الأحد، 18 أكتوبر 2009

في ضوء الجدل الدائر حول مهرجان أبو ظبي ومسألة "خطف" الأفلام بالمال

لقطة من فيلم "ابن بابل" لمحمد الدراجي


الزميل الناقد محمد رضا طرح كثيرا خلال الفترة الأخيرة موضوع المهرجانات التي تدفع أموالا مقابل الحصول على عرض الأفلام عروضا أولى وأبدى رفضه لذلك من منطلق ان هذا سيجعل من الصعب على مهرجانات أخرى لا تملك المال العثور على أفلام جديدة تعرضها، ويدلل على ذلك بما يواجهه مهرجان القاهرة السينمائي حاليا من أزمة في العثور على فيلم مصري جديد صالح للعرض في برنامجه.
هذا الطرح صحيح تماما ولكن ليس صحيحا ما قاله من أنه لم يجد حتى الآن زميلا يؤيده في ذلك، فقد كتبت بالحرف الواحد وأنا مازلت في مهرجان أبو ظبي نفسه في هذا الموقع بتاريخ 11 أكتوبر في اطار اليوميات التي تمكنت من نشرها وسط كل المشاغل، فقلت:
((مؤكد أنني لا أوافق على أن يصبح سلاح المال هو السلاح الحاسم في المنافسة بين مهرجان ابو ظبي وغيره من مهرجانات المنطقة سواء المهرجانات التي تقام في الدول النفطية مثل دبي والدوحة، أو في الدول المائية مثل القاهرة ودمشق وقرطاج وتطوان (.....)
((سمعت بالطبع ما تردد عن دفع الكثير من الأموال لبعض المخرجين للحصول على حق العروض الأولى لأفلامهم، وهو سلوك مرفوض أساسا لأنه يفسد السينمائيين ويجعل المال هو القيمة الأساسية في مشاركتهم بالمهرجانات، كما أنه سلاح لا يأخذ في الاعتبار أن الذين يستخدمونه يسيؤون إلى أنفسهم ايضا وإلى مهرجاناتهم، لأنه يظهرهم باعتبارهم أناسا من فصيلة "محدثي النعمة" الذين يستسلهون كثيرا اخراج دفاتر شيكاتهم وشراء كل من يمكن شراؤه بالمال)).
انتهى الاقتباس. وقد كررت نفس رأيي هذا خلال رسالة لإذاعة بي بي سي العربية أثناء تغطية المهرجان. غير أنني اكتشفت بعد ذلك أن الموضوع له شقان في الحقيقة ولا يجب النظر إليه من زاوية واحدة.
أما الزاوية الأخرى فهي أن القائمين على أمر مهرجان أبو ظبي أعلنوا أنهم قدموا دعما ماليا بالفعل لثلاثة "مشاريع سينمائية" (من المنطقة العربية) أو لمخرجين عرب، "التي توقفت في مراحلها النهائية بسبب نقص التمويل اللازم لاكمالها" حسب البيان الصادر عن المهرجان. هذه المشاريع أو الأفلام هي تحديدا "ابن بابل" لمحمد الدراجي العراقي، و"ميناء الذاكرة" لكمال جعفري الفلسطيني، و"شيوعيين كنا" لماهر أبي سمرا اللبناني".
وقد عرض الفيلم الأول في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة، والثاني في مسابقة الأفلام التسجيلية الطويلة، والثالث خارج المسابقات كعمل غير مكتمل أي لم ينته التوصل إلى صيغته النهائية بعد.
وأعلن المهرجان بالحرف- حسب بيانه- أن تمويل هذه الأفلام جاء من "القيمة المالية الاجمالية لجوائز المهرجان البالغة مليون دولار كجزء من جهد أكبر يهدف إلى اعادة تخصيص بعض من هذه الجوائز المالية السخية بما يتفق مع غايات المهرجان من رعاية التطوير اللازم لصناعة سينمائية في المنقطة باتت أقوى من أي وقت مضى".
هنا أتوقف قليلا لأنني كنت أحد الذين تصدوا منذ سنوات لقيادة حملة لم تتوقف أبدا، تنادي بضرورة ألا تصبح المهرجانات السينمائية العربية مجرد جهات تستهلك الأفلام دون أن تدعمها، وتعرضها لكنها لا تساهم في إنتاجها في حين أننا في منطقة يصعب كثيرا فيها العثور على تمويل للمشاريع الجادة، كما أن الميزانيات الضخمة المخصصة لجوائز بعض هذه المهرجانات من الأفضل أن يذهب جزء منها لدعم واكتشاف المشاريع الجديدة الطموح وليس فقط تكريم ومكافأة ما أنتج فعلا.
هذا على سبيل المثال، جزء من مقال نشرته بتاريخ 19 أغسطس 2008 في هذا الموقع تحتعنوان "ماذا تقدم المهرجانات السينمائية العربية للسينما":
((أما الملفت أكثر للنظر، فهو أن الأغلبية العظمى من مهرجاناتنا العربية (في العالم العربي عموما) قد تولي اهتماما للأفلام، أي تهتم باستهلاك الأفلام، إلا أنها تهمل تماما دعم الأفلام.نعم هناك كثير من الندوات والمؤتمرات والموائد المستديرة والمستطيلة التي تخصص لمناقشة "أزمة الإنتاج" "وطرق دعم الإنتاج" و"الإنتاج المشترك" والتنسيق بين "الشمال والجنوب". لكن لا أحد يكلف نفسه الاهتمام بوضع "آلية" محددة لدعم الإنتاج السينمائي الذي يتميز بجرأة تتجاوز السائد في السوق السينمائي، حتى لو جنح العمل إلى أقصى حدود التجريب، فبدون هذا التجريب لا تتطور السينما بل تظل تدور حول نفسها دون أن تجاوز الأساليب القديمة، في السرد أو في الإخراج.
((مهرجاناتنا السينمائية لا تهتم بدعم مشاريع لأفلام جديدة تمتلئ بالطموح وتكشف عن موهبة أصحابها، من خلال ورش الإنتاج ومسابقات السيناريو ومؤسسات راسخة تستطيع الحصول على التمويل من جهات متعددة، وتتمكن من الاستمرار في تمويل المشاريع السينمائية الجريئة (شريطة الاعتماد في الحكم على هذه المشاريع على لجان متخصصة من السينمائيين والخبراء من العالم الخارجي وليس على "شلل" المرتزقة والمنتفعين سيئة السمعة. فهذه المهرجانات يهمها أساسا الجانب الاحتفالي الاستعراضي الدعائي، والتفاخر الكاذب بأننا أصبحنا لا نقل عن مهرجان "كان" بعد أن نجحنا في فرش البساط الأحمر، وبعد أن ظهر السيد الوزير لكي يؤكد لنا أن "السينما فن يعمل من أجل بناء الإنسان" و"تطوير الذوق العام في المجتمع"، وهي بالطبع مقولات متكررة ومضحكة)).
انتهى الاقتباس ما كتبته هنا منذ أكثر من عام، والآن أليس من واجب النقاد العرب الوقوف إلى جانب دعم السينمائين العرب والسينما العربية.. أليس هذا أفضل من حصول أفلام أمريكية وأوروبية على الدعم كما كان يحدث في مهرجان أبو ظبي في الماضي وتعرض لانتقادات شديدة عن حق؟
عندما يقدم مهرجان أبو ظبي جزءا معتبرا من القمية المالية لجوائزه (مليون دولار) لدعم انتاج أفلام فنية أليس هذا أمرا جديرا بالتأييد؟
ألم نكن دائما نكتب لنضرب المثل بما يقدمه مهرجان روتردام من خلال مؤسسة "هيوبرت بالس" لدعم المشاريع الفنية السينمائية بما فيها أفلام تنتمي إلى منطقتنا وثقافتنا؟ وألا يكون في الهجوم على هذا الدعم واتهامه بأنه يسعى إلى تقويض مهرجانات أخرى، تناقضا بين مواقف الناقد نفسه، وأنا أقصد مواقفي الشخصية!
النقطة الاخرى المهمة هنا أنه إذا كان المهرجان يعتبر نفسه طرفا إنتاجيا في الفيلم (وهو ما أرى أنه من حقه تماما في هذه الحالة) فهل يصبح من حقه أيضا أن يشترط ضرورة عرضه لديه قبل غيره؟ وهل هذا ما يفرضه أيضا مهرجان روتردام السينمائي؟
المؤكد أن "الاحتكار" مرفوض ومدان لأنه يتناقض مع مبدأ المنافسة الحرة أساسا، وأن "سلاح المال" يمكن أن يساء استخدامه أيضا مما قد يؤدي إلى كوارث على أصحابه وعلى الآخرين.
غير أن من الواضح أن هناك نقاطا عدة يمكن أن يدور حولها الجدل منها:
* هل المهرجان" لعرض الأفلام فقط بغرض الترويج للثقافة السينمائية، أو يتعين عليه أن يلعب دوره في دعم الإنتاج (المحلي والاقليمي أساسا) خاصة وأننا نعيش في نطاق "سينما نامية أو تحت التكوين" وبالتالي لا تصلح المقارنة هنا مع مهرحان كان أو برلين وغيرهما؟
* هل يمكن اعتبار دعم انتاج المشاريع الفنية الطموح من الأفلام العربية نوعا من الإرهاب للمهرجانات العربية الأخرى التي لا تستطيع تقديم دعم مماثل؟ أم أن الدعم مسألة مبدأ بغض النظر عن قدرة مؤسسة ما دون غيرها على تقديمه؟
* هل يجب ان تكتفي المهرجانات السينمائية "الفقيرة" بدورها في "عرض" الافلام إلى حين يمكن أن تدعم الانتاج بطرق أخرى؟
* في حالة وجود أموال يلوح بها لشراء العروض الأولى للأفلام في مهرجان ما، ألا تنعكس المسؤولية أيضا على السينمائيين الذين يستجيبون لهذا ويجرون وراءه أم أن المسؤولية تنحصر فقط في المهرجانات؟
* هل تعد المنافسة المفتوحة بين المهرجانات أمرا إيجابيا يؤدي إلى تطوير هذه المهرجانات، أم أن من الضروري "ضبط" تلك المنافسة، والتضرع للمهرجانات الغنية بأن تقلل مما تنفقه من ميزانيات على مهرجاناتها لكي لا تظلم المهرجانات الفقيرة، أم من الأفضل دفع المهرجانات الفقيرة إلى أن تصبح أقوى وأكثر من ناحية القدرة المالية خاصة وأن "الدول المائية" التي تقام فيها هذه المهرجانات تنفق أضعاف ما تنفقه على مهرجان السينما الدولي لديها (القاهرة مثلا) على مهرجانات أخرى مثل مهرجان المسرح التجريبي في مصر لأن (الوزير الفنان عاوز كده!).. بل وهناك أيضا مهرجان دولي آخر كبير (في دولة مائية أخرى أي غير نفطية) هي المغرب ينفق عليه كما ينفق على مهرجانات الخليج وربما أكثر وهو مهرجان مراكش الدولي الذي يهتم أكثر، بالحصول على أفلام أمريكية واوروبية حديثة!
* هل المنافسة بين المهرجانات والانحياز لمهرجان دون آخر، أو لمدير مهرجان دون غيره بحكم الصداقة أو التعاون المشترك أو غير ذلك، من الممكن أن تلعب دورا في إشعال ساحة الخلاف، وألا يستدعي الأمر النظر إلى الأمور من زاوية الموقف المحايد النزيه الذي يقيس الأشياء من مقياس المبدأ وليس الأشخاص؟
* هل وجود المهرجان السينمائي الدولي الخليجي يمكن أن يكون في الفراغ، أم لابد من وجوده ضمن مشروع ثقافي متكامل يعكس رغبة حقيقية في التأسيس لوجود سينمائي حقيقي في بلدان الخليج تصبح منتجاته السينمائية بمضي الوقت متوفرة ومتاحة في الأسواق الخليجية وغيرها كما يمكن عرضها من خلال شاشات التليفزيون؟
هذه الأسئلة ربما تصلح مدخلا لمناقشة الأمر بنوع من التعمق أكثر مستقبلا. وربما عدت إلى مناقشته مرة أخرى، وفي انتظار تعليقات الزملاء والأصدقاء والقراء.. على البريد التالي amarcord222@gmail.com

3 comments:

HR يقول...

مرحبا

عنوان بريدك على اسم فيلم للمخرج الايطالي فليني Amarcord

ما يجمعنا هو السينما اتمنى منك ان تزور مدونتي

اهلا بك دوما

غير معرف يقول...

dear Mr Amir
i hope that all is fine at your end and that you are enjoying your trips.
as usual i would like to thank you for your thorough coverage and for keeping us connected. moreover i would like to thank you for your notification concerning the Film El Mosafer , and for your clear statement and stand since i totaly share your point of view and find it absolutely ridiculous and unprofessional to put pressure on a filmmaker to recut his film after it was officialy released . i would have totaly understood if it were the filmmaker's decision , but to blackmail him is like that is nothing but a scandal.
kindest regards
Ibrahim El Batout

غير معرف يقول...

I believe MEIFF is much better than dubai festival ,
although its only in its 3rd round

I love Peter Scarlet , the guy make an excellent festival manager

I just found this heavenly interesting blog
and am very thankful you created it

Regards

Bakhita - a young cinemaniac

جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger