفاق المسئولون فى وزارة الثقافة على واقع ثقافى هزيل ومترهل يتطلب دراسة أسباب تراجعه وانهياره.. فى هذه السنوات الطوال شهدت الساحة الثقافية المصرية تراجعا مخيفـا تأكدت شواهده وعلاماته فى هذا الجسد الثقافى المريض الذى شاعت فيه أعراض كثيرة ابتداء بالتطرف الدينى الذى اجتاح عقول شبابنا وانتهاء بفوضى الإبداع والنقد فى كل المجالات. هذا المؤتمر تأخر ربع قرن من الزمان ورغم أن البعض يرى أن الأشياء قد يتأخر أوانها ولكن المهم أن تجىء.. فإن هذا المؤتمر يأتى بعد فوات الأوان وإذا كان من الضرورى أن يجىء فإن الأهم أن يحمل رؤى جديدة لا أعتقد أن المناخ الحالى برموزه وشخوصه ومسئوليه قادر على أن يصنع بداية جديدة أو واقعا ثقافيا مختلفا.. أحمل تقديرا عميقـا لا أخفيه لعدد كبير من الرموز التى ستشارك فى هذا المؤتمر أو تضع أوراقه.. ولكننى أشفق عليهم من مؤسسات ثقافية رسمية ترهلت وأهدرت جهودا كثيرة وأضاعت فرصا عديدة وأموالا باهظة على هذا البلد لكى يحافظ على دوره ومكانته ومسئولياته.. وبقدر ما كانت هناك رموز حاولت أن تدفع السفينة للأمام كانت الأغلبية من أصحاب المصالح تبحث عن مصالحها وللأسف الشديد أن السفن حين تغرق لا تفرق بين الطيب والخبيث.

لا أحد يدرى ما الهدف من إقامة مؤتمر عام للمثقفين المصريين فى هذا التوقيت بالذات.. وأين كان هؤلاء المثقفون فيما مر بنا من أحداث وتقلبات وأزمات غابت عنها الثقافة واختفى دور أصحاب الفكر والرأى فى سراديب لجان واجتماعات وأفراح ومهرجانات أجهزة وزارة الثقافة.. أين كان هؤلاء جميعا من قضايا المجتمع وهموم الناس ومعاناة المواطنين.. أين كان المثقفون من التقلبات العاصفة التى شهدتها الساحة المصرية لسنوات طويلة وليس أياما أو شهورا.. أين كان هؤلاء وخفافيش الظلام تتسلل إلى عقول أجيالنا الشابة جيلا بعد جيل؟

عندما أشارت وزارة الثقافة إلى هذه الرغبة سارع الجميع للدراسة والبحث والتنقيب عن مؤتمر جديد حيث تعقد اللجان وتصدر التوصيات وتصرف المكافآت وتدور الفضائيات ونعود من حيث بدأنا لهذا السيناريو السخيف حيث لا ثقافة ولا فكرا ولا دورا أكثر من توزيع العطايا والمنح والهبات على من ترى فيهم الدولة أنهم صوت الثقافة المصرية ودخلت بهم السلطة منذ زمان بعيد إلى ما أطلقت عليه حظيرة المثقفين.

بين ثقافة السلطة وثقافة الشعب
يأتى هذا المؤتمر تحت رعاية وزارة الثقافة ليحدد مستقبل الثقافة المصرية فى السنوات القادمة أين كان هذا المستقبل منذ عشرين عاما وأكثر.. ومن الذى ضيع كل فرص البناء لهذا المستقبل الذى لا يجىء.. ولا أدرى عن أى ثقافة يتحدث هؤلاء.. هل هى ثقافة السلطة أم ثقافة الشعب وما بينهما مسافات بعيدة لأن الشعب يعيش بلا ثقافة منذ زمان بعيد.. ولأن الثقافة فى رأى السلطة ليست أكثر من احتفالات ومهرجانات ولجان واجتماعات.. وما هى الثقافة التى نريدها.. هل هى دور مجموعة من المثقفين الذين اختاروا أن يتحصنوا فى متاريس القرار بحثـا عن مصالح خاصة أم هم المثقفون الذين تجاهلتهم السلطة وأبعدتهم عن كل شىء فماتوا كمدا أو عاشوا على هامش الأحداث والزمن.. منذ زمان بعيد وهذا الانقسام الواضح الصريح أخطر وأسوأ ما أصاب النخبة المثقفة فى بلد الثقافة.

نجحت وزارة الثقافة أن تستقطب فريقـا يغنى على هواها ويقول إن وزير ثقافتنا الفنان فاروق حسنى هو أعظم من تولى هذا المنصب فى تاريخ الثقافة المصرية.. وجلس الحواريون من المثقفين فى بلاط وزارة الثقافة يرددون الدعوات والتجليات ويقرأون الأوراد لهذه المعجزة الثقافية التى يتحدث عنها العالم كل العالم.. وكنت ترى هذه المواكب فى كل المناسبات.. أنها تقف صفوفـا فى اللجان.. وتجلس صفوفـا فى المهرجانات.. وتجرى صفوفـا وراء الهبات وفى زمن اختلت فيه كل القيم والحسابات أصبح من السهل أن يبيع المثقف نفسه للشيطان من أجل سفرية أو منصب أو جائزة أو وفد أو عضوية فى لجنة أو ما بقى من الفتات..
هذه المواكب من المثقفين أطلق عليهم الوزير الفنان فاروق حسنى حظيرة المثقفين ورغم أن اللفظ كان سخيفا وجارحا إلا أنه لم يجد من يعلق عليه رغم أن الحظائر ليست مأوى لأصحاب الفكر والعقول.
هناك الفصيل الثانى من المثقفين الذين أطاحت بهم أجهزة الثقافة فى مصر فهم خارج حسابات الدولة والسلطة والهبات الرسمية.. هذا الفصيل الذى تم إبعاده لم يدخل يوما فى سياق وزارة الثقافة على المستوى الرسمى فلا أحد منهم دخل لجنة.. ولا أحد منهم حصل على جائزة ولا أحد منهم كان محل تقدير على أى مستوى من المستويات..
ومنذ انقسمت مواكب المثقفين المصريين واجهت الثقافة المصرية مرحلة تراجع مخيفة على كل المستويات وطوال هذه الفترة التى اقتربت من ربع قرن من الزمان وجدنا ظواهر غريبة تظهر على الساحة ابتداء بالفساد وخراب الذمم وانتهاء بفقدان الثقافة المصرية لدورها وريادتها..

تراجع العقل المصرى
إن ربع قرن من الزمان لا يمثل فقط عمرا طويلا من التراجع والانحدار ولكنه يمثل شحوب دور ثقافى عريق ومؤثر وقد فرطنا فى هذا الدور وقد كان بكل المقاييس أعرق أدوارنا وأكثرها بريقا.. فى ربع قرن من الزمان شاخت الثقافة المصرية وأصبحت مطمعا للكثيرين رغم أنها لم تكن يوما بهذا الضعف وهذا الهوان. إذا أردنا أن نعرف تأثير هذه السنوات الطوال علينا أن نراجع خريطة العقل المصرى لنرى حجم النكسات والإخفاقات التى لحقت به طوال هذه الفترة.. إن الشاب الذى يبلغ عمره الآن خمسة وعشرين عاما ولد مع هذه البداية المظلمة.. إذا أردنا تقييم أى مشروع ثقافى علينا أن ننظر إلى حصاده.. ومن هنا نستطيع أن نرى حصاد هذه السنوات فى موجات التطرف والعنف الفكرى والدينى والسياسى التى لحقت بالأجيال الجديدة.. علينا أن نراجع مسيرة العقل المصرى متجسدا فى شبابه لنكتشف كيف غاب الانتماء وكيف تراجعت روح الاستنارة وكيف أصبح التخلف دستور سلوكياتنا فى كل شىء..
إذا أردت أن تعرف شعبا ابحث عن دور مثقفيه لنكتشف أن هذا الدور قد تراجع تماما أمام لغة المصالح والانقسامات والمطامع الزائلة وأن الدولة شجعت هذا الانقسام وباركته فى كل شىء.. أين كان مشروع مصر الثقافى فى ربع قرن من الزمان.. وكيف تجسد هذا المشروع فى صورة المجتمع المصرى وما أصابه من موجات التخلف والتراجع ابتداء بالفكر وانتهاء بالأزياء فى الشوارع أن السبب فى ذلك يرجع فى الأساس إلى قصور الدور الثقافى وما أصاب المصريين من موجات التخلف..
لم تكن الظواهر الاقتصادية هى أسوأ ما أصاب المصريين ولكن الانحدار الثقافى الذى اجتاح أجيالا كاملة هو أكبر شاهد على التراجع الثقافى وفشل المؤسسات الثقافية فى الدولة.. لم يكن فقر المال هو المأساة ولكن المأساة الحقيقية هى فقر الثقافة والفكر..

فساد القيادات الثقافية

أين هذا المشروع الثقافى الذى يمكن أن نتحدث عنه فى هذا المؤتمر.. ما إنجازاته.. وما قضاياه ونتائجه ونجاحاته؟ هل تجسد فى قضايا الفساد التى تكشف الجزء القليل منها فى سوء الاختيار وقضايا السرقة والرشوة بين المسئولين فى وزارة الثقافة ومنهم من قضى وقتا فى السجون مدانا بأحكام قضائية ومنهم من تجرى محاكمته حتى الآن وهو خلف القضبان..
هل هى الملايين التى نهبها عدد من الأشخاص الذين سيطروا على الأنشطة الثقافية فنهبوا وسرقوا ودخلوا السجون هل هذا هو نموذج الإدارة الثقافية الناجحة التى يتحدث البعض عنها ويريد المؤتمر أن يقدمها للناس فى كشف حساب؟

أين نجد هذا المشروع الثقافى أمام بؤر التخلف والتطرف الدينى فى الريف المصرى الذى لم يحاول أحد إضاءة شمعة فى ظلامه الطويل خمسة وعشرين عاما.. فى الريف المصرى الآن تستطيع أن ترى عقولا من العصور الوسطى التى عشش الجهل فيها وترك العناكب تعبث فيها من كل لون؟.

غياب المشروع الثقافى

أين هذا المشروع الثقافى والثقافة المصرية غائبة تماما عن عالمها العربى.. ولك أن تسأل عن آخر وفد ثقافى زار عاصمة عربية.. وعن آخر كتيبة إبداعية زارت بلدا عربيا.. لقد اختفى المثقف المصرى تماما عن الساحة العربية ولم يبق إلا قلة تطارد الجوائز النفطية بحثا عن تقدير هنا أو مهرجان هناك؟.. لقد غابت ثقافة مصر تماما عن محيطها العربى أمام بالونات شديدة الإغراء عن هوى يراود البعض أننا يجب أن نتجه شمالا وليس جنوبا وكانت النتيجة أننا خسرنا الماضى والحاضر معا وخسرنا الشمال قبل أن نخسر الجنوب وكانت معركة اليونسكو أكبر دليل على ذلك. أين هذا المشروع الثقافى والمسئولون عن الثقافة المصرية قضوا عامين كاملين يطوفون بلاد العالم من أجل الوصول إلى رئاسة اليونسكو؟.. لقد تفرغت أجهزة الدولة الثقافية بالكامل لمساندة الوزير الفنان فى معركة اليونسكو ورغم هذا لم يحالفنا الحظ ونفوز بالمنصب فهل كان من الحكمة ومن الأمانة ومن المسئولية أن نترك عقل أمة عامين كاملين بحثا عن منصب لم نحصل عليه.. وكم أنفقت ميزانية الدولة على الرحلات والسفريات والعطايا.. ألم تكن عقول شبابنا الضائع فى القرى والنجوع أولى بهذه الملايين.. ألم تكن قصور الثقافة المظلمة أولى بهذه الأموال.. وكيف يترك مسئول شئون ثقافة دولة عامين كاملين بحثـا عن منصب خارجى لم يحصل عليه؟
أين هذا المشروع الثقافى والدولة المصرية لم تحتفل بجوائزها 17 عاما.. لم تشهد القاهرة كما كانت تشهد يوما احتفالا بالمبدعين من أبنائها توزع فيه جوائز الدولة التقديرية والتشجيعية وجائزتى مبارك والتفوق.. كانت وزارة الثقافة تقيم مهرجانات للسينما رغم عدم وجود أفلام مصرية وتقيم مهرجانات للمسرح رغم عدم وجود مسرحيات ويموت المبدعون المصريون الكبار ويتسلم الورثة شهادات التقدير وميداليات الجوائز لأن وزارة الثقافة قررت ألا تحتفل بأحد منهم.. هل يعقل ألا توزع جوائز الدولة 17 عاما فى بلد يدعى أنه الدولة العظمى فى الثقافة والفكر والإبداع؟.. عن أى مشروع ثقافى نتحدث وفى كل يوم لا تخلو صحيفة مصرية من كشف جريمة تهريب أو إتجار أو تخريب فى الآثار المصرية.. والغريب فى الأمر أن ندفع مئات الملايين فى المنشآت بينما التخريب العلنى يدور فى كل المواقع سرقة وتهريبا.

ثقافة العقول وثقافة المبانى
كان الاهتمام الأكبر طوال خمسة وعشرين عاما من عمر الثقافة المصرية يتجسد فى المنشآت والمبانى والمقاولين وتلال الحديد والأسمنت رغم أن المبانى فى كل بلاد الدنيا لا تمثل الرصيد الثقافى الحقيقى.. فما أكثر المسارح فى دول كثيرة ولكن المهم ماذا يقدم عليها من الإبداع الجميل.. ما قيمة المئات من دور السينما وهى تعرض أفلاما رخيصة ساقطة.. ما قيمة مكتبات لا يدخلها أحد ومطبوعات لا تجد من يقرؤها.. إن خطورة هذه السياسة وهذا الارتجال أنه كلف ميزانية الدولة مئات الملايين من الجنيهات ولم يحقق هدفا ثقافيا.. هناك منشآت كثيرة ولكنها افتقدت روح الثقافة والفكر والإبداع.. احترق المسرح القومى أكثر من مرة وهو الآن يعاد إصلاحه بعد أن أكلته النيران.. وما حدث فى محرقة بنى سويف كان مأساة إنسانية دامية قبل أن يكون حدثا ثقافيا مروعا.. فلو أن شهداء هذه المحرقة وجدوا مسرحا يقدمون عليه إبداعهم ما حدثت الكارثة.. ولكننا ننفق الملايين على أسفار المسئولين فى وزارة الثقافة ولا نقدم الملاليم لإصلاح مسرح هنا أو هناك..

كان من الخطأ الجسيم أن ننزع مصر من عمقها الثقافى العربى وأن نتصور أن عرايا المسرح التجريبى وأفلام المقاولات والجرى وراء الموضات سيكون بديلا عن دورنا الثقافى وهو دور تاريخى وحضارى بكل المقاييس. لا أعرف شيئا عن آخر وفد مصرى سافر إلى الجزائر.. أو آخر كوكبة فنية زارت السودان أو آخر لقاء أدبى بين أدباء مصر وأدباء سوريا أو لبنان..
إن غياب مصر عن الساحة الثقافية العربية طوال ربع قرن من الزمان كان جريمة تاريخية ندفع الآن ثمنها سياسيا واقتصاديا وإنسانيا.. وإذا تركنا ذلك كله واتجهنا لنراجع إنتاجنا الثقافى إبداعا وفكرا فسوف نشعر بالخجل أمام ما نرى من ألوان الإبداع المترهل الساذج.. وبعد ذلك كله نتحدث عن مؤتمر للمثقفين المصريين لوضع برنامج للإصلاح الثقافى والفكرى والحوار حول مستقبل الثقافة المصرية.. هل يستطيع أحد من حظيرة المثقفين أن يناقش بوضوح وصراحة كل هذه القضايا.

هل يستطيع أحد أن يسأل المسئولين فى الدولة كم أنفقت مصر على المؤسسات الثقافية طوال خمسة وعشرين عاما وما العائد الذى تحقق على المستوى الثقافى والحضارى والإنسانى.. هل يستطيع أحد فى هذا المؤتمر أن يتحدث عن كارثة مسرح بنى سويف والعشرات الذين ماتوا فى الحريق.. هل يستطيع أحد أن يتحدث عن سوء اختيار القيادات الثقافية ودورها فى تشوية وجه مصر الثقافى.. هل يمكن أن يناقش المؤتمر جرائم الفساد فى وزارة الثقافة ابتداء بحوادث السرقة ونهب المال العام وانتهاء بالرشوة..

ماذا بعد السنوات العجاف ؟

هل يستطيع أحد أن يتساءل عن انهيار المستوى الثقافى للمواطن المصرى ودور الأجهزة الثقافية فى ذلك.. هل يستطيع أحد أن يدين انقسام المثقفين المصريين وتوزيعهم ما بين حظيرة الدولة الثقافية ومواقع المعارضين.. إذا كان من الممكن أن يناقش المؤتمر هذه القضايا بلا حساسيات.. وإذا كان من الممكن أن نطرح كل هذه المشاكل والأزمات.. هنا يمكن أن نخرج من المؤتمر بأشياء مفيدة.. إن السنوات العجاف فى تاريخ الثقافة المصرية وقد طالت حرمت مصر من أبرز مبدعيها وتركت الكثيرين منهم يعانون الجحود والمرض والفقر بينما فتحت خزائنها لحملة المباخر والباحثين عن المناصب والمصالح والمؤتمرات واللجان.. ومن هنا كان تفسخ النسيج الثقافى الوطنى هو أفدح الخسائر وأغلاها ثمنـا. هل يستطيع هذا المؤتمر أن يعيد للمثقفين المصريين توحدهم وإحساسهم بالمسئولية ورغبتهم فى تعديل المسار.. هل يمكن أن تعود مواكب الثقافة المصرية لتضىء القرى والنجوع بعد أن ملأت الخفافيش عقول أبنائنا.. هل تعود الثقافة المصرية إلى ريادتها فى الوجدان والعقل العربى بالإبداع الجميل والفن الصادق.. ليست عندى أى تحفظات على هذا المؤتمر لأن فيه رموزا كثيرة أقدرها وأحترم دورها ولكن المهم أن يكون الهدف إنقاذ الثقافة المصرية وتأكيد دورها ووجودها أما إذا كان الهدف فتح أبواب أكثر لدخول أفواج جديدة إلى حظائر الدولة الثقافية فيكفى ما كان.

(جريدة الشروق المصرية- عدد الأحد 17 يناير)

الخميس، 14 يناير 2010

فيلم "الريل" لسعد سلمان



وثيقة بصرية صادمة


يعتبر فيلم "الريل" (أو القطار) (55 دقيقة) للمخرج العراقي سعد سلمان، تجربة فريدة في تصوير الأفلام، فهو يدور داخل قطار يتجه من بغداد إلى البصرة، يصور ركاب القطار الذين يمثلون الشرائح الاجتماعية المختلفة، بأسلوب سينما الحقيقة cinema- verite،أي من خلال كاميرا تسجل وترصد وتتوقف أمام الشخصيات ربما دون أن يشعروا أصلا بوجودها، بعد أن يضع بينهم خلسة ودون أن يدركوا، اثنان أو ثلاثة من الممثلين، يمتزجون معهم، يحاولون التعرف على أكبر عدد من راكبي القطار، يتبادلون معهم الأحاديث بطريقة تلقائية ومن خلال سيناريو غير مكتوب في معظم الأحوال.
وتكشف هذه التجربة البصرية الشجاعة التي استخدمت في تصويرها كاميرا الفيديو (الرقمية) الصغير، بشاعة مجتمع العراق فيما بعد الحرب.. والآثار النفسية العميقة التي تركتها على نفوس العراقيين، نوع من الضياع والتشتت والمعاناة المستمرة في مجتمع عراق ما بعد صدام.
صحيح أن البعض يضحك، والبعض الآخر يبدو سعيدا بما جرى، إلا أن مظاهر الخراب العام التي ترصدها كاميرا سعد سالمان، على طول الطريق من بغداد إلى البصرة، تكشف لنا كيف أصبح العراق، وما حل به، وما حل بالإنسان العراقي البسيط أيضا، الذي يرغب في الإحساس للمرة الأولى منذ عقود طويلة، بأنه يعيش في بلده عيشا كريما آمنا.
الأحاديث التلقائية غير المعدة سلفا التي يجريها ممثل أساسي في الفيلم، يقدم نفسه باعتباره نحاتا، تكشف لنا أيضا عمق التناقضات التي برزت من تحت السطح، ومدى العجز عن تصور أي مستقبل للعراق ولو بعد 4 آلاف سنة كما يردد أحد الذين يتحدثون في الفيلم من ركاب القطار.
ولعل من أهم سمات هذا الفيلم القدرة الكبيرة على التعامل مع الكاميرا، من زوايا مختلفة، وبحيث لا يشعر ركاب القطار بوجودها. وتتوقف الكاميرا أمامهم وتصورهم في لقطات يغلب عليها اللقطة المتوسطة والقريبة، ووسط الأحاديث التي تدور، يختطف سعد سالمان لقطات اخرى عابرة لكثير من الوجوه، وجوه العراقيين بكل ما تحمله من هم أو وجيع أو إحساس بالاغتراب والغربة والتشتت. صورة صادمة لمجتمع لايزال يتطلع إلى الاقتراب من منطقة الأمان.
"الريل" تجربة جريئة تمثل امتدادا لتجارب سعد سالمان الشجاعة في الإنتاج المستقل، وهي تجربة تكشف عن كم هو مسكون سعد سالمان ببلده وما حل به من دمار وتفتت وصراعات، بعد كل ما سمعه العالم عن "التحرير".

الأحد، 10 يناير 2010

بريد الأصدقاء: عن السيناريو والارتجال والمونتاج

تحياتي لك وشكرا جزيلا على المجهود الذي تبذله في هذه المدونة الفريدة.

لدي سؤال يشغلني لأني اريد ان اصور فيلما بكاميرا الديجيتال أرجو أن أعرف هل يمكن عمل أفلام بدون سيناريو، كما أقرأ كثيرا، وهل صحيح ان المونتاج هو الذي يأتي بالنتيجة النهائية لأي فيلم؟

محمد مرادالقاهرة

* للاجابة على هذا السؤال المركب اقول بالنسبة للشق الأول منه: عن إمكانية اخراج فيلم بدون سيناريو.. لا أظن على الإطلاق أن هذا صحيح. البعض يردد أحيانا ذلك بالفعل، لكنه عادة ما يكون قصده أنه يدخل التصوير بدون سيناريو تفصيلي مكتمل ونهائي، أي احيانا يكون لدى المخرج وريقات تحتوي على الخط الرئيسي للفيلم كما يتصوره، لكنه يترك المجال مفتوحا أمام الارتجال والتطوير حسبما يسير العمل مع الممثلين. وليس بالضرورة أن الفيلم الذي يبدأ تصويره بدون سيناريو نهائي يكون أفضل من غيره، لكن الأمر يحتاج لعبقريات خاصة للعمل بمنطق الارتجال لكي تخرج في النهاية بفيلم له أهمية، مثل جان لوك جودار وأمثاله، ليس لأنه لا يفكر في الفيلم قبل تصويره، أو يدخل (ورزقه على الله).. بل لأنه مثقف كبير، تدور في رأسه الفكرة عشرات المرات قبل أن يبدأ التصوير دون ان تكون مكتوبة تفصيلا على الورق. أما المخرج المغامر الذي يعتمد فقط على ما يأتي به الواقع فهو مجرد مصور تلقائي ربما ينتهي عمله إلى الغرق في الوحل، فلابد أن يدرك المرء قدراته الحقيقية، وألا يسرف في التفاؤل. والمنطق الذي تعلمناه هو ضرورة أن تقوم بواجبك المنزلي، أي تدرس وتفكر وتخطط وتكتب بالتفصيل بقدر الامكان.* أما بالنسبة للمونتاج ودوره في تشكيل الصورة النهائية للفيلم، فهذا صحيح اذا كان الفيلم من تلك التي يلعب فيها المونتاج دورا بلاغيا، أي يعيد ترتيب اللقطات داخل المشهد او تترك الحرية للمونتير بالاتفاق مع المخرج، في الحذف واعادة ترتيب بعض المشاهد ايضا، أو استخدام مساحات صامتة، ولكن ليس المونتاج الذي يقوم على القطع بين شخصيات تعبر عن نفسها بالحوار طوال الوقت، فهذا النوع مونتاج "آلي" ليس فيه أي ابداع حقيقي بل هو مجرد "صنعة" أو حرفة لضبط الايقاع واحكام الانتقالات.. وهذا هو المونتاج السائد في الكثير من الأفلام (العربية على وجه الخصوص المتأثرة بمسلسلات التليفزيون).

وتحضرني في بيان قدرة المونتاج الإبداعية تجربة خاصة، فعندما التحقت بالعمل في تليفزيون بي بي سي (عام 1994) كنا نتدرب على تقديم تحقيقات أو أفلام تسجيلية قصيرة جدا (3 دقائق مثلا) نقوم أولا بكتابة سيناريو بسيط جدا، ثم نذهب للتصوير ونأتي بكل ما نتصور أنه يفيد العمل من لقطات ومقابلات، ثم نبحث في الأرشيف عن وثائق قديمة أو لقطات سابقة يمكن استخدامها لتدعيم الموضوع، ونقوم بعد ذلك بعمل المونتاج للصور فقط، دون أن يكون هناك أي تعليق صوتي عليها أو موسيقى مصاحبة، أي مونتاج صامت تماما للصور فقط.. وفي النهاية يمكن أن نبدأ في كتابة التعليق المناسب للصورة، ونبحث عن الموسيقى التي نضعها في مقاطع معينة من العمل. وكان هذا كله يتم في يوم واحد فقط. في نهاية اليوم يتعين عليك تسليم شريط مصور صالح للعرض.هذه الطريقة لاشك في صعوبتها، لكن لاشك أيضا في انها شديدة الجاذبية وتمثل تحديا كبيرا أمام صانع أي فيلم، أن يكون بمقدوره التحكم في الصور واللقطات والايقاع لكي يجعل هذه العناصر كلها تروي موضوعا، قبل أن يكتب له تعليقا صوتيا مصاحبا أو ربما حتى بدون أي تعليق مصاحب. إنه بلاشك تدريب شديد الفائدة لكل دراسي السينما والتليفزيون. أرجو أن أكون قد أجبت عن سؤالك كما ينبغي.

الجمعة، 8 يناير 2010

مع ميشيل وعمر

جلسة رائعة جمعتني في لندن أخيرا رغم البرد القارص، والأشغال الشاقة التي أقوم بها هذه الأيام، مع صديقين من أصدقاء الزمن الجميل: المنتج السينمائي الفلسطيني عمر قطان، والمخرج المعروف ميشيل خليفي.
تمكنت من إيجاد فسحة من الوقت للخروج من العمل لقضاء أكثر من ساعة مع الصديقين في مقهى مجاور من مكاتب بي بي سي حيث أعمل، في ريجنت ستريت بوسط لندن.
جاء ميشيل من بلجيكا التي يقيم بها إلى لندن حيث يقيم منتج فيلمه الأخير عمر قطان، لبحث بعض الأمور الفنية معه على ما يبدو.
أهديت نسخة من كتابي الجديد "الشيخ إمام في عصر الثورة والغضب" إلى ميشيل، ففوجئت بأنه يعرف الشيخ إمام معرفة ربما تفوق معرفة الكثيرين من عشاقه بل والمتخصصين فيه أيضا. وروى لي ميشيل كيف أنه زاره مع رفيقيه أحمد فؤاد نجم ومحمد علي، في البيت القديم الذي كانوا يقيمون فيه جميعا في "حوش قدم" بحي الحسين الشهير في القاهرة عام 1982. وقضى ميشيل وقتا طويلا في صحبة الشيخ إمام، وظل يتردد عليه كثيرا بعد ذلك، بل وأدهشني عندما قال لي إنه المسؤول عن إدخال شرائط الشيخ إمام إلى فلسطيني عام 1982 لكي يغني هناك.. وهي دون شك قصة تستحق أن تروى ون تسجل. وقال إنه استخدم نغمة أغنية "إذا الشمس غرقت في بحر الغمام" في أول أفلامه "الذاكرة الخصبة"، وأظهر معرفة هائلة بالكثير من أغاني الشيخ إمام التي يحفظها عن ظهر قلب ليس فقط بكلماتها بل بألحانها، كما أنه يحفظ الكثير من أشعار الفاجومي (نجم)، ويتذكر محمد علي (ضابط الإيقاع) والرسام الذي رحل عن عالمنا قبل أشهر معدودة، ولم يكن ميشيل يعلم برحيله. وروى لي كيف أنه عندما التقاه سأله: هل انت الفنان التشكيلي، فرد عليه محمد بسرعة بديهة وخفظ ظل قائلا على الفور: لا أشكيلك ولا تشكيلي!
كنت قد التقيت ميشيل أخيرا في مهرجان دبي السادس الشهر الماضي، بعد غياب دام ربما أكثر من عشر سنوات (فراقات عشاق السينما فراقات معذبة فعلا.. تصوروا مثلا أنني لم أكن قد التقيت بالعزيز الناقد عدنان مدانات منذ منتصف التسعينيات إلى أن قابلته أخيرا في مهرجان أبو ظبي السينمائي في أكتوبر!)..
مقالي عن فيلم "زنديق" أحد أفلام ميشيل خليفي الذي حصل على ذهبية مسابقة المهر للأفلام العربية الروائية الطويلة، أعجب ميشيل كثيرا.. وقال لي إنه وجد فيه الكثير مما كان في ذهنه فعلا أثناء كتابة وتصوير الفيلم، فقلت إنني لا أعرف ما إذا كان هذا حقيقيا أم لا ولكني عادة ما أعبر عن "رؤيتي" الخاصة للعمل السينمائي، واستقبالي الشخصي له، دون أي محاولة لتجميع "معلومات" مسبقة عن ظروف صنع الفيلم، وإنني آمل دائما أن يكون المقال النقدي تعبيرا عن علاقتي بالفيلم، وأن يكون أيضا قطعة "أدبية" لا تقل أهمية عن الفيلم نفسه، بل تتماهى معه وتدخل أحيانا أيضا، في سجال وجدل مع أفكاره.
حديثنا عن الفيلم والمقال لم يستغرق ثلاث دقائق انتقلنا بعدها إلى السينما ومهرجاناتها وأحوالها في العالم العربي، وإلى اوضاع النقد والنقاد، وناقشنا أيضا بعض الأفكار التي تصلح للتحول إلى سينما.. وكان عمر قطان يصغي باهتمام، وكنت قد تعرفت على عمر للمرة الأولى في مهرجان فالنسيا السينمائي عام 1991 (على ما أتذكر)، وكان موجودا هناك .. شابا يافعا.. جاء لعرض فيلمه الأول كمخرج وهو بعنوان "أحلام في الفراغ"، وقد كتبت عنه في صحيفة "القدس العربي" التي كنت أعمل بها في ذلك الوقت. وهو أصلا من دارسي السينما في بلجيكا، وأظنه تتلمذ على يدي ميشيل خليفي الذي يقوم بالتدريس منذ سنوات طويلة، في معهد السينما البلجيكي الذي تخرج منه. وكان فيلم ميشيل الأول "الذاكرة الخصبة"(1982) إعلانا قويا عن موهبة كبيرة حقا، وعن تيار حداثي بارز في السينما الفلسطينية.
معا.. ضحكنا ونحن نتذكر تلك الايام، ونتذكر ما دار من معارك بعد ذلك حول الكثير من القضايا والمواضيع، وتطرقنا إلى السفه الذي تمارسه بعض المؤسسات في العالم العربي بدعوى الاهتمام بالسينما فيما هي مهتمة أساسا باستعرض نفسها، والغرق في مستنقع الفساد.. والعياذ بالله!
ولا أريد أن أطيل عليكم.. فسأذهب لتناول الشاي الساخن الآن لعله يمنحني بعض الطاقة في هذا البرد المقيم.. وآخر الأنباء عندنا هنا في لندن، تقول إننا سنشهد هطول الثلوج هذه الليلة بحيث نستيقظ صباحا لنجد المدينة وقد غرقت في كتل الثلج الأبيض.. أي تحولت إلى قرية كبيرة تتعطل فيها حركة المركبات الحديثة، حيث لا يصلح في هذه الحالة ربما سوى ركوب الدواب ذات الحوافر التي تغرز في الثلج، للانتقال، على طريقة الاسكيمو.. ولكن من أين نأتي بها.. عندي قطة واحدة، لا اظن أنها تستطيع القيام بالمهمة!

الخميس، 7 يناير 2010

الحنين إلى "عصر السينما"

مجمع سينما وورنر فيلليج

سينما ريتزي التحفة المعمارية الرائعة في حي بريكستون (لم أزرها بكل أسف حتى الآن)

واجهة سينا بلازا

سينما امباير من الداخل في ليستر سكوير في سالف العصر والأوان قبل تقسيمها

سينما امباير من الخارج حاليا

سينما امباير من الخارج قبل فترة

سينما لندن بافيلون


سينما بيوجراف التي اشار إليها محمد خان وقال انها كانت في فيكتوريا ستريت

واضح إن الموضوع المنشور في هذه الصفحة حول ذكرياتي عن دور العرض اللندنية في الزمن الجميل الماضي (من الثمانينيات) من عصر السينما فعلا (تيمنا بعصر الراديو، وهو عنوان أحد أفلام وودي ألين الجميلة التي أحبها- فنحن الآن كما أظن لم نعد في عصرالسينما بل في عصر الانترنت) أقول إن من الواضح ان الموضوع قد أثار شجونا في نفس صديقي المخرج الكبير محمد خان، وقد سبق أن كتب لي تصحيحا مهما عن سينما "أكاديمي" وكانت من أجمل وأحلى السينمات في لندن واكثرها احتراما، وفيها كنت قد شاهدت عددا من أهم الأفلام منها مثلا فيلم "وتبحر السفينة" لفيلليني عام 1983.
وأتذكر أن عماد الدين أديب، الإعلامي البارز (وكنا نرتبط بصداقة من أيام الجامعة في السبعينيات)، دعاني مع صديقنا الصحفي المصري الرائع حافظ القباني (مازال يقيم ويعمل في لندن) لمشاهدة فيلم في سينما أكاديمي للمخرجة الألمانية الشهيرة مرجريتا فون تروتا اظن كان اسمه (اصدقاء وأزواج).. وكان ذلك في عام 1983، قبل ان آتي للعيش في لندن في العام التالي. وكان عماد وقتها رئيسا لتحرير مجلة "المجلة". وخرجنا بعدها وتوجهنا إلى حيث كان يقطن عماد في حي ماي فير الراقي في لندن لكي نتناقش في الفيلم بينما كان حافظ يعد طعاما شهيا للعشاء.

واجهة سينما جيت نوتنج هيل


المهم أن محمد خان الذي عاش سنوات طويلة في لندن، وسبقني بالطبع كثيرا، تعود ذكرياته بالتالي إلى الزمن الأجمل بلا أي شك، وهي حقبة الستينيات التي غيرت تاريخ الدنيا (هناك بالمناسبة عدد من الكتب المهمة حول تأثير الستينيات وثقافة الستينيات وفنون الستينيات) كما لم تفعل أي حقبة أخرى في القرن العشرين، فقد كانت سنوات للغضب والثورة والتمرد على كل ما هو سائد من فنون، وفيها ظهرت أكبر حركات التجديد في السينما والموسيقى والمسرح وغير ذلك.
أود ايضا أن اقول إنني كنت أريد أن يختتم كتابي "حياة في السينما" بهذا الفصل الحميمي الذي ابتعد فيه عن الهموم المصرية والعربية، وأعود إلى البدء.. أي إلى السينما، وإلى دار العرض السينمائي تحديدا التي ولدنا فيها وتعلمنا في داخلها السينما، أظن أنا ومحمد ايضا، فقد كانت وسيلتنا الأولية لتعلم السينما هي المشاهدة والقراءة والمناقشات سواء في نوادي السينما، أو بعد ذلك في دور السينما الفنية في العاصمة البريطانية التي أحتفظ لها بذكريات رائعة وأعتبرها مدرستي السينمائية بحق.. لكن الاقدار وحدها شاءت الا ينشر هذا الفصل في الكتاب، ربما لكي يصبح متاحا لقراء هذه المدونة بشكل مباشر.
وقد أسعدني أن اتلقى ثلاثة رسائل أخرى من محمد خان يذكرني فيها ببعض دور العرض اللندنية، منها ما أتذكره، ومنها ما لم أعايشه أو الحق به، فقد وصلت بعد أن زال من الوجود أو تحول إلى محلات أخرى.

وأنا أود هنا ان أشيد بذاكرة محمد خان، بل وأتمنى أن يعكف على كتابة مذكراته اللندنية بكل ما فيها من مغامرات في السينما وغير السينما، فسيكون هذا كتابا رائعا لنا جميعا.
المهم.. بعد ان تلقيت رسائل محمد، شعرت شعورا غامضا جميلا، بالرغبة في استعادة كل ما ذكره، بالعثور على صور لدور العرض التي ذكرني بها، كيف كانت وكيف أصبحت، وبدأت رحلة بحث مضنية، وتمكنت من جمع عدد من الصور التي أود ان اقدمها لقراء هذه المدونة من أصدقائي عشاق السينما، وعشاق دور السينما الحقيقية وليس "علب الافلام"، كما أقدمها أساسا، إلى صديقي محمد خان، لدعم هذه الذاكرة المشتركة بيننا، وتزويدها بالجزء المرئي منها، أي الصور. وارجو أن يساعده هذا بل ويحفزه على كتابة ذكرياته. وانا على استعداد لمراجعتها وإعدادها للنشر، والناشر موجود فعلا.
سألني محمد عن الدار السينمائية الملاصقة لسينما امباير في ليستر سكواير، واقول إنها ليست ملاصقة تماما. دار امباير القديمة التي أشار إلى أنها كانت مرقصا في الماضي، لابد أنها قسمت إلى دار عملاقة للسينما (هنا بعض الصور) ومرقص او ديسكو و ربما أيضا كازينو، أما السينما التي تبعد عدة خطوات عن مبنى إمباير فهي تدعى حاليا سينما فيو Vue وكانت من قبل Warner Village بعد أن تم تقسيمها إلى 9 قاعات تحت وفوق الأرض أو ربما 10 أيضا لا أتذكر بالضبط فلست من هواة التردد عليها بعد أن أصبحت مجموعة من العلب، وغالبا كانت تسمى قبل ذلك سينما كلاسيك أي ضمن الشبكة الشهيرة وقبلها كانت جزء من شبكة ABC ايه بي سي. أما سينما بلازا يامحمد فلم يعد لها وجود الآن بكل أسف.. وكذلك السينما الأخرى التي كانت موجودة في شارع هاي ماركيت على ناصية صغيرة، وهي أوديون هاي ماركيت، فقد فوجئت قبل فترة قصير باختفائها من الوجود ايضا، ولاتزال السينما الصغيرة في أول بيكاديللي ستريت موجودة لحسن الحظ.
أنشر هنا رسائل محمد الثلاثة كما وردت.. والصور تجدونها موزعة فوق وتحت هذه الكلمات مع تعليقاتي عليها.
عزيزي محمد: هل هذه هي الدور التي حدثتني عنها في رسائلك؟ رجاء التدقيق والتصحيح إذا وجدت خطأ ما.. وتقبل تحياتي.

لقطة أخرى لسينما بافيلون التي زالت من الوجود قبل ذهابي إلى لندن عام 1984


رسالة (1)
عزيزى أمير
لندن والثلوج أو الضباب أو الأمطار .. هى لندن التى لها وحشة .. فسينماتها من أول زيارة فى ١٩٥٨ تعود فى خيالى .. والبركة فى مقالك.. هل تتذكر السينما التى كانت فى ِإدجوار رود.. على الرصيف المواجه للأوديون ماربل آرش .. هى الآن اعتقد كافيتريا لبنانية لعشاق القهوة التركى والشيشة والشاورما .. بالمناسبة شبكة دور عرض أوديون وقبلها جومونت وبالمناسبة سينما إمباير فى ليستر سكوير قبل ما تقسم كانت اكبر سينما حجما فى لندن وكانت شقيقتها اللازقة بها وناسى اسمها .. ياريت تفكرنى .. المهم إمباير فى الستينات كانت قاعة رقص ضخمة كان لي مغامرات فيها.. أنا طبعا تطرقت للسينمات عموما ومش بالضرورى متخصصة ويمكن لأن السينما عموما كان حالها أجمل بكثير .. سينما ريالتو بقت محل هامبرجر وسينما بافيليون بقت فرع لشبكة محلات الدى فى دى.. وبما انى بقيت فى البيكاديلى منساش السينما الصغيرة على الناصية فى أوائل بيكاديلى ستريت .. أهى دى كانت متخصصة .. وأخيرا كنت من ضمن اللى وقفوا فى الصف الطويل عشان أشوف تحفة هيتشكوك ـ سايكو ـ فى أول عرض وحفلة ظهرا فى السينما اللى لا تزال موجودة فى ليتل ريجنت ستريت "بلازا " وقطعوها حتت زى بقية السينمات .. مقالك تحريض لزيارة لندن .. حتى لما اتقابلنا فى لندن على ما اتذكر فى شيرنج كروس روود كان فيها سينما فى صف مكتبة فويلز متخصصة كذلك .
كفاية سينمات والسلام.
رسالة (2)
ملحق سريع قبل ما أنسى.. شاهدت فيلمين فى نفس البرنامج
Fritz Lang's M
Henri George Cluzot's
Les Diaboliques
هناك سينما كانت مسرحا أصلا وأعتقد عادت لتكون مسرحا.. وهى خلف شيرنج كروس روود ناحية كيمبردج سيركس.
..
أظن كان برنامج مذهل
تحياتي


لقطة أخرى لعل محمد يؤكدها لسينما لندن بافيلون


رسالة (3)
آخر كلام عن السينمات .. الواحد نسى ثلاث سينمات قديمة
Paris Pullman
اكتشافى أنطونيونى بفيلم L'Aventurra
اللى بعده كتبت خطاب الى مجلة films & Filmingونشر عن تأثرى بالفيلم وأيضا كنت مع شادى عبد السلام وعبد العزيز فهمى نتابع عرض "المومياء"، وكان كتابى عن السينما المصرية فى فترينة السينماوده كانت سينما صغيرة وخاصة جدا، وبعدين فيه سينما اكتشفتها فى حى فكتوريا واسمها Biograph ثم فى ويسترن جروف روود كان فيها Roxy أو كانت غيرت اسمها إلى International film Theatre
واكتشفت تروفو فيها وكذلك فيلم نادر لدى سيكا ـ السقف ـ
بقت اعتقد الآن محل بيتزا.. كلهم قفلوا .. وعلى فكرة السينما اللى فى ادجوار روود كان اسمها Gala Royal وتعرفت فيها على بونويل
عشان كده بأعتبر مدرستى الحقيقية كانت سينمات لندن فى الستينات.
تحياتى

سينما ريالتو التي كانت كائنة في كوفنتري ستريت


سينما ريالتو من الداخل التي ذكرها محمد خان ولم أعاصرها

سينما أيماكس أكبر شاشة سينمائية في أوروبا التي تعرض الافلام المجسمة وأحدثها حاليا "افاتار"

الجمعة، 1 يناير 2010

محمد رضا يكتب عن كتاب "حياة في السينما"


حياة في سينما أمير العمري


هذا مقال الزميل الناقد محمد رضا عن كتاب "حياة في السينما" الذي نشره في موقعه "ظلال وأشباح" وفي صحيفة "الخليج".. وأنا سعيد بالمقال، وسعيد بالجدية التي يتناول بها النقاد كتابا ليس في النقد السينمائي بالضرورة، بل فيما يدور حوله، وداخل دروبه، من خلال زاوية شخصية، تخضع بالطبع للتجربة الشخصية. وهو نوع من الكتابات قليل في عالمنا العربي. شكرا لمحمد وهذا هو مقاله:


من يقرأ كتاب الزميل أمير العمري "حياة في السينما" يجد نفسه مشدوداً الى ذكريات لا يجدها المرء في أي مكان آخر. بالطبع هي ذكريات الناقد الغني عن التعريف، وبالتالي فمن الطبيعي أن لا تكون مطروقة لأنها تعبّر عن حضوره الجغرافي والتاريخي وحده، لكن المثير فيها هي أنها تطرح ما يخص المثقّفين والسينمائيين والمراجعين جميعاً. كما يؤكد المؤلّف في المقدّمة، يروي أمير العمري جانباً مهمّاً من حياته الشخصية. كم هي مهمّة؟ مهمّة الى درجة أن من يمسك الكتاب سيجد أن الغاية ليست الحديث عن ولادة المؤلّف ونموّه وظروفه وارتقائه، ولن يدخل سيرة حياة بالمفهوم البيوغرافي للكلمة، بل سيجد أمامه شريط ذكريات مصوّراً يستعرض فيه الناقد شهاداته على وقائع كثيرة حضرها وعايشها. وإذ يفعل تستطيع أن تجد أمامك كاتباً يقترب مما يورده ليس من باب الإستعراض فقط بل من باب القراءة التاريخية ايضاً.

وعلى نحو طبيعي لناقد، يبدأ العمري كتابه بقراءة تحليلية لأول فيلم ترك فيه تأثيراً جعله ينكب على السينما ويغيّر وجهة نظره فيها. الفيلم كان »الترتيب" لإيليا كازان (1969) الذي يسبر المؤلّف غوره جيّداً ولو أنه تجنّب لوم مخرجه لوشايته بزملائه اليساريين، أبّان الحملة المكارثية، متسبباً في منعهم من الكتابة وحبس بعضهم في سجون المكارثية، مكتفيا، وهذا حقّه، بالمرور عابراً على هذه النقطة.

ينتقل بعد ذلك الى فترة ذهبية من فترات الثقافة السينمائية في مصر (وفي العالم العربي) هي فترة السبعينات ليتحدّث في نحو 56 صفحة عن معايشته لجمعية نقاد السينما المصريين ولمن عاصرهم هناك من المرحومين فتحي فرج وسامي السلاموني الى سمير فريد ومصطفى درويش وحسين بيومي، وهذه الأسماء تتكرر في مشاهدات وفصول أخرى عبر الكتاب الذي يضع نقاطاً مهمّة على حروف تلك الفترة ليكتشف، من عاصرها ولم يعايشها مثلي، أن هناك الكثير من جوانبها لم يكن يعرفه او يصل إليه. ليس على صعيد صراعات داخلية فقط، بل على صعيد هيكلة الذوق الثقافي في تلك الفترة. فأمير العمري لا يُحاسب بل يؤرّخ كاشفاً أوراقاً تعكس إتجاهات نقدية مهمّة تبعاً للفترات التي وقعت فيها.

وهو يشرح، خلال مراجعته تلك، موقف نظام السادات من الثقافة، وموقف المثقّفين أنفسهم وقد تشيّعوا موالين او معارضين٠وبحق يسأل (في الصفحة 46) ملاحظاً ظهور واختفاء جريدة سينمائية صدر منها 33 عدداً وخاضت معارك ضد الثقافة المتطبّعة بالخاتم الرسمي، "عما أصاب، ليس فقط النقد السينمائي في مصر، بل وما حل بالذين كانوا من الأقطاب الرئيسيين في تلك الجريدة في السبعينيات"٠سؤال مرير إذ لا يمكن الإجابة عليه من دون الشعور بأن جهوداً مضنية كثيرة بُذلت و.. للأسف ضاعت.

كتاب أمير العمري يحرّك الماء الراكد بحرارته المعهودة، وما يطرحه هو ما يشغل باله الى اليوم٠ في فصل آخر يتحدّث عن ثلاث شخصيات عاصرها وتداول معها هي يوسف شاهين وعبد الفتاح الجمل ورشيد مشهراوي. هنا يكتب عن لقاءاته الأولى مع هذه الشخصيات فينسج بذلك مادّة هي مثار اهتمام القاريء الذي يشعر بالفضول لمعرفة، لا رأي الناقد بمخرجه او بالشخصية الإعلامية المعيّنة فقط، بل أيضاً بكيف اقتربا وتعرّفا وما هو رأي الناقد في كل منهم على حدة٠ويلفت الإهتمام كثيراً، كيف قيّم أمير العمري فيلم شاهين "عودة الإبن الضال" بكلمات تخالها من كتابة الوقت الراهن ما يدل على وميضها الخاص. فالناقد يدل على ما اتفق عليه العديد من النقاد فيما بعد وهو أن تشتت المخرج الفكري "ينعكس في أركان كثيرة من فيلمه، حيث نرى كيف يبدو "علي" (البطل) في بعض المواقف كأنه لا يزال يحتفظ بصدقه وطهارته ورغبته في مساعدة إبراهيم رغم الإدانة القوية التي يوجهها له (المخرج) في الفيلم"٠ نفس الإثارة الذهنية نجدها في الفصل التالي المعنون "في لجان التحكيم والمهرجانات" حيث يسرد تجربتين هما في ذات الوقت طريفتين ودالّتين. واحدة وقعت فصولها في مهرجان أوبرهاوزن الألماني، والثانية في مهرجان طهران. لكني لم أكترث بذات القدر (وهذا رأي شخصي) باليوميات التي سردها عن المهرجانات الأخرى، ربما بسبب اعتماده على صيغة اليوميات التي كنا قرأناها في أماكن أخرى٠

جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger